عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-02, 12:31 PM   رقم المشاركة : 10
Guest





وقال السيد هاشم معروف : ويؤيد ذلك ما جاء في أسباب تأليف الكافي من أنه ألَّفه إجابة لمن طلب منه كتاباً يجمع من جميع فنون الدين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقِين عليهم السلام ، والسنن القائمة التي عليها العمل ، وبها يؤدَّى فرض الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله (1). فاستجاب لطلبهم وألَّفه في تلك المدة الطويلة التي حدَّدها كل من ترجمه وتعرض لتاريخه بعشرين عاماً ، فجاء جامعاً لما يحتاج إليه المحدِّث والفقيه والمتكلم والواعظ والمجادل والمتعلم . والكتاب الذي يحتوي على هذه المواضيع لا بد وأن يُلفت الأنظار ، ويصادف تقدير الباحثين من العلماء ، لأنه يوفِّر عليهم عناء البحث عن الروايات ، ويسد حاجة الفقيه والمحدِّث والمتكلم وغيرهم في آن واحد.
هذا بالإضافة إلى ما كان يتمتع به مؤلفه من ثقة عالية ، وشهرة واسعة ، ومكانة في العلم والدين تؤهله لأن يحتل المكانة التي تليق به في النفوس (2).
ومن أسباب شهرة هذا الكتاب أيضاً وسمو مكانته أنه امتاز بحسن الترتيب ، وزيادة الضبط والإتقان كما مر ، وذلك لأن الكليني رحمه الله قد تأنَّى في تأليفه ، فصرف في جمعه من عمره الشريف عشرين سنة ، بذل فيها جهده ، وسافر فيها إلى البلدان الكثيرة لمصاحبة شيوخ الإجازات ، وملاقاة المهرة في معرفة الأحاديث.
هذا مع أنه عاش في زمن سفراء الإمام المهدي عليه السلام حيث كانت الأصول الأربعمائة التي حوت آثار الصادقين عليهم السلام متداولة ومتوافرة ،
____________
(1) الكافي 1|8.
(2) دراسات في الحديث والمحدثين ص131.
--------------------------------------------------------------------------------

( 22 )

وهذان الأمران ربما يسَّرا له السبيل للتحقق من صحة رواياته.

كتاب الكافي فيه الصحيح والضعيف
إن علماء الشيعة الإمامية لم يعطوا كتاب الكافي ولا غيره من كتب الحديث تلك المنزلة التي أعطاها علماء أهل السنة إلى صحيحي البخاري ومسلم ، الذين أجمعوا على صحة كل ما فيهما من أحاديث ، وحكموا بأنها صادرة من النبي صلى الله عليه وآله قطعاً. وإنما حكم علماء الإمامية بأن ما في الكافي من الأحاديث ، منه الصحيح المعتبر ، ومنه الضعيف الذي لا يُحتج به ولا يعوَّل عليه.
قال المحقق السيد الخوئي أعلى الله مقامه : لم تثبت صحة جميع روايات الكافي ، بل لا شك في أن بعضها ضعيفة ، بل إن بعضها يُطمأن بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام (1).
وقال السيد محمد المجاهد قدس سره ( ت 1242هـ ) : الذي عليه محققو أصحابنا عدم حجية ما ذكره الكليني ، ولهذا لم يعتمدوا على كل رواية مروية في الكافي ، بل شاع بين المتأخرين تضعيف كثير من الأخبار المروية فيه سنداً... وقد اتفق لجماعة من القدماء كالمفيد وابن زهرة وابن إدريس والشيخ والصدوق الطعن في بعض أخبار الكافي... وقد ذُكرت عباراتهم في الوسائل (2).
وبهـذا يتضح أن علـماء الإمامية وقفوا من كتاب الكافي موقفاً معتدلاً ، لم يجنحوا فيه إلى طرف الإفراط بتصحيح كل أحاديثه ، فيسـاووه بكتاب الله العزيـز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولم يميلوا إلى جانب التفريط بإسقاطه عن الحجية والاعتبار فيبخسوه حقه.
____________
(1) معجم رجال الحديث 1|92.
(2) مفاتيح الأصول ، ص334.
--------------------------------------------------------------------------------

( 23 )

قال السيد هاشم معروف : ومع أنه نال إعجاب الجميع وتقديرهم لم يغالِ به أحد غلو محدِّثي السنة في البخاري ، ولم يدَّعِ أحد بأنه صحيح بجميع مروياته لا يَقبل المراجعة والمناقشة ، سوى جماعة من المتقدمين تعرضوا للنقد اللاذع من بعض من تأخر عنهم من الفقهاء والمحدثين ، ولم يقل أحد بأن من روى عنه الكليني فقد جاز القنطرة كما قال الكثيرون من محدّثي السنة في البخاري ، بل وقف منه بعضهم موقف الناقد لمروياته من ناحية ضعف رجالها ، وإرسال بعضها ، وتقطيعها ، وغير ذلك من الطعون التي تخفف من حدة الحماس له والتعصب لمروياته (1).
فأحاديث الكافي إذن فيها الصحيح وفيها الضعيف ، بل إن الضعيف منها أكثر من الصحيح كما نص عليه كثير من الأعلام ، مثل فخر الدين الطريحي ( ت 1085هـ ) (2) ، والشيـخ يـوسف البحـراني ( ت 1186هـ ) عـن بعـض مشائـخه المتـأخرين (3) ، والسيد بحر العلوم (4) ، والميرزا محمد بن سليمان التنكابني ( ت 1310هـ ) (5) ، وآغـا بزرك الطهراني (6) ، وغيرهم.
قـال الطـريحي قـدس سـره : أمـا الكـافي فجميع أحاديثه حُصرت في [16199 ] ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً ، الصحـيح منها باصـطلاح مَن تأخر [ 5072 ] خمسة آلاف واثنان وسبعون ، [ والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثاً ] ، والموثَّق [ 1118 ] ألـف ومـائة وثمانية عشر حديثاً ، والقوي منها [ 302 ] اثنان وثلاثمائة ، والضعيف منها [ 9485 ]
____________
(1) دراسات في الحديث والمحدثين ص132.
(2) جامع المقال ، ص193.
(3) لؤلؤة البحرين ، ص394.
(4) رجال السيد بحر العلوم 3|331.
(5) قصص العلماء ، ص420.
(6) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 17|245.
--------------------------------------------------------------------------------

( 24 )

أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثاً ، والله أعلم.
والحاصل أن الكليني رضوان الله عليه مع أنه حاول أن يجمع في كتابه الكافي الأحاديث الصحيحة التي يكون بنظره عليها المعوّل ، وبها يؤدَّى فرض الله عز وجل كما أوضح في مقدمة الكتاب ، إلا أن علـماء الإمـامية لـم يتابعوه في تصحيح كل الأحاديث التي رواها في كتابه ، وفي جواز العمل بها ، بل ضعَّفوا كثيراً من أحاديثه كما تقدم ، مع أنه من أجَل الكتب عندهم وأكثرها فائدة ، من حيث إنه حوى أكثر من ستة آلاف وسبعمائة حديث معتبر.
وبذلك يتضح الفارق بين نظر أهل السنة إلى صحيح البخاري ، ونظر الشيعة إلى كتاب الكافي ، فإن مكانة صحيح البخاري التي تبوَّأها عند أهل السنة إنما حصلت بسبب إجماع علماء أهل السنة على صحة أحاديثه كلها (1) ، بخلاف الكافي وغيره من كتب الحديث عند الشيعة الإمامية ، فإنها لم تنل هذه المنزلة عندهم.
ولهذا نرى جمعاً من حفَّاظ الحديث من أهل السنة مع أنهم صنَّفوا
____________
(1) قال الحافظ أبو نصر الوايلي السجزي : أجمع أهل العلم ـ الفقهاء وغيرهم ـ على أن رجلاً لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن النبي قد صح عنه ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قاله ، لا شك أنه لا يحنث ، والمرأة بحالها في حبالته ( مقدمة ابن الصلاح ، ص13 ). وقال أبو المعالي الجويني : لو حلف إنسان بطلاق امرأته ان ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما ألزمته الصلاق ولا حنثته ، لإجماع علماء المسلمين على صحتهما ( صحيح مسلم بشرح النووي 1|20 ، تدريب الراوي 1|131 ). وقال ابن تيمية في كتابه علوم الحديث ، ص72 : ومن الصحيح ما تلقاه بالقبول والتصديق أهل العلم بالحديث ، كجمهور أحاديث البخاري ومسلم ، فإن جميع أهل العلم بالحديث يجزمون بصحة جمهور أحاديث الكتابين ، وسائر الناس تبع لهم في معرفة الحديث.
--------------------------------------------------------------------------------

( 25 )

كتباً التزموا فيها جمع الصحيح من الحديث بنظرهم (1) ، إلا أن كتبهم تلك لم تنل مكانة صحيح البخاري عند أهل السنة ، فإن العلماء لم يُجْمِعوا على صحَّة كل ما روي فيها من أحاديث ، كما كان الحال في أحاديث صحيح البخاري.
ومن ذلك يتضح أن حال كتاب الكافي عند الشيعة الإمامية حال المستدرك على الصحيحين أو صحيح ابن حبان وغيرهما من المصنفات التي حاول مؤلفوها جمع الصحيح فيها فقط ، ولم يتحقق إجماع على قبول كل ما فيها من أحاديث.
وحينئذ فلا مناص من عرض أحاديث هذه المجاميع على قواعد علم الدراية ، لتمييز الصحيح من غيره ، فيُحكم بصحة ما كان مستجمعاً لشرائط الصحة ، وبضعف ما لم يستجمع تلك الشرائط وإن حكم مؤلفٌ ما بصحة هذا الحديث أو ذاك ، لأن اجتهاد مجتهد لا يكون حجَّة على غيره من المجتهدين.

لا يُحتج بكتاب الكافي في إثبات المذهب
وهذه المسألة تتضح بأمور :
1ـ أن كتـاب الكـافي ـ كمـا أوضحنا ـ فيه الأحاديث الصحيحة المعتبرة ، وفيه الأحـاديث الضعيفة ، وعليه فلا يصح الاستناد في إثبات شيء من الأحكام الشرعية الفقهية ، فضلاً عن إثبات المذاهب الكلامية والأصول الاعتقادية على أي حديث مروي في كتاب الكافي ما لم يستجمع شرائط الاعتبار والحجية.
____________
(1) مثل كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، والمسند الصحيح على التقاسيم والأنواع ، المعروف بصحيح ابن حبان ، وكذلك صحيح ابن خزيمة.
--------------------------------------------------------------------------------

( 26 )

2ـ أن أصول الدين لا يصح إثباتها بأخبار الآحاد (1) وإن كانت تلك الأخبار صحيحة ، وذلك لأن المسائل الاعتقادية يشترط فيها أن تكون قطعية ، وأخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن الذي لا يجوز التعويل عليه في هذه المسائل.
قـال السيد المرتضى أعـلى الله مـقامـه ( ت 436هـ ) في معرض الجواب عـن جـواز الرجـوع في تعرُّف الأحـكام إلى رسالـة « المقنعة » للمفيد ، أو رسالة ابن بابويه ، أو كتاب « الكافي » للكليني ، أو غيرها : إن الرجوع فيالأصول إلى هذه الكتب خطأ وجهل (2).
وقال في النكير على من يعمل بأخبار الآحاد مطلقاً : ألا ترى أن هؤلاء بأعيانهم قد يحتجّون في أصول الدين من التوحيد والعدل والنبوة والإمامة بأخبار الآحاد ، ومعلوم عند كل عاقل أنها ليست بحجة في ذلك (3).
وقال الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري أعلى الله مقامه ( ت 1281هـ ) : ظاهر الشيخ [ الطوسي ] في « العُدّة » أن عدم جواز التعويل في أصول الدين على أخبار الآحاد اتفاقي ، إلا عن بعض غَفَلة أصحاب الحديث. وظاهر المحكي في « السرائر » عن السيد المرتضى عدم الخلاف فيه أصلاً (4).
وقال شيخنا الشهيد الثاني أعلى الله مقامه ( ت 966هـ ) في « المقاصد العلية » بعد أن ذكر أن المعرفة بتفاصيل البرزخ والمعاد غير
____________
(1) وهي الأحايث غير المتواترة. وكون أكثر أحاديث الكافي من أخبار الآحاد مما لا نزاع فيه.
(2) رسائل الشريف المرتضى 2 | 333.
(3) المصدر السابق 1 | 211.
(4) فرائد الاصول 1 | 372.
--------------------------------------------------------------------------------

( 27 )

لازمة : وأما ما ورد عنه صلى الله عليه وآله في ذلك من طريق الآحاد فلا يجب التصـديق بـه مطلقاً وإن كان طريقه صحيحاً ، لأن الخبر الواحد ظني ، وقد اختُلف في جواز العمل به في الأحكام الشرعية الظنية ، فكيف بالأحكام الاعتقادية العلمية ؟! (1).
وعليه ، فالـذي يجب اعتقاده هـو مـا دلَّ عليه ظاهر كتاب الله المجيد ، وما عُلم بالتواتر من أقوال النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين من أهل بيته عليهم السلام وأفعالهم وتقريرهم ، وما عُلم بالضرورة أنه من دين الإسلام.
وأما ما عدا ذلك فهو موضوع عن الناس ، لا يجب عليهم الاعتقاد به إلا إذا حصل لهم العلم به.
قال الشيخ الأنصاري قدس سره : المستفاد من الأخبار المصرّحة بعدم اعتبار معـرفة أزيد مما ذُكـر فيها ـ وهو الظاهر من جماعة من علمائنا الأخيار ، كالشهيدين في الألفية وشرحها ، والمحقق الثاني في الجعفرية وشارحها وغيرهم ـ هو أنه يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه موجوداً ، وواجب الوجود لذاته ، والتصديق بصفاته الثبوتية الراجعة إلى صفتي العلم والقدرة ، ونفي الصفات الراجعة إلى الحاجة والحدوث ، وأنه لا يصدر منه القبيح فعلاً أو تركاً...
ويكفي في معرفة النبي صلى الله عليه وآله معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص بـه ، والتصديق بنبوته وصدقه ، فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته ـ أعني كـونه معصوماً بالملكة ـ من أول عمره إلى آخره...
إلى أن قال : ويكفي في معرفة الأئمة صلوات الله عليهم معرفتهم بنسبهم المعروف ، والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق ، ويجب الانقياد إليهم والأخذ منهم ، وفي وجوب الزائد على ما ذُكر من عصمتهم الوجهان...
____________
(1) المصدر السابق 1|371.
--------------------------------------------------------------------------------

( 28 )

ويكفي في التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله التصديق بما عُلم مجيئه به متواتراً من أحوال المبدأ والمعاد ، كالتكليف بالعبادات ، والسؤال في القبر وعذابه ، والمعاد الجسماني ، والحساب والصراط والميزان والجنة والنار إجمالاً...
ثم قال : وما استقربناه فيما يعتبر في الإيمان وجَدْتُه بعد ذلك في كلام محكي عن المحقق الورع الأردبيلي في شرح إرشاد الأذهان (1).

الخلاصة
أن أبا بكر الجزائري لم يتَّبع في « نصيحته » إلى كل شيعي المنهج الصحيح للبحث العلمي ، إذ وصف كتاب الكافي بأنه عمدة الشيعة في إثبات مذهبهم ، وأنه أهم كتاب يعتمدون عليه في إثبات المذهب ، وأنه عمدة مذهب الشيعة ، ومصدر تشيعهم.
وهـذا كـله لـم يثبت ، بل الثابت خلافه ، فإن كتاب الكافي وإن كان من أجَل الكتب المعتمدة عند الشيعة الإمامية في استنباط الأحكام الشرعية ، إلا أن فيه أحاديث ضعيفة لا يجوز الاستناد إليها في فروع الدين فضلاً عن أصوله ، كما لا يصح الاستناد إلى أحاديث الكافي وغيره ـ وإن كـانت صحيحة ـ في إثبات المذهب ، أو إثبات شيء من أصوله وعقائده التي لا بد أن تكون معلومة بالقطع واليقين ، اللهم إلا ما كان منها متواتراً قد عُلم صدوره من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام.
ثم إن علماء المذهب قدس الله أسرارهم قد أثبتوا صحة مذهب الإمامية وسلامة عقائده بالأدلة القطعية ، العقلية منها والنقلية ، واحتجوا على خصومهم بما صحَّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله مما رواه الخصوم في كتبهم المعتمدة ، ولم يُلزِموا مخالفيهم بما رووه هم في كتبهم من الأحاديث التي لا يسلِّم بها غيرهم.
____________
(1) فرائد الاصول 1|377 ـ 380.
--------------------------------------------------------------------------------

( 29 )

وهذا معلوم من حالهم ، يعرفه كل من اطّلع على ما حرروه في كتبهم الكلامية ، وما كتبوه في إثبات المذهب وإبطال مذاهب أهل الخلاف ، فراجـع إن شئت كتاب « الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد » للشيخ محمد بـن الحسن الطوسي ، وكتاب « كشف المراد » و « نهج المسترشدين » و « الباب الحادي عشر » و « نهج الحق وكشف الصدق » و « كشف اليقين » كلها للعلامة الحلّي ، وكتاب « الغدير » للشيخ عبد الحسين الأميني ، وكتاب « المراجعات » للسيد عبد الحسين شرف الدين... وغيرها من الكتب التي لا تحصى كثرة.
ولهذا كله لم يحاول الجزائري أن يُثْبت شيئاً مما ادّعاه ، بالنقل عن جهابذة علماء الشيعة وأساطين المذهب الذين حرّروا هذه المسألة في مصنفاتهم المعروفة.
كما أنـه لـم يحاول أن يُثبت لقارئـه أيضـاً أن « حقائقه » التي ذكرها في كُتيّبه قد استخلصها من أحاديث صحيحة ، وأن الشيعة يعتقدون بمفادها ، ويعدُّونها من أُسس تشيّعهم وأصول مذهبهم.
وهذا كله لو حاول إثباته فلن يتأتى له ، لأن علماءنا الأبرار قد أثبتوا في مصنفاتهم أن كتـاب الكافي ـ كما تقـدم ـ فيه جملة وافرة من الأحاديث الضعيفة التي لا يجوز العمل بها ، ولا يصح الاحتجاج بها في فروع الدين وأصوله ، وصرَّحوا أنه لا يلزم الشيعي حتى يكون شيعياً أن يعتقد بتفاصيل التوحيد والنبوة والإمامة وغيرها ، بل يجب عليه أن يعتقد بالأُسس العامة للمذهب كما أوضحناه مفصلاً.
ومـن الغـريب أن هذا الرجل قد اختار أحاديث ضعيفة زعم أن الشيعة تعتقد بمفادها ، وزعم أنه توصَّل بها إلى حقائق ثابتة هي أصل مذهب التشيع ، مع أن تلك الأحاديث ـ مضافاً إلى ضعف سندها ـ لا تدل على ما ادّعى أنها تدل عليه ، فإنه حمَّلها ما لا تحتمل من الوجوه الضعيفة


--------------------------------------------------------------------------------

( 30 )

والمعاني الباطلة.
هذا مضافاً إلى أنه جاء ببعض الأحاديث التي حرَّفها بأبشع تحريف ، ونسبها إلى الكافي كما سيتضح في كشف الحقيقة السابعة إن شاء الله تعالى. وهذا مما يؤسف له ، ويدل على أن الرجل لم يكن مخلصاً في نصيحته ، ولا صادقاً في دعوته ، ولا أميناً في نقله ، ولا ثقة في قوله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )



--------------------------------------------------------------------------------

( 31 )



كشف
الحقيقة الأولى


--------------------------------------------------------------------------------

( 32 )


--------------------------------------------------------------------------------

( 33 )

قال الجزائري :


الحقيقة الأولى


استغناء آل البيت وشيعتهم عن القرآن الكريم بما عند آل البيت
من الكتب الإلهية الأولى التي هي التوراة والزبور والإنجيل

إن الذي يثبت هذه الحقيقة ويؤكدها ، ويلزمك أيها الشيعي بها : هو ما جاء في كتاب الكافي من قول المؤلف : « باب أن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من الله عز وجل ، وأنهم يعرفونها كلها على اختلاف ألسنتها » مستدلاً على ذلك بحديثين يرفعهما إلى أبي عبد الله ، وأنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسريانية.

وأقول :
الحديث الأول : أخرجه الكليني رحمه الله بسنده عن هشام بن الحكم في حديث بُرَيه ، أنه لما جاء معه إلى أبي عبد الله عليه السلام فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، فحكى له هشام الحكاية ، فلما فرغ قال أبو الحسن عليه السلام لبريه : يا بريه ، كيف علمك بكتابك ؟ قال : أنا به عالم. ثم قال : كيف ثقتك بتأويله ؟ قال : ما أوثقني بعلمي فيه. قال : فابتدأ أبو الحسن عليه السلام يقرأ الإنجيل ، فقال بريه : إيَّاك كنتُ أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك. قال : فآمن بريه ، وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة التي كانت معه.
فدخل هشام وبريه والمرأة على أبي عبد الله عليه السلام ، فحكى له هشام الكلام الذي جرى بين أبي الحسن موسى عليه السلام وبين بريه ، فقال أبو


--------------------------------------------------------------------------------

( 34 )

عبد الله عليه السلام : ( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ). فقال بريه : أنَّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرأها كما قرأوها ، ونـقولها كمـا قـالوا ، إن الله لا يجعل حـجَّة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول : لا أدري (1).

سند الحديث
هذا الحديث ضعيف السند ، لجهالة أحد رواته ، وهو الحسن بن إبراهيم.
قال المولى محمد باقر المجلسي قدس سره : [ في سنده ] مجهول (2).
وقال المامقاني قدس سره في ترجمة الراوي المذكور : الحسن بن إبراهيم الكوفي ، عـدَّه الشيخ في رجـاله مـن أصحاب الرضا عليهم السلام... وظاهره كونه إمامياً إلا أن حاله مجهول (3).
والحديث الثاني : رواه الكليني أيضاً عن مفضل بن عمر ، قال : أتينا باب أبي عبد الله ونحن نريد الإذن عليه ، فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية ، فتوهمنا أنه بالسريانية ، ثم بكى فبكينا لبكائه ، ثم خـرج إلينا الغلام ، فـأذن لنا فدخلنا عليه ، فقلت : أصلحك الله ، أتيناك نريد الإذن عليك ، فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية ، فتوهمنا أنه بالسريانية ، ثم بكيت فبكينا لبكائك. فقال : نعم ، ذكرتُ إلياس النبي ، وكان من عبَّاد أنبياء بني إسرائيل ، فقلت كما كان يقول في سجوده. ثم اندفع فيه بالسريانية ، فلا والله ما رأينا قسًّاً ولا جاثليقاً أفصح لهجة منه به ، ثم فسره
____________
(1) أصول الكافي 1|227. والحديث بطوله مذكور في مرآة العقول 3|25 ، وكتاب التوحيد ، ص270.
(2) مرآة العقول 3|24.
(3) تنقيح المقال 1|265.
--------------------------------------------------------------------------------

( 35 )

لنا بالعربية ، فقال : كان يقول في سجوده : أتراك معذِّبي وقد أظمأتُ لك هواجري ؟ أتراك معذّبي وقد عفّرت لك في التراب وجهي ؟ أتراك معذّبي وقد اجتنبتُ لك المعاصي ؟ أتراك معذبي وقـد أسهرت لك ليلي ؟. قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك ، فإني غير معذبك ، قال : فقال : إن قلتَ : « لا أعذِّبك » ثم عذَّبتَني ماذا ؟ ألستُ عبدك ، وأنت ربّي ؟! قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك ، فإني غير معذّبك ، إني إذا وعدتُ وعداً وفيتُ به (1).

سند الحديث
هذا الحديث أيضاً ضعيف السند.
قال المولى المجلسي قدس سره : الحديث الثاني ضعيف (2).
وحسبك أن من جملة رواته سهل بن زياد ، وبكر بن صالح ، ومحمد بن سنان.
أما سهل بن زياد فذهب المشهور إلى أنه ضعيف.
قال المامقاني قدس سره : إن علماء الرجال قد اختلفوا في الرجل على قولين :
أحدهما : أنه ضعيف ، وهو خيرة النجاشي وابن الغضائري والشيخ في الفهرست ، والعلاَّمة في الخلاصة وجملة من كتبه الفقهية كالمنتهى والمختلف وغيرهما ، وابن داود في رجاله ، والمحقق في الشرائع ومواضع من نكت النهاية والمعتبر ، والآبي في محكي كشف الرموز ، والسيوري في التنقيح ، والشهيد الثاني والشيخ البهائي وصاحب المدارك والمولى الصالح المازندراني والمحقق الأردبيلي والسبزواري وغيرهم ، بل هو المشهور بين
____________
(1) أصول الكافي 1|227.
(2) مرآة العقول 3|28.
--------------------------------------------------------------------------------

( 36 )

الفقهاء وأصحاب الحديث وعلماء الرجال (1).
وقـال المحقق الخوئي قـدس سـره : وكيف كان فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزماً ، أو لم تثبت وثاقته (2).
وأما بكر بن صالح فقد ضعَّفه النجاشي (3).
وقال ابن الغضائري : بكر بن صالح الرازي ضعيف جـداً ، كثير التفـرد بالغرائب (4).
وضعَّفه العلاَّمة في الخلاصة بنحو ما قاله ابن الغضائري (5).
وذكره ابن داود في القسم الثاني وضعَّفه ، ونقل كلام ابن الغضائري ، كما ضعَّفه الشيخ البهائي في الوجيزة (6).
قال المامقاني قدس سره : ضعْف بكر بن صالح الضبي الرازي الراوي عن الكاظم عليه السلام مما لا ينبغي الريب فيه ، واشتراك غيره معه مـن دون تمييز صحيح يُسقِط كـل رواية لبكر بن صالح ـ أيّ بكر كان ـ عن الاعتبار (7).
وأما محمد بن سنان فالمشهور أيضاً أنه ضعيف.
قال المامقاني بعد أن ذكر أنه اختلف فيه على قولين : أحدهما : أنه ضعيف ، وهو المشهور بين الفقهاء وعلماء الرجال.
ثم نقل تضعيفه عن الشيخ الطوسي في رجاله وفهرسته ، والنجاشي وابن عقدة أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد وابن الغضائري والمفيد
____________
(1) تنقيح المقال 2|75.
(2) معجم رجال الحديث 8|340.
(3) رجال النجاشي 1|270.
(4) تنقيح المقال 1|178.
(5) رجال العلامة الحلي ، ص207.
(6) تنقيح المقال 1|178.
(7) المصدر السابق 1|179.
--------------------------------------------------------------------------------

( 37 )

الذي قال فيه : محمد بن سنان وهو مطعون فيه ، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه ، ومن كان هذا سبيله لا يُعتمد عليه في الدين (1).
قال المامقاني : وممن ضعَّفه المحقق رحمه الله في مواضـع من المعتبر ، والعلاّمة في موضع من المختلف ، وكاشف الرموز والشهيد الثاني في باب المهور من المسالك ، وصاحب المدارك ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ، وصاحب الذخيرة ، وهو المحكي عن المعتصم والمنتقى ومشرق الشمسين والحبل المتين وحاشية المولى صالح والتنقيح والفخري في مرتب مشيخة الصدوق والذكرى والروضة وغيرها (2).
قال السيد الخوئي قدس سره : تضعيف هؤلاء الأعلام يصدّنا عن الاعتماد عليه والعمل برواياته (3).

مناقشة الجزائري في دلالة الحديثين :
قال الجزائري : وقصد المؤلف من وراء هذا معروف ، وهو أن آل البيت ـ وشيعتهم تبع لهم ـ يمكنهم الاستغناء عن القرآن الكريم بما يعلمون من كتب الأوّلين.
وهذه خطوة عظيمة في فصل الشيعة عن الإسلام والمسلمين ، إذ ما من شك في أن من اعتقد الاستغناء عن القرآن الكريم بأي وجه من الوجوه فقد خرج من الإسلام ، وانسلخ من جماعة المسلمين.
ثم قال : إن اعتقاد امرئ الاستغناء عنه أو عن بعضه بأي حال من الأحوال ، هو ردَّة عن الإسلام ومروق منه ، لا يبقيان لصاحبها نسبة إلى الإسلام ولا إلى المسلمين.
____________
(1) المصدر السابق 3|124.
(2) المصدر السابق 3|125.
(3) معجم رجال الحديث 16|160.