المسالة الثانية:
اذا علم فوات الصلاة عن ميت فلا شك في جواز القضاء عنه.
و يدل عليه ما مر من اطلاق روايات الصلاة عن الميت، و روايات قضاء الولي، و رواية الساباطي: عن الرجل يكون عليه صلاة او يكون عليه صوم، هل يجوز له ان يقضيه رجل غير عارف؟ قال: «لا يقضيه الا رجل مسلم عارف» (18) .
و عموم صحيحة محمد: «يقضى عن الميت الحج و الصوم و العتق و فعاله الحسن» (19) .
و نحوها صحيحة ابن ابي يعفور (20) ، و اخبار كثيرة اخرى.
و تدل عليه قضية الخثعمية المشهورة في كتب الفريقين: «سالت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فقالت: ان ابي ادركته فريضة الحجشيخا زمنا لا يستطيع ان يحج، ان حججت عنه اينفعه ذلك؟ فقال لها: ارايت لو كان على ابيك دين فقضيته اكان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم، قال: فدين الله احق بالقضاء» (21) .
و لا شك ان الصلاة ايضا دين الله، كما استفاضتبه الاخبار، منها المروي في الفقيه: «اذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها بشيء، صلها و استرح منها، فانها دين» (22) و نحوها رواية حماد (23) ، الى غير ذلك.
و هل يجوز ذلك باحتمال ان عليه قضاء او توهمه او تخيله؟
قال في الذخيرة: فيه نظر و شك، لعدم الدليل، و توقف العبادات على التوقيف (24) . انتهى.
اقول: قد مر جواز ذلك بل استحبابه للمكلف نفسه في صلاته لادلة الاحتياط.و لكن في شمولها للمقام نظر ظاهر، اذ لا احتياط على الغير في حق الغير، و لا يجب على الولي الا ما علم فواته قطعا.
الا ان الظاهر كفاية مثل قولهم عليهم السلام: «لكل امرىء ما نوى» و «انما الاعمال بالنيات» (25) و قضية تعاقد المشايخ الثلاثة المذكورة-مع التسامح في ادلة السنن، و غلبة الظن بان ذلك لم يكن لقضاء صلاة متروكة يقينا-في اثبات الجواز و الاستحباب و حصول التوقيف، فان عدم التوقيف انما يمنع من الفعل بقصد التوقيف، فاذا فعله بقصد الدخول في تلك العمومات فاي مانع منه؟ و لم لا يثاب عليه؟
المسالة الثالثة:
لا شك في عدم وجوب قضاء ما علم فواته من الميت من الصلوات على غير الولي، للاصل الخالي عن المعارض مطلقا.
و اما الولي ففيه اقوال:
الاول: انه يجب عليه قضاء جميع ما فات عن الميت، و نسب الى ظاهر الشيخين و العماني و القاضي و ابن حمزة و الفاضل في اكثر كتبه (26) .
الثاني: انه يجب عليه قضاء ما فات عنه من صلاة او صوم لعذر، كالمرض و السفر و الحيض، لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه، و هو المنقول عن المحقق في بعض مصنفاته (27) ، و السيد عميد الدين (28) ، و نفى عنه الباس في الذكرى (29) .
الثالث: انه يجب عليه قضاء الصلوات الفائتة عنه في حال مرض موته فحسب، ذهب اليه الحلي و يحيى بن سعيد و الشهيد في اللمعة (30) ، و مال اليه في الروضة (31) .
الرابع: انه يجب عليه قضاء ما فات عنه في المرض مطلقا، مخيرا بينه و بين التصدق لكل ركعتين بمد، فان لم يقدر فلكل اربع مد، فان لم يقدر فمد لصلاة النهار و مد لصلاة الليل مع افضلية القضاء، حكي عن الاسكافي و السيد (32) .
الخامس: انه يجب عليه قضاء جميع ما فات عنه لمرض او غيره، مخيرا بينه و بين الصدقة على النحو المذكور، نسب الى ابن زهرة (33) .
و مرجع الاخيرين الى عدم وجوب القضاء عليه بخصوصه.
و منهم من نسب الى هؤلاء الاجلة الثلاثة مع التخيير التخصيص بمرض الموت ايضا (34) .
السادس: عدم وجوب القضاء عنه مطلقا، يظهر من السيد ابن طاووس في رسالته المذكورة وجود القائل به (35) .
و ظاهر الذخيرة التوقف في اصل وجوب القضاء مطلقا (36) .
دليل الاول: رواية الساباطي المتقدمة في المسالة الثانية (37) ، حيث انها دلت على الوجوب على المسلم العارف، خرج غير الولي بالاجماع، فبقي الولي.
و صحيحة البختري: في الرجل يموت و عليه صلاة او صيام، قال:
«يقضيه اولى الناس به» قلت: ان كان اولى الناس به امراة؟ فقال: «لا، الا الرجال» (38) .
و مرسلة ابن ابي عمير: في الرجل يموت و عليه صلاة او صيام، قال:
«يقضيه اولى الناس به» (39) .
و رواية ابن سنان: «الصلاة التي حصل وقتها قبل ان يموت الميتيقضي عنه اولى الناس به» (40) .
و عموم الاخبار الكثيرة، المتقدم بعضها المتضمن لقوله: «يقضى عن الميت فعاله الحسن» (41) .
و يرد على الجميع خلوه عن الدال على الوجوب راسا، و اي دلالة في قوله:
«يقضى» على الوجوب؟ مع ان استعمال الاخبار في المستحبات اكثر من ان يحصى.و دعوى تبادر الوجوب ممنوعة جدا.و لو سلم فما فائدته لزمان الشارع؟
و قياسه على الامر فاسد، اذ يضم مع تبادره اصالة عدم النقل، و هو هنا متحقق قطعا لو سلم التبادر، فتجري فيه اصالة تاخر الحادث.
هذا مع ان الظاهر من الاول ليس الا الجواز، و لو سلم ظهور الوجوب فتخصيص المسلم العارف بالولي ليس باولى من حمل «يقضيه» على الجواز.
و كذا العمومات الاخيرة، اذ لا يجب قضاء جميع فعاله الحسن قطعا، و التخصيص بالصلاة-مع كونه قبيحا لكونه فردا نادرا-ليس باولى من حمل «يقضى» على الاستحباب.
نعم وردت الاخبار-الظاهرة في الوجوب-في خصوص الصوم (42) .و قياس الصلاة عليه فاسد، و الاجماع المركب غير ثابت، بل عدمه ثابت، لتحقق الفصل بينهما في هذه المسالة في كثير من الموارد.
دليل الثاني-على ما في الذكرى-: اطلاق الاخبار المتقدمة بحمله على الغالب، و هو كون ترك الصلاة للعذر، قال: اما تعمد ترك الصلاة فانه نادر، قال: نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرىء للذمة، و الظاهر انه يلحق بالتعمد للتفريط (43) .انتهى.
و يرد: بمنع دلالة الاطلاقات على الوجوب اولا، كما مر.و منع الغلبة المدعاة الموجبة لانصراف المطلق اليها-سيما مع الحاق ما ذكره بالتعمد-ثانيا.
دليل الثالث: اما على عدم وجوب قضاء ما فات في غير مرض الموت فالاصل الخالي عن المعارض.و اما على وجوب قضاء ما فات في مرض موته فالاجماع، نقله الحلي (44) .
و يرد: بعدم حجية الاجماع المنقول، و عدم ثبوت المحقق، كيف؟ ! و لا يوجبه السيد و الاسكافي و ابن زهرة عينا و ان اوجبوا تخييرا.
و دليل الرابع و الخامس غير معلوم، كما صرح به جماعة (45) .
و دليل السادس: الاصل، و هو حسن.
الا ان الظاهر ثبوت الاجماع على وجوب شيء على الولي عينا او تخييرا، و لا اقل من الفائتة في مرض الموت، فان من يقول بعدم الوجوب اصلا غير معلوم، و ان كان فهو نادر، خلافه في الاجماع غير قادح.
ثم ان هذا الشيء الواجب قطعا هو قضاء الفائتة في مرض الموت قطعا، اذ كل من يقول بوجوب شيء يقول بوجوبه لا اقل، فهو باحد الوجوبين-العيني بخصوصه او في ضمن الزائد، او التخييري-موصوف البتة، و وجوب الزائد غير معلوم البتة، ثم بضميمة اصل الاشتغال يثبت وجوبه عينا، فان كل من يقول بالتخيير بين الصلاة و الصدقة يقول بحصول البراءة بالصلاة.
و من ذلك يظهر ان الاقوى هو القول الثالث، و هو اختصاص الوجوب على الولي بقضاء ما فات في مرض الموت، و الاحوط قضاؤه ما فات في المرض مطلقا.
.................................................
18) الوسائل 8: 277 ابواب قضاء الصلوات ب 12 ح 5 عن غياث سلطان الورى.
19) الوسائل 8: 281 ابواب قضاء الصلوات ب 12 ح 23 عن غياث سلطان الورى.
20) الوسائل 8: 281 ابواب قضاء الصلوات ب 12 ح 19 عن غياث سلطان الورى.
21) الذكرى: 75 عن غياث سلطان الورى، و نقل مضمونها في الدعائم 1: 336، و في مستدرك الوسائل 8: 26 ابواب وجوب الحج ب 18 ح 3 عن الدعائم و عن تفسير الشيخ ابي الفتوح الرازي، و انظر: سنن النسائي 5: 117، و سنن البيهقي 4: 328.
22) الفقيه 2: 195-884، الوسائل 11: 440 ابواب آداب السفر ب 52 ح 1.
23) الوسائل 8: 282 ابواب قضاء الصلوات ب 12 ح 26، عن غياث سلطان الورى.
24) الذخيرة: 387.
25) الوسائل 1: 46 ابواب مقدمة العبادات ب 5.
26) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 633، الذكرى: 128 نقلا عن العماني، و القاضي في المهذب 2: 132، و ابن حمزة في الوسيلة: 150، و الفاضل في التحرير 2: 164 و القواعد 2: 171، و التبصرة: 173، و التذكرة 1: 271.
27) نقله في الذكرى: 138 عن البغدادية للمحقق، و لا يخفى ان ظاهره (ره) في الشرائع 4: 25و النافع: 268 وجوب قضاء جميع ما فات، فراجع.
28) نقله عنه في الذكرى: 138.
29) الذكرى: 138.
30) الحلي في السرائر 1: 409، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 89، اللمعة (الروضة 1) :
352، و قال: و قيل ما فاته مطلقا و هو احوط.
31) الروضة 1: 352.
32) حكاه عنهما في المختلف: 148.
33) الغنية (الجوامع الفقهية) 563.
34) نسب التخصيص بمرض الموت الى الاسكافي و المرتضى، في المختلف: 148، و لم نجد من نسبه الى ابن زهرة.
35) انظر: الذكرى: 75.
36) الذخيرة: 387.
37) راجع ص 328.
38) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 ابواب احكام شهر رمضان ب 23 ح 5. «
39) الوسائل 8: 278 ابواب قضاء الصلوات ب 12 ح 6 عن غياث سلطان الورى.
40) الوسائل 8: 281 ابواب قضاء الصلوات ب 12 ح 18 عن غياث سلطان الورى.
41) راجع ص 328.
42) الوسائل 10: 329 ابواب احكام شهر رمضان ب 23.
43) الذكرى: 138.
44) في السرائر 1: 399 و 408.
45) كصاحب الحدائق 11: 57.