عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-07, 10:49 AM   رقم المشاركة : 2
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


رد منقول من موقع فيصل نور


=======




سيدنا عمر رضي الله عنه و رزية الخميس

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن مغالطات الشيعة لأهل السنة في الأصول والفروع كثيرة شديدة البعد عن الصواب. وهي تشير إلى محاولات جادة ومستمرة لتكوين مجتمع قائم على مذهب التشيع منفصل عن الأمة الإسلامية. ومن تلك الأمور التي خالفوا فيها إجماع أهل السنة تكفيرهم صحابة رسول الله r إلا قليلاً منهم. هؤلاء الذين قال الله تعالى فيهم: )وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، وقال تعالى: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا(.

إن صحابة رسول الله r هم حملة هذا الدين وورثة النبي الكريم المبلغين رسالته والناشرين دعوته، والرافعين رايته، والمجاهدين في سبيل الله، والممدوحين في كلام الله، والذين اتبعوهم من بعدهم ساروا على دربهم واقتدوا بهم، وهم السواد الأعظم من أمة سيدنا محمد r. فتكفيرهم تكذيب لله ولرسوله.

ولقد عمّم الإمامية تكفيرهم للناس حتى طال كل من لم يؤمن بأصول الشيعة ولم يكن اثني عشرياً. وهذا أحد كبرائهم وهو نعمة الله الجزائري يقول: (الإمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي، وكفروا الصحابة، ووقعوا فيهم وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق وبعده إلى أولاده المعصومين)[1]. وقال عن أهل السنة: (إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شر من اليهود والنصارى. وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه في الإمامة)[2]. ويقول المظفر صاحب العقائد المشهورة: (مات النبي r ولا بد أن يكون المسلمون كلهم -لا أدري الآن- قد انقلبوا على أعقابهم)[3]. ويقول عبد الله شبر كتابه تاج الفقهاء: (وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب فالذي عليه جملة من الإمامية كالسيد المرتضى أنهم كفار في الدنيا والآخرة، والذي عليه الأكثر الأشهر أنهم كفار مخلدون في الآخرة). اهـ

وخصصوا بالنكير والتكفير أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما اللذان ورد في الصحاح من فضائلهما أحاديث كثيرة مشهورة، ولو لم يرد في أبي بكر سوى حديث عدل إيمانه بإيمان الأمة وفي عمر غير قول النبي r فيه "لو كان نبي بعدي لكان عمر" لكفاهما. ولكن ما أشار إليه القرآن الكريم في ذلك أقوى وأبلغ كذكر أبي بكر في الغار عند الهجرة، واختيار الله ورسوله له ليصحب النبي r في رحلة الهجرة. وحكم الله تعالى لعمر في المسائل الثلاث المشهورة. كل ذلك في فضلهما وعظيم شأنهما عند الله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم.

واعتمادهم في الطعن على سيدنا عمر بن الخطاب t وتكفيره هو على حديث البخاري في حادثة الكتابة التي أمر بها رسول الله r عند وفاته. فقد ادعوا أن عمر بن الخطاب t وصف رسول الله r بأنه (يَهْجُر). وهو مجرد ادعاء واتهام عار عن الصحة كما سنبينه إن شاء الله تعالى.

أولاً: مما ورد في الطعن على سيدنا عمر من كتب الشيعة في هذه الحادثة:

1- يقول الخميني:

(عندما كان رسول الله r في فراش المرض، ويحف به عدد كثير، قال مخاطباً الحاضرين: تعالوا أكتب لكم شيئاً يحميكم من الوقوع في الضلالة، فقال عمر بن الخطاب: لقد هجر رسول الله. وقد نقل نص هذه الرواية المؤرخون وأصحاب الحديث من البخاري ومسلم وأحمد مع اختلاف في اللفظ، وهذا يؤكد أن هذه الفرية صدرت من ابن الخطاب المفتري. الواقع أنهم ما أعطوا الرسول حق قدره… الرسول الذي كد وجد وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمض عينيه وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية والنابعة من الكفر والزندقة). اهـ[4]

2- ويقول ابن المطهر الحلي:

(المطلب الثاني: في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطاب. نقل الجمهور عن عمر مطاعن كثيرة منها قوله عن النبي r لما طالب في حال مرضه دواة وكتفاً ليكتب فيه كتاباً لا يختلفون بعده وأراد أن ينصّ حال موته على علي ابن أبي طالب "ع"، فمنعهم عمر وقال: إن رسول الله ليهجر حسبنا كتاب الله. فوقعت الغوغاء وضجر النبي فقال أهله: لا ينبغي عند النبي الغوغاء. فاختلفوا فقال بعضهم: أحضروا ما طلب، ومنع آخرون. فقال النبي r: ابعدوا. هذا الكلام في صحيح مسلم. وهل يجوز مواجهة العامي بهذا السفه فكيف بسيد المرسلين r). اهـ [5]

3- ويقول العاملي البياضي في مطاعن عمر:

(وثالثها أن الغوغاء لم تكن بطلب الكتاب بل بالمخالفة كما أخرجه البخاري وغيره من قول بني هاشم قربوا إليه كتاباً وقول عمر ومن معه لا ندعه يكتب وإنه قد هجر … وهذا آذى رسول الله r. وقد قال الله: )إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ(. اهـ [6]

4- ويقول القاضي نور الدين التستري:

(وذلك لأن أول من سبَّ رسول الله r في مرضه الذي توفي فيه هو عمر بن الخطاب خليفة…حيث قال رسول الله r: آتوني بدواة وكتف لأكتب كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فقال عمر إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله).اهـ[7]

5- وذكر مثل ذلك الأربلي في كتابه كشف الغمة.[8]

ثانياً: نص حديث البخاري ومسلم المتفق عليه والروايات الأخرى
سنذكر ههنا نص الحديث كما ورد في المصادر الحديثية لا كما أوردها الشيعة الامامية، وذلك لكي يتبين للقارئ الكريم ما وقع فيه الشيعة من مجانبة للحق والصواب في هذا المطلب العظيم.

- (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر رسول الله r وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي r: "هلمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده"، فقال عمر: إن رسول الله r قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا؛ فمنهم من يقول قرّبوا يكتب لكم رسول الله r كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر؛ فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله r: "قوموا". قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم)[9]

- وفي رواية عند البخاري قال r عندما كثر عنده اللغط: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. قال الراوي ونسيت الثالثة). [10]

- وفي رواية أخرى للبخاري: (ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه. فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه).[11]

- وفي رواية أخرى للبخاري أن من قال إن رسول الله وجع بعض الرجال دون نسبة هذا القول لعمر؛ وفيها أن طائفة من أهل البيت كانت مع عمر في رواية جاء فيها: (لما حضر رسول الله r وفي البيت رجال فقال r: "هلمّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده". فقال بعضهم: إن رسول الله r قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده، ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله r: قوموا).[12]

- وفي رواية عند الحاكم في المستدرك: (قال رسول الله r: "توني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً"ثم ولانا قفاه، ثم أقبل علينا فقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"). [13]

وهذا يحتمل أن رسول الله r كتب شيئاً من ذلك الكتاب والذي يتضمن استخلاف أبي بكر لا كما تدعي الشيعة.

- وفي رواية "البيهقي" جاءت كلمة هجر بصيغة السؤال:

(قالوا ما شأنه أهجر؟ استفهموه. فذهبوا يفدون عليه. قال: "دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه").[14]

- وفي رواية له:

(فقال بعض من كان عنده إن نبي الله ليهجر).[15] وكذا عند الطبري.[16] وعند الإمام أحمد بصيغة (فقالوا ما شأنه أهجر…)[17].

- وفي مسند الحميدي من حديث ابن عباس (فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا ما شأنه أهجر استفهموه…).

- وعند أبي يعلى من غير لفظة (هجر) ولا (وجع) من حديث ابن عباس: (اشتد برسول الله r وجعه فقال: "ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده". فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقال: "دعوني، فما أنا فيه خير مما تسألون عنه". قال أمرهم بثلاث)[18].

ثالثاً: ما نستخلصه من مجموع هذه الروايات ما يلي:

1. قوله في الحديث "هجر رسول الله" -أي هذي- لم تنسب إلى عمر بن الخطاب في أي رواية لا في الصحيحين ولا في غيرهما من كتب أهل السنة كما يدعي علماء الشيعة، وكما يدعي الكاتب الأمين في نقله حيث يقول: (فوجدتها مثبتة في الصحيحين). نعم هي مثبتة في الصحيحين لكن لا بلفظ هجر عن سيدنا عمر الذي هو محل الكلام، فماذا يسمى هذا في عرف أهل العلم؟ وإنما نسبت لبعض الرجال الحاضرين كما في رواية الشيخين. والأصح كما يقول الإمام النووي والسيوطي والقاضي عياض رواية (أهجر) بالهمز أي بالاستفهام اعتراضاً على من رفض الكتابة للرسول r، أي هل يمكن أن يهذي حتى تمنعوا عن أن تحضروا دواة ليكتب لنا الكتاب؟

وقال الإمام النووي: (وإن صحت الروايات الأخرى كانت خطأ من قائلها، قالها بغير تحقيق بل لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من النبي r من هذه الحال الدالة على وفاته وعظيم المصاب وخوف الفتن والضلال بعده)اهـ[19]

ولك أن تقارن بين موقف أهل السنة من هذه الروايات ومحاولة حملها على معانٍ تليق بصحابة رسول الله r، وموقف الشيعة الذين شنعوا على الصحابة وطعنوا عليهم وقوّلوهم ما لم يثبت أنهم قالوه.

2. قول عمر "إنه وجع" عند البخاري ومسلم، معناه أن الرسول r تعب والكتاب الذي سيكتبه سيطول ويؤذي رسول الله r ويطيل مرضه ولا نريد أن نؤذي رسول الله، فسيكتبه عندما يصح من وعكته، فإن الله لا يقبضه قبل إكمال الرسالة. وعمر لم يكن يتوهم وفاة رسول الله r بدليل عدم تصديقه لخبر وفاته عندما أعلن عنها، فعدم كتابة ذلك كان شفقة برسول الله r لئلا يتأذى لأن الكتابة ستطول. ولا يخفى أن إثبات لفظ الوجع من عمر لرسول الله r ليس فيه منقصة له عليه الصلاة والسلام.

3. إن رفض الكتابة لم يكن من عمر وحده فالروايات كما مر ذكرت "أهل البيت" و"بعض القوم". وهو شامل لكل من حضر في البيت كما ذكر في الصحيحين وغيره وحمله على عمر دون غيره تحكم ظاهر.

4. أمره عليه الصلاة والسلام لم يكن على وجه الوجوب وإنما على وجه الندب؛ كما بين الإمام المازري والقرطبي ذلك لقرائن فَهِمَها بعض الصحابة الذين رفضوا الكتابة، بينما ظن الباقون إنها للوجوب؛ فحمَلها مَن منعَ الكتابة على الندب كما حملوا قوله عليه السلام: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة". فكرهوا أن يكلفوه وهو في تلك الحالة مع استحضار قوله تعالى: )مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ(. والذي يدل على أن أمره كان للندب عدم إنكاره عليه الصلاة والسلام لمن خالف أمره لأن النبي لا يقر مخالفة الواجب إجماعاً واتفاقاً، وبقاؤه حياً أربعة أيام بعد ذلك دون أن يكتب كما نص على ذلك الإمام البخاري.[20] ولو كان أمره واجباً والله أمره بالكتابة لما توانى لحظة عن الكتابة ولعاد إلى الطلب مراراً، وهو المأمور بتبليغ ما أمر به. وهذا موافق لما فهمه سيدنا علي في صلح الحديبية عندما أمره r بمحي كلمة رسول الله فلم يفعل ذلك سيدنا علي لحمله "على تقديم الأدب على الامتثال" كما ذكره أهل السنة. وإليك الفقرة من الحديث كما رواها أهل السنة والشيعة: عندما رفض المشركون كتابة "محمد رسول الله": ( فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله؛ لو كنت رسولاً لم نقاتلك. فقال لعلي: "امحه". فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه. فمحاه رسول الله بيده …)[21]. وفي كتب الشيعة مثل ذلك: ( امح يا علي واكتب محمد بن عبد الله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أمحو اسمك من النبوة أبداً فمحاه رسول الله بيده). اهـ [22]

5. أنه عليه الصلاة والسلام عندما قال: ( دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه)، ليس إنكاراً على من رفض الكتابة، وإنما معناه: اتركوني لأتفكر وأذكر ربي وأحمده خير من هذا اللجاج. فمراقبة الله تعالى والاستعداد للقائه أفضل من اللجاج.

6. أنه عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين أوصى قبل موته وصيته المشهورة بإخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازة الوفد والثالثة التي نسيها الراوي. مما يدل على نسخ أمر الله له بالكتابة وإلا لكتب كما أملى وصيته.

7. أنه r ربما أملى شيئاً من هذا الكتاب كما ذكر الحاكم في المستدرك: (أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، ثم ولانا قفاه؛ ثم أقبل علينا فقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) ولم يمل غير ذلك؛ فكان باستطاعته أن يكمل الإملاء وقد عرفنا الكتاب ومضمونه فجعل الاستخلاف لأبي بكر دون غيره.

8. قال الإمام النووي: (وأما كلام عمر t فقد اتفق علماء المتكلمين في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب r أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها؛ فقال عمر: حسبنا كتاب الله. لقوله تعالى: ) مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (، وقوله تعالى: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة).[23]

9. لو كان مراد رسول الله r أن يكتب ما لا يستغنون عنه – من أصول دينهم، كما يدعي الشيعة بأن الإمامة إنما هي المصححة للتكليف- لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره لقوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ(، وقوله تعالى: )الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ(. وهو r لم يترك ذلك لمخالفة من خالفه من المشركين واليهود ومعاداة من عاداه، فبأولى أن لا يتركه ههنا. ثم قبل ذلك وبعده لا يتصور منه r أن يكتم شيئاً مما أمر بتبليغه، لأن ذلك مما يستحيل في حقه كما هو مبيّن في عقائد أهل السنة كأصل من أصول دينهم.

10. إن قول عمر كان لتحصيل الأمة فضيلة الاجتهاد ولئلا يسد هذا الباب الذي أصّله لهم النبي r بقوله: (إذا اجتهد الحاكم) الحديث.

11. إن أمره عليه الصلاة والسلام لصحابته بالكتابة أمر اجتهادي منه، وليس تبليغاً من الله تعالى، ويدل على ذلك أن عمر اجتهد سابقاً مخالفاً للحكم الظاهر عن الرسول r، ونزل القرآن بموافقته فظن عمر أن هذا المقام كتلك المقامات بأنه أمر اجتهادي من الرسول r، يرجع فيه إلى المقاصد والأصول العامة للدين، لا أمر منصوص عليه مقطوع به. والرسول r لم ينكر عليه عدم كتابة ذلك فدل على أن الأمر كما ظن عمر بدليل إقراره عليه السلام بالسكوت.

12. قال الإمام النووي: (وقول عمر حسبنا كتاب الله رد على من نازعه لا على أمر النبي r) اهـ[24]. وهذا حمل لطيف لكلام عمر t، لما أن مهابته عليه السلام وإجلاله في قلوب الصحابة كانت أكبر من أن يواجه بالرد. على أن كلام عمر إذا تصورناه قيل بلطف لرسول الله، فليس فيه ما يشكل أبداً. وكلام النووي أن عمر قد جادله بعض الصحابة وأنكروا عليه مستدلين بأن الرسول r يستحيل عليه أن يهذي فلم تمنعنا من الكتابة، فأجابهم عمر: "حسبنا كتاب ربنا"، أي )تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ( كما قال الله تعالى. ويؤخذ من هذا الفهم عدم نسبة قول (أهجر؟) لسيدنا عمر t بل لمن نازعه في منعه من الكتابة.

13. ثم إنه r لو نص على شيء أو أشياء لم يرفع ذلك الخلاف كما يقول ابن الجوزي، لأن الحوادث لا يمكن حصرها فهذا دليل على عدم جزمه عليه الصلاة والسلام بما أمر. أي أن الاختلاف سنة كونية باقية قطعاً فلو نص الرسول r على ما أراد التنصيص عليه لما رفع الخلاف ولأوهم الخطأ والكذب على رسول الله r في قوله، ولكان مبرراً قوياً للطعن فيه وفي هذا الدين العظيم.

14. قال الخطابي في الحديث:

( لا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله r أو ظن ذلك مما لا يليق به بحال، ولكنه لما رأى ما غلب على رسول الله من الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين وقد كان أصحابه عليه الصلاة والسلام يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه في يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم. قال: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه، وقد أجمعوا كلهم على أنه لا يقر عليه. قال: ومعلوم أنه r وإن كان الله تعالى قد رفع درجته فوق الخلق كلهم فلم ينزهه عن سمات الحدث والعوارض البشرية، وقد سها في الصلاة، فلا ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه فيتوقف في مثل هذا الحال حتى تتبين حقيقته؛ فلهذه المعاني وشبهها راجعه عمر t).[25]

15. أن الإمامية أنفسهم نسبوا لبعض أئمتهم ما رموا به عمر من نسبة الهذيان لرسول الله r، فهذه رواية روتها كتب الشيعة الإمامية في حق أحد الأئمة وهو معصوم عندهم؛ ولا فرق بينه وبين النبي إلا بالوحي. تأمل. فقد قال ابن طاوس شرف العترة وركن الإسلام: (ومن ذلك في دلائل علي بن الحسين عليه السلام ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم قال: حضر علي بن الحسين الموت فقال لولده: يا محمد أي ليلة هذه… ثم دعا بوضوء فجيء به، فقال: إن فيه فأرة، فقال بعض القوم إنه يهجر فجاءوا بالمصباح..). اهـ[26]

فانظر كيف أثبتوا لمعصوم عندهم بألسنتهم ما استشنعوه في حق معصوم آخر، على فرض ثبوته.

16. لا يستقيم أن يكون سيدنا عمر قد ارتكب خطأ جسيماً في حق رسول الله r، ثم يقابل من سيدنا علي t بهذا الثناء، كما ورد في نهج البلاغة، وكما هو مثبت في غيره من الكتب المعتمدة هند الشيعة؛ حتى أنه لفرط محبته له ولبقية الخلفاء الراشدين وتقديره لهم سمى بعض أبنائه أبا بكر، وعمر، وعثمان. وزوج ابنته من السيد فاطمة (أم كلثوم) من سيدنا عمر t. والنبي r يقول: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فهل يكون هذا فعل معصوم قد علم إساءة هؤلاء لرسول الله r، بل وفسقهم وتآمرهم على الدين وردتهم، فيقابلهم بالمحبة والتقدير والثناء. والحمد لله رب العالمين.

ملحوظة: قولنا في (15) تأمل، للفت النظر أنا وجدنا في بعض روايات الشيعة ما يفهم منه إثبات أن الأئمة يوحى إليهم أيضاً تماماً كالأنبياء، من ذلك ما رواه الكليني كذباً عن بعض الأئمة من قوله: (إن الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساء)[27]. وغير ذلك بل وأعظم من ذلك كما سيأتي في الكلام عن غلوهم. اهـ جوابهما عن الشبهة الأولى.


--------------------------------------------------------------------------------

1- الأنوار النعمانية 2/244

2- الأنوار النعمانية 2/206

3- كتابه السقيفة ص87

1- كشف الأسرار ص 137

2- نهج الحق ص 273

1- الصراط المستقيم ج3 / ص6

2- الصوارم المهرقة ص 224

3- كشف الغمة ج1/420

1- صحيح مسلم 3 /1259. دار إحياء التراث، وصحيح البخاري 5/2146 دار ابن كثير

2- صحيح البخاري 3/1111.

3- صحيح البخاري 3/ 1155.

1- صحيح البخاري 4/ 1612.

2- المستدرك على الصحيحين 3/542.

3- السنن الكبرى 4/ 433.

1- الطبقات الكبرى ج2/ ص242

2- التاريخ ج2 / ص228

3- مسند الإمام أحمد 1/222

4- مسند أبي يعلى 4/ 298

1- شرح صحيح مسلم 11/93

1- صحيح البخاري من حديث سعيد بن جبير فتح الباري 8/133

2- فتح الباري 5/303

3- الإرشاد 1/ 121. وإعلام الورى 97. وتفسير القمي 2/313.

1- شرح صحيح مسلم 11/90.

1- شرح مسلم 11/93

1- شرح مسلم 11/91.

1- فرج المهموم ص 228

1- الكافي ج2/10

موقع فيصل نور

http://www.fnoor.com/fn1294.htm