موقع الصوفية: نشرت صحيفة الحياة الصادرة في لندن تقريرًا عن التيار الصوفي في مدينة حلب السورية ومدى تأثيره وعلاقته في أحداث الانتفاضة التي تشهدها سوريا منذ منتصف مارس الماضي.
وفي تقريره المنشور على موقع الصحيفة يوم الخميس (13 أكتوبر)، كتب براء موسى يقول (نرصد مقتطفات من التقرير):
يتلخص الوجه التصوفي الحديث في حلب في الابتعاد عن السياسة، ولا أجد دلالة تعبيرية أدقّ من المثل الشعبي القائل: «ابتعد عن الشّرّ وغنّ له»، ولا تصويراً لتربية الأهالي لأبنائهم يعكس حرصهم أكثر من إبعاد شبح «شرّ» السياسة عن الأبناء قدر الإمكان. وليس مستغرباً في هذه الحال - وعلى سبيل المثال - أن يكون فريق الاتحاد الحلبي لكرة القدم يحظى بأكثر شعبية بين الفرق السورية، على رغم إخفاقاته المتعددة في انزياح لافتِ لاهتمامات الشباب عن الثقافة والسياسة حتى بأدنى مستوياتها مما يُدعى اصطلاحاً «الاهتمام بالشأن العام».
بعيداً عن حركة التصوف في التاريخ الإسلامي كظاهرة جمعت بين التفلسف والزهد والشطحات الوجدانية، نجد في الواقع الحلبي الحديث انحساراً في التفكّر الصوفي لمصلحة بعض الأدعية والأذكار على سبيل الطريقة النقشبندية أو الشاذلية أو الرفاعية ليس إلاّ.
بين مدارس الطرق الصوفية كانت المدرسة النبهانية الأكثر بروزاً أو شهرة في المجتمع المدنيي الحلبي (التسمية جاءت نسبة إلى الشيخ محمد النبهان الذي توفي في 1975 وكان مؤسساً لمدرسة شرعية تسمى الكلتاوية).
بعد أحداث الثمانينات والصراع بين النظام والإسلاميين، برز دور تلامذة المدرسة النبهانية رافعين راية الاستسلام البيضاء أو راية الولاء المطلق للسلطان، تحت شعار نبهانيّ مفاده «إصلاح الحاكم خيرٌ من تغييره». وكان من أبرز الأسماء من تلاميذ هذه المدرسة الشيخ صهيب الشامي مدير أوقاف حلب لثلاثين سنة تقريباً، ومفتي الجمهورية الحالي الشيخ أحمد حسون، والخطيب البارز محمود الحوت.
على أن التيار النبهاني لم يكن وحيداً في الانسحاب من السياسة لمصلحة السلطة، فكذلك تمنهج «أحفاد» الأمير عبدالقادر الجزائري من تلاميذ الطريقة الشاذلية في حلب الطريق ذاته ...
في العقود الثلاثة التي تلت أحداث الثمانينات، رُوقبت المساجد بروّادها وخطبائها بصرامة شديدة من جانب السلطات، ليس بغية فصل الدولة عن الدين، وإنما لتنحية عموم المؤمنين عن السياسة كلياً، وهذا ما تحقق فعلياً على الأرض في انتصار ساحق لعلمانية مزعومة لنظام شمولي على تديّن شعب مقهور. والنتائج الكارثية لهذا النصر العظيم تجسدت في انتشار مكثّف وثقيل لمعنى مثل شعبي يقول: «إذا شفت الأعمى طبّو، مانك أرحم من ربّو»! وتراجع مخيف عن معنى الحديث النبوي «من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم»[i].
في العقدين الكابوسيين لعهد الراحل حافظ الأسد كان اهتمام الشارع الحلبي بأهوال يوم القيامة حيث «النساء العاصيات اللواتي يعلّقن في جهنم من شعورهنّ وأثدائهنّ»، أقوى بما لا يُقاس من اهتمامهم بجوع جيرانهم على سبيل المثال.
ومع التفريغ الممنهج في الساحة الثقافية والسياسية بالنفي أو الاعتقال أو الهروب من البطش، والتضييق على النخب الفكرية والعلمية سواء في صفوف اليمين أو اليسار، لم تتوقف عملية الانسحاب من السياسة فحسب، بل ربما نلحظ أحياناً كثيرة الانسحاب من المجتمع ذاته، والبحث المضني عن الخلاص الفردي.
في عصر المعلومات الجديد والتقانات الحديثة تزعزعت إلى حد بعيد واحدة من أعرق قواعد المدارس الصوفية: «من لا شيخ له فشيخه الشيطان»، وأضحى محرك البحث «غوغل» مثلاً واحداً من شيوخ من أراد المعرفة.
لقد كان دور المشايخ والخطباء، وكذلك جيل الآباء، جوهرياً في ما مضى في التأسيس لثقافة «وأطيعوا أولي الأمر منكم». اليوم، لا أحد يمكنه التكهن إلى متى يبقى التساؤل عن التخلف الحلبي عن القافلة الثائرة مفتوحاً في مدينة الحلاّج والسهروردي.
هذا التقرير يضع أيدينا على حقيقة يغرسها التصوف في أتباعه ومريديه وهي تغييبهم عن الواقع وعن مواكبة الأحداث الجارية من حولهم. ففي مصر وعلى كثرة ما فيها من الطرقيين، لم يكن لهم شأن يذكر في أحداث ثورة 25 يناير، بل المعروف عن الطرق الصوفية ومشايخها أنهم كانوا من أشد الموالين والداعمين لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. كما هو شأن الصوفية دائمًا يوالون الأنظمة وإن كانت ظالمة، ويتملقون الحكام وإن كانوا من الفسقة اللئام المعادين لدين سيد الأنام –صلى الله عليه وآله وسلم-.
وكان من جناية الطرق الصوفية على مدينة حلب أن جعلتها تتخلف عن ركب الثورة السورية، بحسب رأي الكاتب السوري صاحب التقرير، وهو ما يشبه موقف مفتي سوريا الصوفي أحمد حسون، الذي لم تحركه تلك الدماء الطاهرة التي أراقها النظام النصيري، ولا صرخات الأطفال ولا استغاثات الحرائر. وحتى عندما قتل أحد أبنائه ما ازداد الرجل إلا تسبيحًا بحمد سيده بشار الأسد. فخذل أيضًا شعب سوريا السني، وهو –للأسف- محسوب عليهم ومعدود منهم.
وإذا علمْتَ بعد ذلك أن عدد الزوايا وحلق الذكر المرخصة في حلب تبلغ "204" – بحسب مديرية أوقاف حلب عام 2010- ندرك مقدار الطامة وكيف كان ذلك سببًا جوهريًّا في تخلف المدينة عن ركب الثورة.
وباستدعاء ماضي المدينة، فإن السهروردي زنديق صوفي أفتى علماء حلب بكفره بعدما ثبت عليه الانحلال من الدين وادعاء النبوة. وقد قُتل -ردةً- في حلب سنة 587هـ بأمر صلاح الدين الأيوبي. ويبدو أن مدينة حلب الآن تحتاج إلى هزة قوية تزلزل تلك الزوايا الصوفية المنتشرة فيها وتعيد توجيه بوصلتها من جديد نحو تصحيح العقيدة أولاً، ومن ثم تصحيح مسار الأفهام لتلحق بركب الثورة.
[i] خرَّجه الطبراني في " الصغير " و" الأوسط " وضعفه الشيخ الألباني في السلسة الضعيفة رقم (312) ]موقع الصوفية[.
المصدر