بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسولنا الكريم .. صلى الله عليه وسلم في الأولين والآخرين .. وعلى آله الطيبين .. وصحابته الغر الميامين .. والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .. ثم أما بعد:
لا يمكن إنكار الأمرين.. من كِلا الفرقتين .. أن المتعة كانت موجودةً زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكانت الإباحة بالمتعة في أوقات الجهاد فقط! .. ثم حرّمت عام خيبر ونسخت بالتحريم .. ثم أحلت حتى عام الفتح ثم نسخت بالتحريم إلى يوم القيامة .. وبهذا أحلت مرتين ونسخت بالتحريم مرتين .. ولم ينسخ الشيعة الإمامية التحريم ولم يأخذوا بالأمر والنهي وأنكروا ذلك في جميع كتبهم .. ففي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .. فخذ مثالاً واقعاً وصريحاً وواضحاً وشافياً بإذن الله ففي بعض أحكام الدين ما كان مباحاً زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالخمر الذي لم ينزل فيه خبر حتى سأل عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفرٌ من الأنصار رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا: افتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبةٌ للعقل مسلبةٌ للمال .. فأنـزل الله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) .. وجميع الأديان السماوية متفقةٌ على حرمة شرب الخمر وبيعه وتداوله الذي يذهب بالعقول ويسلب المال من صاحبه .. والأدلة على ما كان مباحاً زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخ بالتحريم إلى يوم القيامة كثيرةٌ غزيرة .. ولا أريد أن أطيل فيها .. وإنما أوردتها لتكون مقدِّمةً للمسألة التي نحن بصدد الخوض فيها .. فالمسألة أنه هناك قبل وبعد .. والأخذ بالدليل عندنا نحن أهل السنة والجماعة هو ما وقع بعد أي ما نسخ واتفقت الأمة عليه بالإجماع من قول الله عز وجل وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتبع الدليل ولا نتبع الرجال.
ومن هنا أقول متوكلاً على الله: أن للمتعة خراباً ودماراً لا يفهمه إلا العقلاء .. فهي تهدم ولا تبني .. وتُظمي ولا تسقي .. فالنكاح هو الحل الوحيد لدحر وإغلاق زواج السِّفاح .. فهو يربط الولد بوالده وأمه .. بعكس ما يسمى المتعة ( الضياع بسبب الضباع ) فهو يهدم صرحاً .. ويردم سدّاً .. فلا يعقل أن تتمتع المرأة مع أكثر من رجل حتى لو كانت متزوجة ثم يقع الحمل ( أي ابن السِّفاح ) فينسب الولد إلى سيّء الحظ فيكون ابنه! كيف؟ ولماذا؟ ولمن هذا؟ .. لا يهم! ألا ترى هنا السبب .. هو ضياع النسب؟!. حيث يقول الحر العاملي في وسائل الشيعة (14/457). والعلامة الحلي في تحرير الأحكام (3/522 ، 523) . ما نصه: ( ويجوز على المذهب الشيعي التمتع بذات الزوج! وسؤالها هل لها زوج ليس شرطاً في الصحة، وسؤالها بعد العقد مكروه )!. والأدهى والأمر هو جواز التمتع بالزانية كما يقر بذلك الخميني في تحرير الوسيلة (2/292). والحلي في تحرير الأحكام (3/519) . ضاربين بذلك كتاب الله عرض الحائط وهو القائل جل في علاه: ( لاَيَنْكِحُ إِلاَّزَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِين ) النور الآية 3. أي أن المرأة الشيعية العفيفة المتمتعة عندهم مع الزانية سواء!! .. فأيُّ احتقارٍ لهؤلاء الضآلون لكم يا معشر الشيعة!.
لقد عارض كبار الصحابة ابن عباسٍ رضي الله عنهما في فتواه التي أجاز فيها المتعة للمضطر فقط! وليست حكماً مطلقاً .. فعن أبي جمرة قال: "سمعت ابن عباس –رضي الله عنه- يسأل عن متعة النساء فرخص فيها، فقال له مولى له: إن ذلك في الحال الشديدة، وفي النساء قلة ونحوه ، فقال ابن عباس: نعم. كما جاء ذلك عند البخاري، ومع أن ابن عباس لم يحكم بإباحتها مطلقاً وأنه قال هي للمضطر! وقد قيل لابن عباس: "لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء"، يعني المتعة، فقال: "والله بهذا أفتيت وما هي إلا كميتة لا تحمل إلا للمضطر" انظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري (9/171). وانظر: للبيهقي في كتاب النكاح: باب نكاح المتعة (7/205).
وكان ممن عارضه وأنكروا عليه بشدة خليفة المسلمين وسيدٌ من سادتنا وإمامٌ من أئمتنا عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه حيث قيل له: "إن ابن عباس لا يرى في متعة النساء بأساً". فقال:"إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية".كما جاء ذلك في البخاري، وكذلك أنكر عليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد تراجع عن فتواه حبر الأمة ابن عباس ٍ رضي الله عنهما حيث نقل الترمذي والطبراني وابن حجر رحمهم الله رجوعه عن فتواه في جواز المتعة حتى للمضطر.انظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري (9/173). وأيضاًَ نقل القرطبي عن ابن العربي جزمه بثبوت رجوع ابن عباس عن فتواه في المتعة. انظر: الجامع في أحكام القرآن للقرطبي (5/87). وأيضاً ذكر الترمذي بعد حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه المعروف في النهي عن المتعة فقال: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم - وغيرهم, وإنما روي عن ابن عباس شيء من الرخصة في المتعة ثم رجع عن قوله، حيث أُخبر عن النبي– صلى الله عليه وسلم -"انظر : سنن الترمذي (3/430). وأيضاً جاء في الحديث الصحيح حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبدالله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية ) . انظر: صحيح مسلم: 1407. وللتوضيح أن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قبل الرجوع عن فتواه لم يبلغه المنع حيث أنه يبيح المتعة بالنساء وكذلك لحوم الحمر الأهلية! والحديث الذي روي عن طريق سيدنا عليٍّ رضي الله عنه كان يختص بتحريم المتعة ولحوم الحمر الأهلية! ..
واختلاف الصحابة لا يعني قلة الفهم والعلم بين الآخر والآخر .. فقد يكون التحريم وصل إلى واحدٍ دون الآخر .. فيقول الأول بالتحريم ويقول الثاني بالإباحة .. وعندما يصل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحريم إلى القائل بالإباحة فإنه يتراجع عن فتواه .. فيكون القبول والتسليم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم .. فكلّاً يؤخذ منه ويرد إلا رسولنا الكريم صلوات ربي عليه وسلامه .. واختلاف الصحابة موجود .. ولكن العبرة ما وافق النص! وليس ما وافق الشخص! وإننا بذلك نقر اتباع الدليل ولا نقر اتباع الرجال .. لأنه ليس في الأمة معصوم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وباقي البشر من الصحابة وآل البيت رضوان الله عليهم أجمعين بشراً يخطؤون ويصيبون .. ولو كانت العصمة موجودةً لغير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأعلنها إقراراً للحق ودحراً للشبهة .. وبهذا نقرُّ ما أقرّه الحبيب المصطفى صلوات ربي عليه وسلامه .. وننهى عمّا نهى عنه .. وقد انعقد التحريم من جميع الصحابة بما فيهم عليٌّ رضي الله عنهم أجمعين والعلماء وحكاه جميعٌ غفير .. فهل أضرب بالحديثين الصحيحين الذي رواه البخاري ومسلم عن طريق عليٍّ رضي الله عنه في تحريم المتعة وانكاره لقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما عرض الحائط؟!
وعلى إثر هذا نوصد الباب .. خلف كلِّ كذاب .. بحديث التحريم النهائي الذي وجهه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة .. لينزيه المؤمنين .. ويدحر الطامعين .. ويكون حجةً على الكاذبين .. ففي الحديث الصحيح عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن أبيه أنه غزى مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، فقال: "يا أيها الناس، إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فيخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً" انظر: صحيح مسلم كتاب النكاح: باب نكاح المتعة ح (1406). وفي هذا الحديث ثبوت التحريم نهائياً والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ( وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ). وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله هذه المسألة فقال: ( لا أعلم شيئاً أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة ). انظر: المغني 10/47.
وعلى ما تقدم من البيان والتبيين .. وحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين .. اندثرت الغشاوة عن أعين الجاهلين .. وَرُدَّ الكَلِمُ على الكاذبين .. فاكتفيت بالأصح على ما ذكرتَ من الصحاح .. ثم انتقلت إلى أمهات كتبكم يا معشر الشيعة .. ومن أصحها أخذت أقوال علمائكم الجهلة .. التي تضاربت أقوالهم .. وتعارضت عقولهم .. فمن يقول في كتابه بإباحتها .. ومن نفس المصدر يقول بتحريمها! .. فقد جاء عن الإمام الصادق في المتعة قال: "ذلك زنا"، وعن الباقر قال: "هي الزنا بعينه"، وروى الكليني بإسناده عن المفضل ابن عمر قال سمعت أبا عبد الله يقول: "دعوها، أما يستحي أحدكم أن يُرى في موضع العورة، فيُحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه". انظر: خلاصة الإيجاز للشيخ المفيد (57). وجواهر الكلام للشيخ الجواهري (30/ 151). وعن الصادق أيضاً أنه سئل عن المتعة فقال: "وما تفعلها عندنا إلا الفواجر". انظر: زواج المتعة للشيخ جعفر مرتضى (2/ 133). وسائل الشيعة للحر العاملي (21/ 30) .
فمن تأخذون بقوله خليفة المسلمين عليٌّ وأبنائه الإمام الصادق والباقر رضي الله عنهم أم قول حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما بالإباحة ثم الرجوع والتسليم بحرمتها إلى يوم القيامة؟!.
وهذا والله أعلم ونسبة العلم إليه أسلم وأحكم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على رسولنا الأمين