الإمام السّابع: زرارة بن أعين
زرارة بن أعين (ت 150هـ) هو أحد رواة الشّيعة الموثوقين، اتّفق علماء الشّيعة على وثاقته وجلالته.
لكن ماذا يقول أئمّة أهل البيت عن هذا الرّجل؟:
- يروي (الكشي) عن علي بن الحكم، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله جعفر الصّادق (عليه السلام) قال: دخلت عليه فقال: متى عهدك بزرارة ؟ قال، قلت: ما رأيته منذ أيام، قال لا تُبالِ، وإن مرض فلا تعده وإن مات فلا تشهد جنازته، قال، قلت: زرارة ؟! متعجبا مما قال، قال: "نعم زرارة، زرارة شرّ من اليهود والنّصارى ومن قال إن مع الله ثالث ثلاثة". (رجال الكشي: ص160. رواية رقم 267).
- ويروي (الكشي) أيضا عن عمران الزعفراني، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأبي بصير: "يا أبا بصير - وكنى اثني عشر رجلا- ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع، عليه لعنة الله"، هذا قول أبي عبد الله. (رجال الكشي ص149. رواية رقم 241).
- في (رجال الكشي): حدثني أبوجعفر مُحَمّد بن قولويه، قال: حدثني مُحَمّد بن أبي القاسم أبوعبدالله، المعروف بماجيلويه، عن زياد بن أبي الحلال، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنّ زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا فقبلنا منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك، فقال: هاته، فقلت:ُ يزعم أنه سألك عن قول الله عزوجل: ﴿وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا﴾ (آل عمران: 97). فقلتَ: من ملك زادا وراحلة، فقال لك: كلّ من ملك زادا وراحلة فهو مستطيع للحج وإن لم يحج؟ فقلتَ: نعم؟. فقال: ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت، كذب علي والله، كذب علي والله، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، إنّما قال لي: من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج ؟ قلت: قد وجب عليه، قال: فمستطيع هو ؟ فقلت: لا حتى يؤذن له، قلت : فأخبر زرارة بذلك ؟ قال: نعم، قال زياد: فقدمت الكوفة فلقيت زرارة، فأخبرته بما قال أبوعبدالله وسكتّ عن لعنه. قال: أما إنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لايعلم، وصاحبكم (أي أبو عبدالله) هذا ليس له بصر بكلام الرجال. (رجال الكشي: ص147. رواية 234).
ورجال سند هذه الرّواية كلّهم ثقات عند الشيعة.
زرارة الذي كان يتظاهر بالصّلاح ليدسّ الكذب على أعلام أهل البيت:
روى الكشي بسنده عن عمار الساباطي قال: نزلت منزلا في طريقي مكة ليلة فإذا أنا برجل قائم يصلي صلاة ما رأيت أحدا صلى مثلها و دعا بدعاء ما رأيت أحدا دعا بمثله، فلما أصبحت نظرت إليه فلم أعرفه فبينا أنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالسا إذ دخل الرجل فلما نظر أبو عبد الله (عليه السلام) إلى الرجل، قال ما أقبح بالرجل أن يأتمنه رجل من إخوانه على حرمة من حرمته فيخونه فيها قال فولى الرجل، فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا عمار أ تعرف هذا الرجل قلت لا والله إلا أني نزلت ذات ليلة في بعض المنازل فرأيته يصلي صلاة ما رأيت أحدا صلى مثلها و دعا بدعاء ما رأيت أحدا دعا بمثله، فقال لي هذا زرارة بن أعين، هذا من الذين وصفهم الله عز و جل في كتابه فقال: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً}". (رجال الكشي: ص151. رواية 245).
بل إنّ زرارة هذا كان حاقدا على الإمام جعفر يروي عنه روايات تسيء إليه، ففي رجال الكشّي عن ابن مسكان، قال: سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر، وأما جعفر فإنّ في قلبي عليه لفتة، فقلت له: وما حمل زرارة على هذا؟، قال: حمله على هذا لأنّ أبا عبد الله (عليه السلام) أخرج مخازيه. (رجال الكشّي: ص144-145. رواية رقم 228).
وانظر إلى سوء أدبه مع الإمام جعفر:
روى الكليني عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الجدّ فقال: ما أجد أحدا قال فيه إلا برأيه إلا أمير المؤمنين (عليه السّلام). قلت: أصلحك الله فما قال فيه أمير المؤمنين (عليه السّلام)؟ قال: إذا كان غدا فالقني حتى أقرئكه في كتاب، قلت: أصلحك الله حدّثني فإنّ حديثك أحبّ إليّ من أن تقرئنيه في كتاب، فقال لي الثانية: اسمع ما أقول لك إذا كان غدا فألقني حتى أقرئكه في كتاب فأتيته من الغد بعد الظهر وكانت ساعتي التي كنت أخلو به فيها بين الظهر والعصر وكنت أكره أن أسأله إلا خاليا خشية أن يفتيني من أجل من يحضره بالتقية، فلمّا دخلت عليه أقبل على ابنه جعفر (عليه السّلام) فقال له: أقرئ زرارة صحيفة الفرائض، ثم قام لينام فبقيت أنا وجعفر (عليه السّلام) في البيت فقام فأخرج إليّ صحيفة مثل فخذ البعير فقال: لست اقرئكها حتى تجعل لي عليك الله أن لا تحدّث بما تقرأ فيها أحدا أبدا حتى آذن لك، ولم يقل: حتى يأذن لك أبي، فقلت: أصلحك الله ولمَ تضيّق عليّ ولم يأمرك أبوك بذلك؟ فقال لي: ما أنت بناظر فيها إلا على ما قلت لك، فقلت: فذاك لك، وكنت رجلا عالما بالفرائض والوصايا، بصيرا بها، حاسبا لها، ألبث الزمان أطلب شيئا يلقي علي من الفرائض والوصايا لا أعلمه فلا أقدر عليه، فلمّا ألقى إليّ طرف الصّحيفة إذا كتاب غليظ يعرف أنه من كتب الأوّلين، فنظرت فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي الناس من الصّلة والأمر بالمعروف الذي ليس فيه اختلاف، وإذا عامّته كذلك، فقرأته حتى أتيت على آخره بخبث نفس وقلة تحفّظ وسقام رأي وقلت: وأنا أقرؤه باطل، حتى أتيت على آخره، ثمّ أدرجتها ودفعتها إليه، فلمّا أصبحت لقيت أبا جعفر (عليه السّلام) فقال لي: أقرأت صحيفة الفرائض؟ فقلت: نعم، فقال: كيف رأيت ما قرأت؟ قال: قلت: باطل ليس بشيء، هو خلاف ما الناس عليه. قال: فإنّ الذي رأيت والله يا زرارة هو الحقّ، الذي رأيت إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السّلام) بيده، فأتاني الشّيطان فوسوس في صدري فقال: وما يدريه أنّه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخطّ علي (عليه السّلام) بيده، فقال لي قبل أن أنطق: يا زرارة لا تشكنّ، ودّ الشيطان والله أنّك شككت، وكيف لا أدري أنّه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السّلام) بيده، وقد حدثني أبي عن جدّي أن أمير المؤمنين (عليه السّلام) حدثه ذلك، قال: قلت: لا، كيف جعلني الله فداك، وندمت على ما فاتني من الكتاب ولو كنت قرأته وأنا أعرفه لرجوت أن لا يفوتني منه حرف. (الكافي: 07/94. باب ميراث الولد مع الأبوين. رواية رقم 03).
روى الكشيّ بسنده عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة الشحام ويعقوب الأحمر، قالوا: كنا جلوسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه زرارة فقال: إنّ الحكم بن عتيبة حدث عن أبيك أنه قال: صلّ المغرب دون المزدلفة، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): أنا تأملته، ما قال أبي هذا قط، كذب الحكم على أبي، قال: فخرج زرارة و هو يقول: ما أرى الحكم كذب على أبيه. (رجال الكشي: ص158. رواية 262).
وروى الكشي عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التشهد؟ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، قلت: التحيات الصلوات. قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت قلت: إن لقيته لأسألنه غدا، فسألته من الغد عن التشهد فقال كمثل ذلك، قلت: التحيات والصلوات. قال: التحيات والصلوات، قلت: ألقاه بعد يوم، لأسألنه غدا، فسألته عن التشهد فقال كمثله، قلت: التحيات والصلوات، قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح أبدا. (رجال الكشي: ص159. رواية 265).
ويكذب على الإمام جعفر أنّه أمره بالكبائر:
روى الكشي عن محمد بن أبي عمير، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال كيف تركت زرارة؟ قال: تركته لا يصلي العصر حتى تغيب الشمس، قال: فأنت رسولي إليه، فقل له فليصل في مواقيت أصحابه فإني قد حرقت، قال فأبلغته ذلك فقال: أنا والله أعلم أنك لم تكذب عليه، ولكني أمرني بشيء فأكره أن أدعه. (رجال الكشي: ص143. رواية 224).
وفي (لسان الميزان) لابن حجر: " عن ابن السماك قال: حججت فلقيني زرارة بن أعين بالقادسية فقال: إنّ لي إليك حاجة، وعظّمها، فقلت: ما هي؟ فقال: إذا لقيت جعفر بن محمد فأقرئه مني السلام، وسله أن يخبرني أنا من أهل النار أم من أهل الجنة؟ فأنكرت عليه، فقال لي: إنه يعلم ذلك، ولم يزل بي حتى أجبته، فلما لقيت جعفر بن محمد أخبرته بالذي كان منه فقال: هو من أهل النار، فوقع في نفسي مما قال جعفر فقلت: ومن أين علمت ذلك؟ فقال: من ادعى علي علم هذا فهو من أهل النار، فلما رجعت لقيني زرارة فأخبرته بأنه قال لي إنه من أهل النار، فقال: كال لك من جراب النورة، فقلت: وما جراب النورة؟ قال: عمل معك بالتقية.
قلت (ابن حجر): زرارة قلّما روى، لم يذكر ابن أبي حاتم في ترجمته سوى أن قال: روى عن أبي جعفر يعنى الباقر، وقال سفيان الثوري: ما رأى أبا جعفر، وقال العقيلي: قال ابن المديني: سمعت سفيان يعني ابن عيينة يقول: وقيل له روى زرارة بن أعين عن أبي جعفر كتاباً، قال: ما هو؟ ما رأى أبا جعفر ولكنه كان يتتبع حديثه". (لسان الميزان: 01/401).
ولكن كيف كان موقف علماء الشّيعة من هذا الذمّ الواضح ؟:
- قال ابن المطهّر: "زرارة بن أعين بن سنسن: بضم السين المهملة وإسكان النون وبعدها سين مهملة وبعدها نون: الشيباني شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم، وكان فقيها قارئا متكلما شاعرا أديبا قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين، ثقة صادق فيما يرويه، وقد ذكر الكشي أحاديث تدل على عدالته وعارضت تلك الأحاديث أخبار أخر تدل على القدح فيه قد ذكرناها في كتابنا الكبير، وذكرنا وجه الخلاص عنها، والرجل عندي مقبول الرواية مات رحمه الله سنة خمسين و مائة". (رجال الحلي: ص76).
- قال الحر العاملي في هذا الذمّ الشديد الوارد في حقّ زرارة: "وروى (أي: الكشيّ) أحاديث في ذمه، ينبغي حملها على التقية، بل يتعين، وكذا ما ورد في حق أمثاله من أجلاء الإمامية، بعد تحقق المدح من الأئمة عليهم السلام".. ثمّ ذكر أثرا مختلقا عن الإمام جعفر الصّادق مفاده أنّه يذمّ زرارة تقية. (وسائل الشيعة: 30/373).
- أمّا عبد الحسين شرف الدين الموسوي فقد جعله من أعلام الهدى ومصابيح الدجى؛ فقال في معرض حديثه عن أصحاب الإمام الباقر: " وهناك أبطال لم يدركوا الإمام زين العابدين، وإنما فازوا بخدمة الباقرين الصادقين؛ فمنهم أبو القاسم بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن مراد البختري المرادي، وأبو الحسن زرارة بن أعين، وأبو جعفر محمد بن مسلم بن رباح الكوفي الطائفي الثقفي، وجماعة من أعلام الهدى ومصابيح الدجى، لا يسع المقام استقصاءهم " (المراجعات: مراجعة110).
الله المستعان... الإمام الصادق يلعن زرارة ويتهمه بالكذب ويخرج مخازيه، وعلماء الشّيعة يجعلونه من أعلام الهدى ومصابيح الدّجى !!!.
وربّما تعظم الغرابة إذا علمنا أنّ زرارة بن أعين هذا من أكثر رواة الشّيعة رواية عن الأئمّة:
يقول أبو القاسم الخوئي في (معجم رجال الحديث):
"وقع بعنوان زرارة في إسناد كثير من الروايات تبلغ ألفين وأربع مئة وتسعين موردا (2490)؛ فقد روي عن أبي جعفر عليه السلام روايات عنه تبلغ ألفا ومئتين وستة وثلاثين موردا، وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ورواياته عنهما بهذا العنوان تبلغ اثنين وثمانين موردا، وروى عن أبي عبد الله عليه السلام ورواياته عنه بهذا العنوان -وقد يعبر عنه بالصادق عليه السلام- تبلغ أربعمائة وتسعة وأربعين موردا، وروى عن أحدهما عليهما السلام، ورواياته عنهما بهذا العنوان تبلغ مائة وستة وخمسين موردا". (معجم رجال الحديث: 7/249).
***
الإمام الثّامن: جابر الجعفي
هو جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي، توفّي سنة (127هـ)، يعدّ من أوثق رواة الشّيعة.
لكن ما مرتبة هذا الرّجل عند علماء الجرح والتّعديل؟
قال ابن حبان: كان سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ، كان يقول: إن علياً يرجع إلى الدنيا، وروى العقيلي بسنده عن زائدة أنه قال: جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)، وقال النسائي وغيره: متروك. وقال يحيى: لا يكتب حديثه ولا كرامة، قال ابن حجر: ضعيف رافضي. (انظر: ميزان الاعتدال: 1/379-380، تقريب التهذيب 1/123، الضعفاء للعقيلي: 1/191-196).
جابر الجعفيّ هذا هو الذي ينسب إليه بعض المؤرّخين أوّل تفسير شيعيّ باطنيّ يؤوّل آيات القرآن تأويلات باطنية لا يقرّها السّياق ولا اللّسان العربيّ، وكان يدّعي أنّ للقرآن ظهرا وبطنا، ويروي كذبا وزورا يقول: سألت الإمام الباقر عن شيء من تفسير القرآن فأجابني، ثم سألت ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم؟ فقال لي: يا جابر: إن للقرآن بطناً، وللبطن بطناً وظهراً، وللظهر ظهراً، يا جابر، وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية لتكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف على وجوه". (تفسير العياشي: 1/11، بحار الأنوار: 92/95، وسائل الشيعة: 18/142).
وكان تفسيره الباطنيّ موضع تداول سريّ، وقد وضع شركاؤه في المؤامرة روايات عن الأئمّة تحثّ على تداوله سرا، فيروي المفضل بن عمر الجعفي، يقول: "سألت أبا عبد الله - عليه السّلام - عن تفسير جابر؟ فقال: لا تحدّث به السّفلة فيذيعوه" (رجال الكشي: ص192).
ولعلّ معظم تأويلات الشّيعة لكثير من آيات القرآن التي يحملون فيها بعض الآيات على الأئمّة والإمامة، وبعضها الآخر وبخاصّة المتعلّقة منها بالشّرك على أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم)، هذه التأويلات مأخوذة عن هذا الجعفيّ الكذّاب. ويكفي الرّجوع إلى تفسير العياشي أو القمّي أو الصّافي للفيض الكاشاني للوقوف على كمّ هائل من الرّوايات التي تنحى هذا المنحى.
جابر الجعفي الذي حفلت كتب الشّيعة برواياته واحتفت بها، وجعلته من المكثرين عن الأئمّة:
في (رجال الكشّي) أنّ جابرَ الجعفي قال: "حدثني أبو جعفر (عليه السلام) بسبعين ألف حديث لم أحدث بها أحدا قط، ولا أحدث بها أحدا أبدا، قال جابر: فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): جُعلت فداك، إنّك قد حملتني وقرا عظيما بما حدثتني به من سرّكم الذي لا أحدث به أحدا، فربّما جاش في صدري حتى يأخذني منه شبه الجنون. قال: يا جابر، فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبّان فاحفر حفيرة ودَلّ رأسك فيها ثم قل: حدّثني محمد بن علي بكذا وكذا. (الكشي: ص194. رقم 343).
وفي (لسان الميزان) لابن حجر أنّ جابرا هذا قال: "عندي سبعون ألف حديث عن أبى جعفر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها" (لسان الميزان: 01/380).
وقد أقرّ له شيوخ الشّيعة بهذا: يقول الحرّ العاملي في (وسائل الشّيعة: 30/329): "وروي أنه روى سبعين ألف حديث عن الباقر عليه السلام، وروى مائة وأربعين ألف حديث، والظاهر أنه ما روى أحد -بطريق المشافهة- عن الأئمة عليهم السلام أكثر مما روى جابر، فيكون عظيم المنزلة عندهم، لقولهم عليهم السلام:« اعرفوا منازل الرجال منا ، على قدر رواياتهم عنا »".
لكن ما قول أعلام أهل البيت في هذا ؟:
يروي (الكشي) عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أحاديث جابر فقال: "ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة وما دخل علي قط". (رجال الكشي: ص191. رواية رقم 335).
ولم يجد شيخهم الخوئي مخرجا من هذه الرواية التي تكذب جابراً إلا أن يفزع الى التقية فيقول بأنه "لابد من حمله على نحو من التورية". (معجم رجال الخوئي: 05/25).
وقال (هاشم معروف) في ترجمة عمر بن شمر بن يزيد الجعفي: "ضعّفه المؤلفون في الرجال ونسبوا إليه أنه دسّ الأحاديث في كتب جابر الجعفي" (دراسات في الحديث: ص195).
فهذا الرّجل كان من أكذب خلق الله، بل قد شهد علماء الجرح والتّعديل أنّه كان ممّن ينتحل العقائد السّبئية:
قال عنه ابن حبان: "كان سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ. كان يقول: إن علياً يرجع إلى الدنيا" (لسان الميزان لابن حجر: 01/380). وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: "ما رأيت أحدا أكذب من جابر الجعفي". (الضّعفاء الكبير للعقيلي: 01/165).
***
الإمام التّاسع: عثمان بن سعيد العمريّ
إذا كان عبد الله بن سبأ هو الذي وضع عقيدة النص على علي (رضي الله عنه) بالإمامة – كما تذكره كتب الفرق عند الشيعة وغيرها – فإنّ هناك ابن سبأ آخر هو الذي وضع البديل لفكرة الإمامة بعد انتهائها بموت الحسن العسكري من غير أن يترك ولدا، هذا الرجل يدعى "عثمان بن سعيد العمري"، وقد قام بدوره في منتهى السريّة حيث وكما تذكر كتب الشيعة نفسها " يتاجر في السّمن تغطية على الأمر"، وكان يتلقّى الأموال التي تؤخذ من الأتباع باسم الزكاة والخمس وحق أهل البيت فيضعها "في جراب السمن وزقاقة ويحمله إلى أبي محمّد عليه السّلام تقية وخوفًا" (الغيبة للطوسي: ص214-215).
وقد زعم بعد وفاة الحسن العسكري أنّ له ولدًا قد اختفى وعمره أربع سنوات (الغيبة للطوسي: ص258)، وزعم أنه لا يلتقي به أحد سواه، فهو السفير بينه وبين الشيعة يستلم أموالهم ويتلقى أسئلتهم ومشكلاتهم ليوصلها إلى الإمام الغائب.
كلّ هذا ليستأثر بأموال السذّج باسم حقّ الإمام، مع أنّ الإمام الرّضا – عليه رحمة الله – كان قد نفى من قبلُ أمثال هذه المزاعم حينما قيل له: قوم قد وقفوا على أبيك يزعمون أنّه لم يمت، فقال: " كذبوا وهم كفّار بما أنزل الله عز وجلّ على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو كان الله يمدّ في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمدّ الله في أجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ". (رجال الكشي: ص458).
هذا وقد ادّعى مثل دعوى عثمان بن سعيد – النيابة على الإمام - آخرون غيره ليستولوا بدورهم على أموال الشيعة، كلّ يزعم أنّه نائب الإمام الغائب (ويسمى الباب أو الواسطة بين الناس وبين الغائب في السّرداب)، وكان النزاع بينهم على أشدّه، وكلّ واحد منهم يُخرج توقيعًا يزعم أنّه صدر عن الغائب المنتظر يتضمن لعن الآخر وتكذيبه، وقد جاء على ذكر أسمائهم شيخ الشيعة الطوسي في مبحث بعنوان: "ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية لعنهم الله" (الغيبة: ص244).
ولعثمان بن سعيد – كما تنقل كتب الشيعة – وكلاء في معظم الديار الإسلامية يدْعون لإمامة هذا المعدوم والقول ببابية (أي وساطة) عثمان بن سعيد. وقد جاء على ذكر هؤلاء الوكلاء ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق، وهو أجمع نص لأسمائهم، كما يذكر محمد باقر الصدر. (تاريخ الغيبة الصغرى: ص60).
وهناك وكلاء آخرون غير مرضيين من عثمان بن سعيد ومن يشايعه، وقد ذكر منهم الطوسي سبعة في مبحث بعنوان "ذكر المذمومين من وكلاء الأئمة" (الغيبة للطوسي: ص213-214).
والفرق عندهم بين الباب والوكيل: أن الباب يلتقي بالإمام الغائب، والوكيل يلتقي بالباب ولا يرى الإمام، ويكون الواسطة بين الشيعة والباب (تاريخ الغيبة الصغرى: ص609).
***
الإمام العاشر: محمّد بن عثمان بن سعيد
لمّا حضرت الوفاة عثمانَ بن سعيد (الباب الأول المعتمد عند الشيعة الإثني عشرية)، عيّن مِن بعده ابنه "محمّد بن عثمان بن سعيد"، ولكنْ خالفه في ذلك طائفة منهم فلم ترتض وساطة ابنه، ونشأ نزاع بينهم ولعن بعضهم بعضًا.
فهذا أحد المخالفين ويدعى (أحمد بن هلال الكرخي) لما قيل له: "ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه، وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة [يعنون إمامهم المنتظر، لأنهم يعتبرون قول الباب الأول هو قول الإمام، لأنه بابه وسفيره الوحيد، فاعتبروا تعيين عثمان بن سعيد لابنه نصًا مقدسًا من الإمام يلعن مخالفه] ؟ فقال لهم: لم أسمعه ينص عليه بالوكالة، ولست أنكر أباه – يعني عثمان بن سعيد – فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه. فقالوا: قد سمعه غيرك، فقال: أنتم وما سمعتم.. فلعنوه وتبرؤوا منه" (الغيبة للطوسي: ص245).
وتكشف بعض أوراقهم سبب هذا التنازع بينهم، فيذكر الطوسي مثلاً عن رجل يدعى "محمد بن علي بن بلال" بأنه رفض بابية محمد بن عثمان العمري، وأنه جرى بينه وبين العمري قصة معروفة – كما يقول – حيث تمسك الأول "بالأموال التي كانت عنده للإمام، وامتنع من تسليمها وادعى أنه الوكيل حتى تبرأت منه الجماعة ولعنوه". (الغيبة للطوسي: ص245). فهذا الرجل شارك عثمان بن سعيد في الوكالة، فلما توفي استأثر بالمال.
فهو إذًا تزاحم وتكالب على البابية والوكالة من أجل جمع الأموال.. وإلا لو كان هناك إمام غائب، يسيّر أمر شيعته عن طريق الأبواب لما صارت الأموال إلى هذا الرجل المحتال، ولما كان محل ثقة الإمام صاحب الزمان، لأنّ الإمام عندهم يعلم ما كان وما يكون.. فلماذا لم يصدر أمره من البداية في التحذير من التعامل معه حتى لا يأخذ أموال الناس؟! لكن الحقيقة أنه لا إمام غائب؛ بل عصابات تأكل أموال الناس بالباطل باسم التشيع والتدين، وأن نزاعها كان لأجل ذلك.
ثم توفي محمد بن عثمان بن سعيد سنة 304هـ بعد أن تولى البابية نحوًا من خمسين سنة كما يذكر الطوسي في كتابه (الغيبة: ص223)، كان الناس خلالها يحملون إليه أموالهم، ويُخرج إليهم التوقيعات بالمهمات في أمر الدين والدنيا وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة.
***
الإمام الحادي عشر: الحسين بن روح
بعد وفاة محمّد بن عثمان تولى بعده رجل يُدعى أبا القاسم الحسين بن روح، وقد كان كما تذكر رواياتهم يقوم بمهمة البابية في آخر حياة محمد بن عثمان؛ حيث كان يُحيل إليه استلام الأموال التي يأتي بها الأشياع، ولذلك قال رجل يدعى "محمد بن علي الأسود": كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فيقبضها مني فحملت إليه شيئًا من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين، فأمر بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي فكنت أطالبه بالقبوض (أي وصول الإستلام)، فشكا ذلك إلى أبي جعفر (محمد بن عثمان) فأمرني ألا أطالبه بالقبوض، وقال: كل ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إليّ، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض. (الغيبة للطوسي: ص225-226).
ولما تردد أحدهم في تسليم أمواله إلى أبي القاسم الحسين بن روح غضب منه الباب محمد بن عثمان وقال له: لِمَ لم تمتثل ما قلته لك؟. ولكن الرجل حاول أن يلاطفه ويهدئ من غضبه خشية أن يُخرج له توقيعًا بلعنه والبراءة منه كعادة الأبواب فيمن يرفض دفع الأموال إليهم، فقال له متلطفًا: "لم أجسر على ما رسمته لي". إلا أن الباب أجابه وهو غاضب وقال له: "قم كما أقول لك". يقول الرجل: "فلم يكن عندي غير المبادرة، فصرت إلى أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيقة فعرّفته ما جرى فسُرّ به وشكر الله عز وجل، ودفعت إليه الدنانير، وما زلت أحمد إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك من الدنانير". (الغيبة للطوسي: ص224).
فأنت تلاحظ ما تحيط به الرموز الشيعية نفسها من صفة القداسة، وما تضفي به على قولها من العصمة ووجوب الطاعة المطلقة، وإلا فاللعن والطرد من رحمة الله.
كما تلاحظ بأن لغة المال هي السائدة في التوقيعات المنسوبة للمنتظر وعلى ألسنة الأبواب والوكلاء.
كان اختيار أبي القاسم الحسين بن روح لأنه أحفظ لسرّ المكان الذي يقيم فيه الغائب، حيث إنّ اختيار الباب يتمّ من قبل الدوائر الشيعية حسب مواصفات خاصة لعلّ من أبرزها حفظ السر، وعدم الظهور والشهرة، يدلّ على ذلك ما جاء في كتاب (الغيبة) للطوسي "أنّ سهلاً النوبختي سئل فقيل له: كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم، ولو علمت بمكانه [أي مكان المهدي الغائب لأنه لا يعلم بمكانه سوى الباب] كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة على مكانه لعلي كنت أدل على مكانه، وأبو القاسم لو كان الحجة [يعني المنتظر الغائب] تحت ذيله وقُرّض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه" (الغيبة: ص240).
ورغم ذلك فقد أثار تعيين أبي القاسم بن روح نزاعًا كبيرًا بين الخلايا السرية، فانفصل عدد من رؤسائهم وادعوا البابية لأنفسهم.. وكثر التلاعن بينهم.
وقد اضطر بعضهم لأن يكشف حقيقة دعوى البابية تلك بسبب أنه لم ينجح في اقتناص مجموعة أكبر من الأتباع، ومن هؤلاء محمد بن علي الشلمغاني المقتول سنة 323هـ، وهو ممن ادعى النيابة عن الإمام الغائب، ونافس أبا القاسم الحسين بن روح عليها، وفضح أمرهم فقال: "ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف" (الغيبة للطوسي: ص241).
يعقب على هذا العلامة الإيراني أحمد الكسروي (الذي ترك التشيّع) فيقول: "لقد صدق فيما قال، فإن التخاصم لم يكن إلا لأجل الأموال، كان الرجل يجمع المال ويطمع فيه فيدعي البابية لكي لا يسلمه إلى آخر" (التشيع والشيعة: ص33).
وهكذا كانت الإمامة من أساسها مؤامرة للاستحواذ على أموال السذّج باسم الإمام:
يروي الشّيعة في كتبهم مثلا أنّ وكلاء الإمام أبي الحسن الرّضا – عليه رحمة الله – لمّا مات، جحدوا موته ليستأثروا بالأموال التي كانوا يجمعونها باسمه؛ فعن يونس بن عبد الرّحمن قال: مات أبو الحسن (عليه السّلام) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم موته، وكان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار. (رجال الكشي: ص405).
***
الإمام الثّاني عشر: علي بن محمّد السمريّ
لمّا توفي الحسين بن روح سنة 326هـ انتقلت البابية بوصية منه إلى رجل رابع يدعى: أبا الحسن علي بن محمد السمري (الغيبة للطوسي: ص244)، وتواصلت مؤامرة السّلب والنّهب، حتى رأت الخلايا السّبئية أنّ الشّيعة بدأوا يتململون من طول غيبة الإمام الغائب، فأوعزت إلى السمريّ أن يعلن انتهاء فترة الغيبة الصّغرى، وانتهاء الصّلة بالإمام وانقطاع فترة النيابة، فأخرج السمريّ لهم توقيعا بذلك، وانتهت فترة الغيبة الصّغرى، وبدأت الغيبة الكبرى التي لا تزال مستمرّة إلى اليوم.
نسأل الله جلّ وعلا أن يعجّل فرج عقول الشّيعة من هذه الغيبة التي جعلتهم يصدّقون أمثال هذه الأساطير، ويقعون ضحايا لمؤامرة دبّرت لهدم الإسلام ولابتزاز أموالهم باسم حقّ أهل البيت.