العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتـــــــــديات العـــــــــــامـــة > الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-09, 11:21 PM   رقم المشاركة : 1
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


Thumbs up نهاية العام ؟؟؟؟


أيام قلائل ونودع عاماً ونستقبل آخر ، تنقضي صفحة من صفحات أعمارنا وتفتح أخرى ، ولا ندري عن هذه الصفحة هل بيضناها بصالح قرباتنا أم سودناها بسوء أعمالنا .

نودع عاماً ونستقبل آخر وأمة الإسلام تزداد جراحها وتعلو أناتها وتتوالى صرخاتها ومخالب أعدائها الفولاذية تنهشها من كل جانب .
نودع عاماً ونستقبل آخر وفي نسائنا من تسبح في بحار الغفلة وتسير مع رياح الهوى ، وفي شبابنا من تجده بلا " أهداف سامية ولا همم عالية ولا أخلاق غالية ، تجردوا من العزائم وأُصيبوا بإحباطات وهزائم وغاية مقصدهم الأفراح والولائم ... حُرموا نور الهداية وحسن البداية والاستعداد للنهاية ، المساجد منهم مهجورة والمقاهي بهم معمورة ضيعوا الصلوات وولغوا في الشهوات ، ويسهرون الساعات ويزجون الأوقات ، لم يفلحوا في دنيا ولا دين وهم في غيهم سادرين " يصدق عليهم وعلى أمثالهم قول القائل :
لو أنَّ للدهر عيناً منهمو دمعت
أو أن للصخر قلباً نابضاً لبكى
أَزرَوْا بأمتهم من سوء سيرتهم
لأجلهم كم سألنا الموت لو فتكا


لا بد من وقفة لكل واحد في نهاية العام ، ماذا قدم لآخرته ؟ وماذا فعل لنصرة دينه ؟ وكم سعى لنفع إخوانه من المحتاجين والمساكين ؟ .

أصحاب الأموال ورجال الأعمال يقومون بمحاسبة دقيقة ومراجعة شاملة لكل ما فعلوه خلال عام كامل ، كم كسبوا وكم خسروا ، وماذا أنفقوا وكم ادخروا ، والخاسر منهم يفتش عن سبب الخسارة ليجتنبها ، والرابح يطور تجارته لجني المزيد .
ونحن أحق بطول المحاسبة من أهل التجارات والأموال، لننظر ماذا قدمنا لعام أدبر وماذا أعددنا لعام أقبل .{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . قال الفاروق رضي الله عنه :" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } .
والمحاسبة هي مطالعة القلب وتفكره في أعماله وأعمال اللسان وأعمال الجوارح ، فمن ترك نفسه تلغ في المعصية دون أن يحاسبها فكأنما قتلها ، قال تعالى { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } ، قال ابن كثير رحمه الله : " أي لا تقتلوا أنفسكم بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل ". ( التفسير 1 / 637 ) . وقال سفيان بن عيينة رحمه الله :" كان الرجل يلقى أخاه في زمن السلف الصالح فيقول له : اتق الله وإن استطعت ألا تسيء إلى من تحبه فافعل ، فقيل له : وهل يسيء الإنسان إلى من يحبه ؟ ، قال : سبحان الله نفسك أحب الأشياء إليك فإذا عصيت الله فقد أسأت إليها " .وقال الحسن البصري رحمه الله : " لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه ماذا أردت بكلمتي ؟ ماذا أردت بشربتي ؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه " ، وقال بعض السلف :" من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها ولم يجرها إلى مكروهها فهو مغرور ، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها " .

فلينظر كل واحد منا إلى تقصيره ، وليعزم عزماً أكيداً أن يحسن فيما يستقبله من أيام ، وليأخذ بالعزيمة الصادقة مع ربه على أن يكون عامه الجديد خيراً مما قد مضى .فالنفس سريعة التقلب ميالة إلى الشر كما أخبر بارئها عنها بقوله {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}. قال أبو حامد الغزالي رحمه الله :" اعلم أن العبد كما ينبغي أن يكون له وقت في أول النهار يشارط فيه نفسه على سبيل التوصية بالحق ، فينبغي أن يكون له في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها ، كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء آخر كل سنة أو شهر أو يوم ، حرصاً منهم على الدنيا وخوفاً من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخيرة لهم في فواته ... فكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلق به خطر الشقاوة والسعادة أبد الآباد ؟ ما هذه المساهلة إلا عن الغفلة والخذلان وقلة التوفيق نعوذ بالله من ذلك " أ.هـ . ( الإحياء 4 / 588 ) .
معنى المحاسبة :
ومحاسبة النفس كما عرفها الماوردي هي :" أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال في نهاره ، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه ، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل ". ( أدب الدين والدنيا 342 ) .وقال ابن القيم رحمه الله :" المحاسبة أن يميز العبد بين ما لَه وما عليه فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه لأنه مسافر سفراً لا يعود" .( المدارج ) .
أهميتها :
ــ والمحاسبة الجادة تمنع الأمة من الغرق في لجج الفساد والتيه المنتهية بنارٍ وقودها الناس والحجارة ، فحينما لا يتوقع الفرد والمجتمع حساباً على تصرفاتهم فإنهم ينطلقون في شهواتهم وأهوائهم ويتقلبون في مهاوي الخطيئة بلا زمام ولا خطام ، وهذه حال أهل النار الذين أخبر الله عن سبب شقائهم فقال { إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتـِنَا كِذَّاباً } .
ــ المحاسبة تمكن العبد من الاطلاع على عيوب النفس ونقائصها ومثالبها ، ومن اطلع على عيوب نفسه أنزلها منزلتها الحقيقية ومنعها من الكبر والتغطرس فمعرفة قدر النفس تورث العبد تذللاً لله وعبودية له فلا يمنُّ بعمله مهما عظم ولا يحتقر ذنبه مهما صغر وهذه علامة التوفيق ، قال أبو الدرداء رضي الله عنه : " لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً " .
ـ كما أنها تزكي النفس وتطهرها وتلزمها أَمْر ربها فيفلح صاحبها ويفوز برحمة الله ورضوانه ، قال تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } . قال مالك بن دينار رحمه الله :" رحم الله عبداً قال لنفسه : الست صاحبة كذا ؟ ألست صاحبة كذا ؟ ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله عز وجل فكان لها قائداً " .
ــ المحاسبة تنمي عند المسلم الشعور بالمسؤولية والتصرف وفق ميزان الشرع الدقيق . يقول ابن القيم رحمه الله محذراً من ترك المحاسبة :" أضرُّ ما على المكلف الإهمال وترك المحاسبة والاسترسال وتسهيل الأمور وتمشيتها ، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك ، وهذا حال أهل الغرور : يغمض عينيه عن العواقب ويُمَشِّي الحال ويتكل على العفو فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة ، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنس بها وعسر عليه فطامها "أ . هـ . ( المدارج ) .
ورحم الله القائل :
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاحذر هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يُعْمِ أو يُصِم
وراعها وهي في الأعمال سائمة وإن هي استَحْلَتِ المرعى فلا تسم
كم حسَّنَت لذةً للمرء قاتلة من حيث لم يدر أن السم في الدسم

وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم
أيها الأخوة : إذا كان أرباب الأعمال وأرباب الدنيا يجعلون المحاسبة والتدقيق والمراجعة من أهم مراحل العملية الإدارية ، فبدون هذه المراحل تكون المنشأة عرضة لخطر محقق ، فما الظن بالعبد الضعيف الذي يتناوب عليه الليل والنهار ويجرانه إلى حتفه جراً ليلقى ربه فإما فوز ونجاة وإما عذاب وشقاء ؟ قال ميمون بن مهران رحمه الله :" إنه لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه " .
والمحاسبة أنواع :
أولها : أن يحاسب العبد نفسه على التقصير في الطاعات في حق الله تعالى ، ثم يسعى في جبر النقص بالنوافل .
ثانيها : أن يحاسبها بعد القيام بالعمل على المعاصي التي ارتكبها ، يقول ابن القيم رحمه الله :" وبداية المحاسبة أن تقايس بين نعمته عز وجل وجنايتك ، فحينئذٍ يظهر لك التفاوت وتعلم أنه ليس إلا عفوه ورحمته أو الهلاك والعطب . ويتابع : وبهذه المقايسة تعلم أن الرب رب والعبد عبد ، ويتبين لك حقيقة النفس وصفاتها وعظمة جلال الربوبية وتفرد الرب بالكمال والإفضال وأن كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل ... فإذا قايست ظهر لك أنها ( أي النفس ) منبع كل شر وأساس كل نقص وأن حدَّها : أنها الجاهلة الظالمة وأنه لولا فضل الله ورحمته بتزكيته لها ما زكت أبداً ولولا إرشاده وتوفيقه لما كان لها وصول إلى خير البتة فهناك تقول حقاً أبوء بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي .أ . هـ . رحمه الله . ( المدارج ) .
النوع الثالث من أنواع محاسبة النفس ، هو محاسبتها على أمر كان تركه خيراً من فعله ، أو على فعل مباح لم فعله ؟ أورد أبو نعيم بسنده عن الحسن قوله :" إن المؤمن يفجؤه الشيء ويعجبه فيقول : والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ، ولكن والله ما من صلة إليك هيهات حيل بيني وبينك ، ويفرط في الشيء فيرجع إلى نفسه ويقول ما أردت إلى هذا وما لي ولهذا والله ما لي عذر بها ووالله لا أعود لهذا أبداً .
نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم :
ولأهمية المحاسبة فقد كان السلف يحاسبون أنفسهم حساباً شديداً :
ــ قال أنس بن مالك رضي الله عنه :سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر أمير المؤمنين ، بخٍ بخٍ !! والله بُنيَّ الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك " .
ــ وقال إبراهيم التيمي :" مثَّلتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها ، فقلت لنفسي : يا نفس أي شيء تريدين ؟ ، فقالت : أريد أن أردَّ إلى الدنيا فأعمل صالحاً ، قلت : فأنتِ في الأمنية فاعملي .
ــ وحكى صاحبٌ للأحنف بن قيس قال : كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل ، وكان يجيء إلى المصباح فيضع أصبعه فيه حتى يحس بالنار ثم يقول لنفسه : يا حنيف ! ما حملك على ما صنعت يوم كذا ؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا ؟ .
ــ ونُقِل عن توبة بن الصَّمة أنه جلس يوماً ليحاسب نفسه فعدَّ عمره فإذا هو ابن ستين سنة ، فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألفاً وخمسمائة يوم ، فصرخ فقال : يا ويلتي ! ألقى الملك بواحد وعشرين ألف ذنب ! فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب
أيها الأحبة : إن استقبالنا لعام هجري جديد يذكرنا بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم " أن بعثه الله والضلال قد خيم على أهل الأرض وقد مقتهم الله عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ، بعثه والناس يعبدون الحجارة والخشب والأولياء ويعيشون على السلب والنهب والقتال فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة وبصَّر به من العمى وقام بأداء رسالة ربه خير قيام فبشر وأنذر ، وصدع بأمر الله تعالى وجهر ، وجعل المشركون يسخرون منه ويستهزؤن به ويؤذونه أشد الأذى ويعذبون من آمن به ليردوهم عن دينهم وكان عمه أبو طالب يحميه من أذى قومه وكانت زوجته خديجة رضي الله عنها تؤنسه وتعينه واشتد أذى قومه له ولمن آمن به ومات عمه أبو طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها فاشتد حزنه وتطاول عليه المشركون وقويت عليه الكربة وضاق به الحال فقيض الله له الأنصار من أهل المدينة والتقوا به في موسم الحج وآمنوا به وبايعوه على أن يمنعوه إذا قدم إليهم في المدينة مما يمنعون منه نسائهم وأولادهم ، وبعد البيعة أذِن الله له بالهجرة فهاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول بعد ثلاث عشرة سنة من بعثته وبصحبته أبو بكر رضي الله عنه فاستقبله الأنصار ومنعه الله بهم من أذى الكفرة والمشركين وأسس الدولة الإسلامية ، وما هي إلا أعوام قليلة حتى فتح الله له مكة فدخلها فاتحاً منصوراً تحيط به جيوش التوحيد وكتائب الإسلام ثم دانت له عرب الجزيرة وتوطد فيها حكم الإسلام وعبد الله وحده لا شريك له " ( الخطب المنبرية للفوزان 117 ــ 118 بتصرف ) .
هذه الحادثة " تمد المسلمين بالعبر والعظات والدروس والتوجيهات ، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، فقد تزود فيها النبي صلى الله عليه وسلم للسفر وركب الناقة واستأجر الدليل ولو شاء الله لحمله على البراق ولكن ليكون قدوة لأمته من بعده .
وإن حال المسلمين اليوم يوجب الاستفادة من معاني الهجرة النبوية ، فلن يصلح حال المسلمين في هذا العصر إلا بما صلح به أولها من الإيمان الحق بالله والتوحيد الخالص والتمسك بكريم الأخلاق والصدق مع الله والتوكل عليه والصبر على المكاره وإحسان العبادة وفق ما جاء في السنة المطهرة ، وبذل الغالي والنفيس نصرة لدين الله عز وجل.
ومن فاته ثواب الهجرة إلى الله ورسوله زمن النبوة فقد شرع الله له هجرة من نوع آخر فيها ثواب عظيم وأجر جزيل " إنها هجرة الذنوب والمعاصي ، فاهجر المعصية وهاجر إلى الطاعة واهجر التفريط وهاجر إلى الاستقامة ، واهجر التمرد والآثام إلى الانقياد والاستسلام، وهاجر بقلبك من الركون إلى الدنيا والاطمئنان إليها إلى الدار الآخرة والرغبة فيها ، قال صلى الله عليه وسلم :" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ".واهجر الكسل وطول الأمل إلى الجد والاجتهاد في طاعة الله وخاصة في هذه الأيام التي كثرت فيها الفتن ، قال صلى الله عليه وسلم :" عبادة في الهرج ــ أي زمن الفتن ــ كهجرة إلي" . رواه مسلم . ( المصدر السابق ) .
وينبغي أن نعلم أن " لكل أمة تأريخاً وتقويماً تتمسك به ، فلليهود تأريخهم وللنصارى تأريخهم وللصينيين كذلك ... " ( المصدر السابق ) . " وقد كان ابتداء تـأريخ أمة محمد صلى الله عليه وسلم : التأريخ الهجري منذ عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين ورده خطاب من أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه يأتينا منك كتب ليس لها تأريخ ، فجمع الناس في سنة ست عشرة أو سبع عشرة من الهجرة فاستشارهم من أين يبدأ التأريخ ؟ : فقال بعضهم يبدأ من مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم يبدأ من بعثته ، وقال بعضهم يبدأ من هجرته ، وقال بعضهم يبدأ من وفاته ولكنه رضي الله عنه رجّح أن يبدأ من الهجرة لأن الله فرق بها بين الحق والباطل وقام فيها كيان مستقل للمسلمين فاتفق فيها ابتداء الزمان والمكان ، ثم إن الصحابة الذين جمعهم عمر رضي الله عنهم أجمعين تشاوروا من أي شهر يبدؤون السنة ؟ : فقال بعضهم من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة ، وقال بعضهم من رمضان لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن ، واتفق رأي عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على ترجيح البداءة بالمحرم لأنه شهر حرام ويلي ذي الحجة الذي فيه أداء الناس حجهم الذي به تمام أركان الإسلام لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة ، ثم إنه الشهر الذي بايع فيه النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار على الهجرة وتلك البيعة من مقدمات الهجرة فكان أولى الشهور بالأولية.( الضياء اللامع للعلامة العثيمين رحمه الله 307 بتصرف يسير ) .
إلا أن أمة الإسلام في هذه الأزمنة لم تراعِ هذه المعاني وتهاونت في تأريخها، ففي كثير من بلدان المسلمين يعتمدون التأريخ الميلادي ، وهو تأريخ نصراني يرمز إلى يوم ولادة المسيح عليه السلام ، وما ذلك إلا مظهر من مظاهر انسلاخ الأمة من دينها ومسخ شخصيتها ووقوعها في الهزيمة النفسية التي سيطرت على المسلمين جماعات وأفراداً .
يقول العلامة ابن عثيمين رفع الله درجاته في عليين :" إن من المؤسف حقاً أن يعدل المسلمون أكثرهم اليوم عن التأريخ الإسلامي الهجري إلى تأريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت إلى دينهم بصلة ، ولئن كان لبعضهم شبهة من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم على أن يتناسوا تأريخهم الإسلامي الهجري ، فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تأريخ النصارى الميلادي وقد أزال الله عنهم كابوس المستعمرين وظلمهم وغشهم ... " . ( الضياء 2 / 702 ) .
إن اعتماد التأريخ الهجري ربط للأمة بدينها وعزها ومجدها ويجعلها في تواصل دائم مع معاني الهجرة العظيمة وما ترتب عليها من إقامة دولة الإسلام التي نشرت الإيمان والعدل في أرجاء العالم ، كما أنه عنوان تميز الأمة عن غيرها في شتى الميادين : في العبادات والمعاملات والأخلاق والآداب ، فالتأريخ اليومي يبدأ من غروب الشمس والشهري من رؤية الهلال والسنوي من محرم ، وكل عبادات الأمة مرتبطة به كدخول شهر رمضان وذي الحجة والأعياد وغيرها ولا يمكن أن تستقيم هذه الشعائر إلا به .ولذا فإن استبداله بالتأريخ الميلادي يعني فقدان تميزها وذوبان هويتها وطغيان الهوية الغربية النصرانية عليها ، وهو اتباع لسنن الضالين ومن كبائر الذنوب ولهذا فقد نص العلماء على منعه .
وإن غلبت الروم ، وكان لا بد من ذكر التأريخ الميلادي الذي أصبح تأريخاً عالمياً وارتبطت به كثيرٌ من مصالح المسلمين ، فليكن التأريخ بالهجري هو الأصل والمعتمد ، ويذكر إلى جنبه التأريخ الميلادي تيسيراً لهذه المصالح .
إن العام الهجري " شهوره هلالية التي ذكرها الله في كتابه بقوله {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } . هذه الشهور جعلها الله مواقيت للعالم كله ، قال تعالى {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } مواقيت للناس كلهم ولا فرق بين عرب وعجم لأنها علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد يعرف بها دخول الشهر وخروجه ، فمتى رؤي الهلال من أول الليل دخل شهر جديد وخرج الشهر السابق ، لا كالشهور الغربية الميلادية الوهمية التي لم تبنَ على مشروع ولا معقول ولا محسوس بل هي شهور اصطلاحية مختلفة بعضها واحد وثلاثون يوماً وبعضها ثلاثون وبعضها تسعة وعشرون أو ثمانية وعشرون ، ولا يعلم لهذا الاختلاف سبب حقيقي معقول أو محسوس ، ولهذا طُرِحت مشروعات في الآونة الأخيرة لتغيير هذه الأشهر على وجه منضبط لكنها عورضت من قبل رجال الكنيسة ، لا لسبب إلا لأنهم يعلمون ما يترتب على ذلك من إعاقة الهيمنة الثقافية الغربية النصرانية والتي يعتبر التأريخ الميلادي أحد أبرز رموزها ، وإن من البلاء أن يوجد في الأمة من يدعي العلم ويسكت بل ويقر تغيير التوقيت بالشهور الإسلامية بل العالمية التي جعلها الله لعباده إلى الشهور الإفرنجية .







التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» **فصاحة جارية**
»» خُرَافَةُ السِر ! - الشيخ.مُحَمّد صَالح المنجّد .
»» الرسول شاعر ويشرح شعره للتيجاني "وثائق"
»» الرفضي اذا اراد ان ينسى فعليه ان يتبع الخطوات التالية مهازل كالعادة
»» أقوال العلماء في اجتماع العيد والجمعة
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:41 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "