ومن أراد منكم أن يسمع كفراً أشد من كفر أبي لهب وأبي جهل ، فما عليه إلا أن يسمع بعض مديح صوفية حضرموت لأحد أقطابهم ..!!
أنقل هذه النقول وأستغفر الله العظيم ، وما حاجنا إليها إلا تبيين ما عليه صوفية حضرموت اليمن ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين ..!!
وللرد على من يقول هذا القول أنقل كلام الشيخ محمد أحمد لوح - حفظه الله - في كتابه القيم "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (1/457-460) في الرد على هذه الشبهة، حيث قال:
( هناك استشكال قد يتشبث به البعض للتقليل من قيمة البحث في أقوال الصوفية المتعلقة بالوحدة والاتحاد والحلول، ألا وهو قولهم: إن هؤلاء الأولياء بحكم الدرجات العالية التي وصلوا إليها في المحبة والعشق الإلهين قد غرقوا وسكروا، فتلك العبارات المنكرة التي تصدر عنهم إنما هي شطحات غير معتبرة وليسوا مؤاخذين بها؛ لأنهم صارواكالسكران الذي لايدري مايصدرعنه.
والجواب :
أن ما ذهبوا إليه من أن تلك الأقوال تصدر في حال غيبتهم وتواجدهم وأنهم وصلوا إلى حال لا تحكم معها فيما يقولون أو يفعلون مردود من عدة أوجه:
الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أعبد الناس لربه وأخشهم له وأتقاهم قلباً، وأعلاهم مرتبة عنده، وأعظمهم محبة له، وكان أثناء الصلاة إذا أقترب منه أحد يسمع له أزيزاً كأزيز المرجل، وكانت له حالات في العبادة أبرزها البكاء عند تلاوة القرآن، ولم يحصل أنه غاب عن وعيه أبداً ولا صدر منه من الكلام ما ظاهره الكفر أو مخالفة الشريعة، فبطل أن تكون محبة الله وخشيته تؤدي إلى فقدان الوعي وإطلاق عبارات الكفر.
الثاني: أن الله تبارك وتعالى حرم على المؤمنين في مرحلة من مراحل تحريم الخمر أن يقربوا الصلاة في حال السكر، وعلل هذا التحريم بأنهم في حال السكر لا يعلمون ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال. فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) (النساء:43) فكيف استجاز هؤلاء أن تكون أعلى مقاماتهم في العبودية في حال السكر وفقدان الوعي؟.
الثالث: لا ريب أن فقدان العقل والوعي أو غيابهما صفة نقص في الإنسان ووجودهما صفة كمال له.
وهؤلاء حينما يصفون هؤلاء بالسكر وزوال العقل لا يريدون بذلك وصفهم بالنقص بل بالكمال فكان منطقهم بذلك منكوساً وإيرادهم مردوداً وحجتهم داحضة .
الرابع: أن من المعلوم عند علماء النفس أن الإنسان حينما تأخذه حالة "اللاشعور" أو "اللاوعي" فإنه غالباً ما يفصح عن الأمور التي كانت تدور في خلده وقت صحوه، فكون هؤلاء عند فقدان الوعي يطلقون كلمات الكفر والزندقة يحتاج إلى تأمل كثير ونظر عميق .
الخامس: أن حال هؤلاء الاتحاديين ترد على من يدافع عنهم على النحو المذكور، وبيان ذلك :
أ / أن هؤلاء اكتسبوا أحوالهم هذه بطرق معروفة عندهم فبعضهم درس الفلسفة وآمن بها على علاتها، بينما قصد البعض الآخر إلى خلوات مظلمة ورياضات شاقة غير مشروعة ثم خرجوا على الناس بتعليماتهم الـجديدة . فالقول بأنها حالات طارئة غير متعمدة يعد باطلاً من القول .
ب / أنهم عند تقرير هذه العقائد الفاسدة يكونون متمتعين بكامل قواهم العقلية، فتجدهم يراعون في نثرهم قواعد اللغة، ويتكلفون كل المحسنات اللفظية، والمواصفات البديعية، ويتخيرون الألفاظ بدقة متناهية، وفي شعرهم تجد كل المقومات الفنية والمكملات الجمالية بالإضافة إلى مراعاة أحكام العروض والقوافي، وهذه أمور لا يتأتى وقوعها ممن حكمه حكم المجنون أو السكران .
جـ / أنهم لو عدوا هذه " الشطحات " خارجة عن حد الاعتبار لطووها وما رووها ولا وضعوها في بطون أمهات مصادرهم، ولكننا نجدهم يتخذون من هذه الشطحات أسساً لتعاليمهم التي يبثونها على مريديهم في الخفاء ويركزون مبادئها في طيات أورادهم اليومية المفروضة على الأتباع، ويجعلون الغاية العظمى التي يسعون إليها الوصول إلى التوحيد الذي هو عبارة عن الاتحاد ووحدة الوجود كما ستعلم . وفي ثنايا ذلك كله يطرحون في وجوه المنتقدين عبارات من قبيل " كلمات المحبين تطوى ولا تروى" . ومن الأوراد التي تمثل أوضح صورة لهذا النمط الوحدوي الصلاة المشيشية المنقولة عن عبد السلام بن مشيش ويزعمون أن من واظب على قراءتها بالنية الخالصة يكون من أهل الخطوة، وفيها يقول: " اللهم زج بي في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس إلا بها .. إلخ " .
سادساً: أن أهل السنة الذين أحسنوا الظن بأصحاب الفكر الصوفي فعذروهم بحجة أنهم - فعلاً - يطلقون هذه العبارات في حالة غيبوبة لم يجنوا من وراء ذلك سوى التشنيع عليهم واتهامهم بالمكر والخبث من قبل الصوفية " الواقعيين " المعلنين لما يعتقدون .
فمن المعلوم أن شيخ الإسلام ممن ذهب إلى الاعتذار لبعض أولئك الشيوخ - لا لكهم - لحسن ظنه بهم وبأنهم ما قالوا تلك الكلمات إلا عن غيبة وسكر . لكن لنسمع جميعاً ماذا يقول د . عبدالرحمن بدوي الصوفي المعاصر يخاطب ابن تيمية وغيره ممن يفسر الشطح بالسكر، يقول في " شطحات الصوفية " (ص10-11) :
" وواضح أن رأي هؤلاء الخصوم لا يمكن أن يقام له وزن عند من يرى أن الشطح ظاهرة صوفية سليمة، وأن الكلمات الشطحية لا تقل في صدقها عن الكلمات التي تصدر في حال الصحو، فلا دخل للصحو أو السكر في تحديد القيمة الذاتية لهذه الكلمات، وإلا أخطأنا فهم هذه الظاهرة الممتازة، وهؤلاء الخصوم خلطوا - عن قصد - بين السكر الروحي والسكر الجسماني، وإنما يقصد بالسكر هنا انتشار الروح بمكاشفة الحق لها بسره، وبأنه هو هي وهي هو فتطرب أشد الطرب لاكتشاف هذه الحقيقة، فسكرها إذاً شدة غبطتها بمعرفة سر وجودها ... " ثم خصص بعد التعميم فقال: " وابن تيمية كان من الخبث بحيث أوهم بالتشابه بين السكر الجسماني والسكر الروحي من حيث قيمة الصدق في كليهما، والحق أنه لا وجه للشبه بينهما إلا في مقدار اللذة التي ينعم بها السالك والشارب . ثم قال :
وعبد القادر الجيلاني كان من السذاجة أو الرغبة في المدارة - شأنه دائماً في كل مذهبه فيه ترض ظاهر لمن يدعون أنهم أهل السنة - بحيث ادعى أن هذه الكلمات الشطحية لو صدرت في حال الصحو لعدت من وساوس الشيطان " .
إذاً هذا هو موقف الصوفية أنفسهم تجاه تلك العبارات الكفرية: إيمان عميق، وتمسك شديد، أما بالكتمان عند المقتضى، أو بالإعلان عندما يكون المجتمع موبوء بفكرهم وتكون الغلبة لهم كشأن هذا البدوي الذي أداه حرصه على المحافظة على تراثه الشطحي إلى وصف كبار علماء الإسلام بالخبث والسذاجة عامله الله بما يستحق .
المقصود: أن الصوفية أنفسهم يؤمنون بأن تلك العبارات المشكلة من الناحية الشرعية ينبغي أن تحمل على ظاهرها وأصحابها إنما قالوها عن عرفان وصحو كاملين .
وبهذا ينتفي الاستشكال إن شاء الله ) انتهى كلام الشيخ محمد أحمد لوح بتصرف يسير .
وأنصح الجميع بقراءة كتابه " تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي " فهو كتاب نفيس جداً.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
لمزيد من الحقائق عن صوفية حضرموت