شبكة الدفاع عن السنة

شبكة الدفاع عن السنة (http://www.dd-sunnah.net/forum/index.php)
-   الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية (http://www.dd-sunnah.net/forum/forumdisplay.php?f=2)
-   -   المحقق الشيعي حب الله يرد على من يطعن في نسب الفاروق عمر رضي الله عنه / تحقيق تاريخي (http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=165766)

الواثق 30-08-13 02:32 PM

المحقق الشيعي حب الله يرد على من يطعن في نسب الفاروق عمر رضي الله عنه / تحقيق تاريخي
 



بسم الله الرحمن الرحيم .


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن وآلاه , أما بعد :


1- الفاروق عمر رضي الله عنه ليس بحاجة إلى أن يشهد له أحد من المخالفين ولكن من باب ما شهدت به الخصوم , ولكثرة تهكم المخالفين .

2- الأحاديث الصحيحة النبوية في فضل عمر رضي الله عنه تغني عن غيرها وكذا الآثار الصحيحة عن آل البيت رضوان الله عليهم .

3- وقعت على كلام المحقق الشيعي المعروف حيدر حب الله وسأضعه على شكل أجزاء , وقبل هذا أضع رابط موضوع قديم وهو لكاتب سني , ثم بعد ذلك نبدأ بنقل كلام المحقق الشيعي , والنقل لا يعني بالضرورة الموافقة .


( إلقام الحجر لمن طعن في نسب عمر )


والآن مع نقل كلام المحقق حيدر حب الله . .



الواثق 30-08-13 02:37 PM




قال سماحة الشيخ الشيعي حيدر حب الله :


عندما نراجع ما يتصل بهذا القضيّة المحكيّة عن نسب عمر بن الخطاب، فنحن نواجه مجموعة نصوص أساسيّة ـ تمثل النماذج الأبرز ـ لابدّ لنا من المرور عليها والنظر فيها، ونحن نستعرضها للتوضيح والتعليق، ثم نشير إلى ما في كلّ واحدٍ منها، ثم نعلّق في نهاية المطاف:

النصّ الأوّل:

جاء في رسائل الشريف المرتضى ـ عند الحديث عن شرف نسب الإمام علي عليه السلام ـ ما يلي: (وأمّ أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهو أوّل هاشمي ولد في الإسلام بين هاشميّين، وليس في أمّهاته ـ وإن بعدن وعلون ـ من هو من ولد حام. وعرّض السيّد في قوله هذا بعمر بن الخطاب؛ لأنّ صهاك أمّه حبشيّة، وطئها عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، فجاءت بنفيل ابن عبد العزى. هذا في رواية الهيثم بن عدي الطائي وأبي عبيدة معمّر بن المثنى وغيره. وقال قوم آخرون: إنّ صهاك أمّ الخطاب بن نفيل، وخالف آخرون في أمّ الخطاب، وذكروا أنّها من فهم بن عيلان. وأراد السيد فضل [نسب] أمير المؤمنين عليه السلام على نسب من ذكره.

فإن قيل: في ولادة حام معرّة ومنقصة، فكيف تطرّق هذا على كثير من أئمتكم عليهم السلام فقد ولدتهم الإماء، من أبي الحسن موسى إلى صاحب الزمان؟ قلنا...) (رسائل الشريف المرتضى 4: 108).

هذا النصّ يحاول أن يفاضل مفاضلة نَسَبيّة بين عليّ وعمر، فالأوّل أمّه ونسبه أباً وأمّاً من العرب الأقحاح، فيما الثاني أمّه أو جدّته ترجع إلى حام، وسيأتي أنّ صهاك التي ذكروا أنّه ينتسب إليها عمر بن الخطاب كانت أمةً حبشيّة زنجيّة، وأنّ العرب كانت تعيّر بهذا النسب.

ومثل هذا النصّ ما ذكره ابن أبي الحديد، حيث قال: (قدم عمرو بن العاص على عمر وكان والياً لمصر، فقال له: في كم سرت؟ قال: في عشرين، قال عمر: لقد سرت سير عاشق، فقال عمرو: إنّي والله ما تأبطتني الإماء ولا حملتني في غبرات المآلي، فقال عمر: والله ما هذا بجواب الكلام الذي سألتك عنه. وإنّ الدجاجة لتفحص في الرماد فتضع لغير الفحل، وإنّما تنسب البيضة إلى طرقها، فقام عمرو مربد الوجه. قلت: المآلي: خرق سود يحملها النوائح ويسرن بها بأيديهن عند اللطم، وأراد خرق الحيص هاهنا وشبهها بتلك، وأنكر عمر فخره بالأمهات وقال: إنّ الفخر للأب الذي إليه النسب. وسألتُ النقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر فقال: إنّ عمرواً فخر على عمر؛ لأنّ أمّ الخطاب زنجيّة، وتعرف بباطحلي، تسمّى صهاك، فقلت له: وأمّ عمرو النابغة أمةٌ من سبايا العرب، فقال: أمة عربية من عنزة، سبيت في بعض الغارات، فليس يلحقها من النقص عندهم ما يلحق الإماء الزنجيّات...) (شرح نهج البلاغة 12: 39).

ولكن يناقش

أولاً:

لا أرى هذا المنطق منسجماً مع قيم الإسلام، فما أهميّة أن تكون أمّه من هنا أو هناك حتى نبحث في هذه الأمور، بقدر ما الأهميّة هي العلم والكفاءة والتقوى، والملاحظ على كثير من علماء المسلمين وخطبائهم أنّهم ما يزالون يعيشون العقليّة القبليّة والعشائرية والنسبيّة في التفاخر، مع أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم جعل الفخر بالأنساب تحت قدميه،

فقد ورد في الخبر المصحّح عند كثيرين عن محمّد بن حمران، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: (ثلاثة من عمل الجاهلية: الفخر بالأنساب، والطعن في الأحساب، والاستسقاء بالأنواء)، (معاني الأخبار: 326).

وفي صحيحة أبي حمزة الثمالي الطويلة جاء في قصّة جويبر المعروفة أنّ (رسول الله نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة منه له ورقّة عليه، فقال: يا جويبر، لو تزوّجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك، فقال له جويبر: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي من يرغب فيّ؟ فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأيّة امرأة ترغب فيّ؟ فقال له رسول الله: يا جويبر، إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهليّة شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميّهم من آدم، وإنّ آدم خلقه الله من طين، وإنّ أحبّ الناس إلى الله عزّ وجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع..) (الكافي 5: 340).

ثانياً:

إنّ هذين النصّين لا يحكيان عن قضيّة زنا بقدر ما يحكيان عن قضيّة طبيعة النسب والعرق، فلا ربط لهما بالموضوع هنا، ومثلهما نصوص أخَر، نكتفي بهذين النصّين للتعبير عنها.

إنّ نصّ ابن أبي الحديد هذا واضح في أنّ قضية والدة عمر أو جدّته كانت مطروحة في إطار التفاخر، من حيث حبشيتها لا من حيث الزنا. بل إنّ اسم الصهاك لو رصدناه سنجده في هذا الإطار، حيث يقول الزبيدي ما نصّه: ([صهك]: الصّهُكُ، بضَمَّتَيْنِ ويُخَفَّفُ: الجَوارِي السودُ عن أبي عَمْرو، كذا في اللِّسان، وأَهمَلَه الجَوْهَرِيُّ. وقال الصّاغانِيُ: صُهاكُ، كغُرابٍ: من أَعْلامِ النساءِ. وصاهَك: مَدِينَةٌ بفارِسَ) (تاج العروس 13: 602). فالاسم يحكي عن الجارية الزنجيّة السوداء.


تابع .

الواثق 30-08-13 02:40 PM



النصّ الثاني:

ما ذكره علي بن إبراهيم القمّي في التفسير، حيث قال: (وقال علي بن إبراهيم: ثم حرّم الله عزّ وجل نكاح الزواني فقال: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين)، وهو ردّ على من يستحلّ التمتع بالزواني والتزويج بهنّ وهنّ المشهورات المعروفات في الدنيا لا يقدر الرجل على تحصينهنّ، ونزلت هذه الآية في نساء مكة كنّ مستعلنات بالزنا: سارة وحنتمة والرباب، كنّ يغنّين بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فحرّم الله نكاحهنّ، وجرت بعدهنّ في النساء من أمثالهنّ) (تفسير علي بن إبراهيم القمي 2: 96).

ومثل هذا النصّ ما نقله المحدّث النوري (1320هـ) عن نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى، بسنده إلى الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنّه (سُئل عن الرجل يشتري الجارية قد فجرت، أيطؤها؟ قال: نعم، إنما كان يكره النبي صلى الله عليه وآله نسوةً من أهل مكّة، كنّ في الجاهلية تعلن بالزنى، فأنزل الله (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة)، وهنّ المؤجّرات المعلنات بالزنى، منهنّ: حنتمة، الرباب، وسارة، التي كانت بمكّة..) (مستدرك الوسائل 14: 390 ـ 391).

ويمكن التعليق على هذين النصّين:

1 ـ هذا النصّ هو نصّ علي بن إبراهيم وليس رواية، ولا يذكر لنا القمّي الذي كان يعيش في القرن الثالث الهجري، من أين علم بسب نزول هذه الآية في هذه النسوة الثلاثة. كما أنّه لم يصحّ الطريق إلى نوادر الأشعري.

2 ـ صحيح أنّ حنتمة هو اسم أمّ عمر بن الخطاب، لكن لا يوجد ما يؤكّد أنّ حنتمة في هذا النصّ هي نفسها أمّ عمر بن الخطاب، فإنّ هذا الاسم موجود عند العرب متداول.

3 ـ حتى لو ثبت أنّها أمّ عمر بن الخطاب، فهذا لا يثبت كون عمر ابن زنا، فلا تلازم عقلي ولا شرعي بين كون الأمّ متجاهرة بالزنا وبين كون ابنها من الزنا بعد أن كان الولد للفراش وللعاهر الحجر.


تابع . . .

الواثق 30-08-13 02:42 PM



وقد أورد القمّي في التفسير رواية أخرى وهي:

(حدّثنا أبو العباس، قال: حدّثنا يحيى بن زكريا، عن علي بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (ذرني ومن خلقت وحيداً)، قال: الوحيد ولد الزنا وهو زفر) (تفسير علي بن إبراهيم 2: 395).


لكنّ هذه الرواية تعاني من مشاكل:

المشكلة الأولى: إنّ في سندها علي بن حسان، وكذلك عبد الرحمن بن كثير، وهذان الرجلان من أكبر الغلاة الذين ضعّفوا أشدّ التضعيف واتهموا بالوضع والكذب في كلمات علماء الرجال الشيعة، فليراجع.

المشكلة الثانية: إنّ نفس هذه الرواية جاءت في كتب أخرى، ولكن ليس فيها إضافة كلمة (وهو زفر)، مما يعطي احتمالاً في أن تكون هذه الزيادة من الشيخ القمّي بقصد التوضيح أو التطبيق، لا بقصد النقل، فقد أورد الرواية بدون هذه الإضافة الشيخ الطبرسي في (مجمع البيان 10: 179).

الواثق 30-08-13 02:46 PM



النصّ الثالث:

قال السيد بدر الدين الحسيني العاملي (1020هـ) ـ عند حديثه عن ابن شبرمة أحد العلماء السنّة العاملين بالقياس ـ: (فإنّهم كانوا إذا أرادوا التهكّم بشخص لقّبوا أُمّه أو أباه بألقاب بعض الحيوانات أو الأناسي ممّن اشتهر بأمرٍ شنيع، ثمّ نسبوا ذلك الشخص إليه فقالوا: ابن فلان كما قالوا: ابن صهاك، تلقيباً لأُمّه باسم أمةٍ كانت ترعى المواشي لبعض قريش، وربما كانت لا تردّ يدَ لامس، وإنما اسم أُمّه حنتمة بنت هاشم الزُهْري، وكما لقّب جرير أبَ الفرزدق بالقين، وهو الحدّاد، ومثل هذا كثير. وإنّما وقع التلقيب في هذا الحديث للأُمّ دون الأب للتنبيه على أنّه لغيّة لا لرَشْدة، كما أنّهم كانوا يصرّحون باسم الأُمّ دون الأب لذلك كابن هند وابن مرجانة، والله أعلم). (الحاشية على أصول الكافي : 65).

هذا النصّ يوحي بأنّ صهاك ليست لها علاقة بابن الخطاب، وإنّما سمّي بهذا على اسم أمةٍ كانت ترعى المواشي وربما لا تردّ يد لامس، لكنّ نهاية النصّ تعطي إيحاء بتهمة واضحة، لكنّ هذا النص يرجع إلى القرن الحادي عشر الهجري، ولا يقع في سياق إخبار أو حديث، ولا يبيّن مصدره ولا سنده ولا وثائق معلوماته، فلا قيمة له تاريخيّاً ولا حديثيّاً ولا رجاليّاً.


النصّ الرابع:

وهو أحد النصوص الأقدم نسبةً، فقد جاء في كتاب سُليم بن قيس الهلالي: (وقيل للزبير: بايع، فأبى، فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس معهم، فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتى كسروه ثم لببوه. فقال الزبير ـ وعمر على صدره ـ : يا بن صهاك، أما والله لو أنّ سيفي في يدي لحدت عنّي. ثم بايع. قال سلمان: ثم أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها كالسلعة، ثم أخذوا يدي وفتلوها فبايعت مكرهاً. ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمّة مكرهاً غير عليّ عليه السلام وأربعتنا. ولم يكن منّا أحد أشدّ قولاً من الزبير، فإنّه لما بايع قال: يا ابن صهاك، أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم عليّ ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوي بهم وتصول. فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك؟ فقال: ومن صهاك وما يمنعني من ذكرها؟ وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك؟ أوليس كانت أمةً حبشية لجدّي عبد المطلب، فزنى بها جدّك نفيل، فولدت أباك الخطاب، فوهبها عبد المطلب لجدك ـ بعد ما زنى بها ـ فولدته، وإنّه لعبد لجدّي ولد زنا؟ فأصلح بينهما أبو بكر وكفّ كلّ واحد منهما عن صاحبه) (كتاب سليم: 158 ـ 159؛ ونقلتها عنه كتب شيعيّة كثيرة، منها: الطبرسي في الاحتجاج 1: 111؛ والمجلسي في بحار الأنوار 28: 277 وغيرهما).

ويمكن التعليق على هذا النصّ:

أ ـ هذا النصّ واضح جليّ في أنّ والد عمر كان ابن زنا، ولكن ليس فيها أنّ عمر كان ابن زنا.

ب ـ هذا المصدر ـ عنيت كتاب سليم بن قيس ـ لا قيمة تاريخية له، كما حقّقناه في محلّه، وهو الموافق لرأي السيّد الخوئي في هذا الكتاب حيث يقول: (والصحيح أنّه لا طريق لنا إلى كتاب سُليم بن قيس المرويّ بطريق حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عنه، وذلك فإنّ في الطريق محمّد بن علي الصيرفي أبا سمينة وهو ضعيفٌ كذاب) (الخوئي، معجم رجال الحديث 9: 235). وسيأتي منّا تعليقات أخرى تتصل بهذا النصّ أيضاً.


الواثق 30-08-13 02:55 PM




النصّ الخامس:

ما ذكره السيد ابن طاووس (667هـ) حيث قال: (ومن طريف ما بلغوا إليه من القدح في أصل خليفتهم، وأنّ جدّته صهاك الحبشية ولدته من سفاح يعني من زنا، ثم يروون أنّ ولد الزنا لا ينجب، ثم مع هذا التناقض يدّعون أنّه أنجب ويكذبون أنفسهم، ولو عقلوا لاستقبحوا أن يولوا خليفةً، ثم شهدوا أنّه ولد الزنا. فمن روايتهم في ذلك ما ذكره أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي، وهو من رجالهم، في كتاب المثالب فقال ما هذا لفظه في عدد جملة من ولدوا من سفاح: روى هشام عن أبيه قال: كانت صهاك أمةً حبشية لهاشم بن عبد مناف، ثم وقع عليها عبد العزى بن رياح، فجاءت بنفيل جدّ عمر بن الخطاب..) (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: 469؛ وانظر النباطي (877هـ)، الصراط المستقيم 3: 28؛ والقمّي الشيرازي، كتاب الأربعين 577؛ وغيرهما ممّن نقل كلام ابن طاووس. كما نقل كلامَ الكلبي العلامةُ الحلي (725هـ) في كتابه: نهج الحق: 348).

قيمة هذا النصّ أنّه يذكر أنّ هشام بن محمّد الكلبي قد ذكر قصّة السفاح، ويعتبر ابن طاووس أنّ هذا وثيقة على أهل السنّة، وأنّهم ناقضوا أنفسهم في بعض أقوالهم في قضيّة ابن الزنا.

ويمكن التعليق هنا:

أولاً:

سوف يأتي إن شاء الله، أنّ هذا ليس إشكالاً على أهل السنّة، فمجرّد ذكر شخص واحد لهذا الأمر مع عدم ذكر عشرات العلماء والمؤرّخين والرجاليّين وعلماء الأنساب والتراجم ذلك، لا يصلح إشكالاً على أهل السنّة في تهافت مواقفهم كما بيّن السيد ابن طاووس رحمه الله. كما سيأتي تحقيق وجود هذا النصّ عند الكلبي أم لا.

ثانياً:

إنّ الكلبي ـ لو راجعنا موقف علماء أهل السنّة منه ـ متّهم بالتشيّع والرفض، ويضعّفونه أشدّ الضعف، فلا يصحّ والحال هذه أن نقول بأنّ أحد علمائهم قال بذلك، ثم نحتجّ عليهم بشخص منبوذ عندهم مضعّف متهم بالتشيّع، فطريقة السيد ابن طاووس غير موفقة بالشكل الكافي. والغريب أنّك تجد الكثير من الشيعة يفتخر بهشام بن محمّد بن السائب الكلبي الذي هو مصدر المعلومة (لأنّه صاحب كتاب أمهات الخلفاء وكتاب المثالب، بينما والده هو الذي تفرّد بالتأليف في التفسير) والناقل الرئيس للخبر عن والده، وتعتبر بأنّه من علماء الشيعة، فيما هنا يوضع في مصافّ علماء أهل السنّة، فقد وضع بعضَ كتبه في كتب الشيعة العلامةُ الطهراني في (الذريعة 1: 273، 320، 323 ـ 324، 325، 326، 328، 329، 331، 339، 343، وغيره كثير كثير)، وجعله السيّد محسن الأمين من الشيعة في (أعيان الشيعة 1: 154، 155)، وغير ذلك، وافتخر به السيد حسن الصدر في أنّه أوّل من ألّف من الشيعة في (الأوائل) فراجع: (الشيعة وفنون الإسلام: 102)، بل قد وصفه النجاشي في (الرجال: 434) بأنّه (كان يختصّ بمذهبنا). وترجمه في كتابه المخصّص لترجمة المؤلّفين من الشيعة، فكيف نقول بعد هذا بأنّ مصدر المعلومة هو سنّي المذهب؟! هذا خطأ واضح.

ثالثاً:

إنّ هذا النصّ يدل على كون جدّ عمر بن الخطاب هو ابن زنا على أبعد تقدير، وليس عمر بن الخطاب نفسه، كما صار واضحاً.

الواثق 30-08-13 02:58 PM




النصّ السادس:

ما ذكره محمّد طاهر القمي الشيرازي (1098هـ)، حيث قال: (ونقل صاحب كتاب مطالع الأنوار، وهو علي بن عبد النبي الطائي القطيفي، عن كتاب الملل والنحل، قال: كانت صهاك أم عمر أمةً لهاشم، وقيل: أمةً لعبد المطلب، انتقلت إلى هشام بن المغيرة، وكان هشام هذا يتهمها بالمسافحة، فيلبسها سراويل من الجلود ويقفل على تكّة السراويل قفلاً من حديد، وكانت ترعى له إبلاً، فنظر إليها نفيل عبد من عبيد قريش، وراودها عن نفسها ووقع عليها، فطاوعته واعتذرت عليه بالسراويل، فخلا بها في مرعى الإبل، وعلّقها بشجرة حتى ارتخى لحمها، وجرّ السراويل قليلاً قليلاً بعد مشقّة، وأقام معها مدّة هكذا يفعل ومولاها لا يعلم، فحملت منه الخطاب ووضعته سرّاً. فلما أدرك البلوغ نظر إلى أمّه صهاك، فأعجبه عجيزتها، فوثب عليها وفجر بها مراراً، فحملت منه ووضعت بنتاً، فلما ولدتها خافت من مولاها، فلفّتها في ثوب وألقتها بين أحشام مكة، فوجدها هشام بن المغيرة، قيل: إنّه مولاه، وقيل غيره، فحملها إلى منزله ورماها عند خدمه، فربّتها وسمّيت حنتمة، فلما بلغت نظر إليها الخطّاب، فسافحها فأولدها عمر، فكان الخطاب أباه وجدّه وخاله، وكانت حنتمة أمّه وأخته وعمّته..) (كتاب الأربعين: 576).

ويمكن التعليق:

1 ـ إنّ هذا النصّ أكثر تفصيلاً ووضوحاً في بيان تسلسل الأحداث، وهذه هي الرواية التي تجعل عمر ابن زنا، ولكن لديّ سؤال: ما دامت وضعتها سرّاً كيف عرف الراوي لهذه القصّة كلّ تلك المعلومات؟ ومن هو الذي تأكّد من هذه الأحداث المتسلسلة التي تفصل بينها سنوات طويلة حتى يكبر الصغير ويشيب الكبير؟ لو أخبرنا نبيّ معصوم بهذا الخبر لصدّقنا وقلنا أعلمه الله به، لكنّ سياق الحديث لا يفهمنا من أين عرف الراوي ـ الذي لم نعرف حتى اسمه ـ كلّ هذه التفاصيل، وليس في النصّ أنّه قد قصّ عليه القصّة صهاك أو الخطاب أو حنتمة أو أيّ شخص آخر، فكيف يمكن الاعتماد على مثل هذا النقل من شخص يرجع إلى القرن الحادي عشر الهجري؟

2 ـ لم نعرف ما هو كتاب الملل والنحل؟ وأيّ كتاب يقصد؟ لكن راجعنا ما توفر من كتب الملل والنحل فلم نعثر على هذا الكلام، والعلم عند الله.

الواثق 30-08-13 03:04 PM



النصّ السابع:

وهو كلام العلامة المجلسي (1111هـ)، حيث قال: (قال العلامة ـ نوّر الله ضريحه ـ في كتاب كشف الحق، وصاحب كتاب إلزام النواصب: .. وروى الكلبي ـ وهو من رجال أهل السنّة ـ في كتاب المثالب، قال: كانت صهاك أمةً حبشية لهاشم بن عبد مناف، فوقع عليها نفيل بن هاشم، ثم وقع عليها عبد العزى بن رياح، فجاءت بنفيل جدّ عمر بن الخطاب. وقال الفضل بن روزبهان الشهرستاني في شرحه ـ بعد القدح في صحّة النقل ـ: إنّ أنكحة الجاهلية ـ على ما ذكره أرباب التواريخ ـ على أربعة أوجه: المرأة، وربما كان هذه من أنكحة الجاهليّة. وأورد عليه شارح الشرح رحمه الله بأنه لو صحّ ما ذكره لما تحقّق زنا في الجاهلية، ولما عدّ مثل ذلك في المثالب، ولكان كلّ من وقع على امرأة كان ذلك نكاحاً منه عليها، ولم يسمع من أحد أنّ من أنكحة الجاهلية كون امرأة واحدة في يوم واحد أو شهر واحد في نكاح جماعة من الناس. ثم إنّ الخطّاب ـ على ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب ـ ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن القرط بن زراح بن عدي بن كعب القرشي، وأمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. قال: وقد قالت طائفة في أمّ عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة، ومن قال ذلك فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، والحرث بن هشام المغيرة، وليس كذلك، وإنّما هي بنت عمّه؛ لأنّ هشام بن المغيرة والحرث بن المغيرة أخوان لهاشم والد حنتمة أمّ عمر، وهشام والد الحرث وأبي جهل. وحكى بعض أصحابنا عن محمّد بن شهرآشوب وغيره: أنّ سهاك كانت أمةً حبشية لعبد المطلب، وكانت ترعى له الإبل، فوقع عليها نفيل فجاءت بالخطّاب، ثم إنّ الخطاب لما بلغ الحلم رغب في صهاك فوقع عليها فجاءت بابنة فلفّتها في خرقة من صوف ورمتها خوفاً من مولاها في الطريق، فرآها هاشم بن المغيرة مرميّةً فأخذها وربّاها وسمّاها: حنتمة، فلما بلغت رآها خطاب يوماً فرغب فيها وخطبها من هاشم فأنكحها إيّاه فجاءت بعمر بن الخطاب، فكان الخطّاب أباً وجدّاً وخالاً لعمر، وكانت حنتمة أمّاً وأختاً وعمّة له، فتدبّر. وأقول: وجدت في كتاب عقد الدرر لبعض الأصحاب روى بإسناده، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن ابن الزيات، عن الصادق عليه السلام أنه قال: كان صهاك جارية لعبد المطلب، وكانت ذات عجز، وكانت ترعى الإبل، وكانت من الحبشة، وكانت تميل إلى النكاح، فنظر إليها نفيل جدّ عمر فهواها وعشقها من مرعى الإبل فوقع عليها، فحملت منه بالخطّاب، فلما أدرك البلوغ نظر إلى أمّه صهاك فأعجبه عجزها فوثب عليها فحملت منه بحنتمة، فلما ولدتها خافت من أهلها فجعلتها في صوف وألقتها بين أحشام مكة، فوجدها هشام بن المغيرة بن الوليد، فحملها إلى منزله وربّاها وسمّاها بالحنتمة، كانت من شيمة العرب من ربّى يتيماً يتخذه ولداً، فلما بلغت حنتمة نظر إليها الخطاب فمال إليها وخطبها من هشام، فتزوّجها فأولد منها عمر، وكان الخطاب أباه وجدّه وخاله، وكانت حنتمة أمّه وأخته وعمّته. وينسب إلى الصادق عليه السلام في هذا المعنى شعر:

من جدّه خاله ووالده * وأمّه أخته وعمّته
أجدر أن يبغض الوصي وأن * ينكر يوم الغدير بيعته
انتهى.

وقال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السلام: لم يسهم فيه عاهر، ولا ضرب فيه فاجر.. في الكلام رمز إلى جماعة من الصحابة في أنسابهم طعنٌ، كما يقال: إنّ آل سعد بن أبي وقّاص ليسوا من بني زهرة بن كلاب، وإنهم من بني عذرة من قطحان، وكما يقال: إنّ آل زبير بن العوام من أرض مصر من القبط، وليسوا من بني أسد بن عبد العزى. ثم قال: قال شيخنا أبو عثمان في كتاب (مفاخرات قريش): .. بلغ عمر بن الخطاب أنّ أناساً من رواة الأشعار وحملة الآثار يقصبون الناس ويثلبونهم في أسلافهم، فقام على المنبر، فقال: إياكم وذكر العيوب والبحث عن الأصول، فلو قلت لا يخرج اليوم من هذه الأبواب إلا من لا وصمة فيه لم يخرج منكم أحد. فقام رجل من قريش ـ نكره أن نذكره ـ فقال: إذا كنت أنا وأنت ـ يا أمير المؤمنين ـ نخرج! فقال: كذبت، بل كان يقال لك: يا قين ابن قين، اقعد!. قلت: الرجل الذي قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان عمر يبغضه لبغضه أباه خالداً، ولأنّ المهاجر كان علويّ الرأي جداً، وكان أخوه عبد الرحمن بخلافه، شهد المهاجر صفّين مع علي عليه السلام وشهدها عبد الرحمن مع معاوية، وكان المهاجر مع علي عليه السلام يوم الجمل،

وفقئت ذلك اليوم عينه، ولأنّ الكلام الذي بلغ عمر بلغه من المهاجر، وكان الوليد بن المغيرة ـ مع جلالته في قريش وكونه يسمّى: ريحانة قريش، ويسمّى: العدل، ويسمّى: الوحيد ـ حداداً يصنع الدروع بيده، ذكر ذلك فيه ابن قتيبة في كتاب المعارف. وروى أبو الحسن المدائني هذا الخبر في كتاب أمهات الخلفاء، وقال: إنّه روي عند جعفر بن محمد عليهما السلام بالمدينة، فقال: لا تلمه يا ابن أخي، إنّه أشفق أن يحدج بقصّة نفيل بن عبد العزى وصهاك أمة الزبير بن عبد المطلب، ثم قال: رحم الله عمر، فإنّه لم يَعْدُ السنّة، وتلا: (إنّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم). انتهى) (بحار الأنوار 31: 98 ـ 102؛ وانظر السيد ناصر حسين الهندي (1361هـ) في كتابه: إفحام الأعداء: 55؛ وابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 11: 67 ـ 70؛ وغيرهم أيضاً).

ويمكن لنا التعليق على هذا الكلام كلّه، بغير ما تقدّم، وذلك:

أولاً:

إنّنا نجد ـ لو قارنّا النصوص المتقدّمة ـ أنّ صهاك مرةً أمةً لهاشم بن عبد مناف، وأخرى أمةً لعبد المطلب، ومرّة هي أمّ عمر، وأخرى هي جدّته، ومرّة حملت بنفيل جدّ عمر، وأخرى حملت بالخطاب والد عمر، ففي المنقولات التاريخية هنا تهافتات تستحقّ التوقّف.

ثانياً:

لست أدري كيف عرف القصّاصون كلّ هذه التفاصيل وأنّ الخطاب لما بلغ الحلم رغب في صهاك فوقع عليها فجاءت بابنة فلفّتها في خرقة من صوف ورمتها خوفاً من مولاها في الطريق، فرآها هاشم بن المغيرة مرميّةً فأخذها وربّاها وسمّاها: حنتمة، فلما بلغت رآها خطاب يوماً فرغب فيها وخطبها من هاشم فأنكحها إيّاه فجاءت بعمر بن الخطاب. إنّ هذه التفاصيل تعني مرور أكثر من عشرين إلى ثلاثين سنة على حوادث متعاقبة، فإذا لفّتها بخرقة ورمتها فكيف عرفوا أنّ هذه المرمية على الطريق هي نفس تلك التي لفّتها بخرقة، إنّ هذه التفاصيل تحتاج لمصادر نقل متعاضدة أو مصدر معصوم مخبر من الله تعالى، وإلا فبهذه الطريقة من الصعب الاقتناع بها وتحصيل اطمئنان تاريخي فيها، إذ لا شيء يضمن أنّها ليست شائعات أتت في زمن لاحق.

ثالثاً:

أمّا ما نقله المجلسي عن بعض الأصحاب عن ابن شهر آشوب، فالظاهر أنّ المجلسيّ نفسه لم يره مباشرةً، ولا ندري أين قال ابن شهر آشوب هذا الكلام، فالموجود بين أيدينا من كتبه ليس فيه هذا النص، وربما يكون موجوداً في كتاب المثالب المنسوب إليه، والله العالم.

الواثق 30-08-13 03:08 PM




رابعاً:

أمّا الرواية عن الإمام الصادق في عقد الدرر:

أ ـ فإضافةً إلى مجهوليّة صاحب الكتاب، حتى أنّ العلامة المجلسي لا يذكر اسمه (ويحتمل أنّه كتاب عقد الدرر في تاريخ وفاة عمر، المسمّى بالحديقة الناضرة، والذي احتمل الشيخ الطهراني في (الذريعة 15: 289) نسبته إلى الشيخ حسن بن سليمان الحلّي. كما يحتمل أنّه كتاب عقد الدرر في تاريخ قتل عمر، للسيد مرتضى بن داود الحسيني المعاصر للعلامة المجلسي).

ب ـ وإضافةً إلى أنّه لا نعلم كيف حصل المجلسي على هذا الكتاب لأنّه وجادة، بحيث لا نعرف الطريق الذي تمّ وصول نسخة هذا الكتاب إلى المجلسي لنتأكّد من صحّته والوثوق به أم لا، لاسيما في العصر الصفوي الذي كثرت فيه الوجادات غير المعتبرة.

ج ـ فضلاً عن هذا كلّه، لا نعرف طريق صاحب عقد الدرر إلى عليّ بن ابراهيم القمّي المتوفى في القرن الثالث الهجري، وكيف وصلته هذه الرواية من القمّي رغم عدم نقل أحد لها على الإطلاق فيما بأيدينا عن القمّي، مع أنّ ما بأيدينا من روايات القمّي المبثوثة في الكتب الحديثية المختلفة هو بالآلاف؟! والأشدّ جهالةً من هذه الرواية تلك الرواية الأخيرة عن الصادق عليه السلام؛ فإنها مجهولة المصدر والسند تماماً.

خامساً: إنّ في النفس شيئاً كثيراً مما أثير حول التشكيك في أنساب بعض العرب وقبائلهم وعشائرهم، كيف والعرب من الأمم التي تعظّم الأنساب وتهتمّ بها إلى أبعد الحدود والجدود، وكانت ترفض بشدّة تداخل الأنساب وتشوّه نسب القبيلة، فكيف يجري الحديث عن التهديد بفضح أنساب العرب وأنّهم لو فضحوا ما بقي أحدٌ في المسجد أو في المكان المجتمعين فيه؟ ومثل هذه الرواية منقول عن النبي أيضاً، وأنّه هدّد بفضح أنساب العرب، فلو كان يعلم بعدم صحّة الأنساب فكيف حكم بترتيب الأحكام الشرعيّة من المحرّمية والإرث والأنكحة وغير ذلك؟ إنّني أحتمل أن تكون قضيّة التشكيك في أنساب العرب من وضع الشعوبيّة في فترة زمنية معينة.

سادساً: إنّ كتاب (أمّهات الخلفاء) للمدائني لا يعلم بوجوده، ولم نجد أحداً ذكره في غير هذه النصوص هنا، ولعلّه كتاب أمهات الخلفاء لهشام بن محمد بن السائب الكلبي (206هـ) نفسه، كما ذكره ابن النديم في (الفهرست: 110)، وربما أدرج فيه عين ما أدرجه في المثالب هناك، فليس شيئاً جديداً، وقد أقرّ بذلك محقّق كتاب بحار الأنوار نفسه (بحار الأنوار 31: 102، الهامش رقم 5). ولا نجد كتاب أمّهات الخلفاء لغير الكلبي سوى ما هو موجود عند مثل الزركلي في (الأعلام 4: 255)، من نسبة كتاب بهذا الاسم لابن حزم الأندلسي.

والمتحصّل أنّ مصادر العلامة المجلسي لا ترقى إلى مستوى تصحيح فكرة الزنا المتكرّر الذي حصل مع صهاك وحنتمة.

هذا، وقال الشيخ علي النمازي الشاهرودي (1405هـ): (صهاك الحبشيّة: هي أمة لعبد المطلب، فزنى بها نفيل فولدت الخطاب (والد عمر)، فوهبها عبد المطلب له بعد ما زنى بها، كما قاله زبير بن العوام ونقله سليم بن قيس.. فلما كبر الخطّاب زنى بأمّه الصهاك فولدت بنتا اسمها حنتمة. فلما كبرت عند من أخذها صغيرة خطبها الخطاب فولدت عمر) (مستدركات علم رجال الحديث 8: 585).

إنّ كلام الشيخ النمازي مصدره ـ كما هو واضح ـ كتاب سُليم والنصوص المتقدّمة، وليس فيه أيّ جديد، فما ذكرتموه في سؤالكم من أنّه مصدر شيعي ليس صحيحاً، فالنمازي الشاهرودي متوفّى قبل حوالي الثلاثين سنة فقط، ومثل هذا الشخص لا نقول عن كتابه بأنه مصدر شيعي، بل المصدر لمعلوماته هو كتاب سليم وما تقدّم ليس إلا.


الواثق 30-08-13 03:12 PM



النصّ الثامن:

كلام النسابة هشام بن محمّد بن السائب الكلبي (206هـ) في كتاب مثالب العرب، فقد وجدناه يشير للموضوع في موضعين:

الموضع الأول:

وهو تحت باب من تديّن بسفاح الجاهليّة، ويقول فيه: (هشام عن أبيه قال: كانت صهاك أمةً حبشية لهاشم بن عبد مناف، فوقع عليها فجاءت بنضلة بنت هاشم، ثم وقع عليها عبد العزى بن رباح فجاءت بنفيل جدّ عمر بن الخطاب، ثم وقع عليها ربيعة بن الحرث بن حبيب بن حذيمة فجاءت بعمرو بن ربيعة.. (قال هشام بن محمد الكلبي): وأمّ الخطاب بن نفيل حبشيّة، يقال لها حنتمة، أمة لجابر بن حبيب الفهمي، وهم ينسبونها أنّها ابنته) (مثالب العرب: 88 ـ 89).

الموضع الثاني:

وهو تحت باب أبناء الحبشيّات قال: (فمن قريش نضلة بن هاشم بن عبد مناف، لا عقب له أمّه صهاك، ونفيل بن عبد العزى بن رباح.. أمّه صهاك، وعمرو بن ربيعة بن الحرث من بني عامر بن لؤي، أمّه صهاك. فأمّ هؤلاء صهاك حبشيّة كانت لهاشم بن عبد مناف، والخطاب بن نفيل أمّه حبشيّة كانت لجابر بن حبيب الفهمي..) (مثالب العرب: 103).

لو لاحظنا كلا هذين النصين العمدة، سنجد ما يلي:

1 ـ ليس هناك أيّ إشارة إلى أنّ أمّ عمر بن الخطاب قد أتت به من الزنا، بل غاية ما في النصّ أنّ جدّ عمر بن الخطاب ـ وهو نفيل ـ كانت أمّه صهاك، فليس في كلام الكلبي أيّ شيء حول ولادة عمر نفسه من الزنا.

2 ـ إنّ النصين يميزان بين صهاك وحنتمة، فصهاك هي أمّ جدّ عمر، فعمر هو ابن الخطاب بن نفيل، وأمّ نفيل هي صهاك المتّهمة، أمّا حنتمة فهي امرأة أخرى كانت أمةً لجابر الفهمي، وليس هناك أيّ حديث عن ارتباطها بموضوع صهاك. وأمّا قوله (وهم ينسبونها أنّها ابنته) فهو واضح في رجوعه لجابر بن حبيب الفهمي، إذ هو الأقرب والأوفق باللغة العربية، فهو يريد أن يقول بأنّ جابر بن حبيب كانت حنتمة أمته، وليست ابنته، خلافاً لما توهّموا، ولا يرجع الكلام إلى الخطاب حتى يقال بأنّ حنتمة هي ابنة الخطاب، فيكون الخطاب أباً لعمر وأخاً له في الوقت عينه، فهذا غريب عن الدلالة خلافاً لما حاوله الشيخ نجاح الطائي في تعليقته على المثالب للكلبي (ص 89، هامش رقم 1).

3 ـ لم يرشدنا الكلبي المتوفى عام 206 هـ إلى مصدر معلوماته سوى والده محمّد بن السائب (146هـ)، وهو رجل نصّ ابن داوود الحلي على كونه مهملاً (الرجال: 172)، ولم يذكره أحد من علماء الرجال الشيعة السابقين بتوثيق أو مدح، فيما ضعّفه السنّة جدّاً. ولو نظر الإنسان في كتاب مثالب العرب لرأى معلومات وفيرة جدّاً تدين الكثير من الناس، بطريقة ليس من السهل الحصول على معلومات فيها؛ لكثرتها.

وعلى أيّة حال، لو تأملنا ودرسنا الموضوع بشكل مسهب، لوجدنا أنّنا أمام مصدرين أساسيّين للمسألة:

الأوّل هو كتاب سُليم بن قيس الهلالي،

والثاني هو كتاب مثالب العرب للكلبي النسّابة،

ولم يذكر أحد من الذين طرحوا الموضوع إحالة مباشرة لكتاب مثالب العرب للكلبي، ومصدر معلوماتهم في ذلك هو كلام السيد ابن طاووس تارةً، والعلامة الحلّي أخرى، وكشكول الشيخ البحراني (ج 3: 212 ـ 214) ثالثة، وقد نسب البحراني النصّ كالتالي: (روى محمد بن السائب الكلبي النسابة في كتابه مثالب العرب، وأبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي النسابة، في كتابه الصلابة في معرفة الصحابة، وصاحب كتاب التنقيح في النسب الصريح، بإسنادهم إلى ابن سيابة عبد الله في نسب عمر بن الخطاب). فهذا كلام الشيخ البحراني المتوفى عام (1186هـ)، وليس نصّاً مباشراً من أحد من هؤلاء الثلاثة. علماً أنّ صاحب كتاب المثالب هو هشام الكلبي ابن محمد وليس محمداً.

ولو سلّمنا كلّ هذا، فما هو طريق هذه الكتب إلى عبد الله بن سيابة؟ وما هو طريق عبد الله بن سيابة إلى القصّة؟ وكيف عرفها بكلّ هذه التفاصيل وهو يعيش في أواسط القرن الثاني الهجري، حيث كان في عصر الإمام الصادق كما يذكر الشيخ الطوسي؟ بل عبد الله بن سيابة رجل مجهول الحال إماميّاً لم يوثقه أحد في علم الرجال (انظر: معجم رجال الحديث 11: 228)، كما أنّه مهمل عند أهل السنّة، فمصدر المعلومة ـ وفقاً لنصّ الشيخ البحراني ـ راوٍ شيعي وليس من أهل السنّة، فلاحظ جيّداً.

كما أنّني بعد المراجعة لم أعثر على اسم عبد الله بن سيابة في القصّة التي نقلها الكلبي في المثالب، فلعلّ الشيخ البحراني نقل عن كتاب آخر للكلبي؛ لأنّ القصّة التفصيلية التي تقدّمت في بحار الأنوار وغيره ونقلها البحراني أيضاً لم أعثر عليها في مثالب العرب للكلبي، وما رأيته للكلبي فيه لا ذكر لعبد الله بن سيابة فيه. وأشير أيضاً إلى أنّ ما نقلتموه عن كتاب الصلابة لأبي مخنف ـ مع ذكر رقم الجزء والصفحة ـ ليس صحيحاً؛ فهذا الجزء وهذه الصفحة هما للبحراني في الكشكول، وهو الذي نقل عن الثلاثة هناك، لا لأبي مخنف، فليلاحظ جيداً.


الساعة الآن 02:52 PM.

Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "