معاقبة علي ( رض ) للغلاة بالتحريق – دون غيره - ثبتّهم على ضلالهم وزادهم يقينا بباطلهم

[عبد الملك الشافعي]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فلا يخفى على المتتبع ظهور جماعة ادعت في علي رضي الله عنه الألوهية ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ..
وكذلك لا يخفى موقفه الشهير منهم حيث أمرهم بالتوبة والرجوع عن كفرهم البواح فأبوا ، فأوقد لهم ناراً وأحرقهم فيها ، ثم أنشد البيت المشهور:

لما رأيت الأمر أمراً منكرا * أوقدت ناراً ودعوت قنبرا

والنقطة الأساسية في الموضوع هي:
هل كان اختيار علي رضي الله عنه لنوع العقوبة بالتحريق - دون غيره - صواباً يتحقق به الردع والتخويف للرجوع عن معتقدهم ؟!

ولا شك بأن الجواب - بعد استعراض الشواهد - يتطلب التجرد من العواطف والصراحة بالحق ومفاده:
إن الأمر بالتحريق لم يكن صواباً إذ لم يتحقق به الردع المُراد ، بل المتحقق منه هو العكس تماماً ؛ إذ جعلهم يزدادون ثباتاً ويقيناً على كفرهم ، لأن التحريق صار لهم شاهداً حيّاً ودليلاً جديداً على ألوهية علي رضي الله عنه بناءاً على أن التحريق مختص بالله سبحانه فلا يعذب بالنار إلا رب النار !!!

والشواهد على أن التحريق كان فيه مزيد إضلال لهم وتثبيتاً لهم على كفرهم عديدة منها:
1- روى محدثهم هاشم البحراني في كتابه ( مدينة المعاجز ) ( 1 / 228 ):[ فخرج بعضهم عن الكفر ، وبقي قوم على الكفر ما رجعوا ، فألح عليهم أمير المؤمنين - عليه السلام - بالرجوع فما رجعوا ، فأحرقهم بالنار وتفرق منهم في البلاد قوم قالوا : لولا أن فيه الربوبية وإلا فما كان أحرقنا بالنار ].

2- روى خاتمة محدثيهم النوري الطبرسي في كتابه ( مستدرك الوسائل ) ( 18 / 169-170 ):[ وروى الشيخ شاذان بن جبرئيل القمي في كتاب الفضائل : بإسناده عن أبي الأحوص ، ما يقرب منه ، وفي آخره : فسمع بذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وضاق صدره فأحضرهم ، وقال : " يا قوم ، غلب عليكم الشيطان ، إن أنا الا عبد الله ، أنعم علي بإمامته وولايته ووصية رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فارجعوا عن الكفر ، فانا عبد الله وابن عبده ، ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) خير مني ، وهو أيضا عبد الله ، وإن نحن الا بشر مثلكم " فخرج بعضهم من الكفر وبقي قوم على الكفر ما رجعوا ، فألح عليهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالرجوع فما رجعوا ، فأحرقهم بالنار ، وتفرق منهم قوم في البلاد ، وقالوا : لولا أن فيه الربوبية ، ما كان أحرقنا في النار ].

3- روى ابن أبي الحديد في كتابه ( شرح نهج البلاغة ) ( 5 / 5-6 ):[ قال أبو العباس : وقد كان على عثر على قوم خرجوا من محبته ، باستحواذ الشيطان عليهم ، إلى أن كفروا بربهم ، وجحدوا ما جاء به نبيهم ، واتخذوه ربا وإلها ، وقالوا : أنت خالقنا ورازقنا ، فاستتابهم وتوعدهم ، فأقاموا على قولهم ، فحفر لهم حفرا دخن عليهم فيها طمعا في رجوعهم ، فأبوا ، فحرقهم بالنار ، وقال : ألا ترون قد حفرت حفرا * اني إذا رأيت أمرا منكرا * وقدت ناري ودعوت قنبرا *
وروى أصحابنا في كتب المقالات أنه لما حرقهم صاحوا إليه الآن ظهر لنا ظهوراً بيَّناً أنك أنت الإله ، لأن ابن عمك الذي أرسلته قال : ( لا يعذب بالنار إلا رب النار ) ].

4- قال شيخهم باقر شريف القرشي في كتابه ( في رحاب الشيعة ) ( ص 94 ):[ وظهرت على مسرح الحياة الإسلامية مشكلة الغلاة وهي في واقعها خروج عن الإسلام ومروق من الدين ، وقد ظهر هذا اللون المفجع في خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حينما شاعت فضائله ومآثره ، وما يتمتع به من المواهب والعبقريات فغالى فيه بعض الجهال فزعموا أنه الله ، وقد قالوا له : أنت هو ، فقال لهم : من هو فأجابوه : أنت الله . واستعظم الإمام من ذلك وفزع منه فأمر بناء فأججها وأحرقهم فيها ، وهو يقولون : الآن صح عندنا أنك الله لأنه لا يعذب بالنار إلا الله ، وفي ذلك يقول : لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت نارا ودعوت قنبرا ].

فلا أدري لماذا ترك علي رضي الله عنه كل أنواع العقوبات الرادعة واختار هذه العقوبة التي زادتهم ضلالاً إلى ضلالهم ؟!!!
مع أن الغرض من العقوبة هو التخويف والردع ليرجعوا عما هم فيه