عرض مشاركة واحدة
قديم 28-05-17, 09:26 AM   رقم المشاركة : 5
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


قدر الله حكيم وفضله لا يضعه إلا موضعه :

لقد اخبرنا الله جل وعلا أن الخير كله منه، وأن الفضل كله له كما قال: وما بكم من نعمة فمن الله النحل/53. ولكن أخبرنا كذلك أن الخير والفضل لا يضعه الله الا في موضعه الذي يستحقه، ومحله الذي يليق به فلا يقع مواقعه دون ضابط أو قانون وضعه بمقتضى عدله وحكته وعلمه. وهو ما يعبر الله عنه بلفظ( السنة) فيقول مثلاً: مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً الأحزاب /38 ويقول: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً الأحزاب/62.
ومن ذلك قوله تعالى:  إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ *
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ الأنفال/22-23.
فالمحل من الأساس غير صالح لتنزل الهداية والفضل.
وقال في مقابل هذا عن صنف آخر من عباده( 1) : فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً الفتح/26.
فلا يظنن ظان ان قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء فاطر/8
أو قوله: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً الكهف/17،
أو قوله: وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ الأنعام/39، وأمثالها يعني أن الهداية والإضلال بمحض المشيئة دون فعلٍ أو سبب من العبد يستدعيه أو به يستحقه.

إن كلام الله يفسر بعضه بعضاً وخيراً من يفسر كلام الباري هو الباري نفسه جل وعلا.
يقول تعالى في مواضع أخرى مفسراً هذه المشيئة: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ * ويقطعون ما أمر الله الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ البقرة/26-27.
فالضلال شاءه الله لهؤلاء، فمن أراد هدايتهم ما داموا على فسقهم فلن يستطيع لأن مشيئة الله لا غالب لها كما قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً الكهف/17،
وكما قال: : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ القصص/56
وقد شاء الله لهؤلاء الضلال وقدره عليهم بسبب فسقهم وأعمالهم البطالة.
يقول تعالى:  كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ غافر/34،وأمثالهم كثير.
ويقول كذلك: قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ الرعد/27.
فسابق الإنابة اقتضى فضل الهداية.
ويقول: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا البقرة /213. ويقول إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ يونس/9. ويقول تعالى وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ آل عمران/101.
كما شهدت بمثله زوجة العزيز ليوسف (عليه السلام) قائلة: وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَيوسف/32، فلما أستعصم بالله والتجأ اليه عصمه. فعصمة الله لكونه أستعصم به وطلب منه أن يعصمه ودعاه والتجأ اليه التجاء المضطرين الصادقين قائلاً: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يوسف/33-34.
ففضل الله بأهله أولى، والخذلان بمن يستحقه أحرى، وقدر الله ليس أعمى. بل هو كما قال المولى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَبَ بِالحُسْنَى * فسَنُيَسْرُهُ لِلعُسْرَى الليل/5-9.
لذلك يقول جل وعلا : الله أعلم حيث يجعل رسالته رداً على من قال: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ الأنعام/124.

من ثواب الحسنة الحسنة بعدها: سنة من سنن الله :

من سنة الله تعالى في عباده: أنه من عمل حسنة أثابه الله عليها. ومن هذا الثواب أن يوفقه لعمل حسنة أخرى بعدها تكون الأولى سبباً لها! وكذلك من عقوبات السيئة السيئة بعدها. ولذلك قال العلماء: من ثواب الحسنة: الحسنة بعدها، ومن ثواب السيئة: السيئة بعدها. إنها سنة لا تتبدل وقانون لا يتخلف، ذكره الله كثيراً في كتابه وعلى لسان رسوله كما قال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت/69.
فالهداية قدرت هنا ثواباً على سابق المجاهدة. وقال: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون السجدة/24. فـ(بالصبر واليقين نالوا الإمامة في الدين) فلم تكن هبة محضة.

وقال: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ المائدة/16. وقال: واَلَذينَ أهْتَدُوا زَادَهُم هُدى محمد/17. وقال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُون البقرة/152. وقال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانا  الأنفال/29.
وهكذا … بذور الخير في صالح تربة القلب تنتج ثمار الفضل برعاية الرب.
وفي المقابل يقول الله تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ الصف/5، ويقول:فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضا البقرة/10. وهكذا.. الثمرة الخبيثة نتاج بذرة خبيثة وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ إبراهيم/27.
وتأمل قوله تعالى عن صحابة نبيه  وهو يخاطبهم قائلاً: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الحجرات/ 7،8. أي ان الله حكيم لم يضع هذا الفضل وهذه النعمة الا حيث علم أن من جعلهم محلاً لها أهل لذلك. فالله حكيم يضع الشيء موضعه، عليم لا تخطئ حكمته موضع علمه.
وبمقتضى هذه السنة او القاعدة وأمثالها يعصم الله أنبياءه ويحفظ أولياءه كما قال تعالى: (احفظ الله يحفظك) . (2) وبها يفسر قوله تعالى وأمثاله: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً الإسراء/74، فإن الله تعالى يقول:  يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إبراهيم/27.
فسابق الإيمان هو الذي اقتضى التثبيت، وسابق الظلم اقتضى الخذلان والإضلال. فكيف اذا كان الإيمان السابق إيمان أعظم النبيين وأول المؤمنين؟!
فعصمة الأنبياء عليه السلام ليست هبة محضة: ولا قدراً خالصاً معزولاً عن شخصية المعصوم.
ـــــــ

(1)هم الصحابة (رضي الله عنهم) الذين بايعوا رسول الله بيعة الرضوان تحت الشجرة. وكانوا ألفا وأربعمائة نزلت في حقهم سورة الفتح.
(2) رواه الترمذي وأحمد.







من مواضيعي في المنتدى
»» بعد التجاهل في البغدادي وباء الكوليرا يصل بغداد بمسمى الإسهال الوبائي !
»» لماذا أًثيرت قضية تلف 7 مليار دينار بحجة الأمطار بعد 5 سنوات ؟
»» سلسلة تخريب العراق/ التدخل الإيراني السياسي وضلوعها في أحداث العنف
»» تفاصيل هجوم إرهابي استرالي على مصلي الجمعة في نيوزيلندا
»» ديالى ومجازر المقدادية تفعيل وثيقة الشرف بين براثن إيران