French | English | Thai (ภาษาไทย) | Shqipe | Türkçe | Indonesian | Tagalog | اردو | عربي | فارسي
 
 
القائمة البريدية
أدخل بريدك الإلكتروني من أجل الاشتراك معنا في القائمة البريدية
عداد الزوار
المتواجدون الآن على الموقع الرئيسي :

( 9814 )



















السنة
السنة --> الدفاع عن أهل السنة
    أرسل لصديق

إغلاق النافذة

المقالات --> المادة المختارة

سخونة الأحداث وروحانية رمضان!

 

أضيفت في: 14 - 6 - 2015

عدد الزيارات: 566

المصدر: عبدالرحمن الريس

استوقفني قبل أيام في قراءةٍ عابرة، حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- وفيه " أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟" فجاء الجواب النبوي ليؤكدَ الهم الشاغل والجزء الأهم في السؤال، قال عليه الصلاة والسلام: " وما أعددت لها؟" وفي رواية للبخاري " ويلك، وما أعددت لها؟" .

 

ما أثارَ دهشتي أن سؤالاً مثل هذا عن أعظم يومٍ يهولُ فيه المرء، تكون فيه الإجابة النبوية عما فيه نفع وأثر في حياة المسلم بالإعداد لهذا اليوم العصيب!

 

نظيرُ ذلك حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" في ظلِ حرارة أهوال القيامة يأتي الهدي النبوي بأمر غرس الفسيلة!

 

في عالمنا المعاصر طفحت الأحداث وكثرت الأنباء فتسارع الناس لمداولتها والسبق إليها، لكن هذه الأحداث رغم سخونتها إلا أنها لن تكون أهول وأفجع من أحداث يوم القيامة التي أُمرنا بالعمل النافع أثناءَها والإعدادُ لها حين السؤال عنها.

 

ما أَلمحُ إليه أن شهر رمضان المليء بالفرصِ السانحة لفعل الفضائل والانشغال بالعمل الصالح, أبى البعض إلا أن يمتنعَ عن غرسِ الفسائل واختار لنفسه أن يُخطَفَ بصره وسمعه وذهنه ويُهدَرَ وقته وجهده في ملاحقة تفاصيل الأحداث السياسية, واسْتهوى أن يَستقبل رمضان شهر القرآن والغفران ببرودِ انتهاز الفرصة واسْتعاضَ عن ذلك بحرارةِ القضايا الإقليمية والدولية!

 

وللأسف يُزين لبعضهم سوء أعمالهم فيعتبر ذلك نصرةً لإخوانه المسلمين, حين أتأمل ذلك أخشى دوماً من قوله تعالى:} وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا { ولا يمكن أن نشخص ذلك إلا أنه تخبطٌ في أولويات الاهتمام والتناول في مواسم الطاعات.

 

شهر رمضان شهرٌ أنزل فيه القرآن, وبهذه الخصوصية ميزه الله سبحانه وتعالى عن بقية الشهور "بل ثمة أمر قد يكون أشد لفتاً للانتباه من ذلك، أنه ليس فقط إنزال القرآن اختار الله له رمضان، بل حتى )مراجعة القرآن) مع النبي صلى الله عليه وسلم اختار الله لها رمضان! فكان جبرائيل عليه السلام - وهو أعظم الملائكة لأنه اختص بنقل كلام الله - يعقد مع النبي صلى الله عليه وسلم مجالس مسائية في كل ليلة من رمضان لمراجعة القرآن، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس أنه قال: (كان جبريل يلقى النبي في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن)"دوي الليالي الرمضانية, ابراهيم السكران

 

فحين ندرك الهوية الرمضانية وكونها الانشغال بالقرآن بتدبره وتفسيره ومعانيه, يَعز علينا أن نستقبل الشهر ثم ينصرم ونحن نَموجُ في هذا الزخم السياسي, فالأحداث لن تدع لك الفرصة لحظة واحدة لتُفرغَ وقتك وجهدك بما يعود عليك بالنفع والأجر، بل سيتزايدُ جريانها بعد يومٍ وآخر ولن تَهبَ لك روحانية شهر القرآن !

 

وصدقُ العبد تجاه سيلانِ الأخبار والأحداث أن يقودهُ للعمل الصالح في هذا الشهر لا أن يستنزف الوقت والجهد بذلك وإلا فهو عين الخسران.

 

بل أخشى أن يكون ذلك ضرباً من ضروب الإعراض عن كلام الله والتدبر فيه أن يُبدل الانشغال بالقرآن بفضولِ الكلام وتتبع الوقائع قال تعالى:} وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ{ فالبعد عن القرآن أبداً لن يكون دليلاً على الحكمة أو الحذق السياسي, بل كلٌ بمنزلته يقول شيخ الإسلام "والقرآن مورد يرده الخلق كلهم, وكل ينال منه على مقدار ما قسم الله له "درء التعارض 7/ 427

 

ابن تيمية –رحمه الله- وهو المنارة في العلم والعبادة يقول حين أُبعدت عنه الكتب والأقلام وأقبل على القرآن:" قد فتح الله علي في هذه المرة من معاني القرآن ومن أصول العلم بأشياء كان كثير من العلماء يتمنونها, وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن" العقود الدرية 44  فكيف لي بشابٍ يافع الثقافة والإطلاع يلهث خلف مجريات الأحداث السياسية ولا قرار أو جدوى حلولٍ يمكن تنفيذها بعد معرفته للمشاكل الجارية الدولية منها والإقليمية، ويغفلُ عن ما هو بيده قرارهُ وفاعلية تنفيذه وأمره ونهيه في النهل من نبع الطاعات والعبادات بكل مراتبها في هذا الشهر الفضيل!

 

هيَ ليست دعوةٌ لهجر قضايا الأمة واسْتبرادِ مرارةَ وقعها على النفوس، بقدر ما هو أملٌ في ألا ينقضي رمضان ودقائق أخبار الأحداث وحكاياتها سرقتْ وأمَاتتْ لحظات الاستشعار بآيات القرآن, فلا تتصور العقلية الاختزالية أن هذا الحديث هو من قبيل تفتيت الجسد المسلم الواحد ومُناداةٌ للأنا الثقافية في الاهتمام والتناول والعلاج.

 

وكل حديثي فيما سبق بما هو مباحٌ في المتابعة فضلاً أن ينشغل العبد عن الطاعة والعبادة في أوَجْ مواسمها بالمحرمات من مسلسلات هابطة أو أفلام وضيعة وغيرها من عموم محرمات القول والعمل.

 

اللهم إنا نسألك ألا تشغلنا الأحداث عن عبادتنا وصلاتنا وصالح أعمالنا في هذا الشهر المبارك, اللهم إنا نعوذ بك من قسوةِ قلبٍ يستثقل الطاعات في مواسمها ويستلذ بمتابعة الأخبار عنها.
 


سجل تعليقك