[ALIGN=JUSTIFY]
قد علمنا أن الأصل والقاعدة أن يكون عمل المرأة في بيتها قياما بالحقوق الزوجية وواجبات الأمومة وتربية الأبناء وأن هذه أمور ليست بالسهلة فإنها كما قلنا تأخذ وقتا وجهدا كبيرين .
وأن المكلف بالسعي والكسب والإنفاق هو الزوج لقوله تعالى : (( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )) ولكن إذا كانت هناك حاجة شخصية أو إجتماعية تدعو المرأة للعمل خارج البيت فهذا يجوز بقدر الحاجة وفي مجال أو عمل لا يترتب عليه محاذير ولا فتنة لنفسها أو غيرها ، فلو احتاجت المرأة إلى الأشتغال خارج بيتها لكسب رزقها لعدم وجود من يعولها أو أن يكون عائلها مريضا أو عاجزا أو فقيرا لا يكفيه عمله أو ليس بصاحب حرفة أو صنعه أو انشغاله بما هو أهم أو اشق من الأعمال الأخرى ، فعندئذ تضطر للعمل لكسب العيش أو للمساعدة فهذا جائز بالشرط السابق .
* وهذه هي الأدلة على جواز هذا الأمر :
أولا : من الكتاب الكريم :
· قوله تعالى مخبرا عن موسى – عليه السلام - : ((ولما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتي يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير (23) فسقى لهما ثم تولى إلى الظل )).ففي هاتين الآيتين إشارة إلى الحالة التي تضطر فيها المرأة العمل خارج البيت لان المرأتين قالتا : ((وأبونا شيخ كبير ))وهو اعتذار عما دعاهما إلي الخروج وسقي أغنامهما ، دون وليهما الذي يتولى ذلك عادة إذ كان عاجزا عن ذلك ، ثم في الأيتين بعد المرأتين عن مخالطة الرجال والتزامها الحياء والوقار بقولهما : ((لا نسقي حتي يصدر الرعاء )) وهو ايضا دليل ضعف المرأة وعدم قدرتها على مزاحمة الرجال ومساجلتهم في الأعمال التي تختص بهم عادة ، وفيها أيضا أنه ينبغي للمسلمين أن يعينوا الضعفاء من النساء وأن تأخذهن الغيرة لحمايتهن وصون أعراضهم عن التبذل والإنكشاف ، وفي القصة أيضا طلب المرأتين من أبيهما أستئجاره ليكفيهما العمل خارج المنزل وقد فعل ، فإذا انتهت حالة الإضطرار للخروج والعمل عادت المرأة إلي مسكنها ومنزلها ومكانها الأول .
· قوله تعالى : ((وإن اردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف )) ففي الأية أنه يجوز استئجار المرأة للرضاعة ويجب على ولى الطفل أن يقدم لها أجرها وقد تكون هذه الرضاعة في بيتها كما قد تكون فى منزل الطفل ولا شك أن هذا العمل هو من وظائف المرأة الأصلية ومما يتوافق مع فطرتها ولا محظور فيه في الغالب من اختلاط أو خلوة بأجنبي ونحو ذلك .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ثانيا : من السنة المطهرة :
· عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح (هو الجمل الذي يسقي عليه ) وفرسه ، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه ( الدلو الكبير ) وأعجن ، ولم أكن أحسن الخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير – التي أقطعه رسول الله – على رأسي وهي منى على ثلثي فرسخ ( يعادل 3696متر ) فجئت يوما والنوى علي فلقيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال : (( إخ إخ (كلمة تقال لإناخة البعير). )) ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إني قد استحيت فمضي فجئت الزبير فقلت : لقيني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه ، فأناخ لأركبه ، فأستحيت منه وعرفت غيرتك فقال : والله لحملك النوى أشد على من ركوبك معه ،قالت : حتي أرسل إلى أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني.
· عن جابر بن عبد القال : طُلقت خالتي فأرادت أن تجذ نخلها (يقطع ثمارها) فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي – صلي الله علية وسلم – فقال (( بلى فجذي نخلك ، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلى معروفا ))، فهاذان الحديثان يدلان على جواز خروج المرأة للعمل الذي لا بد لها منه تخدم فيه زوجها أو تعينه أو تكسب قوتها فأسماء رضي الله عنها كانت تنقل النوى على رأسها من أرض الزبير رضي الله عنه وهي بعيدة عنها وكانت تستقي الماء، وأجاز النبي – صلى الله علية وسلم – لخالة جابر رضي الله عنهما أن تخرج إلى نخلها فتجني ثمارها فتنفع نفسها وتنفع غيرها بالصدقة ...ولكن مع هذا كله لا يؤخذ من الحديثين جواز تولي المرأة للوظائف في جميع المجالات لأن أسماء وخالة جابر لم تخرجا لتعملا في مصنع أو متجر أو مؤسسة أو نحوها وإنما خرجتا للعمل في مزارعهما حيث لم يكن دوام رسمي ، ولم يكن الخروج إجباريا ولا محظور من الإختلاط أو خلوة من الأجانب ، بل استحيت أسماء من المشي مع رسول الله – صلي الله علية وسلم – وأصحابه وكان عملها لراحة زوجها حتي يتفرغ للأعمال الأخري الشاقة التي لا يمكن أن تعملها كما كانت خالة جابر بحاجة إلي العمل حتي توفر لها قوتها لأنها كانت في عدة الطلاق ولم يكن لها عائل والإسلام لا يمنع من الخروج للضرورة مع مراعاة الأداب والأحكام الشرعية .
· عن رائطة امرأة عبد الله بن مسعود وأم ولده – وكانت امراة صناع اليد قال : فكانت تنفق عليه وعلى ولده من صنعتها – قالت : فقلت لعبد الله بن مسعود : لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة فما استطيع أن أتصدق معكم بشيء فقال لها عبد الله : والله ما أحب – إن لم يكن في ذلك أجر – أن تفعلي . فأتت رسول الله – صلى الله علية وسلم – فقالت : يا رسول الله ، إني امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لي ولا لزوجي نفقة غيرها ، ولقد شغلونى عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق بشيء فهل لي من أجر فيما أنفقت ؟ قال : فقال لها رسول الله – صلي الله عليه وسلم – : ((أنفقي عليهم فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم )) . فأمراة عبد الله بن مسعود رضي الله عنما كانت تعمل وتعيل زوجها وتنفق من عمل يدها وصنعتها عليه وعلى أولادها فأخبرها الرسول – صلي الله عليه وسلم – أن لها في ذلك أجر الصدقة وأقرها على عملها لمساعدة زوجها الفقير .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ثالثا : ما قرره علمائنا :
· قال سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن باز – يرحمه الله - : " أن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلي الإختلاط سواء كان ذلك علي جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدا له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة رغم مصادمته للنصوص الشرعيه التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه "
وقال : " فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب والمرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها لتعليم البنات وادارة مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء فترك واجبات البيت من قبل المرأة يعتبر ضياعا للبيت بمن فيه ويترتب عليه تفكك الأسرة حسيا ومعنويا وعند ذلك يصبح المجتمع شكلا وصورة لا حقيقة ومعني "
· قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – يرحمه الله - :" المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريا أو فنيا أو أن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء مما أشبه ذلك .
وأما العمل في مجالات تختص بالرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث يستلزم الإختلاط بالرجال وهي فتنه عظيمة يجب الحذر منها ويجب أن يعلم أن الرسول – صلي الله علية وسلم – ثبت عنه أنه قال : (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) (( وإن فتنة بني إسرائيل كانت من النساء )) فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتنة وأسبابها بكل حال .
[/ALIGN]
منقول
مؤدب