عرض مشاركة واحدة
قديم 16-05-03, 08:02 PM   رقم المشاركة : 1
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


القواعد الأربع للإمام العلامة محمد بن عبد الوهاب بشرح الشيخ الفوزان

قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأسكنه الجنة بغير حساب :


بسم الله الرحمن الرحيم

أسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يتولاّك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مبارَكـًا أينما كنت، وأن يجعلك ممّن إذا أُعطيَ شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنّ هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.


--------------------------------------------------------------

قال الشيخ العلامة الفوزان :

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن هذه النبذة المختصرة -القواعد الأربع- من النّبذ المهمة, من مقال إمام هذه الدّعوة رحمه الله تعالى, وأهميتها تأتي بمعرفة مضادات تلك القواعد الأربع, وأن الإخلال بهذه القواعد الأربع, أو عدم ضبط تلك القواعد يقع معه لَبس عظيم في معرفة حال المشركين, وحال الموحّدين، والابتلاء وقع بحال أهل التوحيد، وبحال أهل الشرك، والله جل وعلا بالقرآن بَيَّن ما يجب من حقه في توحيده, وبين الشرك به, بيانا عظيما.

وهذه القواعد الأربع مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة ومن معرفة حال العرب كما سيأتي، فهي قواعد عظيمة تَعظِم من حفظها وعلم معناها ممن يكون عنده تردد في مسألة الحكم على أهل الإشراك وعلى وجوب إخلاص الدين لله جل وعلا وكيف يكون ذلك.

إمام الدعوة رحمه الله كعادته في كثير من رسائله؛ يبتدؤها بدعاء لمن يقرأ تلك الرسالة أو إلى من وُجِّهت إليه, وهذا كما هو معلوم فيه التنبيه على أنَّ مبنى العلم ومبنى الدعوة الرحمة، الرحمة والتراحم بين المعلم والمتعلم، والرحمة والتراحم بين الداعية والمدعو؛ لأن الرحمة في ذلك هي سبب التواصل، قال جل وعلا((;فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ));[آل عمران:159],

يعني فبِرحمة من الله لنت لهم، فبرحمة من الله لنت لهم, و(ما) في هذه الآية قيل لتأكيد الجملة, وهي التي تسمى الزائدة؛ لزيادة التأكيد، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) يعني فبرحمة من الله لنت لهم، فبرحمة من الله لنت لهم، فالدعاء هذا ناتج عن الرحمة، وهكذا ينبغي على المعلم, وعلى الداعية, وعلى الآمر بالمعروف, وعلى الناهي عن المنكر أن يكون راحما بالخلق, أن يكون رحيما بهم, كما وصف الله جل وعلا نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله((;وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))الأنبياء:107]

وقال((;بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ));[التوبة:128],

وقال ابن القيم رحمه الله في وصف حال الدَّاعي إلى الله مع أهل المعصية وأهل النفور عن الحق


قال في ذلك: واجعل في قلبك مقلتين كلاهما ********** من خشية الرحمان باكيتان

لو شاء ربُّك كنت أيضا مثلهم ********* فالقلب بين أصابع الرحمان



حتى حين توقع الحدود وتطبق؛ فهي تطبّق على وجه الرحمة لا على وجه الانتقام، رحمة بهذا الذي استحق تلك العقوبة أن تَسلَّط عليه إبليس والشيطان فجعله مستحقا لذلك, كالأسير من أحبابك إذا وقع أسيرا في يد العدو.

فهذا التقديم بالدعاء من الإمام رحمه الله فيه التنبيه على ذلك, ودعا، وكان فيما دعا؛ أنّه سأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن إذا أُعطي شكر, وإذا أُبتلي صبر, وإذا أَذنب استغفر, وهؤلاء الثلاث عنوان السعادة.



إذا أعطي شكر؛ لأن العطاء من الله جل وعلا نعمة, الله جل وعلا يحب الشاكرين من عباده, والشكر يكون بلسان المقال, ويكون بالعمل, ((;أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ));[لقمان:114]

، بالمقال وبالعمل, ((;اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا));[سبإ:13], هذا من جهة العمل,

((;وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِِِِِ));[البقرة:152]



هذا من جهة القول والعمل، ولهذا اختلف الشكرُ عن الحمد؛ فالشكر يكون عن نعمة, وأما الحمدُ فقد يكون لنعمة أو في مقابل نعمة، أو لا يكون؛ يكون ثناء مبتدءا, والشكر يكون باللسان وبالعمل،

وأما الحمدُ فيكون باللسان دون العمل؛ فيه فروق كثيرة معروفة عند أهل العلم، هذا مما ينبغي تدبّره، وهو أن العبد إذا أعطي عطاءً شكر عطاءَ الله جل وعلا، وشكرُ العطاء كما ذكرنا بالقول وبالعمل:

·أمّا بالقول بأن ينسب ذلك العطاء إلى من أعطاه، وأن يثنى عليه به, وأن لا يُلتفت فيه إلى غيره، ((;وَمَا بكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ));[النحل:53]، ((;يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَها6))النحل:83].

·ومن جهة أخرى؛ جهةُ العمل، يكون الشكر باستعمال النعم فيما يحب من أنعم بها وأداها.

وهذا مما يحبه الله جل وعلا بل من عظيم ما يحب الله من العبادات أن يكون العبد شاكرا ولهذا قال((;وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ));[سبإ:13],

وقال سبحانه((;ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا))

;[الإسراء:3]؛ يعني يا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا كان كثير الشكر لله جل وعلا، قال أهل التفسير: كان إذا أكل الأكلة شكر الله عليها، وإذا شرب الشربة شكر الله عليها, وإذا اكتسى شكر الله على ذلك. يعني أن نتبرأ من كل حول وقوة في ما جاءه من النعم أو ما يسره وأن يعترف بأنها من الله جل وعلا.

وباب الشكر له صلة بالتوحيد, وكأن الإمام رحمه الله حين ذكر الشكر على العطاء, والصبر على البلاء, والاستغفار من الذنب, كأنه نظر إلى حال الموحِّد, خاطبه بما يجب عليه أن يكون معه دائما, فإن الموحِّد أنعم عليه بنعمة لا تعدلها نعمة؛ ألا وهي أن كان على الإسلام الصحيح، أن كان على التوحيد الخالص الذي وعد الله أهله بالسعادة في الدنيا والآخرة, ولابد للموحِّد من الابتلاء,

فسأل اللهَ له أن إذا أبتلي صبر؛ والابتلاء قد يكون من جهة الأقوال التي توجَّه إليه، وقد يكون الابتلاء من جهة البدن، وقد يكون من جهة المال أو غيره,

قال (وإذا أذنب استغفر)؛ لأن الموحّد لابد أن يكون معه شيء من الإعراض، و لابد أن يقع الذنب؛ إما من الصغائر، وإما من الكبائر، والله جل وعلا من أسمائه الغفور، ولا بد أن يظهر أثر ذلك الاسم في بريئته وملكوته، لهذا يحب اللهُ من عبده الموحد المخلص أن يكون دائم الاستغفار، ولا بد للموحّد من ذلك, والعبد إذا ترك عظيم الاستغفار جاءه بالكِبر، والكبر يحبط كثيرا من العمل، لهذا قال هنا (وإذا أذنب استغفر وهؤلاء الثلاث عنوان السعادة)،

فإذن هذه متلازمة في حال كل موحّد؛ وهي الشكر على العطاء، والصبر على البلاء، والاستغفار من الذنب والعصيان، وكلّما عَظُم العبد معرفةٍ بربه كلما عظَّم هذه الثلاث، وكلما عظم التوحيد في القلب عظمت هذه الثلاث،

حتى يسير العبدُ لا يرى سوى الله جل وعلا في استحقاق شيء من أعماله وتصرفاته، فإن غفل عن ذلك كان استغفاره استغفار الذي لا يستحق، لهذا كان عليه الصلاة والسلام يستغفر في اليوم والليلة أكثر من مائة مرة، وفي رواية في الصحيح «أنه كان يستغفر في المجلس الواحد سبعين مرة»،

والموحد عليه خطر؛ خطر الغرور، الغرور لأنه من أهل التوحيد، أو من المحققين لاتباع السلف، أو ممن علم هذا العلم، ثم لا يكون في قلبه من الخضوع والذل الذي يحرمه الله منه، ما يكون ذلك سببا لقَبول هذه الوسيلة، وهي وسيلة التوحيد إلى الله جل جلاله، وشأن الله أعظم، وطلبَ من عباده شيئا قليلا، ولهذا عظم أمر التوحيد، وفَضُح جدا الشرك وما جر إليه

---------------------------------------------------------------------

ثم قال الشيخ محمدبن عبد الوهاب رحمه الله :

اعلم أرشدك الله لطاعته: أن الحنيفيّة ملّة إبراهيم: أن تعبد الله مخلصـًا له الدين كما قال تعالى ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِِ?[الذاريات:56].

فإذا عرفت أنّ الله خلقك لعبادته فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلى مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة.

فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفتَ أنّ أهمّ ما عليك: معرفة ذلك، لعلّ الله أن يخلّصك من هذه الشَّبَكة،وهي الشرك بالله الذي قال الله فيه: ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?[النساء:116], وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه.


-------------------------------------------------------------------

هذه المقدمة مدخل لهذه القواعد، وأول ذلك (أن الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام)، وجعل الله جل وعلا إبراهيم حنيفا؛ يعني مائلا عن طريق الشرك إلى التوحيد الخالص، والحنيفية هي الملة التي مالت عن كل باطل إلى الحق، وابتعدت عن كل باطل إلى الحق، وهي ملة أبينا إبراهيم عليه السلام كما قال جل وعلا

((;مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا));[آل عمران:67],

وقال جل وعلا ((;إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(120)شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ));[النحل:120-121],

حقيقة ملة إبراهيم هي تحقيق معنى لا إله إلا الله كما قال جل وعلا في سورة الزخرف ((;وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ(27)وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ));[الزخرف:26-28],

وهذه الكلمة هي كلمة لا إله إلا الله قال((;وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي));[الزخرف:26-27], هذه هي كلمة التوحيد؛ (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) هذا هو النصف الذي هو النفي في كلمة التوحيد؛ يعني قول (لا إله) معناه (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ), إلا الله يعني (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) وجعلها كلمة في عقبه، وأعظم تفسير لكلمة التوحيد هو هذه الآية حيث قال (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي)

، ولهذا قال أهل العلم: إن كلمة التوحيد لا إله إلا الله فيها نفي، وفيها إثبات،

والنفي للبراءة من كل معبود سوى الله جل وعلا، ومن عبادة كل ما سوى الله جل وعلا؛ لأن عبادة ما سوى الله جل وعلا باطلة,

وإثبات العبادة لله جل وعلا وحده سبحانه, يعني إنزال العبودية الحقّة المستحقة في واحد وهو الله جل جلاله, هذه هي ملة إبراهيم، وهذه هي الحنيفية التي أمر الله جل وعلا نبيه بالاستمساك بها؛

((;ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا));[النحل:123], فملة إبراهيم هي التوحيد،

وإذا عرفتَ هذا، فإنَّ العبادةَ لا تُقبل إلا بالتوحيد، وذلك من مثل الطهارة للصلاة، فإن التوحيد شرط قَبول العبادة؛ يعني الإخلاص، والطهارة شرط صحة الصلاة، فكما أنه لا تصح الصلاة إلا بالطهارة، فكذلك لا تصح عبادة أحد إلا إذا كان موحِّدا، ولو كان في جبهته أثر السجود، وكان صائما في النهار قائما في الليل فإن شرط قبول ذلك أن يكون موحدا مخلصا،

قال جل وعلا ((;وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ(65)بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ));[الزمر:65-66]، وقال جل وعلا في الكفار((;وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا));[الفرقان:23]

, فعظيم العبادة وكثرة العبادة إذا لم تكن مع الإخلاص فإنها غير مقبولة؛ كما أن الرّجل يصلي صلاة عظيمة يطيل فيها القيام، ويطيل فيها الركوع، ويطيل فيها السجود، ويحسِّنها جدًّا، وقد دخل فيها على غير طهارة هذه صلاة غير مقبولة بالإجماع؛ لأن الطهارة شرط صحة الصلاة؛ كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقبل اللهُ صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ))

»لا صلاة إلا بطُهور« وهذا شرط متفق عليه، وهذا تقريب لهذه المسألة العظيمة، وإلا فإن شرط الإخلاص والتوحيد لقَبول العبادة أعظم من شرط الطهارة لقَبول الصلاة؛ لأنه إذا صلى محدِثا متعمدا فإن في تكفيره خلاف بين أهل العلم، وأما إذا عبد اللهَ مشركا؛ فإنه بالإجماع ليس مقبول العبادة، وبالإجماع هو كافر لأنه أشرك بالله جل وعلا الشرك الأكبر الذي لا يقبل معه عمل.

إذا تقرر ذلك فإن هذا الأصل يجعل المرء يخاف، ويفرح؛ يخاف من الشرك وأن يكون من أهله، ويفرح أن جعله الله جل وعلا من أهل التوحيد، فَرُحُه من أن جعله الله جل وعلا من أهل التوحيد يوجب شكر ذلك والمحافظة عليه، وخوفه وهربه من أن يكون من أهل الشرك أو أن يأتيه بعض الشرك يجعله دائما حذرا؛ أن يعْتَرِ عبادته, أو عقيدته, أو أقواله شيء من الشركيات؛ لأن الشركيات إذا كانت من الشرك الأكبر فإنها محبطة للعمل، وإذا كانت من الشرك الأصغر فإنها أعظم من البدع، والمعاصي المختلفة، يعني من حيث الجنس، وهذا لا شك يجعل المرء الخائف الرّاجي يعني الخائف الفرح -الفرِح بالتوحيد، الخائف من الشرك- يجعله يطلب هذه القواعد التي تجعله في يقين من أمره.

والتوحيد والشرك في دعوة الإمام المصلح رحمه الله، ممن تأمله قد يكون معه شيء من التردد أو الشك في صحة ما جاء به الشيخ من جهة تقرير المسائل، ومن جهة الحكم على أهل الشرك والإشراك؛ لأن المسألة عظيمة أن يكون أحد ممن يقول لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويصلي، ويزكي، ويصوم، ويحج، ويتعبد، ويكون من أهل العبادات العظيمة، ومن أهل الصلاح كما يقول الناس، ثم يقال إن عمله الذي عمله من الشركيات، أو لما لم يكفر بالطاغوت، يجعل عمله هذا كَلاَ شيء, هذه عظيمة، وكيف تستقر في النفوس، -فربما حدث من جهة النظر- أنّ الذين يتعبدون بالعبادات العظيمة وهم واقعون في الشرك، ربما تعاظم بعض الناس أن يكونوا من المشركين، يعني أن يكون أولئك من المشركين،



وهذه القواعد لتأصيل هذه المسألة العظيمة، وهي أن الأمر ينظر فيه إلى حق الله، وإنما أتى الخلل من جهة نظر الناس إلى حق المخلوق؛ إلى واقع المخلوق، لكن إذا نظروا إلى حق الله جل وعلا؛ الذي خلق الإنسان فسواه، وعدله، والذي خلق السماوات على هذا النحو العجيب، وهذه الأرض وأقام الدلائل على وحدانيته بربوبيته، وجعل ذلك في النفس، وفي الآفاق، وفيما حوله، يجعل أنه لا حجة لمشرك على الله جل وعلا، ولكن الله سبحانه وتعالى بعث الرسلَ رحمة؛ لإقامة الحجة ولإعلان.......

------------------------------------------------------------------

1)القاعدة الأولى: أن تعلم أنّ الكفّار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسل يُقِرُّون بأنّ الله تعالى هو الخالِق المدبِّر، وأنّ ذلك لم يُدْخِلْهم في الإسلام،

والدليل: قوله تعالى?قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ?[يونس:31].


-------------------------------------------------------------

قال الشيخ الفوزان :

القاعدة الأولى أن توحيد الربوبية لا يُدخل أحدا في الإسلام، توحيد الربوبية ليس هو المطلوب، فإن معرفة العرب بأن الله جل وعلا هو الخالق، وهو الرزاق وحده، وهو المحيي وحده، وهو المميت وحده، وهو الذي يجير ولا يجار عليه، وهو الذي إليه الأمر، وهو الذي يُنزل المطر، وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، هذا كله يقرون بأن الذي سخّر ذلك وخلقه هو الله جل وعلا، ومع ذلك ما نفعهم، ولم يجعلهم الله جل وعلا بذلك من أهل الإسلام،

قال جل وعلا ((;وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ));[يوسف:106], (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ) يعني الإيمان بربوبيته، إلا وهم مشركون في عبادته فانظروا إلى حال كفار العرب مقرون بأفراد الربوبية؛ بأكثر أفراد الربوبية، كما قال جل وعلا ((;قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ));[يونس:31]، (فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ) يعني الذي يفعل هذه الأشياء هو الله وحده، (فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) يعني أتقولون ذلك وتقرون بوحدانيته في الربوبية، فلا تتقونه في عبادته وحده، وترك الإشراك به، فأقام عليهم الحجة بما أقروا به على ما أنكروه،

وهذه هي طريقة القرآن في إقامة الحجة على المشركين،

فإن من براهين التوحيد، توحيد العبادة أن تقام الحجة بتوحيد الربوبية؛

لأن من كان هو الفاعل وحده؛ يعني هو الخالق وحده، والرزاق وحده، إلى آخر أفراد الربوبية؛ فإنه هو الذي يستحق العبادة دونما سواه،

ولهذا قال سبحانه منكرا على المشركين ?أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ?[الأعراف:91]، وقال سبحانه ?قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ?[النمل:59]،

ووصف الذين جعلهم المشركون آلهة، بأنهم عاجزون، وليس لهم قدرة، وليس لهم خلق، وليس لهم صفات تجعل أولئك يتوجهون إليه ((;وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ));[الحج:73], هذا مثل الذين توجهوا إليهم بالعبادة،

وإقرار المشركين بالربوبية لم يدخلهم في الإسلام، نستنتج من ذلك أن إقرار من بعدهم بالربوبية لا يعني أنهم مؤمنون، فإذا أتى آتٍ وقال: أنا مؤمن بأن الله هو الرب، هو الخالق، وهو ربي، وهو الذي يرزقني، وهو الذي أحياني، وهو الذي يميتني، هذا لا يعد مؤمنا الإيمان الشرعي؛ يعني لا يعد مسلما حتى يأتي بالتوحيد،

ولهذا غلط المتكلمون حينما عرفوا الإله بأنه القادر على الاختراع؛

قالوا: الإله هو القادر على الاختراع. فعندهم معنى لا إله إلا الله راجع إلى الربوبية,

وهذا أعظم غلط على دين الإسلام؛ الذي غلط به المتكلمون على الدين، وعلى الملة،

حيث جعلوا الابتلاء واقع في الربوبية، فإذا أيقن أن الموجب للأشياء والخالق لها هو الله، فإنه يكون عندهم مؤمنا مسلما، وهذا غير معنى الألوهية؛ لأن لا إله إلا الله معناها لا معبود حق إلا الله جل وعلا، فمعناها راجع إلى العبودية لا إلى الربوبية،


إذن مراد الشيخ من هذه القاعدة المهمة اليقينية -بأن هذه القاعدة يقينية من حال الكفار والمشركين- بأنهم مقرون بتوحيد الربوبية، ولم ينفعهم، ولم يدخلهم في الإسلام، ولم يجعل لهم حقا؛ لأنهم أشركوا مع الله جل وعلا آلهة أخرى، وعبدوا آلهتهم الباطلة، وقالوا?أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا?[ص:5]، فإذا نظرنا في هذا الزمن، وفي زمن الشيخ، وما قبله، وما بعده، في أن هناك من يوقن بالربوبية، ولكنه يشرك بالعبادة، فإن ذلك لا ينفعه، كحال الأولين، أن القاعدة: أن مشركي العرب كانوا يوقنون بالربوبية



واليوم قد يأتي على بعض النفوس، بعض إذا سمع من يقول: إن شاء الله، أو سمع من يذكر الله جل وعلا, أو يقول عن الله هو ربه, وهو مولاه, أو نحو ذلك, ظنَّه مسلما, وقنع منه بذلك، وهذا لم يقع به الابتلاء أصلا، بل لابد أن يكون موحدا في عبادته, يعني نعبد الله بما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم ويكون متبرِّئا خالصا من الشرك وأهله.

-------------------------------------------------

يتبع إن شـــــــــــــاء الله .