عرض مشاركة واحدة
قديم 20-03-10, 08:07 PM   رقم المشاركة : 3
مريم الحقيقة
عضو






مريم الحقيقة غير متصل

مريم الحقيقة is on a distinguished road


أطوار عقيدة العصمة:
وإذا حاولنا أن نرجع إلى النصوص الشيعية التي ورد فيها النص على العصمة لنستقرئ من خلالها الأطوار التي مرت بها هذه العقيدة نجد ما يلي: تنسب كتب الشيعة إلى زين العابدين علي بن الحسين أنّه قال: [[المعصوم هو من اعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن]]([1]).
وسواء صحت نسبة هذا النص إلى علي بن الحسين أم لم تصح، فإنه يطلعنا على تلك النظرة السليمة للعصمة، وربطها بهذا المعنى الإسلامي الجميل في تلك الفترة المبكرة من تاريخ التشيع، فالاعتصام بالقرآن والتمسك به هو العصمة والنجاة، وهذا المعنى ليس مقصورًا على أناس معينين، قال تعالى: ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا)) [آل عمران:103] وقال سبحانه: ((وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) [آل عمران:101].
وبعد ذلك نجد أن هشام بن الحكم الذي ينسب له القاضي عبد الجبار اختراع عقيدة العصمة يسأله أحد رجال الشيعة ويدعى حسين الأشقر فيقول: ما معنى قولكم: إن الإمام لا يكون إلا معصومًا؟ فقال هشام: [[سألت أبا عبد الله جعفر الصادق عن ذلك فقال: المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال تبارك وتعالى: ((وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) [آل عمران:101]]]([2]).
ويقول شيعي آخر يدعى ابن أبي عمير: ما استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي إياه شيئًا أحسن من هذا الكلام في عصمة الإمام وهو: أن الإمام لا يذنب؛ لأن منافذ الذنوب الحرص والحسد والغضب والشهوة، وهذه الأوجه منتفية عن الإمام([3]).
ولكن هذا المفهوم -على كل حال- ليس من غلوّ المجلسي في العصمة، ولا يترتب عليه من الآثار ما يترتب على عصمة الشيعة في صياغتها الأخيرة والتي تزيد على ذلك، بجعل كلام الإمام وحيًا يوحى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتنفي عنه العوارض البشرية من السهو والغفلة والنسيان لتخرج به من طور المخلوقين إلى صفات خالق البشر.
كما يلحظ أن الحكم بامتناع الإمام عن المعصية ولزوم فعله للطّاعة يعني أنّه مجبور من الله -سبحانه- على ذلك، وهذا يتعارض مع مذهب الإثني عشرية في القدر، من القول بالحرّيّة والاختيار، وأنّ العبد يخلق فعله، ممّا يدلّ على أنّ مفهوم العصمة هذا سابق لمذهبهم في القدر والذي أخذوه عن المعتزلة في المائة الثّالثة.
ولهذا نجد أنه بعد تأثر الشيعة بالفكر الاعتزالي اصطبغ مفهوم العصمة عندهم ببعض الأفكار الاعتزالية كفكرة اللطف الإلهي، وفكرة الاختيار الإنساني، كما نلاحظ هذا في تعريف المفيد (المتوفى سنة 413هـ) للعصمة حيث قال: (بأنها لطف يفعله الله تعالى بالمكلف بحيث يمنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة مع قدرته عليها)([4])، فليس معنى العصمة أن يجبر الله الإمام على ترك المعصية، بل يفعل به ألطافًا يترك معها المعصية مختارًا. فتلحظ الاستعانة بمصطلحات المعتزلة لتحديد مفهوم العصمة.
ومسألة العصمة لم تقف عند حد نفي المعصية بل تجاوزت ذلك.. ففي القرن الرابع يقرر ابن بابويه (المتوفى سنة 381هـ) عقيدة الشيعة في العصمة في كتابه الاعتقادات الذي يسمى دين الشيعة الإمامية فيقول: (اعتقادنا في الأئمة أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر، واعتقادنا فيهم أنهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل)([5]).
فهو هنا ينفي المعصية، وأيضًا الجهل والنقص، ويثبت الكمال الذي يلازمهم من أول حياتهم إلى آخرها، ويكفر من خالف ذلك.
فهذا طور آخر انتقلت إليه مسألة العصمة، ولكنه لم يصرح بنفي السهو عن الأئمة كما فعل المجلسي وشيوخ الشيعة المتأخرون، بل إنّه نصّ في كتابه من لا يحضره الفقيه على أنّ نفي السّهو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو مذهب الغلاة والمفوّضة، يقول: (إنّ الغلاة والمفوضة -لعنهم الله- ينكرون سهو النّبيّ صلى الله عليه وآله يقولون: لو جاز أن يسهو في الصّلاة لجاز أن يسهو في التّبليغ؛ لأن الصلاة فريضة كما أن التبليغ فريضة.. وليس سهو النبي صلى الله عليه وسلم كسهونا؛ لأن سهوه من الله عز وجل وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق فلا يتّخذ ربًا معبودًا دونه، وليعلم النّاس بسهوه حكم السّهو، وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول: أوّل درجة في الغلو نفي السّهو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب مفرد في إثبات سهو النّبيّ والرّد على مُنكريه)([6]).
فأنت ترى أن ابن بابويه وهو رئيس الشّيعة -كما يسمّونه- ينكر على من نفى السّهو عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن هو أقل منه كالأئمة؟! ويعدّ نفي السّهو علامة الغلو، ويشير إلى أن هذا القول من مذاهب الغلاة.. ويلمح إلى ما ينطوي عليه نفي السهو من تشبيه المخلوق بالخالق جل شأنه.
ولكن نفي السّهو هو ممّا أضافه الشّيعة المتأخّرون إلى مسألة العصمة، في تطور آخر لهذه القضية، ولذلك فإن نصوصهم الموضوعة سلفًا عن الأئمة تخالف ذلك، فأبو عبد الله كان يقول -لمّا ذكر له السّهو-: [[أو ينفلت من ذلك أحد؟ ربّما أقعدت الخادم خلفي يحفظ عليّ صلاتي]]([7]).
والرضا يلعن من ينفي السهو عن النبي صلى الله عليه وسلم -كما مرّ- ويقول: [[إن الذي لا يسهو هو الله سبحانه، وكتب الشيعة روت أخبارًا في سهوه صلى الله عليه وسلم في صلاته]]([8]).
ومن الغريب أنهم يحتجّون بإجماعهم رغم أنّه منقوض بمخالفة شيعة القرن الرّابع من قبلهم، وبنصوصهم.
ولكن شهوة الغلو تقول: (إنّ أصحابنا الإماميّة أجمعوا على عصمة الأئمّة -صلوات الله عليهم- من الذّنوب الصّغيرة والكبيرة عمدًا وخطأ ونسيانًا من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله عزّ وجلّ)([9]).
وإذا قيل لهم: كيف ينعقد إجماعكم، وشيخكم الصدوق ابن بابويه وشيخه ابن الوليد قد خالفا هذا المذهب؟ قالوا: (إن خروجهما لا يخل بالإجماع لكونهما معروفي النسب)([10])، أما القسم الآخر الذين قالوا بالعصمة المطلقة ففيهم من لا تعرف هويته ونسبه أو كلهم كذلك، فيحتمل أن يكون الإمام الغائب خرج من مخبئه وأدلى بصوته معهم، وقوله هو العمدة في الإجماع([11])، أي: أنه يكفي في إثبات حجية الإجماع في هذه المسألة وجود الظن بأن الغائب المعصوم يوجد مع الفئة المجهولة التي قررت نفي السهو.
ولك أن تعجب كيف يردون النصوص الصريحة في إثبات السهو، والواردة في كتبهم عن الأئمة، ويتعلقون بإجماع يكشف عن قول المعصوم الغائب على سبيل الظن والاحتمال؟!
ولكن مذهب الشيعة هو مذهب الشيوخ لا مذهب الأئمة.
ولقد احتار المجلسي -وهو يرى النصوص التي تخالف إجماع أصحابه- فقال: (المسألة في غاية الإشكال لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السّهو عنهم، وإطباق الأصحاب إلا من شذ منهم على عدم الجواز)([12]).
وهذا اعتراف من المجلسي بأن إجماع الشيعة المتأخرين على عصمة الأئمة بإطلاق يخالف رواياتهم، وهذا دليل واقعي واعتراف صريح في أنهم يجمعون على ضلالة، وعلى غير دليل حتى من كتبهم.

__________________________________________________ _____


([1]) ابن بابويه/ معاني الأخبار: (ص132)، بحار الأنوار: (25/194).

([2]) النص عن معاني الأخبار: (ص132)، بحار الأنوار: (25/194-195).

([3]) بحار الأنوار: (25/192-193) (باختصار)، وانظر: ابن بابويه/ الخصال: (1/215)، معاني الأخبار: (ص133)، أمالي الصدوق: (ص375-376).

([4]) المفيد/ النكت الاعتقادية: (ص33-34)، تصحيح الاعتقاد: (ص106)، الجيلاني/ توفيق التطبيق: (ص16).

([5]) الاعتقادات: (ص108-109).

([6]) من لا يحضره الفقيه: (1/234).

([7]) بحار الأنوار: (25/351).

([8]) انظر: من لا يحضره الفقيه: (1/233).

([9]) بحار الأنوار: (25/ 350-351).

([10]) بحار الأنوار: (25/351).

([11]) انظر: فصل الإجماع.

([12]) بحار الأنوار: (25/351).