عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-12, 09:38 AM   رقم المشاركة : 1
سلالة الصحابه ...
عضو ذهبي







سلالة الصحابه ... غير متصل

سلالة الصحابه ... is on a distinguished road


استدراك على الإمام الألباني في تصحيحه لحديث الثقلين

بسم الله الرحمن الرحيم
استدراك على العلامة الألباني
في تصحيحه لحديث الثقلين المروي في سنن الترمذي

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ، ومن تبع هداهم ، وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
إن من المعلوم عند عقلاء المسلمين - ممن حسن خلقه وخلص قلبه - ، أن الانتفاع بآثار العلماء وتوقيرهم لا يستوجب القول بعصمتهم، كما لا يمنع من تخطئتهم، ولا يمنع من الاستدراك عليهم واستشكال كلامهم، وتحرير محل الخلاف فيه، مع الحفاظ على توقيرهم ، دون تقديسهم. ولئن أصبنا في محل الاعتراض عليهم ، فلا يعدو كونه من باب صواب المفضول وخطأ الفاضل.
ولا أحد يجرؤ على التشكيك في مقام محدث العصر العلامة الألباني - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته -في علم الحديث وعلو كعبه فيه ، وأحسب أن الناس في هذا الفن عيال عليه.
وقد حكم الإمام العلامة الألباني على حديث الثقلين المذكور في سنن الترمذي [سنن الترمذي ، حديث رقم 3786] ، وبلفظه القاضي بالتمسك بالثقلين أنه حديث صحيح، وذكره في السلسلة الصحيحة بلفظ: «يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي» [سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 4/355 حديث رقم 1761].
ونحن سنذكر في هذا المقام ، استدراكاً منا على تصحيح الشيخ للحديث. ولئن كنا خالفنا الألباني في هذا الأمر، فقد وافقنا دونه جماعة من العلماء الأفذاذ ممن لم يصححوا الحديث ، وما كنا لنخرج عن قول جمهور العلماء في ما اتفقوا فيه. فلا مشاحة - إن شاء الله - من الأخذ بقول أيٍ منهم في مظنة الحق. فآثر العالم ريح طيب نتعطر به، وإن كنا طرحنا العود فقد تعطّرنا بالعنبر.
ونفصّل استدراكنا بذكر النقاط التالية:
1) قد أخرج الترمذي الحديث في سننه، فقال: «حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، قال: حدثنا زيد بن الحسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» [سنن الترمذي حديث رقم 3786]. ثم قال: «حديث حسن غريب من هذا الوجه. وزيد بن الحسن، قد روى عنه سعيد بن سليمان، وغير واحد من أهل العلم».
وهذا يشير إلى أن الحديث قد استوفى شروط الحسن عند الترمذي، مع تفرد بعض الرواة به ، أو بأمر في متنه أو سنده، وهو المراد بالغريب. وهو يشير إلى زيد بن الحسن من خلال حديثه عنه.
وقول الترمذي: «غريب من هذا الوجه» ، يلمح إلى أن وجه الغرابة إنما هو في المتن لا في السند.
والجدير بالذكر أن الإمام الترمذي قد عرّف الحديث الحسن بقوله: «كل حديث يروى، لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذاك، فهو عندنا حديث حسن» [العلل الصغير 2/340] .
قوله:«لا يتهم بالكذب» تمييز له عن الثقة الثبت، وهو يلمح إلى دنو درجته عن درجة الصحيح.
وقوله:«ولا يكون شاذاً» الشاذ هو ما كان خلاف ما يرويه الثقات عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله:«ويروى من غير وجه نحو ذلك»أي يروي المتن بالمعنى من غير هذا الوجه.
وأخرجه الطبراني في الأوسط بنفس السند [المعجم الأوسط ، حديث4757]، ثم قال: «لم يرو هَذَا الحديث عن جعفر بن محمد إلَّا زيد بن الحسن الأَنماطيّ».
2) إن الحديث المذكور من رواية زيد بن الحسن الأنماطي الكوفي، وقد قال عنه أبو حاتم الرازي: «منكر الحديث» [الجرح والتعديل 3/560]، وضعّفه الحافظ [التقريب1/223]، وقد وثّقه ابن حبان في (الثقات).
ومن المعلوم أن تفرّد ابن حبان في التوثيق غير معوّل عليه لما عرف عنه من التسامح في التوثيق، ويوافق الألباني على ذلك، فقال في (إرواء الغليل): «والهيثمى إنما اعتمد فى توثيقه على إيراد ابن حبان إياه فى"الثقات" وليس ذلك منه بجيد , لأن قاعدة ابن حبان فى التوثيق فيها تساهل كبير حتى إنه ليوثق المجهولين الذين يصرح هو نفسه فى بعضهم أنه لا يعرفه» [إرواء الغليل 1/115].
وفي موضع آخر قال: «وهذا سند جيد لولا أن أم علقمة هذه لم يتبين لنا حالها , وإن وثقها ابن حبان والعجلى , ففى النفس من توثيقها شىء , فإن المتتبع لكلامهما فى الرجال يجد فى توثيقهما تساهلاً , وخاصة الأول منهما» [إرواء الغليل 1/219]. فالرجل ضعيف عند الألباني، وقد ضعّفه [سلسلة الأحاديث الضعيفة ، حديث 4961].
ولعلهما اختارا ذكر كل من يُكتب حديثه سواء كان للاحتجاج به أو للاعتبار به.
وعلى ذلك يكون الحديث ضعيفاً في أصله، إلا أن الترمذي رقّاه إلى مرتبة الحسن لغيره، وذلك لتعدد طرق الحديث وشواهده.
وقد استشكل على البعض إدراج الترمذي للحديث ضمن الحديث الحسن بالرغم من وجود من هو منكر الحديث في رواته.
والجواب عن الاستشكال؛ أن الترمذي لم يستعمل مصطلح الحسن لذاته، واقتصر على الحسن لغيره في الاصطلاح.
والفرق بينهما: أن الحسن لذاته هو أن يكون راويه صدوقاً، إلا أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان.
وأما الحسن لغيره، فهو الحديث الضعيف الذي تعددت طرقه تعدداً يجبر وهنه ويقوّيه. وهو ما يطلق عليه الترمذي بالحديث الحسن. فإذا قال الترمذي: (حديث حسن)، أراد الحسن بغيره. وإذا قال المحدثون: (حديث حسن)، أرادوا الحسن لذاته. وبذلك يتبين أن الحديث عند الترمذي في أصله ضعيف، ولكن انجبر ضعفه عنده بتعدد الطرق والشواهد.
وقد علّق شيخ الإسلام على تحسين الترمذي للحديث بقوله: «وفيه نظر»[مجموع الفتاوى 28/493].
3) إن الشيخ الألباني قد صحّح حديث جابر، لا لذاته بل لأجل الشواهد. وقد ذكر من بين الشواهد المعتبرة حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه بلفظ: «أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» إلى آخر الحديث [صحيح مسلم حديث رقم 2408]. وصحّحه النسائي وابن خزيمة، وأخرجاه بهذا اللفظ.
وحديث آخر لعطية بن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي لله عنه بلفظ: «إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».
واستشهد أيضاً بما أخرجه الطحاوي من طريق عليّ بن ربيعة، أنه قال: «لقيت زيد بن الأرقم وهو داخل على المختار أو خارج , فقلت: ما حديث بلغني عنك؟ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي؟ قال: نعم».
واستشهد أيضاً بما أخرجه الطحاوي من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا كثير بن زيد, عن محمد بن عمر بن علي, عن أبيه, عن عليّ, أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر الشجرة بخم فخرج آخذاً بيد علي فقال: " يا أيها الناس, ألستم تشهدون أن الله عز وجل ربكم؟ " قالوا: بلى, قال: " ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم , وأن الله عز وجل ورسوله مولياكم؟ " قالوا: بلى, قال: " فمن كنت مولاه فإن هذا مولاه ", أو قال: " فإن علياً مولاه" - شك ابن مرزوق - " إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله سببه بأيديكم, وأهل بيتي» [شرح مشكل الآثار ، حديث رقم 1760].
وقد أخرج الطحاوي الحديث من رواية زيد بن أرقم : «حدثنا أحمد بن شعيب قال: أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن حماد قال: حدثنا أبو عوانة , عن سليمان يعني الأعمش قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت , عن أبي الطفيل , عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم , عن حجة الوداع ونزل بغدير خم أمر بدوحات فقممن , ثم قال: " كأني دعيت فأجبت , إني قد تركت فيكم الثقلين , أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي , فانظروا كيف تخلفوني فيهما , فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض » [شرح مشكل الآثار، حديث رقم 1765].
4) اعتمد العلامة الألباني في تصحيح الحديث على حديث زيد بن أرقم، وعدّه شاهداً صحيحاُ للحديث، إلى جانب الاستشهاد بأحاديث أخرى تجبر وهنه.
وكذلك فعل الشيخ شعيب الأرنوؤط، حيث صحّح حديث أبي سعيد بلفظ: «إِني تارك فيكم الثّقلينِ، أَحدهما أَكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إِلى الأَرض، وعترتي أَهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، واعتبره حديثاً صحيحاً بشواهده دون قوله: «لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض»، ثم قال: «وله شاهد صحيح من حديث زيد بن أرقم عند مسلم والنسائي» ثم ذكر لفظ الحديث في صحيح مسلم [مسند أحمد حديث رقم 11104].
وقد اعتمد الشيخان - الألباني والأرنؤوطي - على هذا الحديث في الشواهد أكثر من غيره، وذلك لصحته المتفق عليها وقوة سنده ومتنه.
ومن المعلوم عند أهل الحديث، أن من شروط قبول الشاهد أن يرد موافقاً لمعنى الحديث الأصل، سواء وافقه في اللفظ، أو لم يوافقه، فما لم يكن المعنى موافقاً لما ذكر في اللفظ الأصلي محل النزاع، فلا يصح الاستشهاد به.
وقد اتفق أهل الحديث أن الحديث لا يتقوّى بالشاهد ما لم يسلم الشاهد من العلة والشذوذ، إذ أن الحكمة من الاستشهاد به أنه يعضد المعنى، فإن لم يعضده فلا يسمى شاهداً.
لهذا، فإن الصحيح لا يُعرف بروايته فقط بل بالفهم، وليس لهذا النوع من العلم أكثر من المذاكرة والتفتيش ليظهر ما فيه من علة أو شذوذ، مما يفضي إلى إطراح الشواهد وعدم اعتبارها.
ومن المعلوم، أن الشاهد لا يشهد لحديث إلا في القدر الذي اشترك فيه الحديثان، باللفظ أو بالمعنى، أما إذا كان الشاهد قاصراً على المشهود له ، فلا يكون شاهداً.
ويوافق الشيخ الألباني على ذلك ، حيث قال في السلسلة: «ولما كان من شروط الشواهد أن لا يشتد ضعفها وإلا لم يتقو الحديث بها كما قرره العلماء في"علم مصطلح الحديث "، وكان من الواجب أيضا أن تكون شهادتها كاملة، وإلا كانت قاصرة»[سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/185].
ومن يطّلع على منهج الشيخ الألباني في اعتبار الشواهد يجد أنه من الشديدين في هذا الباب ويعتب على المتساهلين فيه، فنجده مثلاً يعتبر حديث: (وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي، مؤمن بالكواكب) شاهداً قاصراً لحديث: (إن الله قد برأ هذه الجزيرة من الشرك، ولكن أخاف أن تضلهم النجوم. قالوا: يا رسول الله! كيف تضلهم النجوم؟ قال: ينزل الغيث فيقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذا) ، وقال: «قلت: فأنت ترى أنه ليس فيه ما يشهد للشطر الأول من الحديث؛ فهو شاهد قاصر غير كامل، وهذا مما يقع فيه كثيراً المومى إليه، وقد نبهت في تعليقاتي على الشيء الكثير منه، فيتنبه لهذا الأمر؛ فالقليل جداً من يفرق بين الشاهد القاصر والكامل» [سلسلة الأحاديث الصحيحة، حديث 6801] فانظر كيف ينكر على من لا يفرّق بين الكامل والقاصر من الشواهد.
وذكر الألباني حديث التلقين لأبي أمامة، وهو تلقين الميت إذا مات، قال فيه الحافظ ابن حجر: «له شواهد» ، فتعقبه الألباني بقوله: «أن قوله (له شواهد) فيه تسامح كثير! فإن كل ما ذكره من ذلك لا يصلح شاهداً، لإنها كلها ليس فيها من معنى التلقين شىء إطلاقاً، إذ كلها تدور حول الدعاء للميت، ولذلك لم أسقها فى جملة كلامه الذى ذكرته, اللهم إلا ما رواه سعيد بن منصور, فإنه صريح فى التلقين, ولكنه مع ذلك فهو شاهد قاصر, إذ الحديث أشمل منه وأكثر مادة إذ مما فيه (أن منكراً ونكيراً يقولان: ما نقعد عند من لقن حجته؟) فأين هذا فى الشاهد؟!» [إرواء الغليل، حديث رقم753].
فمنع أن يكون الحديث شاهداً للأصل لأن الأصل أشمل منه وأكثر مادة، أي أن الشاهد أخص من الأصل، وهذا مذهب دقيق يخفى على كثير من الباحثين المعاصرين في هذا العلم، ورزق الله الألباني الحذاقة والفهم فيه.
كما استنكر على المناوي تصحيحه لحديث عليّ بن أبي طالب الموقوف، وهو من رواية أبي حيان عن أبيه عن علي، أنه قال «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. قيل له: ومن جار المسجد ؟ قال: من أسمعه النداء».
وقد صحّحه المناوي وقال عنه: «ومن شواهده حديث الشيخين: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر»، فاعترض عليه الألباني بقوله: «أن شهادته قاصرة لأنه أعم, والمشهود له أخص فإنه يفيد ـ لو صحّ ـ أن الواجب على جار المسجد أن يصلى فيه لا فى غيره من المساجد , وهذا مما لا يدعيه هذا الشاهد فتأمل» [إرواء الغليل، حديث 491].
فانظر كيف منع الشهادة للحديث، إذ أنه لو صح كونه شاهداً لبطلت صلاة المرء إلّا في المسجد الذي سمع النداء منه ! ولا يخفى فيه موضع الشدة والحزم عند الألباني رحمه الله في اعتبار الشواهد وتصحيح الروايات بموجبها.
وكذلك اعتبر حديث: (إن الله غير معذبك - يعني فاطمة رضي الله عنها- ولا ولدها) شاهداً قاصراً لحديث: (إن فاطمة حصنت فرجها، فحرم الله ذريتها على النار) لأنه أخص منه[سلسلة الأحاديث الضعيفة، حديث رقم 456]، إذ أن الشاهد يحرّم فاطمة وولدها من العذاب، بينما الأصل يحرّم كافة ذريتها، والشمول فيه ظاهر.
واعتبر حديث: (أنهم كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن لا إله إلا الله - ثلاث مرات- ، قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد) شاهداً قاصراً لحديث: (إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه، فليقل: يا فلان ابن فلانة! فإنه سيسمع، فليقل: يا فلان ابن فلانة! فإنه سيستوي قاعدا، فليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه سيقول: أرشدني أرشدني رحمك الله، فليقل: أذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول له: ما تصنع عند رجل قد لقن حجته؟ فيكون الله حجيجهما دونه ) [سلسلة الأحاديث الضعيفة، حديث رقم 599] لأن الشاهد لم يذكر بقية الجمل المذكورة في الحديث مثل (ابن فلانة) و (أرشدني ...) وقول الملكين: (ما نصنع عند رجل ... ).
واعتبر حديث (لا يبغض العرب مؤمن، ولا يحب ثقيفاً إلا مؤمن) شاهداً قاصراً لحديث (حب قريش إيمان، وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان، وبغضهم كفر، ومن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني) [المصدر السابق ، حديث رقم 1190] وذلك لذكره ثقيفاً في الشاهد وذكره قريشاً في الأصل.
واعتبر حديث(من استغفر ثلاث مرات فقال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه؛ غفر له ذنوبه وإن كان قد فرّ من الزحف) شاهداً قاصراً لحديث (من استغفر في دبر كل صلاة ثلاث مرات فقال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه؛ غفر له ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف) [المصدر السابق، حديث رقم 4546] لأن الشاهد أعم، ولا يخص فضل الاستغفار في دبر الصلاة.
واعتبر حديث(ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الدنيا) شاهداً قاصراً لحديث (ما زال يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا) [المصدر السابق، حديث رقم 5574 ] لأن الشاهد لم يذكر الفجر.
واعتبر حديث (عليكم بغداء السحور فإنه هو الغداء المبارك) شاهداً قاصراً لحديث (عليكم بغداء السحور فإنه هو الغداء المبارك) لأن الشاهد لم يصف السحور بالغداء المبارك[المصدر السابق ، حديث رقم 3408].
واعتبر حديث (ما مِن مسلم يبيتُ على ذكر الله طاهراً، فيتعارُّ من الليل، فيسأل الله خيراً من أمر الدُّنيا والآخرة؛ إلاّ أعطاه إياه) شاهداً قاصراً لحديث (من بات على طهارة بات في شعاره ملك) لأن الشاهد ليس فيه إلا فضل من بات طاهراً [المصدر السابق ، حديث 3288].
وإنما أردت ذكر أمثلة عديدة والبسط فيها، ليتضح لنا منهج الألباني في اعتبار الشواهد، وأنه كان حازماً لا يتسامح فيه، وأن محلّ الشهادة في الشاهد عنده هو ما وافق الأصل في المعنى لا غيره.
5) وبهذا نعرف العلة الخفية التي خفيت على الشيخين الألباني والأرنؤوطي، في اعتبار حديث زيد بن أرقم شاهداً صحيحاً، فالحق أنه من باب الشاهد القاصر الذي لا يُعتد به، وقد غاب عن الشيخ الألباني فقه الحديث، مع جليل قدره وإلمامه في هذا الفن، إلا أن الغفلة والنسيان محتومان على بني آدم، ولا أحد يُعصم منها.
وتفصيل ذلك؛ أن الحديث الأصل يشير إلى الثقلين باعتبارهما مما يجب الأخذ بهما للوقاية من الضلال، وحث الناس على التمسك بهما، بينما لا يفيد الشاهد - حديث زيد بن أرقم -إلى ذلك، بل اعتبر الثقل الأول هو منبع الهداية والوقاية من الضلال، وأوجب التمسك به، فقال: «خذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، ثم ذكر الثقل الثاني ووصّى به بقوله: «أذكركم الله في أهل بيتي» واكتفى بذلك، مما يشير إلى عدم كونه ركن هداية للمسلمين، ولا حث المسلمين على الأخذ به.
كذلك فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح برواية زيد بن أرقم: «أذكركم الله في أهل بيتي» يناقض الأمر بالأخذ بهم والتمسك بهم، وهذا القول لا يناسب الاقتداء والاتباع، وهو للوصية منها أقرب.ولو كان المطلوب هو التمسك بهم كما هو لفظ الحديث الآخر، لما كان في قوله ذلك فائدة تُرجى.
وهذا اللفظ قد صح في رواية مسلم، وهو يشير إلى أن مراد الرسول صلى الله عليه وسلم منه أمراً آخر غير الاتّباع والتمسك.
ولو كان فيه الأمر بالتمسك لكان الثقل الأول أولى به، ولكان قال مثلاً: (أذكركم الله فيهما، -أي في الكتاب وفي أهل بيتي - ). فحديث جابر يأمر المسلمين بالتمسك بالثقلين، بينما الشاهد يأمر المسلمين بالتمسك بالثقل الأول فقط ، ويوصيهم في الثقل الثاني فقط.
ولا شك أن هذا إطراحٌ لحجية الثقل الثاني، خلافاً للحديث الأصل الذي اعتبر حجية الثقلين، وطالما أن محل النزاع يتمثل في حجية الثقل الثاني، سقط حديث زيد بن أرقم عن كونه شاهداً.
بل إن المفارقة في الحجيّة والوصيّة بين الحديثين - كما أسلفنا - مما تعود على الأصل بالنقض والرد، فبدلاً من أن يعضده الشاهد ويقوّيه، يزيده ضعفاً وشذوذاً، وهذا هو المعتمد في قواعد تصحيح الأحاديث.
ويؤيد ذلك، أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه هو نفسه راوي حديث حجة النبي صلى الله عليه وسلم في (صحيح مسلم)، وقد جاء في الحديث: «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ؛ كتاب الله. وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. . .» إلى آخر الحديث (صحيح مسلم / باب الحج ، حديث رقم 1218).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم - بحسب هذه الرواية - لم يذكر الثقل الثاني في التمسك والاعتصام ، واكتفى بالثقل الأول ، وهذا ينسجم مع رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه في لفظ مسلم، حيث أمر بالتمسك بالثقل الأول، ثم وصىّ بالثقل الثاني.
وحديث جابر ورد في حج عرفة، بينما ورد حديث زيد بن الأرقم في خم بين مكة والمدينة عند الرجوع من مكة في مناسبتين مختلفتين، فلا تباين بينهما، ففي حجة الوداع أوجب بالتمسك بالكتاب، ثم في خم أوجب التمسك بالكتاب ثم وصّى بأهل بيته، وأسماهما بالثقلين.
ولعل ما بدر بين عليّ بن أبي طالب وبعض الصحابة من خلاف وجفوة، وتنقيص بريدة الأسلمي له، دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التنبيه بشأن أهل بيته وتوصية المسلمين فيهم، ولم تدع الحاجة لذكره في حجة الوداع.
ثم إن راوي الحديث عن جابر في حديث مسلم هو جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد الباقر، وهو نفس من روى زيد بن الحسن الحديث عنه في رواية الترمذي، فلعل هذا هو مراد الترمذي من تعقيبه على الحديث بقوله: «حديث حسن غريب من هذا الوجه. وزيد بن الحسن، قد روى عنه سعيد بن سليمان، وغير واحد من أهل العلم» ، لأن رواية زيد بن الحسن تخالف ما رواه حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد ، ولا ريب أن حاتم أوثق وأثبت وأحفظ من زيد ، فهو إمام محدث، وحافظ متقن، ومجمع على توثيقه، وروى له الأئمة الستة.
وقد روى الحديث عن حاتم جمع من الثقات العدول كأبي بكر بن أبي شيبة وأخيه عثمان وإسحاق بن إبراهيم وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي. كما روى مسلم حديث جابر من طريق حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه، وساقه بنحو حديث حاتم المدني، مما يدل على صحة لفظ الحديث، وبلوغ المنتهى في ضبطه.
وموضع مخالفة رواية زيد بن الحسن لرواية حاتم أنه زاد أهل البيت فيها، فحديث جابر عند مسلم ليس فيه ذكر لأهل البيت، بينما ذكرته رواية الترمذي، وهذا شذوذ في رواية زيد بن الحسن.
ولا يخفى أن كلاً من الروايتين - رواية زيد بن الأرقم عند مسلم ورواية جابر عند الترمذي - فيها زيادة من وجه ونقصان من وجه آخر عن الرواية الأخرى، مما لا ينفع فيه قبول الزيادة من أي منهما، وطالما تعذّر التوافق بين حديث جابر وحديث زيد، فليس لنا إلاّ قبول الثاني، وهو الأصح والأضبط متناً والأقوى سنداً، ومن أصر على إمكان الجمع بينهما، لزمه تبيين وجه الجمع، وكيف يثبت رسول الله الثقل الثاني حجة على الناس في حديث، وينفي عنه الحجية في الحديث الآخر ويقصرها على الثقل الأول ؟
فالقول بشذوذ الحديث في متنه أمر ينبغي المصير إليه من وجهين؛ الأول لمخالفته حديث زيد بن أرقم الصحيح الذي لم يرد فيه الثقل الثاني باعتباره حجة للمسلمين، والثاني لمخالفة رواية زيد عن جعفر لرواية حاتم المدني عن جعفر في حديث جابر الصحيح في حجة عرفة المذكور في (صحيح مسلم).
وأمر ثانٍ؛ أن زيد بن الحسن هو نفسه من روى الحديث من طريق آخر أخرجه الطبراني: «ثنا معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس، إني فرط لكم، واردون علي الحوض، حوض أعرض ما بين صنعاء وبصرى، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؛ السبب الأكبر كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به، ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض» [المعجم الكبير ، حديث 2683].
وقد ورد فيه الأمر بالتمسك بكتاب الله فقط دون العترة، وذلك بقوله صريحاً: «فاستمسكوا به، ولا تضلوا ولا تبدلوا» ثم عطف عليه العترة، بينما رواه في حديث جابر بالتمسك في الثقلين.
وأمر ثالث، أن في حديث حذيفة، يأمر النبي المسلمين بالتمسك بالكتاب ونهاهم أن يضلوا، بينما في حديث جابر يخبر النبي المسلمين أنه ترك ما إن تمسكوا فيه لن يضلوا، وجاء الكلام في سياق جملة خبرية وليس فيه الأمر بالتمسك.
وأمر رابع يشهد على اضطراب المتن وعلته، أن جابر يقول في رواية الترمذي: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول»، وهو يصرّح فيها أن قوله صلى الله عليه وسلم جاء وهو على ظهر الدابة.
بينما في رواية مسلم ؛ جاء فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في الناس ، فذكر جابر خطبته إلى نهايتها ، وذكر إشهاد الرسول للمسلمين، ثم قال جابر: «قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس «اللهم، اشهد، اللهم، اشهد» ثلاث مرات، ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى الموقف».
وقوله: (ثم ركب) ظاهره أن الرسول لم يكن راكباً أثناء خطبته.
وكل هذه الشواهد تفيد اضطراب المتن وعلته وشذوذه.
والذي يظهر أن زيد بن الحسن سمع الحديث من معروف بن خربوذ في روايته لحديث حذيفة، وذكر فيه التمسك بالكتاب، ثم عطف عليه أهل البيت ، كما أنه سمع جعفراً في روايته لحديث جابر والذي جاء فيه الأمر بالتمسك بالكتاب ، فقرن بين الاثنين وخلط ، فجاء حديثه بلفظ:«يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي».
كما يجدر التنبه إلى أن زيد بن الحسن الأنماطي هذا لم يرو عن جعفر إلا هذا الحديث ، ولم أعثر على رواية لزيد عن جعفر في كتب الشيعة الإمامية إلا هذه الرواية.
أما ما ذكروه من أن زيد بن الحسن هو من أصحاب جعفر فلا يعوّل عليه، وليس لهم فيه مستند إلا هذا الحديث، فهم يحاولون تكثير عدد أصحاب جعفر ويجعلونهم بالألوف، فكل من ذُكر عنه في كتب المسلمين رواية عن جعفر يعدّونه من أصحابه، لا سيما إن كانت الرواية توافق مذهبهم.
6) مما يعضد ما قلناه، أن الثقل الثاني لو صح كونه مما يجب التمسك به، لاعترضه إجمال وإبهام، ورسول الله منزه عن هذا، إذ كيف يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمسك بأهل البيت وما عليه أهل البيت دون تفصيلٍ للحد الذي يُعرف به أهل البيت ؟
وماذا لو أنهم اختلفوا في ما آمنوا به واعتقدوه، فمن نتبع منهم ؟
وقد رأينا أن كثيراً منهم اعتنق المذهب الشيعي الزيدي، ومنهم من كان على مذهب أهل السنة والجماعة، ومنهم من كان من المعتزلة، فلكل أحد من الناس اتباع بعض أولئك، تمسكاً منه بالثقل الثاني ، بحسب ما يراه.
فإن قيل:فكذلكم القرآن له أكثر من تأويل، وكلٌ يذهب بحسب ما يراه من التأويل، ويعد نفسه متمسكاً بالثقل الأول.
قيل له:القرآن معلومٌ وظاهرٌ على الناس بآياته، وفيها المحكم والمتشابه، وله ضابط يضبطه في التأويل، من الأحاديث الصحيحة ونقول السلف. فلا اعتبار لما يتم تأويله بالرأي واتباع الهوى إحقاقاً لمذهب ما، خلافاً للثقل الثاني الذي ليس فيه إلا اتباع أهل البيت، فالتمسك به متحقق بمجرد اتباع ثلة من علماء أهل البيت، ومتابعتهم على منهاجهم ومذهبهم.
وعلى ذلك، لا يمكننا النظر إلى ما خفي أمره، وغاب حده، ويصعب ضبطه، وتختلف أحواله باختلاف الظروف والأزمان باعتباره حجة شرعية من الله على الناس، فإن فيه تكليفٌ بما لا يطاق، والغرر فيه ظاهر، والشرع مصون من هذا وذاك.
كما أننا لم نسمع عن أحدٍ من الصحابة رضوان الله عليهم يستفصل عن أهل البيت الذي بهم تقام الحجة ويكون الثقل، ولو صحّ الحديث لانبرى نفر منهم لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن تفصيل هذا الثقل الذي به الوقاية من الضلال.
كما لم يرد عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه حاجّ خصومه بهذا الحديث، وقد كان سيد أهل البيت في زمان خلافته الراشدة، وكافة أهل البيت تبع له.
7) ورد الحديث بألفاظ عديدة، منها: «إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل، وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي: أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا بم تخلفوني فيهما».
وورد بلفظ: «إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض»، وفي رواية: (تمسكتُم) بدلاً من (أخذتم).
كما أنه ورد بلفظ (خليفتين) بدلاً من (الثقلين).
وطرق الحديث - من غير رواية جابر بن عبد الله - تدور مدارها على كل من السلاسل التالية من الرواة:
حديث أبي سعيد الخدري: من طريق عطية بن سعد العوفي عنه.
ومن طريق محمد بن عثمان عن يحيى القزاز عن محمد العطار عن هارون الجعفي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه.
حديث زيد بن ثابت: من طريق شريك عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عنه.
حديث علي بن أبي طالب: من طريق كثير بن زيد عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده.
ومن طريق علي بن ثابت، عن سعّاد بن سليمان، عن أبي إسحاق عن الحارث عنه.
حديث زيد بن أرقم: من طريق حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عنه.
ومن طريق حسان بن إبراهيم عن محمد بن سلمة عن أبيه عن أبي الطفيل عنه.
أما حديث أبي سعيد الخدري، فالطريق الأول فيه مداره على عطية بن سعد العوفي، وهو كوفيٌ وشيعيٌ مجمع على تضعيفه.
قال عنه الجرجاني: «كان يُعدّ من شيعة الكوفة» (الكامل في ضعفاء الرجال 7/85 ، سير أعلام النبلاء 5/326).
وقال عنه ابن الجوزي: «أما عطية فاجتمعوا على تضعيفه» (الموضوعات 1/368).
ونقل العيني تضعيف الجمهور له [عمدة القاري 6/250].
وضعّفه ابن حنبل وقال عنه: «سمعت أبي ذكر عطية العوفي فقال هو ضعيف الحديث قال أبي بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول قال أبو سعيد وكان هشيم يضعف حديث عطية» [العلل ومعرفة الرجال1/548].
وذكره ابن حبان في (المجروحين) وقال عنه: «سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث فلما مات أبو سعيد، جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي:قال رسول الله بكذا، فيحفظه وكناه أبا سعيد ويروي عنه، فإذا قيل له من حدثك بهذا، فيقول حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب» [المجروحين 2/176].
وضعّفه كذلك أبو حاتم الرازي[الجرح والتعديل 6/383]، وسفيان الثوري، ويحيى بن معين، والعقيلي [الضعفاء الكبير 3/359].
وعن يحيى بن معين في - رواية الدوري - أنه صالح الحديث [تاريخ ابن معين 3/500].
وكذلك ضعّفه أبو زرعة [الضعفاء 3/818]، والنسائي [الضعفاء والمتروكون 1/85] والبيهقي [معرفة السنن والآثار 11/92، 12/19]، وقال عنه: «لا يُحتجّ به»[السنن الكبرى حديث 2764]، والنووي [المجموع 17/71 ، خلاصة الأحكام 1/423]، وابن حزم وقال عنه: «عطية هالك» [المحلى بالآثار 7/482]، وابن تيمية [مجموع الفتاوى 1/340]، وابن عراق الكناني [تنزيه الشريعة 1/141]، وابن القطان [بيان الوهم والإيهام 3/125]، وابن مفلح [الفروع 1/537]، والهيثمي [مجمع الزوائد 2/182] والحافظ البوصيري [إتحاف الخيرة المهرة 1/376].
ونقل الشوكاني عن المنذري قوله: «لا يحتج بحديثه» [نيل الأوطار 5/270] ولم أعثر على قول المنذري.
وقال عنه الذهبي: «عطية واه» [ميزان الاعتدال 1/579].
وضعّفه الحافظ ابن حجر [فتح الباري 9/66]، وقال عنه في (التقريب) «صدوق يخطىء كثيراً وكان شيعياً مدلساً» [تقريب التهذيب 1/393].
وقال عنه ابن رجب الحنبلي: «وعطية، هو العوفي، فيهِ ضعف مشهور» [فتح الباري 1/266].
ونقل الألباني عن الحافظ الإشبيلي قوله عنه: « وعطية العوفى لا يُحتج به, وإن كان الجلة قد رووا عنه» [إرواء الغليل ، حديث 1375].
قلت: لم أجد ما ذكره الألباني عن الحافظ الإشبيلي، وإنما وجدت له قولاً عن عطية، وهو: «قال يحيى بن معين: عطية صالح الحديث. وقد ضعّفه أَحمد بن حنبل وأَبو حاتم» [الأحكام الشرعية الكبرى 4/533].
وهذا التدليس الذي ذكره الإمام أحمد والحافظ ابن حبان تدليس محرم قبيح يعرف بتدليس الشيوخ، واشتهر عطية عنه في روايته لأبي سعيد الخدري، لذلك كان الألباني شديداً في حكمه على عطية العوفي، فمما قاله عنه في أحد المواضع: «وعطية ضعيف, وخاصة فى روايته عن أبى سعيد كما بينته فى (الأحاديث الضعيفة والموضوعة)»[إرواء الغليل ، حديث 460].
وقال في تخريج أحد الأحاديث: « وخلاصة ذلك أن عطية هذا كان يروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فلما مات جالس أحد الكذابين المعروفين، بالكذب في الحديث وهو الكلبي، فكان عطية إذا روى عنه كناه أبا سعيد، فيتوهم السامعون منه أنه يريد أبا سعيد الخدري! وهذا وحده عندي يسقط عدالة عطية هذا، فكيف إذا انضم إلى ذلك سوء حفظه!» [التوسل أنواعه وأحكامه ص93].
ثم قال: فتبيّن مما سبق أن عطية ضعيف لسوء حفظه وتدليسه الفاحش، فكان حديثه هذا ضعيفاً [التوسل أنواعه وأحكامه ص94].
وفي موضع آخر، قال: «أما الزلة، فهي قول ابن حجر المتقدم: (إن ضعف عطية جاء من قبل تشيعه وتدليسه!) وهذا مردود لمخالفته لأقوال أولئك الأئمة، بل ولقوله هو نفسه الذي هو خلاصة أقوالهم في عطية، فقد قال في(التقريب): "صدوق، يخطئ كثيراً، كان شيعياً مدلساً". فقد أضاف إلى الصفتين السابقتين والمذكورتين هنا أيضا صفة ثالثة، هي أنه "يخطئ كثيرا". ونحو قوله في (طبقات المدلسين): "ضعيف الحفظ "! وهذا الوصف يعني أن حديث عطية يلازمه الضعف، ولو فرض أنه لم يدلس، لسوء حفظه. ولهذا ينافي تحسين حديثه» [مقدمة سلسلة الأحاديث الضعيفة].
ثم قال: «وأريد أن أستدرك هنا شيئا تنبهت له هذه الساعة، وهي أن لعطية ثلاثة أولاد: عمرو، وعبد الله، والحسين، وكلهم ضعفاء، وقد تكلم عليهم الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "شرح علل الترمذي" (2/791 - 792)، وبيّن ضعفهم كأبيهم، فدلّ ذلك مما يلقي في النفس أنهم أهل بيت ورثوا الضعف عن أبيهم فرداً فرداً» [مقدمة سلسلة الأحاديث الضعيفة].
والحديث - برواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري- ورد بلفظ (تركت فيكم الثقلين) أو (تركت فيكم خليفتين)في سائر طرقه، وورد تارة بزيادة (أحدهما أكبر من الله) وتارة خلا من الزيادة، وتارة ورد بزيادة (فانظروا كيف تخلفوني بهما)وتارة لم ترد الزيادة.
وقد روى الحديث عن عطية العوفي كل من الأعمش [المعجم الكبير للطبراني ، حديث 2679 ، والشريعة للآجري، حديث 1702 ومسند أحمد حديث1131] ، وعبد الملك بن أبي سليمان [المعجم الكبير للطبراني حديث 2678 ، ومسند أبي يعلى حديث 1140 والسنة لابن أبي عاصم حديث 1553، ومسند أحمد حديث 11561]، وكثير النواء [المعجم الأوسط ، حديث 3439]، ومحمد بن طلحة [الشريعة للآجري، حديث 1703]، وزكريا [السنة لابن أبي عاصم ، حديث 1554]، وهارون بن سعد [المعجم الصغير، حديث 376]
ووردت زيادة: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعده)عن عطية
من طريق أبي الجحاف عنه، وطريق عبد الملك بن أبي سليمان عنه، وطريق الأعمش عنه، وطريق هارون الجعفي عنه. وباقي الطرق خلت من هذه الزيادة.
وروى الأعمش الحديث عن عطية، وقد رواه الأعمش لصالح بن أبي الأسود [المعجم الكبير حديث 2679]، ولمحمد بن طلحة[الشريعة للآجري، حديث 1702] دون أن يأتي في الرواية لفظ: (إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعدي)، ولكن محمد بن فضيل رواه عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت بوجود هذه الزيادة [سنن الترمذي، حديث 3788].
كما أن رواية محمد بن طلحة في (مسند أحمد) خلت من زيادة: (فانظروا كيف تخلفوني فيهما) ، بينما رواية ابن طلحة في (مسند أبي يعلى) وردت فيها تلك الزيادة، وكل هذا التباين في المتن يفيد اضطراباً شديداً فيه.
فلا عجب أن يُرَدّ الحديث برواية عطية بهذا الاضطراب العجيب، وهو اضطراب يقدح بالحديث ويردّه ، ناهيك عما حكاه الأئمة عن تدليس عطية عن أبي سعيد بتدليس الشيوخ ، إذ ينبغي أن يتم طرح حديثه عن أبي سعيد الخدري لأجل هذا التدليس الفاحش الخبيث، لا سيّما وقد أتى مخالفاً في ألفاظه لحديث زيد بن الأرقم وحديث جابر المرويين في (صحيح مسلم).
والطرق التي وردت فيها رواية عطية هي:
الطريق الأول:إسماعيل بن موسى عن تليد بن سليمان عن أبي الجحاف عن عطية.
الطريق الثاني: علي بن المنذر عن محمد بن فضيل عن الأعمش عن عطية.
الطريق الثالث:علي بن ميمون عن سعيد بن مسلمة عن عبد الملك عن عطية.
الطريق الرابع: سفيان بن وكيع عن محمد بن فضيل عن عبد الملك عن عطية.
الطريق الخامس:منجاب بن الحارث عن علي بن مسهر عن عبد الملك عن عطية.
الطريق السادس:أسود بن عامر عن اسماعيل بن أبي اسحاق عن عطية.
الطريق السابع:الحسن الأشناني عن عباد بن يعقوب عن أبي عبد الرحمن المسعودي عن كثير النوا عن عطية.
الطريق الثامن:حمدان بن إبراهيم عن يحيى بن الحسن عن أبي عبدالرحمن المسعودي عن كثير النوا عن عطية.
الطريق التاسع: حمدان عن يحيى عن أبي عبد الرحمن عن أبي مريم الأنصاري عن عطية.
الطريق العاشر:الحسن بن مسلم عن عبد الحميد بن صبيح عن يونس بن أرقم عن هارون بن سعد الجعفي عن عطية.
الطريق الحادي عشر: أبو بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر عن زكريا عن عطية.
وسنرى كيف أن كل هذه الطرق معلولة، وأسانيدها مظلمة وواهية.
أما الطريق الأول فكل رواته علل له.
أما إسماعيل بن موسى، فقد قال عنه أبو حاتم: «يكتب حديثه ولا يحتج به»، وقال عنه أبو زرعة: «لين» [الجرح والتعديل 2/185].
وكان غالياً في التشيع [الكامل في ضعفاء الرجال 1/529].
وقال عنه النسائي: «لا بأس به» ، وقال عنه محمد الحضرمي:«كان صدوقاً». وذكر عنه ان أبي شيبة أنه كان يشتم السلف، فرماه بالفسق[تهذيب الكمال في أسماء الرجال 3/211].
وقال عنه أبو داود: «صدوق يتشيع» [المغني في الضعفاء ص88].
أما تليد بن سليمان، فهو شيعي رافضي، وكوفي، ومدلّس.
كان ينتقص من الخليفة عثمان رضي الله عنه [الضعفاء الكبير للعقيلي 1/171].
وكان كذاباً [الكامل في ضعفاء الرجال 2/284]، وضعّفه النسائي [الضعفاء والمتروكون 1/26].
وقال ابن حبان عنه: «وروى في فضائل أهل البيت عجائب، وقد حمل عليه يحيى بن معين حملاً شديداً وأمر بتركه.روى عن أبي الحجاف داود بن أبي عوف عن محمد بن عمرو الهاشمي عن زينب علي عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عليّ، فقال هذا في الجنة وإن من شيعته قوم يعطون الإسلام فيلفظونه له نبر يسمون الرافضة فمن لقيهم فليقلهم فإنهم مشروكون) حدثناه محمد بن عمرو بن يوسف، ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا تليد بن سليمان، عن أبي الجحاف»[(المجروحين 1/204]. فلا ينبغي بعد ذلك اعتبار روايته.
أما أبو الجحاف، فهو داود بن أبي عوف، وهو كوفي شيعي. قال عنه ابن عدي: «وهو في جملة متشيعي أهل الكوفة وعامة ما يرويه في فضائل أهل البيت» [الكامل في ضعفاء الرجال 3/545].
أما الطريق الثاني فعلّته محمد بن الفضيل والأعمش.
أما محمد بن فضيل، فهو كوفي شيعي.
قال عنه ابن حنبل: «كان يتشيع وكان حسن الحديث»[الجرح والتعديل 8/57]، وقال عنه أبو داود: «كان شيعياً محترقاً».
وقال ابن سعد: «كان ثقة صدوقاً، كثير الحديث، متشيعاً،وبعضهم لا يحتج به». وقال النسائي: «لا بأس به» [ميزان الإعتدال 4/10].
وقال عنه أبو زرعة: «صدوق من أهل العلم» [الجرح والتعديل 8/58].
كما أن ابن معين وابن حبان وثّقاه.
وقد أخرج الترمذي أحد ألفاظ الحديث برواية زيد بن أرقم، من طريق علي بن المنذر عن محمد بن فضيل عن الأعمش عن حبيب عن زيد بن أرقم [سنن الترمذي3788].
وقد علمنا الصحيح في رواية زيد بن أرقم عند مسلم، مما يتعيّن علينا ردّ هذا الحديث، وسقوطه سنداً ومتناً.
أما الأعمش، فهو وإن كان عالماً وحافظاً وثقة، إلا أنه كان يدلّس ،وقد عنعن في الحديث، وكان يروي عن كل أحد.
قال الذهبي: «وهو يدلّس، وربما دلّس عن ضعيف، ولا يدرى به، فمتى قال حدثنا فلا كلام، ومتى قال: "عن" تطرّق إلى احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وابن أبي وائل، وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال. قال ابن المديني: الأعمش كان كثير الوهم في أحاديث هؤلاء الضعفاء» [ميزان الاعتدال 2/224]
كما أننا ذكرنا في ما سبق ما يفيد اضطرابه في لفظ الحديث.
أما الطريق الثالث فعلّته سعيد بن مسلمة ، فقد أجمعوا على تركه وتضعيفه.
قال يحيى: «ليس بشيء» [تاريخ ابن معين برواية الدارمي 1/118]، وقال عنه البخاري: «منكر» [الضعفاء الصغير ص68].
وقال أبو حاتم فيه: «ليس بقوي، هو ضعيف الحديث، منكر الحديث» [الجرح والتعديل لابن أبي حازم 4/67].
وقال الرازي: «مُنكر الحديث»، وضعّفه النسائي [الضعفاء والمتروكون ص53]، وقال ابن حبان: «مُنكر الحدِيث جداً فَاحش الْخَطَأ» [المجروحين 1/321].
وضعّفه ابن الجوزي ونقل عن الدارقطني تضعيفه [الضعفاء والمتروكين1/326].
أما الطريق الرابع فعلّته سفيان بن وكيع. قال عنه النسائي: «ليس بشيء»[الضعفاء والمتروكون ص55].
وقال ابن أبي حاتم أن أباه وأبا زرعة تركا الرواية عنه بعد أن كتبا عنه.
وذكر أبو زرعة أنه متهم بالكذب[الجرح والتعديل 4/231]، وكان أبو زرعة الرازي يقول: «ثلاثة ليست لهم محاباة عندنا، وذكر منهم سفيان بن وكيع»[الكامل في ضعفاء الرجال 4/480].
وذكره ابن حبان في (المجروحين)وقال: «وكان شيخاً فاضلاً صدوقاً إلا أنه ابتلي بورّاق سوء كان يدخل عليه الحديث وكان يثق به فيجيب فيما يقرأعليه، وقيل له بعد ذلك في أشياء منها فلم يرجع.فمن أجل إصراره على ما قيل له استحق الترك» [المجروحين 1/359].
وكلام ابن حبان يفيد عدم الاستشهاد بروايته.
وبسط الدارقطني القول في ذلك في تعليقاته على المجروحين لابن حبان، فقال عنه: «سفيان بن وكيع كان يلقنه ورّاق له، يقال له: قرطمة، وكان وراقه هذا غير مأمون. فلقنه حديث ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة إلا بجواز من علي بن أبي طالب)، ولقنه عن جرير، عن الأعمش، عن سلم أو غيره، عن مسروق: (أن عائشة لما أتاها قتل علي سجدت)، ولقنه أيضاً عن موسى بن عيسى الليثي، عن زائدة، عن سفيان، عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يقيم بمكة سافك دم، ولا مشاء بنميمة) . وهذه أحاديث لا أصول لها بهذه الأسانيد»[تعليقات الدارقطني ، ص127- 128].
أما الطريق الخامس فرجاله ثقات وهم رجال مسلم، إلا أن منجاب بن الحارث لم أجد من وثقه عدا ابن حبان.
أما عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي فهو حافظ وثقة، ولكنه كان يخطئ.
قال عنه ابن رجب الحنبلي: «وممن اختلف في أمره، هل هو ممن فحش خطؤه أم لا؟ عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي» [شرحعلل الترمذي 3/567].
وقال: «وقد ذكر الإمام أحمد أن له منكرات، وأنه يوصل أحاديث يرسلها غيره.وقد ذكرنا ذلك في كتاب النكاح في باب "تنكح المرأة على ثلاث". وقال أبو بكر بن خلاد: وسمعت يحيى، وهو ابن سعيد، يقول: كان صفة حديث عبد الملك بن أبي سليمان فيها شيء منقطع يوصله، وموصل يقطعه»[شرح علل الترمذي 3/568].
وقال عنه ابن حبان: «ربما أخطأ». ثم قال: «كان عبد الملك من خيار أهل الكوفة وحفاظهم والغالب على من يحفظ ويحدث من حفظه أن يهم وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت صحت عدالته بأوهام يهم في روايته» [الثقات 7/97].
وقد رود عن شعبة أنه ترك حديثه[الجرح والتعديل 1/146]. قال ابن رجب الحنبلي في ذلك: «وإنما ترك شعبة حديثه لرواية حديث الشفعة، لأن شعبة من مذهبه أن من روى حديثاً غلطاً مجتمعاً عليه ولم يتهم نفسه فيتركه، ترك حديثه» [شرح علل الترمذي 3/569].
وامتنع أبو زرعة من توثيقه فقال: «لا بأس به» [الجرح والتعديل 5/368].
ولديه حديث الشفعة وقد أنكره العلماء، وقال يحيى القطان: «لو روى عبد الملك بن أبي سليمان حديثا آخر مثل حديث الشفعة لتركت حديثه» [الكامل في ضعفاء الرجال 6/525]، وقال أحمد: «حديثه في الشفعة منكر، وهو ثقة» [ميزان الاعتدال 2/656].
وقال صالح بن أحمد عن أبيه «عبد الملك من الحفاظ إلا أنه كان يخالف بن جريج وابن جريج أثبت منه عندنا» [تهذيب التذهيب 6/397].
وقد روى الحديث عنه كل من ابن نمير [مسند أحمد 11561]، وسعيد بن سلمة [السنة لابن أبي عاصم، حديث 1553]، ومحمد بن فضيل [مسند أبي يعلى، حديث 1140]، وعلي بن مسهر [المعجم الكبير، حديث 2678].
وفي كل هذه الطرق جاء المتن ثابتاً مع فروق يسيرة لا تحيل المعنى، وهو: «أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعدي، الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
والملاحظ على هذا المتن انه يخلو من زيادة: (فانظروا بما تخلفوني فيهما)، فلعلّ عبد الملك اضطرب في المتن كما قيل عنه ، أو لعل عطية هو من اضطرب فيه وأخطأ، مصداقاً لما قاله عنه الحافظ أنه كثير الغلط وسيء الحفظ.
أما الطريق السادس فعلّته إسماعيل بن أبي إسحاق، وهو أبو اسرائيل الملائي، قال عنه ابن حبان: «وكان رافضياً يشتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم» ، وقال عنه أيضاً:«منكر الحديث»[المجروحين 1/124].
وسئل عنه ابن معين فقال: «أصحاب الحديث لا يكتبون عنه» [الضعفاء الكبير 1/76].
وقال عنه النسائي: «ليس بثقة» [الضعفاء والمتروكون ص 18].
ونقل ابن عدي عن بهز بن أسد أنه قال: «سمعت أبا إسرائيل الملائي يشتم عثماناً» [الكامل في ضعفاء الرجال1/467].
وضعّفه الدارقطني [الضعفاء والمتروكون 1/255].
وقال عنه السعدي: «مفتر زائغ» [الكامل في ضعفاء الرجال1/468].
أما الطريق السابع فمتهالك، علّته عباد بن يعقوب وأبو عبد الرحمن وكثير النوا.
أما عبّاد، فقد قال عنه ابن حبان: «وكان رافضياً داعية إلى الرفض ومع ذلك يروي المناكير عن أقوام مشاهير، فاستحق الترك» [المجروحين لابن حبان 2/172]. واستحقاق تركه يعني أنه لا يستشهد بحديثه، لا سيّما إذا كان في ما يخص أهل البيت.
وورد عنه أنه كان يشتم السلف [ميزان الاعتدال 2/ 379].
وقال عنه ابن عدي: «معروف في أهل الكوفة، وفيه غلو فيما فيه من التشيع، وروى أحاديث أنكرت عليه في فضائل أهل البيت وفي مثالب غيرهم» [الكامل في ضعفاء الرجال 5/559].
كما أنه روى أحاديث أنكرت عليه في الفضائل والمثالب (تهذيب التهذيب 5/109).
وقال الدراقطني: «وهو الذي روى عن شريك، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)» [التعليقات على المجروحين لابن حبان ، ص202].
وذكره الحافظ ابن القيسراني في (المعرفة) في أحد طرق الروايات، ثم قال: «فيه الحكم بن ظهير الفزاري، وهو يضع، وسرقه منه عباد بن يعقوب الرواجني، وهو من غلاة الروافض وإن كان البخاري قد روي عنه حديثاً في الجامع، وأنكر على البخاري ذلك لأنه قد وافقه على غيره من الثقات. وترك الرواية عن عباد جماعة من الحفاظ»[معرفة التذكرة في الأحاديث الموضوعة ، ص92].
وقال المروزي: «وسمعت صالحاً يقول: سمعت عباد بن يعقوب يقول: الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة، قلت: ويلك، ولم؟ قال: لأنهما قاتلا علي بن أبي طالب، بعد أن بايعاه» [الكامل في ضعفاء الرجال14/178].
وقال أبو الحسين بن المظفر الحافظ، عن القاسم بن زكريا المطرز: «وردت الكوفة فكتبت عن شيوخها كلهم غير عباد بن يعقوب. فلما فرغت دخلت إليه، وكان يمتحن من يسمع منه. فقال لي: من حفر البحر؟ فقلت: الله خلق البحر. قال: هو كذلك، ولكن من حفره؟ قلت: يذكر الشيخ، فقال: حفره علي بن أبي طالب، ثم قال: من أجراه؟ قلت: الله مجري الأنهار، ومنبع العيون، فقال: هو كذلك، ولكن من أجرى البحر؟ فقلت: يفيدني الشيخ. فقال: أجراه الحسين بن علي!. قال: وكان عباد مكفوفا ورأيت في داره سيفاً معلقاً وحجفة. فقلت: أيها الشيخ لمن هذا السيف؟ فقال لي: أعددته لأقاتل به مع المهدي. قال فلما فرغت من سماع ما أردت أن أسمعه منه. وعزمت على الخروج عن البلد، دخلت عليه، فسألني فقال: من حفر البحر؟ فقلت: حفره معاوية، وأجراه عمرو بن العاص، ثم وثبت من بين يديه، وجعلت أعدو، وجعل يصيح: أدركوا الفاسق عدو الله فاقتلوه» [الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي 2/77 ، ميزان الاعتدال 2/ 379 ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال14/178-179].
وقال ابن جرير: «سمعته يقول: من لم يبرأ في صلاته كل يوم من أعداء آل محمد حشر معهم» [سير أعلام النبلاء9/420].
وذكر ابن الجوزي أنه زاد في إسناد أحد الأحاديث [العلل المتناهية 1/9].
وروى عباد: «ثنا يحيى بن دينار، عن عمرو بن إسماعيل الهمداني، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، مرفوعا: " مثلي مثل شجرة أنا أصلها، وعلي فرعها والحسن والحسين ثمرها، والشيعة ورقها» [الموضوعات لابن الجوزي 1/397].
كما أنه راوي حديث أبي ذر: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: " أنت أول من آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال»وقد ذكره ابن الجوزي في (موضوعاته) [الموضوعات 1/344].
وقد روى عباد: «حدثنا علي بن هاشم بن البريد، عن الصباح العطار، عن ثابت بن أبي صخرة، عن المنذر الكندي، عن سليمان قال: إن أفضل الأنبياء نبينا، وإن أفضل الأوصياء وصينا، وإن أفضل الأسباط سبطانا» [الضعفاء الكبير 3/255].
وقد عزا العقيلي علة الحديث إلى علي بن هاشم بن البريد، وأحسب أنه وهم في ذلك، فإن علي بن هاشم - وإن كان شيعياً -إلا أن ابن المديني قال عنه أنه صدوق [علل ابن المديني ص73]، وكذلك أبو زرعة [الضعفاء 3/913]وابن سعد [الطبقات الكبرى 6/363].
وعن ابن خيثمة أنه قال: «سمعت يحيى بن معين يقول: علي بن هاشم البريد ثقة»[الجرح والتعديل لابن أبي حازم 6/208].
وقال عنه أحمد: «سمعت من علي بن هاشم بن البريد مجلساً واحداً وكان أبو العوام يستملي له، ونحن نسمع صوت علي بن هاشم والمسجد غاص، ولم أره ، يعني علي بن هاشم»[العلل ومعرفة الرجال 1/552].
وكذلك وثّقه العجلي [الثقات 2/158]، وابن حبان [الثقات7/213]، والذهبي [المغني في الضعفاء 2/456].
ولعل العقيلي استند إلى ما قاله ابن حبان عنه أنه كان يروي المناكير عن المشاهير، إلا أنه لم يصرّح بكذبه ووضعه للحديث، بدليل أنه ذكره في الثقات.
ومن ينظر في حال عبّاد بعد الذي قرأناه عنه لا يبعد منه أن يضع الحديث، لا سيما إن كان في فضل أهل البيت.
وأيا كان الأمر، فلا ريب أن من كان هذا حاله في الغلوّ في حب أهل البيت، ويحدّث هذه الغرائب المضحكات عنهم، لا يُحتج بحديثه ولا يُستشهد به إن كان الحديث عن أهل البيت وفضائلهم.
أما أبو عبد الرحمن المسعودي، فاسمه عبد الله بن عبد الملك، قال عنه العقيلي: «كان من الشيعة، وفي حديثه نظر» [الضعفاء الكبير 2/275].
وذكره الذهبي في الضعفاء [المغني في الضعفاء 2/795].
أما كثير النوا، فهو أبو إسماعيل الكوفي.
ضعّفه أبو حاتم [تهذيب الكمال في أسماء الرجال 24/104]، والنسائي [الضعفاء والمتروكون، ص89]، وابن الجوزي [الضعفاء والمتروكون 3/22].
وعن السعدي أنه متروك [الكامل في ضعفاء الرجال 7/203].
وقال عنه ابن عدي: «وكان كثير النوا غالياً في التشيع مفرطاً فيه»[الكامل في ضعفاء الرجال 7/204]، وذكره الذهبي في الضعفاء وقال عنه «شيعي جلد ضعفوه»[المغني في الضعفاء 2/531].
أما صالح بن أبي الأسود، فقد قال عنه الأعمش أنه منكر الحديث [المغني في الضعفاء 1/302].
وقال عنه ابن عدي: «كوفي وأحاديثه ليست بالمستقيمة».
ثم قال عنه:«وفي أحاديثه بعض النكرة وليس هو بذلك المعروف»[الكامل في ضعفاء الرجال 5/103].
وقال عنه الذهبي: «واه»[ميزان الاعتدال 2/288].
أما الطريق الثامن فعلّته كل من حمدان، وأبو عبد الرحمن وكثر النوا. وقد مر معنا ترجمة أبي عبد الرحمن وكثير النوا.
أما حمدان بن إبراهيم العامري فهو مجهول !
أما الطريق التاسع فعلّته حمدان وأبو عبد الرحمن وأبو مريم الأنصاري.
أما حمدان فذكرنا حاله، وهو مجهول. وكذلك مر معنا ترجمة أبي عبد الرحمن المسعودي.
أما أبو مريم الأنصاري فهو عبد الغفار بن القاسم.
قال عبد الله بن أحمد: «سمعت أبي يقول كان أبو عبيدة إذا حدثنا عن أبي مريم يضج الناس يقول لا يريدونه قال أبي ثم تركه أبو عبيدة من بعد». [العلل ومعرفة الرجال 2/333].
ونقل العقيلي عن الإمام أحمد أنه قال: «قال أبو عبد الله: روى أبو مريم، حديث عدي بن ثابت عن البراء، عن خالد، فجاء بقصة طويلة ذكر فيها أخذ المال، ما أحسن ما جاء به، فقلت له: عبد الغفار؟ فقال لي: نعم، قلت له: وترى الرواية عنه؟ فضحك، قال: إنما ذكرت أنه رواه فحسنه، قلت: فإن شعبة قد روى عنه، قال: شعبة عرفه قديما، كان يقول: إنما كان ما نزل به بعد» [الضعفاء الكبير 3/100].
وقال المروذي: «قال أبو عبد الله: أبو مريم، متروك الحديث، وقد كان يرمى بالتشيع» [العلل ومعرفة الرجال 1/91].
وقال يحيى بن معين عنه: «أبو مريم الكوفي ليس بشيء». [تاريخ ابن معين برواية الدوري 3/285].
وقال معاوية بن صالح: «سمعت يحيى قال: عبد الغفار أبو مريم الكوفي ليس بثقة». وقال عنه أحمد: «كان يحدث بلايا في عثمان وكان يشرب حتى يبول في ثيابه» [الضعفاء الكبير 3/100].
وضعّفه ابو زرعة، وقال عنه: «كوفي رافضي، لين» [الضعفاء 3 /815].
وقال ابن المديني: «كان يضع الحديث» [الكامل في ضعفاء الرجال7/18].
وقال أيضاً: «أبان هو بن تغلب، وأما أبو مريم فاسمه عبد الغفار وكان لشعبة فيه رأي وتعلم منه زعموا توقيف الرجال ثم ظهر منه رأي رديء في الرفض فترك حديثه». [الكامل في ضعفاء الرجال 7/18].
وقال ابن حبان عنه: «وكان ممن يروي المثالب في عثمان بن عفان وشرب الخمر حتى يسكر ومع ذلك يقلب الأخبار لا يجوز الاحتجاج به تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين» [المجروحين2/143].
وقال عنه السعدي: «زائغ ساقط» [أحوال الرجال ، ص58].
وقال النسائي: «متروك الحديث» [ميزان الاعتدال 2/640].
وقال البخاري عنه: «ليس بالقوي» [لسان الميزان 4/42].
ونقل ابن عدي عن الأجري قوله: «سألت أبا داود عنه فقال كان يضع الحديث .وقال ابن عدي: «ولعبد الغفار بن القاسم أحاديث صالحة وفي حديثه ما، لا يتابع عليه وكان غاليا في التشيع» [الكامل في ضعفاء الرجال 7/20 ].
وضعّفه ابن الجوزي، وقال: «قال أبو حاتم الرازي هو متروك الحديث كان من رؤساء الشيعة» [الضعفاء والمتروكون2/112].
وكذلك ضعّفه الذهبي [المغني في الضعفاء 2/401].
وقال ابن حجر: «وقال شعبة لم أر أحفظ منه. قال أبو داود وغلط في أمره شعبة وقال الدارقطني متروك وهو شيخ شعبة أثنى عليه شعبة وخفي على شعبة أمره فبقي بعد شعبة فخلط» [لسان الميزان 4/42].
وقد وثّقه العجلي، ولا عبرة لتوثيقه مع اتفاق كل هؤلاء الأئمة على كذبه والقدح فيه.
أما الطريق العاشر، فكل رواته علل.
أما الحسن بن مسلم، فهو الحسن بن مسلم بن الطيب الصنعاني لنتحرّز باسمه عمن هو معروف بالاسم نفسه، وهو مجهول لا يُعرف.
وكذلك عبد الحميد بن صبيح مجهول لا يعرفه أحد.
أما يونس بن أرقم فهو شيعي، ضعّفه العقيلي [الضعفاء الكبير 2/64]، والذهبي [المغني في الضعفاء 2/765].
أما هارون بن سعد الجعفي الكوفي، فهو صدوق لا بأس به، ولكن عيب عليه أنه كان شيعياً غالياً [الضعفاء الكبير4/362].
وقال عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: «لا بأس به» [الجرح والتعديل 9/90].
وقال عنه ابن حبان: «كان غاليا في الرفض وهو رأس الزيدية كان ممن يعتكف عند خشبة زيد بن علي وكان داعية إلى مذهبه لا يحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به بحال»[المجروحين 3/94].
وهذا القول منه يفيد عدم قبول روايته في المتابعات والشواهد لا سيما في فضائل أهل البيت.
وذكره ابن الجوزي في الضعفاء [الضعفاء والمتروكون3/170].
وقال عنه الذهبي: «صدوق في نفسه، لكنه رافضي بغيض» [ميزان الاعتدال 4/284].
أما الطريق الحادي عشر، ففيها ثقات وحفاظ. وعلّة السند في زكريا بن أبي زائدة، وهو من المشهورين بالتدليس، ذكره بذلك أبو زرعة العراقي في (المدلسين) ، وسبط ابن العجمي في(التبيين لأسماء المدلسين) ، ووضعه ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين [تعريف أهل التقديس ، ص31].
قال عنه ابن حنبل: «ثقة حلو الحديث» [العل ومعرفة الرجال 2/338].
وقال بن المديني: «سألت يحيى القطان عن زكريا فقال: ليس به بأس، وليس مثل إسماعيل بن أبي خالد» [الجرح والتعديل 3/593].
وقال أبو حاتم: كان زكرياء بن أبي زائدة لين الحديث، كان يدلّس، واسرائيل أحب إليّ منه، يقال أن المسائل التى يرويها زكريا لم يسمعها من عامر إنما أخذها من أبى حريز» [الجرح والتعديل 3/594].
وقال أبو داود: «قلت لأحمد بن حنبل: زكريا بن أَبِي زائدة، فقال: لا بأس به. قلت مثل مطرّفٍ. قال: لا، كلهم ثقة. كان عند زكريا كتاب، وكان يقول فيه الشّعبِي، ولكن كان يدلس يأخذ عن جابر وبيان، ولا يسمي» [سؤالات أبي عبيد أبا داود، ص185].
وقال عنه الذهبي: «صدوق مشهور حافظ» [ميزان الاعتدال 2/73].
فنجد أن كل من ذكرنا ضعفاء لا يُحتج بحديثهم، بل إن منهم من لا يُقبل حديثه حتى في الشواهد والمتابعات، كتليد بن سليمان، وإسماعيل بن أبي إسحاق، وسعيد بن مسلمة، وكثير النوا، وصالح بن أبي الأسود، وسفيان بن وكيع.
وهذا هو المعتمد في أصول علل الحديث، أن الضعيف جداً أو المتروك أو المتهم بالكذب لا يُعتبر بروايته، كما أن روايته لا تتقوى، إذ أن تقوية الضعيف تكون من سوء الحفظ أو الانقطاع أو التدليس بالعنعنة أو جهالة الحال.
وقد استعمل الشيخ الألباني تلك القاعدة في مواضع عديدة في كتبه، نذكر منهاقوله في تعليقه على حديث: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، إذ قال: «وجملة القول: أن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير إذ ليس فى شىء منها من اتهم بكذب، وإنما العلة الإرسال أو سوء الحفظ، ومن المقرر فى علم المصطلح أن الطرق يقوى بعضها بعضاً إذا لم يكن فيها متهماً» [إرواء الغليل، حديث 122].
وقد رأينا كيف أن طرق الحديث عن عطية العوفي تعجّ بالكذابين والمتروكين والضعفاء، وكلهم شيعة، وسبعة من هذه الطرق معتلة بكذاب أو متهم بكذب، فكيف نقبل تقوية هذه الطرق ببعضها وقد علمنا ما في المتن من اضطراب، وشذوذ لمخالفته الثابت الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
وهذه طائفة من الأحاديث التي رواها عطية العوفي:
عن عطية العوفي، عن أنس بن مالك، قال:«دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قد أعطيت الكوثر» فقلت: يا رسول الله، وما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب، لا يشرب منه أحد فيظمأ، ولا يتوضأ منه أحد فيشعث أبدا، لا يشربه إنسان أخفر ذمتي، ولا قتل أهل بيتي»[معرفة الصحابة، حديث 1801].
وعن عطية عن أبي سعيد: «ألا إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي، وإن كرشي الأنصار، فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم»[مصنف ابن أبي شيبة حديث 32357].
وعن عطية، عن أبي سعيد ، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة عليها الصلاة والسلام: قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك» [المستدرك على الصحيحين ، حديث رقم 7525].
وعن عطية العوفي قال: «قام كعب فأخذ بحجزة العباس وقال:ادخرها عندك للشفاعة يوم القيامة، فقال العباس ولي الشفاعة؟ قال: نعم، إنه ليس أحد من أهل بيت نبي يسلم، إلا كانت له شفاعة» [فضائل الصحابة حديث 1824].
وعن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخل غفر له» [المعجم الأوسط ، حديث 5870].
وكلها أحاديث مناكير ردّها أهل العلم لشذوذها، وكلها من رواية عطية عن أبي سعيد الخدري، فينبغي على الناظر المنصف في مثل هذه الحالة - وقد تبيّن أن الرجل يروي المناكير عن أبي سعيد - أن لا يؤخذ بروايته ولا يُحتج بها.
بل يحق لنا بعد كل الذي سمعنا عنه، أن ندين الله باتهام عطية العوفي بالكذب على أبي سعيد الخدري خاصة.
ولا نجزم بالكذب عليه، إلا أن الشواهد على اتهامه وعدم الوثوق إلى روايته عنه أكبر من أن يتغافلها الناظر المنصف.
ولو تعيّن علينا قبول رواية عطية عن أبي سعيد الخدري، فلا ريب أن أصح هذه الطرق لهذه الرواية وأكثرها طمأنينة إلى القلب هي طريق محمد بن طلحة عن الأعمش عنه، وطريق محمد بن بشر عن زكريا عنه، إذ أن هذه الرواية خلت من اللفظ الشاذ الذي يأمر بالتمسك بالثقلين، وبالتالي لا تعارض حديث زيد بن الأرقم المذكور في (صحيح مسلم)، كما أنها توافق رواية عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه في الطريق الثاني كما سنذكره.
أما الطريق الثاني لأبي سعيد الخدري فهو ما أخرجه العقيلي بلفظ: «حدثنا محمد بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن فرات القزاز قال: حدثنا محمد بن أبي حفص العطار، عن هارون بن سعد، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم الثقلين, أحدهما كتاب الله تبارك وتعالى, سبب طرفه بيد الله, وطرفه بأيديكم ,وعترتي أهل بيتي , وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» [الضعفاء الكبير 4/362].
وآفة هذا السند هو محمد بن عثمان بن أبي شيبة، فالقدح فيه مشهور بين المتقدمين، فقد كذّبه عبد الله بن أحمد بن حنبل [العلل المتناهية 1/119].
وضعّفه الدارقطني [سؤالات الحاكم للدارقطني ، ص136]، وقال: «كان يقال أخذ كتاب أبي أنس وكتب منه فحدث» [سؤالات حمزة للدارقطني ، ص99].
وقال ابن عدي: «سئل عبدان عنه فقال: كان يخرج إلينا كتب أبيه المسند بخطه في أيام أبيه وعمه فيسمعه من أبيه قلت له وكان إذ ذاك رجلا؟ قال: نعم» [الكامل في ضعفاء الرجال7/556].
وقال عنه أسامة بن عبد الله الكلبي: «محمد بن عثمان كذاب أخذ كتب ابن عبدوس الرازي ما زلنا نعرفه بالكذب».
وقال إبراهيم بن إسحاق الصواف: «محمد بن عثمان كذاب يسرق حديث الناس ويحيل على أقوام أشياء ليست من حديثهم».
وقال داود بن يحيى:«محمد بن عثمان كذاب قد وضع أشياء كثيرة يحيل على أقوام أشياء ما حدثوا بها قط».
وقال ابن خراش: «ابن عثمان كذاب بيّن الأمر يزيد في الأسانيد ويوصل ويضع الحديث».
وقال محمد بن عبد الله الحضرمي: «محمد بن عثمان كذاب ما زلنا نعرفه بالكذب مذ هو صبي».
وقال جعفر الطيالسي: «ابن عثمان هذا كذاب يجيء عن قوم بأحاديث ما حدثوا بها قط متى سمع؟ أنا عارف به جداً».
وقال عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة: «ابن عثمان أخذ كتب ابن عبدوس وادعاها، ما زلنا نعرفه بالتزيد».
وقال محمد بن أحمد العدوي: «محمد بن عثمان كذاب مذ كان، متى سمع هذه الأشياء التي يدعيها ؟».
وقال البرقاني عنه:«لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه».
ذكر كل ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه [تاريخ بغداد 4/68].
وضعّفه الذهبي [المغني في الضعفاء 2/613]، ونقل في (الميزان) قول عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه كذاب [ميزان الاعتدال 3/643].
وقال عنه ابن حجر: «قال ابن عقدة: سمعت عبد الله بن أسامة الكلبي، وإبراهيم بن إسحاق الصواف، وداود بن يحيى يقولون: محمد بن عثمان كذاب. زادنا داود: قد وضع أشياء على قوم ما حدثوا بها قط. ثم حكى بن عقدة نحو هذا عن طائفة في حق محمد. وقال جعفر بن محمد الطيالسي: كان كذاباً سمع عن قوم بأحاديث ما حدّثوا بها قط. ومن الطائفة التي حكى بن عقدة عنهم أنهم كذبوا محمداً: جعفر الطيالسي، وعبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، وجعفر بن هذيل، ومحمد بن أحمد العدوي» [لسان الميزان 5/280-281].
وقال ابن عدي: «ومحمد بن عثمان هذا على ما وصفه عبدان لا بأس به، وابتلى مطين بالبلدية لأنهما كوفيان جميعاً، قال فيه ما قال، وتحوّل محمد بن عثمان بن أبي شيبة إلى بغداد، وترك الكوفة ولم أر له حديثا منكراً فأذكره» [الكامل في ضعفاء الرجال7/557].
قلت: قوله (لم أر له حديثاً منكراً)لا يعني أن لا أحديث منكرة له، ولا يلزم من عدم الوجود وجود العدم، فقد روى أبو بكر الشافعي في (الفوائد) ما لفظه: «ينادي مناد يوم القيامة من تحت العرش أين أصحاب محمد ؟ فيؤتى بأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فيقال لأبي بكر: قف على باب الجنة، فأدخل من شئت برحمة الله واردع من شئت بعلم الله، ويقال لعمر بن الخطاب: قف عند الميزان، فثقل من شئت برحمة الله وخفف من شئت بعلم الله، ويكسى عثمان حلتين فيقال له: البسهما فإني خلقتهما وادخرتهما حين أنشأت خلق السماوات والأرض، ويعطى علي بن أبي طالب عصا عوسج من الشجرة التي غرسها الله بيده في الجنة فيقال: ذد الناس عن الحوض» [الغيلانيات ، حديث رقم 58].
وله أحاديث منكرة ذكرها الخطيب البغدادي في تاريخه وأبو نعيم الأصبهاني، وابن الجوزي في (الموضوعات)و (العلل المتناهية) والسيوطي في (اللآلئ المصنوعة) فلتُراجع، ولو خشية الإطالة لذكرناها.
وقد أثنى البعض على محمد بن عثمان، إلا أن شيوع اتهامه بالكذب أكبر من أن يتغافله أحد ، ولا ريب أن من هذا حاله لا يُحتج به ولا يُسشتهد به خلافاً لابن حبان الذي أحلّ كتابة الحديث عنه على سبيل الاعتبار.
قال أبو نعيم: «سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: محمد بن عثمان كذاب بين الأمر، يقلب هذا على هذا، ويعجب ممن يكتب عنه»[تاريخ بغداد 4/68].
أما يحيى بن الحسن بن فرات القزاز، فهو مجهول الحال، لم يذكر أحد شيئاً عنه. أما محمد بن أبي حفص العطار، فهو كذلك مجهول، ولعلّ جرحه أقرب من تعديله، فقد نقل الذهبي عن الأزدي أنهم تكلموا فيه [ميزان الاعتدال 3/527].
فتحصل لنا أن السند مظلم لا يخلو من كذاب أو متهم بالكذب، ومجهولين، ناهيك عما ذُكر عن هارون من الغلو في تشيّعه.






التوقيع :
قال ابن القيم -رحمه الله-:
احترزْ مِنْ عدُوَّينِ هلكَ بهمَا أكثَر الخَلق:
صادّ عن سبيلِ الله بشبهاتهِ وزخرفِ قولِه، ومفتُون بدنيَاه ورئاستِه .
من مواضيعي في المنتدى
»» كشف مؤامرات النظام السوري وحلفائه في لبنان بفضيحة النائب ميشيل سماحة
»» التشيع بين العرب والفرس (5)
»» هذا هو الحقد الصفوي على العرب : فيديو :
»» بين البويهيين والمجوس (3)
»» Intercourse during Menstruation