الشيعة..
وفاجعة العراق
جمال تقي
كاتب عراقي
يدعو السيد عبد الحميد المهاجر 'قارئ حسيني مخضرم' مستمعيه ومشاهديه وكل من يهمه امر فاجعة الحسين وكل من يؤمن بضرورة استحضارها ابدا الى اتباع تعاليمه التي يؤكد عليها في كل مجلس يحضره الالوف من الباحثين عن الامان الروحي على اقل تقدير، وعن الضمانات بالفوز العظيم ـ كوبونات دخول الجنة ـ التي سيكفلها الائمة الغائبون عبر وكلائهم الحاضرين، فحسب المهاجر ان شفاعة الائمة عند الله بلا حدود، وتنسحب هذه اللاحدودية روحيا من الكفيل الغائب الى حالة الوكيل الحاضر لتمنحه اللا حدودية في الولاء وفي التدبير حتى عودة الغياب، انه يدعوهم الى الاستغراق في ممارسة التذكير بتراجيديا آل البيت وكانها تحدث اليوم، وذلك من خلال جلد الذات وبكره وحقد يغذي نزعة الانتقال بالانتقام من الذات للاخر 'عمقوا جروح التطبير ولا تخشوا من الموت لان حيدرة يمنعه عنكم، وليكن اللطم شاملا ـ قمة الرأس والوجه والصدرـ والبكاء مدرارا عند اي ذكر لاهل البيت'!
يا رجل اتقي الله، العراقي والعراقية ليس بحاجة لهذا الشحن حتى يبكي باستمرار او حتى ينزف من دمه وهو يتوقع الموت في اية لحظة جديدة، وليس بحاجة لاستفزاز عواطفه كي يلطم وبحرقة لان حياته كلها مستفزة بسماعه لمقتل الحسين او دون سماعه، فايامه كلها ـ مقاتل ـ وهي اشد وطأة من مقاتل الحسين واهله لانها بمئات الالوف وباسلحة تفرم اللحم والعظم معا، واذا بقي من الحسين جثمانه فان ضحايا العراق ببقايا جثامين، لقد اصبح كل هذا التطبير ـ المشع والمفخخ والفسفوري والمتفجر، الى جانب العطش اوشرب المياه الآسنة من قبل الملايين ـ طقس من طقوس يومياته، ثم تأتي لتزايد عليهم بمصيبة الحسين!
صدقني ايها المهاجر ان اغلب الذين يبكون ويلطمون في حضرتك هم يبكون ويلطمون على حالهم المطين بكل انواع الطين ـ الحر والمزوهر ـ وليس لانه يتذكر واقعة الطف التي مر عليها اكثر من الف سنة، فهو يعيش جحيم دموي وبفوضوية عالية التنظيم فاجعة الحسين ترتجف امامها، انه ينظر الى مجتمعه وقد تحول الى اطلال والى قيمه وهي تنخر بالفساد، ولا معين ولا مجير، فلو حضر الحسين اليوم لبكى على حالة اهل العراق ولطلب منهم ان لا يزيدوا من احزانهم بالبكاء عليه ......
امثال المهاجر يريدون من اللطم ان يكون ابديا، والبكاء على مسلة الاحزان، التي ابتدأت منذ بيعة السقيفة مرورا بكسر ضلع الزهراء ومقتل الامام الولي أمير المؤمنين على يد ابن ملجم وما تبعها من مجزرة قتل الحسين وآل بيته واخذ النساء سبايا من الكوفة حتى دمشق وملاحقة من ناصرهم على يد حكام بني امية، وتواصل مسلسل الملاحقة على يد زعماء بني العباس الذين هم ابناء عم النبي، حيث قتل في عهدهم عدد من الائمة وجرى اضطهادهم وبابتكار تجاوز في قساوته اساليب زعماء بني امية، نعم يريدوه بكاء ازليا، وهذه الازلية قرينة بما تتوق لها نفوسهم، انهم يريدون ان يكونوا مراجعا تتوارث النفوذ المذهبي على الاتباع والمقلدين والبسطاء والسذج من الاميين، ويريدون الخموس حقا ابديا لهم ولمن يخلفهم!
يغلف امثال المهاجر الصراع على السلطة بين افخاذ قريش وبيوتاتها بثنائيات متتابعة ومتوارثة ومتوالدة بحلقة مفرغة لا تنتهي من صراع الكفر والايمان والخير والشر، حتى انهم ينزهون كل بني هاشم من اي زلل يتحملونه ويكثفون هذا التنزيه في نسل علي وفاطمة ويصعدون به لدرجة تقديسهم بالعصمة التي لا تكون الا للانبياء، وكأن بلال الحبشي او ابو ذر الغفاري او عمار بن ياسر او محمد بن ابي بكر او عمر بن عبد العزيز او مالك الاشتر الذي غضب من قرار الحسن بعقد الصلح مع معاوية والقبول بالتقاسم الزمني للسلطة معه ـ بعد وفاته تكون البيعة للحسين ـ وكانهم جميعا وهم من الاتقياء والاوفياء والحكماء خارج تلك الحسبة!
صدر الدين القبنجي، يحث مستمعيه ومشاهديه وكل ابناء الائتلاف الشيعي، على التمسك ببقاء اسس المحاصصة القائمة مبررا ذلك بان تطبيق حكم الاقلية والاكثرية سيظلم الاثنين معا، متناسيا ان وطنيي العراق لا يعنون بالاكثرية والاقلية غير مفهومها السياسي القائمة على اساس وحدة برنامجها الوطني، وليس المقصود بها الاكثرية الطائفية او الاثنية، فيمكن ان يكون الرئيس مسيحيا او صابئيا او يزيديا او سنيا او شيعيا لا يهم المهم هنا هو كفاءته ومصداقيته ونزاهته وخطته لتحقيق اهداف الناس بالتطور والبناء والعيش الرغيد، وليس لتحقيق اكبر نسب للتطبير واللطم والبكاء!
اما جلال الدين الصغير فهو يبث مايستطيع من سموم طائفية مستخدما منبر جامع براثا كاذاعة مباشرة تدفع بمتابعيها الى تجنب التصويت الى اي حزب او شخص او ائتلاف لا يحظى ببركات المراجع العظام، الذين فيهم امتداد وراثي للعصمة، وبمعزل عن صلاحه من عدمه او خطته او تاريخه ونزاهته!
الصغير يعتبر الامريكان اكثر قربا له من ابناء وطنه الذين لا يستسيغون خطابه الطائفي والذي لا يخدم الا اعداء العراق من صهاينة ومحتلين!
اما وصية .... السيد عبد العزيز الحكيم زعيم اكبر حزب طائفي في عراق اليوم فانها تضع النقاط على الحروف في تكريس موضوعة الحكم الطائفي والمرجعي الذي يستبدل صيغة ولاية الفقيه بولاية الائتلاف الشيعي المدعوم من المراجع الدينية في قم والنجف، وهي بذلك تنتج وحتما سياسة منسوجة على منوال لا وطني، منوال بكاء، لطام، وموشح بالسواد المملح بدماء التطبير!
خلاصة القول ان المتاجرين برفع رايات الحسين اليوم يثيرون فواجع اكثر قبحا وفسادا من فاجعة الحسين نفسه، وعليه فان واقع الحال يستدعي من كل العراقيين ليكونوا أئمة لانفسهم، ولا يوكلون عنهم الا من تأكدوا من نزاهته وصدق دعواه ومدى اخلاصه لما يرفعه من اهداف وطنية، بمعزل عن المذهب والعشيرة، فبناء مجتمع مدني مستقر ومتقدم يستدعي تجاوز المذهب والقومية، وكل عوامل الفرقة والفتن، وفي النهاية فان الانسان بما يعمل وليس بما يدعي!