فلسطين فتحها عمر ولن يحررها من يتخذ من لعن عمر عقيدة

تعيش الأمة المسلمة اليوم حروباً ثائرة وشروراً متطايرة، تشتت نظامها، وتشعب التئامها، حروب قذرة، يقودها قوم كفرة فجرة، لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة.

فالأرض المباركة فلسطين الجريحة، تصبح وتمسي تحت مرارة الفادحة وصور المأساة، ومشاهد المعاناة، وصرخات الصغار، وصيحات التعذيب والحصار، ولوعات الثكالى، وآهات اليتامى.

تصبح وتمسي على صفوف الأكفان المتتالية، والجنائز المحمَّلة، والبيوتات المهدَّمة، والحرمات المنتهَكة.. أحداثُ جسام، تُدمي القلوب وتفطِّر الأكباد، ويقشعر لهولها الفؤاد.

وأرض دجلة والفرات، تشكو إلى الله حالها، فهي بين قطبي الرحى؛ ما بين صليبيين محتلِّين، ورافضة حاقدين، قد دُنست ديارها وهُدمت مساجدها وانتهكت حرماتها، واستبيح حماها، ورفعت في رباها رايات الصليب.

أحداثٌ تنادي المسلمين وتستنفرهم، تستصرخهم وتستنصرهم.

فهل من مجيب لهذا النداء؟!

وهل من مغيث لتلك الدماء والأشلاء؟!

أحلَّ الكفر بالإسلام ضيمــاً                         يطول به على الدين النحيبُ

فـحقٌّ ضـائع وحمى مُبـاح                         وسيف قـاطع ودم صبيبُ

وكـم مـن مسلم أمسى سليباً                         ومسلمة لهـا حـرم سليبُ

وكـم مـن مسجد جعلوه ديراً                        على محرابه نُصب الصليبُ

أمـور لـو تأمَّلـهنَّ طـفـل                       لـثـارَ في مفارقه المشيب

أتُسبى المسلمـات بكلِّ ثغرٍ                         وعيش المسلمين إذاً يطيب

أمــا لله والإسـلام حـق                         يـدافع عنه شُبانٌ وشيبُ؟

فقل لذوي البصائر حيثُ كانوا                          أجيبوا الله ويحكمو أجيبوا

في خضمِّ هذه الأحداث الدامية والمآسي المتتالية والفواجع النازلة يتطلع المسلمون لمخرَج من هذا الواقع الأليم، ولمنقذ ينتشل الأمة مما هي فيه من ذلة وهوان، ولقائد يقف في وجه الطغيان، ويوقف زحف الأعداء ونزيف الدماء.

وفي مثل هذه الظروف حين يدلهمُّ الخطب وتتوالى المحن، يشتبه الأمر على كثيرين فلا يميزون بين صديق وعدو، فيعظمون من حقُّه الإذلال ويخفضون من حقُّه الرفع، وحين ينبلج الصبح وتتضح الأمور يعضون أصابع الندم ولات ساعة مندم.

ولا ننسى قصيدة أحمد شوقي في تبجيل مصطفى كمال أتاتورك التي سماها تكليل أنقرة وعزل الآستانة أي تكليل الكمالية وعزل السلطان والخلافة، عندما ادَّعى أتاتورك الانتصار على اليونان في حربه التمثيلية ضدهم وأطلق أحمد شوقي أبياته المشهورة:

الله أكبر كم فـي الفتح من عجبِ               يـا خالد الترك جدِّد خـالد العربِ

يـومٌ كبدر فخيلُ الحق راقصـة                على الصعيد وخيل الله في السحب

ولكن أحمد شوقي أسقط في يده بعد ذلك عندما فوجئ بأن خالد الترك بدلاً من أن يجدد خالد العرب، بدد مجد الترك ومجد العرب.

ومما يزيد الطين بلة أنه في مثل هذه الظروف يصغي الناس لكل ناعق ويتكلم في قضايا الأمة الكبار من ليس أهلاً لذلك فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ، بل ويسخر الناس من دعاة الحق المستنيرين بهدي الكتاب والسُّنة.

ومهما ادلهمت الفتن واختلطت الأمور ونشط دعاة الضلال فإن أهل الحق يجب عليهم أن يصدعوا بالحق وأن يقولوا ما يمليه عليهم دينهم مهما كان اغترار الناس بالباطل ودعاته ومؤيديه.

وقـال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين[ [الأنعام: 55].

أي: نخبرك بمعالم التوحيد، ومعالم الرسالة، وأسس العقيدة، ليتبين لك الحق من الباطل والهدى من الضلال.

فلزاماً على كل داعية، وكل عالم وطالب علم أن يوضح للناس المشارب والمذاهب.

ولا شك أن ما يجري على أرض فلسطين ولبنان من اعتداء سافر من اليهود، لا يقرُّه شرع ولا عقل، ولا يرضى به ذو ضمير حي، ولكن مع ذلك لا بد أن تقال كلمة الحق ويحذر من دعاة الضلال، وممن يرفعون الشعارات البراقة التي يخفون وراءها الحقد الدفين والكفر البواح، مستغلِّين غياب أهل الحق عن القيام بما يجب عليهم.

ومن الخطأ في الفهم أن يظن ظانٌّ أن الإنسان حين يحذر من الرافضة وخطرهم أنه يؤيد اليهود أو يقف في صفهم، أو يرضى بما يحدث على أيديهم من سفك للدماء وأنهم لا يفرقون في حربهم بين طفل وشيخ وامرأة.

وأنه لا يكترث برؤية الشيوخ والنساء والأطفال تتطاير أشلاؤهم وتنتثر دماؤهم.

فهذا فهم خاطئ، لأن الإسلام دين الرحمة وقد حرم على أتباعه حين يخوضون حرباً مع أي عدو لهم أن يقتلوا أو يعتدوا على غير المحاربين.

روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله r قال: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين».

وروى أبو داود عن رباح بن ربيع قال: كنا مع رسول الله r في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال: «انظر علام اجتمع هؤلاء» فجاء فقال: على امرأة قتيل فقال: «ما كانت هذه لتقاتل» قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلاً فقال: «قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً».

هذه هي تعاليم الإسلام السمحة التي تبيِّن أنه دين الرحمة حتى مع الأعداء.

فكفرهم بالله تعالى لا يحلُّ لنا أن نسفك دماءهم أو نظلمهم أو نعتدي عليهم بأي لون من ألوان الاعتداء، فلا يجوز قتل غير المحاربين المحادِّين لله ورسوله r الذين يصدّون عن سبيله ويؤذون أهل دينه.

والتحذير من حزب الله ومن الشيعة عموماً واجب على كل من عرف عقيدة التوحيد، وخصوصاً حين يغتر بهم كثير من المسلمين ممن لا يعرفون عقائدهم، وحين يدَّعون أنهم حماة الإسلام والمدافعون عنه وأنهم يحاربون من أجل عقيدة التوحيد ونصرة الدين، فيلتبس الحق بالباطل، ويغتر بشعاراتهم كثير من الدهماء، وربما أدى الأمر ببعض الجهال إلى تصحيح عقائدهم والثناء عليهم.

وحريٌّ بنا ونحن نعيش في هذا الوضع أن نتذكر أحد علماء الإسلام ممن كان له موقف مشهود مع أحد سلف الرافضة وهو الحاكم العبيدي (المعز) وكيف أن هذا العالم لم يغتر بالشعارات والخطب الرنانة والبطولات المزعومة فقال كلمة الحق ولم يداهن ولو كلَّفه ذلك حياته.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في ترجمة الحاكم العبيدي المعز، المدعي أنه فاطمي:

وحين نزل الإسكندرية تلقَّاه وجوه الناس، فخطبهم بها خطبة بليغة ادعى فيها: أنه ينصف المظلوم من الظالم، وافتخر فيها بنسبه، وأن الله قد رحم الأمة بهم، وهو مع ذلك متلبس بالرفض ظاهراً وباطناً.

كما قاله القاضي الباقلاني: إن مذهبهم الكفر المحض، واعتقادهم الرفض، وكذلك أهل دولته ومن أطاعه ونصره ووالاه، قبحهم الله وإياه.

وقد أحضر إلى بين يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي فقال له المعز: بلغني عنك أنك قلت: لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة، ورميت المصريين (أي العبيديين) بسهم.

فقال: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله.

فقال: كيف قلت؟

قال: قلت: ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر. وقال: ولِمَ؟

قال: لأنكم غيَّرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم، فأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً، ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث، فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن، قال اليهودي: فأخذتني رقة عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات رحمه الله.

فكان يقال له: الشهيد، وإليه ينسب بنو الشهيد من أهل نابلس إلى اليوم، ولم تزل فيهم بقايا خير[1].

إن فلسطين قد فتحها عمر رضي الله عنه فهل يمكن أن تفتح ثانية على يد من يتخذ من لعن عمر رضي الله عنه عقيدة وديناً؟

أقول: كلا والله.

إن أرض فلسطين وغيرها لن يعيدها إلى حوزة الإسلام إلا أتباع عمر الذين يترضون عنه ويتلمسون هديه ويقتدون به.

أما أعداء الصحابة ومن يلعنون عمر فوالله الذي لا إلـه غيره لن يزيدوا الأمة إلا خبالاً ولن تجني منهم غير الحسرة والندامة، وسيكشرون عن أنيابهم حين يستتب لهم الأمر، وسيظهرون حقدهم ويصبُّون جام غضبهم على أهل السُّنة، فيستبيحون أرضهم وينتهكون عرضهم ويخرجونهم من ديارهم، كما يحدث الآن في العراق وإيران.

عندها يفيق النائمون ويندم المفرطون ولكن بعد فوات الأوان.

ولذلك ينبغي لكل من عرف عقيدة التوحيد وآمن بما جاء في كتاب الله تعالى من الأمر بموالاة المؤمنين ومحادّة الكافرين، أن يتبرأ من حزب الله وألا يغتر به وبقيادته، مهما طبل له المطبلون، وأن يقول كما قال العالم أبو بكر النابلسي للمعز العبيدي: ينبغي أن نرمي حزب اللات بتسعة ثم نرمي اليهود بالعاشر.

د. محمد البراك

 

1) البداية والنهاية (11/322).