العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية > كتب ووثائق منتدى الحوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-05-17, 09:31 AM   رقم المشاركة : 11
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


الفصل الثالث
عصمة غير الأنبياء

تعتقد بعض فرق أهل القبلة بـ(عصمة) مجموعة من الأشخاص من غير الأنبياء، يطلقون عليهم لقب (الأئمة). على اختلاف في عدد هؤلاء (الأئمة) وأعيانهم.
ونحن نقول: إن الأمة متفقة على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق. فـ(الأئمة) بالاتفاق دون رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة. فكيف ننزههم عن أمور وقع فيها من هو خير منهم –الأنبياء عليهم السلام ؟! لا سيما وقد انقطع الوحي الذي كانت به عصمة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: وَمَا يَنْطقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى  النجم/2-5.
فلا وحي ولا خبر من السماء بعد موت رسول الله . وقد جاء ذلك في نهج البلاغة عن سيدنا علي وهو يغسل رسول الله: ( بأبي انت وأمي … لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء وأخبار السماء)( 1). وحيث لا وحي فلا عصمة لأحد من بعده. لا سيما وأن العصمة التي جعلت لغيره هي عصمة لاهوتية تكوينية تنسب الكمال المطلق الى (المعصوم).

وصية علي لولده الحسن

وإليك مقتطفاتٍ من وصية ( 2) سيدنا علي لابنه الحسن فيها شواهد واضحة ودلالات بينة على بطلان عصمة غير الأنبياء فتأملها:
جاء في بداية الوصية: (وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأن لو أتاك أتاني فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت).
هذه الكلمات تدل على ان المقصود بالوصية الحسن لا غيره. وكذلك قوله: ( أي بني! إني لما رأيتني قد بلغت سناً ورأيتني أزداد وهناً، بادرت بوصيتي إليك وأوردت خصالاً منها قبل ان يعجل بي أجلي دون ان أفضي إليك بما في نفسي، وان أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا، فتكون كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك) . والذي يخاف أن ينقص رأيه بكبر سنه لا يعتقد في نفسه العصمة. وتأمل كيف يخاف على ولده من قسوة القلب بتقادم العهد وطول العمر فيبادره ما دام قلبه خالياً قبل ان ينشغل بما يزاحم الموعظة. ومن كانت هذه حاله لا يكون معصوماً!
وانظر قوله: (أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا)! فهو يخاف على ولده الهوى والفتن أن تسبق موعظته الى قلبه!
( ودع القول فيما لا تعرف). وهذا لا يستقيم مع وصف (المعصوم) بأنه يعرف كل شيء، وأنه لا يخفى عليه شيء.. وغير ذلك من الصفات التي تعج بها كتب الشيعة( 3) التي منها أن (الإمام) علمه من دون معلم إلهاماً أو وحياً من الله، في حين يوصي سيدنا علي خيرة ذريته من بعده الحسن قائلاً: (وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإن الكف عند حيرة الضلال خيرٌ من ركوب الأهوال .. وتفقه في الدين .. فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك اول ما خلقت جاهلاً ثم علمت. وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك .. ثم أشفقت ان يلتبس عليك ما اختلفت الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة … فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون ان تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم لا بتورط الشبهات وعلو الخصومات وابدأ قبل نظرك في ذلك الاستعانة بإلهك والرغبة في توفيقك وترك كل شائبة أولجتك في شبهة او أسلمتك الى ضلالة فإذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك هماً واحداً فانظر فيما فسرت لك. وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك وفراغ نظرك وفكرك فاعلم أنك إنما تخبط العشواء وتتورط الظلماء وليس طالب الدين من خبط أو خلط. والإمساك عن ذلك أمثل. فتفهم يا بني وصيتي .. وإنك لن تبلغ في النظر لنفسك –وإن أجتهدت– مبلغ نظري لك. ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم ).
ثم يحذره من المعاصي والمهلكات قائلا: (فأصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك .. ولا تظلم كما لا تحب ان تُظلم .. واستقبح من النفس ما تستقبح من غيرك .. واعلم ان الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب. فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها وتكالبهم عليها، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا .. وإياك أن تجفو بك مطايا الطمع فتوردك الهلكة .. وإياك واتكالك على المنى فإنها بضائع الموتى .. ولا تكونن
على الإساءة أقوى منك على الإحسان).
فإن كان ولا بد ان يقع في شيء من هذه الذنوب فإنه ينصحه بالتوبة سريعاً قبل الموت قائلاً: (فكن منه –الموت– على حذر ان يدركك وانت على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك … وأعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفل لك بالإجابة ولم يمنعك أن أسأت التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يعيرك بالإنابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة. بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة، وحسب سيئتك واحدة، وحسب حسنتك عشراً، وفتح لك باب المتاب)( 4).
ولست في مقام مناقشة هذا الأمر . وإنما أردت الإشارة إلى أن العصمة لم يكن يدعيها علي لنفسه ولا لولده. وإنما أضافها إليهم الناس بآرائهم وأهوائهم ليس إلا. أليس هو القائل: (ما أهمني ذنب أمهلتُ بعده حتى أصلي ركعتين)؟( 5)
فكيف ننفي ما أثبته هو لنفسه؟!

ــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 2/228.
( 2) الوصية تناقض العصمة والا فما حاجة المعصوم لها وهو معصوم؟!
(3) يروي الكليني عن أبي عبد الله (ع) وهو يتحدث مولد الإمام أو الوصي قال : وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه الى السماء؛ فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم لله أنزله من السماء إلى الأرض .. فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول والعلم الآخر)! أصول الكافي: ج1ص386.
ويروي كذلك عن أبي عبد الله وقد سئل عن العلم أهو علم يتعلمه العالم من أفواه الرجال؟ أم في الكتاب عندكم تقرأونه فتعلمون منه؟ قال: الأمر أعظم من ذلك وأوجب أما سمعت قول الله عز وجل : (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا)! أصول الكافي:ج1 ص274. أي إن علمه لا بتعلم ولا من كتاب وإنما يوحى اليه مباشرة من الله!!
( 4) نهج البلاغة ج3ص37-57. مقتطفات منها.
( 5) نهج البلاغة، ج4 ص72.







من مواضيعي في المنتدى
»» مهلاً عزيزي اللاطائفي
»» إلى الشيعة والإمامية خاصة/ هل الإيمان بالمهدي عقيدة تحدد الإيمان والتكفير ؟
»» إحتضار حزب الله في سوريا وعمليات إنعاشه في العراق
»» الزملاء الرافضة صححوا ما فهمت / حديث الثقلين لا يلزمكم بالتمسك بالسنة النبوية
»» بعد أمر العبادي بتكثيف القصف/ لإبادتها في يوم واحد200 صاروخ على الفلوجة
 
قديم 28-05-17, 09:32 AM   رقم المشاركة : 12
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


أثبتوا العصمة جدلاً وناقضوها تطبيقاً :

اقرأ هذه الروايات في أوثق المصادر الإمامية، وهي تتناقض ونظرتهم أو عقيدتهم في عصمة الأنبياء فمن دونهم.
- عن أبي جعفر(ع) قال: ان الله عز وجل أوحى الى داود عليه السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له:
إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك، فإن عصيتني الرابعة لم أغفر لك(1 )!
و(دانيال) (عليه السلام) أحد أنبياء بني إسرائيل.

- عن أبي عبد الله (ع) قال: إن داود عليه السلام لما وقف الموقف بعرفة نظر الى الناس وكثرتهم فصعد الجبل فأقبل يدعو فلما قضى نسكه أتاه جبريل عليه السلام فقال: يا داود يقول لك ربك لم صعدت الجبل؟ ظننت أنه يخفى عليّ صوت من صوت. ثم مضى به الى البحر الى جدة فرسب به في الماء مسيرة أربعين صباحاً( 2) في البحر فإذا صخرة ففلقها فإذا فيها دودة فقال: يا داود يقول لك ربك: انا أسمع صوت هذه في بطن هذه الصخرة في قعر هذا البحر. فظننت أنه يخفى عليَّ صوت من صوت؟؟!( 3).

- عن أبي عبد الله (ع) قال: (ان يعقوب عليه السلام لما ذهب منه بنيامين نادى: يا رب أما ترحمني؟ أذهبت عيني وأذهبت ابني( 4)، فأوحى الله تبارك وتعالى: لو أمتهما لأحييتهما لك حتى أجمع بينك وبينهما، ولكن تذكر الشاة التي ذبحتها وشويتها وأكلتها، وفلان وفلان الى جنبك صائم لم تنهله منها شيئاً؟( 5) .

- عن أبي عبد الله (ع) قال: إن نبياً من الأنبياء شكا إلى الله عز وجل الضعف وقلة الجماع فأمره بأكل الهريسة!( 6).

- عن زيد الشمام عن أبي عبد الله (ع) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوب إلى الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة. قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتوب ولا يعود، ونحن نتوب ونعود. فقال: الله المستعان.( 6).
قلت: (يتوب) من ماذا؟! و (لا يعود) الى ماذا؟!

- عن أمير المؤمنين (ع) قال: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعدين إذ وضع رأسه في حجري ثم خفق حتى غط وحضرت صلاة العصر فكرهت أن أحرك رأسه عن فخذي فأكون قد آذيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ذهب الوقت وفاتت الصلاة فانتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا علي صليت؟ قلت : لا! قال: ولم ذلك؟ قلت: كرهت أن أوذيك( 8).

- عن أبي جعفر (ع) قال: لما حضر علي بن الحسين (ع) الوفاة
ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي (ع) حين حضرته الوفاة وبما ذكر ان أباه أوصاه به قال: يا بني إياك وظلم من لم يجد عليك ناصراً إلا الله(9).

ولهذه (العصمة) جولة أخرى في موضع آخر. ولكن أحببنا أن لا نخلي هذا المبحث المهم من مباحث العقيدة من اشارة إليها لتتم الفائدة ويحصل المقصود.
أسأل الله تعالى أن يجعل كاتبه وقارئه في شفاعة نبييه يوم القيامة
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــ
ـــــــ
(1) أصول الكافي، للكليني، 2/436.
( 2) الظاهر أن واضع هذه الرواية كان يتصور أن البحر لا قعر ولا نهاية له!! وإلا فلو افترضنا أن سباحاً ظل يرسب في البحر رسوباً متواصلاً مسيرة أربعين يوماً فإلى أين سيصل؟! فتصور قيمة هذه الروايات التي تنسب الى (الأئمة)!!
(3 ) فروع الكافي 4/214.
( 4) هذا اعتراض وليس دعاء.
( 5) أصول الكافي، 2/667.
(6 ) فروع الكافي 5/320.
( 7) أصول الكافي، 2/483.
( 8) الفروع 4/562.
( 9) أصول الكافي 2/331.







من مواضيعي في المنتدى
»» تفجير الكرادة وقصف خيم الدورة هذا هو العيد برسم إيران
»» دجل دولة المليشيات / أطفال في الحشد وندوات لرعاية الطفولة ومنع تجنيدهم للقتال
»» سلسلة تخريب العراق/ تسخير العوام لتنفيذ المهام
»» فتات التسليح الامريكي لسنة العراق وغياب سلاح العرب
»» رحلة إلى الأهوار العراقية مأساة مزدوجة حول التخريب الإيراني وسرقة جهود البحرين
 
قديم 28-05-17, 09:33 AM   رقم المشاركة : 13
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


ملحـــــــق
عـن محاولة
الجمع بين العصمة المطلقة والاختيار

أصحاب العصمة اللاهوتية صنفان:
أ- صنف اعترف -من البداية- أن هذه العصمة جبرية، فأراح.. واستراح.
ب- وصنف أدرك ما في هذا التوصيف من مجازفة فاندفع يحاول أن يجمع بين العصمة المطلقة من كل خطأ وذنب، والقول بأن المعصوم فاعل مختار.
وفي الوقت نفسه يعزي هؤلاء العصمة إلى علم شمولي موهوب يسمونه بـ(العلم الحضوري)، وهو غير العلم المكتسب الذي يسمونه بـ(العلم الحصولي).
ويقولون كذلك: إن المعصوم يولد معصوماً.
مع هذا الصنف لنا هذه الوقفة ما كنت أود أن أقفها لاعتقادي بأن التفلسف واتباع منهج أهل الكلام لا يغني كثيراً ولا يوصل إلى اليقين، وإيماني بأن المنهج القرآني السهل الواضح هو خير وأقوم قيلاً . لولا أن يقال: إن كلامك اقتصر على نقاش صنف واحد من أصناف العصمة وهو العصمة الجبرية دون العصمة الاختيارية. فكانت هذه الوقفة لأبين فيها أنه لا وجود لهذا التصنيف في حقيقة الأمر، وأن العصمة ما دامت مطلقة فهي عصمة واحدة جبرية لا موضع للاختيار فيها سوى الدعوى.
لقد اطلعت على كثير مما كتب هؤلاء فلم أجدني أرجع بطائل (1)
ولم أجد لأحد منهم حجة مقنعة توفق بين العصمة المطلقة والاختيار.

الأسباب الدافعة للجمع :

وأرى أن السبب الذي يدفعهم إلى هذا الجمع أنهم أدركوا أن نفي الاختيار يستلزم أموراً في غاية الفساد، أولها التعارض مع نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ومنها نفي الحكمة الإلهية في التفضيل. ومنها جزافية الثواب. ومن أفسدها انتفاء التأسي والاقتداء. لكنهم في الوقت نفسه يؤمنون بأن العصمة مطلقة. فلا بد إذن من الجمع بينها وبين القول بالاختيار بأي وجه من الوجوه. فراحوا يتلمسون المخارج والأعذار.

مجازفات عجيبة :

ومن أعجب ما لجأوا إليه من مخارج قياس ذات المعصوم على الذات الإلهية المقدسة!! يقول أحدهم: (ويتضح ذلك أيضاً بالتأمل في قدرة الله تعالى واختياره المطلق، حيث أنه سبحانه قادر على الظلم وعلى فعل القبيح، وقادر على خلف الوعد، وكل ذلك مستحيل وقوعه منه عز وجل. وهذه الاستحالة الوقوعية لا تنافي اختياره المطلق، ولا يمكننا تصور الجبر في ذاته المقدسة) (2).
ويقول أيضاً: (ليس كلما وجب فعل وامتنع آخر، يكون صاحبه مجبراً على فعل ذلك الشيء وترك الآخر. فلا تنافي بين الاختيار وكون الفعل واجباً على صاحبه وضده ممتنعاً عليه، وإلا لزم أن يكون الله تعالى مجبراً على ترك الظلم وفعل العدل، مع أن اختياره مطلق لا سبيل لأحد عليه وهو لا يترك عدلاً ولا يفعل ظلماً، إلا من محض اختياره وإرادته) .
ولا أدري كيف قاس ذات المخلوق على ذات الخالق؟! والقياس لا يصح مع وجود الفارق. وهل هناك ما هو أكبر فرقاً مما بين المخلوق والخالـق ؟!
فكيف يقاس هذا على هذا؟!!
ثم إن الله تعالى لا مكره ولا مجبر له من غيره. فإذا فعل أمراً وترك آخر وقد ألزم نفسه بذلك وهو قادر على فعل العكس فإنما يفعل ذلك بلا إجبار لا من غيره ولا من نفسه، وإنما هو سـبحانه الـذي
اختار أن يكون كذلك.
والله جل وعلا لا يريد الظلم فهو يتركه لهذا السبب. والذي يترك أمراً وهو لا يريده كيف يمكن أن يتصور في حالته الإجبار حتى من داخل نفسه؟ إنما ذلك إذا كانت هناك إرادة مخالفة.
وهو يفعل الرحمة والعدل وهو يريده، وليس عنده سبحانه إرادة معاكسة يقاومها، ولا هناك أحد يجبره على ما يريد أو ما لا يريد.
فما أوجبه على نفسه يفعله مريداً مختاراً، وما امتنع عنه يتركه مريداً مختاراً.
وهذا بخلاف المخلوق فإن إرادته كثيراً ما تتعارض مع ما ينبغي فعله وتركه. ومن هنا جاء تفاضل الخلق فيما بينهم. نعم قد يفعل العبد ويترك متوافقاً مع إرادته أي رغبته وميله، ولكن حصل له ذلك من طول ما عود نفسه وجاهدها حتى قرت واستقرت . وهذه هـي النفس المطمئنة.
والمخلوق إذا ألزم نفسه من نفسه بأمر لا يسمى ذلك إجباراً، بل هو الذي اختار لها ذلك.

لا بد للمختار من خطأ وخطيئة :

لكن لا يمكن لمخلوق أن يختار الصواب على الدوام، بل لا بد له من خطأ وخطيئة لأنه خلق ظلوماً جهولاً. يقول تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72). فالظلم يستلزم الخطيئة، والجهل يستلزم الخطأ ولا بد. ومنشأ الظلم من الإرادة بمعنى الرغبة والهوى. وقد جبل الرب سبحانه خلقه على إرادة ما نهاهم عنه. ومن هنا جاءت خطيئة آدم  وظلمه.
والمخلوق يمكن له أن يختار الصواب في أغلـب الحالات. أما أن يفعل مخلوق كل صواب ويتجنب الوقوع في كل خطأ، ويفعل كل طاعة ويتجنب الوقوع في كل زلل فهذا لا يمكن إلا في واحدة من حالتين:
أ- إما أن يُخلق مبرءاً من جميع أسباب الضعف البشري، ومزوداً بجميع أسباب الكمال. وملخص ذلك أن يخلق مزوداً بعلم محيط لا نقص فيه، وإرادة كاملة منزهة لا عيب فيها. فيكون مجبولاً على فعل الصواب تلقائياً بلا كلفة.
ب- وإما أن يكون اختياره عند الحاجة موجهاً بإرادة عليا تمنعه على الدوام من الجنوح إلى غير الصواب خطأً وخطيئة. فيكون مجبوراً على ذلك.
والفرق بين الحالتين في النهاية غير مؤثر. إنه كالفرق بين أن يفتح المراقب في قاعة الامتحان الكتاب المقرر أمام الطالب الممتحن ويريه مواضع الأجوبة لينقلها إلى دفتر الامتحان، وبين أن يقوم المراقب بتلاوة الأجوبة له عند كل سؤال!
وهنا تبطل الحكمة وينتفي الاقتداء الذي هو علـة وجود المعصوم. فإن طالباً هذه حالته لا يمكن أن ترشد الطلاب الآخرين إلى الاقتداء به. ولو كان المعصومون قد عصموا بهذا لما كان لهم فضل على الآخرين. فإن أي إنسان يمنح ما منحوا من قابليات يكون مثلهم. فما الفرق؟ وكيف يكون الاقتداء؟! بل إن المعصوم في الحالة الأولى يكون قد أمسى من جنس آخر غير جنس البشر، وفي الحالة الثانية يخرج عن بشريته لحظة تلبسه بالفعل.
هذا إضافة إلى منازعة الله جل وعلا في صفات ربوبيته! فإن الذي يحيط علمه بكل شيء، ولا يعتري إرادته العيب أو الميل هو الله وحده لا شريك له.
وما يهمنا هو أن العصمة في كلتا الحالتين لا اختيار فيها. فإن الذي يرزق علماً محيطاً (حضورياً) وإرادة متوجهة تلقائياً نحو الطاعة دون المعصية أبداً، وكذلك الذي يوجه عند الحاجة علماً وإرادة قد منع من ارتكاب الخطأ وفعل الخطيئة، وصار متجهاً إلى الصواب مثله كمثل الإنسان الآلي (الروبوت).

العلم الحضوري سبباً للعصمة
وقد صرح أصحاب هذا الرأي بأن (الأمر الذي تتحقق به العصمة نوع من العلم يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية والخطأ، وبعبارة أَخرى: علم مانع من الضلال) و(أن السبب أو المنشأ الرئيسي للعصمة هو العلم) . وأتعبوا أنفسهم في جولات طويلة عريضة من الكلام الفلسفي المعقد الذي أقل ما يقال فيه أنه دعاوى مجردة يخترعونها من عند أنفسهم، لا وجود لها لا في كتاب ولا سنة ولم يقل بها (معصوم)، فهي مردودة على كل اعتبار. كل ذلك من أجل أن يثبتوا أن العلم الشمولي (أو الحضوري كما يسمونه) هو سبب عصمة المعصوم. ثم يقولون معه: إنه مختار غير مجبر! وهو صالح للاقتداء والاتباع!! وأنه أفضل من أتباعه! بل إنه يستحق الدرجات العليا والمنـازل العظمى عند الله جل وعلا!!
ونحن نقول: إن هذا العلم لو وهبه الله إلى غير المعصوم ألا يكون به معصوماً؟ فإن قالوا: لا، بطل العلم كونه سبباً للعصمة، فلا بد من شيء آخر غير العلم. وإن قالوا: نعم عاد الأمر إلى الجبر فيكون المعصوم إنما صار معصوماً لأن الله منحه علماً يصير به معصوماً. وهنا يبطل الاقتداء.

وإذا رجعنا إلى المصادر الأولى عند هؤلاء فإننا نجدها كذلك تُرجع هذه العصمة المطلقة إلى العلم المطلق. وهو علم موهوب لا دخل للمعصوم في اكتسابه(1) فالمعصوم يعلم بلا كلفة علم ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم شيء أبدا (2)
وفي بعض الروايات أنه ينصب للمعصوم منار أو عمود من نور في كل بلدة يرى به ما يدور فيها (3)
وفي بعضها أن مع المعصوم ملكاً أعظم من جبريل اسمه "روح القدس" يرى به كل شيء، ويرى ملكوت السماوات والأرض، وبالجملة ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ( 4)

ـــــــ

(1) بين يدي كتابان كبيران أحدهما اسمه "العصمة بحث تحليلي في ضوء المنهج القرآني –محاضرات السيد كمال الحيدري بقلم محمد القاضي" والآخر "عصمة المعصوم وفق المعطيات القرآنية" –للشيخ جلال الدين علي الصغير. ناقش الكتابان هذا الموضوع باستفاضة. وقد كلفتهما هذه المحاولة التوفيقية بين العصمة المطلقة والاختيار عشرات الصفحات الكبيرة فيها من المقدمات والنتائج الفلسفية والكلام الطويل العريض ما فيها! وسأكتفي بنقل الشواهد من أحدهما دون الآخر وغيره من الكتب لأني لست –في هذه العجالة- بصدد وضع بحث متكامل عن الموضوع. ولا أرى سبباً مجدياً يدفعني إليه.
العصمة – محاضرات السيد كمال الحيدري بقلم محمد القاضي ص137. الطبعة التاسعة 1424 -قم.

(2) م. ن. ص103-104.
(3) محمد حسن الطباطبائي في الميزان 5/78 عن المصدر السابق ص133.
(4) العصمة "المصدر السابق" ص139.






من مواضيعي في المنتدى
»» الزميل أنتيل / حوار في معنى نفس النبي هو نفس علي وطبيعة خلق الأئمة
»» الجودي1 قولك عن علي (رضي )/ بل ذكر أسمه في القرآن صراحة !
»» الهجوم على سجني التاجي وأبي غريب/التداعيات والمآلات
»» ما سبب دخول الفلسفة في كتب علماءكم لتوصيل الدين؟
»» هلع إيراني وراء الأوامر للقوات الأمنية بتوزع المفخخات لإشعال الحرب الأهلية
 
قديم 28-05-17, 09:34 AM   رقم المشاركة : 14
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


السر في ربطهم العصمة بالعلم وليس بالإرادة
عندما نتأمل في موضوع العصمة نجد هناك أربعة عناصر رئيسة متداخلة في هذا الموضوع:
1. خطأ
2. وخطيئة "أي معصية".
3. وعلم
4. وإرادة.
خطأ وخطيئة عصم منهما المعصوم. وعلم وإرادة هما سبب هذه العصمة: العلم يعصم من الخطأ، والإرادة تعصم من الخطيئة.
وينبغي أن يلاحظ هنا أن العصمة مطلقة فيجب أن يكون العلم العاصم من الخطأ مطلقاً، والإرادة العاصمة
من الخطيئة مطلقة كذلك.
والذي لاحظناه أن أصحاب هذا الرأي يعترفون بوجوب كون العلم العاصم مطلقاً ويسمونه بالعلم (الحضوري). لكنهم يتوقفون عند هذه النقطة، ويجعلون هذا العلم هو سبب العصمة بشقيها: العصمة من الخطأ، والعصمة من الخطيئة. أما الإرادة فلا يذكرونها ولا يجعلون لها تعلقاً بالعصمة. سوى أنهم يمسونها من طرف خفي بعيد يوحون به للقارئ أنه لا علاقة لها بالموضوع!
ترى! ما السبب وراء قصر تعلق العصمة على العلم وحده؟ وتسليط دائرة الضوء على هذه النقطة فقط؟ مع إهمال ذكر الإرادة وإزاحة الأنظار عنها؟
أما أنا فأرى ذلك مناورة للخروج من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه حين جمعوا بين العصمة المطلقة والاختيار. ولا شك أن الاختيار مرتبط بالإرادة. لكنهم إن أدخلوا الإرادة في المعادلة فإن هذا سيجرهم إلى إثبات إرادة مطلقة. وهذا يعني أن المعصوم غير
مختار لأن إرادته متوجهة على الدوام نحو الطاعة دون
المعصية. فينتقض الجمع بين العصمة المطلقة والاختيار. فما الحل؟
الحل أن يُثبت علم مطلق تُعلق به العصمة بشقيها، وتسقط الإرادة من الموضوع كله!

أمثلة لأثر العلم في العصمة
تأمل كيف يضرب أصحاب هذا الرأي أمثلة لأثر العلم في عصمة المعصوم فيقول أحدهم تحت عنوان "العلم منشأ العصمة": ( ... لولا هذا العلم وهذه الصور العلمية، لما صدر من الإنسان –بل من كل فاعل مختار- أي فعل من الأفعال، سواء منها فعل الخير أم فعل الشر، ما يفعله لنفسه وما يفعله لغيره، كما أن تركه لكثير من الممارسات ناشئ من ذلك أيضاً... ولنأخذ بعض ممارسات الإنسان اليومية لسد حاجاته وإشباع غرائزه مثلاً لذلك. فالفرد منا لا يأكل إذا لم يعلم بأن هذا الأكل سبب لسد حاجاته من الجوع واللذة، ولا يشرب إذا لم يكن يعلم بأنه سبب لسد حاجته من العطش مثلاً، وهكذا كل ما يمارسه الإنسان يومياً من أعمال لإدارة شؤون حياته وأسرته، فلو لم يكن يعلم بأنها مؤدية إلى سعادته أو سعادة أسرته أو مجتمعه لما مارس منها شيئاً، فهي كلها قائمة على علمه بتأديتها لأغراضه وحاجاته النفسية أو البدنية)(1) .

وهذا التقرير ليس على إطلاقه وإن وصفه صاحبه بأنه حقيقة بديهية وجدانية! فالطفل والحيوان يأكل ويشرب بدافع الشعور والرغبة الداخلية -وهو ما يمكن تسميته بـ"الإرادة"- وليس بسبب العلم. والإنسان كثيراً ما يأكل ويشرب بدافع الرغبة والتلذذ، حتى يتجاوز حدود الحلال إلى الحرام وهو يعلم. بل يأكل ويشرب رغبة وتلذذاً ما يعلم علماً يقينياً أنه يضره. والمجنون كذلك! فالعلم إذن لا يكفي وحده من دون إرادة.
ثم لو أعطي هذا العلم المانع من الضلال إلى غير المعصوم –كما أسلفنا به القول- ألا يصير به معصوماً؟ فإن قالوا: لا، انتقض قولهم بأن العلم هو سبب العصمة. وإن قالوا: نعم، عادت العصمة إلى أمر فوق حدود قدرة الإنسان واختياره وإرادته، وتبين أن الفرق بين المعصوم وغيره أن الأول زود بقوى غير طبيعية حرم منها الآخر فلم يتمكن من أن يكون معصوماً. وإلا لكان معصوماً كالأول. وهذا معناه أن الدين والالتزام به والثواب والعقاب والاتباع عبث في عبث.

العصمة مركبة من عنصرين لا عنصر واحد
ثم إن العصمة مركبة من عنصرين أو أمرين:
1. العصمة من الخطأ 2. العصمة من المعصية

العلم يتعلق بأحد العنصرين دون الآخر
فإذا كان العلم مانعاً من الخطأ فإنه لا يصلح أن يكون مانعاً من المعصية. لأن متعلَّق المعصية غير متعلق الخطأ. فالخطأ متعلق بالعلم، بينما المعصية متعلقة بالإرادة. ولذلك يقع الإنسان في المعصية جاهلاً بحرمتها وضررها، ويقع فيها عالماً كذلك. إذن العلم لا يصلح أن يكون هو علة العصمة لأن المعلول يدور مع علته وجوداً وعدماً، وقد تخلف عدم الوقوع في المعصية مع وجود العلم.

تعلق العنصر الآخر بالإرادة وليس بالعلم
إن المعصية نتاج هوى وميل ورغبة (إرادة) وجد العلم أم لم يوجد. نعم للعلم أثر، ولكن ما لم يتحول إلى شيء آخر هو الإرادة الدافعة أو المانعة فإن تأثيره يتلاشى، ويكون كأثر التربة في حياة الإنسان: ما لم تتحول بفعله إلى طعام يأكله مات وتلاشى ذلك الأثر.
إذن متعلَّق المعصية هو (الإرادة) وليس العلم الذي هو متعلق الخطأ. فتعميم القول بأن العلم سبب العصمة خلط للأمور حيث ينبغي الفصل، وتعميم حيث ينبغي التفصيل.
فإذا أريد لإنسان ما أن يكون معصوماً لا بد –مع العلم المحيط- أن يزود بإرادة متجهة دوماً نحو الطاعة، وتنزع إرادته وميله نحو المعصية، وإلا فـإن العلم وحده لا يكفي لتحقيقها.
ومما يصلح للاستشهاد في هذا الباب أبونا آدم : لقد أكل من الشجرة ووقع في المعصية كما أخبر عنه وعن زوجه فقال سبحانه: (فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (طـه:121) رغم أن الله قد علمه الأسماء كلها وآتاه من العلم ما تفوق به على الملائكة فسجدت له. وكان في الملأ الأعلى يشهد ملكوت الله في سماواته. فأي علم أعظم من هذا؟! لقد كان له من العلم ما تجاوز "علم اليقين" و"عين اليقين" إلى "حق اليقين". فأي معصوم من غير الأنبياء أعطي مثل هذا العلم؟! إلا إذا قلنا: إنه يوحى إليه ويطاف به في ملكوت الله، وهي دعوى يدعونها للمعصوم بلا دليل سوى الروايات التي يضعونها على هواهم ويصنعونها على أعينهم. ولنفترض صحة الدعوى فإن آدم الذي صدق فيه ذلك لم يمنعه علمه من الوقوع في المعصية لأن متعلقها الإرادة وليس العلم.
بل قد يبلغ المخلوق أسفل الدركات وهو في العلم قد بلغ مشاهدة ملكوت السماوات كإبليس لعنه الله!
إن القول بالعلم المحيط سبباً للعصمة لا أراه أكثر من روغان وتهرب من القول بـ "سلب الإرادة" الذي هو أكثر تعلقاً في التصور الذهني بالجبر وسلب الاختيار من وجود العلم. فالجبر والاختيار تعلقها المباشر بالإرادة وليس العلم.

لزوم الإرادة المطلقة للعصمة المطلقة
إن العصمة المطلقة تستلزم وجود إرادة مطلقة نحو الخير. وهذه الإرادة المطلقة تعني عدم وجود الإرادة المعاكسة، بمعنى سلب الإرادة المعاكسة التي تدفع نحو الشر. فالعصمة المطلقة إذن تستلزم سلب الإرادة.. وهو الجبر! الذي يحاولون نفي تهمته عن عصمتهم ،
فليس لهم إلا تحاشي ذكر الإرادة أو مسها من قريب.
إذن القول: هو معصوم من المعصـية لأن علمـه حضوري أو محيط روغان وتلبيس.

لا حاجة للإرادة في ترك الخطأ :

إن الخطأ لا يحتاج تركه إلى إرادة لأن الإنسان بفطرته مسلوب الإرادة المعاكسة التي تدفع باتجاهه. إن إرادة الإنسان متوجهة خلقاً إلى عدم الوقوع في الخطأ، فيكفي للعصمة منه العلم وحده. أي إن الإرادة في الخطأ عكس الإرادة في المعصية. إن المعصية مشتهاة ومرادة بالطبع، بينما الخطأ مكروه طبعاً . إلا إذا أمسى الخطأ -لأسباب خاصة دافعة- مشتهياً بالطبع، وهنا ينتقل الخطأ ويتحول إلى باب المعصية المتعلقة بالإرادة لا بالعلم. فالأخطاء المشتهاة كلها هي في حقيقتها معاصي تعلقها بالإرادة وليس بالعلم. فالإنسان قد يقتل إنساناً آخر خطأً، لو توفر عنده العلم لما قتله لعدم وجود الإرادة المتوجهة إلى القتل. لكنه قد يقتله عمداً وعدواناً لأنه يريد ذلك. وهنا لا ينفع العلم في منع القتل إلا إذا كان مؤثراً في الإرادة مغيراً لاتجاهها.
إذن العلم يتعلق بأحد عنصري العصمة فقط وهو الامتناع من الخطأ . وذلك لا يحتـاج إلـى إرادة لأن الإنسان مجبول على الابتعاد عنه.
وحتى تكون العصمة من الخطأ مطلقة لا بد أن يكون العلم مطلقاً، وهو الذي يسمونه بـ(العلم الحضوري). وهذا لا يمكن أن يحصل بكسب من العبد مهما بلغ من سعة العقل! وإنما لا بد أن يكون هبة من الرب. وهو الذي يصرحون به –وقد مرت بنا شواهده قبل قليل- فعادت العصمة إلى الجبر.
ولذلك خالف فريق منهم وصرح بجبرية العصمة، فكان أكثر استقامة ومنطقية في تفكيره. وإن كان فساد قوله أكثر وضوحاً من غيره. وهذا هو الذي دعا ذلك الغير إلى الجنوح إلى دعوى عدم جبرية العصمة،
وصار يحاول إثباتها بكل سبيل فلم يفلح. وصار يلمع دعواه بكلام فلسفي متناقض يبين تارة ويُبهم أخرى فلم يأت بطائل.

القرآن مرجعنا
ونحن -إذ نقول ما نقول- لا نعتبر أصل ردنا واعتقادنا هذا الذي قلناه. فلا يفرحن أحد تخيل في نفسه القدرة على نقضه والإتيان بما يعلو به عليه، فإن كلام البشر وآراءهم ينقض بعضها بعضاً ويعلو بعضها فوق بعض. وكثيراً ما يلعب التوهم والخيال دوره في تصور النقض وعكسه: فيقتنع بهذا، بينما يقتنع آخر بنقيضه. ولذلك لا يمكن أن يصل المرء إلى اليقين عن هذا الطريق وحده أبداً! وقد صرح بهذه الحقيقة كبار فرسان علم الكلام كالرازي، وابن ياقوت الحموي الذي قال: إن أدلة المتكلمين متكافئة: ينقض بعضها بعضاً! وقد ألف كتاباً في ذلك سماه "تكافؤ الأدلة". تصور أن الإمام أبا حامد الغزالي ألف كتاباً يرد به على الفلاسفة أسماه "تهافت الفلاسفة" فرد عليه ابن رشد بكتاب آخر أسماه "تهافت التهافت"! والموضوع لا زال مفتوحاً ولا يمكن غلقه، فلا يغترن أحد به أو يتهافتن عليه، فإنه ليس من طريق موصل إلى اليقين سوى كتاب الله تعالى بمحكماته دون متشابهاته. وهذا هو أصل ردنا وعماد اعتقادنا إثباتاً ونقضا.
وقبل أن أودع البحث في هذا الموضوع المعقد الشائك –والله سبحانه أرحم وأجل وأحكم من أن يجعل دينه مستصعباً إلى هذه الدرجة- أود ختمه بالوقوف قليلاً عند بعض العبارات الفلسفية المتناقضة التي يتصور صاحبها أنه قد وصل بها إلى معرفة الحق والحقيقة. علماً أنني قد قرأت كثيراً من هذا الكلام ووقفت على تناقضاته، لأنه نتاج عقل كتب الله عليه النقص والقصور، فلا بد أن ينعكس ذلك العيب على ما يصدر عنه. ولمن أراد الاطمئنان إلى معرفة الحق والحقيقة فليس له إلا الالتجاء إلى محكمات كتاب الله فإن فيها الكفاية والاطمئنان واليقين، والله تعالى يقول: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت:51).
ولن أضيع وقتي في الرد على كل ما وقفت عليه من متناقضات في كلام المعرضين عن محكمات الكتاب والجانحين إلى عقولهم وآرائهم لأنني أرى أن وقت الإنسان أثمن من ذلك، وأن الله أنزل إليه الكتاب ليغنيه عنه. ولكن لا أرى بأساً من الخوض قليلاً في ضحضاحه ليقيس العاقل ويعتبر المعتبر.

ــــــ

(1) العصمة -محمد القاضي ص134-135.







من مواضيعي في المنتدى
»» عادي جداً / أبنا أخ وزير الداخلية والمالية والنقل باقر جبر صولاغ يترأسان عصابة خطف
»» هذا هو طعن الهالك الخميني ، فما قولكم ؟
»» 50 مليون دولار من تخفيض رواتب الرئاسات ومليارات حيتان العقارات
»» سنة العراق تطالب الثوار المجاهدين تبادل الجنود بأسرانا أسوة بالأكراد
»» عد إلى رباطك يا خالد ..!
 
قديم 28-05-17, 09:36 AM   رقم المشاركة : 15
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


وقفة أخيرة عند بعض المتناقضات
اقرأ هذه العبارات التي تبدو في ظاهرها صحيحة متناسقة:
( إن طالب الشيء –أي شيء- يبتعد عن كل ما يتنافى وغايته، ويزيل كل عقبة أمام أهدافه وما يطلبه، فطالب الحياة والبقاء والسلامة يبتعد عن كل ما يتنافى وصحته وسلامته. فهو لا يعرض نفسه للبرد مثلاً لعلمه بما يسببه له من مرض، ولا يلقي بنفسه من شاهق حيث يعلم بما يؤدي إليه الفعل من الموت، أو تلف بعض الأعضاء، وفي الوقت ذاته يستسلم لأقسى علاج من مرض ألمّ به، بعد علمه بأنه الوسيلة إلى عافيته وصحته وسلامته المنشودة... ومنه يتضح أن هذا العلم الذي يدفع الإنسان إلى المخاطر تارة، ويجنبه الهلكات أخرى، ليس له أي تأثير على طبيعة الإرادة الإنسانية، فهو لم يترك ما ترك إلا بمحض إرادته، ولم يفعل ما فعل إلا بعزمه واختياره.
فالعلم اليقيني بكون "السم" قاتلاً، هو الذي أوجب امتناع الإنسان عن تناوله بمحض إرادته وكامل اختياره، وكان تناوله مستحيلاً إلى هذا الإنسان العالم به.
ومن هنا نعرف أنه لا تنافي بين الحتمية والاختيار. فعدم صدور الفعل من الإنسان مع أنه حتمي لا يتخلف، لا ينافي كونه مختاراً فيه. فالعالم بأن السم قاتل يستحيل عليه وقوعاً تناوله حال علمه وعدم غفلته وطلبه للحياة والبقاء، مع أنه مختار في تناوله.
وبعبارة أخرى: إن عدم تناول السم بالنسبة إلى مثل هذا الشخص حتمي، مع أنه مختار لا قوة تمنعه إلا قوة إرادته، إذن فالحتمية لا تنافي الاختيار.
ويتضح ذلك بالتأمل في قدرة الله تعالى واختياره المطلق، حيث أنه سبحانه قادر على الظلم وعلى فعل القبيح، وقادر على خلف الوعد، وكل ذلك مستحيل وقوعه منه عز وجل. وهذه الاستحالة الوقوعية تنافي اختياره المطلق، ولا يمكننا تصور الجبر في ذاته المقدسة.
كما أننا قد نجد فعلاً واحداً يمارسه شخص ولا يفعله آخر، وما ذلك إلا لاختلاف علمهما في الفعل، أو فقل: اختلاف الصورة العلمية لكل واحد منهما، إذ هي المنشأ في الفعل والترك. ومن البديهي أن يكون فاعل الفعل قد وجده مطابقاً لمتطلباته النفسية، بخلاف الآخر حيث لا يجده كذلك. ومنه نعرف أسباب تفاوت الناس في الطاعة والمعصية، بل قد يتفاوت الإنسان الواحد، فيجمع بين الطاعات والمعاصي، وما ذلك إلا من اختلاف العلم الذي هو المنشأ لصدور الأفعال، كما قال العلامة الطباطبائي: "فاختلاف أفعالنا طاعة ومعصية لاختلاف علمنا الذي يصدر عنه الفعل. ولو دام أحد العلمين، أعني الحكم بوجوب الجري على العبودية وامتثال الأمر الإلهي لَما صدر إلا الطاعة، ولو دام العلم الآخر الصادر عنه المعصية والعياذ بالله لم يتحقق إلا المعصية" -الميزان 2/139) (1)
لا أريد أن أتوقف طويلاً عند المتناقضات التي تشيع في هذا الكلام رغم ما يبدو من تشابهه وتناسقه، ولن أتوقف عندها كلها، وإنما أشير إلى بعضها باختصار:
قوله: (... فهو لا يعرض نفسه للبرد مثلاً لعلمه.. الخ...) منقوض بأن الإنسان كثيراً ما يعرض نفسه للبرد ويلقي بنفسه من شاهق رغم علمه إذا كانت له إرادة في ما يخالف ذلك العلم. وكثيراً ما يمتنع عن العلاج مهما بدا مناسباً وغير مؤذٍ رغم علمه بضرر امتناعه للتعارض مع الإرادة. وكذلك قوله: (فالعلم اليقيني بكون "السمّ" قاتلاً هو الذي أوجب امتناع الإنسان عن تناوله بمحض إرادته وكامل اختياره، وكان تناوله مستحيلاً إلى هذا الإنسان العالم به) قد ينعكس فيكون هذا العلم موجباً لتناول السم وليس الامتناع عنه إذا توجهت إرادة الإنسان إلى الموت بدل الحياة.
إن أصحاب هذا العلم ينقسمون إلى قسمين بحسب الإرادة مع وجود العلم نفسه لكلا القسمين. ولو كان العلم هو السبب في حصول الفعل وعدمه لما نتج عنه أمران متناقضان.
وحتى يتهيأ للكاتب تجنب هذه القسمة قيد الحالة بكون الإنسان طالباً أي مريداً للحياة، مع وجود العلم وعدم الغفلة فقال: (فالعالم بأن السم قاتل يستحيل عليه وقوعاً تناوله حال علمه وعدم غفلته وطلبه للحياة والبقاء).
وهذا إقرار خفي بأن العلم وحده غير كافٍ دون الإرادة. وإلا ما معنى إقحامه لهذا القيد في القضية؟! إن هذا يعني بلا شك أن العالم بأن السم قاتل لا يستحيل عليه وقوعاً تناوله حال علمه وعدم غفلته إذا كان طالباً للموت والفناء دون الحياة والبقاء. بل إن هذا العلم سيكون دافعاً له إلى تناول السم لأنه يريد الموت بدلاً من الحياة.

كلام ينقض بعضه بعضاً
أما قوله: (ومنه يتضح أن هذا العلم... ليس له تأثير على طبيعة الإرادة الإنسانية، فهو لم يترك ما ترك إلا بمحض إرادته، ولم يفعل ما فعله إلا بعزمه واختياره) فهذا ما نقوله نحن ولكن ليس بالتعميم الذي أطلقه، وهو ينقض قوله: (إن العلم منشأ العصمة) من حيث أن الفعل مرتبط بالإرادة وليس بالعلم فإن العلم الواحد قد ينتج عنه فعلان متعاكسان، بينما الإرادة الواحدة لا ينتج عنها إلا فعل واحد مناسب لها. وها هو يصرح بنفسه بأن العلم ليس له تأثير على طبيعة الإرادة الإنسانية.

إذن العلم ليس له تأثير مباشر في الفعل وجوداً أو عدماً، اختياراً أو جبراً.
والذي أوقعه في هذا التناقض محاولته التوفيق بين العصمة المطلقة والاختيار. وبما أن الاختيار متعلق بالإرادة إذن لا بد له أن يفصل بين الإرادة والعلم حتى يتمكن –كما توهم- من عزل عصمته عزلاً تاماً عن الجبر وهو يحاول أن يوحي للقارئ من طرف خفي أن العصمة لا علاقة لها مطلقاً بالإرادة.

معصوم أفعاله غير معصومة!
وما درى أنه وقع في مطب أو فخ أكبر مما هو فيه إذ جعل العصمة لا علاقة لها مطلقاً بفعل المعصوم.
ولك هنا أن تسأل: كيف؟
والجواب: إن الفعل "أيَّ فعل" لا بـد له مـن إرادة تتوجه إليه. فإذا كان العلم لا علاقة أو لا أثر له بالإرادة -كما هو نص القول المنقول- فهذا يعني بالاستعاضة عدم تعلق العلم بالفعل لأن الفعل نتاج الإرادة وهي لا تعلق لها بالعلم. فإذا كان العلم هو سبب العصمة ومنشأها إذن تعلقت العصمة بأمر لا علاقة له بالفعل. ونتج عن ذلك أن المعصوم عنده علم لكن علمه هذا لا علاقة له بإرادته التي يترتب عليها فعله، أي لا علاقة للمعصوم بأفعاله. وهذا الكلام في غاية التناقض.
تخليط وتلبيس وتلاعب بالألفاظ
أما قوله: (ومن هذا نعرف أنه لا تنافي بين الحتمية والاختيار ...) إلى أن يستشهد لقوله -وقد أحس بعجزه عن الإتيان بشاهد يتعلق بالمخلوق- بما هو من شأن الخالق فهو من أقبح الأمور وأدلها على تخبط هذه العقائد وأصحابها! وقد مر بنا بيان بعض تلك القباحات، لكنني أريد أن أبين فساد هذه التقريرات وقباحتها من ناحية أخرى:
فقوله : (ومن هذا نعرف أنه لا تنافي بين الحتميـة والاختيار…) فيه تلاعب بالألفاظ ، وفيه تخليط وتلبيس بين عناصر متشابهة يحتاج إلى فصل وتفكيك فيما بينها وإرجاعها إلى أصولها الأولية، وفيه إطلاق وتعميم يحتاج إلى تقييد وتفصيل:
فالحتمية نوعان:
أ‌- خارجية بفعل من خارج نفس الإنسان يحتم عليه ويلجئه إلى فعل ما لا يريد.
ب- وداخلية نابعة من نفس الإنسان تجعله يفعل ما يريد ويترك ما لا يريد وليس العكس بأن يفعل ما لا يريد ويترك ما يريد كما هو الحال في الحتمية الخارجية..
فالإنسان قد يلجأ إلى شرب الخمر بسبب تهديد بالقتل مثلاً. فهذا فعل حتمي مناقض للإرادة الأولية، ومناقض للاختيار. والحتمية فيه خارجية ناتجة عن إرادة خارجية.

أما أنه يمتنع عن شرب السم ويسمى هذا حتم لا يتنافى مع الاختيار، ويساوى صاحبه بشارب الخمر إلجاءً فهذا نوع من التلبيس قائم على التلاعب بالألفاظ وإخراجها من معانيها الأصلية التي وضعت لها إلى معان أخرى غير معهودة يتطلب فهمها -لإعادة الأمور إلى نصابها- كلاماً آخر غير معهود، وهذا ما جعلني أُقسِّم الحتمية إلى قسمين: خارجية وداخلية.
إن الامتناع عن شرب السم كان بإرادة داخلية متوجهة طوعاً إليه دون إلجاء لا داخلي ولا خارجي. ولكن لماذا نسمي هذا "حتماً"؟ وليس هناك من إجبار فالإرادة متوجهة تلقائياً إلى ذلك، وعدم وقوع الفعل ليس حتمياً فقد تتغير الإرادة فتتوجه إلى شرب السم لا إلى الامتناع عنه.
وهذا وإن سمي "حتماً" فهو "حتم" لا يتنافى مع الاختيار.
ولكن…
الذي يكون الامتناع فيه بفعل خارجي مع توجه الإرادة الداخلية إلى شرب السم، فهذا الحتم يتنافى مع الاختيار.
إذن هناك "حتم" لا يتنافى مع الاختيار، و"حتم" آخر يتنافى مع الاختيار. بمعنى ليس كل حتم لا يتنافى مع
الاختيار. فلا يصح الجنوح إلى التعميم وإطلاق القول بأنه (لا تنافي بين الحتمية والاختيار). إن هذه القاعدة تصح في حال دون حال: فإذا كان الحتم من الخارج كان منافياً للاختيار. أما الذي لا يتنافى معه فهو الحتم الداخلي فقط . ولكن تسمية هذا بـ "الحتم" اصطلاح فلسفي مخترع لا نعرفه من لغتنا.
وهكذا نصل إلى أن الحتم الخارجي يتنافى مع الاختيار. والله تعالى لا مكره ولا موجه له من غير نفسه ، فلا يتصور في حقه عدم الاختيار.
أما المعصوم عصمة مطلقة فقد عصم من خارجه وليس من داخله. حتى لو سلمنا بأن عصمته بسبب العلم الحضوري، فإن هذا العلم لم يكن بكسب منه وإنما هبة من الله ، فهو منساق تلقائياً إلى أن يكون معصوماً مثله كمثل طالب يفتح له الكتاب المقرر على مواضع أجوبة الأسئلة. فيكون الاختيار اختياراً مصطنعاً، وتصبح العملية برمتها أشبه بالتمثيلية منها بالحقيقة.
هذا إذا كانت العصمة متعلقة بالعلم ، فكيف وهـي ليست كذلك؟! إنما هي متعلقة بالإرادة. فإذا كانت مطلقة لا بد أن تكون الإرادة مطلقة. وهذه لا تخرج عن الجبر.
وأخيراً أجد أنه من المناسب أن أنبه فأقول: إن هذا الكلام -كله- فلسفة في فلسفة. وإلا فإن الأنبياء عليهم السلام -ومنهم النبي محمد - لم يرزقوا علماً مطلقاً ولا عصمة مطلقة: فقد حصلت منهم أخطاء ووقعت ذنوب. ولهذا لم تخرج عصمتهم عن الاختيار.

العصمة المطلقة لا بد أن تكون جبرية
ومجمل القول أن العصمة المطلقة هي عصمة جبرية تتنافى مع الاختيار. سواء اعترف بذلك أصحابها –كما هو شأن فريق منهم- أم لم يعترفوا كما هو شأن فريق آخر ظل يناور ويلف ويدور وهو يحاول إثبات العكس فأتعب نفسه –وأتعبنا- دون طائل.
وعلى هذا الأساس ناقشت العصمة المطلقة، وأطلقت عليها اسم "اللاهوتية" على اعتبار أنها هبة وجبر من الرب لا كسب واختيار من العبد.
على أنه -بغض النظر عن صحة كل ما قيل وما يقال- ينبغي أن نذكر بأن القول بالعصمة اللاهوتية أو المطلقة ليس مصدره محكمات القرآن، وإنما هو نتاج الأذهان. وما كان كذلك فليس هو حجة معتبرة في شرع الإسلام.

ـــــــــــــــــــ



(1) العصمة –محمد القاضي -مصدر سابق ص135-137.


المؤلف
8/4/2004
الخميس







من مواضيعي في المنتدى
»» الشيخ عدنان العرعور: القينا بايدينا الى التهلكة لعدم نصرة اهل السنة في العراق
»» هذا هو حكم الشيعة ، فماذا أنتم فاعلون ؟
»» هذيان وفود السنة ومؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران
»» السفير الروسي الهالك وحقده على أهل السنة بالوثائق
»» تعليقي على مركز الأبحاث العقائدية حول مدح علي للصحابة
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:17 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "