شبكة الدفاع عن السنة

شبكة الدفاع عن السنة (http://www.dd-sunnah.net/forum/index.php)
-   الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام (http://www.dd-sunnah.net/forum/forumdisplay.php?f=7)
-   -   حاجة الداعى والمجاهد والمربى وطالب العلم لفقه المصالح والفاسد (http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=171262)

مسلم 70 23-05-14 02:53 PM

حاجة الداعى والمجاهد والمربى وطالب العلم لفقه المصالح والفاسد
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

ليس الفقيه من يعلم الخير من الشر ولكن الفقيه من يعلم خير الخيرين وشر الشرين

كلمات تكتب بالألماس...... ما أحوجنا إليها
وكم أضر بديننا وصحوتنا الإسلامية الجهل بفقه المصالح والموازنات


حاجة الداعية و طالب العلم والمجاهد والفقيه لفقه المصالح والمفاسد

سافر موسى صلى الله عليه وسلم وقطع القفار ليصل للخضر عليه السلام حتى يتعلم ثلاث مسائل لها تعلق بالأساس بقاعدة مراعاة المصالح والمفاسد


عقد النبى صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية وسماه الله فتحاً فى كتابه

(إنا فتحا لك فتحاً مبيناً )

وكان كله علمٌ وفقهٌ فى باب مراعاة المصالح والمفاسد
حتى لم يفطن
لهذا عمر رضى الله عنه فقال علاما نعطى الدنية فى ديننا
فقال بعد ما نزلت الأية ... أوفتح هو؟؟؟

قال فعملت
لذالك أعمالاً...

والله يعلم وأنتم لا تعلمون



فقه المصالح والمفاسد



للشيخ: فالح بن محمد الصغير

مدخل:
(الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها ومن ثم يجب على الدعاة مراعاة المصالح والمفاسد في الدعوة بما يحقق أعلا المصالح ويدرأ أعظم المفاسد).
قال الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: (والشريعة مبناها وأساسها يقوم على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد, وهي عدل كلها, ورحمة كلها, ومصالح كلها, وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور, وعن الرحمة إلى ضدها, وعن المصلحة إلى المفسدة, وعن الحكمة إلى البعث, فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل)(1).
وهذه قاعدة من أعظم القواعد العاصمة بإذن الله لمسيرة الدعوة والداعية من المزالق، والمخاطر، والانحراف غلوًا أو تقصيرًا، وفي الوقت نفسه من أعظم القواعد لاستمرار الدعوة وسلامتها.
ولذلك نفصل الكلام عنها بشيء من التفصيل في الكلمات الآتية:
* أهمية هذه القاعدة للدعاة:
إن مراعاة فقه الموازنة بين الصالح والمفاسد من الأمور المهمة التي ينبغي لكل داعية أن يتعلمها خاصة في هذا الزمان, لعظم الحاجة إليها, ولأن الدعاة فيها بين إفراط وتفريط, فطائفة لم تعتد بالمصالح الراجحة فخالفت بذلك النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وطائفة تساهلت في اعتبار المصالح وتوسعت في استعمالها على حساب النصوص الشرعية الواضحة فلم تراع (فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد) ووفق الله طائفة فتوسعت بين هاتين الطائفتين فعملت (بفقه الموازنة بن المصالح والمفاسد) في ضوء نصوص الكتاب والسنة مراعية في ذلك الأصول والضوابط الشرعية مستفيدة من فهوم العلماء المحققين من سلف الأمة
ضابط تحديد المصلحة والمفسدة:
ينبغي التنبه إلى أن المراد بالمصالح والمفاسد ما كانت كذلك في حكم الشرع لا ماكان ملائماً ومنافراً للطبع, ولا يكون تقريرها وفق أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ودرء مفاسدها العادية(2).
من الذي يحدد المصلحة والمفسدة؟
ثم النظر في تقدير المصالح والمفاسد وتقريرها والترجيح بينها يحتاج إلى:
1- تقوى لله صادقة. 2- وتبصرة علمية نافذة. 3- معرفة بالواقع واسعة, ليتمكن الداعية من تحقيق مقصود الشريعة التي (جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين, وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما, وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما)(3).
وعلى هذا يتأكد أن:
1- أن تحديد المصلحة من المنظور الشرعي لا المنظور العقلي المجرد, أو الهوى أو نحو ذلك.
2- أن الذي يحدد المصلحة هو العالم الشرعي المتصف بالصفات السابقة من التقوى والعلم, وإدراك الواقع.
وهذا كلام أحسب أنه من النفائس.
* ضوابط الموازنة بين المصالح والمفاسد:
إن الدعاة إلى الله وهو يعيشون واقع الدعوة ويحملون همومها قد يرون في واقع الحياة العملي تصادماً بين حكمين شرعيين على نحو يعجز معه المكلف عن الجمع بينهما, فيضطر إلى اختيار أحدهما وإعطائه الأولوية التنفيذية.
وهذا التقديم كتقديم حكم على آخر في عالم الامتثال لا يكون عشوائياً, بل يجب أن يكون وفق ضوابط, وهي بمثابة قوانين يستنير بها المكلف في ترجيح حكم على آخر ليخرج من الزحمة التي وقع فيها.
وإذا استحضرنا كثرة التزاحمات التي يقع فيها المسلم في عصرنا أدركنا أهمية الضوابط في حياتنا العملية, ويمكن تصنيفها إلى ما يلي:
الضابط الأول: الأكثر مصلحة أولى بالتقديم من الأقل مصلحة.
إذا تزاحمت مصلحتان لزم المكلف الحفاظ على المصلحة الراجحة والتضحية بالمصلحة المرجوحة, فيما إذا عجر عن الجمع بينهما وصيانتهما معاً.
وليس معنى هذا أن المصلحة المرجوحة التي أهدرت, لم تعد مصلحة, ولكن معناه أن المكلف لم يتمكن من الجمع بينهما وبين المصلحة الراجحة, فضحى بها مضطراً لأن الشرع والعقل يحكم بلزوم الحفاظ على المصلحة العليا, ولو أدى إلى تفويت الأدنى.
والمصلحة المفوتة في هذه الحال لم تعد مطلوبة, لذا فإن تركها لأجل تحصيل المصلحة الراجحة, لا يعتبر تركاً لمطلوب شرعي(4).
ومن النصوص الدالة على هذا الضابط:
1- قال تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين)(5).
روى مسلم من حديث النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام, إلا أن أسقي الحاج, وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام, إلا أن أعمر المسجد الحرام, وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم, فرجهم عمر وقال: لاترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو يوم الجمعة, ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيه فيما اختلفتم فيه, فأنزل الله تعالى:(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.....)(6).
ففي هذه الآية يبين الله تعالى أن أعمال الحج من العمارة والسقاية والرفادة والسدانة, لا تساوي الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله فالإيمان بالله والجهاد في سبيل إعلاء كلمته, أعظم درجة عند الله من أعمال الحج, وما عظم ثواب الإيمان والجهاد على ثواب الحج, إلا بسبب كثرة منافعهما, وهنا بيان لأن كل ما ذكر من الأعمال الصالحة إلا أن عند الموازنة بقدر الأكثر منفعة. وقد يكون هذا وقت وهذا في وقت. وهكذا.
2- قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفضيل الجهاد وتقديمه على التطوع بالنوافل في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن سلمان رضي الله عنه: (رباط بوم خير من صيام شهر وقيامه, وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان)(7).
وهذا التقديم الشرعي للعمل بناء على كثرة المنفعة فيه, يتمشى مع طبيعة الإنسان التي تميل إلى الأكثر منفعة.
قال العز بن عبد السلام: (واعلم أن تقديم الأصلح فالصالح... مركوز في طبائع العباد... فلو خيرت الصبي الصغير بين اللذيذ والألذ لأختار الألذ, ولو خير بين الحسن والأحسن لأختار الأحسن, لا يقدم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح أو شقى متجاهل لا ينظر إلى ما بين المسرتين من تفاوت)(8).
لذلك تتابعت أقوال العلماء على هذا الضابط:
قال ابن القيم: (وقاعدة الشرع والقدر تحصيل أعلى المصلحتين وإن فات أدناهما)(9), وقال العز بن عبد السلام: (إذا تعارضت المصلحتان وتعذر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قدمت)(10).
وقال بدران أبو العينين بدران: (التعارض بين المصالح يوجب الموازنة بينهما فإن ثبت أن إحداهما أهم من الأخرى لزم إهدار المهم محافظة على الأهم)(11).
ومن الأمثلة التي ذكرها ابن القيم لهذا الضابط:
1- أن السهر بعد العشاء ذريعة إلى تفويت قيام الليل, فإن عارضه مصلحة راجحة كالسهر في العلم ومصالح المسلمين لم يكره(12).
2 – وفيها: تأخير الحد لمصلحة راجحة, إما من حاجة المسلمين إليه, أو من خوف ارتداده ولحوقـه بالكفار, وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة كما يؤخر عن الحامل والمرضع, وعن وقت الحر والبرد والمرض فهذا لمصلحة المحدود, فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى(13).
ومن الأمثلة في تطبيق هذه القاعد في الدعوة إلى الله تعالى:
1- لو تزاحمت وسيلتان أحدهما أكثر نفعاً من الأخرى ككلمة وعطية لعدد قليل من الناس, أو درس علمي مستمر لا شك أنه يقدم الدرس, مع عدم إهمال الأخرى.
2- عند تزاحم عملين لدى داعية من الدعاة كأن يواصل عمل في الإغاثة, أو يتركه لخطبة وهو لا يجيدها, في تطبيق هذه القاعدة أن يواصل عمله الذي يجيده ولا يتركه لعمل آخر يقوم به غيره.
3- عند تعارض تربيته لأولاده مع وعظه العام وبخاصة إذا كان يتطلب سفراً بعيداً عن أهله فتطبيق هذه القاعدة أنه يترك السفر ويجتهد في تربية أولاده.
* الضابط الثاني: الأكثر مفسدة أولى بالدرء من الأقل مفسدة.
إذا تزاحمت مفسدتان أو سيئتان بتعبير شيخ الإسلام ابن تيمية, ارتكب أخفهما بدفع أشدهما, وهذا الدرء للمفسدة الكبيرة باحتمال الصغيرة – كما يقول العز بن عبد السلام – طبيعة بشرية(14) لذا فقد اعتبر التشريع الإلهي هذه الطبيعة البشرية في كثير من أحكامه، ومن الأدلة على ذلك:
أ- قال تعالى في شأن القتال في الأشهر الحرم مبيناً أن القتال فيها أقل مفسدة من الصد عن سبيل الله: ((يسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (15).
فقد أنكر الكفار على المسلمين استباحة الأشهر الحرم والقتال فيها, فرد الله عليهم قائلاً: نعم القتال فيها كبير الإثم والجرم, ولكن الاعتداء على المسلمين والإسلام بالصد عن سبيل الله وقتل المسلمين وفتنتهم في دينهم وإخراجهم من ديارهم, كل هذا وغيره أعظم مفسدة وأكبر جرماً عند الله من انتهاك حرمة الأشهر الحرم بالقتال فيها, وإذا كان كذلك فإن القتال فيها ضروري وواجب لدرء هذه المفاسد الكبيرة.
ب- وقال سبحانه حكاية عن الخضر مع موسى عليهما السلام: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ...), إلى قوله: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً)(16).
فدفع مفسدة غصب الملك السفن بمفسدة أخف, وهي خرق السفينة, واحتمل مفسدة قتل الولد ليدفع مفسدة إرهاق والديه طغياناً وكفراً التي هي أعظم واشد من قتله.
وأما من السنة, فمنها:
أ- ما أخرجه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم, ولكن من رضي وتابع, قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ماصلوا)(17), قال ابن القيم في تعليقه على هذا الحديث:
(إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله, فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ماهو أنكر منه, وأبغض إلى الله ورسوله, لا يسوغ إنكاره, وإن الله يبغضه, ويمقت أهله, وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم, فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر, ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل, وعدم الصبر على منكر, فطلب إزالته, فتولد ما هو أكبر منه, ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه, كما وجد سواء)(18).
ب- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس, فقال لهم النبي صلى الله عليه: (دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء - أو ذنوباً من ماء- فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)(19).
إن بول الأعرابي مفسدة لكنها أخف مما قد يصيبه من مرض بسبب قطع بوله, لهذا قال الإمام النووي معلقاً على هذا الحديث: (فيه دفع أعظم الضرر باحتمال أخفهما لقوله صلى الله عليه وسلم: (دعوه) لمصلحتين:
إحداهما: أنه لو قطع عليه بوله لتضرر وأصل التنجس قد حصل, فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به.
والثانية: أن التنجس قد حصل في جزء يسير من المسجد, فلو أقاموه أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد)(20).
وباستقراء هذه الأحكام وغيرها توصل علماء الشريعة إلى صياغة القاعدة التالية:
(إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما) وتفيد هذه القاعدة القطعية أنه إذ اجتمعت مفسدتان دفعت دفعت العليا بالتزام الدنيا (لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة, ولا ضرورة في حق الزيادة) بل (الضرر لايزال بمثله)(21) وما بالك بما فوقه, وإذا كان (الضرر يزال)(22) بما دونه, فإن هذا الدون من المفسدة المرتكب في هذه الحالة معفو عنه باعتباره حالة اضطرارية يرتفع معها الإثم(23).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمها إلا بفعل أدناهما, لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة ... حتى وإن سمى هذا الفعل محرم... ويقال في مثل هذا... فعَل محرَّم للمصلحة الراجحة أو للضرورة أو لدفع ما هو حرام)(24) بل ما رتكبه من المفسدة يعتبر مصلحة من حيث إنها تدفع مفسدة أكبر ما كانت تدفع لولا ارتكاب المفسدة الصغرى.
ومن الأمثلة التي ذكرها ابن القيم لهذا الضابط:
أنك إذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب, أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد, وإلا كان تركهم على ذلك خيراً من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلاً لهم عن ذلك, وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها, وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال, والسحرة فدعه وكتبه الأولى, وهذا باب واسع(25).
ومن أمثلة تطبيق هذه القاعدة في المجال الدعوي ما يلي:
عند إنكار المنكر، فلو أنكرت على الأبناء في البيت تقصيرًا في صلاة الجماعة، أو عمل محظور شرعي، ثم أدى بهم هذا الإنكار إلى أن يخرجوا من البيت ويختلطوا بالفساق، فتركهم على ما هم فيه أو من الإنكار، وكما يطبق هذا على الأولاد في البيت يطبق في المجتمع بعامة كما أشار ابن القيم رحمه الله.
* * *
* الضابط الثالث: الجهة الغالبة أولى بالتقديم عند تزاحم المصالح مع المفاسد.
إن كل مصلحة لا تخلو من مفسدة وكل مفسد لا تخلو من مصلحة, فلا توجد مصلحة خالصة ولا مفسدة خالصة في أي فعل من الأفعال, لذا كان الحكم للجهة الراجحة.
وعلى هذا الاعتبار تأسست الأحكام الشرعية لأنها تنظم حياة الناس في الدنيا, والدنيا لا يتمحض فيها الخير كما لا يتمحض فيها الشر.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: (جميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم, قد تحصل لصاحبه به منافع ومقاصد, لكن كانت مفاسدها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله عنها, كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة, لكن لما كانت مصلحته راجحه على مفسدته أمر به الشارع فهذا أصل يجب اعتباره)(26).
وقال الشيخ السعدي: (إن الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة, ولا ينهى إلا عما مفسدته ومضرته خالصة أو راجحة, ولا يشذ من هذا الأصل الكبير شيء من أحكامه)(27) إلا أن المفسدة التي قد تتخلل الأوامر الشرعية والمنفعة التي قد تتضمنها النواهي الشرعية غير مقصودة للشارع , وإنما يقصد الجهة الراجحة من المصلحة أو المفسدة.
وجريا مع هذا الميزان الشرعي الذي يراعي الجانب الأقوى فإنه إذا تزاحمت المصالح مع المفاسد فإن الحكم للجهة الغالبة, إما للمصلحة وإما للمفسدة, فإن كانت المفسدة أكبر درأناها, وإن كانت المصلحة أكبر جلبناها.
وفيما يلي بعض النصوص الشرعية لهذا الضابط:
1- قال تعالى في شأن الخمر والميسر: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)(28)
إن في الخمر والميسر منافع ومفاسد, إلا أن مفاسدهما أكبر, لذا كان تحريمها أولى, لأن المعول عليه في التحريم هو غلبة الضرر على النفع, وقد ذكروا أن منافع الخمر تتمثل في الربح التجاري وفي الالتذاذ بشربها, ومنافع الميسر تتمثل في أخذ أموال الغير بلا مقابل وبلا تعب, إلا أن هذه المنافع تقابلها أضرار كثيرة فيهما فرجحت كفة التحريم(29).
2- وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن نقض بيت الله الحرام وإعادة بنائه على أساس إبراهيم عليه السلام, لأن المصلحة في إعادة بنائه عارضها مفسدة أكبر متمثلة في امتناع قبول بعض المسلمين ذلك لحداثة عهدهم بالكفر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم –قال ابن الزبير بكفر- لنقضت الكعبة, فجعلت لها بابين باب يدخل الناس وباب يخرجون)(30).
قال ابن القيم رحمه الله: (لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام, عزم على تغيير البيت, ورده على قواعد إبراهيم, ومنعه من ذلك –مع قدرته عليه- خشية وقوع ماهو أعظم منه مع عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام, وكونهم حديثي عهد بكفر)(31).
3- كما امتنع صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين, فقد ابتلي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة بالمنافقين, ورغم أن كيدهم ومكرهم كان يفوق كيد ومكر الكفار فقد امتنع صلى الله عليه وسلم عن قتلهم لكي لا يقال إن محمداً يقتل أصحابه, ولأن قتلهم ذريعة إلى النفور من الإسلام, فهذه المفاسد أكبر من مصلحة قتلهم.
وباستقراء مثل هذه الأحكام فهم الفقهاء أن مقصود الشارع عند تزاحم المصالح مع المفاسد, إنما يتحقق بمراعاة الجانب الأغلب.
قال ابن تيمية رحمه الله: (القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت, فإنه يجب ترجيح الراجح منها... فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له, فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته)(32).
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: (تقديم المصالح الراجحة على المفاسد المرجوحة محمود وحسن, ودرء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن)(33).
وقال الشاطبي: (فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب, فإذا كان الغالب جهة المصلحة فهي المصلحة المفهومة عرفاً, وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عرفاً)(34).
ومن خلال هذه الأدلة وتلك الأقوال ترى ثبوت هذا الضابط, وهو ضابط مهم خصوصاً في عصرنا الذي يندر فيه أن تجد مصلحة دون أن تزاحمها مفسدة, نظراً لغلبة الهوى وامتناع كثير من الناس عن الاستضاءة بنور الوحي, فيجد المسلم نفسه في مواقف كثيرة محرجاً, تتجاذبه جهتان متناقضتان: جهة الدين الذي يحرم عليه كذا وجهة الدنيا التي تقعسه عن هذا الواجب.
بل إن التزاحم بين المصالح والمفاسد قد يكون داخل الجهة الواحدة بأن تتزاحم مصلحة دينية مع مفسدة دينية أو مصلحة دنيوية مع مفسدة دنيوية, إلا أن تزاحم ما هو دنيوي مع ما هو أخروي هو الذي يقلق الناس المتدينين كثيراً لخوفهم من ارتكاب المحظور الشرعي, لذا فإن امتلاك موازين الترجيح في المواقف التي يتزاحم فيها الصلاح بالفساد أمر مهم بالنسبة للمسلم وخاصة الدعاة, وإلا بقي دائماً محتاراً لا يدري ماذا يقدم وماذا يؤخر.
وهذه الموازين هي نفسها موازين الترجيح بين المصالح المتفاوتة أو بين المفاسد المتفاوتة.
ومن الأمثلة التطبيقية لهذا الضابط:
1- أن إذا كانت كفة المصلحين مرجوحة فلا ينبغي الخروج على أئمة الجور, لأن البقاء تحت ظل حكم جائر يخل بمصالح حاجية, بينما الخروج عليه يفوت مصالح ضرورية, إذ سيؤدي إلى إتلاف نفوس الثائرين, لذا يحسن بالفئات المصلحة في الأمة أن تهتم بالدعوة كما حصل لبعض الفرق الإسلامية التي خرجت على أئمة الجور فتسببت بخروجها في أضعاف أضعاف ماكانوا عليه من الجور, والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن(35).
2- ومن الأمثلة التطبيقية أيضاً في وسائل الدعوة ما سبق من مثال: المشاركة في بعض وسائل الإعلام المتضمنة لكثير من المفاسد, فمما ينبغي دراسة الأمر في واقع المصالح المرجوة والمفاسد المترتبة عليها, وأي جهة غلبت يعمل به.
3- ومن الأمثلة أيضاً: بعض المشاريع المشتركة مع غير المسلمين مثل المشاريع الإغاثية فهذه أيضاً خاضعة لجرد المصالح والمفاسد الآتية والمستقبلية, وقد لا تأخذ حكمًا مطردًا لكن ينبغي التأكيد على توضيح المصالح والمفاسد بوضوح ليبنى الحكم بناءً سليماً, ويتخذا الموقف السليم.
* الضابط الرابع: جهة المفسدة أولى بالدرء عند تساوي المصالح مع المفاسد.
إذا تساوت المصالح مع المفاسد, فإن تمكنا من تحصيل المصلحة ودرء المفسدة في آن واحد فحسن, وإن لم نتمكن من الجمع بين التحصيل والدرء, قدمنا دفع المفسدة على جلب المصلحة ولو نجم عن ذلك حرمان من منافع عملا بقاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)(36).
ومن الأمثلة التي ذكرها العلماء لهذه القاعدة:
أ‌- دفع الموت عن النفس بموت الغير, كأن يهدد شخص بالقتل إن لم يقتل غيره, فهنا تساوت مصلحة الحفاظ على النفس مع مفسدة إزهاق نفس الغير, لكن بما أن القتل مجمع على تحريمه, والصبر مطلوب في حق من أكره على على ذلك, فإن درء قتل الغير مقدم على درء قتل النفس(37).
ب‌- إذا كان تصرف الجار في ملكه يؤدي إلى إيذاء جيرانه كاتخاذ فرن يؤذيهم بدخانه أو معصرة يؤذيهم برائحتها أو مطحنة تؤذي بضجيجها, منع من ذلك, لأن في هذه الأعمال مصالح حاجية لنفسه, ولكنها تؤدي إلى مفاسد مخلة بحاجات جاره, والمفاسد إذا تزاحمت مع المصالح وكانت في درجة واحدة درئت المفاسد.
ومن الأمثلة على تطبيق هذه القاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح, في الدعوة ووسائلها:
1- عند وجود ابن أو تلميذ أو أي مدعو متساهل في بعض الأحكام الشرعية وعند أمره أو نهيه سيتعدى أذاه إلى الآخرين, فهنا تترك مصلحة دعوته وأمره لأنها ستؤدي إلى مفسدة عظمى وهي التعدي على الآخرين, فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
2- عند استخدام وسائل متأرجحة بين الحل والحرمة من المستجدات للدعوة, مثل بعض الأناشيد التي لا تختلف على الأغاني المحرمة إلا بأشياء يسيرة, لكن عند استخدامها ستؤدي إلى مفاسد منها: فتنة المشاهدات, أو المستمعات, والتساهل في الوصول إلى الأغاني المحرمة, فلا شك أن المصلحة المدعاة هنا باستخدامها تترك بسبب المفاسد المترتبة عليها فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
* * *
وبناء على ما سبق فعلى الدعاة إلى الله تعالى التحلي بهذا الفقه العظيم فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد لأن ذلك يجعل الداعية يحصل في دعوته مصالح عظيمة, ويدفع مفاسد كثيرة.
وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية, والمفسدة الشرعية, فقد يدع واجبات, ويفعل محرمات, ويرى ذلك من الورع, كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعاً, ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة أو فجور, ويرى ذلك من الورع(38).
* النتائج المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة.
إن غياب فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد عند بعض الدعاة طلبة العلم, جعلهم يفعلون أموراً فيجلبون بها مفاسد, ويفوتون مصالح, وهو يظنون أنهم يحسنون صنعا.
فكم من مصلحة فاتت, أو مفسدة أحدثت باسم الدعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أو باسم الإنكار على أهل البدع.
فانظر إلى الذين كانوا يقتلون ويؤذون المسلمين والمسلمات والمعاهدين باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الجهاد –كما زعموا- فكم سببوا من مفاسد, وكم فوتوا من مصالح, وحسبك من مفسدة كبرى وهي الصد عن الإسلام والمسلمين, وحسبك من تفويت مصلحة كبرى, وهي عدم تقدم الدعوة إلى الله(39).
وبناء على ذلك يمكن ذكر بعض النتائج السلبية المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة:
1- تفويت مصالح عظمى ومن أعظمها عدم وصول الإسلام الحق إلى الناس.
2- حصول مفاسد كبرى من القتل والاعتداء على الأعراض والأموال وهذا ظاهر بوضوح لمن تأمل في أساليب من ينتهج التغيير بالقوة.
3- تمييع الدين والتساهل فيه وتتبع الرخص وهذا ظاهر فيمن غلب المصالح الجزئية على ماهو أكبر, ولم يتحمل مخالفة الناس عند رؤيته لغلبة الفسق وأصحابه.
4- عدم الوصول إلى النتائج الإيجابية المثمرة المرجوة لاختلاط المفاهيم وتضارب الأعمال, وتناقض المناهج, وذلك لغلبة النظرة الأولية في تقدير المصالح والمفاسد.
5- اختلال المفاهيم الشرعية لأن النظرة لم تكن مبنية على الفهم السليم للنصوص الشرعية والقواعد العلمية.
6- وضع الأدلة الشرعية في غير موضعها الصحيح ولي أعناقها, وإغفال بعضها وبخاصة مالم يوافق ما يريده المستدل, وهذا ظاهر عن تأمل في بعض المناهج الدعوية عند اتخاذ موقف أو نازلة من النوازل والدارس للمواقف حول الأحداث الأخيرة في البلاد الإسلامية يدرك هذا بوضوح.
7- تأخر الدعوة – بمفاهيمها الشمولية وأفرادها- ورجوعها إلى الوراء نتيجة قيامها على عدم التوازن في المصلحة والمفسدة.
8 – خروج قيادات دعوية، ومفتين غير مؤهلين وذلك لعدم فقههم التطبيقي لهذه القاعدة فيضلون ويضلون.
* * *
وأخيراً: أقول: إن من أعظم ما تحتاجه الدعوة في هذا الوقت ومن أعظم ما يحتاجه الدعاة دراسة هذه القاعدة بتأمل وتدبر, وبفهم وتطبيق, وأن يعمل لذلك البرامج والدورات النظرية والتطبيقية, وإذا كان علماؤنا وأسلافنا بذلوا جهوداً جباره في إبراز هذه القاعدة وتطبيقها في الأحكام, فعلى علماء هذا العصر ودعاته أن يستفيدوا من ذلك الجهد بالتطبيق في الواقع الدعوي كي تسير السفينة إلى ساحل النجاة.
لا أزعم أن هذه الصفحات كافية وإنما هي بيان للأهمية.
وقد ذُهلت عندما قرأت بعض الرسائل والمقالات التي أدت ببعض المنتهجين للتغيير بالقوة إلى إلغاء هذه القاعدة, بل والتقليل من شأنها, فتساءلت ماذا يريد هؤلاء وأمثالهم؟؟!.
والذهول نفسه أو قريب منه لمن يغلب المصالح الجزئية أو الفردية أو لا يزيد عمله ودعوته وفق المصالح والمفاسد الشرعية فانتهجوا منهج التساهل غير المنضبط فأدّى بهم إلى تغيير كثير من الأحكام بل إلى السخرية من بعضها كمن يرى أن بعض الأحكام الشرعية كالاهتمام بأمر اللباس أو اللحية أو حجاب المرأة أو التساهل في التشبه بالكفار قشور لا يجب النظر إليها.
ويبقى كلمة أخيرة وهي إجابة على سؤال مهم، وهو سؤال تطبيقي وهذا السؤال يقول: مَنْ الذي يقدر المصالح والمفاسد، أو غلبة أحدهما على الآخر؟ والجواب هم أهل الفقه والنظر والعلم والدراية والخبرة بعد الاستعانة بأهل الاختصاص إذا كانت القضية أو المسألة تحتاج إلى مختصين.
وبناء على هذا فليس لكل من سلك طريق الدعوة مؤهل لهذا النظر، ولا سيما في الحوادث الكبرى، والنوازل العظمى التي تعم الأمة بأكملها. كما حدث في الحوادث الكبرى في هذا الزمن وأحدثت تأثيرًا عظيمًا تباينت فيه الآراء واستعجل مستعجلون حسبوا أنهم على فقه ودراية، ولمزوا غيرهم، وتعالت أصواتهم وأثرت على الناس، وما أن يذهب وقت وإلا ويستبين لهم قبل غيرهم أن نظر أهل العلم كان هو الحق والصواب، وما أوتوا هم إلا من قبل استعجالهم وقلة نظرهم وضعف تقديرهم للمصالح والمفاسد.
من كتاب: قواعد منهجية في الدعوة إلى الله


* * *
(1) إعلام الموقعين: (3/3).
(2) الموافقات: (2/37-40).
(3) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: (20/48).
(4) فقه الأولويات: ص 197,198.
(5) سورة التوبة: 19.
(6) أخرجه مسلم, كتاب الإمارة, باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى, رقم (4871).
(7) صحيح مسلم, كتاب الإمارة, باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل, رقم: (4938).
(8) قواعد الأحكام: (1/7).
(9) إعلام الموقعين: (3/279).
(10) قواعد الأحكام: (1/60).
(11) أصول الفقه: ص30.
(12) إعلام الموقعين: (3/191).
(13) إعلام الموقعين: (3/9).
(14) انظر: قواعد الأحكام: (1/7).
(15) سورة البقرة: (227).
(16) سورة الكهف: (79 - 82).
(17) صحيح مسلم, كتاب الإمارة, باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع, رقم (1854).
(18) إعلام الموقعين: (3/6-7) بتصرف.
(19) أخرجه البخاري, كتاب الوضوء, باب صب الماء على البول في المسجد, رقم (220).
(20) شرح النووي على صحيح مسلم: (3/190).
(21) مجلة الأحكام العدلية, مادة (25).
(22) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 83
(23) فقه الأولويات ص214.
(24) مجموع الفتاوى (20/57).
(25) إعلام الموقعين (3/7).
(26) الفتاوى الكبرى (1/265).
(27) الرياض الناضرة والحدائق النيرة ص230.
(28) سورة البقرة 219.
(29) انظر: تفسير ابن كثير (1/373).
(30) أخرجه البخاري, كتاب العلم, باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في اشد منه (126).
(31) إعلام الموقعين (3/6-7).
(32) الاستقامة (2/216).
(33) قواعد الأحكام (1/4).
(34) الموافقات (2/26).
(35) فقه الأولويات ص227, إعلام الموقعين (3/59).
(36) انظر: الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/105) وللسيوطي ص97, ولابن نجيم ص 90.
(37) قواعد الأحكام (1/79-83).
(38) مجموع الفتاوى (10/512), (30/193).
(39) انظر: منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر ص37.


بعيد المسافات 23-05-14 07:51 PM

يزاك الله خير اخوي مسلم :7::7::7:

مسلم 70 24-05-14 06:45 PM

بارك الله فيك اخى الكريم

مسلم 70 27-05-14 12:33 PM

تعليق هام جداً على قوله

ضابط تحديد المصلحة والمفسدة:
ينبغي التنبه إلى أن المراد بالمصالح والمفاسد ما كانت كذلك في حكم الشرع لا ماكان ملائماً ومنافراً للطبع, ولا يكون تقريرها وفق أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ودرء مفاسدها العادية(2).
من الذي يحدد المصلحة والمفسدة؟
ثم النظر في تقدير المصالح والمفاسد وتقريرها والترجيح بينها يحتاج إلى:
1- تقوى لله صادقة. 2- وتبصرة علمية نافذة. 3- معرفة بالواقع واسعة, ليتمكن الداعية من تحقيق مقصود الشريعة التي (جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين, وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما, وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما)(3).
وعلى هذا يتأكد أن:
1- أن تحديد المصلحة من المنظور الشرعي لا المنظور العقلي المجرد, أو الهوى أو نحو ذلك.
2- أن الذي يحدد المصلحة هو العالم الشرعي المتصف بالصفات السابقة من التقوى والعلم, وإدراك الواقع.
وهذا كلام أحسب أنه من النفائس.
انتهى كلام الشيخ مفلح حفظه الله

تلاعب الشيطان بالمسلم ومكائده وتلبيس فتن الشبهات عليه لتضليله لشيخ الإسلام ا بن تيمية وابن القيم
ونردف إن يسر الله تعالى بكلام للعلماء فى ه
ذا الموضوع إن شاء الله...
أو فى موضوعنا من درر إمامى الهدى
كيف تلاعب الشيطان بالأمة حتى فرقها شيعاً وتلاعب بنا نحن أبناء الصحوة الإسلامية؟

قال الله تعالى إخبارا عن عدوه إبليس : فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين [ الأعراف: 17 ]

قال طبيب القلوب ابن القيم رحمه الله بتصرف ....
فى كتابه المتحف إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان


ومن مكايده أنه يسحر العقل دائما حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين له الفعل الذى يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء، وينفر من الفعل الذى هو أنفع الأشياء له، حتى يخيل له أنه يضره، فلا إله إلا الله. كم فتن بهذا السحر من إنسان، وكم حال به بين القلب وبين الإسلام والإيمان والإحسان؟ وكم جلا الباطل وأبرزه فى صورة مستحسنة، وشنع الحق وأخرجه فى صورة مستهجنة؟ فهو الذى سحر العقول حتى ألقى أربابها فى الأهواء المختلفة والآراء المتشعبة، وسلك بهم فى سبل الضلال كل مسلك وألقاهم من المهالك فى مهلك بعد مهلك،


فالأقوال الباطلة مصدرها وعد الشيطان وتمنيه، فإن الشيطان يمنى أصحابها الظفر بالحق وإدراكه، ويعدهم الوصول إليه من غير طريقه، فكل مبطل فله نصيب من قوله: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُوراً} [النساء: 120].

إخراج العبد إما لإفراط أو لتفريط..
ومن كيده العجيب: أنه قيم النفس، (أى إستشمها) حتى يعلم أى القوتين تغلب عليها: قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة؟.


فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام أخذ فى تثبيطه وإضعاف همته وإرادته عن المأمور به، وثقله عليه، فهون عليه تركه، حتى يتركه جملة، أو يقصر فيه ويتهاون به.
وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أ
خذ يقلل عنده المأمور به، ويوهمه أنه لا يكفيه، وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة فيقصر بالأول ويتجاوز بالثانى، كما قال بعض السلف: "ما أمر الله سبحانه بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلوّ. ولا يبالى بأيهما ظفر".
وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل فى هذين الواديين: وادى التقصير، ووادى المجاوزة والتعدى. والقليل منهم جدا الثابت على الصراط الذى كان عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه.
فقوم قصر بهم عن الإتيان بواجبات الطهارة، وقوم تجاوز بهم إلى مجاوزة الحد

وكذلك قصر بقوم فى حق الأنبياء وورثتهم حتى قتلوهم، وتجاوز بآخرين حتى عبدوهم.

وقصر بقوم فى خلطة الناس حتى اعتزلوهم فى الطاعات، كالجمعة والجماعات والجهاد وتعلم العلم، وتجاوز بقوم حتى خالطوهم فى الظلم والمعاصى والآثام.

وكذلك قصر بقوم حتى منعهم من الاشتغال بالعلم الذى ينفعهم، وتجاوز بآخرين حتى جعلوا العلم وحده هو غايتهم دون العمل به.

وقوم قصر بهم عن إخراج الواجب من المال، وقوم تجاوز بهم حتى أخرجوا جميع ما فى أيديهم وقعدوا كَلا على الناس، مستشرفين إلى ما بأيديهم.

وقوم قصر بهم عن تناول ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب واللباس حتى أضروا بأبدانهم وقلوبهم، وقوم تجاوز بهم حتى أخذوا فوق الحاجة فأضروا بقلوبهم وأبدانهم.

وقصر بآخرين حتى زين لهم ترك سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من النكاح فرغبوا عنه بالكلية، وتجاوز بآخرين حتى ارتكبوا ما وصلوا إليه من الحرام.

وقصر بقوم حتى أهملوا أعمال القلوب ولم يلتفتوا إليها وعدوها فضلا، أو فضولا، وتجاوز بآخرين حتى قصروا نظرهم وعملهم عليها، ولم يلتفتوا إلى كثير من أعمال الجوارح،
وهذا
باب واسع جداً لو تتبعناه لبلغ مبلغا كثيراً، وإنما أشرنا إليه أدنى إشارة.

....طفق قلمه السيال رحمه الله ينضح بفصول من تلاعب الشيطان ببنى آدم ...فليراجع فإنه هام جداً

... قال...

(
إن الشيطان ملحاح بطيء اليأس، وهو يترصد للمؤمن ويقعد له في طريق سيره إلى الله ثم ينصب له فخاخاً وأشراكا، لا يتدلى إلى الأدنى إلا إذا عجز عن الأعلى، فيبدأ له بنصب فخ الشرك والكفر فإن نجا منه، نصب له شَرك البدعة، فإن جاوزه أعد له شَبكة الكبائر، فإن تخطاه أعد له شَرك الصغائر، فإن نجا شغله بالمباح، فإن عجز ترصد وكمن له في عقبة العبادات المفضولة، فشغله بها وحسنها بعينه وزينها له و أراه ما فيها من الفضل والربح ليشغله بها عما هو أفضل منها وأعظم كسباً وربحا، لأنه لمّا عجز عن تخسيره أصل الثواب طمع في تخسيره كماله وفضله ودرجاته العالية، فشغله بالمرضي عن الأرضى له، فيشغله بطلب علم الكفاية عن فرض العين من الجهاد، ويزين له جهاد الدعوة وقد انفتح باب جهاد السيف على مصراعيه).


ومن كيده للإنسان
:
أنه يورده الموارد التى يخيل إليه أن فيها منفعته، ثم يُصْدِرهُ المصادر التى فيها عطبه، ويتخلى عنه ويسلمه ويقف يشمت به،


بإختصار شديد من كتاب إغاثة اللهفان التى لا غنى لمسلم عنه



قال شيخ الإسلام مجموع الفتاوى مجلد 14
بتصرف....

فالعبد كما أنه فقير إلى اللّه دائماً ـ فى إعانته وإجابة دعوته وإعطاء سؤاله وقضاء حوائجه ـ فهو فقير إليه فى أن يعلم ما يصلحه وما هو الذي يقصده ويريده،.....إلى أن قال ...ولكن هذا المجمل لا يغنيه إن لم يحصل له هدى مفصل فى كل ما يأتيه ويذره من الجزئيات التى يحار فيها أكثر عقول الخلق، ويغلب الهوى والشهوات أكثر عقولهم لغلبة الشهوات والشبهات عليهم .
والإنسان خلق ظلوما جهولا، فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر، فيحتاج دائماً إلى علم مفصل يزول به جهله، وعدل فى محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وأكله وشربه ونومه ويقظته، فكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى علم ينافى جهله، وعدل ينافى ظلمه، فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل وإلا كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم،

فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية فى سعادته ونجاته وفلاحه، بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر، فإن الله يرزقه، فإذا انقطع رزقه مات، والموت لابد منه، فإذا كان من أهل الهدى به كان سعيداً قبل الموت وبعده، وكان الموت موصلا إلى السعادة الأبدية، وكذلك النصر إذا قدر أنه غلب حتى قتل فإنه يموت شهيداً، وكان القتل من تمام النعمة، فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق، بل لا نسبة بينهما؛ لأنه إذا هدي كان من المتقين { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2، 3 ] ، وكان ممن ينصر الله ورسوله، ومن نصر الله نصره الله، وكان من جند الله، وهم الغالبون؛ ولهذا كان هذا الدعاء هو المفروض .(أى:: اهدنا الصراط المستقيم)

ومن موانع قبول العبد الهدى وتمكن الشيطان من إضلاله
قال..
...وسبب عدم هذا العلم والقول عدم أسبابه ،من النظر التام ، والإستماع التام لآيات الحق وإعلامه.


وسبب عدم النظر والإستماع : إما عدم المقتضى فيكون عدماً محضاً ، وإما وجود مانع من الكبر أو الحسد فى النفس (والله لا يحب كل مختال فخور)....
رحمهما الله ...


مسلم 70 29-05-14 05:32 PM

يتبع.......

مسلم 70 23-09-14 06:06 PM


قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: عن مسألة مراعاة المصالح والمفاسد وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات ويرى ذلك من الورع. انتهى.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله فى كتابه المتحف الطرق الحكمية


وهذا موضع مزلة أقدام ، ومضلة أفهام ، وهو مقام ضنك ، ومعترك صعب ، فرط فيه طائفة ، فعطلوا الحدود ، وضيعوا الحقوق ، وجرءوا أهل الفجور على الفساد ، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد ، محتاجة إلى غيرها ، وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له ، وعطلوها ، مع علمهم وعلم غيرهم قطعا أنها حق مطابق للواقع ، ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع .

ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم ، والذي أوجب لهم ذلك : نوع تقصير في معرفة الشريعة ، وتقصير في معرفة الواقع ، وتنزيل أحدهما على الآخر ، فلما رأى ولاة الأمور ذلك ، وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة ، أحدثوا من أوضاع سياساتهم شرا طويلا ، وفسادا عريضا فتفاقم الأمر ، وتعذر استدراكه ، وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك ، واستنقاذها من تلك المهالك .

وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة ، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله ، وكلتا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله ، وأنزل به كتابه .

مسلم 70 13-01-15 08:26 PM

قواعــــد وضــــوابط في اعتبـــــار المصـــــالح والمفـــــاسد


يقول الشيخ عطية محمد سالم – رحمه الله - في تقديمه لرسالة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي– رحمه الله – (المصالح المرسلة): (ومكمن الخطر في ادعاء المصلحة لأنه ادعاء عام، وكل يدعيه لبحثه فيما يذهب إليه... ولن يذهب مجتهد قط إلى حكم في مسألة لا نص فيها إلا وادعى أنه ذهب لتحقيق المصلحة..

ولكن، أي المصالح يعنون..إن المصلحة الإنسانية الخاصة أمر نسبي، وكل يدعيها فيما يذهب إليه... ومن هنا كان الخطر..

ولكن حقيقة المصلحة هي المصلحة الشرعية التي تتمشى مع منهج الشرع في عمومه وإطلاقه، لا خاصة ولا نسبية... فهي التي يشهد لها الشرع الذي جاء لتحقيق مصالح جميع العباد، ومراعاة جميع الوجوه، لأن الشرع لا يقر مصلحة تتضمن مفسدة مساوية لها أو راجحة عليها ظهر أمرها أو خفي على باحثها، لأن الشارع حكيم عليم...

كما أن المصلحة الشرعية تراعي أمر الدنيا والآخرة معاً، فلا تعتبر مصلحة دنيوية إذا كانت تستوجب عقوبة أخروية...

وفي هذا يكمن الفرق الأساسي بين المصلحة عند القانونيين الذين يقولون: حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله. وبين الأصوليين الشرعيين الذين يصدق على منهجهم أنه حيثما وجد الشرع فثم مصلحة العباد)

فانتبه إلى هذا الكلام الذي يعلوه نور العلم ، وكيف نبه – رحمه الله – إلى مكمن الخطورة في هذا الأصل العظيم من أصول الشريعة ، حيث يسهل لكل من أراد أن يُخلط على الناس دينهم أو أراد ممالأة الظالمين أن يتلبس في مسعاه ويتستر حول مصالح (مزعومة) ، فتُغيَّب الشريعة ويلبس على الناس الحق بالباطل باسم المصلحة ، ويضيع الدين وتنخرم أصوله تحت دعاوى الحفاظ عليها ..

فلا عجب أن انتصب جهابذة علم الأصول للضبط والتقعيد لهذا الأصل العظيم ليكون سائراً في ركاب الشريعة متضافراً لإقامتها ، لكي لا يتركوا لكل دعيٍ للعلم أن يخبط به خبط عشواء بين مصالح متوهمة أو مظنونة يبتغي تحصيلها على حساب التفريط في أصول الشريعة ومحكماتها ..

وفي هذا البحث الموجز - أستعين بالله- وأوضح عدداً من هذه القواعد والضوابط التي تضبط هذا الأصل من أصول الشريعة ألا وهو (اعتبار المصالح والمفاسد)


أولاً: قواعد في اعتبار المصالح:



القاعدة الأولى:الشريعة مبناها على تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم في الدنيا والآخرة:

مصالح العباد ليست محدودة بالدنيا فقط بل تشمل مصالح الدنيا والآخرة،ومن ذلك إقامة الحدود على مستحقيها،فإنها مصلحة في الدنيا بردعهم ، ومصلحة في الآخرة - وهي الأعظم- بتكفير ذنبهم ففي حديث عبادة بن الصامت:" ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم عُوقب به في الدنيا فهو كفارةٌ له".متفق عليه ، وهذا مما يميز الشريعة الإسلامية عن الأنظمة الوضعية التي تنظر إلى تلك العقوبات على أنها مصادمة لحقوق الإنسان ..

يقول الإمام الشاطبي: « وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل»[1].
ويقول الإمام ابن القيم:« إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل »[2]. )
ويقول – أيضاً - : «أساس الشريعة الإسلامية جلب كل مصلحة تنفع العباد ودرء كل مفسدة تضر بهم».

وهذه القاعدة تضمن أمور([3]) :
الأمر الأول: أن الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة. وهذا الأصل شامل لجميع الشريعة لا يشذ عنه شيء من أحكامها .
الأمر الثاني: أن هذه الشريعة لم تهمل مصلحة قط، فما من خير إلا وقد جاءت به، وما من شر إلا وقد حذرت منه.
الأمر الثالث: أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين الشرع والمصلحة، إذ لا يتصور أن ينهى الشارع عما مصلحته راجحة أو خالصة، ولا أن يأمر بما مفسدته راجحة أو خالصة.
الأمر الرابع: أن من ادعى وجود مصلحة لم يرد بها الشرع فأحد الأمرين لازم له: - إما أن الشرع دل على هذه المصلحة من حيث لا يعلم هذا المدعي. - وإما أن ما اعتقده مصلحة ليس بمصلحة.

فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (والقول الجامع : أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط ، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة ، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا حدثنا به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك . لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد بها فأحد أمرين لازم له:- إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر ،- أو أنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة ، لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة وكثيرا ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة ، كما قال تعالى : [قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ] [سورة البقرة:219] وكثير مما ابتدعه الناس من العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام وأهل التصوف وأهل الرأي وأهل الملك ، حسبوه منفعة أو مصلحة نافعا وحقا وصوابا وليس كذلك فإذا كان الإنسان يرى حسنا ما هو سيئ كان استحسانه أو استصلاحه قد يكون من هذا الباب)([4]).

فمفهوم هذه القاعدة كما قال شيخ الإسلام (أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط ، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة) ، فلن تجد مصلحة إلا وقد راعتها الشريعة ، ومن ادعى غير ذلك فقد لزمه اتهام الشريعة بالنقص وأن عقله قد تنبه لمصلحة لم يذكرها الوحي، وهو محال مردود!!


القاعدة الثانية: أن المصلحة المعتبرة هي التي تحافظ على مقصود الشارع :

المصلحة في لغة العرب تتضافر معانيها على أن «المصلحة هي جماع الخير» ، فجاءت بمعنى:

· الصلاح ضد الفساد.
· الرأفة والرحمة في التعامل "أصلح الدابة: أحسن إليها".
· الصلح وهو السلم، وهو ملازم للأمان والاطمئنان والاجتماع.
· "صلاح" وهو من أسماء مكة التي جعلها الله حرما آمنا. وفيها يكون الاجتماع

وهو ما يتناسب مع تعريفها الاصطلاحي فجماع الخير في الدنيا والآخرة هو ما جاءت به الشريعة ، لذا عرفوا المصلحة الشرعية أنها : (المحافظة على مقصود الشارع) .يقول الغزالي: (فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم لكن نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشارع، ومقصود الشارع من الخلق خمسة وهي أن يحفظ لهم دينهم وأنفسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم. وكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوتها فهو مفسدة ودفعها – أي المفسدة- مصلحة).

أما الإمام الشاطبي فقال: (انبنت الشريعة على قصد المحافظة على المراتب الثلاث من الضروريات والحاجيات والتحسينات وكانت هذه الوجوه مبثوثة فى أبواب الشريعة) ، وقال – أيضاً - : (والحفظ لها يكون بأمرين أحدهما ما يُقيم أركانها ويُثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، والثاني ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارةً عن مراعاتها من جانب العدم)

فيتضح مما سبق أمور:
الأمر الأول: أن المصلحة هي المحافظة على مقصود الشارع بحفظ الضروريات فالحاجيات فالتحسينيات.
الأمر الثاني: أن المصلحة تضمن ما يقيم أركانها وجوداً ، وما يدرأ عنها الاختلال عدماً.
الأمر الثالث: أن المصلحة لا تكون معتبرة شرعاً حتى تكون مُحققة لمقصد شرعي، ومقاصد الشريعة متضمنة لجميع مصالح للعباد في العاجل والآجل.

يقول الدكتور فوزي خليل: « المصلحة إن ناقضت مقاصد الشريعة، أو أحدها فهي ليست مصلحة على سبيل الحقيقة، حتى وإن بدا فيها نفع ظاهر، بل هي مفسدة يجب دفعها»[5]

فلفظ (المصلحة) ليس لفظاً (مطاطاً) لا حد له ، بل حده المحافظة على مقاصد الشريعة ، وليس ما يتوهمه البعض من مصالح (فرضية) تناقض شيئاً من مقاصد الشريعة ،وأمثال هذه المصالح الموهومة (ملغاة) وحقيقتها أنها مفاسد من حيث يظنها متوهمها (مصالح)..


القاعدة الثالثة : النظر إلى المصلحة والمفسدة يكون بميزان الشرع لا بالأهواء:

يقول الإمام الشاطبي: (إن المصالح التي تقوم بها أحوال العبد لا يعرفها حق معرفتها إلا خالقها وواضعها وليس للعبد بها علم إلا من بعض الوجوه والذي يخفى عليه منها أكثر من الذي يبدو له فقد يكون ساعيا فى مصلحة نفسه من وجه لا يوصله إليها أو يوصله إليها عاجلا لا آجلا أو يوصله إليها ناقصة لا كاملة أو يكون فيها مفسدة ترني فى الموازنة على المصلحة فلا يقوم خيرها بشرها) ..

ويقول – أيضاً - : (إن الشريعة إنما جاءت لتخرج المكلفين عن دواعي أهوائهم حتى يكونوا عبادا لله وهذا المعنى إذا ثبت لا يجتمع مع فرض أن يكون وضع الشريعة على وفق أهواء النفوس وطلب منافعها العاجلة كيف كانت وقد قال ربنا سبحانه: [ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن] ، ويقول عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به")ومن أمثلة ذلك الجهاد قال تعالى:[كتب عليكم القتال وهو كره لكم]


وهنا فائدة .. فإن الحق قسيمه الهوى، وكل مصلحة (موهومة) خالفت موازين الشريعة فإن مبعثها الأهواء ولا ريب ، قال تعالى : [فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ] .. وقد يُلبس الشيطان على المرء فيظن أهواءه مقاصداً شرعية كمن يظن أن مصلحة (بقاء) الدعوة ترادف (بقاؤه) ، فتتداخل مصالح النفس وسلامتها مع مصالح الدعوة ، فتتضفى على الأشخاص قداسة المناهج ، وتختل الموازين وتفسد الخيارات..


القاعدة الرابعة : أن المصلحة الشرعية لا تعارض نصوص الوحي أو تفوتها:

والنص من حيث دلالته على معناه وحكمه نوعان: قطعي وظني:1- النص القطعي: وهو النص قطعي الثبوت والدلالة ، والقطعي الثبوت هو المقطوع بنسبته إلى صاحبه،وهي تشمل القرآن والسنة المتواترة ،وأما (القطعي الدلالة هو ما دل على معنى متعين فهمه منه ولا يحتمل تأويلا ولا مجال لفهم معنى غيره منه، مثل قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ})([6])

فالمصلحة المعتبرة شرعاً لا تتعارض مع النص القطعي لأن ذلك يؤول حتمًا إلى تقرير التعارض بين القطعيات الشرعية،وهذا اتهام للشرع بالتناقض والنقص والتقصير ..

وقد عقد ابن القيم الجوزية فصلا في إعلام الموقعين لتحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص وسقوط الإجتهاد والتقليد عند ظهور النص وذكر إجماع العلماء على ذلك.

2-أما النص الظني: (فهو ما دل على معني ولكن يحتمل أن يؤول ويصرف عن هذا المعنى ويراد منه معني غيره مثل قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ})([7]) ، فيمكن في إطار المعاني التي يحتملها أن نرجح معناً على الآخر إذا عضضته المصلحة ولا يعني ذلك أننا نعارض النص بالمصلحة وإنما هو أخد بأحد دلالات النص لإستحالة الجمع وهو أمر مقرر عند الأصوليين أما معارضة جميع مدلولات النص التي يحتملها بمصلحة ما فهذا لا يجوز لأنه (أخذ بالإجتهاد في مورد النص) وهو في ذلك كمعارضة النص القطعي بالمصلحة تماما، مثال ذلك معارضة مدلول كلمة قرء الذي هو إما الحيض أوالطهر بمعنى آخر خارج عنهما بدعوى المصلحة..يقول الشنقيطي في المذكرة : (لا يقع تعارض بين قطعيين إلا إذا كان أحدهما ناسخاً للآخر أو مخصصاً له لأن كل قطعي يفيد العلم والعمل فإذا تعارضا تناقضا والشريعة لا تتناقض.

ولا بين قطعي وظني، لأن الظني لا يقاوم القطعي بل يقدم القطعي عليه ما لم يكن مخصصاً له فيكون من باب تخصيص العام كما تقدم فلا يترك الظني لوجود القطعي حينئذ) ..

يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( لا يمكن أن توجد مصلحة حقيقية تصادم نصاً أو إجماعاً أو قياساً )

ويقول ابن القيم – رحمه الله- : « الرأي الباطل أنواع: أحدها الرأي المخالف للنص، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام فسادُه وبطلانُه. ولا تحل الفتيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه من وقع بنوع من تأويل وتقليد»[8]...


ومن هنا يظهر الخلط الواضح الذي يقع فيه من يتوهم أن اعتبار المصالح لأنه (أصل كلي) يمكن أن يعارض النصوص الجزئية ،وهو المسلك الذي حذر منه الإمام الشاطبي – رحمه الله – فقال : (وكما أن من أخذ بالجزئي معرضا عن كليه فهو مخطئ كذلك من أخذ بالكلي معرضا عن جزئيه وبيان ذلك أن تلقى العلم بالكلي إنما هو من عرض الجزئيات واستقرائها فالكلي من حيث هو كلي غير معلوم لنا قبل العلم بالجزئيات ولأنه ليس بموجود فى الخارج وإنما هو مضمن فى الجزئيات حسبما تقرر فى المعقولات فإذا الوقوف مع الكلي مع الإعراض عن الجزئي وقوف مع شيء لم يتقرر العلم به بعد دون العلم بالجزئي والجزئي هو مظهر العلم به)

ولابد - كذلك - من التنبيه على أن ما يقوم به البعض من تضخيم لباب (المصالح) ، والتعلل لكل مخالفة صريحة لنصوص الوحي وأوامر الشرع أنها من ترجيح المصالح (الموهومة) فهو أشبه ما يكون بقول (الطوفي) الشاذ بتقديم المصالح على النصوص والإجماع،وهو نفس القول الذي يحلو للعلمانيين تبرير تعطيل للشريعة وتنحيتها به.



القاعدة الخامسة: المصلحة الشرعية لا تعارض إجماعاً قطعياً:

فالإجماع إما قطعي وإما ظني ، فأما الإجماع القطعي فهو ما يتوفر فيه ثلاثة شروط :أن ينقل تواتراً قولاً أو فعلاً ، يقطع فيه بانتفاء المخالف ، أن يكون مستنده نص من الكتاب والسنة، أما الإجماع الظني ومنه السكوتي هو ما لم يقطع فيه بانتفاء المخالف ، فالقطعي لا يجوز للمصلحة الظنية أن تتعارض معه لأنها مظنونة فلا تسمو الى درجته لتتعارض معه أوتقدم عليه،أما إذا كان الإجماع ظنيا كالإجماع السكوتي عند جمهور العلماء فإنه يمكن تعديله وتغييره بموجب المصلحة.


القاعدة السادسة: المصالح المعتبرة لا تتعارض مع مصلحة أهم منها أومساوية لها :

وهنا ثلاث مسائل ذكرها الإمام الشاطبي في غاية الأهمية ، وهذا نص كلامه – رحمه الله – بتصرفٍ يسير[9]:

المسألة الأولى : تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام أحدها أن تكون ضرورية والثاني أن تكون حاجية والثالث أن تكون تحسينية :

1- الضرورية : فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين.

والحفظ لها يكون بأمرين أحدهما ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعتها من جانب الوجود والثاني ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم..

- فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك

- والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضا كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات وما أشبه ذلك والمعاملات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود وإلى حفظ النفس والعقل أيضا لكن بواسطة العادات والجنايات ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم..


[فالضروريات خمسة هي حفظ :الدين،النفس ،العقل،النسل،المال]

2- الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب،فإذا لم تراع،دخل على المكلفين -على الجملة- الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة وهي جارية في العبادات والعادات والمعاملات والجنايات.

3- التحسينيات، فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات، التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق، وهي جارية فيما جرت فيه الأوليان.

المسألة الثانية: كل مرتبة من هذه المراتب ينضم إليها ما هو كالتتمة والتكملة مما لو فرضنا فقده لم يخل بحكمتها الأصلية فأما الأولى فنحو التماثل في القصاص فإنه لا تدعو إليه ضرورة ولا تظهر فيه شدة حاجة ولكنه تكميلي (.....) ذلك ومن أمثلة هذه المسألة أن الحاجيات كالتتمة للضروريات وكذلك التحسينات كالتكملة للحاجيات فإن الضروريات هي أصل المصالح ..


المسألة الثالثة :كل تكملة فلها من حيث هي تكملة بشرط وهو أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال وذلك أن كل تكملة يفضي اعتبارها إلى رفض أصلها ، فلا يصح اشتراطها عند ذلك لوجهين:أحدهما : أن في إبطال الأصل إبطال التكملة لأن التكملة مع ما كملته كالصفة مع الموصوف فإذا كان اعتبار الصفة يؤدي إلى ارتفاع الموصوف لزم من ذلك ارتفاع الصفة أيضا فاعتبار هذه التكملة على هذا الوجه مؤد إلى عدم اعتبارها وهذا محال لا يتصور وإذا لم يتصور لم تعتبر التكملة واعتبر الأصل من غيرمزيدوالثاني : أنا لو قدرنا تقديرا أن المصلحة التكميلية تحصل مع فوات المصلحة الأصلية لكان حصول الأصلية أولى لما بينهما من التفاوت .

وبيان ذلك أن حفظ المهجة مهم كلى وحفظ المروءات مستحسن فحرمت النجاسات حفظا للمروءات وإجراء لأهلها على محاسن العادات فإن دعت الضرورة إلى إحياء المهجة بتناول النجس كان تناوله أولى(.....)وكذلك الجهاد مع ولاة الجور قال العلماء بجوازه قال مالك لو ترك ذلك لكان ضررا على المسلمين فالجهاد ضروري والوالي فيه ضروري والعدالة فيه مكملة للضرورة والمكمل إذا عاد للأصل بالإبطال لم يعتبر ولذلك جاء الأمر بالجهاد مع ولاة الجور عن النبي ..

ولا عجب بعد هذا النقل النفيس للإمام الشاطبي أن نجد الشيخ العلامة محمد أمين الشنقيطي ينص على أن المقصود بـ (درء المفاسد) هو الضروريات ، وأن المقصود بـ (جلب المصالح) هو الحاجيات ...

فأين هذا الضبط والتأصيل من الفهم الفاسد عند البعض بجواز تقديم بعض المصالح (المظنونة) على مصلحة حفظ الدين،استناداً على فهم معوج لنصوص الشريعة ...؟!

وأين هذا الترتيب الدقيق للمصالح حسب أهميتها ورتبتها وتقديم حفظ الدين على غيره من الضروريات فضلاً عن الحاجيات والتحسينيات ممن يعتبر تلبيس (بعض) دعاة الفضائيات الدين على الناس جائز لمصلحة (بقاء الفضائيات) ؟!!! وكأن الحفاظ على القنوات الفضائية صار في أعلى درجات الضرورة التي يجوز (تحريف الدين والكذب على الله) من أجل بقائها !!!!!

والأعجب أن يفهم البعض من حديث (محمد بن مسلمة) تقديم الحاجيات على الضروريات..!!!!

فبالله عليكم هل ما ينظر له هؤلاء من أصول هي نفسها الأصول التي استنبطها علماؤنا للحفاظ على الشريعة أم هي أصول لهدم الدين وتلبيسه بدعوى تحصيل حاجيات ومصالح موهومة ..؟!!!


القاعدة السابعة : المصالح المعتمدة هي المصالح الكلية (أي التي تعم جميع المسلمين):

ينقل – ذلك – الرازي عن الغزالي فيقول :(ومثاله أن الكفار إذا تترسوا بجماعة من أسارى المسلمين فلو كففنا عنهم لصدمونا واستولوا على دار الإسلام وقتلوا كافة المسلمين ولو رمينا الترس لقتلنا مسلما لم يذنب وهذا لا عهد به في الشرع ولو كففنا لسلطنا الكفار على جميع المسلمين فيقتلونهم ثم يقتلون الأسارى فيجوز أن يقول قائل هذا الأسير مقتول بكل حال فحفظ كل المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع من حفظ المسلم الواحد ..قال: وإنما اعتبرنا هذه المصلحة لاشتمالها على ثلاثة أوصاف وهى أنها ضرورية قطعية كلية واحترزنا بقولنا ضرورية عن المناسبات التي تكون في مرتبة الحاجة أو التتمة وبقولنا قطعية عما إذا لم نقطع بتسلط الكفار علينا إذا لم نقصد الترس فإن ها هنا لا يجوز القصد إلى الترس وكذلك قطع المضطر قطعة من فخذه لا يجوز لأنا لا نقطع بأنه يصير ذلك سببا للنجاة وبقولنا كلية عما لو تترس الكافر في قلعة بمسلم فإنه لا يحل رمي الترس إذ لا يلزم من عدم استيلائنا على تلك القلعة فساد يعم كل المسلمين وكذا إذا كان جماعة في سفينة ولو طرحوا واحدا لنجوا وإلا غرقوا بجملتهم فها هنا لا يجوز لأن ذلك ليس أمرا كليا فهذا محصل ما قاله الغزالي رحمه الله)فاشترط العلماء تقديم المصلحة العامة على الخاصة (إذا كانتا في رتبةٍ واحدة) ، فلا يصح لكل (مجتهد) أن يقدم مصلحته الخاصة على المصلحة العامة ، وهل هذا المسلك إلا التمحور حول الذات ومصالحها ؟!..

القاعدة الثامنة: أن العمل قد يكون في حد ذاته مصلحة ، لكنه يلحق بالمفاسد لما يترتب عليه من المفاسد تفوق تلك المصلحة ، وهذا ما يسميه أهل العلم بـ"قاعدة سد الذرائع ":

والذريعة هي الوسيلة والطريق إلى الشيء سواء كان مفسدة أو مصلحة قولاً أو فعلاً إلا أنه غلب إطلاق (الذرائع) على الوسائل المفضية إلى المفاسد.فإن كانت الوسائل المفضية إلى المفاسد محرمة فاسدة بذاتها فلا خلاف في تحريمها ، أما الأفعال المباحة المفضية إلى المفاسد فهي أنواع:الأول: ما كان إفضاؤه إلى المفسدة نادراً أو قليلاً فتكون المصلحة راجحة.الثاني:ما كان إفضاؤه إلى المفسدة كثيراً فمفسدته أرجحالثالث: ما يؤدي إلى المفسدة لاستعماله لغير ما وضع له كالزواج بغرض التحليل ، والمفسدة هنا لا تكون إلا راجحة

يقول ابن القيم رحمه الله: (لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطُرُق تُفْضِي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعةً لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهيتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقُرُبَات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصودُ قصدَ الغاياتِ، وهي مقصودة قصد الوسائل)


القاعدة التاسعة: المصلحة المعتبرة شرعاً لا تخالف قطعيات الشرعية :

فالمصلحة المعتبرة شرعاً لا تدخل في أمور العقيدة ولا تثبت عبادة جديدة أو ركن أو شرط لعبادة شرعية ، ولا تدخل في المقدرات الشرعية زيادة أو نقصاً كالديات والمواريث .


القاعدة العاشرة : أن المصالح المعتبرة شرعاً هي المصالح الغالبة في حكم الاعتبار:

فكما قال ابن تيمية فالمصلحة المحضة تكاد تكون معدومة.قال الشاطبي: (فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها - أي مقارنتها- مع المفسدة في حكم الاعتبار فهي المقصودة شرعاً ولتحصيلها وقع الطلب على العباد، وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم الاعتبار فرفعها هو المقصود شرعاً ولأجلها وقع النهي).قال ابن القيم: (فالأعمال إما أن تشتمل على مصلحة خالصة أو راجحة، وإما أن تشتمل على مفسدة خالصة أو راجحة، وإما أن تستوي مصلحتها ومفسدتها. فهذه أقسام خمسة: منها أربعة تأتي بها الشرائع.فتأتي بما مصلحته خالصة أو راجحة آمرة به أو مقتضية له.وما مفسدته خالصة أو راجحة فحكمها فيه النهي عنه وطلب إعدامه.فتأتي بتحصيل المصلحة الخالصة والراجحة أو تكميلها بحسب الإمكان، وتعطيل المفسدة الخالصة أو الراجحة أو تقليلها بحسب الإمكان.فمدار الشرائع والديانات على هذه الأقسام الأربعة)([10]).

ويجدرالإشارة –هنا-إلى أن التغليب بين المصالح والموازنة بينها ، ليس متروكاً لما يراه المرء وإنما هو مقيد بما ذكرناه من قواعد وما سنذكره– إن شاء الله – من ضوابط ، وإلا تدخلت أهواء النفس فس الترجيح وصار الأمر خبط عشواء..

ونختم ما ذكرناه من قواعد بكلام نفيسٍ للشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان في (شروط العمل بالمصلحة المرسلة):


(ذكر المالكية – وهم أكثر الفقهاء أخذاً بالمصالح لمرسلة – شروطاً لا بد من توافرها في المصلحة المرسلة ، لإمكان الاستناد إليها والاعتماد عليها ، وهذه الشروط هي :

أولاً: الملائمة: أي أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع ، فلا تخالف أصلاً من أصوله، ولا تنافي دليلاً من أحكامه ، بل تكون من جنس المصالح التي قصد الشارع تحصيلها ، أو قريبة منها ليست غريبة عنها .

ثانياً: أن تكون معقولة بذاتها بحيث لو عُرضت على العقول السليمة لتلقينها بالقبول.

ثالثاً: أن يكون الأخذ بها لحفظ ضروري، أو لرفع حرج، لأن الله تعالى يقول : [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]

وهذه الشروط في الواقع ، هي ضوابط للمصلحة المرسلة تبعدها عن مزالق الهوى ونزوات النفس ، ولكن ينبغي أن يُضاف إليهاشرطان آخران هما :

- أن تكون المصلحة التي تترتب على تشريع الحكم مصلحة حقيقية لا وهمية.

- وأن تكون المصلحة عامة لا خاصة ، أي أن يوضع الحكم لمصلحة عموم الناس لا لمصلحة فرد معين أو فئة معينة.)

ومما سبق يتضح مدى الخلط الذي يحصل من البعض عند الكلام في باب المصالح والمفاسد ، فترى البعض يستدل بأدلة الإكراه (وهو من عوارض الأهلية) - وما اعتبره الشرع فيها من مصالح ومفاسد تقدر بقدرها على حسب درجة الإكراه - على أحوالٍ جاءت نصوص الشرع فيها بنقيض ما يستدل عليه ، ويتناسى الفارق البسيط والمؤثر بين الحالتين (وهو النص الذي لا تعتبر المصلحة إذا خالفته) فالشرع الذي أجاز قول كلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان في حالة الإكراه هو من ندب إلى بذلها لإعلاء كلمة الله في الجهاد، فأين الدوران مع نصوص الشرع ومقاصده من الالتفاف حوله؟!

والعجيب أن تجده يبيح التلفظ بالباطل لمصلحة (خاصة) بإحدى القنوات (ترجيحاً لما يراه مجتهد من مصلحة)،بينما المصالح المعتبرة شرعاً يجب أن تكون قطعية ضرورية (أو حاجية) كلية ، وتقدر بضوابط وشروطٍ لا بأهواءٍ وظنونٍ!!



ثانياً : كيف نوازن بين المصالح عند تعارضها ؟!([11]):




وهنا يثار سؤال: وماذا إذا تعارضت هذه المصالح (المعتبرة) مع مثيلاتها ؟
وماذا إذا اجتمعت مفسدة ومصلحة في عمل ؟
كيف نعرف أن هذه المصلحة هي الغالبة وأن مقصود الشرع منها أولى من غيرها ؟ أم أن تقدير المصالح والمفاسد ( كما يشيع البعض) متروك لكل من يدعي التقدير ؟!

لقد ضبط العلماء هذه الموازنة بين المصالح ، ولاتساع هذا الباب نورد بعض ما جاء في ضوابط الموازنة بين المصالح ..


الضابط الأول : الإعمال أولى من الإهمال:

فإن أمكن تحصيل المصلحتين جميعاً فهو الأولى، يقول ابن القيم: (فإن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح قدر الإمكان، وأن لا يفوّت منها شيء، فإن أمكن تحصيلها كلها حُصّلت، وإن لم يكن تحصيل بعضها إلا بتفويت البعض، قُدّم أكملها وأهمها وأشدها طلباً للشارع). ومن ذلك استحباب التنويع في أداء العبادات التي وردت على عدة أوجه: كأذكار الصلوات ، والوتر ، والتشهد ، وصفات التورك ، وأدعية الاستفتاح .. فإذا لم يمكن الجمع بين المصالح صرنا إلى الترجيح بينها ..


الضابط الثاني: مراعاة الترتيب بين المصالح حسب الأهمية والترتيب :

- فالضروريات مقدمة على الحاجيات عند تعارضهما والحاجيات مقدمة على التحسينيات عند تعارضهما.. - فإن تساوت الرتب كأن يكون كلاهما من الضروريات فيقدم الضروري المقصود لحفظ الدين على بقية الضروريات الأربع الأخرى ، ثم يقدم المتعلق بحفظ النفس ثم العقل ثم النسل ثم المال. - فإن كان التعارض بين مصلحتين متعلقتين بضروريين من نفس النوع انتقلنا إلى الترجيح بالعموم والشمول


الضابط الثالث: المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة (إذا تساوت الرتب):

وسبق كلام الغزالي فيها ، ومن أمثلة ذلك: تحريم الاحتكار – مسألة التترس – تقديم حفظ عقول الناس من الزيغ على مصلحة الفرد في إبداء حرية الرأي عند تعارضهما

الضابط الرابع: المصلحة القطعية مقدمة على المصلحة الظنية، وبناء على ذلك :

- فلو تعارضت مصلحتان أو مفسدتان أو مصلحة ومفسدة إحداهما قطعية والأخرى ظنية فتقدم القطعية . والظن الغالب هنا يقوم مقام القطع ، ومن الأمثلة: إذا لم يجد المصلي ماءً في أول الوقت فإذا كان يقطع أو يغلب على ظنه أنه سيجد ماء فالأفضل الانتظار، أما إذا كان يظن أنه سيحصل على الماء ولا يجزم بحصول ذلك فالأفضل التيمم والصلاة في أول الوقت، فتقدم مصلحة إقامة الصلاة في وقتها قطعية على مصلحة الوضوء التي هي ظنية.


الضابط الخامس: المصلحة المتعلقة بذات العمل مقدمة على المصلحة المتعلقة بزمانه أو مكانه،ومن أمثلة ذلك:

- تحصيل الصف الأول-للرجال- مصلحة مطلوبة شرعاً لكن إذا ترتب على ذلك تفويت الخشوع بسبب الزحام فالأفضل للمصلي أن يتأخر، فهنا تعارضت مصلحة متعلقة بالمكان مع مصلحة متعلقة بالعمل ذاته. - الأفضل للإنسان أن يطوف قريباً من الكعبة ما لم يكن هناك زحام يخل بالخشوع فيكون البعد أفضل .


الضابط السادس: المصلحة المقصودة مقدمة على المصلحة الوسيلة أو(المقاصد مقدمة على الوسائل).

ولقد ذكر بعض أهل العلم قاعدة أُخرى -هنا - ، وهي: أن ما كان محرماً تحريم مقاصد فإنه لا يُباح إلا عند الضرورة، وما كان محرماً تحريم وسائل فإنه يُباح عند الحاجة أو عند المصلحة الراجحة. و الضرورة هنا هي الحالة التي يخشى الإنسان على نفسه فيها الهلاك أو تلف عضو من أعضائه . أما الحاجة فهي أن يقع الإنسان في حرج ومشقة دون أن يخشى على نفسه الهلاك ، ومن أمثلة ذلك: 1- جواز لبس الحرير للرجال عند الحاجة، فإن لبس الحرير محرم تحريم وسائل لأنه يؤدي إلى الكبر، وقد أذن النبي لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام بلبسه لحكة كانت بهما. 2- لا يجوز استعمال الذهب إلا عند الضرورة لكونه محرما ًتحريم مقاصد .

ومن هنا يتبين الخلط الذي وقع فيه البعض عندما أجاز ما هو محرم تحريم مقاصد (كبعض قول الباطل) لمجرد الحاجة ليس إلا ..


الضابط السابع: المصلحة المتعدية مقدمة على المصلحة القاصرة:

والمقصود بالمصلحة المتعدية أي التي تتعدى فاعلها إلى غيره ، أما المصلحة القاصرة فهي التي لاتتجاوز في نفعها فاعلها . كطلب العلم والدعوة وحسن الخلق..


الضابط الثامن: أداء المصلحة المقيدة في وقتها أفضل من المصلحة المطلقة :

ذلك أن المصلحة قد تقيد بحال او بوقت أو بشخص ، فيكون أداؤها في ذلك الوقت أفضل من المصلحة المطلقة ، وإن كانت المصلحة المطلقة أفضل منها عند الإطلاق ، ولهذا يقول أهل العلم :قد يعتري المفضول ما يجعله أفضل من الفاضل .ومن ذلك : أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل ، لكن أداء الأذكار المقيدة في حينها أفضل من قراءة القرآن في ذلك الوقت ، كأذكار أدبار الصلوات ومتابعة المؤذن ونحو ذلك .


الضابط التاسع: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح:

- وهو ما يندرج تحته قول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله - : (وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما . فتارة يصلح الأمر ؛ وتارة يصلح النهي ؛ وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المعروف والمنكر متلازمين ؛ وذلك في الأمور المعينة الواقعة وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا وينهى عن المنكر مطلقا . وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها ويحمد محمودها ويذم مذمومها ؛ بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه أو حصول منكر فوقه ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه . وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق ؛ فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية)

- وانتبه لقوله – رحمه الله – (أو حصول منكرٍ فوقه) ليتضح أن كلام شيخ الإسلام ليس على عمومه بل هو منضبط بما ذكرناه من قبل من ضوابط ، ولذلك نجد أن العلماء قيدوا هذا القاعدة بـ (تساوي الرتب) - وسبق تفسير الإمام الشنقيطي لـ (درء المفاسد) بحفظ الضروريات ، و(جلب المصالح) بحفظ الحاجيات.


الضابط العاشر: قاعدة ارتكاب أخف الضررين :

- وهو ما يندرج تحته قول شيخ الإسلام : (فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة . وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر . ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة ؛ أو لدفع ما هو أحرم)

- وهذه القاعدة مقيدة ألا يكون ممكناً تجنب الوقوع في أحد الضررين ، أما إذا أمكن تجنب الوقوع في أحدهما فنرجع للأصل الذي يجري تحت قاعدتي : (الضرر يُزال) ، (الضرر لا يزال بالضرر)..

- وهذه القاعدة لا يصح فهمها بانفرداها دون ما سبق من ضوابط توضح (الآكد) من (الأخف) وإلا فإن شيخ الإسلام في بعدما ذكر هذا الكلام قال: (والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات؛ لكون الأهواء قارنت الآراء) فذكر أن مقارنة الأهواء بالآراء من أسباب الاختلاف والاختلاط ووقوع الاشتباه ، فعندها يحاول كل فريقٍ ترجيح ما يوافق هواه..

- ولذا ينبغي التأكيد على أن هذا الضابط والذي سبق إذا دخل الهوى فيه حدث شرٌ عظيم إذ هي قواعد تجيز الوقوع في أخف الضررين ، فتجد عندها من يتفتح الأبواب للوقوع في مفسدة شرعية (يقينية) تجنباً لمفسدة (دنيوية) أو مفسدة (شرعية ظنية) ، وقد يؤدي إلى الوقوع في مفسدة (عامة) لتجنب الوقوع في مفسدة (خاصة) ، وقد يؤدي إلى الوقوع في مفسدة تضر بأصل الدين أو غيرها من الضروريات لأمر حاجي أو تحسيني ، وغير ذلك من الفساد العظيم ..

- وكل هذا وغيره واردٌ حدوثه - كذلك - عندما يساء فهم كلام العلماء ويتم تحميله ما لا يحتمل، بل ويتم تقويلهم ما لم يقولوا ، كمن استدل بكلام شيخ الإسلام في مداراة المتسلط المتجبر القائم بأمور كالجهاد أو العلم على جواز تصديره للجهاد!!!!!!

وأختم بجملة من كلام لابن دقيق العيد: ( لست أنكر على من اعتبر أصل المصالح، لكن الاسترسال فيها، وتحقيقها محتاج إلى نظر سديد...)..

أو بما بدأت به من نقلٍ نفيس للشيخ عطية سالم : (ومكمن الخطر في ادعاء المصلحة لأنه ادعاء عام، وكل يدعيه لبحثه فيما يذهب إليه... ولن يذهب مجتهد قط إلى حكم في مسألة لا نص فيها إلا وادعى أنه ذهب لتحقيق المصلحة..ولكن، أي المصالح يعنون....)؟!

فليس الأمر في اعتبار المصالح ولكن الســؤال: أي المصالح يعنون..؟!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



بعض المراجع التي استفدت منها:
- الموافقات للشاطبي
- تهذيب الموافقات للجيزاني
- المحصول للرازي
-المصالح المرسلة للشنقيطي
- مجموع فتاوى شيخ الإسلام
- معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة
- ضوابط المصلحة للبوطي
- الاجتهاد المقاصدي - سلسلة كتب الأمة
- مقاصد الشريعة للدكتور يوسف الشبيلي
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - د.خالد السبت
- المذكرة في أصول الفقه
- الوجيز في أصول الفقه
- الواضح في أصول الفقه
- أوضح العبارات في شرح المحلي مع الورقات
- ضوابط اعتبار المقاصد


الهوامش:

[1] ) الموافقات: 2 / 4
[2] ) إعلام الموقعين: 3/5.
[3]) انظر:"مجموع الفتاوى"(11/344، 345، 13/96)، و"مفتاح دار السعادة" (2/14،22)، و"إعلام الموقعين"(3/3) (نقلاً عن معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة)(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميّة، 11 / 342 ـ 345.
[5] ) المصلحة العامة من منظور إسلامي: ص81
(6) علم أصول الفقه - عبد الوهاب خلاف
(7) علم أصول الفقه- عبد الوهاب خلاف
[8] ) إعلام الموقعين: 1/61.
[9] ) الموافقات: 2/6.
([10]) "مفتاح دار السعادة (2/14). وقد ذكر ابن القيم في هذا المقام مسألتين: الأولى: في وجود المصلحة الخالصة والمفسدة الخالصة، انتهى فيها إلى قوله: "وفصل الخطاب في المسألة إذا أريد بالمصلحة الخالصة أنها في نفسها خالصة من المفسدة لا يشوبها مفسدة فلا ريب في وجودها، وإن أريد بها المصلحة التي لا يشوبها مشقة ولا أذى في طريقها والوسيلة إليها ولا في ذاتها فليست موجودة بهذا الاعتبار). والمسألة الثانية: في وجود ما تساوت مصلحته ومفسدته، اختار فيها عدم وجود هذا القسم في الشريعة وإن حصره التقسيم، ذلك لأن الشيء إما أن يكون حصوله أولى بالفاعل وهو راجح المصلحة، وإما أن يكون عدمه أولى به وهو راجح المفسدة.
([11]) راجع مقاصد الشريعة – د.يوسف الشبيلي (بتصرف) ، وضوابط المصلحة للبوطي

مسلم 70 10-04-15 12:43 PM

قال العلامة ابن القيم فى كتاب مفتاح دار السعادة

فحازم الرأى هو الذى أجتمعت له شئون رأيه وعرف منها خير الخيرين وشر الشرين فأحجم فى موضع الإحجام رأياً وعقلا ً لا جبناً وضعغاً



الساعة الآن 10:54 PM.

Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "