زيارة القبور بين المحكم والمتشابه
كتبه/ فرج المرجي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
بعدما مضى من المقالات المتتابعة في هذا الموضوع وإيضاحه إيضاحا جليا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يظهر لنا أن جميع من جعل زيارة القبور من جنس واحد ولم يفرق بين ما هو جائز مما ليس بجائز مخطئ في ذلك، وسبب الخطأ إما الجهل وغلبة العاطفة أو الشبهة والتقليد للغير من الآباء والأجداد، وبهذين السببين رضوا بالبقاء على إرث الآباء والأجداد وتعطل عليهم البحث عن الحقيقة حتى حملهم ذلك على الطعن واللمز والعداوة لمن خالفهم، بل لم يكتفوا بهذا الأمر حتى كفروا مخالفهم ثم قلبوا له ظهر المجن ونادوا بأعلى أصواتهم أنهم هم الذين يكفروننا ويطعنون بنا حينما خالفناهم. فواعجبا كيف تنقلب الموازين بهذه الصورة حتى أصبح من ينادي بدعوة الأنبياء والبقاء على الدين الصحيح منحرف وضال (إن هذا لشيء عُجاب) حين تنقلب فطرة الله التي فطر الناس عليها وتكون الموازين مزدوجة، ومع هذا كله يظهر لكل قارئ ومتابع لهذه الفتنة التي أثارها من همهم إثارة القلاقل والمحن ولا يعيشون إلا في هذا المستنقع أن هذا الأمر مرده إلى الشرع الحكيم الذي يجب على كل مسلم الرجوع إليه {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} وقال تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} وقال تعالى {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم}، بالرجوع إليه نجد أن الأدلة في هذه المسألة اما محكمة يجب الأخذ بها واما متشابهة {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} فمن المحكم نهيه أولا عن شد الرحال إلا لثلاثة مساجد ومن المحكم نهيه عن اتخاذ القبور مساجد والتحذير من هذا الفعل ولعنه من فعله حتى وهو في مرض موته ومن المحكم أنه قال عليه السلام (شرارالناس الذين يتخذون القبور مساجد) ومن المحكم أن سبب كفر بني آدم تعظيم القبور والصالحين وأنه أول شرك وقع في العالم، ومن المحكم أن الدعاء عبادة لا تكون إلا لله وحده وصرفه لغيره شرك ومن المحكم نهيه عن تعظيمه وإطرائه كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله»، ولذلك نهيه عمن قالوا له أنت سيدنا وأعظمنا طولا فقال: لا يستجرينكم الشيطان، ومن المحكم نهيه عمن قال له نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليه فقال عليه السلام: سبحان الله سبحان الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه فقال (أتدري ما الله إن شأن الله أعظم من ذلك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه) ومن المحكم بيانه أن الشرك أعظم الظلم والذنوب ويجب توقيه واجتنابه، ومن المحكم أن صور الشرك كثيرة ومنها الحلف بغير الله ودعاء غير الله والاستعانة بغير الله والتوكل على غير الله ومن المحكم انه صلى الله عليه وسلم بالغ في سد ذرائع الشرك حتى انه قال للرجل الذي قال ما شاء الله وشئت: أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده. ومن المحكم أن الميت لا يسمع الدعاء ولا يجيب من دعاه ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره ومن المحكم أن الميت بحاجة لمن يدعو له ويتصدق عنه لا أن يكشف كربا أو يدفع ضرا.
هذا أخي القارئ من المحكم في مسألة القبور وأهلها، أما المتشابه فهو كثير ويجب حمله على المحكم ليتضح وتبقى الأصول ثابتة كما قال تعالى {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} ومن صور المتشابه بعض النصوص غير الصحيحة أو النصوص غير الصريحة أو أقوال بعض علماء المسلمين التي تخالف الأصول الثابتة والعصور المتقدمة الفاصلة، فالواجب طرح الضعيف وموافقة غير الصريح للصحيح وترك أقوال من خالف دين الإسلام، قال الإمام مالك رحمه الله (كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ويشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم)، وقال كذلك (لن يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) وقال بعض السلف (ما لم يكن بالأمس دين فلن يكون اليوم ديناً) ومن خالف ما ذكرته أرجو أن يذكر الشرك وصوره ويعرف التوحيد وحقائقه.
والحمد لله على التمام وأشكره على كثير الإنعام إن ربي أهل الثناء والمجد.
24-08-09, 09:20 AM
العرض العادي
