عرض مشاركة واحدة
قديم 28-05-17, 09:23 AM   رقم المشاركة : 3
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


الفصل الأول
العصمة اللاهوتية

طرفان ووسط

قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاًلِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة :143).
فأمة الإسلام هي الأمة الوسط بين الأمم في كل شي: في عقيدتها وشريعتها وسلوكها وأخلاقها وموقعها.
وإذا جئنا إلى موضوع العصمة –وهو أمر اعتقادي– فقد جوز قوم –كاليهود– على الأنبياء الكرام (عليهم السلام) الوقوع في الفواحش كالزنا وشرب الخمر وعبادة الأصنام والكذب وأمثالها! والعهد القديم أو التوراة المحرفة مليئة بشواهد ذلك. فنزلوا بالأنبياء عن مرتبة البشر الأسوياء !! فهذا طرف..
وذهب قوم –كالشيعة الإمامية- إلى أن العصمة تعني أن الأنبياء (عليهم السلام) لا يقع منهم سهو ولا نسيان ولا خطأ ولا خوف ولا حزن ولا تقصير ولا ذنب، وهم ممنوعون من ذلك خلقاً وتكويناً، غير ممكنين بطبيعتهم التي جبلهم الله عليها (1). فرفعوهم فوق مستوى البشر وطبيعتهم حتى كأنهم من جنس غير جنسهم! وهذا طرف..
أولئك نزلوا بهم عن مرتبة البشر. وهؤلاء ارتفعوا بهم عنها. والحق بين هذا وذاك: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا (البقرة:143).

الخاصية البشرية والخاصية النبوية :

لكل نبي -باعتباره بشراً يوحى إليه- خاصيتان أو طبيعتان:
الأولى : الخاصية البشرية: فللنبي طبيعة البشر ويجري عليه ما يجري على البشر مما هو من لوازم بشريتهم. قال تعالى:قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ الكهف/110.

الثانية: الخاصية النبوية: وهذه تستلزم أن يكون النبي معصوماً مما يناقضها من مقتضيات الخاصية البشرية. فالزنا أو الشرك أو الكذب أو الخيانة أو السرقة وأمثالها لا يمكن أن يقع فيها إنسان ويختاره الله تعالى نبياً لأنها تتناقض مع النبوة .
لكن النسيان مثلاً أو الخوف الذي هو من لوازم بشرية الإنسان يمكن أن يجري على النبي، الا ان الخاصية النبوية تقتضي أن يكون نسياناً خاصاً يتناسب مع النبوة وهو النسيان الذي يتعقبه الله مباشرة بالتذكير قبل ان يمر عليه وقت يكفي لاقتداء مقتد او فعلٍ من شخص رأى النبي يقول او يعمل عملاً أخل به النسيان. أو يكون نسياناً لا يتعارض مع الشريعة كحادث شخصي لا علاقة له بها. فيمكن ان ينسى النبي لانه بشر لكن لابد أن يُذكر لأنه نبي يقتدى به.
فالنبي بشر ولكن يوحى اليه كما قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ الكهف/110.
فالنسيان والخوف والحزن وأمثاله مما تثبت به بشريته، والتعقيب بالوحي مما تقتضيه نبويته.

عصمة الأنبياء تابعة لعصمة الشريعة :

إن الغاية من عصمة النبي عصمة الشريعة وحفظها. فعصمة الشريعة أصل وعصمة النبي فرع عن هذا الأصل. فليست العصمة لذات النبي. وإنما مقصود العصمة وغايتها حفظ الشريعة.
فقولنا بعصمتهم من الخطأ والنسيان ليس على إطلاقه: فقد يخطئ النبي بمقتضى بشريته. وقد ينسى كذلك أو يقع في دائرة المحظور كما ثبت ذلك بما قصه الله تعالى علينا في القرآن عن الأنبياء (عليهم السلام) كقوله: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً طه/115. وقوله: وعصى آدم ربه فغو ى طه/121
وقال عن موسى (عليه السلام) وهو يخاطب الخضر (عليه السلام): لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيت الكهف/73. وقد قتل القبطي متسرعاً فندم على ذلك وقال: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ القصص/16.

ولكنه كنبي -مكلفٍ بتبليغ شريعة كاملة- لا يقره الله تعالى على ما يناقض كمالها وحفظها. وإنما ينزل الوحي مباشرة فيصحح له ما وقع فيه من ذلك، فيحصل المقصود وهو حفظ الشريعة وكمالها.

الكمال المطلق من خصائص الرب :

فالخطأ والنسيان واللمم من لوازم بشرية الأنبياء، وبه تثبت هذه البشرية ويصلحون محلاً للإقتداء. وإلا فقد رفعناهم الى مقام الربوبية. فإن الكمال المطلق من كل الوجوه لا ينبغي إلا للرب سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وله المثل الأعلى ليس كمثله شيء لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.

ــــــــ

(1) يحاول البعض التهرب من القول بـ(العصمة) التكوينية. ولكن عند التحقيق لا تجد فرقاً مؤثراً بين الفريقين. وستجد في نهاية الكتاب بيان شافٍ لهذه المسألة.







من مواضيعي في المنتدى
»» في ظل الحكم الشيعي العراق مكب نفايات نووية لدول العالم
»» من سنة العراق لأمة الإسلام تهنئة بالعيد الأضحى
»» الفرق مابين أهل السنة والجماعة وبين الأشاعرة
»» خيمة الحرة العراقية وسجناء النعيم
»» قانون العفو العام أخيراً المعدل بمخالب الطائفية الشيعية