عرض مشاركة واحدة
قديم 09-08-08, 04:23 PM   رقم المشاركة : 1
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


درء الفتنة عن أهل السنة للشيخ بكر رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه ‏.‏


أما بعد ‏:‏ فأداء لبعض ما أوجب الله من البلاغ والبيان ، والنصح والإرشاد ، والدعوة إلى الخير ، والتواصي به ، والدلالة عليه ، وبذل الأسباب لدفع الشرور عن المسلمين ، والتحذير منها ، حتى تكون أمة الإسلام كما أراد الله منها ، أمة متماسكة ، مترابطة متراحمة ، تدين بالإسلام ‏:‏ اعتقادا ، وقولا ، وعملا ‏,‏ مستمسكة بالوحيين الشريفين ‏:‏ الكتاب والسنة ، لا تتقاسمها الأهواء ، ولا تنفذ إليها الأفكار الهدامة ، ولا يبلغ منها الأعداء مبلغهم كما قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم ‏}‏ ‏[‏ آل عمران/101 ‏]‏ وقال -سبحانه - ‏:‏ ‏{‏ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون‏}‏ ‏[‏ الأنعام/153‏]‏ ‏.‏

رأيت لذلك تحرير هذا النصيحة ‏:‏ تذكيرا بفرائض الدين ، ولإنقاذ المسلمين مما أخذ بعض المفتونين - الذين سقطوا في الفتنة - في إلقاء بذوره بينهم في جانبين ‏:‏

في جانب الغلو والإفراط في التكفير ؛ لإخراج المسلمين من الإسلام والخروج عليهم ‏.‏

وفي جانب الجفاء والتفريط في الإرجاء ، للانحلال من ربقة الإسلام ‏.‏


وكلاهما من أسباب الفتنة والفساد بإيقاع التظالم بين العباد من وجه ‏,‏ وإماتة الدين من وجه آخر ‏.‏

وبيان هذه النصيحة في سبعة فصول ‏:‏




الفصل الأول‏:‏ في التحذير من الفتن

‏"‏ أعاذنا الله منها ‏"‏


قد حذرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من المفتونين وفتونهم ،


قال الله تعالى ‏{‏ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ‏}‏ ‏]‏الأنفال/27‏[‏ ‏.‏

وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستعاذة بالله من الفتن ، وشرها ، وسوئها ، ومضلاتها ‏.‏

وكان من دعاء بعض السلف ‏(‏ اللهم انا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نُفْتَن ‏)‏ ‏"‏رواه البخاري‏"‏ ‏.‏

وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن بين يدي الساعة أياماً ينزل فيها الجهل ، ويرفع العلم ‏.‏

والحديث العظيم ، حديث حذيفة - رضي الله عنه - في التحذير من الفتن ، معلوم مشهور ‏.‏

وقد بيَّن الله - سبحانه - في كتابه أن الفتنة تحول دون أن يكون الدين كله لله - سبحانه -


ولهذا قال - عز شأنه - ‏:‏ ‏{‏ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ‏}‏ ‏[‏ الأنفال/39 ‏]‏ ‏.‏


فالفتنة تناقض الدين ، وهي فتنة الشبهات ، وأسوأُها فتنة الشرك بالله وفتنة العدول عن محكم الآيات وصريح السنة وصحيحها ‏.‏

ولما كانت هذه الفتنة ‏:‏ ‏(‏ فتنة المرجئة ‏)‏ التي تُخْرِج العمل عن حقيقة الإيمان وتقول ‏:‏ ‏(‏ لا كفر إلا كفر الجحود والتكذيب ‏)‏ بدعة ظلما وضلالة عميا ، والتي حصل من آثارها ‏:‏

التهوين من خصال الإسلام وفرائضه - شأن أسلافهم من قبل - ‏.‏

ومنها ‏:‏ التهوين من شأن الصلاة ، لاسيما في هذا الزمان الذي كثر فيه إضاعة الصلوات واتباع الشهوات وطاشت فيه موجة الملحدين الذي لا يعرفون ربهم طرفة عين ‏.‏

ومنها ‏:‏ التهوين من تحكيم شريعة الله في عباده بل ومساندة من يتحاكم إلى الطاغوت وقد أمر الله بالكفر به ‏.‏

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في ‏:‏ إعلام الموقعين ‏:‏ ‏"‏ ومن أعظم الحدث تعطيل كتاب الله و سنة رسوله ‏,‏ و إحداث ما خالفهما ‏"‏ انتهى ‏.‏

لما كانت هذه الفتنة الارجائية في مقابلة فتنة الخوارج الذين يقولون ‏"‏ بتكفير مرتكب الكبيرة ‏"‏ وهي آخية لها في الضلال، والابتداع، وسوء الآثار لا يجوز أن يدين الله بأي منهما مسلم قط كان لزاما على أهل العلم و الإيمان بيان بطلانهما ، وإظهار المذهب الحق الذي يجب على كل مسلم أن يدين الله به ‏.‏

ونُحذِّر المسلمين من هاتين الفتنتين ، ومن هؤلاء المفتونين ، المتجاوزين لحدود رب العالمين ‏{‏ ولا تطيعوا أمر المسرفين ‏.‏ الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ‏}‏ ‏[‏ الشعراء/151-152‏]‏ ‏.‏

ونحذر المسلمين من هؤلاء المحرومين المخذولين الذين يختارون الأقوال الباطلة الصادة عن الصراط المستقيم ‏:‏ ‏{‏ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ‏}‏ ‏[‏ لقمان /6 ‏]‏ ‏.‏


وإن من الضلال المبين ، والغش للمسلمين ، والتدليس على شبَبَتِهم جَلْبُ أقوال الفرق الضالة ، وكسائها بلِحَاء الشريعة ، ونسبتها إلى مذهب أهل السنة والجماعة نتيجة لردود الأفعال ، وجدل المخاصمات فلا يجوز بحال الميل لشيء من أهواء النواصب لمواجهة الروافض ولا لشيء من أهواء القدرية لمواجهة الجبرية ، ولا لشيء من أهواء المرجئة لمواجهة الخوارج ، أو العكس في ذلك كله ، وهكذا من رد الباطل بمثله ، والضلالة بأخرى وهذه جادة الأخسرين أعمالا ، وقد فضح الله المنافقين بها ، وهتك أستارهم فيها في مواضع من كتابه ، منها في صدر سورة البقرة ؛ إذ قالوا لتأييد إفسادهم ‏:‏ ‏{‏ إنما نحن مصلحون ‏}‏ فكذبهم الله بقوله ‏{‏ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ‏}‏ ‏[‏ البقرة/11 ‏]‏ ‏.‏

ولما صَدُّوا عما أنزل الله - تعالى - حكى الله عنهم اعتذارهم ‏:‏ ‏{‏ ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ‏}‏ ‏[‏ النساء/61 ‏]‏ ‏.‏

فالواجب رد الباطل والأهواء المضلة بالكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة من الصحابة - رضي الله عنهم - فمن تبعهم بإحسان ‏.‏

ولا نرى مثل هذا التوجه إلى نصرة مذهب المرجئة ، وإدخاله في مذهب أهل السنة والجماعة ، إلا من ‏"‏السقوط في الفتنة‏"‏ ‏{‏ ألا في الفتنة سقطوا ‏}‏ ‏[‏ التوبة /49 ‏]‏ ‏.‏

ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره فيسلك مسلك من أيده الله ونصره ، ويجتنب مسلك من خذله الله وأهانه ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏مجموع الفتاوى35/388 ‏"‏ ‏.‏