عرض مشاركة واحدة
قديم 27-11-10, 10:04 PM   رقم المشاركة : 2
فهَّاد
من كبار الأعضاء








فهَّاد غير متصل

فهَّاد is on a distinguished road


الرّد :

الحمد لله رب العالمين
اما قوله تعالى:{لاَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}، فيه إثبات النظر، لا نفيه؛ سواء كان الإدراك في الآية بمعنى الإحاطة أو اللحوق، غير إننا نرجح معنى الإدراك في الآية الإحاطة.

معنى الادراك في لغة العرب

قال ابن المنظور الأفريقي: "وفي التنزيل العزَّيز: {لاَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}.

قال أَبو إسحق: أَعْلَمَ اللهُ أنه يُدْرِك الأَبصارَ وفي هذا الإِعلام دليل أنَّ خلقه لا يدركون الأَبصارَ أَي: لا يعرفون كيف حقيقة البَصَرَ وما الشَّيء الذي به صار الإنسان يُبْصِرُ من عينيه دون أن يُبْصِرَ من غيرهما من سائر أَعضائه، فَأَعْلَم أن خَلْقاً من خلقه لا يُدْرِك المخلوقون كُنْهَهُ ولا يُحيطون بعلمه، فكيف به تعالى والأَبصار لا تحيط به وهو اللَّطيف الخبير.

فأمَّا ما جاء من الأَخبار في الرؤْية، وصح عن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فغير مدفوع وليس في هذه الآية دليل على دفعها، لأنَّ معنى هذه الآية: إِدراك الشَّيء والإِحاطة بحقيقته ..."

انظر: لسان العرب، 4/65.

وقال في موضع آخر: "... وأَنشد للأَخطل:

وأَدْرَكَ عِلْمي في سوَاءة أَنها * تقيم على الأَوْتار والمَشْرَب الكدر

أَي: أَحاط علمي بها أَنها كذلك".

أنظر: لسان العرب، 10/422.

وقال العلامة أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي صاحب الأزهري - اللغوي المعروف - ما نصه: "وقوله : {لاَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} أي: لا تحيط به".

انظر: الغريبين في القرآن والحديث، 2/631، مادة (درك).

والعلامة أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي، قد أثنى عليه جمع من العلماء، إذ قال الذهبي: "العلامة أبو عبيد أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي الشافعي اللغوي المؤدب صاحب الغريبين... ... قال ابن خلكان سار كتابه في الآفاق وهو من الكتب النافعة".

انظر: السير، 17/146.

وقال ابن كثير : "أبو عبيد الهروي صاحب الغريبين، أحمد بن محمد بن محمد ابن أبي عبيد العبدي، اللغوي البارع، كان من علماء الناس في الأدب واللغة، وكتابه الغريبين في معرفة غريب القرآن والحديث يدل على إطلاعه وتبحره في هذا الشأن".

انظر: البداية والنهاية، 15/534.
فإن الإدراك بمعنى الإحاطة غير متعدي بالباء , فالعرب لا تعدي الإدراك بالباء و تعني الإحاطة و لكنها تستخدمها غير متعدية كما في الآية الكريمة. فتقول هل أدركت المسألة , هل أدركت الواقع , هل أنت مدرك لما يدور حولك؟

و لو اقتصرنا على اللحوق فكيف نفسر قوله -تعالى- و هو يدرك الأبصار؟ أي فهو يلحق الأبصار؟! هذا باطل. بل هو يحيط بالأبصار

روي أن ابن عباس سئل عن هذه الآية فقال للسائل: ألست ترى القمر؟ قال: بلى، قال: أكله؟ قال: لا. قال: فذلك الإدراك. أي لا ترى القمر كله، إنما ترى ما يقابلك، وأيضاً إنما تراه من بعيد، ولا تتحقق ماهيته، فإذا كان كذلك هل أنت تدري مما هذا القمر؟ ومن أي شيء صنعته؟ ومن أي شيء تركيبه و هل ترابي؟، فإذا كنت لا تراه فإنك لا تدرك ذلك، فنحن نرى القمر ويصل إلينا ضوؤه، ولكن لا ندركه كله، ففرق بين الرؤية و الإدراك.
وعن عكرمة أنه قيل له: {لاَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} قال: ألست ترى السماء؟ قال: بلى. قال: فكلها ترى؟


يدل على ذلك قول الله تعالى: (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى)(طه:77) لا تخاف دركاً، فالدرك هو الإحاطة أي، لا تخاف ضرراً من الكفار ونحوهم.

ولما أسرى ببني إسرائيل وخرج بهم من مصر، وانفصلوا، تبعهم فرعون بجنوده، قال تعالى: (فأتبعوهم مشرقين)(الشعراء:60) (فلما تراءى الجمعان)(الشعراء:61) هؤلاء يرون هؤلاء (قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا)(الشعراء:61-62)، ما المراد بمدركون؟ هل المراد بالإدراك النظر؟ فالنظر حاصل لقوله: (تراءى الجمعان:61)، إذن المراد بالإدراك الإحاطة يعني: إنهم سيحيطون بنا، ويمسكوننا، ولا يتركوننا، ولا ننجوا منهم، فقال: (كلا إن معي ربي سيهدين)(الشعراء:62).
شرح مفصل ....

وأما قضية الرؤية والإدراك افأملك أن نزع الله الفهم من قلبك؟
فالادراك نوع من أنواع الرؤية ، وإذا نفي النوع لم ينتفي الجنس ، ولو رجعنا للغة العربية لوجدنا معنا الإدراك الاحاطة :

وقال ابن منظور في لسان العرب: " الدْرك والدَرَك: أقصى قصر الشيء، زاد التهذيب ونحوه" اهــ.( لسان العرب مادة درك ).

وهذا ابو حيان ينقل لنا في البحر المحيط ما روي عن جمع من العلماء بما فيهم ابن عباس حبر الأمة من أن الإدراك معناه الإحاطة بالشيء، فقال – أبو حيان:- وبذلك فسره هنا ابن عباس وقتادة وعطية العوفي، وابن المسيب، والزجاج، قال ابن المسيب:- لا تحيط به الأبصار، وقال الزجاج- وهو من علماء اللغة الكبار- لا تحيط بحقيقته، والإدراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه، وحوزه من جميع جهاته. اهــ (نفسير البحر المحيطلأبي حيان 3/195).

ويقول الفخر الرازي في التفسير الكبير:-" والرؤية جنس تحته نوعان رؤية مع الإحاطة، ورؤية لا مع الإحاطة، فالأولى هي المسماة بالإدراك، فنفي الإدراك يفيد نفي نوع واحد من نوعي الرؤية، ونفي النوع لا يوجب نفي الجنس، فلم يلزم من نفي الإدراك عن الله تعالى نفي الرؤية عنه تعالى " (تفسير الفخر الرازي 13/138).


فلو سلمنا جدلاً بأن نفي الإدراك قصد في الدنيا - حسب قولكم - فهذا التفسير لا يلزم نفي الرؤية. فقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}، فإعراب قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}؛
لا: النافية،
تدركه؛ تدرك: فعل مضارع مرفوع بالضمة،
الهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به،
الأبصار: فاعل مرفوع بالضمة بالضمة الظاهرة على آخره.

فالإدراك في الآية جاءت على صيغة فعل مضارع {تُدْرِكُهُ}: فالمضارع هو كل فعل يدل على حدث في الحال أو المستقبل.

فقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}، فـ{تُدْرِكُـ} فعل مضارع، والمضارع هو كل فعل يدل على حدث في الحال أو المستقبل، وهذا هو قول الشيخ عبد الغني الدقر، في كتابه "معجم القواعد العربية" إذ قال: "المضارعَ في كَوْنها مُرَاداً بِها الحالُ أو الاسْتِقْبالُ"

انظر: معجم القواعد العربية، معجم القواعد - باب الهَمْزَة - الإضافَةُ اللَّفْظِيَّة)

إذاً، نحن أمام خياران:

الأول: بأن الله يرى في الدنيا، بعلة فعل مضارع هو كل فعل يدل على حدث في الحال... وهذا يخالف عقيدة السلف الصالح ، لذلك هو مرفوض.

أو،

الثاني: بأن الله لا يرى في الدنيا، ويرى في الآخرة، بعلة إن فعل المضارع هو كل فعل يدل على حدث في الحال أو المستقبل.

ونلفت الانتباه إلى الحرف: أو، و "أَوْ" حرف عطف دل على التَّخيير -. فإن الله سبحانه قد نفى أن يُدرك بالأبصار في الدنيا: أي الحال، وبالتالي، قد تحقق الأمر الأول من تعريف المضارع وهو: الفعل الدال على حدث في الحال - وهذا ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية قاطبة، عدا شرذمة انقرضت. وبالتالي، قد ثبتت الرؤية في الآخرة، بعدم رؤية الله في الدنيا فقط. وهذا ما قد أثبته الأئمة الأربعة وجميع السلف الصالح - رضوان الله عليهم. وهذا هو الصواب.

فإن قلت بأن: "لا النَّافِيَة" نفي الاستقبال. قلنا: هذا غير صحيح، فقد قال الشيخ عبد الغني الدقر: "... وقد تكُونُ لِنَفي الحَالِ"

انظر: معجم القواعد العربية، معجم القواعد - باب الفَاء - لا النَّافِيَة.

غير إننا لا نعتمد على تفسير اللغوي للقرآن، وإن كنا نستطيع، لأن الحجة الأمضى هي تفسير القرآن بالأثر، فقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} مثال صالح لذلك، فإنَّ السارق فيه مطلق اليد، فبينت السنّة القولية الأول منهما، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينار بقوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً". أخرجه الشيخان، كما بينت الآخر بفعله - صلى الله عليه وسلم - أو فعل أصحابه وإقراره، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل، كما هو معروف في كتب الحديث، بينما بَيَّنَتْ السنّة القولية اليد المذكورة في آية التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} بأنها الكف أيضاً بقوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "التيمم ضربة للوجه والكفين" أخرجه أحمد والشيخان وغيرهما من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنه -. وللعلم، إن تعريف اليد في اللغة هي: من أعضاء الجسد وهي من المنكب إلى أطراف الأصابع.

أنظر: المحيط.

فقد ثبت في تفسير ابن جرير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} لا تحيط به الأبصار.

وعن قتادة قال: هو أعظم من أن تدركه الأبصار.

وقال عطية العوفي: ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره يحيط بهم، ذلك قوله: {لاَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}.


ثم إن عائشة – رضي الله عنها – استدلت بظاهر الآية في قوله تعالى ((لاتدركه الأبصار)) بنفي العموم كما هو واضح ، ويعرفه الأصوليون فالاية تفيد سلب العموم ولا تفيد عموم السلب ، وكما وضحت لك سابقاً أن الادراك من أنواع الرؤية وإذا نفي الادراك نُفي نوع من انواع الرؤية ولم ينتف الجنس الذي هو عموم الرؤية.

أما عن الحافظ ابن حجر فلو صح ما نسب اليه
فليس عدم علمه بها ينفي عدمها فهو ليس حجة على الدين بل الدين حجة عليه

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي} دليل عليك، وليس لك. فالاستدلال منها على ثبوت رؤيته من وجوه عده، وهي:

الوجه الأول: أنه لا يظن بكليم الله ورسوله الكريم وأعلم الناس بربه في وقته – أن يسأل ما لا يجوز عليه، بل هو عندهم من أعظم المحال.

الوجه الثاني: أن الله لم ينكر عليه سؤاله، ولما سأل نوح - عليه السلام - ربه نجاة ابنه أنكر الله سؤاله، وقال {إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.

الوجه الثالث: أنه تعالى قال {لَن تَرَانِي}، ولم يقل: إني لا أرى، أو لا تجوز رؤيتي، أو لستُ بمرئي. والفرق بين الجوابين ظاهر. ألا يروا أم من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاماً صح أن يقال: أطعمينيه، فالجواب الصحيح: أنه لا يؤكل، أما إذا كان طعاماً صح أن يقال: أنك لن تأكله. وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي، ولكن موسى عليه السلام لا تحتمل قواه رؤيته في الدار، لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى.

الوجه الرابع: وهو قوله {تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} فأعلم الله سبحانه نبيه موسى - عليه السلام - أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في الدار، فكيف بالبشر الذي خُلق من ضعف؟

الوجه الخامس: أن الله سبحانه قادر على أن يجعل الجبل مستقراً، وذلك ممكن، وقد علق به الرؤية، ولو كانت محالاً لكان نظير أن يقول: إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام. والكل عندهم سواء.

الوجه السادس: قوله تعالى {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} فإذا جاز أن يتجلى الله سبحانه للجبل، فالذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله وأوليائه في دار كرامته؟ ولكن الله أعلم موسى عليه السلام أن الجبل إذا يثبت لرؤيته في هذا الدار، فالبشر أضعف.
الوجه السابع: أن الله سبحانه كلم موسى عليه السلام وناداه وناجاه، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه بغير واسطه – فالرؤية أولى بالجواز. ولهذا لا يتم إنكار رؤيته إلا بإنكار كلامه، وقد جمعوا بينهما.

وقد ادعت المعتزلة والمارقة من الخوارج بتأييد نفي الرؤية بقوله تعالى {لَن تَرَانِي} فـ{لَن} تقتضي النفي المؤبد، فرد عليهم الشيخ جمال الدين ابن مالك - رحمه الله - وقال:
ومن رأى النفي بلن مؤبدا = فقوله اردد وسواه فاعضدا

وهذا القول يدل على جهلك الفاضح باللغة التي أنزل فيها القرآن، فالقول بأن {لَن} يدل على دوام النفي في الآخرة فاسد، فإنها لو تقيدت بالتأبيد لا يدل على دوام النفي في الآخرة، فكيف إذاً أطلقت؟ قال تعالى: {لَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} مع قوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها، وقد جاء ذلك، قال تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي} فثبت أن {لَن} لا تقتضي النفي المؤبد. فقول الله تعالى: {لَن تَرَانِي} إن {لَن} هنا تأبيدها إضافي، أي: بالنسبة للدنيا فقط، وفيها تعليل لعدم قدرة موسى على الرؤية.

والدليل على ذلك أن الله تعالى قال عن اليهود: {لَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} أي: الموت في الدنيا، فعلى قولك بأن التأبيد في الدنيا والآخرة، معنى ذلك أنهم لن يتمنوه في الآخرة أيضاً، وهذا باطل مردود بقوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} وذلك عندما استقروا في نار جهنم، هناك تمنوا الموت، وبذلك يبطل الاستدلال على أن {لَن} تقتضي التأبيد في الدنيا والآخرة.

.........................................
اعلم أني لم أجلب لك النصوص القرآنية ، والأدلة العربية ، ولكن اكتفيت ببعض ما هو موجود ، وسوف أسوق لك هنا الأدلة على الرؤية من كتاب الله – عز وجل – منها قوله تعالى (( وجوه يومئذن ناضرة إلى ربها ناظرة )) ، واعلم هنا أنا النظرة إذا تعدت بحرف الجر ((إلى)) تفيد النظر ولا تفيد الانتظار وإليك الأدلة على هذا من كتاب الله – عز وجل - :

1- قتال تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا ) (التوبة).

2- وقال أيضا : ( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) (الانعام)

3- وقال : ( انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ) (الأعراف)

4- وقال : ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) (البقرة)

5- وقال : ( قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ) (طه)
فما رأيك؟
لا أظنك تخالف في ان كل هذه الآيات مقصود بها النظرة وليس الانتظار ن وكلها متعدية ب(إلى) ، فلماذا وافقتم على هذه الآيات ، والآية التي تخالف مذهبكم حاولتم أن تصرفونها عن معناها الحقيقي؟
وقد بترت الأقوال بتراً ، وأخذت طرفاً منها وأبقيت الآخر ، فأخذت ما يدعم قولك ، وتركت ما يهدم قولك ، كالذي قال ((ويل للمصلين)) فسكت ولم يكملها!!

فقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} وقوله: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} وقوله: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}، فالنظر في الآيتين، هو نظر الانتظار، والنظر هنا ليس متعدياً بحرف: "إلى" ومضاف إلى الوجه؛ لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار "إلى" ويعدى إلى الوجه، ألا ترى أن الله تعالى لما قال: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} لم يعدي النظر بـ"إلى" وأضافه إلى الوجه؛ إذ. وقال عز وجل مخبرا عن بلقيس: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}، فلما أرادت الانتظار لم تقل "إلى"، ولم تضف إنتظارها إلى وجهها. فلما قال سبحانه: {وجوهٌ يَومئذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرةٌ} علمنا أنه لم يرد الانتظار، وإنما أراد نظر الرؤية .

انظر: الإبانة، 2/ 40.

فإن للنظر معاني عديدة بحسب صلاته وتعدّيه بنفسه، وليس محصوراً في معنى الانتظار، وإليك تلك المعاني:
1) فإن عدّي بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار كقوله تعالى:{انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}.
2) وإن عدّي بـ "في" فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.
3) وإن عدّي، بـ "إلى" فمعناه الحقيقي: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: {انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ}.

قال أبو منصور الأزهري: "ومن قال: إن معنى قوله: {إلى رَبِّها ناظِرةٌ}: بمعنى منتظرة فقد أخطأ، لأن العرب لا تقول: نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته، وإنما تقول: نظرت فلاناً، أي انتظرته ومنه قول الحطيئة:
وقد نظرتكم أبناءَ صادرةٍ * للوِرْدِ طال بها حوزي وتنساسي

فإذا قلت: نظرت إليه لم يكن إلا بالعين، وإذا قلت: نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكراً وتدبراً بالقلب".

انظر: تهذيب اللغة، 14/371.

فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر، كما في هذه الآية: {وجوهٌ يَومئذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرةٌ} .

ثم، إن أن الفرق بين الانتظار والنظر، لا خلاف فيه عند العقلاء؛ فإن الانتظار تنغيص وتكدير، وأهل الجنة في ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العيش السليم والنعيم المقيم، لذلك يستقيم المعنى بالنظر، لأن النظر إكرام من الله لعباده المؤمنين. وقد سبق أن النظر إذا عدّي بـ "إلى" فمعناه المعاينة بالأبصار كما في سورة القيامة، فكيف وقد أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر.

فقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ}، فيها بيان لما يكرم الله به عباده المؤمنين أصحاب السعادة، وما يجازي به أهل الشقاوة، فإنه سبحانه وتعالى كثيراً ما يقارن في كتابه الكريم بين حال أهل السعادة، وحال أهل الشقاوة في الآخرة، تذكيراً لعباده ليأخذوا بأسباب السعادة، ويجتنبوا أسباب الشقاوة. وبهذا يتضح أن قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} ليست مُفَسّرةً ولا مرادفة لقوله تعالى في سورة القيامة: {إلى رَبِّها ناظِرةٌ} كما تزعم، لأن النظر غير الإسفار، فالنظر يكون بالعين، والإسفار لون يظهر على الوجه.

وقد جاء في آية القيامة: {وجوهٌ يَومئذٍ ناضِرَةٌ} بالبياض والصفاء، {إلى رَبِّها ناظِرةٌ} قال: تنظر في وجه الله.

فقد أخرج عبد بن حميد، والترمذي، والطبري، وغيرهم، وصححه الحاكم من طريق ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة لَمَنْ ينظر في ملكه ألفي سنة، وإن أفضلهم منزلة لَمَنْ ينظر في وجه ربه عزّ وجل كل يوم مرتين. قال: ثم تلا: {وجوهٌ يَومئذٍ ناضِرَةٌ} قال: بالبياض والصفاء، {إلى رَبِّها ناظِرةٌ} قال تنظر كل يوم في وجه الله". لفظ الطبري من طريق مصعب بن المقدام عن إسرائيل عن ثوير".

انظر: تفسير ابن جرير 29/ 193.

وجاء الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حدثني علي بن الحسين ثم ساقه بإسناده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : "إن أدنى أهل الجنة منزلة، لمن ينظر في ملكه ألفي سنة قال: وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه الله كل يوم مرتين"، قال: ثم تلا: {وجوهٌ يَومئذٍ ناضِرَةٌ} قال: بالبياض والصفاء، {إلى رَبِّها ناظِرةٌ} قال: تنظر كل يوم في وجه الله عز وجل".

انظر: تفسير ابن جرير 29/193