عندما يخالط الايمان شغاف القلوب
اعلم رحمكَ اللهُ أنّ اللهَ أَمرَ عِبادَه بالإحسانِ، يقولُ الله تعَالى "وأَحسِنُوا واللهُ يحِبُّ المحسِنين" سورة المائدة.
وقال الله تعالى: "الذينَ يُنفِقُونَ في السَّرَّاءِ والضَّرّاءِ والكَاظِمينَ الغَيظَ والعَافينَ عن النّاسِ والهُه يحِبُّ المحسِنينَ" سورة ءال عمران.
(الذينَ يُنفِقُونَ في السّراءِ والضّراءِ) أي في حَالِ اليُسرِ والعُسْر (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) أي الممسِكينَ مَا في أَنفُسِهم مِنَ الغَيظِ بالصّبر، ولا يَظهَرُ لهُ أثَرٌ، والغَيظُ: أَصلُ الغَضبِ، وكثِيراً مَا يَتلازمَان، ولذلكَ فسّرَه بَعضُهم هنا بالغضَب. والغَيظُ تَوقُّدُ حَرارةِ القَلبِ منَ الغضَب.
ووَردَت أحَاديثُ في كَظْمِ الغَيظِ وهوَ مِن أَعظَمِ العِبادةِ . ورُويَ عنه صلى الله عليه وسلم: (مَن كَظَمَ غَيْظاً وهوَ يَقدِرُ على إنفاذِه مَلأ اللهُ قلبَهُ أَمْناً وإيماناً) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
فمَن ذَمَّ الإحسانَ كَفرَ. وإنّ ممّا يجِبُ التّحذِيرُ مِنهُ قَولُ الشّخصِ لآخَرَ (أنَا حِمَار لأنّي عَمِلتُ مَعك مَنيح) لأنّ ذاكَ لم يُقابِل لَهُ إحسَانَه بمثلِه، وكذلكَ قولُ الرّجُلِ لزَوجتِه (أنا حمار لأني أَحسَنت إليكِ)، أمّا إن كانَ يَفهَمُ مِنْ هَذِه العِبارة أنَا عَرفتُكِ فلا أعُودُ للإحسَانِ إليكِ بَعدَ هَذا لأنّكِ لا تَعرِفين لي إحْسَاني، أنا كنتُ أظُنُّ فِيكِ أنّكِ تَعرِفينَ الإحسانَ ولا تُنكِرينَه، الآن عَرفتُكِ، فأنَا غَبيّ في هَذا الأمر، لا فَهمَ لي فِيه، لا مَعرِفَة لي بأَحْوالِ النّاسِ، لا يَكفر.
ومِنْ ذَمِّ الإحسَانِ قَولُ المرأةِ لزَوجِهَا الذي طلَبَ مِنهَا أن تخدِمَه بأن تحضِرَ له شيئًا مِنَ الطّعام: (ما هذِه الوقَاحة)، فإنها تَكفُر ولو كانَت مازِحةً، لأنّه مِنَ المطلُوبِ مِنها شَرعًا أن تخدِمَه، فهوَ أعظَمُ الناسِ حَقّا عَليهَا، والشّرعُ يَأمرُها بأن تُطيعَه في مِثلِ هذا، ولها فِيه ثوابٌ إنْ نَوت به وَجْهَ الله.
اللهُ تعالى يَأمُر بالإحسانِ فإذا قالَ شَخصٌ (أنا إنْ أحسَنتُ إلى فلانٍ الذي لا يُحسِنُ إليّ فهذا هَبلَنَة) يَكفُر والعياذُ بالله.
الشّرعُ يقولُ أَحسِن إلى مَن أَسَاءَ إليكَ وَصِلْ مَنْ قَطعَكَ، يعني رحِمَهُ إذا كانوا لا يَزُورُونَه ويَقطَعُونَه إن هو وصَلَهُم لهُ أَجرٌ كبير.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صِلْ مَن قَطعَك واعْطِ مَنْ حَرمَك"الرّحِمُ الذي قَطعَك صِلَتُهُ أَفضَلُ مِنَ الرّحِم الذي يَصِلُكَ.
وكذلكَ يَكفُر مَن يقولُ عن أُمّه التي يُحسِنُ إليها ولا تَعرِفُ لهُ إحسَانَهُ (ما بتِسْتَاهِل أنْ أعْمَل مَعها الجَمِيْل) إن كان يَفهَمُ مِنْ ذلكَ أنّه لا يَنبغي له أن يُحسِنَ إليها، أمّا إن كانَ يَفهَمُ أنها لا تَشكُر الجمِيلَ لهُ فَلا يَكفُر.
الأُمُّ تُبَرُّ ولَو على المكرُوه وكذلكَ الأبُ، إلا في الحرام.
فلو استَمرَّ في طَاعتِها كانَ خَيرًا لهُ.
وكذلكَ يَكفُر مَن قالَ لآخَر (العَمى بعَينَك وبالمنِيْح الذي تَعمَلُه) إن كانَ يفهَمُ مِنْ ذلكَ ذَمّ عَينِه وذمَّ الإحسانِ الذي يَعمَلُه. أمّا إن كانَ يَفهَمُ إحسَانُكَ كَلا شَىء، مِنْ كَثْرةِ إيْذائِه لهُ فَلا يَكفُر.
وسئل شيخنا رحمه الله عن الزّوجَةِ المتعَبةِ فقَال لها زَوجُها حَضّري لي الطّعام فقَالت (ما أَزنخه).
فقال الشيخ رحمه الله: إنْ كانَ يَعرِفُ حَالها أَنها مُتعَبة فقَالَت لهُ ذلكَ لا تَكفُر، أمّا إن كانَت تَعتَقِدُ أنّهُ لا يَعلَمُ بحَالها ومعَ ذلكَ وصَفتْهُ بهذا تَكفُر، إلا إذا كانَ هوَ بشِدّةٍ أَلحّ علَيها، أمّا إذا عَرَض علَيها عَرْضًا بلُطْفٍ بدُون إزعَاجٍ بدُونِ إجْبارٍ ومَع هَذا اعتَبرتْهُ زنَاخَة تَكفُر.
لأنّ هَذا مِن بابِ المعَاشَرةِ بالمعروفِ، الزّوجُ إذا طَلبَ مِنها شَيئًا مَا فيهِ ضَررٌ في دِينها ولا في جِسمِها، وطَلبَه منها برِفْق بدُونِ صُرَاخٍ، إن اعتَبرت هَذا زَناخَة تَكفُر، لأنّ هَذا مِن بابِ المعَاشَرةِ بالمعروف، وإذَا لبَّت طلَبَه يَكُونُ لها ثَواب إن نَوت بهِ نيّةً حسَنة.[/]