عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-20, 09:07 AM   رقم المشاركة : 672
سيد قطب
عضو ماسي






سيد قطب غير متصل

سيد قطب is on a distinguished road


كيف تسيطر ميليشيات الشيعة الموالية لإيران على العراق وتلغي دور الدولة

لم يعد الحشد الشعبي جيشا رديفا ومساعدا للجيش الرسمي العراقي بل رقيبا ومُسيِّرا مسلَّطا عليه أقوى منه وأفضل منه تسليحا وأكثر هيبةً وهيمنة وأقل التزاما بالأنظمة العسكرية والتراتبية المتوارثة.


لا يوجد، حتى في أكثر دول العالم تخلفا وفشلا، جيشٌ وطني وشرطة، ثم جيشٌ آخر اسمُه الحشد الشعبي. فهل سمعتم عن حشدٍ شعبي أميركي، أو روسي، أو فرنسي، أو حتى مصري، أو سعودي، أو إماراتي، مثلا؟ أبدا. وذلك لأن التاريخ لم يخبرنا عن حكومة، سوى في إيران والعراق، تتآمر مع أحزابها ومرجعياتها على الحط من قيمة جيشها الوطني، وتتعمد إصابة ضباطه وجنوده بالإحباط، وتشعرهم بقلة القيمة، وبالدونية.

فهما يقولان لهم، بالفعل وليس بالكلام: أنتم غير مؤتمنين على حماية الوطن وسيادته وكرامة شعبه، وبسبب عجزكم فإننا ملزمون بأن نؤسس جيشا آخر غير جيشكم، نثق به، ونستأمنه، حتى وإن كان أغلبُ مسلحيهم من غير العسكريين، ومن غير المتعلمين، وكثيرٌ منهم من أصحاب السوابق الجنائية، ونخصه بما لا يملكه جيشكم الوطني من الأسلحة والمعدات الحديثة، ونفعل كل ما هو ممكن لدعمه، وتقوية ساعده.

وبهذه المحاباة أصبح الحشدي مدللا ومفضلا في الوظائف والعقود والعمولات وتجارة المحرمات، وقادرا على أن يرتكب ما يشاء من المخالفات والموبقات، وأن يبلغ به الغرور حداً يبيح له أن يشتم رئيس جمهوريته، وأن يهين رئيس الوزراء، ويُهدد أكبر رأس في الحكومة، والبرلمان، والجيش، والشرطة، دون حساب أو عقاب.

والمعروف أن هذا الحشد الشعبي تشكل في منتصف يونيو 2014، في أعقاب سقوط محافظة نينوى واحتلالها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، كجيش رديف للجيش الوطني لمواجهة الاحتلال.

وحين أصدرت المرجعية الدينية في النجف فتواها المسماة بفتوى “الجهاد الكفائي” التي دعت القادرين على حمل السلاح إلى التطوع لمقاتلة داعش، سارع القتيل قاسم سليماني إلى اغتنامها فرصة ذهبية لدمج ميليشيات بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، مؤسسا حرسه الثوري الإيراني الجديد، ولكن بثوب عراقي ديني طائفي أوصت به المرجعية.

ولا ننكر أن فصائل من الحشد ساهمت في معارك التحرير، ولكنَّ جزءً كبيرا من النصر على الدواعش صنعه الجيش العراقي وأجهزة الأمن والشرطة.

ثم إن هذا النصر لم يكن ليكتمل لولا الدعم الكبير الذي قدمته قوات التحالف الدولي، بخبراتها وأقمارها التجسسية وطيرانها الذي كان حاسما وفاعلا، باعتراف رئيس الوزراء ووزير الدفاع.

وإلى هنا كان من الواجب والعدالة أن يُحل، وأن يعاد مسلحوه إلى منازلهم، مع الشكر والامتنان، وإراحة ميزانية الدولة المتهالكة من مصاريفه، بعد أن أعلن رئيس الحكومة، حيدر العبادي، في التاسع من ديسمبر 2017 عن اكتمال تحرير الأراضي العراقية، وإحكام السيطرة على الحدود الدولية العراقية السورية، من منفذ الوليد إلى منفذ ربيعة.

ولم يكن انتهاءُ الحرب ضد داعش وانتفاءُ الحاجة إلى الجهاد الكفائي هما السببيْن الوحيديْن اللذين يفرضان حلَّه، بل لأنه تحول إلى باب ارتزاق وسرقة للمال العام، وإلى شرعنة للعمالة للأجنبي، والعبث بالأمن الوطني والسيادة الوطنية وسلطة القانون.

هذا مضافٌ إلى ما رافق وجوده من انتهاكات ترقى إلى درجة التطهير العرقي، التي مارستها ميليشيات الحشد في المدن العراقية المحررة من “داعش”، بحسب منظمات محلية ودولية، ومنها قيامُه بالتعذيب والإخفاء القسري، وقتل المدنيين والأسرى تحت التعذيب، ونهب مدن وقرى ثم حرق الآلاف من المنازل والمحال فيها، ونسفها بالمتفجرات، ودمر قرى بالكامل، ومنع النازحين من العودة إلى مدنهم وقراهم، من يومها وإلى الآن.

حتى أن المرجعية التي أفتت بتأسيسه غضبت عليه، بعد أن طفح كيل الباطل، وسحبت منه فصائلها المسلحة الأربعة، وأعادتها إلى إمرة القائد العام للقوات المسلحة.

وإلى هنا، وبناءً على كل هذه المبررات والمقدمات والنتائج، صار ثابتا وجليا أن الحشد الشعبي لم يعد جيشا رديفا مساعدا للجيش الرسمي العراقي، بل رقيبا ومُسيِّرا مسلَّطا عليه، أقوى منه، وأفضل منه تسليحا، وأكثر هيبةً وهيمنة، وأقل التزاما بالأنظمة المهنية العسكرية التراتبية المتوارثة.

وخلاصة القول هي أن هذا الحشد لو كان عراقيا خالصا لاعتبرناه كيانا مُفتعلا، جعلته أحزابُ السلطة وتياراتُها وكتلها السياسية بابا لسرقة أموال الدولة، ودرعا لحماية فسادها، ولأضفناه إلى حالات الفساد المالي الكثيرة التي أصبحت عادية في العراق الديمقراطي الجديد، ولانتظرنا يوما يجيء، فينتفض فيه الشعب العراقي كله، وليس شيعته فقط، وينتصر، ثم يحاسب من سرق، ومن غدر، ومن خان.

ولكنه لم يكن عراقيا، ولن يكون. فهو، من عمامته إلى كعب حذائه، إيرانيُ الولاية والانتماء، وأحد الأذرع التي يستخدمها النظام الإيراني ضد خصومه العراقيين والعرب والأجانب، ولا يتلقى أوامره من وزير الدفاع العراقي، ولا من رئيس الدولة، ولا من رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، بل كان يتلقاها من القتيل قاسم سليماني، والآن من وريثه إسماعيل قاآني، فقط لا غير.

ألم تسمعوا عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية وهو يقول قبل أيام “إن حشدنا الشعبي بزعامة الفياض سيدمر القوات الأميركية دفاعا عن إيران”.

وهذا ما يفسر تخاذلَ الحكام العراقيين، جميعهم، بدءا بالرؤساء والوزراء وانتهاءً بـالمصفقين الجالسين تحت قبة البرلمان، وعجزهم عن المساس بأي شأن من شؤونه، ومسارعة أكبرهم قبل أصغرهم إلى تلبية أوامره، كلها، مشروعةً أو غير مشروعة، وتأمينَ احتياجاته، دون نقاش.

والحقيقة أننا لا نعتب على نوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبدالمهدي، بسبب عدم قيامهم بلجم هذا الكيان الشاذ الذي أصبح أذاه أكثر من نفعه، وذلك لأنهم متطوعون لخدمة إيران، وللدفاع عنها، عن قناعة كاملة بأنهم بهذه التبعية لا يخونون وطنهم وأهلهم، بل هم يؤدون واجب العقيدة والعبادة.

ولكننا نعتب على مصطفى الكاظمي، رئيس وزرائنا الجديد، الذي أوحى لنا بأنه آتٍ على حصان أبيض لتحرير الحبيبة من أيدي الخاطفين، وبأنه الموكل بإصلاح ما خرّبه أسلافه السابقون.

باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، ويتمتع بدعم شعبي لم يتوفر لغيره من قبل، وعلى تأييد دولي غير مسبوق، كنا نتوقع منه أن يسارع إلى تحجيم هذا الكيان المتمرد على الدولة ودستورها وسيادتها وكرامة شعبها، وتجريده من سلاحه الذي أصبح المهددَ الأخطر من كل تهديد آخر للأمن الوطني، والمعرقلَ الحقيقي لعودة الحياة المدنية، والمنتهكَ الأكبر للسيادة الوطنية، والمخربَ الأول لمصالح الشعب العراقي وعلاقاته الخارجية.

وحين لا يفعل سنعذره، ونظن بأنه يراوغ ويناور في انتظار الفرصة المواتية. ولكن زيارته لمقر قيادة الحشد الإيراني، وارتداءه قميصه، مصيبة. وكذلك إعلانُه صراحة أن الحشد، على نفس الدرجة من الأهمية مقارنة مع الجيش والأمن وجهاز مكافحة الإرهاب.

000
العراق.. ميليشيات أقوى من الدولة

الحديث عن أي إصلاح في العراق يغدو حديث خرافة إن لم تتحرر البلاد من هيمنة الميليشيات الموالية لإيران ومن النفوذ الإيراني، وهو هدف ما زالت ثورة الشباب التحررية تسعى إلى تحقيقه.




ما زالت قضية مداهمة قوات مكافحة الإرهاب، ليلة 25 و26 يونيو الماضي، مقرا لكتائب حزب الله جنوبي بغداد، تتفاعل في الشارع العراقي، وبينت الإجراءات، التي اتخذتها حكومة الكاظمي بإطلاق سراح المعتقلين من الميليشيات، الذين ألقي القبض عليهم، في المقر المذكور، أن الأمر لا يعدو إلّا أن يكون لعبة إيرانية لترسيخ نفوذ طهران في العراق وإظهار أن ميليشياتها أقوى من الدولة العراقية، بل إنها هي التي تقود هذه الدولة وتسيطر على مفاصلها جميعا.

بات معروفا للجميع أن واحدة من بديهيات الواقع، التي وضعت مقدماتها حكومة الجعفري سنة 2005 أن الأولوية للميليشيات، فأصبح فيلق بدر ذراع البطش بالتعاون مع هادي العامري وجبر صولاغ، وأسس لذلك لاحقا وأقام قواعده نوري المالكي، ففي عهده، أصبح تغوّل الميليشيات سافرا، وكان ملجأ الجادرية محطتها الأولى، قبل أن تمدّ خطوطها إلى مؤسسات الدولة وتفرض سيطرتها. وقد استعان المالكي بها في تصفية خصوم ولاية الفقيه، وكان لها دور في تصفية الطيارين العراقيين، واختطاف العشرات من صقور القوة الجوية وتغييبهم، لتفتح جبهة عريضة شملت أصحاب الكفاءات والخبراء والعلماء في الطاقة النووية والتصنيع العسكري والأطباء وأساتذة الجامعات.

ثلاثة عملوا على استحداث الحشد هم، محمد رضا السيستاني، نجل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، ورئيس الحكومة، حينها، ونوري المالكي، وقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بعد أن حددوا للحشد ثلاث مهمات؛ الأولى، الحفاظ على حكومة آل البيت في العراق، حسب وصف المالكي، والثانية مواجهة داعش، والثالثة ضمان الأمن الإيراني والدفاع عن مصالح طهران في العراق.

كان واضحا أن إعلان المتحدث باسم الحكومة العراقية أحمد ملا طلال، عن معلومات استخباراتية وردت عن محاولة لاستهداف مناطق حساسة وممثليات دولية، وأن جهاز مكافحة الإرهاب تعامل، بنحو سريع، مع تلك المحاولة، وأمر القبض صدر بحق شخص واحد، وعند المداهمة تم القبض على 13 شخصا كانوا موجودين معه، و”تم الإبقاء على اعتقال المطلوب، والإفراج عن البقية”، كان بهدف حفظ ماء وجه الكاظمي، بعد ظهور الميليشيات بمظهر القوي أمام الحكومة وأجهزتها، بحيث زحفت قوات هذه الميليشيات للسيطرة على المنطقة الخضراء، مركز الحكومة المحصن.

كشفت حادثة مداهمة مقر لكتائب حزب الله، في منطقة الدورة جنوبي بغداد، أن هناك حلفا لم يكن منظورا بين الفساد والسلاح المنفلت، وإلى هذا أشارت الكاتبة السياسية سلمى الجنابي، عندما قالت “إن ما حدث، خلال الأيام الأخيرة، التي انكشف فيها الكاظمي أمام تحالف السلاح المنفلت مع عصبة السياسيين الفاسدين المرتبطين بالاستخبارات الإيرانية ومشروعها العنصري التوسعي، مستفيدين من خراب المؤسسة الأمنية الرسمية واختراقها وعدم انضباطها، أكد ما كنت قد ذهبت إليه وتوقعته من وجود تحالف بين الفساد والسلاح المنفلت، لكن مع هذه الدلائل كلها على فشل الكاظمي، سأبقى أنتظر مع الذين ينتظرون الإصلاح، مع أنني لا أرى أيّ دليل عليه”.

كثيرون يشاركون الجنابي في ما ذهبت إليه، بل إن وزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي يؤكد، في مقال كتبه، أن حزب الله العراقي كان يهدف إلى إحياء المشروع الطائفي الإيراني، الذي قبرته ثورة الشباب العراقي في أكتوبر الماضي، فهو يشير إلى أن كتائب حزب الله كانت تخطط، في ليلة إلقاء القبض على عناصرها وبعض قادتها لقصف “السفارة الأميركية ومطار بغداد، ومن ثم يضربون مرقد الإمام الكاظم ويتهمون السنة كالمعتاد، وكما عملوها سابقا في عهد الجعفري، عندما فجروا مرقد الإمام علي الهادي في سامراء، وحصلت نتيجتها الحرب الأهلية وسرقة الحضرة هناك من أهلها أشراف سامراء، وإعطائها إلى صاحب الزمان الجديد، «حرامي بغداد ومريض كورونا حاليا»، الصدر المنتظر ولصوصه سرايا السلام. وبعدها، كما تعرفون أدخلوا الدواعش الخامنئيين العراق في يونيو 2014، ليدمروا بعدها خمس محافظات مع قتل وجرح وتشريد أربعة ملايين من أهلها، رغم ذلك لا يزال المالكي المسؤول عن كل تلك الجرائم، يتحكم بحزبه ويتآمر على رئيس الوزراء الحالي الكاظمي”.

ويحذر السامرائي الكاظمي من أن إدارة ترامب تفكر الآن بالرد على فعله، الذي وصفه بالمشين، والذي لا مبرر له مطلقا، ويذكّره بما كتبه ضابط المخابرات المركزية الأميركية السابق مايكل بريغينت من ‏أن “دور الولايات المتحدة في التدريب والإرشاد والشراكة في العراق لا معنى له إذا كان للإرهابيين الذين (نقبض عليهم) نفوذ على شريكنا (الحكومة العراقية) أكثر من تأثيرنا”.

ويقول مخاطبا الكاظمي “هكذا تفكر أميركا، اليوم، برغم أنها لم تعلنه إلى الآن، كيف تعقل أنت دولة الرئيس أنهم (الأميركان) سيوقعون معك اتفاقية استراتيجية، تنقذ العراق من أعدائه المدمرين أمثال إيران الملالي وميليشياتهم وحرسهم وتعيد إليك سيادتك على كل أرضك، التي سرقها جيرانك من الجنوب إلى الشمال، كيف تعقل أن الأميركان يستثمرون في أرضك ويبنونها، كما بنوا كوريا واليابان وأوروبا وأنت مع عدوهم؟”.

الإجراء الثاني، الذي كان من المؤمل أن يتخذه الكاظمي ضد الميليشيات الإيرانية، هو تخليص المنافذ الحدودية العراقية الجوية والبرية والبحرية من تلك الميليشيات، التي تذهب إيراداتها إلى جيوب قادتها ومنها إلى الخزينة الإيرانية لدعمها. وقد أعلمني أستاذ الاقتصاد السياسي محمد طاقة، في رسالة وجهها إليّ، أن الفساد طال المنافذ الحدودية للعراق، والتي يبلغ عددها 22 منفذا، ثمانية منها أساسية، على امتداد الحدود العراقية مع الدول الست المحيطة بالبلاد.

وبسبب انعدام التنمية في العراق، منذ 2003، أصبح البلد يستورد حاجاته من الخارج، إذ تقدر واردات العراق بمليارات الدولارات، وجميع هذه المنافذ الحدودية تسيطر عليها الميليشيات والأحزاب السياسية الموالية لإيران، وهي التي تتحكم بالموارد المالية المتأتية من الرسوم الجمركية، فهي تستولي على أكثر من 90 في المئة من تلك الإيرادات، ولم يدخل منها إلى خزينة الدولة سوى أقل من 10 في المئة فقط.

إذا علمنا، حسب تقديرات أولية، أن الإيراد السنوي لهذه المنافذ، في حال حصلت، بعيدا عن الفساد، يصل كحد أدنى إلى 30 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ مهمّ جدا للميزانية يمثل ثلث المبالغ المتأتية من النفط، عرفنا أحد أسباب انهيار الاقتصاد العراقي وتبدد موارده.

إن لسرقة هذه الإيرادات تأثيرا كبيرا على الاقتصاد العراقي، وبالأخص على الميزانية العامة للدولة. ولا يمكن إصلاح هذا الفساد طالما تتحكم بمقدرات البلد، مجموعة فاسدة، تنفذ أجندات أسيادها الذين أتوا بها، ولا علاقة لهذه المجموعة بمصلحة العراق.

وهكذا فإن الحديث عن أيّ إصلاح في العراق، يغدو حديث خرافة، إذا لم تتحرر البلاد من هيمنة الميليشيات الموالية لإيران ومن النفوذ الإيراني، وهو هدف ما زالت ثورة الشباب العراقي التحررية تسعى إلى تحقيقه.