عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-19, 01:34 PM   رقم المشاركة : 2
آملة البغدادية
مشرفة الحوارات







آملة البغدادية غير متصل

آملة البغدادية is on a distinguished road


إن شخصية ابن عباس كانت شخصية علمية جمعت صفات العالم الرباني، من العلم والفطنة والذكاء والصبر والحزم وغيرها من الصفات.
ثانيا. إن غلظة ابن عباس مع عائشة رضي الله عنهما قصة مكذوبة:
لقد حاول بعض المغرضين نسب بعض الأقوال إلى ابن عباس – رضي الله عنه – موردين قصة ذكروها في كتبهم، وفيها مناظرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لعائشة رضي الله عنها وفيها أن ابن عباس قال يخاطب عائشة: “.. وما أنت إلا حشية([21]) من تسع حشايات خلفهن بعده، لست بأبيضهن لونا، ولا بأحسنهن وجها، ولا بأرشحهن عرقا، ولا بأنضرهن ورقا…”إلخ.
وهي قصة مكذوبة على ابن عباس رضي الله عنهما وعمدة إسنادها أبو مخنف لوط بن يحيى، الإخباري التالف، والرافضي المحترق الذي أجمع أئمة النقاد على تضعيفه وتركه([22])، ومن عباراتهم فيه:

قول يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال الدراقطني: إخباري ضعيف([23])، وقال الذهبي: إخباري تالف، لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره، وقال الدراقطني: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء، وقال ابن عدي: شيعي محترق، صاحب أخبارهم([24]).
فهو – إذن – مجمع على تضعيفه، ولا يوثق بكلامه.
وأبو مخنف لوط بن يحيى هذا هو عمدة إسناد هذه القصة المفتراة والتي أوردها الشيعة في كتبهم واعتمدوها، مع ما فيها من سوء أدب مع أمهات المؤمنين، لاسيما عائشة رضي الله عنها وفيها قول ابن عباس لعائشة: “ما أنت إلا حشية من تسع حشايات خلفهن بعده”، ولا يشك من عنده أدنى فهم، أو له أدنى إلمام بسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم – في كذب هذه الافتراءات وبعدها عن الحقيقة([25]).
وليس من المعقول أن تصدر الغلظة وسوء الأدب مع أمهات المؤمنين، وخاصة أم المؤمنين عائشة ومن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، فهو المشتهر بالفراسة والكياسة والفطنة.
كما أن ابن عباس كان يجل العلماء بالرغم من مكانته العظيمة وتوقير الناس له، فكان يمسك جواد زيد بن ثابت عندما يمتطي جواده، فينزعج زيد بن ثابت – رضي الله عنه – ويقول: “لا تفعل يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم”، فيقول ابن عباس رضي الله عنه: “هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا”، فيسرع زيد بن ثابت، ويقبل يد ابن عباس قائلا: “وهكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا”([26]).
هكذا كان حاله دائما مع العلماء، فكيف مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها العالمة الفقيهة، التي كان يرجع إليها في كل شيء فعن هشام عن أبيه قال: “ما رأيت أحدا أعلم بفريضة، ولا أعلم بفقه ولا بشعر من عائشة”([27]).

وكان – رضي الله عنه – متسامحا لا يحمل بغضا ولا كرها لأحد حتى يفعل مثل هذه الفعلة القبيحة، وهو نقي السريرة دائما مع الناس جميعا.
فعن ميمون بن مهران قال: سمعت ابن عباس يقول: “ما بلغني عن أخ مكروه قط إلا أنزلته إحدى ثلاث منازل: إن كان فوقي عرفت له قدره، وإن كان نظيري تفضلت عليه، وإن كان دوني لم أحفل به، هذه سيرتي في نفسي، فمن رغب عنها فأرض الله واسعة”([28]).
وهل يعقل أن يقول لها ابن عباس ذلك، وتقول هي عنه: إنه أعلم الناس بالحج، فقد أخرج يعقوب بن سفيان من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن شيب قال: “قالت عائشة: هو أعلم الناس بالحج”([29]).
ومما يبطل هذه الدعوى الكاذبة، ويؤكد العلاقة الطيبة بين عبد الله بن عباس والسيدة عائشة رضي الله عنهما ما روي عن بن أبي مليكة «عن ذكوان مولى عائشة: أنه استأذن لابن عباس على عائشة رضي الله عنها وهى تموت، وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقال هذا ابن عباس يستأذن عليك، وهو من خير ب************، فقالت: دعني من ابن عباس ومن تزكيته، فقال: لها عبد الله بن عبد الرحمن إنه قارئ لكتاب الله، فقيه في دين الله، فأذني له فليسلم عليك وليودعك، قالت: فأذن له إن شئت، قال فأذن له، فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس، وقال: أبشري يا أم المؤمنين فوالله ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب – أو قال: وصب – وتلقي الأحبة محمدا وحزبه، أو قال أصحابه إلا أن تفارق روحك جسدك، فقالت: إيها يا ابن عباس، فقال ابن عباس: كنت أحب أزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليه، ولم يكن يحب إلا طيبا، وأنزل الله – عز وجل – براءتك من فوق سبع سماوات، فليس في الأرض مسجد إلا وهو يتلى فيه أناء الليل وآناء النهار، وسقطت قلادتك بالأبواء فاحتبس النبي – صلى الله عليه وسلم – في المنزل والناس معه في ابتغائها، أو قال في طلبها، حتى أصبح القوم على غير ماء، فأنزل الله عز وجل: )فتيمموا صعيدا طيبا( (النساء: ٤٣)، فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك؛ فوالله إنك لمباركة، فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا، فوالله لوددت أني كنت نسيا منسيا»([30]).
فهل بعد هذه البشرى التي بشرها عبد الله بن عباس لأم المؤمنين عائشة يشكك المغرضون في العلاقة بينه وبينها، رضي الله عنهما؟!!
ولله در حسان بن ثابت حين قال فيه:
إذا قال لم يترك مقالا لقائل
بملتقطات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع
لذي إربة في القول جدا ولا هزلا
سموت إلى العليا بغير مشقة
فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا
ونخلص من هذا كله إلى أن الرواية التي استدلوا بها عمدة إسنادها هو أبو مخنف لوط بن يحيى وهو ضعيف رافضي ليس بثقة، ومن ثم فهي رواية ضعيفة لا تصح ولا يجوز الاحتجاج بها.
وكذلك تتضح منزلة ابن عباس السامية في الإسلام فهو من السابقين الأولين الذين رضي الله عنهم، ومن المنصوص على عدالتهم رضوان الله عنهم بأعيانهم فضلا عن تزكيته ضمن النصوص الواردة في الصحابة عامة، ويتبين أيضا بطلان تلك الروايات المفتراة على الصحابة ووهنها في ميزان النقد الحديثي، وبذلك يظهر حمق تلك الدعاوى وتهافت مدعيها.
الخلاصة:
· إن الرواية التي تتهم ابن عباس بسرقة مال البصرة رواية مكذوبة لا تصح؛ لأنها لم ترد في أي من الكتب الصحيحة، وقد نقلها المدعون من كتاب “نهج البلاغة” المنسوب لسيدنا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وقد بين العلماء أن هذا الكتاب ليس من كلام الإمام علي، وإنما هو من كلام بعض الأئمة الروافض؛ لذلك فهذه الرواية ملفقة على سيدنا علي – رضي الله عنه – ولا تصح عنه، ومما يؤكد كذبها أنها لو كانت صحيحة لكانت موجودة قبل هذا المصنف الذي اعتمدوا عليه، ولما لم تنقل قبله علم كذبها.
· كيف نطعن في صحابي جليل اعتمادا على رواية شاذة غير صحيحة، تعارضها أخبار مشهورة صحيحة هي من الكثرة بمكان؟
· لقد أجمع الصحابة والتابعون والعلماء جميعا على جلالة ابن عباس وعدالته الثابتة بالكتاب والسنة، وشدة تعظيمه لحرمات الله، التي تتنافى مع هذا الاتهام.
· لقد كان ابن عباس – رضي الله عنه – أكثر الصحابة علما بما في كتاب الله – عز وجل – وهذا إنما تحقق بفضل دعاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – له في قوله: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل»؛ لذلك كان يطلق عليه، حبر الأمة، وترجمان القرآن.
· إن اتهام ابن عباس بالغلظة مع عائشة رضي الله عنها لا يصح؛ لأن الرواية التي ادعت ذلك رواية موضوعة، إذ عمدة إسنادها أبو مخنف لوط بن يحيى الذي أجمع أئمة النقاد على تضعيفه وتركه.

· مما يبين بطلانها أن ابن عباس عرف عنه أنه كان يجل العلماء ويقدرهم، والسيدة عائشة من أعلم الصحابة فكيف لا يوقرها؟ وكيف يقول لها ذلك، وتقول هي عنه: إنه أعلم الناس بالحج؟ إن العقل السليم لا يقبل هذا أبدا.
· وكذلك شهادة ابن عباس لها رضي الله عنها وهي على فراش الموت، وتبشيره إياها بالجنة؛ لقربها من النبي – صلى الله عليه وسلم – وفضلها على هذه الأمة ينفي عنه هذا القول تماما.
أليست هذه كلها أدلة قاطعة على بطلان ما ادعوه من كذب وبهتان على صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذين زكاهم الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – في القرآن والسنة؟!

[21]. حشية: فرشة.
[22]. انظر: مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري، رسالة ماجستير، يحيى بن إبراهيم اليحيى، ص43: 46، نقلا عن: موقف الشيعة الاثنى عشرية من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، دار أضواء السلف، السعودية، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص1272، 1273.
[23]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (7/ 302).
[24]. ميزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (3/ 419، 420).
[25]. موقف الشيعة الاثنى عشرية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي، دار أضواء السلف، السعودية، ط1، 1426هـ/ 2006م، (3/ 1274، 1275).
[26]. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، د. ت، (4/ 146).
[27]. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب: الفرائض، باب: ما قالوا في تعليم الفرائض، (7/ 324)، رقم (7).
[28]. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1405هـ، (4/ 85).
[29]. الإصابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، د. ت، (4/ 147).
[30]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس، (5/ 90، 91)، رقم (3262). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.







من مواضيعي في المنتدى
»» النائبة مها الدوري تفضح حنان الفتلاوي وشقيقها قائد شرطة الحشاشين
»» كبار الصحوة في الأنبار يكملون عمالتهم بشركيات زيارة مرقد الإمام الكاظم (رض) وخدمة الش
»» عقائد من القرآن أم ابتداع ؟ حوار مع المنيب
»» سلسلة تخريب العراق / الأحزاب الشيعية مافيا سرية
»» الإمامي المختار ومن بعده باقي الإمامية / تحدي زعمكم بعدم صحبة الصديق في الغار