عرض مشاركة واحدة
قديم 03-11-10, 02:31 AM   رقم المشاركة : 8
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو زرعة الرازي مشاهدة المشاركة
   أبو حيان التوحيدي وإن كان من أهل الزندقة، فقد نقل عن ابن المقفع نقلا يحسن ذكره هنا، وهو في الإمتاع والمؤانسة، في الليلة السادسة منه قال:
قال شبيب بن شبة: إنا لوقوفٌ في عرصة المربد - وهو موقف الأشراف ومجتمع الناس وقد حضر أعيان المصر - إذ طلع ابن المقفع، فما فينا أحد إلا هش له، وارتاح إلى مساءلته، وسررنا بطلعته؛ فقال: ما يقفكم على متون دوابكم في هذا الموضع? فوالله لو بعث الخليفة إلى أهل الأرض يبتغي مثلكم ما أصاب أحداً سواكم، فهل لكم في دار ابن برثن في ظلٍ ممدود، وواقيةٍ من الشمس، واستقبال من الشمال، وترويحٍ للدواب والغلمان، ونتمهد الأرض فإنها خير بساط وأوطؤه، ويسمع بعضنا من بعض فهو أمد للمجلس، وأدر للحديث. فسارعنا إلى ذلك، ونزلنا عن دوابنا في دار ابن برثن نتنسم الشمال، إذ أقبل علينا ابن المقفع، فقال: أي الأمم أعقل? فظننا أنه يريد الفرس، فقلنا: فارس أعقل الأمم، نقصد مقاربته، ونتوخى مصانعته. فقال: كلا، ليس ذلك لها ولا فيها، هم قوم علموا فتعلموا، ومثل لهم فامتثلوا واقتدوا وبدئوا بأمر فصاروا إلى اتباعه، ليس لهم استنباط ولا استخراج. فقلنا له: الروم. فقال: ليس ذلك عندها، بل لهم أبدانٌ وثيقة وهم أصحاب بناء وهندسة، لا يعرفون سواهما، ولا يحسنون غيرهما.
قلنا: فالصين. قال: أصحاب أثاثٍ وصنعة، لا فكر لها ولا روية. قلنا: فالترك. قال: سباع للهراش. قلنا: فالهند. قال: أصحاب وهم ومخرقة وشعبذة وحيلة. قلنا: فالزنج: قال: بهائم هاملة. فرددنا الأمر إليه. قال: العرب.
فتلاحظنا وهمس بعضنا إلى بعض، فغاظه ذلك منا، وامتقع لونه، ثم قال: كأنكم تظنون في مقاربتكم، فوالله لوددت أن الأمر ليس لكم ولا فيكم ولكن كرهت إن فاتني الأمر أن يفوتني الصواب، ولكن لا أدعكم حتى أبين لكم لم قلت ذلك، لأخرج من ظنة المداراة، وتوهم المصانعة؛ إن العرب ليس لها أولٌ تؤمه ولا كتابٌ يدلها، أهل بلد قفر، ووحشةٍ من الإنس، احتاج كل واحد منهم في وحدته إلى فكره ونظره وعقله؛ وعلموا أن معاشهم من نبات الأرض فوسموا كل شيء بسمته، ونسبوه إلى جنسه وعرفوا مصلحة ذلك في رطبه ويابسه، وأوقاته وأزمنته، وما يصلح منه في الشاة والبعير؛ ثم نظروا إلى الزمان واختلافه فجعلوه ربيعياً وصيفياً، وقيظياً وشتوياً؛ ثم علموا أن شربهم من السماء، فوضعوا لذلك الأنواء؛ وعرفوا تغير الزمان فجعلوا له منازله من السنة؛ واحتاجوا إلى الانتشار في الأرض، فجعلوا نجوم السماء أدلةً على أطراف الأرض وأقطارها، فسلكوا بها البلاد؛ وجعلوا بينهم شيئاً ينتهون به عن المنكر، ويرغبهم في الجميل، ويتجنون به على الدناءة ويحضهم على المكارم؛ حتى إن الرجل منهم وهو في فجٍ من الأرض يصف المكارم فما يبقى من نعتها شيئاً، ويسرف في ذم المساوىء فلا يقصر؛ ليس لهم كلام إلا وهم يحاضون به على اصطناع المعروف ثم حفظ الجار وبذل المال وابتناء المحامد، كل واحد منهم يصيب ذلك بعقله، ويستخرجه بفطنته وفكرته فلا يتعلمون ولا يتأدبون، بل نحائز مؤدبة، وعقولٌ عارفة؛ فلذلك قلت لكم: إنهم أعقل الأمم، لصحة الفطرة واعتدال البنية وصواب الفكر وذكاء الفهم. هذا آخر الحديث.
..............

ثم تكلم أبو حيان مع الوزير قليلا ثم جاء في ثنايا كلامه:
ولقد قرع العباس بهذا الكلام باب الغيب، وشعر بالمستور، وأحس بالخافي، واطلع عقله على المستتر، واهتدى بلطف هاجسه إلى الأمر المزمع، والحادث المتوقع؛ وهذا شيء فاشٍ في العرب، لطول وحدتها، وصفاء فكرتها، وجودة بنيتها واعتدال هيئتها، وصحة فطرتها، وخلاء ذرعها، واتقاد طبعها، وسعة لغتها وتصاريف كلامها في أسمائها وأفعالها وحروفها، وجولانها في اشتقاقاتها، ومآخذها البديعة في استعاراتها، وغرائب تصرفها في اختصاراتها، ولطف كناياتها في مقابلة تصريحاتها، وفنون تبحبحها في أكناف مقاصدها، وعجيب مقاربتها في حركات لفظها؛ وهذا وأضعافه مسلم لهم، وموفر عليهم، ومعروفٌ فيهم ومنسوبٌ إليهم، مع الشجاعة والنجدة والذمام والضيافة والفطنة والخطابة والحمية والأنفة والحفاظ والوفاء، والبذل والسخاء، والتهالك في حب الثناء والنكل الشديد عن الذم والهجاء؛ إلى غير ذلك مما خصت به في جاهليتها قبل الإسلام، مما لا سبيل إلى دفعه وجحوده، والبهت فيه، والمكابرة عليه؛ وقد سمعنا لغاتٍ كثيرةً - وإن لم نستوعبها - من جميع الأمم، كلغة أصحابنا العجم والروم والهند والترك وخوارزم وصقلاب وأندلس والزنج، فما وجدنا لشيء من هذه اللغات نصوع العربية، أعني الفرج التي في كلماتها، والفضاء الذي نجده بين حروفها، والمسافة التي بين مخارجها، والمعادلة التي نذوقها في أمثلتها، والمساواة التي لا تجحد في أبنيتها؛ وإذا شئت أن تعرف حقيقة هذا القول، وصحة هذا الحكم، فالحظ عرض اللغات الذي هو بين أشدها تلابساً وتداخلاً، وترادفاً وتعاظلاً وتعسراً وتعوصاً، وإلى ما بعدها مما هو أسلس حروفاً، وأرق لفظاً، وأخف اسماً؛ وألطف أوزاناً، وأحضر عياناً؛ وأحلى مخرجاً وأجلى منهجاً وأعلى مدرجاً؛ وأعدل عدلاً، وأوضح فضلاً، وأصح وصلاً إلى أن تنزل إلى لغة بعد لغة، ثم تنتهي إلى العربية، فإنك تحكم بأن المبدأ الذي أشرنا إليه في العوائص والأغماض، سرى قليلاً قليلاً حتى وقف على العربية في الإفصاح والإيماض.
وهذا شيء يجده كل من كان صحيح البنية، بريئاً من الآفة، متنزهاً عن الهوى والعصبية، محباً للإنصاف في الخصومة، متحرياً للحق في الحكومة، غير مسترق بالتقليد، ولا مخدوع بالإلف، ولا مسخر بالعادة، وإني لأعجب كثيراً ممن يرجع إلى فضل واسع، وعلمٍ جامع؛ وعقل سديد، وأدب كثير، إذا أبى هذا الذي وصفته، وأنكر ما ذكرته
.


وشرع أبو حيان بعد هذا في الرد على بعض من فضل الفرس على العرب، بكلام طويل.

إضافة هامة بارك الله فيك أخي الفاضل

كلام يوزن بالذهب
والحمد لله أن جعلنا من أهل لغة القرآن البليغ







من مواضيعي في المنتدى
»» رمضان مبارك يا سنة العالم 1439
»» عقيدة التناسخ والحلول عند الشيعة بين الإيمان والكتمان
»» تويتر يضج بأعتقال الشيخ محمد العريفي والأسباب بعيدة عن قطار المشاعر
»» عقاب جماعي متجدد / رسوب 57 مركز امتحاني لمناطق سنية بتهم الغش
»» علامات ظهور المهدي صُنع في إيران