استكمالا لموضوع السحر عند الصوفية موضوع " الاسماء الادريسية "
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد
إن موضوع السحر عند الصوفية موضوع كبير وشائك ويستخدم سحرة الصوفية أساليب التضليل والخداع ليضلوا الناس عن سبيل الله عز وجل ، ومن أساليب تضليلهم للناس تسميات المسميات بغير إسمها ، وخلط طلاسمهم ببعض الآيات القرآنية والأدعية التي ظاهرها لا اشكال فيها حتى يظن قليلو الخبرة بأن طلاسمهم ليست سحرية وأنها مجرد أدعية فقط .
ومن أساليبهم في التضليل أيضا هي دعواهم أن طلاسمهم منقولة لهم بالأسانيد عن بعض الأنبياء مثل إدريس وموسى وداود وسليمان عليهم الصلاة والسلام .
نتناول في هذا الموضوع " الأسماء الإدريسية " كمثال على تضليل سحرة الصوفية وتدليسهم على الناس وعمدتنا في هذا الموضوع كتاب " الروضة السندية في الأسماء الإدريسية السهروردية " تأليف محمد التونسي من أكابر صوفية المغرب كما كتب على غلاف الكتاب .
والناشر للكتاب المكتبة الأزهرية للتراث – القاهرة ، وهي دار نشر متخصصة بنشر التراث الصوفي فأكثر منشورات هذه الدار هي الكتب الصوفية .
أما أسلوب المؤلف في الكتاب التقية على قدر الإمكان فهو لا يذكر طريقة العمل ( السحر كاملة ) بل يذكر بعض ويكتم بعض باسلوب منسجم ؛ يعرفها هذا من لديه اطلاع على خباياهم وهذه عادتهم في تنصيف كتبهم السحرية منذ القديم حتى قال البوني : (( وفي كتب الحكماء الأقدمين وإن لم يكونوا ذكروه فيها فإنهم كما ذكرت لكم ألا لم يذكروا عملا تاما ولا طريقة كاملة وأن الذي يذكرونه يرمزونه ويخفون تمام الأعمال ... الخ )) [ منبع أصول الحكمة ص 8 ] ، أما تمام الأعمال السحرية فهم يتناقلونها مشافهة من صدر إلى صدر .
كان المؤلف يذكر الأسم الادريسي ثم خواصه أي الأعمال السحرية ثم على من نزل من الأنبياء كما يدعي المؤلف ، وسوف نبين إن شاء الله تعالى تناقض المؤلف في أن هذه الأسماء نزلت على الأنبياء .
ادعى المؤلف أن الأسماء الادريسية نزلت على نبي الله إدريس عليه السلام قال المؤلف : (( اعلم يا أخي وفقك الله لطاعته أن هذه الأسماء الشريفة تسمى العظام وكل منها يسمى اسما أعظم لأنها سريعة الإجابة بسرعة التأثير ولا وصل من وصل من الأولياء وأصحاب المقامات إلى أعلا عليين إلا ببركة هذه الأسماء لأن الله تعالى أنزلها على سيدنا إدريس عليه السلام فببركتها نصره الله تعالى على قومه ونجاه الله منهم ومن أفعالهم وأحوالهم وآمنوا به وتبعوه وصدقوه ثم لما مات سيدنا إدريس ورفعه الله مكانا عليا أقرها الله في أمته فجعلوا يتلونها ويتواصلون بها ويلقنونها لبعضهم من واحد إلى واحد إلى أن وصلت لسيدنا عيسى عليه السلام فكمان بها يحيى الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص وتظهر على يديه المعجزات الخارقة للعادات ببركة هذه الأسماء وأن الله تعالى رفع بها سيدنا عيسى إلى السماء كما قال تعالى : " بل رفعه الله إليه " ونجاه الله تعالى من القتل ببركتها وبقيت الدنيا خالية من هذه الأسماء من زمن رفع عيسى إلى أن بعث نبينا عليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وغزا الغزوات حتى انتهى إلى غزوة الأحزاب وكانت تسمى غزوة الخندق وغزوة الحرة لما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم من الشدة العظيمة في ذلك اليوم فلما أراد الله تعالى نصر المؤمنين على الكافرين انزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأسماء وأمره أن يدعو بها في سره فدعا فنصره الله تعالى ... الخ )) [ ص 3 – 4 ]
وهذا الذي قاله المؤلف محض الافتراء لا يوجد أي دليل نقلي عليه بل هو ناقض نفسه حيث يذكر في كل اسم على من نزل على من الأنبياء ، ففي مقدمة يذكر أن هذه الأسماء نزلت على إدريس عليه السلام فبقيت متداولة حتى رفع عيسى عليه السلام وفي ثنايا الكتاب يذكر أن بعض هذه الأسماء نزلت على بعض الأنبياء ، وهذا يدل على الكذب الذي يكذبه السحرة ليعطوا الشرعية لسحرهم حتى إذا ما وجهوا بهذا قالوا أنها هذه أسرار علوم الأنبياء كذبا وافتراء على الأنبياء .
فمن الأسماء التي أدعى أنها زلت على بعض الأنبياء على سبيل المثال لا الحصر لأنها كثيرة جدا قال في الاسم الثاني : (( وهذا الاسم نزل على سيدنا سليمان بن داود حيث قال : " قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي : الآية فأنزله عليه وسخر له الأنس والجن والشياطين ببركة هذا الاسم الشريف )) [ ص 9 ]
وهنا يتضح الكذب والافتراء على أنبياء الله عز وجل ففي المقدمة يقول أن الأسماء الادريسية نزلت على إدريس وهنا في الاسم الثاني لما دعا نبي الله سليمان بأن يكون له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده أنزل الله عز وجل عليه هذا الإسلام ، فهذا يعني أن هذا الاسم ( الاسم الثاني من الأسماء الادريسية ) لم يكن معروفا قبل سليمان حتى أنزله الله تعالى على سليمان عليه السلام !!
وهذا تناقض منشأه الكذب والافتراء على أنبياء الله عز وجل لتمرير السحر على الناس وإعطائه الشرعية .
وقال في الاسم السابع : (( وهذا الاسم أنزله الله تعالى على سيدنا داود عليه السلام وألان له الحديد ببركة الاسم الشريف ولا تصريح بأكثر من هذا والله أعلم )) [ ص 15 ]
وهذا أيضا كسابقه أنزل على داود عليه السلام كما يزعم المؤلف فهذا يفيد أنه نزل بعد إدريس عليه السلام فيهدم قوله في المقدمة أن الأسماء أنزلت على إدريس عليه السلام .
وقال في الاسم العاشر : (( وهذا الاسم أنزله تعالى على سيدنا شعيب عليه السلام فببركته أتاه الله المال الكثير ورزقه الله الاولاد والابرار )) [ ص 19 ]
وهذا كسابقه أيضا يبين كذب الدعوى بأن الله عز وجل أنزل هذه الأسماء على نبيه إدريس فإن شعيبا عليه السلام جاء بعد إدريس عليه السلام بقرون كثيرة .
ومن الملاحظ أن المؤلف يحاول هدم معجزات الأنبياء التي كانت دالة على صدق نبوتهم فيحاول أن يجعلها من جنس الأعمال السحرية التي يتعاطاها السحرة وأنى له ذلك فهؤلاء سحرة فرعون لما رأوا المعجزة عرفوا أنها معجزة وليست سحرا ، ولكن هذا الكذاب الأشر يفتري على الأنبياء ، وهل يريد الساحر غير أن يضلل الناس ليكفروا بالله عز وجل ؟!
وقد افترى هذا الأفاك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل نصره بغزوة الخندق بسبب هذه الأسماء وهذا محض الكذب والافتراء لم يدعها أحد سواه على حد علمي ، ثم زاد الطين بلة فقال : (( وهذه الأسماء عم النفع بها وارتقى بها كثير من الناس وظهرت على أيديهم الكرامات بسر هذه الأسماء وهي سلاح الأولياء لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمها لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجه والإمام علي علمها للحسن البصري قم تلقنها الناس من واحد إلى واحد إلى أن وصلت إلينا .. الخ )) [ ص 4 – 5 ]
أما السحر عند الصوفية فهذا أمر أصبح معروفا لا يماري فيه إلا معاند ، أما أنها أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم علمها لعلي فهذا من الكذب والافتراء على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الإمام علي رضوان الله عليه ، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا علي بن أبي طالب باطنية وكيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم باطنيا وقد أمره الله عز وجل بالصدع بالدعوة .
وأما علي بن أبي طالب فقد صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصه بعلم كما يزعم هذا المؤلف المفتري فقد أخرج البخاري عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي بن أبي طالب : هل عندكم كتاب قال : لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة قال : قلت : فما في هذه الصحيفة قال : (( العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر ))
فلم يقل علي بن أبي طالب الاسماء الادريسية ولا الباطنية الصوفية ، ونحمد الله تعالى أنا أبا جحيفة سأل علي بن أبي طالب هذا السؤال حتى نعرف كذب المدعين الذين يبدو أنهم من زمن علي بن أبي طالب وهم يكذبون عليه حتى اضطروا علي بن أبي طالب أن يصرح بذلك على المنبر فقد أخرج البخاري عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال خطبنا علي فقال : ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله تعالى وما في هذه الصحيفة فقال : (( فيها الجراحات وأسنان الإبل والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثا أو آوى فيها محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك ))
وعلى هذا يتضح كذب المؤلف وافتراءه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء عليهم السلام وعلى علي بن أبي طالب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
نماذج من الأعمال السحرية .
نذكر هنا بعض الأعمال السحرية التي جاءت في ثنايا الكتاب وهي واضحة جدا لمن يريد الحق أما المعاند المتعصب فلن يقنعه شيئا حتى لو خرج له المؤلف وقال له إني ساحر فلن يعتبر بكلامه ، وهذه بعض الأمثلة :
المثال الأول : قال في الاسم الرابع : (( ومن كتبه على قطعة رصاص وعلقه في قبة الحمام البرانية فوق المسلخ فإن الزبون ينجلب إليه ويصير كل من دخل ذلك الحمام لا يسلاه أبدا ويكون دخول ذلك كيف عند كل من دخله من ذكر أو أنثى )) [ ص 11 – 12 ]
المثال الثاني : قال في الاسم الثامن : (( ومن كان له زوجة وهو يحبها ويريد أن لا تفارقه أبدا إلا بالموت فليرصد القمر إذا نزل برج مائي ويتخذ له لوج رصاص وينقش عليه هذا الاسم بإبرة حديد ويقيده باسمها واسم أمها ويقول فلانة بنت فلانة ويحمل معه هذا الاسم ويحمل معه هذا اللوح فإن الله تعالى يؤلف بينه وبين زوجته ولا تطلب غيره أبدا لا في حياته ولا بعد مماته بإذن الله تعالى )) [ ص 16 ]
المثال الثالث : قال في الاسم التاسع : (( خاصية هذا الاسم أن من كان له ولد وهو يعفه أو زوجة هي تخالفه فليكتب هذا الاسم الشريف على ورق الزيتون بماء القرصاد وينشف الورق المذكور ويفتته ويذره على المأكل والمشرب اللذان يأكلان ويشربان منه فإنهم يطيعوا من فعل ذلك لكن يقيده باسمه واسم أمه كذلك الزوجة هذا ما ذكره المشايخ الكبار )) [ ص 19 ]
المثال الرابع : قال في الاسم العشرين : (( ومن كان يحب إنسانا ويريد أن يصاحبه في الله تعالى فليكتب هذا الاسم في أثر المطلوب بمسك وزعفران وماء ورد ويبخره بالعود والعنبر ويتلو عليه الاسم الشريف مائة مرة ثم يتوجه إلى البحر في كل مرة ويجلس بجانبه ويقرأ عليه الاسم مائة مرة يتفل على البحر في كل مرة يقول اللهم كما أجريت هذا الماء أن تجري محبتي في قلب فلانة بنت فلانة فإن الله يحنن عليه مطلوبة )) [ ص 38 – 39 ]
المثال الخامسة والأخيرة : في الاسم الحادي والعشرين : (( خاصية هذا الاسم أن من أراد الكمال في الأمور وأراد أن يكون معظما ومبجلا ومهابا فليكتب هذا الاسم الشريف في رق غزال بماء الفرصاد يوم الجمعة والخطيب على المنبر ثم يلفها في مشمع ويحملها فإنه يكون عظيما وجيها بين الناس وكل من رآه عظمه وهابه فإذن الله تعالى )) [ ص 40 ]
وهذا المثال الأخيرة يدل على حقارة هؤلاء فالمسلمون يصلون الجمعة الواجبة وهم يعملون أعمالهم السحرية ولا حول ولا قوة إلا بالله .
يحاول هؤلاء السحرة إيهام الناس أنه هذه الأسماء عبارة عن أدعية مأثورة عن الأنبياء بينما حقيقة الأمر هو استعانة بالشياطين ليعملوا أعمالهم السحرية وقد صرح المؤلف في غيرما موضع أنه يتعامل مع الروحانيين فمن ذلك :
قوله : (( .... ومراده العهد من الروحانية فإن له طريق غير هذا ولا نذكرها خوف أن يقطع هذا الكتاب في لا يعرف مقامه أو يقع في يد فاسق أو فاجر يؤذي به خلق الله تعالى وهذه قاعدة تدور في جميع الأسماء )) [ ص 24 ]
قال هذا الكلام بعدما ذكر جملة من الأعمال السحرية التي تخص الاسم الثاني عشر فهو يصرح بأنه لا يذكر استخدام الروحانيات ولا الأقسام عليهم ويكتفي فقد بذكر العمل ، لأن أصل علمه السحري هو التلقي من الأفواه وليس من الكتب .
وقال أيضا : (( ... لأن هذا الأسماء غيارة وتغيير على مستعمليها أشد غيرة من الرجل على زوجته أو من المرأة على زوجها وخرجت هذه النصيحة من عنقي وبقيت في عنقك لأن الإنسان إذا ذكر الله تعالى بهذه الأسماء يعني الأسماء الادريسية تحضر الخدمة وقت الذكر في أول مرة وثاني مرة وثالث مرة وهلم جرا إلى يعتادوا الحضور فإذا ترك الإنسان الذكر وقتا من الأوقات رجعوا على المجلس وقالوا لعله في شغل ودعوا له فإذا ترك الإنسان الذكر وقتا آخر وجاءوا إلى المجلس فوجوده ساكتا أو لم يجدوه أصلا سعوا في ضرره وأذوه الأذية البالغة إما في نفسه أو ماله أو كسبه أو أولاده أو عياله أو منزلة ولم يعرف الذاكر بأي سبب جاءه هذا الضرر وينسب ذلك إلى الناس وليس كذلك )) [ ص 52 – 53 ]
وهنا يصرح المؤلف باستخدام الشيطان وليس هذا فقط بل يحذر من ترك هذه الأعمال السحرية وإلا سيناله الأذى من الشيطان وهذا حال كل ساحر تاب من السحرة فإن الشياطين لا تتركه بحاله كما أخبر من تاب من السحر .
وختاما هذه نصيحة كتبناها لنبي حقيقة هؤلاء المتصوفة الذين يخدعون الناس باسم الزهد والولاية وفي حقيقة أمرهم سحرة لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة فكل همهم اظهار الخوارق حتى تكون لهم الوجاهة عند الناس فيضلونهم عن الحق طاعة للشيطان ، وقد علم فألزم ولا حول ولا قوة إلا بالله
هذا والله تعالى أعلا وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم