عرض مشاركة واحدة
قديم 17-07-08, 01:56 PM   رقم المشاركة : 2
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


المبحث الثاني : أنواع الحوار بين الأديان


المطلب الأول : حوار التعايش والتسامح


المسألة الأولى : المراد بالتعايش والتسامح في الدين الإسلامي :


لم ترد لفظة التعايش والتسامح في القرآن أو السنة , ولكن ورد لفظ البر والإحسان والقسط (14).


فالحوار المتعلق بالعلاقة المعيشية البحتة بين معتنقي الأديان , ويهدف إلى تحسين العلاقة بين شعوب أو طوائف , وربما تكون أقليات دينية(15), فإن الإسلام يرحب به , ويدعو إليه من خلال الإحسان والبر والقسط , ولا يتنافى مع نصوص الشرع الناهية عن موالاة الكفار(16).


قال تعالى : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (الممتحنة:8)


فمفهوم التسامح والتعايش في الإسلام هو : التعامل مع غير المسلم وفق الحكمة واللين والمعروف سواء في ذلك التعامل في الخطاب , أو في مطلق التصرف , وفق الضوابط الشرعية(17).




فإذا حارب أو اعتدى فعلى المسلمين أن يحاربوه ويردعوه(18).


فأهم ضوابطه ثلاثة (19):


1-مراعاة جانب الولاء و البراء .


2-إقامة العدل .


3-الحكمة في الدعوة أو المعاملة .


المسألة الثانية : المراد بالتعايش والتسامح في العالم الغربي .


لقد رفع الغرب شعار التعايش والتسامح مع العرب والمسلمين في اليوم السادس من نوفمبر 1973 م بعد الأحداث التالية(2) :


1-نشوب الحرب يوم العاشر من رمضان — السادس من أكتوبر — وقيام القوات العربية بعمليات حربية لتحرير الأراضي العربية المحتلة , ونجاحها في إنزال ضربات قوية بالمحتل الإسرائيلي .


2-قرار وزراء النفط العرب يوم السابع عشر من أكتوبر في الكويت : فرض الحصار النفطي على الولايات المتحدة الأمريكية , وتخفيض مستوى الضخ حتى يتحقق الجلاء عن الأراضي العربية المحتلة , وتؤمن الحقوق الوطنية لشعب فلسطين .


3-فرض الدول العربية الحظر النفطي على هولندا يوم العشرين من أكتوبر لموقفها العدائي من العرب . فهذا الشعار عبارة عن مناورة خالصة , وظاهرة مؤقتة , من أجل وقف القتال , أو تخفيف الضغط(21).


ثم تطور هذا الشعار حتى أصبح دعوى فكرية تخفي وراءها أهدافاً عديدة :


عقدية وثقافية , واجتماعية , وسياسية , واقتصادية (2), ومن أمثلة ذلك :



1-اتخاذه وسيلة للتنصير وتشويه حكم الردة في الإسلام .


2-اتخاذه وسيلة لمحاربة مفهوم الجهاد في الإسلام , وإضعاف عقيدة الولاء و البراء .



3-المحافظة على المكاسب المتحصلة , وامتصاص غضب العرب والمسلمين من الظلم الحاصل عليهم .


4-المطالبة بالحصول على المناصب الهامة داخل الدولة المسلمة(23).


وفي عام 1415هـ ( 1995 م ) أعلنت هيئة الأمم المتحدة أن هذا العام هو عام التسامح, وأصدرت نشرة خاصة عن ذلك , وكان أبرز ما فيها الدعوة إلى التسامح بين الأديان , ويريدون به الدعوة إلى زمالة الأديان , وجعل القاسم المشترك بينها البيان العالمي لحقوق الإنسان , والتأكيد على الحرية الدينية , واعتبار حكم الردة في الإسلام منافياً لهذه الحرية(24).


وقد قام بعد ذلك بالدور على أتمه و أكمله المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم و الثقافة ( إيسسكو )


فأصدرت كتاباً باسم " مفهوم التعايش في الإسلام "(25) أثبت فيه أن الإسلام يقر بالديانات السماوية , وأنه مهيمن عليها لا بمعنى ناسخ لها , وإنما بمعنى مراقب , فهو يرصد ما تتعرض له تلك الديانات من تحريف عن أصلها الحق(26)


, ثم يقول : " لا انفتاح ولا حوار , وبالتالي لا تعايش بدون كيان شخصي وهوية خاصة , أي بدون المحافظة عليها , مما يقتضي عدم التنازل عنهما , وفي طليعتهما : الدين , وإلاَّ فلا يكون انفتاح ولا يكون حوار , ولا يكون تعايش , وإنما تكون الهيمنة والتسلط ...



والإلحاح على مثل هذا الحوار راجع إلى أمرين :


الأول : لتحقيق المزيد من التفاهم المفضي إلى التعايش .


الثاني : لتقوية الإيمان بالله في النفوس , خاصة بعد أن طغت المادية , وتفشت قيمها المسيطرة على الشباب في جميع أنحاء العالم "(27).


ثم أصدرت اليونسكو بياناً بمعنى التسامح وأنه : " احترام الآخرين وحرياتهم , والاعتراف بالاختلافات بين الأفراد , والقبول بها ...


والتسامح هو تقدير التنوع الثقافي , وهو الانفتاح على الأفكار والفلسفات الأخرى بدافع الاطلاع , وعدم رفض ما هو غير معروف "(28).


ثم قامت كتابات عربية أخرى تؤكد على هذا المعنى من التسامح , وتقصد به حرية الردة عن الإسلام , وحرية السلوك والأخلاق .


فهذا محمد الطالبي يقول بأنه : لا يرى سنداً في الإسلام لما يعرف بحكم الردة(29).


وهذا عبد الفتاح عمر يتسائل : هل الظاهرة الدينية ستقوم على ترسيخ قيم الاحترام والتسامح , أم أنها ستنبني على التطرف والعنف والتكفير والتدخل فيما للغير من معتقدات وماله من سلوكيات ؟


هل الظاهرة الدينية ستساعد على ترسيخ الحرية الدينية , أم هل أنها ستعصف بها في آخر الأمر(3) . ا


لمسألة الثالثة : أمثلة على حوار التعايش في الواقع المعاصر .


-1- الحوار بين الشمال والجنوب .


والمقصود به الحوار بين البلدان المتطورة الغربية , ويرمز لها بالشمال , وبين بلدان العالم الثالث ويرمز لها بالجنوب , وذلك عندما فرض الشمال على الجنوب تعديل أسعار النفط , دون أن يدخل على النظام الاقتصادي أي تعديلات , وبعد مناورات دامت العامين , قبل الشمال إجراء الحوار مع الجنوب في هذا الموضوع , واضطر أن يضع نظاماً جديداً بعد ذلك(31).


-2- الحوار العربي الأوروبي .


كما تقدم , عندما شعرت أوروبا وأمريكا بانتصار المسلمين في حرب العاشر من رمضان 1973 , وممارسة العرب بعض الضغوط النفطية على أمريكا وهولندا , لجأت لإجراء الحوار امتصاصاً لغضب العرب , ومحافظة على مكاسبهم(32).


المطلب الثاني : حوار الدعوة والبلاغ .


المسألة الأولى : المراد به في الدين الإسلامي :


الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى من أجل دعوتهم للدين الإسلامي الخاتم والناسخ لجميع الأديان السابقة , وإيضاح محاسن الإسلام لهم , وبيان ما هم عليه من باطل , واستنقاذهم من ظلمات الشرك والجهل , هذا الهدف من أعظم ما يدعو إليه الإسلام , وبالتالي فهذا النوع من الحوار , مطلوب شرعاً وعقلاً(33).


قال تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64).


المسألة الثانية : المراد به في العالم الغربي :


يراد بهذا النوع من الحوار عند الكنيسة الكاثوليكية , وعند مجلس الكنائس العالمي , وعند المستشرقين من النصارى عدة أمور :


الأمر الأول : اتخاذه وسيلة للتنصير , وهذه كانت غايتهم الأولى , من إعلان الحوار مع المسلمين .


الأمر الثاني : اتخاذه وسيلة لتشكيك المسلمين في دينهم , وفي نبيهم , صلى الله عليه وسلم.


الأمر الثالث : اتخاذه وسيلة لأخذ الشهادة والإقرار بصحة دينهم , وجواز التعبد به لله تبارك وتعالى(34).



ولهذا فقد وضع النصارى مقياساً يقاس به نجاح هذا النوع من الحوار مكوَّن من عشرة أمور كالتالي(35):


(-7) — لا إدراك بالنصرانية .


(-6) — إدراك بوجود النصرانية .


(-5) — بعض المعرفة بالكتاب المقدس .


(-4) — فهم مبادئ الكتاب المقدس الأساسية .


(-3) — إدراك التضمينات الشخصية .


(-2) — إدراك الحاجة الشخصية .


(-1) — التحدي والقرار بقبول المسيح .


(+1) — التحول .


(+2) — تقييم القرار .


(+3) — الاندماج في الزمالة النصرانية .



------------------------------------


(14) - انظر الإبطال , لبكر أبو زيد ( 35 - 46 ) ,

والتبشير والاستعمار لمصطفى الخالدي وعمر فروخ(257, والاتجاهات العقلانية الحديثة,ناصر العقل( 47 )


(15) - انظر : تسامح الغرب , لعبد اللطيف الحسين ( 27 ) .


(16) - انظر : دعوة التقريب ( 1 / 349 ) .


(17) - انظر : تسامح الغرب ( 26 ) .


(18) - انظر : التساهل مع غير المسلمين : مظاهره وآثاره . عبد الله الطريقي ( 7 , 8 ) , وتسامح الغرب ( 27 ) .


(19) - انظر : حقيقة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين , سعد الصيني ( 25 - 26 ) .


(2) - انظر : تسامح الغرب ( 38 - 53 ) .


(21) - انظر : الحوار العربي الأوروبي , أحمد صدقي الدجاني ( 1 ) .


(2) - انظر : التعايش السلمي , هيوكتسكل ( 3 ) .


(23) - انظر : تسامح الغرب ( 17 ) .


(24) - انظر : التساهل مع غير المسلمين : مظاهره وآثاره , وتسامح الغرب , والمسلمون والأوروبيون , نحو أسلوب أفضل للتعايش , سامي الخزندار .


(25) - انظر : النشرة في آخر كتاب " دراسات في التسامح " من إعداد المعهد العربي لحقوق الإنسان بتونس ( 399 - 416 ) .


(26) - تأليف : د. عباس الجراري .


(27) - انظر : مفهوم التعايش في الإسلام ( 47 - 48 ) .


(28) - مفهوم التعايش ( 52 - 53 ) .


(29) - نقلاً عن تسامح الغرب ( 3 ) .


(3) - انظر : مقالته بعنوان " الحرية الدينية حق من حقوق الإنسان أم قدر الإنسان " , ضمن كتاب دراسات في التسامح ( 3 ) .


(31) - انظر : مقالته بعنوان : " الحرية الدينية " , ضمن كتاب دراسات في التسامح ( 57 ) .


(32) - انظر : حوار الشمال والجنوب : أسسه ونتائجه , إشراف د جورج قرم ( 7 ) فما بعدها .


(33) - انظر : الحوار العربي الأوروبي , هيفاء أحمد السامرائي ( 5 - 9 ) .


(34) - انظر : الحوار مع أهل الكتاب , لخالد القاسم ( 112 - 117) , ومقالة د محمد بن عبد الله السحيم " دعوة أهل الكتاب " في مجلة التوعية الإسلامية عدد ( 152 ) ص ( 139 ) .


(35) - انظر : التنصير , د. عبد الرحمن الصالح ( 62 - 72 ) .