عرض مشاركة واحدة
قديم 20-03-10, 08:10 PM   رقم المشاركة : 6
مريم الحقيقة
عضو






مريم الحقيقة غير متصل

مريم الحقيقة is on a distinguished road


أدلتهم العقليّة على مسألة العصمة:
نستطيع أن نرجع أدلتهم العقلية التي يستدلون بها على عصمة الإمام إلى أصل واحد، وهو أنّ الأمّة كلّها معرّضة للخطأ والضّلال، والعاصم لها من الضّلال هو الإمام.
ولهذا رتبوا أدلتهم على هذا الأساس، فقالوا: إن الأمة لابد لها من رئيس معصوم يسدد خطاها، فلو جاز الخطأ عليه لزم له آخر يسدّده فيلزم التّسلسل، فحينئذ يلزم القول بعصمة الإمام؛ لأن الثقة عندهم بالإمام لا بالأمة.. وقالوا بأنه هو الحافظ للشرع، ولا اعتماد على الكتاب والسنة والإجماع بدونه إلخ([1]).
والحقيقة غير هذا تمامًا، فالأمّة معصومة بكتاب ربّها وسنّة نبيّها صلى الله عليه وسلم، ولا تجمع الأمّة على ضلالة، وعصمة الأمّة مغنية عن عصمة الإمام، وهذا مما ذكره العلماء في حكمة عصمة الأمة، قالوا: لأن من كان من الأمم قبلنا كانوا إذا بدلوا دينهم بعث الله نبيًا يبين الحق، وهذه الأمّة لا نبي بعد نبيّها، فكانت عصمتها تقوم مقام النّبوّة، فلا يمكن أحد منهم أن يبدّل شيئًا من الدّين إلا أقام الله من يبيّن خطأه فيما بدّله، ولذلك فإنّ الله سبحانه قرن سبيل المؤمنين بطاعة رسوله في قوله عزّ وجلّ: ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)) [النّساء:115].
فعصمة الأمة وحفظها من الضلال -كما جاءت بذلك النصوص الشرعية- تخالف تمامًا من (يوجب عصمة واحد من المسلمين، ويجوز على مجموع المسلمين -إذا لم يكن فيهم معصوم- الخطأ)([2]).
وكل ما سطروه وملأوا به الصفحات من أدلة عقلية تؤكد الحاجة إلى معصوم قد تحققت بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن الأمة ترد عند التنازع إلى ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة ولا ترد إلى الإمام ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)) [النّساء:59]. (قال العلماء: إلى كتاب الله، وإلى نبيّه صلى الله عليه وسلم، فإن قبض فإلى سنّته)([3])، وهي بهدي الكتاب والسنة لا تجمع على ضلالة؛ لأنها لن تخلو من متمسك بهما إلى أن تقوم الساعة.
ولهذا فإن الحجة على الأمة قامت بالرسل، قال تعالى: ((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ)) [النساء:163] إلى قوله: ((لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) [النّساء:165]، ولم يقل سبحانه: والأئمة، وهذا يبطل قول من أحوج الخلق إلى غير الرسل كالأئمة([4]).
وأدلّتهم العقليّة التي تؤكّد الحاجة إلى إمام معصوم، وأنّ الأمّة بدونه لا إيمان لها ولا أمان، هذه الحجج هي أيضًا تؤدّي في النّهاية إلى إبطال عصمة الأئمّة عندهم؛ لأنّ أئمّتهم لم يتحقّق بهم مقاصد الإمامة التي يتحدّثون عنها.
والواقع أنّه يكفي من ذلك انتهاء ظهور الإمام عندهم منذ سنة (260هـ)، سواء كان لم يوجد أصلاً -كما يقوله أكثر الفرق الشّيعيّة التي وجدت إثر وفاة الحسن، وكما تقوله أسرة الحسن وعلى رأسهم أخوه جعفر، وكما يؤكّده علماء النّسب والتّاريخ، كما سيأتي -أو هو مختف لم يظهر- كما تقوله الإثنا عشرية - فإنّ هذا الغائب الموعود أو المعدوم لم ينتفع به في دين ولا دنيا.
وهذه ثلمة لا تسد، وفتق لا يرتق في المذهب الإثني عشري لا يبقي ولا يذر لحججهم وزنًا ولا أثرًا.
وكذلك أجداده من قبل إذ لم يتول منهم أحد ما عدا أمير المؤمنين علي، والحسن قبل تنازله، ولهذا قال أهل العلم: إن دعوى العصمة عندهم ليس عليها دليل إلا زعمهم بأن الله لم يخل العالم من أئمة معصومين لما في ذلك من المصلحة واللطف، ومن المعلوم المتيقن أن هذا المنتظر الغائب المفقود لم يحصل به شيء من المصلحة واللطف.. وكذلك أجداده المتقدمون لم يحصل بهم المصلحة واللطف الحاصلة من إمام معصوم ذي سلطان كما كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، فإنه كان إمام المؤمنين الذي يجب عليهم طاعته، ويحصل بذلك سعادتهم، ولم يحصل بعده أحد له سلطان تدعى له العصمة إلا علي رضي الله عنه ومن المعلوم أن المصلحة واللّطف الذي كان المؤمنون فيها زمن الخلفاء الثّلاثة أعظم من المصلحة واللّطف الذي كان في خلافة علي زمن القتل والفتنة والافتراق([5]).
أما من دون علي فإنما كان يحصل للناس من علمه ودينه مثل ما يحصل من نظرائه، وكان علي بن الحسين وابنه أبو جعفر، وابنه جعفر بن محمد يعلمون الناس ما علمهم الله كما علمه علماء زمانهم، وكان في زمانهم من هو أعلم منهم وأنفع للأمة، وهذا معروف عند أهل العلم، ولو قدر أنهم كانوا أعلم وأدين فلم يحصل من أهل العلم والدين ما يحصل من ذوي الولاية من القوة والسلطان، وإلزام الناس بالحق ومنعهم باليد عن الباطل.
وأما من بعد الثلاثة كالعسكريين فهؤلاء لم يظهر عليهم علم تستفيده الأمة، ولا كان لهم يد تستعين بها الأمة؛ بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين.. ولذلك لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة([6]).
_________________________


([1]) انظر: ابن المطهر/ كشف المراد: (ص390-391)، وانظر: نهج المسترشدين: (ص63)، وانظر: الألفين: (ص56) وما بعدها، القزويني/ الشيعة في عقائدهم: (ص368-369)، الزنجاني/ عقائد الإمامية: (ص77)، هاشم معروف الحسيني/ أصول التشيع: (ص131-132).

([2]) المنتقى (مختصر منهاج السنة): (ص410).

([3]) ابن عبد البرّ/ التّمهيد: (4/264).

([4]) انظر: ابن تيمية/ الفتاوى: (19/66).

([5]) منهاج السنة: (2/104).

([6]) منهاج السنة: (3/248).