عرض مشاركة واحدة
قديم 01-11-13, 02:21 PM   رقم المشاركة : 2
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


عدالة الصحابة بين إنصاف السنة وإجحاف الشيعة (2)


04-07-2013 | د. عامر الهوشان


بعد بيان أهمية وخطورة عدالة الصحابة في الإسلام , وبيان غرض الشيعة من القدح في عدالة الصحابة الكرام في المقال السابق , الموصل للتشكيك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثة , وبعد بيان الفرق الكبير بين وضوح تعريف الصحابي عند أهل السنة وغموض ذلك التعريف عند الشيعة, أو مخالفتهم – كعادتهم – لما هو منصوص في كتبهم من تعريفات.
وبعد بيان أدلة عدالة الصحابة جميعا في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وإجماع الأمة , ورغم عدم وجود أدلة للشيعة تثبت عدم وجود تلك العدالة عند الصحابة , إلا أنهم - وكعادة أهل الزيغ و البدع والضلال - تمسكوا ببعض الشبهات الباطلة , لنفي العدالة عن خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين .

والشبهات كما نعلم باب كبير من أبواب الفتنة, ومنفذ خطير موصل للشرك والبدعة , وما وقع من وقع في الخرافات والأوهام إلا بشبهة سكنت عقله وقلبه , فأفسدت عليه دينه وعقيدته , ولذلك كان العلماء من أهل السنة والجماعة وما زالوا يحذرون المسلمين من خطورة فتنة الشبهات والشهوات, ورحم الله ابن القيم الذي بين تلك العلاقة الحميمية بين الشبهات والشهوات بقوله :

( إنه - سبحانه وتعالى - جمع بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض بالباطل في قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } التوبة : 69 , لأن فساد الدين إما أن يقع بالاعتقاد الباطل والتكلم به ; وهو الخوض , أو يقع في العمل بخلاف الحق والصواب ; وهو الاستمتاع بالخلاق , فالأول : البدع , والثاني : اتباع الهوى , وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء ..... فقوله تعالى (فاستمتعم بخلاقِكُم) إشارة إلى اتباع الشهوات وهو داء العصا , وقوله (وخضتم كالذي خاضوا) إشارة إلى الشبهات , وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات , وكثيراً ما يجتمعان , فقلَّ من تجده فاسد الإعتقاد إلا وفساد اعتقاده يظهر في عمله ) . (1)

وفي هذا المقال - المتتم للسابق – سأحاول بيان شبهات الشيعة حول عدالة الصحابة والرد عليها , تلك الشبهات التي أشبهت في كثير منها شبهات وضلالات اليهود والنصارى , فقد قالت اليهود لا يصلح الملك إلا في آل داود , وقالت الرافضة لا تصلح الامارة إلا في آل علي ، وقالت اليهود لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال , وقالت الرافضة لا جهاد حتى يخرج المهدى , واليهود خرقوا التوراة ، وكذلك الرافضة خرقوا القرآن , واليهود يستحلون دم كل مسلم ، وكذلك الرافضة , واليهود يبغضون جبريل ويقولون هو عدونا من الملائكة , وكذلك الرافضة يقولون : غلط بالوحى .

بل ربما فاق الرافضة اليهود والنصارى خبثا وبغضا لدين الله الإسلام , فقد سئلت اليهود من خير أهل ملتكم ؟ قالوا أصحاب موسى ، وسئلت النصارى فقالوا : أصحاب عيسى ، وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم ، فقالوا : حوارى محمد ، وأمروا بالاستغفار لهم فسبوهم . (2)

ومن أهم شبهاتهم حول عدالة الصحابة من القرآن الكريم :

1- قوله تعالى : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} الجمعة / 11

قال الكاشاني والقمي والطبرسي وغيرهم من الشيعة الرافضة : نزلت فى أكثر الصحابة الذين انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير التى جاءت من الشام ، وتركوه وحده فى خطبة الجمعة ، وتوجهوا إلى اللهو ، واشتغلوا بالتجارة ، وذلك دليل على عدم الديانة . (3)

وفي الرد على هذه الشبهة لا بد أولا من إيراد الحديث الذي كان سببا في نزول الآية , والحديث في البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : (بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم إذ أقبلت من الشام عير تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه و سلم إلا اثنا عشر رجلا فنزلت { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} صحيح البخاري 2/726 برقم 1953 , وفي رواية مسلم : (أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) صحيح مسلم 3/9- 10 برقم 2034 – 2037 .

فالواضح في رواية مسلم أن أبا بكر وعمر وجابر وغيرهم كانوا من بين الصحابة الذين لم ينفضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم , فلماذا يطعنون بهم وينفون عنهم العدالة وهم خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم ؟؟!!

أضف إلى ذلك أن الحادثة وقعت حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة في يوم الجمعة على الخطبة , فقد ورد في مراسيل أبي داود عن مقاتل بن حيان : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة ، فدخل رجل فقال : إن دحية بن خليفة قدم بتجارته ، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف ، فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء ؛ فأنزل الله عز وجل وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة ...) مراسيل أبي داود 1/74 برقم 60 .

وقد سبق أن انفضاضهم كان في الصلاة كما عند البخاري , أو كان في وقت الخطبة كما ورد في حديث مسلم (أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ) وقد رجح ابن حجر انفضاض الصحابة في الخطبة لا في الصلاة , بدلالة رواية مسلم , وهو اللائق بالصحابة تحسينا للظن بهم , وعلى تقدير كون الانفضاض في الصلاة كما في رواية البخاري , فيحمل على أن ذلك وقع قبل النهي كما في آية : {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} محمد/33 وقبل النهي عن الفعل الكثير في الصلاة . (4)

وجاء في عمدة القاري : أن رواية ( نحن نصلي ...) أي ننتظر الصلاة من باب تسمية الشيء بما يقاربه , والمراد بالصلاة هنا انتظارها في حال الخطبة , وهو ما رجحه النووي ليوافق رواية مسلم. (5)

ناهيك عن أن الحادثة وقعت في بدء زمن الهجرة , ولم يكن الصحابة حينئذ واقفين على جملة الآداب والأحكام الشرعية , وأن الله تعالى لم يتوعدهم بعذاب , ولم يعاتبهم صلى الله على ما فعلوا , وقد انتهوا عن ذلك بعد نزول الآية. (6)

2- استدلوا ببعض الآيات التي وردت في القرآن عن المنافقين من مثل قوله تعالى :{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة/101 , وحملوها على الصحابة الكرام . (7)

مؤيدين الآيات بحديث : (ويلك ومن يَعْدِلُ إذا لم أَكُنْ اَعْدِلُ؟ لقد خِبْتُ وَخَسِرْتُ إن لم أكن أعدِل ُ) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعنى يا رسول الله فأقُتل هذا المنافق فقال: (مَعَاذ الله! أَنْ يتحدث الناس أَنى أَقْتُلُ أَصْحَاِبي , إِنَّ هذا وأصحابَهُ يقرأون القرآنّ لا يُجاوزُ حَنَاجِرَهُم , يَمرُقُونَ منه كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيِة) صحيح مسلم بشرح النووي 4/170- 171

والرد على هذا من عدة وجوه : أولها : أن إطلاق لفظ الصحابة على المنافق كما جاء في الحديث وغيره إطلاق لغوي وليس اصطلاحي , وهو نظير قوله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } النجم/2 , فإضافة صحبة النبى إلى المشركين والكافرين إنما هى صحبة الزمان والمكان لا صحبة الإيمان .

ثانيا : كيف يكون المنافقون من الصحابة بالمعنى الإصطلاحى وقد نفاه عنهم رب العزة بقوله : {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} التوبة/56

ثالثا : من المعلوم أيضا أن المنافقين لم يكونوا مجهولين فى مجتمع الصحابة الكرام , ولم يكونوا هم السواد الأعظم ، بل كانوا فئة ضئيلة معلومة حددت في بعض الأحاديث باثني عشر شخصا فقط . (8)

وقد علم بعض هؤلاء المنافقين بعينه ، والبعض الآخر منهم علم بأوصافه ، فقد ذكر الله فى كتابه العزيز من أوصافهم ، وخصوصا فى سورة التوبة ، ما جعل منهم طائفة متميزة منبوذة ، لا يخفى أمرها على أحد ، كما لا يخفى على أحد حالهم فى زماننا , فأين هذه الفئة المنافقة ممن أثبت الله لهم فى كتابه نقيض صفات المنافقين ، حيث أخبر عن رضاه عنهم ، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس . (9)

3- استدلوا بقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} آل عمران/155 , وقوله تعالى : {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } التوبة/25 , وقالوا : الفرار من الزحف من أكبر الكبائر . (10)

والرد عليهم في هذه الشبهة من نفس دليلهم , فإنهم لوا أكملوا بيان الله تعالى في هذا العتاب , لوجدوا البراءة والمغفرة والصفح من الله تعالى بعد العتاب فورا , ففي عتاب الفرار يوم أحد في الآية الأولى جاءت المغفرة من الله تعالى بنهايتها : {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} ولا حجة لأحد بعد عفو الله وغفرانه للجميع .

وفي عتاب الفرار يوم حنين نزلت السكينة عليهم من الله تعالى بنص الآية التالية لآية العتاب : {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} التوبة/26 , وهل تنزل السكينة من الله إلا على المؤمنين , كما جاء بقوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} الفتح/4

وأما أخطر ما استدلوا به من السنة النبوية على تجريد الصحابة من العدالة , فهو حديث : (لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ) (11) وقالوا : تقاتل الصحابة فى صفين والجمل , واستحل بعضهم دماء بعض , وقد ركب هذه الموجة وعام على عوم الرافضة في هذه الحجة العلمانية واللادينيين من أعداء الإسلام. (12)

وفي الرد على هذه الشبهة نورد كلام ابن حجر في شرحه لعبارة ( لا ترجعوا بعدي كفارا ) , فإطلاق الكفر على قتال المؤمن محمول على معان متعددة منها :

مبالغة فى التحذير من ذلك ، لينزجر السامع عن الإقدام عليه وليس ظاهر اللفظ مراداً ، أو أنه على سبيل التشبيه لأن ذلك فعل الكافر والمعنى لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم فى حالة قتل بعضهم بعضاً.

وقيل : المعنى كفارا بحرمة الدماء، وحرمة المسلمين، وحقوق الدين , أو كفارا بنعمة الله تعالى , أو أن المراد ستر الحق , حيث أن معنى الكفر لغة كذلك , فكأن المسلم غطى بقتاله لأخيه حقه في النصرة والتأييد , أو أن القتال يفضي للكفر , أو أن استحلال قتال المسلم وقتله كفر. (13)

وما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من قتال لم يكن عن استحلال له حتى يحمل الحديث على ظاهره وأن قتالهم كفر , كيف والقرآن الكريم يكذبهم فى هذا الفهم السطحى بقوله تعالى : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الحجرات/ 9-10

فسماهم القرآن أخوة ، ووصفهم بأنهم مؤمنون ، مع وجود الاقتتال بينهم ، والبغى من بعضهم على بعض , وقد بين ابن كثير في تفسيره أن البخاري وغيره استدل بالآية على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت ، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم ، وقد أكد البخاري ذلك بالحديث الذي أخرجه في صحيحه عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر- والحسن بن علىّ إلى جنبه- وهو يقبل على الناس مرة ، وعليه أخرى ويقول : إن ابنى هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) (14) فكان كما قال صلى الله عليه وسلم ، أصلح الله تعالى به بين أهل الشام ، وأهل العراق ، بعد الحروب الطويلة ، والواقعات المهولة . (15)

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : والذين قاتلوا الإمام علي رضي الله عنه لا يخلوا : إما أن يكونوا عصاة ، أو مجتهدين مخطئين أو مصيبين ، وعلى كل تقدير، فهذا لا يقدح فى إيمانهم ، ولا فى عدالتهم ، ولا يمنعهم الجنة ، بما سبق من تصريح القرآن الكريم ، من تسميتهم إخوة ، ووصفهم بأنهم مؤمنون ، وتأكيد النبى صلى الله عليه وسلم ذلك بما سبق من رواية الحسن بن على عن أبى بكرة رضي الله عنه ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين ، وإن قالوا فى إحداهما أنهم كانوا بغاة , والبغى إذا كان بتأويل كان صاحبه مجتهدا ً، والمجتهد المخطئ لا يكفر، ولا يفسق وإن تعمد البغى فهو ذنب من الذنوب ، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة كالتوبة ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، وشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاء المؤمنين، وغير ذلك . (16)

وبغض النظر عن كل ما سبق , فإن جمهور الصحابة وسادتهم تأخروا عن تلك الفتن ولم يخوضوا فيها , حتى قال محمد بن سيرين : ( هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف , فما حضر منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين ) و إسناد هذه الرواية أصح إسناد على وجه الأرض كما قال عنها ابن تيمية . (17)

وعلى كل الأحوال ، فالشهادة والرواية من الفريقين لا تكون مردودة ، إما بتقدير الإصابة فظاهر، وإما بتقدير الخطأ مع الاجتهاد فبالإجماع. (18)

هذه أهم وأخطر شبهات الشيعة الرافضة حول عدالة الصحابة , شبهات ليس لها في مقياس العلم ثبات , شأنها في ذلك شان جميع شبهات أعداء الإسلام , وقد حذر العلماء من الوقوع فيها كما أسلفنا , ورغبوا في العلم للخلاص من شرها وضلالها , فهلا سلك المسلمون طريقا إلى العلم , حتى لا يجعلوا لمثل هذه الشبهات على قلوبهم وعقولهم سبيلا؟؟!!

ـــــــــــ

الفهارس

(1)جامع الآداب لابن القيم وهي موسوعة قام بجمعها يسري السيد محمد , طـ داء الوفاء (4/247).

(2) الموضوعات لابن الجوزي نقلا عن الشعبي 1/339

(3) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 271 -272، و الصافى فى تفسير القرآن للكاشانى 2/701، وتفسير القمى لعلى بن إبراهيم القمى 2/367، ومجمع البيان للطبرسى 5/287، 288، وأعيان الشيعة لمحسن الأمين 1/114

(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري 2/425

(5) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 6/246 برقم 936

(6) روح المعانى للألوسى 28/107

(7) الفصول المهمة فى تأليف الأمة لعبد الحسين الموسوى ص 203، والصحابة فى نظر الشيعة الإماميةلأسد حيدر ص 31 – 32

(8) حديث حذيفة بن اليمان بصحيح مسلم بشرح النووي 9/136 – 137 برقم 2779

(9) عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة للدكتور ناصر الشيخ 3/963

(10) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 273، وينظر : تفسير الصافى للكاشانى 1/691، وتفسير القمى لعلى إبراهيم القمى 1/287

(11) صحيح البخارى بشرح فتح البارى 13/29 رقم 7080، ومسلم بشرح النووى 1/332 رقم 65

(12) أضواء على السنة ص 354، وينظر : نظرية عدالة الصحابة لأحمد حسين يعقوب ص 53، والخلافة المغتصبة لإدريس الحسينى ص93، والفتنة الكبرى (عثمان) لطه حسين ص170-173

(13) فتح البارى 13/30 أرقام 7076 – 7080 , و 12/201، 202 رقم 6868, و 1/262 رقم 121

(14) صحيح البخاري بشرح فتح الباري 5/361 برقم 2704

(15) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/211

(16) منهاج السنة .2/205

(17) منهاج السنة 3/ 181

(18) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام للدكتور ناصر الشيخ 2/700 – 748

http://taseel.com/display/pub/print.aspx?id=2983#