بسم الله الرحمن الرحيم ..
أوفى حاج شيشاني نذرا بأن يحج على قدميه في حال شفي ابنه من الإصابة التي لحقت به بسبب الحرب، وقطع مسافة 6000 كيلو مترا تقريباً في 118 يوما من بلدته إلى مكة المكرمة. وتعود قصة أبو بكر شيخ بنذره حسب ما نشر في صحيفة " عكاظ " إلى أيام حرب الشيشان مطلع التسعينيات الميلادية، إذ سقطت على منزله قذيفة أودت بحياة والده ووالدته وزوجته وثلاثة أبناء، فيما أصيب ابنه الرابع بإصابات بليغة. خيم عليه الحزن بفقد أهله، ونذر على نفسه أن يحج ماشيا إذا تشافى ابنه المصاب «شريف». وبالفعل، شفي شريف ذو العشرة أعوام، ففرح والده كثيرا وقرر الوفاء بالنذر. وقبل دخول موسم الحج بأربعة أشهر، جهز أبو بكر نفسه للرحلة، وتزود بعصا يتكئ عليها ويضرب بها هوام الأرض وزجاجات ماء وحبات من الليمون لإطفاء عطشه وغطاء وحذاء بديل في حال تمزق الحذاء الذي يلبسه، ومصحف يقرأ منه أثناء سيره وجهاز جوال.
عبر الحاج طريقه مشيا من بلدته في الشيشان مرورا بداغستان وأذربيجان وتركيا وسورية حتى وصل إلى السعودية، وواجه خلال هذه الرحلة مصاعب كثيرة، لعل أكثرها تأثيرا عليه، لدغة عقرب اعترضت طريقه في تركيا، وادخل على إثرها المستشفى وبقي فيه يومين، بعدها أكمل مشوراه باتجاه مكة المكرمة. وأمس خرج أبو بكر قاصدا المدينة المنورة بعد أن أنهى مناسك حجه في مكة، وينوي العودة إلى الشيشان بنفس الطريقة. ويعبر عن شوقه البالغ لابنه شريف الذي كان سببا في وجوده في هذا المكان، حتى لو كان ماشيا، ويؤكد أنه يتواصل معه عبر الجوال بين الفينة والأخرى.
هبّ الشاب عبدالعزيز علي الخطيب من أهالي مدينة حائل وبالتحديد من قرية قصر العشروات لانقاذ عائلة شيشانيّة ( رجال ونساء ) من فوات الحج عليهم حيث حصل لهم حادث ليلة التاسع من ذي الحجة أي ليلة عرفة بوسط مدينة حائل أخذ الحجاج يسألون عن عرفة وعن بعدها وأثناء وقوع الحادث صادف مرور الخطيب عليهم وأخذته الرحمة والشفقة وأيضا المروءة والنخوة فقام بصطحابهم معه للمنزل بعد أن أنهاء مشكلة الحادث وأكرمهم هناك واستأجر لهم سيارة ( جمس ) مع السائق وأعطى كل واحد منهم مصروفا له وقيمة الهدْي في نسكهم وطلب من السائق إصطحابهم إلى عرفات (900 كم من حائل) مباشرة والمشاعر المقدسة والعودة بهم إليه بحائل وفي يوم عرفة الساعة التاسعة صباحا قائد السيارة والحجاج يهاتفونه من وسط عرفات والأيدي ترتفع بالدعاء له .
فيما نقل الشاب سيارة الحجاج الشيشانيين المعطلة إلى ورشة لإصلاحها على نفقته، ولم يكتف بذلك لكنه استأجر استراحة يعتزم استضافتهم فيها مع عودتهم. ومن المتوقع وصول الحجاج الشيشانيين إلى حائل اليوم، بعد أن أتموا نسكهم في مكة المكرمة وزاروا المسجد النبوي في المدينة المنورة.
*****
قال ابن القيم - رحمه الله - يصف حال الحجيج في بيت الله الحرام:
فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ عَبْرَةٍ مُهَرَاقَةٍ *** وَأُخْرَى عَلَى آثَارِهَا لا تَقَدَّمُ
وَقَدْ شَرِقَتْ عَيْنُ الْمُحِبِّ بِدَمْعِهَا *** فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ الدُّمُوعِ وَيَسْجُمُ
وَرَاحُوا إِلَى التَّعْرِيفِ يَرْجُونَ رَحْمَةً *** وَمَغْفِرَةً مِمَّنْ يَجُودُ وَيُكْرِمُ
فَلِلَّهِ ذَاكَ الْمَوْقِفُ الأَعْظَمُ الَّذِي *** كَمَوْقِفِ يَوْمِ الْعَرْضِ بَلْ ذَاكَ أَعْظَمُ
وَيَدْنُو بِهِ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلالُهُ *** يُبَاهِي بِهِمْ أَمْلاكَهُ فَهْوَ أَكْرَمُ
يَقُولُ عِبَادِي قَدْ أَتَوْنِي مَحَبَّةً *** وَإِنِّي بِهِمْ بَرٌّ أَجُودُ وَأُكْرِمُ
فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْتُ ذُنُوبَهُمْ *** وَأُعْطِيهِمُ مَا أَمَّلُوهُ وَأُنْعِمُ
فَبُشْرَاكُمُ يَا أَهْلَ ذَا الْمَوْقِفِ الَّذِي *** بِهِ يَغْفِرُ اللَّهُ الذُّنُوبَ وَيَرْحَمُ
فَكَمْ مِنْ عَتِيقٍ فِيهِ كَمَّلَ عِتْقَهُ *** وَآخَرُ يَسْتَسْعِي وَرَبُّكَ أَكْرَمُ