العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-03-08, 04:28 AM   رقم المشاركة : 1
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


مقتطفات من كتاب السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام / عماد الشربيني

مقتطفات من


كتاب السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام

عماد الشربيني

الطبعة الأولى
1422 هـ - 2002 م
رقم الإيداع بدار الكتب المصرية
14185 / 2001
الترقيم الدولي
977-336-052-0

قال الله  :
 فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ثُم
لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (1)



وقال رسول الله 

 يُوشِكُ الرَجُلُ مُتَّكِئًا عَلى أرِيكَتِهِ ، يُحَدِّثُ بَحَدِيث
مِنْ حَدِيثي فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ ،
فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَل اسْتَحْلَلْنَاهُ ،
ومَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ ، أَلاَ وإنَّ
مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ مِثْلُ مَا حَرَّم اللهُ  (2)

إهداء
* إلى والديَّ : اللذين ربياني على مائدة القرآن ، وأرشداني لدروب الخير ، ووهباني للأزهر والعلم ، وأدبا ، وعلما ، وصبرا ، واحتسبا ،
ودفعاني للبحث دفعًا ، وأنفقا كل مرتخص وغال اسأل الله عز وجل ، أن يبارك فيهما ، ويرزقني برَّهما ، وأن يمدّ في عمرهما ، ويحسن
خاتمهما ، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهما يوم القيامة.
* إلى مشايخي وأساتذتي بكلية أصول الدين بالقاهرة ، وأخص منهم بالذكر السادة الأساتذة أصحاب الفضيلة ، الدكتور الشيخ إسماعيل عبد
الخالق الدفتار، والدكتور الشيخ عبد المهدي عبد القادر ، والدكتور الشيخ طه الدسوقي حبيشي ، اسأل الله عز وجل أن يبارك في مشايخي
وأساتذتي جميعًا ، وان ينفع بهم الإسلام والمسلمين .
* إلى زوجي: أم صلاح الدين التي لم تدخر جهدًا في مساعدتي، فواصلت مع الليل بالنهــار ؛ لأجل إخـراج هذا الكتاب فبـارك الله عز وجل
فيها ، وفي ولدي صلاح الدين .
* إلى إخوتي: الذين وفروا لي سبُل الراحة لأتفرغ لطلب العلم؛ فبارك الله عز وجل فيهم .
* إلى كل من نصحني فأحسن النصيحة، وكان عونًا لي على إخراج هذا الكتاب .
* إلى كل هؤلاء أهدي باكورة أبحاثي _ وهي هذا الكتاب .





مقتطفات من كتاب السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام

عماد الشربيني


تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين .
وبعد،
فإن القرآن الكريم والسنة النبوية أساس الإسلام وينبوعه ، ولقد حظيا باهتمام الأمة الإسلامية اهتمامًا منقطع النظير ، فخدما من كل ناحية،
وبذلت الجهود في تقريبهما من كل زاوية.
ومن باب العناية بالقرآن والسنة دفع شبهات أعداء الإسلام عنهما ، فإن أعداء الإسلام يحاربون الإسلام من كثير من النواحي، وكان نصيب
القرآن والسنة كبير، فهم يحاولون إثارة شبهات، ويحاولون انتقاد القرآن والسنة ، ونصيب السنة من افتراءاتهم أكبر، فهم على طول التاريخ
يحاولون اختلاق الأباطيل على السنة النبوية وعلماء الإسلام لهم بالمرصاد، يفندون افتراءاتهم ، ويبينون كذبهم وزورهم.
وفي أيامنا هذه طغى الكفر، وأثار أهله وأذنابهم الكثير من الشبهات التى هي في حقيقة الأمر افتراءات وأكاذيب ، جاءوا بأكاذيب سابقيهم
ونسجوا على منوالها ويحرفون النص ليعطي غير معناه، ويبترون النص ليفيد غير المراد منه، وإذا وجدوا حديثًا صحيحًا لا يوافق أهواءهم
ادعوا أنه لا يوافق العقل، يريدون عقلهم الذي يبغض الحق والإسلام .
وإذا وجدوا حديثًا ضعيفًا أو موضوعًا يوافق مرادهم ادعوا صحته وثبوته .
إن طائفة من أهل الكفر وأتباعهم راحوا يثيرون الافتراءات والأباطيل ضد السنة النبوية، يظنون أنهم بذلك يبعدونها من حياة المسلمين، وجهل
هؤلاء أن الإسلام بمصدريه القرآن والسنة يحفطه الله، ويوفق له من أهل العلم من يزود عنه، ويبين الحق والصواب، ويبطل الباطل مهما كثر
وزاد .
والحمد لله هيأ الله تبارك تعالى للسنة النبوية في أيامنا هذه عددًا من أهل العلم يبينون الحق ويبطلون الباطل ، تحدثوا وكتبوا، وحاضروا
وخطبوا، وسيظلون على هذا النهج إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
ومن هؤلاء المدافعين عن السنة النبوية الأخ الباحث / عماد الشربيني ، ففي كتابه السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام استعرض أقوال
أعداء السنة النبوية ، وعزا كل قول لصاحبه ، وذكر مصدر كل قول، وكر على كل قول بما أبان كذبهم وافتراءهم .
لقد استعرض _ وفقه الله _ شبههم ، ورد عليها بالدليل القاطع والبرهان الساطع، وهو من أهل الحديث النبوي الشريف، وهذا مكنه من إيراد
الدليل من كتب السنة المطهرة، يعزو الحديث لمصدره ، ويبين صحته وثبوته، وله دراية باللغة ، وحس بأدبها، وهذا مكنه بفضل الله من إبراز
الحق في الموضوع الذي يدرسه .
وأيضا للأخ عماد نفس طويل في تتبع ما قيل عن السنة النبوية من أعدائها، ودراية بتناقل افتراءاتهم ، مما مكنه من إبراز تاريخ الشبهة ثم
دحضها .
وأسأل الله أن يتقبل من الأخ عماد عمله، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين .
والحمد الله رب العالمين .
17 / 5/ 1422هـ
7 / 8 / 2001م
أ. د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي
أستاذ الحديث بجامعة الأزهر



الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير، الحمد لله رب
العالمين الذى هدانا وعلَّمنا، ومنَّ علينا، وتفضل ببلوغ المراد من خدمة سنة سيد المشرِّعين، التى فسرت الكتاب الكريم، وبينته للناس، وحياً
بوحى، ونوراً بنور، فاكتمل بهما الدين القويم، والصراط المستقيم0
اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب العالمين، سبحانك لا نحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت
على نفسك0
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، ليكون أميناً على وحيه، مبيناً
لكتابه، خاتماً لأنبيائه ورسله، ولتقوم به الحجة على هذه الأمة إلى يوم الدين0
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه البررة الأوفياء، أئمة الدين، وصفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين0
ورضي الله عمن تبع سنتهم، وسلك طريقتهم، واقتفى أثرهم، ونصرهم إلى يوم الدين0

ثـم أمــا بعـــد
فإن الله U بعث سيدنا محمداً e على فترة من الرسل، ليكون هداية للبشر جميعاً، وليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وأنزل عليه وحيين
عظيمين :
أولهما : كتاب الله U الذى وصفه بقوله : {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(1) وقال
تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(1)0
ثانيهما : السنة الغراء، والتى هى البيان لكتاب الله U، وهذا البيان أسنده رب العزة إلى نبيه e، فقال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا
نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(2) وقال تعالى : {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(3)0
ووصف رب العزة هذا البيان بأنه منزل من عنده U فقال : {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ(18)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}(4)0
ووصف I هذا البيان بأنه وحى يوحى فقال U : {وَمَا يَنْطِــــقُ عَنِ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (5)0
وبهذا البيان، كانت علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة، علاقة متلازمة لا ينفصل أحدهما عن الآخر؛ فالسنة المطهرة كالروح للبدن، والنور
للعين، بل إن الضرورة إليها أكثر من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها0
وبالقرآن والسنة معاً قام بناء الإسلام، وتأسست دولة الإسلام، واستمدت منهجها من المصدرين معاً0
وقد كانت أمة الإسلام حتى وفاة النبى e، وصدر من عصر صحابته أمةً، على منهج واحد فى التسليم لنصوص الوحيين الكتاب والسنة، وعدم
التقدم بين يديهما، ولم يعارضوا نصاً ولم يحرفوه، ولم يقبلوا قول كائنٍ من كان، إذا خالف كتاب الله U، وسنة نبيه e0
على هذا المنهج سار الصحابة الكرام، ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان، إلى أن بدأت الأقوال الشاذة، والاتجاهات المنحرفة تظهر فى ساحة
الإسلام، فظهر الكلام فى القدر، والوعد والوعيد، والطعن فى الصحابة، والكلام فى صفات الله U وغير ذلك0
فتبنى ذلك أقوام ونصروا تلك الأقوال وعضدوها، فتكونت من ذلك فرق ونحل، واحتدم بينهم الخلاف، واشتد النزاع، وبدأت الفُرقة، فلجأت كل
فرقة إلى القرآن الكريم لتنصر أفكارها وتعضد أقوالها، فأعجزهم القرآن أن يجدوا فيه ما يدعم ذلك الباطل؛ فسلطوا عليه معاول التأويل، ثم
انتقلوا إلى السنة ليجدوا فيها ما يتمنون، فلم يفلحوا، فوضعت هنالك أحاديث، وطعن فى أخرى، وحُرِّفَ كثير منها، وتجاسرت العقول على
نصوص الوحى، فواجهتها بالرِّد والتكذيب والتحريف والتبديل0
وكان لآراء تلك الفرق فى الصحابة، ونظرتهم إلى الحديث والمحدثين، ورميهم إياهم بحمل الكذب، ورواية المتناقض، وذمهم ومبالغتهم فى
انتقاصهم، أكبر الأثر فيما أثير حول السنة النبوية من شبهات وقد مهدت تلك الفرق وعلى رأسها المعتزلة السبيل، وفتحوا الباب على
مصراعيه، فولج منه كثير من أعداء هذا الدين من اليهود والنصارى0
وإذا كانت فى القرن الثانى الهجرى هبت أعاصير عاتية تهدف إلى الإطاحة بالسنة، وإبعاد المسلمين عنها، وتشكيكهم فى طرق نقلها ورواتها
...، فقد كانت فى القرن الثانى أيضاً العلامات البارزة فى طريق رعاية السنة النبوية الكريمة وتوثيقها ... وقيض الله I أئمة كباراً فى هذا
القرن، وقفوا فى وجه هذه الأعاصير يردون كيدها، حتى ارتدت سهام العابثين إلى نحورهم، وأصبحت ذكراهم فى كتب الرجال تهيج مشاعر
الغضب نحوهم، والسخط عليهم من كل غيور على دينه، جزاء إثمهم وافترائهم على نبينا e، وما أقدموا عليه من تشويه سنته المطهرة0
وما أشبه الليلة بالبارحة كما يقولون!، فقد نبتت نابتة فى عصرنا الحديث تشكك فى السنة، فى هجمة شرسة غاشمة، لم نسمع
بمثلها من قبل، هجمة تكاتفت لها كل قوى الشر والبغى من الشيوعيين الملاحدة، والصليبيين، والصهاينة، ودعاة اللادينية من العلمانيين،
والبهائيين، والقاديانيين، وغيرهم ممن يجمعهم معسكر العداء للإسلام وأهله، وزعمت هذه النابتة أن السنة حرفت وبدلت ... وأن أسس
توثيقها كانت واهية وشكلية، ولم تنهض بعبء الحفاظ عليها0
ومن المؤسف حقاً أن يكون من بين أبناء الإسلام من يزعم بصريح اللفظ : لا حجة فى السنة، إنما الحجة فى القرآن وحده دون سواه، وقد
وجدنا بعضاً من هؤلاء فى لاهور بباكستان، وسمت نفسها جماعة القرآن، وهى أعدى أعدائه، إذ تتهجم على تفسيره0وهى لا تعرف من
العربية حرفاً واحداً، وتعتمد على تراجم شائهة0وتعتبر ما فيها هو الحجة من غير احتياج لسنة رسول الله e0
وإن هؤلاء إن استقام لهم طريقهم لأدى ذلك إلى أن يصاب القرآن بما أصيبت به الكتب السابقة، إذ اعتراها التغيير والتبديل بسبب التراجم،
وضاع الأصل0
وقد وجدنا مثل هذا الفريق فى مصر، وبعضهم يتبوأ مراكز علمية عالية، ويتستر وراء بعض الألقاب كمستشار، أو دكتور، أو مفكر إسلامى ...
إلخ، وقد قمت بصحبة بعضهم، للاطلاع على أحوالهم وأساليبهم فى الكيد للسنة المطهرة، ورأيت كيف يخططون وينسقون مع بعضهم البعض،
ورأيت كيف يستمدون المعونة ممن يكيدون لديننا ولأمتنا الإسلامية ليل نهار0 من أعداء الإسلام الظاهرين، فالتقوا جميعاً على هجوم شرس
غاشم على السنة المطهرة0
ومن الواضح أن المؤامرات العدائية للإسلام تلبس فى كل عصر لبوسها، فهى حين يكون المسلمون أقوياء تأخذ طريق التهديم الفكرى والخلقى،
والاجتماعى، وحين يكونون ضعفاء تتخذ طريق الحرب والتجمع، وتستهدف الإبادة والإفناء، فإذا عجزت طريق الحرب عن تحقيق أهدافها،
انقلبت إلى طريق فكرى خداع، تستهوى عقول الغافلين أو المغفلين، فينبت للإسلام فى داخل أسواره نابتة تـنحرف شيئاً فشيئاً عن عقيدة
الإسلام السمحة، المشرقة، حتى تنتهى إلى عقائد، وأفكار تخالف المبادئ الأساسية للإسلام، وتحقق الأهداف الرئيسية التى يسعى إليها أعداؤه،
من حيث أنهم لا علاقة لهم بهذا التخريب والتهديم0
والذى يمكن أن أقرره هنا ... أن علل الأمة وأدواءها، لا تأتيها من الخارج بمقدار ما تأتيها من الداخل، ومن نفسها قبل غيرها0
ولله در من قال : ما أخشى على المسلمين إلا من المسلمين، ما أخشى من الأجانب كما أخشى من المسلمين، وهو كلام أصاب كبد
الحقيقة(1)0
فالخطر الأكبر من هذا الهجوم الشرس على السنة المطهرة فى عصرنا يأتى ممن ينتسبون إلى الإسلام، ممن هم من جلدتنا، ويتكلمون
بألسنتنا، وهذا ما دفعنى إلى اختيار موضوع هذا الكتاب $السنة النبوية فى كتابات أعداء الإسلام فى الكتابات العربية#0
وقد هدفت من كتابته إلى عدة أهداف منها :
أولاً : كثرة الأعاصير التى تهب فى وجه السنة النبوية من جميع أنحاء الدنيا، مستهدفة محو أثرها، وقلع جذورها، حتى يفقد المسلمون
الصورة التطبيقية الحقيقية لحياة رسول الله e، وبذلك يفقد الإسلام أكبر عناصر قوته0
فأحببت أن تكون لى مشاركة فى صد تلك الأعاصير، وإيقاف زحفها مع من بذلوا جهوداً فى الدفاع عن السنة لحماية حصنها من التهديم
والتخريب، راجياً بذلك المثوبة من الله تعالى0
ثانياً : بيان أن السنة حجة لا نزاع فيها بين المسلمين، وأنها ضرورة دينية، ومن أنكر حجيتها بشروطها المعروفة فى الأصول كفر، وخرج عن
دائرة الإسلام0
ثالثاً : أن يكون هذا البحث هادياً لمن تأثر من أبناء الإسلام بشبهات أعداء السنة، وأساليبهم فى الكيد لها، مما يوجب على من عرف الحق أن
يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان0
رابعاً : إرادة الإسهام فى كشف القناع عن أساليب، وحقيقة أعداء السنة، من أهل الأهواء والبدع قديماً، من الخوارج، والشيعة، والمعتزلة،
ومن أحيا فكرهم فى العصر الحديث من المستشرقين، وأذيالهم من دعاة اللادينية من العلمانيين، والبهائيين، والقاديانيين ... فلا يعرف الإسلام
من لا يعرف الجاهلية، ولا يستبين الحق أو الرشد من لم يتبين الباطل أو الغى0 كذلك لا ينافح عن الإسلام من لم يعرف أعداءه ومحاربيه،
ومن لم يدرس خططهم، وأساليبهم، ولا يقدر على الحرب من لم يتعرف أرض المعركة0 وإنها معركة ليست أقل من المعارك الحربية التى
خاضها المسلمون، ولا يزالون فى بعض الأماكن0
إن الأخيرة قد استهدفت بالدرجة الأولى الأرض والتراب أما هذه - وهنا مكمن خطورتها- فإنها تستهدف القلب والفكر والوجدان وهى - لعمرى
- أعز على الله ، وأعز علينا من الأرض والتراب؟ ولا يخالجنا ذرة من شك أن الشراك التى نصبت شرها وكيدها من شبهات ساقطة، وطعون
واهية، غير مستندة إلى دليل، ولا قائمة على برهان، وإنما هى مجرد قولٌ قاله، وافتراءٌ افتراه، أناس سادرون فى غيهم، للتشكيك فى حجية
السنة، والتنفير من التمسك بها، والاهتداء بهديها، ليتسنى لهم القضاء عليها أولاً، ثم يخلصوا منها للقضاء على القرآن ثانياً، وبذلك يتحقق
لهم من هدم الدين ما ينشدون، وقد أخبرنا الله U بذلك إذ يقول تعالى : {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(1) ولكن
وإن سَعَوا ما أمكنهم، فلن يصلوا إلى هدفهم المنشود، وغايتهم المطلوبة، بل سيظلون يتخبطون تخبطاً عشوائياً فى متاهات مظلمة كثيرة
الالتواء صعبة المخرج، إلى أن يموتوا غيظاً وكمداً وحقداً؛ لأن الله U تكفل بحفظ دينه من كل من يريده بسوء، وحفظ أهله من كل من يريدهم
بشر، كما يدل على ذلك قوله تعالى : {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(32)هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(2)0
وما شأن شراذم البغى - قديماً وحديثاً - ومحاولاتهم النيل من السنة المطهرة إلا كشأن من قال عنه الأعشى بن قيس :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرَنهُ الوعَلُ
وهم ببغيهم وقالتهم الكاذبة، إنما يظلمون أنفسهم ودينهم، قال تعالى : {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}(3)0

خطــة البحــث :
نظراً لتعدد جوانب الموضوع وتشعبها، وكثرة الشُبه وتداخلها، فقد تنوعت مصادره، مما حتم علىَّ مطالعة العديد من الكتب فى أنواع العلوم
المختلفة، وتجميع المادة العلمية من مظانها، يستوى فى ذلك كتب الهجوم على السنة المطهرة، أو كتب الدفاع عنها، مما أدى إلى استنفاد جهد،
ووقت ليس بالقليل0 ولكن أحمد الله U الذى أعاننى على ذلك0
وقد قسمت هذا الموضوع إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة :
أمـا المقدمـة فقـد ضمنتهـا : سبب اختيار الموضوع، وأهميته، وخطة البحث ومنهج البحث فيه0
أما التمهيد ففيه خمسة مباحث :
المبحث الأول:كلمة فى الاصطلاح0معرفة الفوارق بين المعانى اللغوية والمعانى الاصطلاحية .
المبحث الثانى : التعريف بالسنة فى مصطلح علمائها0 وتحته ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : التعريف $بالسنـة# و$الحديث# فـى اللغـة0
المطلب الثانى : التعريف $بالسنـة# و$الحديث# فى الاصطلاح0
المطلب الثالث : شبهـة حـول التسميـة والـرد عليهـا0
المبحث الثالث : الحديث النبوى بالسند المتصل من خصائص الأمة الإسلامية0
المبحث الرابع : الحديــث النبــوى تاريــخ الإســلام0
المبحث الخامس : دراسة الحديث ضرورة لازمة لطالب العلم0
أما الأبواب فهى :
الباب الأول : التعريف بأعداء السنة النبوية، وفيه تمهيد وأربعة فصول :
التمهيــد : وفيه التعريف بأعداء لغةً وشرعاً0
الفصل الأول : أعداء السنة النبوية من أهل الأهواء والبدع قديماً (الخوارج، والشيعة، والمعتزلة)
الفصل الثانى : أعداء السنة النبوية من المستشرقين0
الفصل الثالث : أعداء السنة النبوية من أهل الأهواء والبدع حديثاً (العلمانية، والبهائية، والقاديانية) .
الفصل الرابع : أهداف أعداء الإسلام قديماً وحديثاً فى الكيد للسنة النبوية المطهرة0
الباب الثانى : وسائل أعداء السنة قديماً وحديثاً فى الكيد للسنة النبوية المطهرة ويشتمل على ستة فصول :
الفصل الأول : شبهات حول حجية السنة النبوية0
الفصل الثانى : وسيلتهم فى التشكيك فى حجية خبر الآحاد .
الفصل الثالث : وسيلتهم فى الطعن فى رواة السنة المطهرة .
الفصل الرابع : وسيلتهم فى الطعن فى الإسناد وعلوم الحديث .
الفصل الخامس: وسيلتهم فى الطعن والتشكيك فى كتب السنة المطهرة .
الفصل السادس : وسيلتهم فى الاعتماد على مصادر غير معتبرة فى التأريخ للسنة ورواتها .
الباب الثالث : نماذج من الأحاديث الصحيحة المطعون فيها والجواب عنها0 ويشتمل على تمهيد وعشرة فصول :
التمهيد ويتضمن بيان :
أ- طبيعة نقد الأحاديث الصحيحة عند أعدائها0
ب- طبيعة الأحاديث الصحيحة المطعون فيها0
الفصل الأول : حديث $إنما الأعمال بالنيات# .
الفصل الثانى : حديث $أنزل القرآن على سبعة أحرف# .
الفصل الثالث : أحاديث $رؤية الله U# و$محاجة آدم موسى عليهما السلام# و$الشفاعة# .
الفصل الرابع : أحاديث $ظهور المهدى# و$خروج الدجال# و$نزول المسيح عليه السلام# .
الفصل الخامس : حديث عذاب القبر ونعيمه .
الفصل السادس : أحاديث $خلوة النبىe بامرأة من الأنصار#، و$نوم النبى e عند أم سليم، وأم حَرَام# ، وحديث $سحر النبى e#0
الفصل السابع : حديث رضاعة الكبير ، شبهــات الطاعنيـن فيـه والـرد عليهـا0
الفصل الثامن : حديث وقوع الذباب فى الإناء .
الفصل التاسع : ثمرات ونتائـج الحديـث الصحيـح0
الفصل العاشر : مضار رد الأحاديث النبوية الصحيحة0
الخاتمة : وفيها نتائج هذه الدراسة، ومقترحات، وتوصيات، والفهارس العلمية للبحث0
هذا ولم أتعرض لتحرير مبحث أو مطلب إلا بعد أن رجعت إلى ما أمكننى الإطلاع عليه : من الكتب المؤلفة فيه كبيرها وصغيرها : فقد يوجد فى
الصغير، مالا يوجد فى الكبير، ويستوى فى ذلك كتب الهجوم على السنة أو الدفاع عنها0
ولم أكتب شيئاً إلا بعد أن اعتقد صحته، واطمئن إليه، غير متأثر برأى أحد -ممن كتب فيه- كائناً من كان، معاصراً أو غير معاصر، ولم أتردد
فى مخالفته متى تبين لى أنه قد اخطأ، مع بيان وجهة نظرى فى ذلك، ومع احترامى له، واعترافى بفضله، وتقديرى لعلمه، واعتقادى أنه $
صاحب آيات، وسباق غايات#0
وقد يؤخذ علىّ : أنى قد أطلت فى بعض المباحث، أو كررت بعض العبارات، أو أظهرت فى محل إضمار، أو غير ذلك. ولكنى قصدت بهذا كله :
توفية البحث حقه، وإتمام الفائدة، وزيادة الإيضاح، وعدم وقوع الناظر فى اللبس0
وإذا كانت الدراسة الموضوعية الصادقة هى تلك التى تعتمد على النصوص والوثائق فقد التزمت في هذا الكتاب -إلى حد كبير- بإيرادها
كشواهد ودلائل على ما عالجته من فكر ومبادئ...
منهجى فى البحث :
1- كل ما عرضته فى الكتاب من شبه ومطاعن أهل الزيغ والهوى قديماً وحديثاً، المتضمنة الطعن فى السنة النبوية المطهرة، فإنى قرنت ذلك
بالرد الحاسم الذى يبين بطلان وزيف تلك الشُبه والمطاعن معتمداً فى ذلك على نقول من كتب أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً، فعالجت
الفكرة بالفكرة ووضحت قول الإمام بقول إمام آخر، فإن كان من جهد فى هذا الكتاب فإنما هو ثمرة الوقوف على أكتاف العلماء، ونتاج المربين
الذين ربونا صغارًا، وحملونا كباراً، والمنة لله وحده، وهو ولى الجزاء وشكر الله للعلماء بذلهم0
2- بينت مواضع الآيات التى وردت فى الكتاب بذكر اسم السورة ورقم الآية فى الهامش، مع وضع الآية بين قوسين0
3- عزوت الأحاديث التى أوردتها فى الكتاب إلى مصادرها الأصلية من كتب السنة المعتمدة، فإن كان الحديث فى الصحيحين أو أحدهما اكتفيت
بالعزو إليهما، بذكر اسم الكتاب، واسم الباب، وذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث مع البيان غالباً لدرجة الحديث من خلال أقوال أهل العلم
بالحديث، إن كان الحديث من غير الصحيحين، واقتصرت على التخريج من كتب السنن الأربعة إذا كان الحديث فى غير الصحيحين، وفيما عدا
ذلك اقتصر على ما يفيد ثبوت الحديث أو رده0
4- اعتمدت فى التخريج من الصحيحين على طبعتى البخارى (بشرح فتح البارى) لابن حجر، والمنهاج شرح مسلم للنووى، لصحة متون
الأحاديث فى الشرحين، ولصحة عرضهما على أصول الصحيحين، وتسهيلاً للقارئ لكثرة تداول تلك الشروح، وإتماماً للفائدة بالاطلاع على فقه
الحديث المخرج0
5- التزمت عند النقل من أى مرجع، أو الاستفادة منه الإشارة إلى رقم جزئه وصفحته بالإضافة إلى ذكر طبعات المراجع فى الفهرست0
6- عند النقل من فتح البارى، أو المنهاج شرح مسلم للنووى أذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الحديث الوارد فيه الكلام المنقول، تيسيراً
للوصول إلى الكلام المنقول، نظراً لاختلاف رقم الصفحات تبعاً للطبعات المتعددة0
7- اكتفيت فى تراجم الأعلام من الصحابة بذكر مصادر تراجمهم بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة، ولم أترجم لهم لعدالتهم جميعاً، ولم
أخالف فى ذلك إلا فى القليل عندما تقتضى الترجمة الدفاع ضد شبهة0
8- ترجمت لكثير من الأعلام الذين جرى نقل شيء من كلامهم، مع ذكر مصادر تراجمهم، بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة0
9- شرحت المفردات الغريبة التى وردت فى بعض الأحاديث مستعيناً فى ذلك بكتب غريب الحديث، ومعاجم اللغة، وشروح الحديث0
ثم ختمت الكتاب بفهارس سبعة هى:
1- فهــرس الآيات القرآنيــة0
2- فهــرس الأحاديث والآثـار0
3- فهـرس الأعلام المترجم لهم0
4- فهـــرس الأشعــــار0
5- فهرس القبائل والبلدان والفرق0
6- فهرس المصادر والمراجــع0
7- فهرس الموضوعات التى اشتمل عليها الكتاب0
هذا وإنى -يعلم الله- ما فرطت ولا توانيت ولا كان منى ميل إلى كسل أو ركون إلى راحة، فإن فاتنى شئ فى أثناء الكتابة، أو لم أذكر أمراً كان
ينبغى ذكره، أو طرأ علىَّ سهو أو نسيان، فهذا لأن عمل الإنسان لا يخلوا من نقص مهما كانت عنايته0 وعذرى فى ذلك أن الكمال المطلق لله
U0
فما كان فى الكتاب من صوابٍ، فهو من الله U وبتوفيقه، وما كان من خطأ فمن نفسى، ومن الشيطان، والله برىء منه ورسوله، ولله وحده
الكمال والعزة والجلال0
وفى الختام : أحمد الله - سبحانه وتعالى- على عونه وتوفيقه لإتمام هذا الكتاب حيث سهل لى صعبه، وذلل أمامى عقباته، وإنى لأرى لزاماً
علىّ أن أسجل هنا وافر شكرى، وعظيم تقديرى، وصادق دعواتى لفضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور إسماعيل عبد الخالق الدفتار ، الذى أحاطنى
بنصائحه، وتوجيهاته السديدة، وإرشاداته العديدة، حتى خرج هذا الكتاب إلى حيز الوجود، فاسأل الله U أن يبارك فى دينه، وبدنه، وأهله، وولده،
وأن يجزيه عنى وعن الإسلام خير الجزاء0
ولا يفوتنى فى هذا المقام أن أقدم شكرى أيضاً : لكل من أفادنى من مشايخى وزملائى بكتاب، أو إرشاد، أو أى نوع من المساعدة ...
اللهم تقبل هذا العمل خالصاً لوجهك الكريم0اللهم اجعلنى جنداً من جنود كتابك، جنداً من جنود سنة نبيك e، اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك، ولا
عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدماً تمشى إلى خدمتك، ولا يداً تكتب حديث رسولك، فبعزتك لا تدخلنى النار، فقد علم أهلها أنى كنت أذب
عن دينك0 اللهم آمين،
والحمد لله رب العالمين
وصلـى الله علـى سيدنـا ومولانـا
محمــد وعلــى آلــه وصحبــه وسلــم
الراجى عفو ربه الغفور
عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى

(1) الآية 65 من سورة النساء0
(2) انظر تخريجه ص 228 0




(1) الآيتان 41، 42 من سورة فصلت0
(2) الآية 52 من سورة الشورى0
(1) الآية 44 من سورة النحل0
(2) الآية 64 من سورة النحل0
(3) الآيتان 18، 19 من سورة القيامة0
(4) الآيتان 3، 4 من سورة النجم0
(1) لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ لشكيب أرسلان ص 67 0
(1) جزء من الآية 217 من سورة البقرة0
(2) الآيتان 32، 33 من سورة التوبة0
(3) جزء من الآية 227 من سورة الشعراء0

====

2



M

وفيه خمسة مباحث :
1- المبحث الأول : كلمة فى الاصطلاح. معرفة الفوارق بين المعانى اللغوية والمعانى الاصطلاحية0
2- المبحث الثانى : التعريف بالسنة فى مصطلح علمائها .
3- المبحث الثالث : الحديث النبوى بالسند المتصل من خصائص الأمة الإسلامية
4- المبحـث الرابع : الحديــث النبـوى تاريــخ الإســلام .
5- المبحث الخامس : دراسة الحديث ضرورة لازمة لطالب العلم .





























المبحـث الأول
كلمــة فـى الاصطــلاح
معرفة الفوارق بين المعانى اللغوية والمعانى الاصطلاحية

معرفة الفوارق بين المعانى فى اللغة وبينها فى الاصطلاح مبحث فى غاية الأهمية، لا سيما وقد ظهر الخلط بين هذه المعانى عند أعداء الإسلام
والسنة المطهرة فى هجومهم على السنة، فهم لا يكادون يهتمون بمعرفة تلك الفروق، إما عن جهل يجرهم إلى اسوأ الأحكام وأتعس النتائج
بإنكار حجية السنة المطهرة، وإما عن علم متعمد لا يهتمون ولا يبينون الفوارق بين المعانى فى اللغة وبينها فى الاصطلاح بقصد تضليل
القارئ وتشكيكه فى حجية السنة المطهرة ومصدريتها التشريعية(1).
يقول أبو هلال العسكرى(2) فى كتابه (الفروق فى اللغة) :
"الفرق بين الاسم العرفى والاسم الشرعى : أن الاسم الشرعى ما نقل عن أصله فى اللغة فسمى به فعل أو حكم حدث فى الشرع نحو الصلاة
والزكاة والصوم والكفر والإيمان والإسلام وما يقرب من ذلك، وكانت هذه أسماء تجرى قبل الشرع على أشياء، ثم جرت فى الشرع على أشياء
أخر، وكثر استعمالها حتى صارت حقيقة فيها، وصار استعمالها على الأصل مجازاً، ألا ترى أن استعمال (الصلاة) اليوم فى الدعاء مجاز، وكان
هو الأصل. والاســـم العرفى ما نقل عن بابه بعرف الاستعمـال نحو قولنا (دابة) وذلك أنه قد صار فى العرف اسماً لبعض ما يدب وكان
فى الأصل اسماً لجميعه.
وعند الفقهاء أنه إذا ورد عن الله I خطاب قد وقع فى اللغة لشئ واستعمل فى العرف لغيره، ووضع فى الشرع لآخر، فالواجب حمله على ما
وضع فى الشرع؛ لأن ما وضع له فى اللغة قد انتقل عنه، وهو الأصل فيما استعمل فيه بالعرف أولى بذلك وإن كان الخطاب فى العرف لشئ
وفى اللغة بخلافه وجب حمله على العرف، لأنه أولى، كما أن اللفظ الشرعى يحمله على ما عدل عنه، وإذا حصل الكلام مستعملاً فى الشريعة
أولى على ما ذكر قبل، وجميع أسماء الشرع تحتاج إلى بيان نحو قوله تعالى : {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاة}(1) إذ قد عرف بدليل أنه أريد
بها غير ما وضعت له فى اللغة، وذلك على ضربين أحدهما يراد به ما لم يوضع له البتة نحو الصلاة والزكاة، والثانى يراد به ما وضع له فى
اللغة لكنه قد جعل اسماً فى الشرع لما يقع منه على وجه مخصوص، أو يبلغ حداً مخصوصاً فصار كأنه مستعمل فى غير ما وضع له وذلك
نحو الصيام والوضوء وما شاكله"(2).
فاللكلمة إذن معنيان، معنى لغوى، ومعنى شرعى، أى دلالة لغوية ودلالة اصطلاحية، وقد يكون المعنى الاصطلاحى بعيداً عن المعنى اللغوى،
بل قد تكون الكلمة لها أكثر من معنى فى اللغة وأكثر من معنى فى الاصطلاح ككلمة "السنة" مثلاً. فهى فضلاً عن معانيها اللغوية المتعددة،
والتى سيأتى ذكرها، لها أكثر من معنى اصطلاحى عند المحدثين، والفقهاء، والأصوليين كما سيأتى.
فالذى لا يعرف هذه الفوارق الاصطلاحية لا شك واقع فى الخطأ، وسوف يضل ضلالاً مبيناً، وهذه الفوارق استغلها أعداء الإسلام والسنة
المطهرة استغلالاً بشعاً ينبئ عن حقدهم الدفين على الإسلام وأهله، فنراهم فى هجومهم على السنة المطهرة يركزون على بعض معانيها
اللغوية أو الاصطلاحية مهملين عن جهل تارةً، وعن علم تارة أخرى باقى معانيها الاصطلاحية بغية الوصول إلى هدفهم وغايتهم من التشكيك
فى حجيتها وعدم العمل بها ومن ذلك تركيزهم على معنى السنة فى اصطلاح الفقهاء وهى ما ليس بواجب مما يمدح فاعلها ولا يذم
تاركها(3). وهذا التعميم فى تعريف السنة محض الضلال(4)، إذ فيه صـرف لهذه الكلمة عن معناها الاصطلاحى عند رجال الأصول وعلى أنها
مصدر تشريعى مستقل ملازم للقرآن الكريم فى الاحتجاج، وأن الأحكام التكليفية الخمسة تدور فيها، كما تدور فى القرآن الكريم بالتمام(1).
ومن المعانى اللغوية التى يركز عليها أعداء الإسلام فى تعريفهم بالسنة معناها الوارد بمعنى الطريقة والسيرة، حسنة كانت أو سيئة، ويعبرون
عن ذلك المعنى بالعادة والعرف كما قال المستشرق $جولد تسيهر#(2) : "السنة هى جماع العادات والتقاليد الوراثية فى المجتمع العربى
الجاهلى؛ فنقلت إلى الإسلام، فأصابها تعديل جوهرى عند انتقالها، ثم أنشأ المسلمون من المأثور من المذاهب والأقوال والأفعال والعادات لأقدم
جيل من أجيال المسلمين سنة جديدة"(3). وتابعه على ذلك سائر من جاء بعده من المستشــرقين(4).
وردد هذا الكلام الدكتور على حسن عبد القادر(5) فى كتابه $نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى# فقال : "وكان معنى السنة موجوداً فى
الأوساط العربية قديماً، ويراد به الطريق الصحيح فى الحياة للفرد وللجماعة، ولم يخترع المسلمون هذا المعنى، بل كان معروفاً فى الجاهلية،
وكان يسمى عندهم سنة هذه التقاليد العربية وما وافق عادة الأسلاف. وقد بقى هذا المعنى فى الإسلام فى المدارس القديمة فى الحجاز، وفى
العراق أيضاً، بهذا المعنى العام يعنى العمل القائم، والأمر المجتمع عليه فى الأوساط الإسلامية والمثل الأعلى للسلوك الصحيح من غير أن
يختص ذلك بسنة النبى e وأخيراً حدد هذا المعنى، وجعلت السنة مقصورة على سنة الرسول e ويرجع هذا التحديد إلى أواخر القرن الثانى
الهجرى، بسبب طريقة الإمام الشافعى التى خالف بها الاصطلاح القديم(1).
وأقـول : نعم، لفظ السنة ومعناها كان معروفاً فى لغة العرب قبل الإسلام ولم يخترع المسلمون هذه الكلمة ولا معناها، ولكن ليس الأمر كما
زعم المستشرقون والدكتور على حسن عبد القادر من أن معنى الســنة فى صدر الإسلام العادة والعرف(2) الجاهلى، أو أنها الطريق
الصحيح فقط، وإنما تشمل الطريق الصحيح وغير الصحيح على رأى جمهور علماء اللغة، ويؤيدهم فى الإطلاق القرآن الكريم، والأحاديث
النبوية، والأشعار الجاهلية على ما سيأتى.
كما أن استعمال القرآن الكريم والسنة المطهرة لكلمة السنة بالمعنى اللغوى لا يعنى ذلك أن هذا المعنى اللغوى (الطريقة) أو (السيرة) أو (
العادة) هو المراد شرعاً بالسنة، فهذه الكلمة انتقلت من معناها اللغوى إلى المعنى الاصطلاحى (سنة رسول الله e الشاملة لأقواله وأفعاله
وتقريراته وصفاته الخِلْقِية والخُـلُقِية ...) وهى بهذا المعنى مصدر تشريعى ملازم للقرآن الكريم لا ينفك أحدهما عن الآخر.
وهذا المعنى الاصطلاحى لكلمة السنة كان محدداً ومعلوماً فى صدر الإسلام والنبى e بين ظهرانى أصحابه y(3) وليس الأمر كما زعم الدكتور
حسن تابعاً للمستشرقين أن هذا المعنى الاصطلاحى للسنة تحدد فى آواخر القرن الثانى الهجرى....
ومن المعانى اللغوية التى يركز عليها أعداء الإسلام فى تعريفهم بالسنة معناها الوارد بمعنى الطريقة، ثم يعرفون السنة النبوية؛ بأنها الطريقة
العملية أو السنة العملية، أما أقواله وتقريراته وصفاته e فليست من السنة، وإطلاق لفظ حديث أو سنة على ذلك إنما هو فى نظرهم اصطلاح
مستحدث من المحدثين ولا تعرفه اللغة ولا يستعمل فى أدبها، هكذا زعم محمود أبو ريه(1) فى كتابه (أضواء على السنة المحمدية)(2) تبعاً
للدكتور توفيق صدقى(3).
وفى ذلك أيضاً يقول الدكتور المهندس محمد شحرور(4) فى كتابه (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، "إن ما اصطلح على تسميته بالسنة النبوية
إنما هو حياة النبى e كنبى وكائن إنسانى عاش حياته فى الواقع، بل فى الصميم منه، وليس فى عالم الوهم".
وفى موضع آخر يقول : "من هنا يأتى التعريف الخاطئ برأينا للسنة النبوية بأنها كل ما صدر عن النبى e من قول ومن فعل أو أمر أو نهى أو
إقرار. علماً بأن هذا التعريف للسنة ليس تعريف النبى e نفسه، وبالتالى فهو قابل للنقاش والأخذ والرد وهذا التعريف كان سبباً فى تحنيط
الإسلام، علماً بأن النبى e وصحابته لم يعرفوا السنة بهذا الشكل، وتصرفات عمر بن الخطاب تؤكد ذلك"(5).
ويقول نيازى عز الدين(6) : "رجال الدين فى القرن الثالث الهجرى عرفوا السنة وأضافوا إليها أموراً هى من اجتهادهم، فقد قالوا فى تعريفها :
"هى كل ما أُثِرَ عن النبى e من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلْقِية أو خُـلُـقِية أو سيرة سواء كان ذلك قبل البعثة "كتحنثه فى غار حراء" أم
بعدها. وهذا التعريف الموسع الذى أتى فى عصر متأخر عن عصر الرسولe وصحابته قد جر البلاء على الإسلام0 وفى موضع آخر يقول : "
وإن أغلب الذين أدخلوا أحاديث الرسول e وأفعاله وتصرفاته الخاصة فى الدين فعلوها وهم يعلمون أنهم يفعلون الممنوع، ويقعون فى
المعصية، لكن الهوى والشيطان كانا أقوى من الإيمان فى تلك الفترة، ففعل الشيطان ما يريد"(1).
ومن المعانى اللغوية التى يركزون عليها فى تشكيكهم فى السنة المطهرة معناها الوارد فى القرآن الكريم بمعنى أمر الله U ونهيه وسائر
أحكامه وطريقته،ويقولون: لا سنة سوى سنة الله U الواردة فى كتابه العزيز، وأنه مستحيل أن يكون لرسول الله سنة، ويكون لله U سنة،
فيشرك الرسول نفسه مع الله U0
وفى ذلك يقول محمد نجيب(2) فى كتابه (الصلاة) : القرآن وما فيه من آيات هو سنة الله التى سنها وفرضها نظاماً للوجود،
واتبعها الله نفسه؛ فهى سنة الله ... وليس من المعقول أن يكون للرسول سنة ويكون لله سنة، فيشرك الرسول نفسه مع الله ويكون لكلاهما
سنة خاصة وهو أمر مستحيل أن يحصل من مؤمن ومن رسول على الأخص، فما كان لبشرٍ آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يترك حكم الله
وسنته، ويطلب من الناس أن تتبع ما يسنه هو من أحكام، وليس ذلك إن حَصُلَ إلا استكباراً فى الأرض، وتعالٍ على الله. يقول الله تعالى: {مَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا
كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}(3) {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ
الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}(4). وهذا يؤكد وجوب الرجوع لكتاب الله وحده جماع سنة الله(5) أ0هـ0
وفى ذلك أيضاً يقول أحمد صبحى منصور(1) فى كتابه (حد الردة) معرفاً بالسنة الحقيقية قائلاً : "سنة الله تعالى هى سنة رسوله عليه السلام
...، الله تعالى ينزل الشرع وحياً، والرسول يبلغه وينفذه، ويكون النبى أول الناس طاعة واتباعاً لأوامر الله تعالى. والله تعالى أمر النبى بأن
يقول {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}(2)0 والإيمان بالرسول معناه الإيمان بكل ما نزل عليه من القرآن والإيمان بأنه اتبع ذلك الوحى وطبقه، وكان
أول الناس إيماناً به وتنفيذاً له(3)0
ويقول قاسم أحمد(4) فى كتابه (إعادة تقييم الحديث) : "إنه بالنظر إلى استخدام كلمتى السنة والحديث فى القرآن والذى يعطينا معلومات شيقة،
نجد أن كلمة "سنة" تشير فى القرآن إلى النظام أو الناموس الآلهى وإلى مثال الأمم السابقة التى لقيت مصيرها. فلم يشر القرآن إلى أن السنة
هى سلوك النبى، وهذان الاستخدامان تشير إليهما الآيتان التاليتان :
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}(5) {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ
مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ}(6)0
فكلمة "حديث" استخدمت فى القرآن بمعنى "الأخبار" و"القصص" و"الرسالة" و"الشئ" وقد ذكرت ستاً وثلاثين مرة فى مواضع لغوية مختلفة، ولا
يشير أى منها إلى ما يعرف بالحديث النبوى. فعلى العكس وردت فى عشرة مواضع من الآيات البينات تشير إلى القرآن وتستبعد بشدة أى حديث
إلى جانب القرآن منها هذه الآيات {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}(7) {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}(1).
هذا والذى زعمه أعداء السنة المطهرة فى تعريفهم بالسنة النبوية من أنها الطريقة العملية أو السنة العملية، أو هى سنة الله U.
وأن تعريف السنة النبوية بأنها $كل ما صدر عن النبى e من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ...# اصطلاح مستحدث من المحدثين ولم يعرفه
النبى e ولا أصحابه y بل كان هذا التعريف سبباً فى تحنيط الإسلام.
هذا الزعم الكاذب إنما يدل على ما سبق وأن ذكرته من أن هؤلاء الأعداء يخلطون بين المعانى فى اللغة وبينها فى الاصطلاح، ولا يهتمون
بمعرفتها ولا ببيانها إما عن جهل، وإما عن علم بقصد خداع القارئ وتضليله وتشكيكه فى حجية السنة وفى علمائها الذين قيدهم رب العزة
لحفظها من التغيير والتبديل تماماً بتمام، كما قيض لكتابه العزيز من يحفظه من العلماء الأفذاذ.
لذا كان لزاماً علينا بيان الفوارق بين معانى (السنة والحديث) فى اللغة وبينها فى الاصطلاح، حيث سيتضح جلياً صدق ما ذكرته من خلطهم
وعدم اهتمامهم بتلك الفوارق عن جهل تارة، وعن علم تارة أخرى، كما سيتضح أن السنة النبوية بتعريفها المعلوم عند المحدثين والأصوليين
والفقهاء، كان مقصوداً من النبى e ومعلوماً للصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وأن هذا التعريف للسنة المطهرة كان سبباً فى عزة
الإسلام وأهله، وليس سبباً فى تحنيطه كما يزعم أعداءُ الإسلام0
كما سيتضح أيضاً أن مصطلح السنة ومصطلح الحديث كانا مترادفين زمن النبوة المباركة وزمن الصحابة y فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم y
وعلى ذلك علماء الشرع الحنيف، خلافاً لأعداء الإسلام الزاعمين : أن مصطلح السنة غير مصطلح الحديث، وأنهما يجب أن يكونا متميزين عن
بعضهما فإلى بيان ذلك.

(1) ضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير نصر ص 25 بتصرف، وانظر السنة فى مواجهة أعدائها للدكتور طه حبيشى ص 23
وما بعدها0
(2) أبو هلال العسكرى : هو الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكرى، لغوى، مفسر، شاعر، أديب0 من مصنفاته
لحن الخاصة، والتخليص فى اللغة، والفروق، والمحاسن فى تفسير القرآن، توفى بعد سنة 395هـ0 له ترجمة فى : طبقات المفسرين
للسيوطى، ص 33 رقم 29، وطبقات المفسرين للداودى 1 /138 رقم 131، ومعجم الأدباء للسيوطى 3 /135، ومعجم المؤلفين لعمر كحالة
3 /240 0
(1) جزء من الآية 43 من سورة البقرة0
(2) الفروق فى اللغة ص 56 0
(3) البحر المحيط للزركشى 1 /284، وإرشاد الفحول للشوكانى 1 /155، وأصول الفقه للشيخ محمد الخضرى ص 54، وأصول الفقه للشيخ
عبد الوهاب خلاف ص 111 0
(4) انظر تعميم محمود أبو ريه لذلك فى أضواء على السنة ص 38 0
(1) ضوابط الرواية عند المحدثين ص 25، 26 بتصرف0
(2) جولد تسيهر : مستشرق مجرى يهودى، رحل إلى سورية وفلسطين ومصر، ولازم بعض علماء الأزهر0 له تصانيف باللغات الألمانية
والإنكليزية والفرنسية0 ترجم بعضها إلى العربية، قال الدكتور السباعى : "عرف بعدائه للإسلام وبخطورة كتاباته عنه، ومن محررى دائرة
المعارف الإسلامية" كتب عن القرآن والحديث، ومن كتبه : "تاريخ مذاهب النتفسير الإسلامى" و"العقيدة والشريعة فى الإسلام" و "فضائح
الباطنية" وغير ذلك مات سنة 1921م له ترجمة فى: الأعلام للزركلى 1 /284، والاستشراق للدكتور/ للسباعى ص 31-32، وأراء
المستشرقين حول القرآن وتفسيره للدكتور عمر إبراهيم 1 /161 - 162 0
(3) العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 49، 251 0
(4) دائرة المعارف الإسلامية 7 /330، وانظر دراسات فى الحديث للدكتور الأعظمى 1 /5-11، ومنهجية جمع السنة وجمع الأناجيل للدكتورة
عزية على طه ص 62، 122، 123 0
(5) على حسن عبد القادر : أستاذ تاريخ التشريع الإسلامى، حاصل على العالمية فى الفلسفة من ألمانيا، ومجاز من كلية أصول الدين فى قسم
التاريخ، وعميد كلية الشريعة بالأزهر الشريف سابقاً، من مؤلفاته : نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى0
(1) نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى ص 122، 123 0
(2) يصح تعريف السنة بالعادة والعرف، ولكن المراد بالعادة فى هذه الحالة عادة الرسول e أى ما عمله أو أقره أو رآه فلم ينكره، وهى فى
هذه الحالة من الدين0 كما تطلق أيضاً على السيرة العملية لحياة الصحابة y ولا تعنى العادة والعرف السائد فى الجاهلية كما يوهمه كلام جولد
تسيهر ومن قال بقوله انظر:حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص49-51، والمدخل إلى السنة النبوية لأستاذنا الفاضل الدكتور عبد
المهدى عبدالقادر ص25،26 .
(3) ستأتى الأحاديث التى تشهد بذلك انظر : ص 43، 44، 45 .
(1) محمود أبو ريه : كاتب مصرى كان منتسباً إلى الأزهر فى صدر شبابه، فلما انتقل إلى مرحلة الثانوية الأزهرية أعياه أن ينجح فيها، أكثر
من مرة، فعمل مصححاً للأخطاء المطبعية بجريدة فى بلده، ثم موظفاً فى دائرة البلدية حتى أحيل إلى التقاعد0 من مصنفاته التى طعن فيها فى
السنة والصحابة، أضواء على السنة، وقصة الحديث المحمدى، شيخ المضيرة (أبو هريرة) انظر : السنة ومكانتها فى التشريع للدكتور السباعى
ص 466 0
(2) أضواء على السنة ص 39 0
(3) الدكتور توفيق صدقى : هو الدكتور محمد توفيق صدقى طبيب بمصلحة السجون بالقاهرة، كتب مقالات فى مجلة المنار بعنوان "الإسلام هو
القرآن وحده" مات سنة 1920م، ترجم له الشيخ محمد رشيد رضا فى مجلة المنار المجلد 21/483 وما بعدها، وانظر : مجلة المنار المجلد
11 /774 .
(4) محمد شحرور : كاتب سورى معاصر، حاصل على الدكتوراه فى الهندسة من الجامعة القومية الإيرلندية فى دبلن0 من مؤلفاته : الكتاب
والقرآن قراءة معاصرة، والإسلام والإيمان منظومة القيم، والدولة والمجتمع0
(5) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص 546-548 0
(6) نيازى عز الدين : كاتب سورى معاصر، هاجر إلى أمريكا0 من مؤلفاته : إنذار من السماء، ودين السلطان، الذى زعم فيه أن السنة
المطهرة وضعها أئمة المسلمين من الفقهاء والمحدثين لتثبيت ملك السلطان ومعاوية t وصار على دربه علماء المسلمين إلى يومنا هذا0
(1) إنذار من السماء ص 40، 111 0
(2) محمد نجيب كاتب معاصر0 من مؤلفاته (الصلاة) أنكر فيه السنة المطهرة، وزعم أن تفاصيل الصلاة واردة فى القرآن الكريم0والكتاب
صادر عن ندوة أنصار القرآن، نشر دائرة المعارف العلمية الإسلامية0
(3) الآية 79 من سورة آل عمران0
(4) الآيتان 42، 43 من سورة فاطر0
(5) الصلاة ص 276، 277 0
(1) أحمد صبحى منصور تخرج فى الأزهر وحصل على العالمية فى التاريخ من الجامعة وتبرأ من السنة فتبرأت منه الجامعة، سافر إلى أمريكا
وعمل مع المتنبئ رشاد خليفة، يحاضر بالجامعة الأمريكية بمصر، ومدير رواق بن خلدون بالمقطم0 من مصنفاته : الأنبياء فى القرآن،
والمسلم العاصى، وعذاب القبر والثعبان الأقرع، ولماذا القرآن، باسم مستعار وهو عبد الله الخليفة0 انظر قصته هو ورشاد خليفة فى كتابى
مسيلمة فى مسجد توسان، والدفاع عن السنة الجزء الأول من سلسة "الإسلام واستمرار المؤامرة كلاهما لفضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى0
(2) جزء من الآية 9 من سورة الأحقاف0
(3) حد الردة ص 40 0
(4) قاسم أحمد كاتب ماليزى معاصر، ورئيس الحزب الاشتراكى الماليزى -سابقاً-0 من مؤلفاته: إعادة تقييم الحديث، أنكر فيه حجية السنة
المطهرة0
(5) الآية 23 من سورة الفتح0
(6) الآية 38 من سورة الأنفال0
(7) جزء من الآية 23 من سورة الزمر0
(19) الآية 6 من سورة لقمان، وانظر : إعادة تقييم الحديث ص 77، 78، واستشهاده بـهذه الآية على أن لفظ الحديث هو القرآن استشهاد
باطل فـ (لهو الحديث) هنا الأقاصيص والأساطير، انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/441 0
===
3



المبحث الثانـى
التعريف بالسنة فـى مصطلـح علمائهـا

وتحته ثلاثـة مطالب :
المطلب الأول : التعريـف "بالسنة" و"الحديـث" فـى اللغـة.
المطلب الثانى : التعريف "بالسنة" و"الحديث" فـى الاصطلاح.
المطلب الثالث : شبهـة حـول التسمية والـــرد عليهــا.
































المطلـــب الأول
التعريف "بالسنة" و "الحديث" فى اللغــــــــة

تطلق السنة فى اللغة على عدة معان منها :
1- ما يدل على الصقالة والملامسة، ومن ذلك إطلاقها على الوجه أو دائرته، أو صورته، وبهذا المعنى وردت فى أشعار العرب قال
الأعشى(1) :
كريمـاً شمائلـه مـن بنـى *** معاويـة الأكرميـن السنـن
حيث أراد بقوله "الأكرمين السنن" الأكرمين الوجوه0
وقال ذو الرمة(2) :
تريك سنة وجه غير مقرفـة *** ملساء ليس لها خال ولا ندب
حيث أراد بقوله "تريك سنة وجه" تريك دائرة وجهها0
وقال ثعلب(3) :
بيضـاء فـى المـرآة سنتها *** فى البيت تحت مواضع اللمس
حيث أراد بقوله : "فى المرآة سنتها" فى المرآة صورتها(4)0
2- كذلك ترد السنة بمعنى : السيرة المستمرة، والطريقة المستقيمة، سواء حسنة كانت أم سيئة(5)، وأصلها اللغوى مأخوذ من قولك : سننت
الماء إذا واليت صبه، وفى لسان العرب : سن عليه الماء : صبه، وقيل : أرسله إرسالاً ليناً ... وسن الماء على وجهه، أى : صبه عليه صباً
سهلاً0
قال الجَوْهَرىُّ(1) : سننت الماء على وجهى : أى أرسلته إرسالاً من غير تفريق ... والسنن : الصب فى سهولة ... وفى حديث عمرو بن
العاص(2) t عند موته : "فسنوا على التراب سناً"(3) أى ضعوه وضعاً سهلاً(4) فشبهت العرب الطريقة المتبعة، والسيرة المستمرة بالشئ
المصبوب، لتوالى أجزائه على نهج واحد، ومن هذا المعنى قول خالد بن عتبة الهذلى :
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها *** فأول راضٍ سنة من يسيرها(5)
وبهذا الإطلاق اللغوى جاءت كلمة السنة فى القرآن الكريم، قال تعالى: { سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً}(6) وقال
تعالى {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَــغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ... الآية}(7)0
كما جاءت أيضاً فى السنة النبوية بهذا المعنى، قال e "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة،ومن سن سنة سيئة
فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"(8) وقال e "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع" (1).
وهكذا فإن العرب تطلق على كل من ابتدأ أمراً عمل به قوم من بعده، بأنه هو الذى سنه، ومن هذا المعنى قول نصيب :
كأننى سننت الحب أول عاشق *** من الناس إذا أحببت من بينهم وحدى
وخصها بعض أهل اللغة بالطريقة المستقيمة الحسنة دون غيرها، ولذلك قيل : فلان من أهل السنة(2).
والحق هو ما عليه جمهور أهل اللغة ويؤيدهم فى الإطلاق الآيات والأحاديث السابق ذكرها وقول خالد الهذلى المتقدم(3).
والعلاقة بين المعنيين (اللغوى والاصطلاحى) ظاهرة؛ لأن سنة المصطفى e من قول، أو فعل، أو تقرير أو ... إلخ. طريقة متبعة عند المؤمنين
ليس لهم خيرة فى أمره e كما قال رب العزة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا}(4)0
قال الدكتور همام عبد الرحيم سعيد : "وسنة النبى e تحمل هذه المعانى اللغوية، لما فيها من جريان الأحكام واطرادها، وصقل الحياة الإنسانية
بها، فيكون وجه المجتمع السائر على هديها ناضراً بخيرها وبركتها، ويستفاد من المعانى اللغوية أن السنة فيها معنى التكرار والاعتياد، وفيها
معنى التقويم، وإمرار الشئ على الشئ من أجل إحداده وصقله(5)0
3- كما ترد "السنة" بمعنى العناية بالشئ ورعايته، يقال : سن الإبل إذا أحسن رعايتها، والعناية بها(6)، والفعل الذى داوم عليه النبى e سمى
سنة بمعنى : أنهe أحسن رعايته وإدامته(1)0
4- كما ترد "السنة" بمعنى البيان، يقال : سن الأمر، أى بينه، وفى الحديث "إنى لأنسى أو أنسى لأسن"(2) أى إنما أدفع إلى النسيان لأسوق
الناس بالهداية إلى طريق مستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان(3)0
5- وتستعمل "السنة" أيضـــاً بمعنى دين الله تعالى الذى هو أمره ونهيه وسائر أحكامه(4)0
6- وقال الطبرى(5):"السنة" هى المثال المتبع، والأمام المؤتم به، ومنه قول لبيد بن ربيعة(6):
مـن معشـر سنت لهم آباؤهـم *** ولكـل قـوم سنـة وإمامهـا(7)
7- ونقل القرطبى(8)، عن المفضل(9) أن "السنة" الأمة، وأنشد :
ما عاين الناس من فضل كفضلهم *** ولا رأوا مثلهم فى سالف السنن(1)
8- ونقل الشوكانى(2)، عن الكسائى(3) أن "السنة" الدوام(4)0
خلاصة القول كما يقول الدكتور محمد مصطفى الأعظمى :
إن السنة معناها فى اللغة "الطريقة" و"العادة" و"السيرة" سواء كانت سيئة أو حسنة، وقد استعملها الإسلام (القرآن والنبى e) فى معناها
اللغوى كما رأينا فى الآيات والأحاديث السابقة، ثم خصصها الإسلام بطريقة النبى e وطريقة أصحابهy كما سيأتى فى تعريف السنة اصطلاحاً،
وليس معنى هذا أن معناها اللغوى قد بطل أو انعدم بل بقى استعمالها ولكن فى نطاق ضيق(5)0
التعريـف بالحديـث لغـة :
"الحديث" فى اللغة : الجديد ضد القديم ومادة الكلمة "حدث" تدور حول معنى واحد وهو كون الشئ بعد أن لم يكن، والحديث كلام يحدث منه الشئ
بعد الشئ، بعد أن لم يكن(6)0
وإنما سميت الكلمات والعبارات حديثاً؛ لأن الكلمات إنما تتركب من الحروف المتعاقبة المتوالية، وكل واحد من تلك الحروف يحدث عقب صاحبه،
أو لأن سماعها يحدث فى القلوب من المعانى والعلوم الشئ الكثير قال تعالى {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}(7)0
ويجمع الحديث على أحاديث على خلاف القياس، ويرى الفراء أن واحد الأحاديث أحدوثة،ثم جعلوه جمعاً للحديث وقال ابن برى: ليس الأمر كما
زعم الفراء،لأن الأحدوثة بمعنى الأعجوبة، يقال : قد صار فلان أحدوثةً، أما أحاديث النبى e فلا يكون واحدها إلا حديثاً(1)0
ويرى الزمخشرى(2) : إن الأحاديث اسم جمع(3)، وخالفه أبو حيان فى البحر(4) : فقال ليس كل الأحاديث باسم جمع، بل هو جمع تكسير
للحديث على غير قياس كأباطيل، واسم الجمع لم يأت على هذا الوزن(5)، فالراجح أنها جمعت على غير قياس... والجمع القياسى للفظ حديث
أحدثه كرغيف وأرغفة، أو حدث كقضيب وقضب(6).
قال فضيلة الأستاذ الدكتور مروان محمد شاهين : أما عن الحديث فى اللغة فله معان ثلاثة :
الأول : الحديث بمعنى الجديد الذى هو ضد القديم، تقول : لبست ثوباً حديثاً أى جديداً، وقرأت كتاباً حديثاً بمعنى الجديد، وركبت سيارة حديثة تعنى
سيارة جديدة.
الثانى : الحديث بمعنى الخبر والنبأ مثل قوله تعالى: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}(7) ومثل قوله U : {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة}(1) وقد ورد هذا
المعنى أيضاً فى قول ربنا U {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا}(2)0
الثالث : الحديث بمعنى الكلام مثل قول الله تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}(3) أى نزل أحسن الكلام، ومثل قوله سبحانه {وَمَنْ
أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}(4) وقوله تعالى {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}(5) أى إن لم يؤمنوا بالقرآن الكريم فبأى كلام بعده يؤمنون(6)0
وبهذا الإطلاق اللغوى جاءت كلمة "الحديث" فى السنة المطهرة مراداً بها كلام رب العزة، وكلام رسول الله e فمثال ما جاء فى السنة مراداً
بها كلام الله U ما أخرجه مسلم فى صحيحه عن جابر بن عبد الله(7) t قال : كان رسول الله e إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد
غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم، ويقول : بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: أما بعد
: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمدe وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ..."(8).
ومثال ما جاء فى السنة مراداً بها كلام النبى e ما أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجة عن زيد بن ثابت(9) t قال : سمعت رسول الله e يقول
: "نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه"(1) وعن المغيرة بن
شعبة(2) t قال : قال رسول الله e "مَنْ حَدَّثَ عَنِّىِ بَحديثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ؛ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ"(3).















المطلـــب الثانـــى
التعريـف "بالسنة" و"الحديث" فى الاصطلاح

بادئ ذى بدءٍ وقبل بيان معنى "السنة" و"الحديث" فى اصطلاح العلماء نقول : إذا كان هناك بعض الفروق الدقيقة بين الاستعمالين لغة كما
سبق، واصطلاحاً كما سيأتى تفصيلاً، إلا أنهما مترادفان متساويان فى استعمالهم؛ فهم جميعاً لم يطلقوا استعمالهما اللغوى0
يقول الدكتور صبحى الصالح : "ولئن أطلقت السنة فى كثير من المواطن على غير ما أطلق الحديث؛ فإن الشعور بتساويهما فى الدلالة أو
تقاربهما على - الأقل - كان دائماً يساور نقاد الحديث، فهل السنة العملية إلا الطريقة النبوية التى كان الرسول -صلوات الله عليه- يؤيدها
بأقواله الحكيمة وأحاديثه الرشيدة الموجهة؟ وهل موضوع الحديث يغاير موضوع السنة؟ ألا يدوران كلاهما حول محور واحد؟ ألا ينتهيان أخيراً
إلى النبى الكريم فى أقواله المؤيدة لأعماله، وفى أعماله المؤيدة لأقواله؟
حين جالت هذه الأسئلة فى أذهان النقاد لم يجدوا بأساً فى أن يصرحوا بحقيقة لا ترد إذا تناسينا موردى التسميتين كان الحديث والسنة
شيئاً واحداً، فليقل أكثر المحدثين أنهما مترادفان(1).
وإذن فمعنى السنة والحديث عند علماء الشرع واحد من حيث إطلاق أحدهما مكان الآخر، ففى كل منهما إضافة قول أو فعل أو تقرير أو
صفة إلى النبى e إلا أن أهل كل اختصاص قد نظروا إلى السنة من الزاوية التى تعنيهم-من حيث تخصصهم وموضوع علمهم.
1- فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله e الإمام الهادى، والرائد الناصح، الذى أخبر الله U أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من
سيرة وخلق وشمائل، وأخبار وأقوال وأفعال سواء أثبت المنقول حكماً شرعياً أم لا(2).
فعرفوها بأنها كل ما نقل عن النبى e من قول أو فعل أو إقرار (تقرير) أو صفة خِلْقِية أو صفة خُـلُـقِية حتى الحركات والسكنات فى اليقظة
والمنام قبل البعثة أو بعدها0 فلذلك من الأثر ماله فى إثبات النبوة وإعطاء الأسوة وتعميق الإيمان، وتوكيد العلاقة والمحبة والتوقير بيننا وبينه
e ، والالتزام بسنته المطهرة(1).
أما علماء الأصول : فإنهم يعنون بالبحث فى مصادر الشريعة، وأخذ الأدلة الشرعية من النصوص، واستنباط الأحكام منها - ومن هنا كان
اهتمامهم بالسنة من حيث كونها المصدر الثانى للتشريع بعد كتاب الله تعالى فعرفوها بأنها كل ما صدر عن النبى e من قول، أو فعل، أو
تقرير، أو ترك، أو كتابة، أو إشارة مفهمه أو هم مصحوب بالقرائن، أو غير ذلك مما يثبت الأحكام ويقررها، مما لم ينطق به الكتاب العزيز(2).
أما الفقهاء فيطلقون كلمة "سنة" ويعنون بها ما يقل عن درجة الوجوب والإلزام، فالواجب والفرض عندهم ما يثاب فاعله، ويعاقب تاركه، أما
السنة عندهم - فهى ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها مما فعله الرسول e وواظب عليه؛ لأنها فى اصطلاحهم - أقل إلزاماً من الفرض، ونظرة
الفقهاء إلى السنة خاضعة لتخصصهم، ولموضوع علمهم الذى هو البحث عن حكم الشرع على أفعال العباد من حيث الوجوب والتحريم
والاستحباب والكراهة والإباحة ومن هنا خضع تعريفهم للسنة إلى تخصصهم الذى يعملون فيه(3).
السنـة وعمـل الصحابـة :
يقول فى ذلك الدكتور محمد عجاج الخطيب، إلى جانب المعنى السابق الذى يدل عليه لفظ السنة، فقد يطلق العلماء (محدثين وأصوليين وفقهاء)
لفظ السنة أحياناً على ما عمل به أصحاب رسول الله e سواء أكان ذلك فى القرآن الكريم أم فى المأثور عن النبى e أم لا، لكنه اتباعاً لسنة
ثبتت عندهم، أو اجتهادٍ مجتمعاً عليه منهم .
ومن أبرز ما ثبت فى السنة بهذا المعنى حد الخمر، حيث كان تعزير شارب الخمر فى عهده e غير معين فكانوا يضربونه تارة أربعين جلده،
وتارة يبلغون ثمانين جلدة، فلما كان عهد عمر(1) t استشار الناس؛ فقال عبد الرحمن بن عوف(2) t أخف الحدود ثمانون، وقال على(3) t
نرى أن نجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فجلد عمر t فى الخمر ثمانين(4).
وثبت فى ذلك أيضاً تضمين الصناع0 وقضى الخلفاء y بذلك، قال على t لا يصلح الناس إلا ذاك؛ لأن الناس بحاجة إلى الاستصناع، وعدم
تضمين الصناع يورث الإهمال فى العمل وعدم المسئولية، مما يؤدى إلى ضياع أموال الناس(5).
ومن ذلك أيضاً، جَمْعُ المصاحــف فى عهد أبى بكر برأى عمر -رضى الله عنهما-(6)، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد من الحروف
السبعة وتدوين الدواوين، وما أشبه ذلك مما اقتضاه النظر المصلحى الذى أقره الصحابة -رضوان الله عليهم- أجمعين(7).
ومما يدل على إطلاق السنــة بهذا المعنى قوله e فيما رواه عنه العرباض بن سارية(8) t قال : صلى بنا رسول الله e الصبح ذات يوم ثم
أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل : يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟
فقال : "أوصيكم بتقوى الله U والسمع، والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتى وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"(1) وقوله e
فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو(2) -رضى الله عنهما- قال : قال رسول الله e "إن بنى اسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق
أمتى على ثلاث وسبعين، كلهم فى النار إلا ملة واحدة، قالوا : ومن هى يا رسول الله قال : ما أنا عليه وأصحابى"(3).
واستدل على ذلك أيضاً بأن السلف كانوا يقولون : سنة العمريين أى أبى بكر وعمر -رضى الله عنهما-، ومما أخرجه ابن عبد البر بسنده
عن مالك بن أنس(4) قال عمر بن عبد العزيز(5) : سن رسول اللهe وولاة الأمر من بعده سنناً الأخذ بها تصديق بكتاب الله e واستكمال
لطاعة الله وقوة على دين الله، من عمل بها؛ فهو مهتد، ومن استنصر بها؛ فهو منصور، ومن خالفها؛ اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما
تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً(1).
وإذا كان عمل الصحابة y يطلق عليه لفظ السنة - فلا يعنى هذا أن السنة معناها فى صدر الإسلام "العادات والتقاليد الوراثية فى المجتمع
العربى الجاهلى، ثم نقلت إلى الإسلام" كما زعم جولدتسيهر وغيره، لأن تلك الادعاءات كما قال الدكتور الأعظمى تخالف مخالفه جذرية ما دلت
عليه النصوص القطعية والتى تفسر بعضها بعضاً0 لما رواه أحمد فى مسنده عن سالم(2) قال "كان عبد الله بن عمر(3) يفتى بالذى أنزل الله
U من الرخصة بالتمتع، وسن رسول الله e فيه : فيقول ناس لابن عمر : كيف تخالف أباك؟ وقد نهى عن ذلك، فيقول لهم عبد الله ويلكم ألا
تتقون الله إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغى فيه الخير، يلتمس به تمام العمرة، فلم تحرمون ذلك؟ وقد أحله الله وعمل به رسول الله e أفرسول
الله e أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر"(4).
فدل ذلك على أن لفظ "السنة" فى صدر الإسلام كان معلوماً بأنها سنة النبى e وليس ما كان معروفاً مألوفاً فى الجاهلية، إذ لو كان الفرق
الشائع، أو تقاليد المجتمع الجاهلية هما "السنة" فكيف نفسر قول ابن عمر هذا؟ (5)0
هذا وإن كانت السنة تطلق على ما عمل به أصحاب رسول الله y كما سبق، فهى أيضاً تطلق ويراد بها الجانب العملى الذى نقل لنا عن رسول
الله e أما الحديث: فهو الأخبار التى نقلت لنا عنه e من أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته ... إلخ0 وفى ضوء ذلك نستطيع أن نفهم قول
العلماء فى وصف أحدهم مثلاً (إمام فى الحديث) أو (إمام فى السنة) أو قولهم عنه إنه (إمام فيهما معاً)، أى أنه عالم فى الحديث، وعالم
بالسنة يطبقها على نفسه، ويلتزم بها فى سلوكه0
والسنة بهذا المعنى الأخير تباين البدعة التى ليست من الدين والتى اعتبرها الرسول e ضلالة؛ لأنها ليست من شرع الله فى شئ، وكل
ضلالة فى النار. وفى ضوء ذلك أيضاً نستطيع أن نفهم قول الرسول e "من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(1) ... ووفقاً لهذا المعنى
نستطيع أن نفهم أيضاً قـول عبـد الرحمـن ابن مهدى(2) -وهو واحد من أفذاذ علم الحديث ورجاله، ومن كبار العلماء بالسنة - حينما سئل
عن مالك بن أنس، والأوزاعى(3)، وسفيان بن عيينة(4) فقال : الأوزاعى إمام فى السنة وليس بإمام فى الحديث، وسفيان إمام فى الحديث
وليس بإمام فى السنة، ومالك إمام فيهما معاً.
وإجابة عبد الرحمن بن مهدى واضحة الدلالة على أن السنة -فى مثل هذا الاستعمال- إنما يراد بها الجانب العملى فى الإسلام، أما الحديث فهو
الاشتغال بما نقل لنا عن رسول الله e من أقواله وأفعاله وتقريراته ... إلخ.
ومن هنا يقولون أيضاً : فلان صاحب سنة وفلان صاحب بدعة، أما الأول، فلأنه يتبع هدى النبى e ، "وأما الثانى؛ فلأنه يحاول أن يلحق بالدين
ما ليس منه(1).
يقول الدكتور صبحى الصالح : وأغرب من هذا كله أن أحد المفهومين يدعم بالآخر كأنهما متغايران من كل وجه، حتى صح أن يذكر ابن النديم
كتاباً بعنوان "السنن بشواهد الحديث"(2).
وهناك تفريق آخر بين الحديث والسنة وهو ما ذكره العلامة الكتانى من أن الموقوف لا يسمى سنة، ولكنه يسمى حديثاً"(3).
ويعقب الدكتور محمد الصباغ : على التفريق بين السنة والحديث فى قول الأمام عبد الرحمن بن مهدى فيقول : ولكن هذا التفريق لم يعش
طويلاً فيما بعد، وأضحت الكلمتان مترادفتين، ولا نذكر هذا التفريق إلا من أجل فهم مثل العبارة الواردة عن ابن مهدى والتى ذكرناها آنفاً(4)0
هذا ومرادى بالسنة هنا : ما أراده المحدثون وذهب إليه جمهورهم وهى : أقوال النبى e وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلْقِية والخُلُقِية وسيره
ومغازيه قبل البعثة مثل تحنثه فى غار حراء(5)، ومثل حسن سيرته، لأن الحال يستفاد منها ما كان عليه من كريم الأخلاق ومحاسن الأفعال؛
كقول أم المؤمنين خديجة -رضى الله عنها- له e كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتكسب المعدوم،
وتعين على نوائب الحق(6)
ومثل أنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وأنه عرف بالصدق والأمانة وما إلى ذلك من صفات الخير، وحسن الخلق، فمثل ذلك ينتفع به فى إثبات
نبوته e كثيراً كما حصل من هرقل فى حديثه المشهور(1).
وهذا ما جعل العلماء يعتبرون كل ما يتصل به e قبل البعثة جزءاً من السنة؛ فالسنة عندهم تشمل كل ما يتصل بالرسول e قبل وبعد البعثة،
ويدخل فى التعريف ما كان عليه عمل الصحابة0 وهذا أجمع تعريف لها(2). والسنة بهذا المعنى مرادفة للحديث النبوى عندهم(3) أ0هـ.
ومن هنا يظهر فساد قول جولدتسيهر : فى كتابه (دراسات محمدية) يجب أن يكون مصطلح "الحديث"، ومصطلح "السنة" متميزين عن
بعضهما(4)، فهما ليسا بمعنى واحد، وإنما السنة دليل الحديث(5).
وجولدتسيهر بزعمه هذا لم يفرق بين المعانى اللغوية والمعانى الاصطلاحية للفظتين: الحديث والسنة لذلك تراه يخلط فى الموضوع بعدم التزامه
باصطلاحات علماء الشرع، مما جعله يظن أن الخلاف فى معانى لفظ (حديث) و(سنة) هو نوع من الاضطراب فى التفكير عند المسلمين، وهذه
الاصطلاحات قد استوفيناها قبل قليل، فظهر أنه لم يعتبر اصطلاحات القوم، بل لم يقترب منها أدنى الاقتراب0
وقوله (إنما السنة دليل الحديث) هذه الدعوى جره إليها تفريقه بين الحديث والسنة، وكان الأشبه العكس، فالحديث دليل السنة، فهما بمعنى واحد
فى اصطلاح الأصوليين0
ومن هنا جاء قولهم : سنة ثابتة عن الرسول، وسنة غير ثابتة عنه0
فالأولى : لأنه ثبت عن الرسول الكريم أنه قال ذلك الشئ أو فعله أو أقره، وطريقة ثبوت ذلك عن الرسول هو وجود الحديث الشريف الذى
يتضمن ذلك ويشهد عليه.
الثانية : لأنه لم نجد حديثاً عن النبى قولاً أو فعلاً أو تقريراً يؤكدها، فهى بذلك سنة غير ملزمة وكذلك إذا قيل : السنة كذا، ومن السنة كذا،
وهكذا السنة كلها دليل شرعى ملزم؛ لأن ذلك ثابت عن النبى ( بوجه من الوجوه(1) أ0هـ .
والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم















المطلــب الثالـــث
شبهـة حـول التسميــة والـرد عليهــا

من نافلة القول أن نقرر : أن كلمتى "السنة" و"الحديث" عربيتين، حيث أنكر هذه البديهية من أعداء الإسلام جولد تسيهر حين زعم تارةً بأن
كلمة "السنة" مأخوذة من العبرية (مشناة) فقال : "حتى فى الإسلام، أخذت هذه الفكرة مكاناً أيضاً، أعنى اتخاذ قانون مقدس وراء القرآن مكتوباً
أو مسموعاً كما هو الحال عند اليهود"(1).
وقال تارةً ثانية : أنها مصطلح وثنى فى أصله وإنما تبناه واقتبسه الإسلام0 وتابعه على ذلك من جلدته شاخت ومارغوليوث، كما نقله عنهم
الدكتور محمد الأعظمى فى كتابه (دراسات فى الحديث النبوى) (2).
وتابع المستشرقين على ذلك قاسم أحمد حيث قال : "وما ينبغى أن يفطن إليه المسلمون هو التشابه الكبير جداً بين هذا الرأى ورأى اليهود
القديم عن الوحى المكتوب والشفوى. فالتلمود اليهودى الذى يشمل المشناة والجمارة وهما يشبهان الحديث والسنة الإسلامية. وهما عبارة عن
مجموعة تعاليم شفوية لحاخامات وكبار علماء اليهود أساسها تفسيرهم وشرحهم لكتابهم المقدس على مدى طويل على لسان العالم اليهودى
يهوذا جولدن(3).
كما زعم المستشرق الفريد غيوم فى كتابه(الحديث فى الإسلام): أن كلمة"حديث" مشتقة من الكلمة العبرية عند اليهود "هداش" والتى تعنى
الجديد أو تعنى الأخبار أو القصص(4). ومرد هذه الشبهة يهدف إلى نفى أن تكون الكلمتين عربيتين .
وقد رد هذه الشبهة الباطلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت فى كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) ونفى أن تكون كلمة السنة مأخوذة من
العبرية(5).
كما رد الدكتور محمد الأعظمى فى كتابه (دراسات فى الحديث النبوى) الزعم الباطل لجولدتسيهر؛ أنها مصطلح وثنى فى أصله، وإنما تبناه
واقتبسه الإسلام(1) .
وذكر هذه الشبهة وردها الدكتور رءوف شلبى فى كتابه (السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين) فقال : بحكم طبيعة الحياة فإن
الخير لا يسلم من الشر، وإن العدل لا يسلم من الجور، ولقد قيض الشيطان عناصر تفترى على الإسلام وعلى مصادره، فقد زعم بعض
الباحثين أن التعبير بكلمة سنة أخذه المسلمون من الكلمة العبرية (مشناة) التى تطلق فى الاصطلاح اليهودى على مجموعة الروايات
الإسرائيلية التى تعتبر فى نظرهم مرجعاً أساسياً فى التعرف على أحكام التوراة، كما تعتبر شرحاً وتفسيراً لها، ثم عربها المسلمون إلى كلمة
(سنة) ويدعى اليهود أن المسلمين أطلقوها - بعد التعريب - علماً على مجموعة الروايات النبويــــــة فى مقابل استعمالهم لكلمة "
مشناة" علماً على مجموعة الروايات الإسرائيلية .
والجـواب : يقول فضيلة الأستاذ الدكتور رءوف شلبى اعتراض اليهود ومن تابعهم على كلمة "سنة" و"حديث" ملخص فى نقطتين :
1- أن المسلمين عربوهما من كلمة "مشناة" و"هداش" .
2- أن المسلمين أطلقوهما علماً على مجموعة الروايات النبوية فى مقابل ما صنعه اليهود من إطلاقهم كلمة "مشناة" على مجموعة الروايات
الإسرائيلية التى تشرح لهم التوراة، ونعتبر المصدر الأساسى فى التعرف على الأحكام .
ورداً على النقطة الأولى : فإن العقل الباحث الأمين لا يتقبل ادعاء اليهود ومن صار على دربهم، أن العرب الأوائل المسلمين قد عربوا "مشناة"
إلى"سنة" أو عربوا "هداش" إلى "حديث" .
أولاً : لعدم المشابهة فى الحروف والبنية .
ثانياً : لأن الكلمتين ورد استعمالهما فى الشعر الجاهلى قبل الإسلام، كما استعملهما ربنا U فى كتابة العزيز، واستعملهما نبينا e فى حديثه
الشريف، على نحو ما ذكرناه سالفاً فى تعريف السنة والحديث لغة. وذلك مما لا يترك مجالاً لفرضية بحث تعريب كلمة سنة من مشناة أو
حديث من هداش0
وإذاً فالكلمتين لم يعربهما المسلمون من كلمتى مشناة وهداش، وإنما أخذوهما من صميم لغتهم، وصريح كتابهم الكريم، وصريح حديث نبيهم
e(1)0
يقول الدكتور الأعظمى : ولذا فإن ما قاله جولدتسيهر بأن السنة مصطلح وثنى استخدمه الإسلام، ادعاء لا يستند إلى دليل، ومعارض للأدلة
الملموسة، ثم إن استعمال الجاهليين أو الوثنيين من العرب لكلمة "ما" فى مفهومها اللغوى لا يلبسها ثوباً معيناً، ولا يحيلها إلى مصطلح وثنى
وخصوصاً إذا لاحظنا استعمالاتهم المختلفة لهذه الكلمة، وإلا أصبحت اللغة العربية بكاملها مصطلحاً وثنياً وهذا لا يقول به عاقل(2)0
ونفس هذا الكلام يقال رداً على ما زعمه الفريد غيوم من أن كلمة "حديث" مشتقة من الكلمة العبرية "هداش"0
ورداً على النقطة الثانية : يقول ابن قيم الجوزية(3) فى إغاثة اللهفان : إن كلمة مشناة إنما تعنى الكتاب الذى ألفه علماء اليهود فى زمن دولة
البابليين والفرس، ودولة اليونان والروم، وهو الكتاب الأصغر، ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة0
أما التلمود : فهو الكتاب الأكبر الذى ألفه علماء اليهود مع مشناة، ومبلغ حجمه نحو نصف حمل بغل لكبره، ولم يكن الفقهاء الذين ألفوه فى
عصر واحد، وإنما ألفوه جيلاً بعد جيل، فلما نظر المتأخرون منهم إلى هذا التأليف، وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيه، وأن فى الزيادات
المتأخرة ما يناقض أوائل هذا التأليف، علموا أنهم إن لم يقطعوا ذلك ويمنعوا من الزيادة فيه، أدى إلى الخلل الذى لا يمكن سده، قطعوا الزيادة
فيه، ومنعوا منها، وحظروا على الفقهاء الزيادة فيه، وإضافة شئ آخر إليه، وحرموا من أن يضاف إليه شئ آخر فوقف على ذلك المقدار(4)0
وإذاً فالمشناة والتلمود من تأليف فقهاء اليهود إرضاءً لأهوائهم، وقد نسبوها إلى التوراة وإلى سيدنا موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام
- وليس الأمر كذلك فى الحديث النبوى والسنة المطهرة؛ فهى مرويات نبوية موحى بها من قبل رب العزة، ولا مدخل لأحد من علماء الإسلام
فى شئ منها إلا بحفظها ورعايتها وتنفيذها، وصاحب السنة المطهرة e هو الذى أطلق وسمى كل ما ورد عنه من قول أو فعل أو تقرير أو...
إلخ. بأنه من حديثه الشريف وسنته المطهرة0 فهو القائل e : “قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم، ولكنه رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما
تحقرون من أعمالكم، فاحذروا يا أيها الناس، إنى قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه e”(1).
وبهذا كله يتضح لنا أن الكلمتين "سنة" و"حديث" :
1- عربيتان أصيلتان .
2- وأن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد استعملاهما .
3- وأن الرسول e هو الذى سمى الحديث والسنة ووضعهما علماً على كل ما ورد عنه من قول أو فعل أو تقرير ... إلخ، كما سبق وأن ذكرت
.
وبذلك ينمحى من الإمكان فرض أن المســـلمين عربوا كلمـــة "سُنــة" من كلمة "مشناة" أو "من هداش"، أو فرض أنها مصطلح
وثنى، وأنه فرق كبير بين ثريا المحجة البيضاء فى الإسلام، وبين ثرى المحرفين الذين لعنوا على لسان أنبيائهم داود وعيسى بن مريم جزاءاً
بما كانوا يصنعون(2) أ0هـ.
والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم

(1) الأعشى : هو ميمون بن قيس بن جندل، ينتهى نسبه إلى بكر بن وائل من ربيعة، لقب بالأعشى لسوء بصره، وكنى يأبى البصير تفاؤلاً
بالشفاء، أو لنفاذ بصره، وسمى "صناجة العرب" لأنه كان يتغنى بشعره، وتوفى سنة 7هـ0 له ترجمة فى : الشعر والشعراء لابن قتيبة 1
/257 رقم21، والعقد الفريد لابن عبد ربه 3 /356، وأدباء العرب لبطرس البستانى 1 /212 0
(2) ذو الرمة : ذو الرُّمَة أو الرَّمَة، أبو الحارث غيلان بن بـهيس بن مسعود بن عدى، له ديوان شعر مطبوع فى مجلد ضخم، وتوفى سنة
117هـ له ترجمة فى : الأعلام للزركلى 5 /319، وفيات الأعيان لابن خلكان 4 /11 - 17 رقم 523، والشعر والشعراء لابن قتيبة 1
/524 رقم 94
(3) ثعلب : هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن سيار الشيبانى بالولاء، إمام الكوفة فى النحو واللغة، من كتبه "الفصيح" له ترجمة فى الأعلام
للزركلى 1 /252، وبغية الوعاة للسيوطى 1 /396 - 398 رقم 787 0
(4) لسان العرب لابن منظور 13 /224، والقاموس المحيط للفيروزآبادى 4 /233، والمعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرون 1 /445 -
446 0
(5) مختار الصحاح للرازى ص 317، ولسان العرب 13 /225، والقاموس المحيط 4 /239، والمعجم الوسيط 1 /456 0
(1) الجَوْهَرىُّ : هو إسماعيل بن حماد التركى الجوهرى، يكنى : أبا نصر الفرابى، كان إماماً فى اللغة والأدب، وهو صاحب الصحاح فى اللغة،
توفى سنة 393هـ له ترجمة فى : مرآة الجنان : 2 /446، ولسان الميزان لابن حجر 1 /614 رقم 1273، وشذرات الذهب لابن العماد 3
/141، والوافى بالوفيات9 /111 رقم 4028، وإنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطى 1 /194 .
(2) عمرو بن العاص : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 3 /2 رقم 5897، والاستيعاب 3 /1184 رقم 1931، واسد الغابة 4 /232
- 235 رقم 3971، وتاريخ الصحابة ص173 رقم 884، ومشاهير علماء الأمصار ص 71 رقم 376 0
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج 1 /414 رقم 121، وأحمد فى مسند 4
/199 0
(4) لسان العرب 13 /227، والقاموس المحيط 4 /239، والمعجم الوسيط 1 /455، 456 0
(5) لسان العرب لابن منظور 13 /225 0
(6) الآية 77 من سورة الإسراء0
(7) الآية 55 من سورة الكهف0
(8) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة 4 /110، 111 رقم 1017، وأخرجه فى كتاب العلم،
باب من سن سنة حسنة أو سيئة 8 /479 رقم1017 من حديث جرير بن عبد الله t0
(1) متفق عليه من حديث أبى سعيد الخدرى t: البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول النبى e، لتتبعن سنن من كان
قبلكم 13 /312 رقم 7320، ومسلم (بشرح النووى) كتاب العلم، باب إتباع سنن اليهود والنصارى 8 /472 رقم 2669 0
(2) إرشاد الفحول للشوكانى 1 /155، ولسان العرب لابن منظور 13 /225، والمعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرون 1 /455 0
(3) حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص 46 0
(4) الآية 36 من سورة الأحزاب، وانظر : الحديث النبوى للدكتور محمد الصباغ ص 139 0
(5) الفكر المنهجى عند المحدثين ص 27 0
(6) لسان العرب 13 /225، والقاموس المحيط 4 /233 0
(1) مفاتيح الغيب للفخر الرازى 3 /54 0
(2) أخرجه مالك فى الموطأ كتاب السهو،باب العمل فى السهو1 /100رقم 2، قال ابن عبدالبر لا أعلم هذا الحديث روى عن النبى e مسنداً ولا
مقطوعاً، من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى فى الموطأ، التى لا توجد فى غيره مسنده ولا مرسله0 ومعناه صحيح فى
الأصول0
(3) لسان العرب 13 /225، والقاموس المحيط 4 /233، والمعجم الوسيط 1 /455 0
(4) القاموس المحيط 4 /239، والمعجم الوسيط 1 /456 0
(5) الطبرى : هو محمد بن جرير بن زيد، الطبرى، أبو محمد، صاحب التفسير الكبير، والتاريخ الشهير،كان من الأئمة المجتهدين،ولم يقلد أحداً،
وكان إماماً فى فنون كثيرة منها : التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ وغير ذلك، توفى سنة 310هـ0له ترجمة فى:تاريخ بغداد للخطيب
البغدادى 2 /162 رقم 589، ووفيات الأعيان 4 /191، 192 رقم 570،وطبقات المفسرين للداودى 2 /110-118 رقم 468،وطبقات
المفسرين للسيوطى، ص 82 رقم 93، وشذرات الذهب لابن العماد2 /260، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير1 /222رقم 23 0
(6) لبيد : هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامرى، كان أبوه يعرف بربيعة المقترين لجوده وسخائه، فنشأ لبيد كريماً مثله، توفى سنة 41هـ0 له
ترجمة فى : الأعلام للزركلى 6 /104، والشعر والشعراء لابن قتيبة 1 /274 - 285 رقم 25، ومرآة الجنان لليافعى 1 /119، وأدباء
العرب لبطرس البستانى 1 /144 - 151 0
(7) جامع البيان فى تأويل آى القرآن 4 /100 0
(8) القرطبى : هو محمد بن أحمد بن أبى بكر بن فرح الأنصارى الخزرجى المالكى أبو عبد الله القرطبى، كان مفسراً، ورعاً، زاهداً، متقناً
متبحراً، من مصنفاته "الجامع لأحكام القرآن" و"شرح الأسماء الحسنى"توفى سنة671هـ0له ترجمة فى:طبقات المفسرين للداودى 2 /69-
70 رقم 434،وطبقات المفسرين للسيوطى ص79 رقم 88، وشذرات الذهب 5 /235، والديباج المذهب لابن فرحون 406رقم 549، وشجرة
النور الزكية محمد مخلوف ص197 رقم 666 0
(9) المفضل : هو المفضل بن سلمة بن عاصم، أبو طالب، لغوى، عالم بالأدب، من مؤلفاته الفاخر فيما تلحن به العامة و"جماهير القبائل"
توفى سنة 290 0 له ترجمة فى : تاريخ بغداد للخطيب البغدادى 13 /124 رقم 7109، ووفيات الأعيان لابن خلكان 4 /205، 206 رقم
579 فى ترجمة ابنه محمد بن الفضل، وبغية الوعاة للسيوطى 2 /296 رقم 2013 0
(1) الجامع لأحكام القرآن 4 /216 0
(2) الشوكانى : هو محمد بن على بن محمد الشوكانى، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن من أهل صنعاء، من مؤلفاته "فتح القدير" فى
التفسير "وإرشاد الفحول" فى أصول الفقه0 توفى سنة 1250هـ0 له ترجمة فى : البدر الطالع للشوكانى 2 /214 - 225 رقم 482،
والفتح المبين لعبد الله المراغى 3 /144 - 145، وأصول الفقه تاريخه ورجاله للدكتور شعبان إسماعيل، ص530 - 532، والرسالة
المستطرفة للكتانى ص 152، والأعلام للزركلى 7/190، ومعجم المؤلفين لكحالة 11/533 0
(3) إرشاد الفحول 1 /155 0
(4) الكسائى : هو على بن حمزة الكوفى المعروف بالكسائى، أخذ القراءات عن حمزة الزيات، وقرأ النحو على معاذ الهراء كثيراً، ثم الخليل بن
أحمد بالبصرة0 توفى سنة 189هـ0 له ترجمة فى : وفيات الأعيان لابن خلكان3/295-297 رقم 233، وبغية الوعاة للسيوطى 2 /162
-164 رقم 1701، وطبقات المفسرين للداودى 1/404 - 409 رقم 349، طبقات القراء لابن الجزرى 1 /535، وطبقات القراء للذهبى 1
/100، واللباب فى تـهذيب الأنساب 3 /97، والفهرست لابن النديم ص 103 0
(5) دراسات فى الحديث النبوى 1 /5، 11 بتصرف0
(6) القاموس المحيط 1 /163 0
(7) الآية 34 من سورة الطور0
(1) تاج العروس للزبيدى 1 /613 0
(2) الزمخشرى : هو أبو القاسم، محمود بن عمر بن محمد الزمخشرى، نحوى، لغوى، معتزلى، مفسر، يلقب بجار الله لمجاورته بمكة زماناً،
من مصنفاته : الكشاف عن حقائق التنـزيل، والفائق فى غريب الحديث، مات سنة 538هـ0 له ترجمة فى : وفيات الأعيان لابن خلكان 5
/168-174 رقم 711، وبغية الوعاة للسيوطى 2 /279 رقم 1977، وإشارة التعيين فى تراجم النحاة واللغويين لعبد الباقى اليمانى، ص
345 رقم 210، وطبقات المفسرين للسيوطى، ص48 رقم 147، وطبقات المفسرين للداودى 2 /314 رقم 625 0
(3) الكشاف للزمخشرى 2 /243 0
(4) أبو حيان : هو محمد بن يوسف بن على بن يوسف، أثير الدين أبو حيان، الغرناطى، من كبار العلماء بالعربية، والتفسير، والحديث، من
مؤلفاته البحر المحيط فى التفسير، والتذكرة فى العربية، وعقد اللآلى فى القراءات0 مات سنة 745هـ0 له ترجمة فى ذيل تذكرة الحفاظ
ص23، وطبقات الشافعية لابن السبكى 6 /31، وطبقات المفسرين للداودى 2 /287 - 291 رقم 608، وشذرات الذهب 6 /145، والأعلام
7 /153، والرسالة المستطرفة ص 101 0
(5) البحر المحيط لأبى حيان 5 /281 عند تفسير أول سورة يوسف0
(6) بحوث فى علوم الحديث لفضيلة الأستاذ الدكتور عزت عطيه ص 10 0
(7) الآية 15 من سورة النازعات0
(1) الآية الأولى من سورة الغاشية0
(2) جزء من الآية 3 من سورة التحريم0
(3) جزء من الآية 23 من سورة الزمر0
(4) جزء من الآية 87 من سورة النساء0
(5) الآية 50 من سورة المرسلات0
(6) تيسير اللطيف الخبـير فى علوم حديث البشير النذير ص 11 0
(7) جابر بن عبد الله : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2 /45 رقم 1022، والاستيعاب 1 /219 رقم 290، واسد الغابة 1 /492 رقم
647، وتاريخ الصحابة ص 58 رقم 183، ومشاهير علماء الأمصار ص 17 رقم 25، وتذكرة الحفاظ 1 /43 رقم 21، وطبقات الحفاظ
للسيوطى ص 19 رقم 21 0
(8) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة 3 /418 رقم 867 0
(9) زيد بن ثابت : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 1 /561رقم 2887، والاستيعاب 3 /136 رقم 845، وأسد الغابة 2 /346 رقم
1824، وتذكرة الحفاظ 1 /30 رقم 15، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 17 رقم 15، وتاريخ الصحابة ص105 رقم 469، ومشاهير علماء
الأمصار ص 16 رقم 22 0
(1) أخرجه ابو داود فى سننه كتاب العلم، باب فضل نشر العلم 3 /322 رقم 3660 واللفظ له، وأخرجه الترمذى فى سننه كتاب العلم، باب ما
جاء فى الحث على تبليغ السماع، 5 /33 رقم 2656، وقال أبو عيسى : وفى الباب عن عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وجبير بن مطعم،
وأبى الدرداء وأنس ثم قال : حديث زيد بن ثابت حديث حسن، وأخرجه ابن ماجة فى سننه المقدمة، باب من بلغ علماً، 1 /84 رقم 230 0
(2) المغيرة بن شعبة : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 3 /452 رقم 8174، والاستيعاب 4 /1445 رقم 2483، واسد الغابة 5
/238 رقم 571، وتاريخ الصحابة ص230 رقم 1237، ومشاهير علماء الأمصار رقم 269، وتجريد أسماء الصحابة 2 /91 0
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) فى المقدمة، باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والتحذير من الكذب على رسول الله e 1 /95 0
(1) علوم الحديث ومصطلحه بتصرف يسير ص 9، 10 0
(2) أصول الحديث، علومه، ومصطلحه، للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 18 0
(1) شذرات من علوم السنة لفضيلة الأستاذ الدكتور الأحمدى أبو النور 1 /44، وعلوم الحديث لفضيلة الأستاذ الدكتور مروان شاهين ص 16
0
(2) انظر : الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 1 /127، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2 /223، وغاية الوصول شرح لب الأصول زكريا
الأنصارى ص 91، ومناهج العقول للبدخشى 2 /269، وإرشاد الفحول للشوكانى 1 /155، وأصول الفقه للخضرى ص250،251 0
(3) تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص 13 0
(1) عمر بن الخطاب : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 3 /518 رقم 5752، والاستيعاب 3 /1144 رقم 1878، واسد الغابة 4
/137 رقم 3830، وتذكرة الحفاظ 1/5 رقم 2، وطبقات الحفاظ ص 13 رقم 2، وتاريخ الصحابة ص 23 رقم2، ومشاهير علماء الأمصار
ص 10 رقم 3، وتجريد أسماء الصحابة 1 /397 0
(2) عبد الرحمن بن عوف : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/456 رقم 5195، والاستيعاب 2 /844 رقم 1455، واسد الغابة
3/475 رقم 3370، وتاريخ الصحابة ص 25 رقم 9، ومشاهير علماء الأمصار ص 14 رقم 12 0
(3) على بن أبى طالب : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/507 رقم 5704، والاستيعاب 3 /1089 رقم 1855، واسد الغابة 4 /87
رقم 3789، وتاريخ الصحابة ص 24 رقم 4، ومشاهير علماء الأمصار ص 11 رقم 5، وتذكرة الحفاظ 1 /10 رقم 4، وطبقات الحفاظ
للسيوطى ص 14 رقم 4 0
(4) أخرجه مالك فى الموطأ كتاب الأشربة، باب الحد فى الخمر 2 /642 رقم 2 0
(5) الاعتصام للشاطبى 2 /119، وانظر : منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص81-96 0
(6) انظر : الحديث فى صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن 8 /627 رقم 4986 0
(7) الموافقات للشاطبى 4 /5،6، وانظر : المدخل إلى السنة النبوية ص 32، 33 0
(8) العرباض بن سارية : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2 /473 رقم 5501، والاستيعاب 3 /1238 رقم 2026، واسد الغابة 4
/19 رقم 3630، وتاريخ الصحابة 199 رقم 1062، ومشاهير علماء الأمصار ص 65 رقم 331 0
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى لزوم السنة 4 /200 رقم 4607، والترمذى كتاب العلم، باب ما جاء فى الأخذ بالسنة
واجتناب البدع 5 /43-44 رقم2676،وابن ماجة فى المقدمة، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1 /15-17 رقمى 42-43
وغيرهم0
(2) عبد الله بن عمرو : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2 /351 رقم 4865، والاستيعاب 3 /256 رقم 1636، واسد الغابة 3
/345 رقم 3092، وتجريد أسماء الصحابة 1 /326، وتاريخ الصحابة رقم 721، ومشاهير علماء الأمصار ص71 رقم 377، وتذكرة
الحفاظ 1 /41 رقم 19، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 18 رقم 19 0
(3) أخرجه الترمذى كتاب الإيمان،باب ما جاء فى افتراق هذه الأمة5/26رقم2641، وقال أبو عيسى : هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل
هذا إلا من هذا الوجه، وانظر : أصول الحديث علومه ومصطلحه للدكتور محمد عجاج الخطيب بتصرف يسير ص 21، 22 0
(4) مالك بن أنس:هو الإمام مالك بن أنس، أحد أعلام الإسلام، إمام دار الهجرة، وصاحب الموطأ، توفى سنة 179هـ0 له ترجمة فى:تذكرة
الحفاظ1 /207 رقم199،وطبقات المفسرين للداودى 2 /294رقم 613،والديباج المذهب ص56،وشذرات الذهب1 /289، والثقات للعجلى
ص417 رقم 1521، ومروج الذهب3/350، ومشاهير علماء الأمصار ص169 رقم1110
(5) عمر بن عبد العزيز : هو عمر بن العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص الأموى، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر
بن الخطاب، ولى إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولى الخلافة بعده، فعد من الخلفاء الراشدين مدة خلافته سنتان ونصف،
توفى سنة 101هـ0 له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 1 /188 رقم 104، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص53 رقم 101، وتقريب التهذيب 1
/722 رقم 4956، والكاشف 2/65 رقم 4089، ومشاهير علماء الأمصار ص 209 رقم 1411 0
(1) أخرجه الخطيب فى الفقيه والمتفقة، باب القول فى أنه يجب إتباع ما سنه السلف من الإجماع والخلاف وأنه لا يجوز الخروج عنه1
/435رقم 455، والآجرى فى الشريعة ص48،65،306، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم، باب الحض على لزوم السنة والاقتصار عليها
2 /187 0
(2) سالم : هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى، أبو عمر أو أبو عبد الله، المدنى، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عابداً
فاضلاً، يشبه أبيه فى الهدى والسمت0 روى عن أبيه وأبى هريرة، وعنه الزهرى، وصالح بن كيسان0 مات سنة 106هـ0له ترجمة فى :
تقريب التهذيب 1 /335 رقم 2182، والكاشف 1/422 رقم 1773، والجرح والتعديل 3 /168، وتاريخ الثقات للعجلى ص 174 رقم 499،
ومشاهير علماء الأمصار ص 85 رقم 438 0
(3) عبد الله بن عمر : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2 /347 رقم 4852، والاستيعاب 3 /340 رقم 1630، واسد الغابة 3 /336
رقم 3082 وتذكرة الحفاظ 1 /37 رقم 17، وتاريخ الصحابة 149 رقم 719، ومشاهير علماء الأمصار ص 23 رقم 55، وتجريد أسماء
الصحابة 1 /325 0
(4) أخرجه أحمد فى مسنده 2 /95 0
(5) دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 1 /5-11 بتصرف، وانظر : السنة فى مواجهة أعدائها ص 36 وما بعدها0
(1) الحديث متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها، أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جدر 5
/355 رقم 2697 0 ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأقضية،باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور 6 /256، 257 رقم 1718 0
(2) عبد الرحمن بن مهدى : هو عبد الرحمن بن مهدى بن حسان البصرى، الثقة، الأمين، العالم بالحديث وأسماء الرجال، كان الشافعى يرجع
إليه فى الحديث، وقال عنه : لا اعرف له نظيراً فى الدنيا0 مات سنة 198هـ0 له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1 /592 رقم 4032،
والكاشف 1 /645 رقم 3323، والجرح والتعديل 5 /288 رقم 1382، والثقات للعجلى، ص 299 رقم 985، وتذكرة الحفاظ1 /329
رقم313، وطبقات الحفاظ للسيوطى،ص144رقم 301، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1 /141 رقم 35 0
(3) الأوزاعى : هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، أبو عمرو الأوزاعى، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، وهو صاحب مدرسة فى الفقه،
وكان مذهبه منتشراً فى الشام انتشاراً واسعاً، وظل لمذهبه أنصار فى المغرب والأندلس حتى القرنين الثالث والرابع للهجرة، ثم توارى أمام
مذهب الشافعى ومذهب مالك0 مات سنة 158هـ له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 1 /178 رقم 177، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 85 رقم
168، والثقات للعجلى ص 296 رقم 970، ومشاهير علماء الأمصار ص 211 رقم 1425، والثقات لابن حبان 7 /62، ووفيات الأعيان 3
/127 رقم 361، وتـهذيب التهذيب 6 /238 رقم 484 0
(4) سفيان بن عيينة : هو سفيان بن عيينه بن أبى عمران، أبو محمد، الكوفى ثم المكى، أحد أئمة الإسلام الأعلام، ثقة حافظ فقيه إمام حجة،
إلا أنه تغير حفظه بآخره، وربما دلس، ولكن عن الثقات0 مات سنة 198هـ0 وله ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 1 /262 رقم 249، وطبقات
الحفاظ للسيوطى ص 119 رقم 238، وطبقات المفسرين للداودى 1 /196 رقم 187، والثقات للعجلى ص 194 رقم 577، ومشاهير علماء
الأمصار ص 179 رقم 1181 0
(1) الزرقانى على الموطأ 1 /3 0
(2) علوم الحديث ومصطلحه ص 6 0
(3) الرسالة المستطرفة ص 32 0
(4) الحديث النبوى مصطلحه، بلاغته، كتبه ص 146 0
(5) متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحى، باب رقم 3، 1 /30 رقم 3، ومسلم (بشرح
النووى) كتاب الإيمـــان، باب بدء الوحى إلى رسول الله e 1 /474 رقم 160 0
(6) راجع تخريجه فى نفس الحديث السابق0
(1) متفق عليه من حديث أبى سفيان بن حرب ( البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب، بدء الوحى باب رقم 6، 1 /42 رقم 7، ومسلم (بشرح
النووى) كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبى e، إلى هرقل يدعوه للإسلام 6/346 رقم 1773 0
(2) انظر : جامع العلوم والحكم 2 /120، والمدخل إلى السنة النبوية ص33، 34 0
(3) الحديث والمحدثون للدكتور أبو زهو ص 10، وانظر : تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص 28،
29 0
(4) نقلاً عن ضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير نصر ص 314 0
(5) العقيدة والشريعة فى الإسلام جولد تسيهر ص 49، وممن فرق بينهما أيضاً الأستاذ محمد رشيد رضا، انظر: مجلة المنار المجلد 10
/852،853 0
(1) ضوابط الرواية عند المحدثين، ص 314 - 322 بتصرف0
(1) العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 49 0
(2) دراسات فى الحديث النبوى 1 /5،6 0
(3) إعادة تقييم الحديث ص 78، 79 0
(4) نقلاً عن منهجية جمع السنة للدكتورة عزية على طه ص 62 0
(5) الإسلام عقيدة وشريعة ص 492، 493 0
(1) دراسات فى الحديث النبوى 1 /5-11 0
(1) السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين ص 32 وما بعدها بتصرف0
(2) دراسات فى الحديث النبوى 1/ 7 0
(3) ابن قيم الجوزية : هو محمد بن أبى بكر بن أيوب الزرعى الدمشقى، أبو عبد الله، الفقيه الحنبلى الأصولى المحدث النحوى الأديب الواعظ
الخطيب، له مصنفات عديدة أشهرها : أعلام الموقعين عن رب العالمين، وزاد المعاد فى هدى خير العباد، وغير ذلك، مات سنة 751هـ 0 له
ترجمة فى:البداية والنهاية لابن كثير14 /234، والدرر الكامنة لابن حجر3 /400-403 رقم 1067، وشذرات الذهب 6 /168، وطبقات
المفسرين للداودى 2 /93 - 97، رقم 456، والوافى بالوفيات 2 /270 0
(4) إغاثة اللهفان 2 /323،324 0
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب العلم، باب خطبته e فى حجة الوداع 1 /171، 172 رقم 318 من حديث ابن عباس -رضى الله عنهما
- وقال فى إسناده عكرمة واحتج به البخارى، وابن أبى أويس واحتج به مسلم، وسائر رواته متفق عليهم، ثم قال وله شاهد من حديث أبى
هريرة t ، وأخرجه فى الموضع السابق، ووافقه الذهبى وقال وله أصل فى الصحيح أهـ0
(2) السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين للدكتور رءوف شلبى ص32: 36 بتصرف.




(1) الأعشى : هو ميمون بن قيس بن جندل، ينتهى نسبه إلى بكر بن وائل من ربيعة، لقب بالأعشى لسوء بصره، وكنى يأبى البصير تفاؤلاً
بالشفاء، أو لنفاذ بصره، وسمى "صناجة العرب" لأنه كان يتغنى بشعره، وتوفى سنة 7هـ0 له ترجمة فى : الشعر والشعراء لابن قتيبة
1/257 رقم21، والعقد الفريد لابن عبد ربه 3/356، وأدباء العرب لبطرس البستانى 1/212 0
(2) ذو الرمة : ذو الرُّمَة أو الرَّمَة، أبو الحارث غيلان بن بـهيس بن مسعود بن عدى، له ديوان شعر مطبوع فى مجلد ضخم، وتوفى سنة
117هـ له ترجمة فى : الأعلام للزركلى 5/319، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/11 - 17 رقم 523، والشعر والشعراء لابن قتيبة
1/524 رقم 94
(3) ثعلب : هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن سيار الشيبانى بالولاء، إمام الكوفة فى النحو واللغة، من كتبه "الفصيح" له ترجمة فى الأعلام
للزركلى 1/252، وبغية الوعاة للسيوطى 1/396 - 398 رقم 787 0
(4) لسان العرب لابن منظور 13/224، والقاموس المحيط للفيروزآبادى 4/233، والمعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرون 1/445 - 446
0
(1) مختار الصحاح للرازى ص 317، ولسان العرب 13/225، والقاموس المحيط 4/239، والمعجم الوسيط 1/456 0
(2) الجَوْهَرىُّ : هو إسماعيل بن حماد التركى الجوهرى، يكنى : أبا نصر الفرابى، كان إماماً فى اللغة والأدب، وهو صاحب الصحاح فى اللغة،
توفى سنة 393هـ له ترجمة فى : مرآة الجنان : 2/446، ولسان الميزان لابن حجر 1/614 رقم 1273، وشذرات الذهب لابن العماد
3/141،والوافى بالوفيات9/111 رقم 4028، وإنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطى 1/194
(3) عمرو بن العاص : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 3/2 رقم 5897، والاستيعاب 3/1184 رقم 1931، واسد الغابة 4/232 -
235 رقم 3971، وتاريخ الصحابة ص173 رقم 884، ومشاهير علماء الأمصار ص 71 رقم 376 0
(4) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج 1/414 رقم 121، وأحمد فى مسند
4/199 0
(5) لسان العرب 13/227، والقاموس المحيط 4/239، والمعجم الوسيط 1/455، 456 0
(6) لسان العرب لابن منظور 13/225 0
(7) الآية 77 من سورة الإسراء0
(8) الآية 55 من سورة الكهف0
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة 4/110، 111 رقم 1017، وأخرجه فى كتاب العلم،
باب من سن سنة حسنة أو سيئة 8/479 رقم1017 من حديث جرير بن عبد الله (0
(2) متفق عليه من حديث أبى سعيد الخدرى (: البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول النبى (، لتتبعن سنن من كان
قبلكم 13/312 رقم 7320، ومسلم (بشرح النووى) كتاب العلم، باب إتباع سنن اليهود والنصارى 8/472 رقم 2669 0
(3) إرشاد الفحول للشوكانى 1/155، ولسان العرب لابن منظور 13/225، والمعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرون 1/455 0
(4) حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص 46 0
(5) الآية 36 من سورة الأحزاب، وانظر : الحديث النبوى للدكتور محمد الصباغ ص 139 0
(1) الفكر المنهجى عند المحدثين ص 27 0
(2) لسان العرب 13/225، والقاموس المحيط 4/233 0
(3) مفاتيح الغيب للفخر الرازى 3/54 0
(4) أخرجه مالك فى الموطأ كتاب السهو،باب العمل فى السهو1/100رقم 2،قال ابن عبدالبر لا أعلم هذا الحديث روى عن النبى ( مسنداً ولا
مقطوعاً، من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى فى الموطأ، التى لا توجد فى غيره مسنده ولا مرسله0 ومعناه صحيح فى
الأصول0
(5) لسان العرب 13/225، والقاموس المحيط 4/233، والمعجم الوسيط 1/455 0
(6) القاموس المحيط 4/239، والمعجم الوسيط 1/456 0
(7) الطبرى : هو محمد بن جرير بن زيد، الطبرى، أبو محمد، صاحب التفسير الكبير، والتاريخ الشهير، كان من الأئمة المجتهدين، ولم يقلد
أحداً، وكان إماماً فى فنون كثيرة منها : التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ وغير ذلك، توفى سنة 310هـ0 له ترجمة فى : تاريخ بغداد
للخطيب البغدادى 2/162 رقم 589، ووفيات الأعيان 4/191، 192 رقم 570، وطبقات المفسرين للداودى 2/110-118 رقم 468،
وطبقات المفسرين للسيوطى، ص 82 رقم 93، وشذرات الذهب لابن العماد2/260،وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير1/222رقم 23 0
(8) لبيد : هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامرى، كان أبوه يعرف بربيعة المقترين لجوده وسخائه، فنشأ لبيد كريماً مثله، توفى سنة 41هـ0 له
ترجمة فى :الأعلام للزركلى 6/104، والشعر والشعراء لابن قتيبة 1/274 - 285 رقم 25، ومرآة الجنان لليافعى 1/119، وأدباء العرب
لبطرس البستانى 1/144 - 151 0
(1) جامع البيان فى تأويل آى القرآن 4/100 0
(2) القرطبى : هو محمد بن أحمد بن أبى بكر بن فرح الأنصارى الخزرجى المالكى أبو عبد الله القرطبى، كان مفسراً، ورعاً، زاهداً، متقناً
متبحراً، من مصنفاته "الجامع لأحكام القرآن" و"شرح الأسماء الحسنى"توفى سنة671هـ0له ترجمة فى:طبقات المفسرين للداودى 2/69-70
رقم 434،وطبقات المفسرين للسيوطى ص79 رقم 88، وشذرات الذهب 5/235، والديباج المذهب لابن فرحون 406رقم 549،وشجرة النور
الزكية محمد مخلوف ص197 رقم 666 0
(3) المفضل : هو المفضل بن سلمة بن عاصم، أبو طالب، لغوى، عالم بالأدب، من مؤلفاته الفاخر فيما تلحن به العامة و "جماهير القبائل"
توفى سنة 290 0 له ترجمة فى : تاريخ بغداد للخطيب البغدادى 13/124 رقم 7109، ووفيات الأعيان لابن خلكان 4/205، 206 رقم
579 فى ترجمة ابنه محمد بن الفضل، وبغية الوعاة للسيوطى 2/296 رقم 2013 0
(4) الجامع لأحكام القرآن 4/216 0
(5) الشوكانى : هو محمد بن على بن محمد الشوكانى، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن من أهل صنعاء، من مؤلفاته "فتح القدير" فى
التفسير "وإرشاد الفحول" فى أصول الفقه0 توفى سنة 1250هـ0 له ترجمة فى : البدر الطالع للشوكانى 2/214 - 225 رقم 482، والفتح
المبين لعبد الله المراغى 3/144 - 145، وأصول الفقه تاريخه ورجاله للدكتور شعبان إسماعيل، ص530 - 532، والرسالة المستطرفة
للكتانى ص 152، والأعلام للزركلى 7/190، ومعجم المؤلفين لكحالة 11/533 0
(6) إرشاد الفحول 1/155 0
(7) الكسائى : هو على بن حمزة الكوفى المعروف بالكسائى، أخذ القراءات عن حمزة الزيات، وقرأ النحو على معاذ الهراء كثيراً، ثم الخليل بن
أحمد بالبصرة0 توفى سنة 189هـ0 له ترجمة فى : وفيات الأعيان لابن خلكان3/295-297 رقم 233، وبغية الوعاة للسيوطى 2/162
-164 رقم 1701، وطبقات المفسرين للداودى 1/404 - 409 رقم 349، طبقات القراء لابن الجزرى 1/535، وطبقات القراء للذهبى
1/100، واللباب فى تـهذيب الأنساب 3/97، والفهرست لابن النديم ص 103 0
(8) دراسات فى الحديث النبوى 1/5، 11 بتصرف0
(9) القاموس المحيط 1/163 0
(10) الآية 34 من سورة الطور0







 
قديم 06-03-08, 04:34 AM   رقم المشاركة : 2
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


(11) تاج العروس للزبيدى 1/613 0
(12) الزمخشرى : هو أبو القاسم، محمود بن عمر بن محمد الزمخشرى، نحوى، لغوى، معتزلى، مفسر، يلقب بجار الله لمجاورته بمكة
زماناً، من مصنفاته : الكشاف عن حقائق التنـزيل، والفائق فى غريب الحديث، مات سنة 538هـ0 له ترجمة فى : وفيات الأعيان لابن
خلكان 5/168-174 رقم 711، وبغية الوعاة للسيوطى 2/279 رقم 1977، وإشارة التعيين فى تراجم النحاة واللغويين لعبد الباقى اليمانى،
ص 345 رقم 210، وطبقات المفسرين للسيوطى، ص48 رقم 147، وطبقات المفسرين للداودى 2/314 رقم 625 0
(13) الكشاف للزمخشرى 2/243 0
(14) أبو حيان : هو محمد بن يوسف بن على بن يوسف، أثير الدين أبو حيان، الغرناطى، من كبار العلماء بالعربية، والتفسير، والحديث، من
مؤلفاته البحر المحيط فى التفسير، والتذكرة فى العربية، وعقد اللآلى فى القراءات0 مات سنة 745هـ0 له ترجمة فى ذيل تذكرة الحفاظ
ص23، وطبقات الشافعية لابن السبكى 6/31، وطبقات المفسرين للداودى 2/287 - 291 رقم 608، وشذرات الذهب 6/145، والأعلام
7/153، والرسالة المستطرفة ص 101 0
(15) البحر المحيط لأبى حيان 5/281 عند تفسير أول سورة يوسف0
(16) بحوث فى علوم الحديث لفضيلة الأستاذ الدكتور عزت عطيه ص 10 0
(17) الآية 15 من سورة النازعات0
(18) الآية الأولى من سورة الغاشية0
(19) جزء من الآية 3 من سورة التحريم0
(20) جزء من الآية 23 من سورة الزمر0
(21) جزء من الآية 87 من سورة النساء0
(22) الآية 50 من سورة المرسلات0
(23) تيسير اللطيف الخبـير فى علوم حديث البشير النذير ص 11 0
(24) جابر بن عبد الله : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/45 رقم 1022، والاستيعاب 1/219 رقم 290، واسد الغابة 1/492 رقم
647، وتاريخ الصحابة ص 58 رقم 183، ومشاهير علماء الأمصار ص 17 رقم 25، وتذكرة الحفاظ 1/43 رقم 21، وطبقات الحفاظ
للسيوطى ص 19 رقم 21 0
(25) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجمعة،باب تخفيف الصلاة والخطبة 3/418 رقم 867 0
(26) زيد بن ثابت : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 1/561رقم 2887، والاستيعاب 3/136 رقم 845، واسد الغابة 2/346 رقم
1824، وتذكرة الحفاظ 1/30 رقم 15، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 17 رقم 15، وتاريخ الصحابة ص105 رقم 469، ومشاهير علماء
الأمصار ص 16 رقم 22 0
(27) أخرجه ابو داود فى سننه كتاب العلم، باب فضل نشر العلم 3/322 رقم 3660 واللفظ له، وأخرجه الترمذى فى سننه كتاب العلم، باب
ما جاء فى الحث على تبليغ السماع، 5/33 رقم 2656، وقال أبو عيسى : وفى الباب عن عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وجبير بن
مطعم، وأبى الدرداء وأنس ثم قال : حديث زيد بن ثابت حديث حسن، وأخرجه ابن ماجة فى سننه المقدمة، باب من بلغ علماً، 1/84 رقم 230
0
(28) المغيرة بن شعبة : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 3/452 رقم 8174، والاستيعاب 4/1445 رقم 2483، واسد الغابة
5/238 رقم 571، وتاريخ الصحابة ص230 رقم 1237، ومشاهير علماء الأمصار رقم 269، وتجريد أسماء الصحابة 2/91 0
(29) أخرجه مسلم (بشرح النووى) فى المقدمة، باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والتحذير من الكذب على رسول الله ( 1/95 0
(30) علوم الحديث ومصطلحه بتصرف يسير ص 9، 10 0
(31) أصول الحديث، علومه، ومصطلحه، للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 18 0
(32) شذرات من علوم السنة لفضيلة الأستاذ الدكتور الأحمدى أبو النور 1/44، وعلوم الحديث لفضيلة الأستاذ الدكتور مروان شاهين ص 16
0
(33) انظر : الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 1/127، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2/223، وغاية الوصول شرح لب الأصول زكريا
الأنصارى ص 91، ومناهج العقول للبدخشى 2/269، وإرشاد الفحول للشوكانى 1/155، وأصول الفقه للخضرى ص250،251 0
(34) تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص 13 0
(35) عمر بن الخطاب : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 3/518 رقم 5752، والاستيعاب 3/1144 رقم 1878، واسد الغابة 4/137
رقم 3830، وتذكرة الحفاظ 1/5 رقم 2، وطبقات الحفاظ ص 13 رقم 2، وتاريخ الصحابة ص 23 رقم2، ومشاهير علماء الأمصار ص 10
رقم 3، وتجريد أسماء الصحابة 1/397 0
(36) عبد الرحمن بن عوف : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/456 رقم 5195، والاستيعاب 2/844 رقم 1455، واسد الغابة
3/475 رقم 3370، وتاريخ الصحابة ص 25 رقم 9، ومشاهير علماء الأمصار ص 14 رقم 12 0
(37) على بن أبى طالب : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/507 رقم 5704، والاستيعاب 3/1089 رقم 1855، واسد الغابة 4/87
رقم 3789، وتاريخ الصحابة ص 24 رقم 4، ومشاهير علماء الأمصار ص 11 رقم 5، وتذكرة الحفاظ 1/10 رقم 4، وطبقات الحفاظ
للسيوطى ص 14 رقم 4 0
(38) أخرجه مالك فى الموطأ كتاب الأشربة، باب الحد فى الخمر 2/642 رقم 2 0
(39) الاعتصام للشاطبى 2/119، وانظر : منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص81-96 0
(40) انظر : الحديث فى صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن 8/627 رقم 4986 0
(41) الموافقات للشاطبى 4/5،6، وانظر : المدخل إلى السنة النبوية ص 32، 33 0
(42) العرباض بن سارية : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/473 رقم 5501، والاستيعاب 3/1238 رقم 2026، واسد الغابة
4/19 رقم 3630، وتاريخ الصحابة 199 رقم 1062، ومشاهير علماء الأمصار ص 65 رقم 331 0
(43) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى لزوم السنة 4/200 رقم 4607، والترمذى كتاب العلم، باب ما جاء فى الأخذ بالسنة
واجتناب البدع 5/43-44 رقم2676،وابن ماجة فى المقدمة، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/15-17 رقمى 42-43
وغيرهم0
(44) عبد الله بن عمرو : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/351 رقم 4865، والاستيعاب 3/256 رقم 1636، واسد الغابة 3/345
رقم 3092، وتجريد أسماء الصحابة 1/326، وتاريخ الصحابة رقم 721، ومشاهير علماء الأمصار ص71 رقم 377، وتذكرة الحفاظ
1/41 رقم 19، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 18 رقم 19 0
(45) أخرجه الترمذى كتاب الإيمان،باب ما جاء فى افتراق هذه الأمة5/26رقم2641،وقال أبو عيسى : هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل
هذا إلا من هذا الوجه، وانظر : أصول الحديث علومه ومصطلحه للدكتور محمد عجاج الخطيب بتصرف يسير ص 21، 22 0
(46) مالك بن أنس:هو الإمام مالك بن أنس، أحد أعلام الإسلام، إمام دار الهجرة، وصاحب الموطأ، توفى سنة 179هـ0 له ترجمة فى:تذكرة
الحفاظ1/207 رقم199،وطبقات المفسرين للداودى 2/294رقم 613،والديباج المذهب ص56،وشذرات الذهب1/289،والثقات للعجلى
ص417 رقم 1521، ومروج الذهب3/350،ومشاهير علماء الأمصار ص169 رقم1110
(47) عمر بن عبد العزيز : هو عمر بن العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص الأموى، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر
بن الخطاب، ولى إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولى الخلافة بعده، فعد من الخلفاء الراشدين مدة خلافته سنتان ونصف،
توفى سنة 101هـ0 له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 1/188 رقم 104، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص53 رقم 101، وتقريب التهذيب 1/722
رقم 4956، والكاشف 2/65 رقم 4089، ومشاهير علماء الأمصار ص 209 رقم 1411 0
(48) أخرجه الخطيب فى الفقيه والمتفقة، باب القول فى أنه يجب إتباع ما سنه السلف من الإجماع والخلاف وأنه لا يجوز الخروج
عنه1/435رقم 455،والآجرى فى الشريعة ص48،65،306، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم، باب الحض على لزوم السنة والاقتصار
عليها 2/187 0
(49) سالم : هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى، أبو عمر أو أبو عبد الله، المدنى، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عابداً
فاضلاً، يشبه أبيه فى الهدى والسمت0 روى عن أبيه وأبى هريرة، وعنه الزهرى، وصالح بن كيسان0 مات سنة 106هـ0له ترجمة فى :
تقريب التهذيب 1/335 رقم 2182، والكاشف 1/422 رقم 1773، والجرح والتعديل 3/168، وتاريخ الثقات للعجلى ص 174 رقم 499،
ومشاهير علماء الأمصار ص 85 رقم 438 0
(50) عبد الله بن عمر : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/347 رقم 4852، والاستيعاب 3/340 رقم 1630، واسد الغابة 3/336
رقم 3082 وتذكرة الحفاظ 1/37 رقم 17، وتاريخ الصحابة 149 رقم 719، ومشاهير علماء الأمصار ص 23 رقم 55، وتجريد أسماء
الصحابة 1/325 0
(51) أخرجه أحمد فى مسنده 2/95 0
(52) دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 1/5-11 بتصرف، وانظر : السنة فى مواجهة أعدائها ص 36 وما بعدها0
(53) الحديث متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها، أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جدر
5/355 رقم 2697 0 ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأقضية،باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور 6/256، 257 رقم 1718 0
(54) عبد الرحمن بن مهدى : هو عبد الرحمن بن مهدى بن حسان البصرى، الثقة، الأمين، العالم بالحديث وأسماء الرجال، كان الشافعى
يرجع إليه فى الحديث، وقال عنه : لا اعرف له نظيراً فى الدنيا0 مات سنة 198هـ0 له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1/592 رقم 4032،
والكاشف 1/645 رقم 3323، والجرح والتعديل 5/288 رقم 1382، والثقات للعجلى، ص 299 رقم 985، وتذكرة الحفاظ1/329
رقم313، وطبقات الحفاظ للسيوطى،ص144رقم 301، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/141 رقم 35 0
(55) الأوزاعى : هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، أبو عمرو الأوزاعى، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، وهو صاحب مدرسة فى الفقه،
وكان مذهبه منتشراً فى الشام انتشاراً واسعاً، وظل لمذهبه أنصار فى المغرب والأندلس حتى القرنين الثالث والرابع للهجرة، ثم توارى أمام
مذهب الشافعى ومذهب مالك0 مات سنة158هـ له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 1/178 رقم 177، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 85 رقم
168، والثقات للعجلى ص 296 رقم 970، ومشاهير علماء الأمصار ص 211 رقم 1425، والثقات لابن حبان 7/62، ووفيات الأعيان
3/127 رقم 361، وتـهذيب التهذيب 6/238 رقم 484 0
(56) سفيان بن عيينة : هو سفيان بن عيينه بن أبى عمران، أبو محمد، الكوفى ثم المكى، أحد أئمة الإسلام الأعلام، ثقة حافظ فقيه إمام
حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخره، وربما دلس، ولكن عن الثقات0 مات سنة 198هـ0 وله ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 1/262 رقم 249،
وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 119 رقم 238، وطبقات المفسرين للداودى 1/196 رقم 187، والثقات للعجلى ص 194 رقم 577،
ومشاهير علماء الأمصار ص 179 رقم 1181 0
(57) الزرقانى على الموطأ 1/3 0
(58) علوم الحديث ومصطلحه ص 6 0
(59) الرسالة المستطرفة ص 32 0
(60) الحديث النبوى مصطلحه، بلاغته، كتبه ص 146 0
(61) متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحى، باب رقم 3، 1/30 رقم 3، ومسلم (بشرح
النووى) كتاب الإيمان، باب بدء الوحى إلى رسول الله ( 1/474 رقم 160 0
(62) راجع تخريجه فى نفس الحديث السابق0
(63) متفق عليه من حديث أبى سفيان بن حرب ( البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب، بدء الوحى باب رقم 6، 1/42 رقم 7، ومسلم (بشرح
النووى) كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبى (، إلى هرقل يدعوه للإسلام 6/346 رقم 1773 0
(64) انظر : جامع العلوم والحكم 2/120، والمدخل إلى السنة النبوية ص33، 34 0
(65) الحديث والمحدثون للدكتور أبو زهو ص 10، وانظر : تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص
28، 29 0
(66) نقلاً عن ضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير نصر ص 314 0
(67) العقيدة والشريعة فى الإسلام جولد تسيهر ص 49، وممن فرق بينهما أيضاً الأستاذ محمد رشيد رضا، انظر : مجلة المنار المجلد
10/852،853 0
(68) ضوابط الرواية عند المحدثين، ص 314 - 322 بتصرف0
(69) العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 49 0
(70) دراسات فى الحديث النبوى 1/5،6 0
(71) إعادة تقييم الحديث ص 78، 79 0
(72) نقلاً عن منهجية جمع السنة للدكتورة عزية على طه ص 62 0
(73) الإسلام عقيدة وشريعة ص 492، 493 0
(74) دراسات فى الحديث النبوى 1/5-11 0
(75) السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين ص 32 وما بعدها بتصرف0
(76) دراسات فى الحديث النبوى 1/ 7 0
(77) ابن قيم الجوزية : هو محمد بن أبى بكر بن أيوب الزرعى الدمشقى، أبو عبد الله، الفقيه الحنبلى الأصولى المحدث النحوى الأديب الواعظ
الخطيب، له مصنفات عديدة أشهرها : أعلام الموقعين عن رب العالمين، وزاد المعاد فى هدى خير العباد، وغير ذلك، مات سنة 751هـ 0 له
ترجمة فى:البداية والنهاية لابن كثير14/234،والدرر الكامنة لابن حجر3/400-403 رقم 1067، وشذرات الذهب 6/168، وطبقات
المفسرين للداودى 2/93 - 97، رقم 456، والوافى بالوفيات 2/270 0
(78) إغاثة اللهفان 2/323،324 0
(79) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب العلم، باب خطبته ( فى حجة الوداع 1/171، 172 رقم 318 من حديث ابن عباس -رضى الله
عنهما - وقال فى إسناده عكرمة واحتج به البخارى، وابن أبى أويس واحتج به مسلم، وسائر رواته متفق عليهم، ثم قال وله شاهد من حديث
أبى هريرة ( ، وأخرجه فى الموضع السابق، ووافقه الذهبى وقال وله أصل فى الصحيح أهـ0
(80 ) السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين للدكتور رءوف شلبى ص32: 36 بتصرف



-30-

====
4



المبحث الثالث
الحديث النبوي بالسند المتصل
من خصائص الأمة الإسلامية

قال الدكتور سعد المرصفى الحديث النبوى بالسند المتصل : "خص الله به الأمة الإسلامية دون ما سواها، فلسنا نعرف على مدى التاريخ أمة
من أمم الرسل-عليهم صلوات الله وتسليماته - سعدت بمثل هذه المجموعة الناطقة، وبهذا السجل الخالد لنبيها بالسند المتصل، بل بالعكس من
ذلك نرى الأمم كلها فقيرة لا تملك مصدراً من مصادر الحديث عن الأنبياء حيث انقطعت الصلة بينها وبين أنبيائها علمياً وتاريخياً، وفقدت الحلقة
التاريخية التى تصلها بعصر هؤلاء الرسل -عليهم صلوات الله وتسليماته- وتوقفها على شئون حياتهم، وما يكتنفها من ظروف وملابسات
حتى صار كثير من المفكرين يشكون فى وجودهم، ونحن على معارضتنا لهذا التطرف0 نؤمن بأن هناك حلقات مفقودة لا يمكن البحث عنها،
والاهتداء إليها0
أما خاتم الرسل والأنبياء - صلوات الله وسلامه عليه - فهو الرسول الذى نعرف عنه كل دقيق وجليل، ونعرف عنه من دقائق الأخلاق
والعادات والميول والرغبات، والقول والعمل ما لا نعرفه عن غيره بالسند المتصل، بل إن ما عرفناه عن الأنبياء جاء من طريق الوحى الذى
أنزله الله عليه فى كتابه، وبينه لنا e فى حديثه الشريف0
فالحديث المتصل : هو السجل الخالد الذى حفظ لنا هذه الحياة المباركة، وهو من خصائص هذه الأمة دون ما سواها0 وهو الذى يعرف المسلم
بنبيه وحبيبه ويسعده بصحبته، وكأنه حضر مجلسه، واستمع لحديثه، وقضى معه مدة من الزمان؛ ليسمع كلامه، ويشاهد فعله، ويشاهد
سيرته، ثم إنه ميزان عادل لحركة هذه الأمة، زاخر بالحياة النابضة، والقوة المؤثرة التى تبعث على الخير والفلاح والرشد والصلاح0
ومن رحمة الله تعالى أن كانت أمة الإسلام أمة تملك قوة الذاكرة، وعظمة الصدق وتحمل الرواية، وقد فاقت فى ذلك كل الأمم، وقد وعى
الصحابة الكرام - رضى الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين - كل ما سمعوه وكل ما شاهدوه، وحرصوا أشد الحرص وأبلغه على حفظه ونشره،
حرصاً لم يعرف عن أمة نبى من الأنبياء، وجاء التابعون وتابعوهم فحملوا الأمانة، وبلغوا حديث الرسول الحبيب، وتتابع المسلمون جيلاً بعد
جيل برواية العدل الضابط عن مثله يحفظون ويبلغون(1) أ0هـ0
وصدق القائل : "إن الحديث علم رفيع القدر، عظيم الفخر، شريف الذكر لا يعتنى به إلا كل حبر، ولا يحرمه إلا كل غمر، ولا تفنى محاسنه على
مر الدهر، لم يزل فى القديم والحديث يسمو عزةً وجلالاً، إذ به يعرف المراد من كلام رب العالمين، ويظهر المقصود من حبله المتصل المتين،
ومنه يدرى شمائل من سما ذاتاً ووصفاً واسماً، ويقف على أسرار بلاغة من شرف الخلائق عرباً وعجماً(2)0
يقول الدكتور محمد على الصابونى : "وسيظل الحديث النبوى بالسند المتصل من الخصائص التى اختص الله U بها هذه الأمة الإسلامية، ذلك
الكنز الثمين، والتراث النبوى العظيم، الذى تركه لنا سيد المرسلين e ، فحفظته الأمة غضاً طرياً على مدى العصور والأزمان وها نحن اليوم
وقد مضى القرن الرابع عشر، ودخلنا فى القرن الخامس عشر من هجرة سيد المرسلين e نقرأ حديث نبينا e ونسمعه ونحفظه،كما نطق به
رسول الله e ويخطب به ويذاع على العالم، نقياً صحيحاً وكأن رسول الله e حىٌّ بين أظهرنا نتحدث به هذه الساعة، ولم يكن مثل هذا لأمة من
أمم الأرض، أمة حفظت ورعت كلام نبيها كما رعته وحفظته هذه الأمة الإسلامية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، ليبقى دين الله U خالداً
دائماً مدى الأزمان"(3).





المبحـث الرابـع
الحديـث النبوى تاريـخ الإسلام

لا يخفى أن القرآن الحكيم إنما نزل لهداية البشر إلى مصالحهم الدينية والدنيوية، ولهذا بين لهم طريق العمل وسبل النجاح، وأعلن أن الأمة
التى تعمل بهذا القانون تكون لها الخلافة فى الأرض وتنال من السعادة والسيادة ما لا يزيد عليه، وتكون خير أمة أخرجت للناس. وكل من لم
يعمل بهذا القانون يكون ذليلاً مهاناً فى الأرض، وشقياً فى الدنيا والآخرة .
فإذا سألنا أحدٌ : هل وجدت أمة فى زمن من الأزمان عملت بهذا القانون؟ وهل نالت به ما وعدت؟ ومتى كانت هذه الأمة، وكيف كانت طريقة
عملها بهذا القانون، وأين التاريخ الصحيح لأعمالها؟ نقول له : نعم وجدت أمة عظيمة عملت بهذا الكتاب الحكيم، واتخذته قانوناً أساسياً لها
مدة كبيرة، فصدقها الله وعده، وأنعم عليها بالخلافة والسيادة فى الأرض، وامتد سلطانها إلى مشارق الأرض ومغاربها، وكانت أمة لا نظير لها
فى تاريخ العالم. وتاريخ أعمالهم المجيدة، وطريقة تنفيذهم لأحكام القرآن وكيفية عملهم بها، كل ذلك ثابت محفوظ بصورة عديمة المثال، فإنه
لا يوجد تاريخ لأمة من الأمم يبين عملها وتمسكها فى كل شئونها بقانونها مثل تاريخ هذه الأمة .
هذه الأمة هى : الرسول e وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان، وهذا التاريخ هو الحديث. فبالحديث يعلم كيف عمل الرسول وأصحابه بالقرآن
وبه يعرف أن القرآن، قانون قد عمل به ونجحت أصوله الإدارية، والسياسية، والمدنية، والأخلاقية ...إلخ. وليس هو مجموعة نظريات
محتاجة للإثبات بالتجربة والتطبيق. وأما إذا عملنا برأى المنكرين للحديث فيضيع تاريخ الإسلام الذهبى، ولا يقدر أحد أن يثبت أن القرآن قد
عملت به أمة من الأمم ونجحت فى تأسيس حكومة مدنية مطبقة لتعليماته. فهل يرضى المسلمون بهذا؟ لا والله، لا المسلمون يرضون بهذا،
ولا العلم، ولا التاريخ يرضيان به {فَمَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}(1).
المبحـث الخامـس
دراسة الحديث ضرورة لازمة لطالب العلم

قال الدكتور محمد الصباغ : إن دراسة الحديث أمر ضرورى لطالب العلم سواء أكان متخصصاً فى الشريعة أم فى العربية أم فى التاريخ أم فى
غير ذلك من العلوم أما ضرورته للتخصص فى الشريعة فواضحة0
الحديـث واللغـة العربيـة :
وأما بالنسبة لطالب العربية فنستطيع أن نجعل الدواعى لدراسته فيما يأتى :
أولاً : لأن تأثير الحديث النبوى على ثـقافتنا العربية يفوق كل تصور، فلقد صبغت طريقته كل فنون ثـقافتنا ومعارفنا، وإنك تجد طريقة السند
عمت كل أنواع الكتب فى مكتبتنا من أدبية وتاريخية وغيرهما إذ تعتمد الســـند فى إيراد أخبارها مثل كتاب "الأغانى" لأبى فرج الأصفهانى،
و "الأمالى" لأبى على القالى، و"تاريخ الرسل والملوك" لابن جرير الطبرى، بل إن كثيراً من العلوم ما كان ليوجد لولا الحديث؛ فطبقات الرجال،
وكتب التواريخ، وكتب التراجم والسيرة، كل هذا ثمرة من ثمرات الحديث النبوى0
يقول الدكتور شوقى ضيف : "فالحديث هو الذى فتح باب الكتابة التاريخية، وهيأ لظهور كتب الطبقات فى كل فن، وهذا غير ما نشأ عنه من
علوم الحديث وغير مشاركته فى علوم التفسير والفقه، مما بعث على نهضة علمية رائعة". وقال الدكتور أحمد أمين : "كان جمع الحديث أساساً
لكل العلوم الدينية تفرع عنه التفسير والفقه وتاريخ السيرة وتاريخ الفتوح والطبقات ... إلخ(1)0
ثانياً : لأن الحديث النبوى من بليغ ما أثر فى لغتنا، ومن أرفع النصوص الأدبية بياناً وإشراقاً بعد القرآن الكريم، والدراسة المفيدة المجدية للغة
العربية هى الدراسة التى تجعل الطالب يتخرج بالنصوص الجميلة وتصله بها، حتى يتأثر بأساليبها وطريقتها فى القول....
ثالثاً : لأن علوم العربية وآدابها إنما كانت من أجل خدمة القرآن والحديث، بل إننا لنستطيع أن نقول : إن كل ما فى ثقافتنا من تـنوع وتعدد
وتلون فى العلوم والفنون والمعارف؛ إنما كان لخدمة القرآن والسنة وفى ذلك يقول الإمام عبد القادر البغدادى(1) : اعلم أنه لا خصلة من
الخصال التى تعد فى المفاخر لأهل الإسلام من المعارف والعلوم، وأنواع الاجتهادات، إلا ولأهل السنة فى ميدانها القدح المعلمى، والسهم
الأوفر(2)0
رابعاً : لأن هناك التحاماً وثيقاً بين العربية والعلوم الإسلامية، وكل دارس للعربية لا يعد واقفاً على أسرارها ما لم يشارك فى العلوم الإسلامية
الأخرى0
خامساً : لأن الحديث النبوى من الأصول التى يستشهد بها على قواعد اللغة(3)0
سادساً : لأن قواعد علم المصطلح التى وضعها أجدادنا المسلمون تعلم المنهجية فى الحكم على الأخبار دون أن يكون تأثر بأى اعتبار آخر غير
تطبيق تلك القواعد0
قلـت : وهو علم تفتخر به هذه الأمة على البشرية جمعاء فهو من خصوصيتها، وسيأتى تفصيل ذلك فى مبحث (أهمية الإسناد فى الدين،
واختصاص الأمة الإسلامية عن سائر الأمم)(4)0
الحديـث والتاريـخ :
وأما طالب التاريخ فيكفينا للدلالة على أهمية دراسة الحديث بالنسبة له أن نورد قول الدكتور أسد رستم أستاذ التاريخ فى الجامعة اللبنانية(5)،
قال : وأول من نظم نقد الروايات التاريخية، ووضع القواعد لذلك علماء الدين الإسلامى، فإنهم اضطروا اضطراراً إلى الاعتناء بأقوال النبى e
وأفعاله لفهم القرآن وتوزيع العدل فقالوا : إن هو إلا وحى يوحى، ما تلى منه فهو القرآن، وما لم يتل فهو السنة . فانبروا لجمع الأحاديث
ودرسها وتدقيقها فأتحفوا علم التاريخ بقواعد لا تزال فى أسسها وجوهرها محترمة فى الأوساط العلمية حتى يومنا هذا .
يقول الدكتور محمد الصباغ : "وقد وضع الأستاذ المذكور كتاباً بعنوان (مصطلح التاريخ) وقد اعتمد فيه على القواعد التى قررها علماء
مصطلح الحديث .
ووصف كتابه بأنه بحث فى نقد الأصول، وتحرى الحقائق التاريخية وإيضاحها وعرضها وفيما يقابل ذلك من علم الحديث يقول : "وبإمكاننا أن
نصارح زملاءنا فى الغرب فنؤكد لهم بأن ما يفاخرون به من هذا القبيل نشأ وترعرع فى بلادنا، ونحن أحق الناس بتعليمه والعمل بأسسه
وقواعده(1)"0
يقول الدكتور السباعى : "وقد اعترف المؤلف فى كتابه بأن قواعد مصطلح الحديث أصح طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات، وقد
قال فى الباب السادس (العدالة والضبط) بعد أن ذكر وجوب التحقيق من عدالة الراوى، والأمانة فى خبره : "ومما يذكر مع فريد الإعجاب
والتقدير ما توصل إليه علماء الحديث منذ مئات السنين فى هذا الباب0 وإليك بعض ما جاء فى مصنفاتهم نورده بحروفه وحذافيره تنويهاً
بتدقيقهم العلمى، واعترافاً بفضلهم على التاريخ ... ثم أخذ فى نقل نصوص عن الأئمة مالك ومسلم والغزالى والقاضى عياض وأبى عمرو بن
الصلاح(2).
وتأتى أهمية الحديث النبوى فى غير ذلك من العلوم بأنه مصدرٌ لكل معرفة فقد بين النبى e من خلال حديثه الشريف جميع أحكام الحياة والموت
كما قال الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - "وقد توفى رسول الله e وما طائر يقلب جناحيه فى السماء إلا ذُكر للأمة منه علماً، وعلمهم كل
شئ حتى آداب التخلى، وآداب الجماع، والنوم، والقيام، والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسفر والإقامة، والصمت والكلام،
والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووصف لهم العرش والكرسى والملائكة والجن والنار
والجنة ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأى عين، وعرفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت
جلاله، وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم وما جرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها
ما لم يعرفه نبى لأمته قبله، وعرفهم e من أحوال الموت وما يكون بعده فى البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم
يعرف به نبى غيره، وكذلك عرفهم e من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع فرق أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة من
بعده، اللهم إلا إلى من يبلغه إياه ويبينه ويوضح منه ما خفى عليه، وكذلك عرفهم e من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظفر ما
لو علموه وعقلوه ورعوه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبداً، وكذلك عرفهم e من مكايد إبليس وطرقه التى يأتيهم منها وما يتحرزون به من
كيده ومكره وما يدفعون به شره ما لا مزيد عليه وكذلك عرفهم e من أحوال نفوسهم وأوصافها ودسائسها وكمائنها ما لا حاجة لهم معه إلى
سواه؛ وكذلك عرفهم e من أمور معايشهم ما لو علموه وعملوه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة0
وبالجملـة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته، ولم يحوجـــهم الله U إلى أحد سواه(1). فكيف يظن بعد كل ذلك أن يكون للإسلام
وللمسلمين دين وعلم وحضارة بدون السنة النبوية المطهرة؟
ومن هنا كان التشكيك فى الأحاديث النبوية تشكيكاً فى الإسلام، وفى جميع العلوم والمعارف كما قال الدكتور محمد أبو زهو - رحمه الله تعالى
- (ولو أننا ذهبنا نستمع إلى من فى قلوبهم مرض، من دعاة الإلحاد، وخصوم الإسلام، وصرنا إلى ما صاروا إليه من الشبهات، المؤسسة
على شفا جرف هار، لذهبت ثـقتنا بجميع العلوم، ذلك؛ لأن علمائها لم يبذلوا فيها، من الدرس والتمحيص، والدقة والتحرى، عشر معشار ما
بذله علماء الحديث، فى حفظ السنة ورعايتها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، ومعرفة أحوال رواتها على اختلاف طبقاتهم وأزمنتهم وأمكنتهم،
فإذا انهار حصن السنة الحصين، بعد تلك العناية البالغة، التى يشهد بها التاريخ والواقع،لم يبق هناك علم نرجع إليه أو نثق به، وكفى بذلك
حمقاً وجهلاً)(2).



(1) السنة بين أنصارها وخصومها مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة رقم748 جـ1 /18،19 بتصرف0
(2) نقلاً عن السنة النبوية للدكتور أحمد كريمة ص 18 0
(3) السنة النبوية المطهرة قسم من الوحى الآلهى المنزل ص 83 بتصرف يسير0
(1) الآية 78 من سورة النساء0 وانظر : تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للعلامة السيد سليمان الندوى ص 12، 13، وقارن بالإسلام
على مفترق الطرق للعلامة محمد أسد ص 93 0
(1) ضحى الإسلام للدكتور أحمد أمين 3 /362 0
(1) عبد القادر البغدادى : هو عبد القادر بن طاهر بن محمد التميمى، الأستاذ أبو منصور البغدادى، الفقيه الشافعى الأصولى النحوى المتكلم،
صاحب المؤلفات الكثيرة النافعة، منها "تفسير القرآن" و"فضائح المعتزلة" و"التحصيل فى أصول الفقه" و"الفرق بين الفرق" توفى سنة 429هـ
له ترجمة فى إنباه الرواة للقفطى 2 /185، وبغية الوعاة 2 /105، ووفيات الأعيان 2 /372، وهداية العارفين 5 /606، وطبقات الشافعية
لابن السبكى 5/136، وطبقات المفسرين للداودى 1 /332 رقم 294، وفوات الوفيات لابن شاكر 1 /613، والبداية والنهاية لابن كثير 12
/44، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1 /393 رقم 17 0
(2) الفرق بين الفرق ص 321 0
(3) سيأتى تفصيل ذلك فى الجواب عن شبهة رواية الحديث بالمعنى ص 386-395 0
(4) انظر : ج2 ص148 .
(5) وقال الدكتور السباعى فى كتابه السنة ومكانتها ص 108 هو أستاذ التاريخ فى الجامعة الأمريكية فى بيروت سابقاً وهو مسيحى تفرغ
أخيراً لأخبار الكنيسة الأرثوذكسية0
(1) انظر : الحديث النبوى للدكتور محمد الصباغ ص 16 : 18 بتصرف0
(2) السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للدكتور السباعى ص 108 بتصرف يسير0
(1) أعلام الموقعين عن رب العالمين 4 /375، 376 0
(2) الحديث والمحدثون ص 210، 211 0 انظر : السنة فى مواجهة أعدائها للدكتور طه حبيشى مبحث (إنكار السنة اعتداء على المناهج
العلمية) ص 161 0



(1) السنة بين أنصارها وخصومها مخطوط بكلية أصول الدين بالقاهرة رقم748 جـ1/18،19 بتصرف0
(2) نقلاً عن السنة النبوية للدكتور أحمد كريمة ص 18 0
(3) السنة النبوية المطهرة قسم من الوحى الآلهى المنزل ص 83 بتصرف يسير0
(1) الآية 78 من سورة النساء0 وانظر : تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للعلامة السيد سليمان الندوى ص 12، 13، وقارن بالإسلام
على مفترق الطرق للعلامة محمد أسد ص 93 0
(1) ضحى الإسلام للدكتور أحمد أمين 3/362 0
(1) عبد القادر البغدادى : هو عبد القادر بن طاهر بن محمد التميمى، الأستاذ أبو منصور البغدادى، الفقيه الشافعى الأصولى النحوى المتكلم،
صاحب المؤلفات الكثيرة النافعة، منها "تفسير القرآن" و "فضائح المعتزلة" و "التحصيل فى أصول الفقه" و "الفرق بين الفرق" توفى سنة 429
هـ له ترجمة فى إنباه الرواة للقفطى 2/185، وبغية الوعاة 2/105، ووفيات الأعيان 2/372، وهداية العارفين 5/606، وطبقات الشافعية
لابن السبكى 5/136، وطبقات المفسرين للداودى 1/332 رقم 294، وفوات الوفيات لابن شاكر 1/613، والبداية والنهاية لابن كثير
12/44، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/393 رقم 17 0
(2) الفرق بين الفرق ص 321 0
(3) سيأتى تفصيل ذلك فى الجواب عن شبهه رواية الحديث بالمعنى ص 368-378 0
(4) انظر : ص684-686
(5) وقال الدكتور السباعى فى كتابه السنة ومكانتها ص 108 هو أستاذ التاريخ فى الجامعة الأمريكية فى بيروت سابقاً وهو مسيحى تفرغ
أخيراً لأخبار الكنيسة الأرثوزكسية0
(1) انظر : الحديث النبوى للدكتور محمد الصباغ ص 16 : 18 بتصرف0
(2) السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للدكتور السباعى ص 108 بتصرف يسير0
(1) أعلام الموقعين عن رب العالمين 4/375، 376 0
(2) الحديث والمحدثون ص 210، 211 0 انظر : السنة فى مواجهة أعدائها للدكتور طه حبيشى مبحث (إنكار السنة اعتداء على المناهج
العلمية) ص 161 0



-48-












(1) الأعشى : هو ميمون بن قيس بن جندل، ينتهى نسبه إلى بكر بن وائل من ربيعة، لقب بالأعشى لسوء بصره، وكنى يأبى البصير تفاؤلاً
بالشفاء، أو لنفاذ بصره، وسمى "صناجة العرب" لأنه كان يتغنى بشعره، وتوفى سنة 7هـ0 له ترجمة فى : الشعر والشعراء لابن قتيبة
1/257 رقم21، والعقد الفريد لابن عبد ربه 3/356، وأدباء العرب لبطرس البستانى 1/212 0
(2) ذو الرمة : ذو الرُّمَة أو الرَّمَة، أبو الحارث غيلان بن بـهيس بن مسعود بن عدى، له ديوان شعر مطبوع فى مجلد ضخم، وتوفى سنة
117هـ له ترجمة فى : الأعلام للزركلى 5/319، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/11 - 17 رقم 523، والشعر والشعراء لابن قتيبة
1/524 رقم 94
(3) ثعلب : هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن سيار الشيبانى بالولاء، إمام الكوفة فى النحو واللغة، من كتبه "الفصيح" له ترجمة فى الأعلام
للزركلى 1/252، وبغية الوعاة للسيوطى 1/396 - 398 رقم 787 0
(4) لسان العرب لابن منظور 13/224، والقاموس المحيط للفيروزآبادى 4/233، والمعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرون 1/445 - 446
0
(1) مختار الصحاح للرازى ص 317، ولسان العرب 13/225، والقاموس المحيط 4/239، والمعجم الوسيط 1/456 0
(2) الجَوْهَرىُّ : هو إسماعيل بن حماد التركى الجوهرى، يكنى : أبا نصر الفرابى، كان إماماً فى اللغة والأدب، وهو صاحب الصحاح فى اللغة،
توفى سنة 393هـ له ترجمة فى : مرآة الجنان : 2/446، ولسان الميزان لابن حجر 1/614 رقم 1273، وشذرات الذهب لابن العماد
3/141،والوافى بالوفيات9/111 رقم 4028، وإنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطى 1/194
(3) عمرو بن العاص : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 3/2 رقم 5897، والاستيعاب 3/1184 رقم 1931، واسد الغابة 4/232 -
235 رقم 3971، وتاريخ الصحابة ص173 رقم 884، ومشاهير علماء الأمصار ص 71 رقم 376 0
(4) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج 1/414 رقم 121، وأحمد فى مسند
4/199 0
(5) لسان العرب 13/227، والقاموس المحيط 4/239، والمعجم الوسيط 1/455، 456 0
(6) لسان العرب لابن منظور 13/225 0
(7) الآية 77 من سورة الإسراء0
(8) الآية 55 من سورة الكهف0
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة 4/110، 111 رقم 1017، وأخرجه فى كتاب العلم،
باب من سن سنة حسنة أو سيئة 8/479 رقم1017 من حديث جرير بن عبد الله (0
(2) متفق عليه من حديث أبى سعيد الخدرى (: البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول النبى (، لتتبعن سنن من كان
قبلكم 13/312 رقم 7320، ومسلم (بشرح النووى) كتاب العلم، باب إتباع سنن اليهود والنصارى 8/472 رقم 2669 0
(3) إرشاد الفحول للشوكانى 1/155، ولسان العرب لابن منظور 13/225، والمعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرون 1/455 0
(4) حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص 46 0
(5) الآية 36 من سورة الأحزاب، وانظر : الحديث النبوى للدكتور محمد الصباغ ص 139 0
(1) الفكر المنهجى عند المحدثين ص 27 0
(2) لسان العرب 13/225، والقاموس المحيط 4/233 0
(3) مفاتيح الغيب للفخر الرازى 3/54 0
(4) أخرجه مالك فى الموطأ كتاب السهو،باب العمل فى السهو1/100رقم 2،قال ابن عبدالبر لا أعلم هذا الحديث روى عن النبى ( مسنداً ولا
مقطوعاً، من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى فى الموطأ، التى لا توجد فى غيره مسنده ولا مرسله0 ومعناه صحيح فى
الأصول0
(5) لسان العرب 13/225، والقاموس المحيط 4/233، والمعجم الوسيط 1/455 0
(6) القاموس المحيط 4/239، والمعجم الوسيط 1/456 0
(7) الطبرى : هو محمد بن جرير بن زيد، الطبرى، أبو محمد، صاحب التفسير الكبير، والتاريخ الشهير، كان من الأئمة المجتهدين، ولم يقلد
أحداً، وكان إماماً فى فنون كثيرة منها : التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ وغير ذلك، توفى سنة 310هـ0 له ترجمة فى : تاريخ بغداد
للخطيب البغدادى 2/162 رقم 589، ووفيات الأعيان 4/191، 192 رقم 570، وطبقات المفسرين للداودى 2/110-118 رقم 468،
وطبقات المفسرين للسيوطى، ص 82 رقم 93، وشذرات الذهب لابن العماد2/260،وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير1/222رقم 23 0
(8) لبيد : هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامرى، كان أبوه يعرف بربيعة المقترين لجوده وسخائه، فنشأ لبيد كريماً مثله، توفى سنة 41هـ0 له
ترجمة فى :الأعلام للزركلى 6/104، والشعر والشعراء لابن قتيبة 1/274 - 285 رقم 25، ومرآة الجنان لليافعى 1/119، وأدباء العرب
لبطرس البستانى 1/144 - 151 0
(1) جامع البيان فى تأويل آى القرآن 4/100 0
(2) القرطبى : هو محمد بن أحمد بن أبى بكر بن فرح الأنصارى الخزرجى المالكى أبو عبد الله القرطبى، كان مفسراً، ورعاً، زاهداً، متقناً
متبحراً، من مصنفاته "الجامع لأحكام القرآن" و"شرح الأسماء الحسنى"توفى سنة671هـ0له ترجمة فى:طبقات المفسرين للداودى 2/69-70
رقم 434،وطبقات المفسرين للسيوطى ص79 رقم 88، وشذرات الذهب 5/235، والديباج المذهب لابن فرحون 406رقم 549،وشجرة النور
الزكية محمد مخلوف ص197 رقم 666 0
(3) المفضل : هو المفضل بن سلمة بن عاصم، أبو طالب، لغوى، عالم بالأدب، من مؤلفاته الفاخر فيما تلحن به العامة و "جماهير القبائل"
توفى سنة 290 0 له ترجمة فى : تاريخ بغداد للخطيب البغدادى 13/124 رقم 7109، ووفيات الأعيان لابن خلكان 4/205، 206 رقم
579 فى ترجمة ابنه محمد بن الفضل، وبغية الوعاة للسيوطى 2/296 رقم 2013 0
(4) الجامع لأحكام القرآن 4/216 0
(5) الشوكانى : هو محمد بن على بن محمد الشوكانى، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن من أهل صنعاء، من مؤلفاته "فتح القدير" فى
التفسير "وإرشاد الفحول" فى أصول الفقه0 توفى سنة 1250هـ0 له ترجمة فى : البدر الطالع للشوكانى 2/214 - 225 رقم 482، والفتح
المبين لعبد الله المراغى 3/144 - 145، وأصول الفقه تاريخه ورجاله للدكتور شعبان إسماعيل، ص530 - 532، والرسالة المستطرفة
للكتانى ص 152، والأعلام للزركلى 7/190، ومعجم المؤلفين لكحالة 11/533 0
(6) إرشاد الفحول 1/155 0
(7) الكسائى : هو على بن حمزة الكوفى المعروف بالكسائى، أخذ القراءات عن حمزة الزيات، وقرأ النحو على معاذ الهراء كثيراً، ثم الخليل بن
أحمد بالبصرة0 توفى سنة 189هـ0 له ترجمة فى : وفيات الأعيان لابن خلكان3/295-297 رقم 233، وبغية الوعاة للسيوطى 2/162
-164 رقم 1701، وطبقات المفسرين للداودى 1/404 - 409 رقم 349، طبقات القراء لابن الجزرى 1/535، وطبقات القراء للذهبى
1/100، واللباب فى تـهذيب الأنساب 3/97، والفهرست لابن النديم ص 103 0
(8) دراسات فى الحديث النبوى 1/5، 11 بتصرف0
(9) القاموس المحيط 1/163 0
(10) الآية 34 من سورة الطور0
(11) تاج العروس للزبيدى 1/613 0
(12) الزمخشرى : هو أبو القاسم، محمود بن عمر بن محمد الزمخشرى، نحوى، لغوى، معتزلى، مفسر، يلقب بجار الله لمجاورته بمكة
زماناً، من مصنفاته : الكشاف عن حقائق التنـزيل، والفائق فى غريب الحديث، مات سنة 538هـ0 له ترجمة فى : وفيات الأعيان لابن
خلكان 5/168-174 رقم 711، وبغية الوعاة للسيوطى 2/279 رقم 1977، وإشارة التعيين فى تراجم النحاة واللغويين لعبد الباقى اليمانى،
ص 345 رقم 210، وطبقات المفسرين للسيوطى، ص48 رقم 147، وطبقات المفسرين للداودى 2/314 رقم 625 0
(13) الكشاف للزمخشرى 2/243 0
(14) أبو حيان : هو محمد بن يوسف بن على بن يوسف، أثير الدين أبو حيان، الغرناطى، من كبار العلماء بالعربية، والتفسير، والحديث، من
مؤلفاته البحر المحيط فى التفسير، والتذكرة فى العربية، وعقد اللآلى فى القراءات0 مات سنة 745هـ0 له ترجمة فى ذيل تذكرة الحفاظ
ص23، وطبقات الشافعية لابن السبكى 6/31، وطبقات المفسرين للداودى 2/287 - 291 رقم 608، وشذرات الذهب 6/145، والأعلام
7/153، والرسالة المستطرفة ص 101 0
(15) البحر المحيط لأبى حيان 5/281 عند تفسير أول سورة يوسف0
(16) بحوث فى علوم الحديث لفضيلة الأستاذ الدكتور عزت عطيه ص 10 0
(17) الآية 15 من سورة النازعات0
(18) الآية الأولى من سورة الغاشية0
(19) جزء من الآية 3 من سورة التحريم0
(20) جزء من الآية 23 من سورة الزمر0
(21) جزء من الآية 87 من سورة النساء0
(22) الآية 50 من سورة المرسلات0
(23) تيسير اللطيف الخبـير فى علوم حديث البشير النذير ص 11 0
(24) جابر بن عبد الله : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/45 رقم 1022، والاستيعاب 1/219 رقم 290، واسد الغابة 1/492 رقم
647، وتاريخ الصحابة ص 58 رقم 183، ومشاهير علماء الأمصار ص 17 رقم 25، وتذكرة الحفاظ 1/43 رقم 21، وطبقات الحفاظ
للسيوطى ص 19 رقم 21 0
(25) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجمعة،باب تخفيف الصلاة والخطبة 3/418 رقم 867 0
(26) زيد بن ثابت : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 1/561رقم 2887، والاستيعاب 3/136 رقم 845، واسد الغابة 2/346 رقم
1824، وتذكرة الحفاظ 1/30 رقم 15، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 17 رقم 15، وتاريخ الصحابة ص105 رقم 469، ومشاهير علماء
الأمصار ص 16 رقم 22 0
(27) أخرجه ابو داود فى سننه كتاب العلم، باب فضل نشر العلم 3/322 رقم 3660 واللفظ له، وأخرجه الترمذى فى سننه كتاب العلم، باب
ما جاء فى الحث على تبليغ السماع، 5/33 رقم 2656، وقال أبو عيسى : وفى الباب عن عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وجبير بن
مطعم، وأبى الدرداء وأنس ثم قال : حديث زيد بن ثابت حديث حسن، وأخرجه ابن ماجة فى سننه المقدمة، باب من بلغ علماً، 1/84 رقم 230
0
(28) المغيرة بن شعبة : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 3/452 رقم 8174، والاستيعاب 4/1445 رقم 2483، واسد الغابة
5/238 رقم 571، وتاريخ الصحابة ص230 رقم 1237، ومشاهير علماء الأمصار رقم 269، وتجريد أسماء الصحابة 2/91 0
(29) أخرجه مسلم (بشرح النووى) فى المقدمة، باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والتحذير من الكذب على رسول الله ( 1/95 0
(30) علوم الحديث ومصطلحه بتصرف يسير ص 9، 10 0
(31) أصول الحديث، علومه، ومصطلحه، للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 18 0
(32) شذرات من علوم السنة لفضيلة الأستاذ الدكتور الأحمدى أبو النور 1/44، وعلوم الحديث لفضيلة الأستاذ الدكتور مروان شاهين ص 16
0
(33) انظر : الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 1/127، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2/223، وغاية الوصول شرح لب الأصول زكريا
الأنصارى ص 91، ومناهج العقول للبدخشى 2/269، وإرشاد الفحول للشوكانى 1/155، وأصول الفقه للخضرى ص250،251 0
(34) تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص 13 0
(35) عمر بن الخطاب : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 3/518 رقم 5752، والاستيعاب 3/1144 رقم 1878، واسد الغابة 4/137
رقم 3830، وتذكرة الحفاظ 1/5 رقم 2، وطبقات الحفاظ ص 13 رقم 2، وتاريخ الصحابة ص 23 رقم2، ومشاهير علماء الأمصار ص 10
رقم 3، وتجريد أسماء الصحابة 1/397 0
(36) عبد الرحمن بن عوف : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/456 رقم 5195، والاستيعاب 2/844 رقم 1455، واسد الغابة
3/475 رقم 3370، وتاريخ الصحابة ص 25 رقم 9، ومشاهير علماء الأمصار ص 14 رقم 12 0
(37) على بن أبى طالب : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/507 رقم 5704، والاستيعاب 3/1089 رقم 1855، واسد الغابة 4/87
رقم 3789، وتاريخ الصحابة ص 24 رقم 4، ومشاهير علماء الأمصار ص 11 رقم 5، وتذكرة الحفاظ 1/10 رقم 4، وطبقات الحفاظ
للسيوطى ص 14 رقم 4 0
(38) أخرجه مالك فى الموطأ كتاب الأشربة، باب الحد فى الخمر 2/642 رقم 2 0
(39) الاعتصام للشاطبى 2/119، وانظر : منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص81-96 0
(40) انظر : الحديث فى صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن 8/627 رقم 4986 0
(41) الموافقات للشاطبى 4/5،6، وانظر : المدخل إلى السنة النبوية ص 32، 33 0
(42) العرباض بن سارية : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/473 رقم 5501، والاستيعاب 3/1238 رقم 2026، واسد الغابة
4/19 رقم 3630، وتاريخ الصحابة 199 رقم 1062، ومشاهير علماء الأمصار ص 65 رقم 331 0
(43) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى لزوم السنة 4/200 رقم 4607، والترمذى كتاب العلم، باب ما جاء فى الأخذ بالسنة
واجتناب البدع 5/43-44 رقم2676،وابن ماجة فى المقدمة، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/15-17 رقمى 42-43
وغيرهم0
(44) عبد الله بن عمرو : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/351 رقم 4865، والاستيعاب 3/256 رقم 1636، واسد الغابة 3/345
رقم 3092، وتجريد أسماء الصحابة 1/326، وتاريخ الصحابة رقم 721، ومشاهير علماء الأمصار ص71 رقم 377، وتذكرة الحفاظ
1/41 رقم 19، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 18 رقم 19 0
(45) أخرجه الترمذى كتاب الإيمان،باب ما جاء فى افتراق هذه الأمة5/26رقم2641،وقال أبو عيسى : هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل
هذا إلا من هذا الوجه، وانظر : أصول الحديث علومه ومصطلحه للدكتور محمد عجاج الخطيب بتصرف يسير ص 21، 22 0
(46) مالك بن أنس:هو الإمام مالك بن أنس، أحد أعلام الإسلام، إمام دار الهجرة، وصاحب الموطأ، توفى سنة 179هـ0 له ترجمة فى:تذكرة
الحفاظ1/207 رقم199،وطبقات المفسرين للداودى 2/294رقم 613،والديباج المذهب ص56،وشذرات الذهب1/289،والثقات للعجلى
ص417 رقم 1521، ومروج الذهب3/350،ومشاهير علماء الأمصار ص169 رقم1110
(47) عمر بن عبد العزيز : هو عمر بن العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص الأموى، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر
بن الخطاب، ولى إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولى الخلافة بعده، فعد من الخلفاء الراشدين مدة خلافته سنتان ونصف،
توفى سنة 101هـ0 له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 1/188 رقم 104، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص53 رقم 101، وتقريب التهذيب 1/722
رقم 4956، والكاشف 2/65 رقم 4089، ومشاهير علماء الأمصار ص 209 رقم 1411 0
(48) أخرجه الخطيب فى الفقيه والمتفقة، باب القول فى أنه يجب إتباع ما سنه السلف من الإجماع والخلاف وأنه لا يجوز الخروج
عنه1/435رقم 455،والآجرى فى الشريعة ص48،65،306، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم، باب الحض على لزوم السنة والاقتصار
عليها 2/187 0
(49) سالم : هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى، أبو عمر أو أبو عبد الله، المدنى، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عابداً
فاضلاً، يشبه أبيه فى الهدى والسمت0 روى عن أبيه وأبى هريرة، وعنه الزهرى، وصالح بن كيسان0 مات سنة 106هـ0له ترجمة فى :
تقريب التهذيب 1/335 رقم 2182، والكاشف 1/422 رقم 1773، والجرح والتعديل 3/168، وتاريخ الثقات للعجلى ص 174 رقم 499،
ومشاهير علماء الأمصار ص 85 رقم 438 0
(50) عبد الله بن عمر : صحابى جليل له ترجمة فى : الإصابة 2/347 رقم 4852، والاستيعاب 3/340 رقم 1630، واسد الغابة 3/336
رقم 3082 وتذكرة الحفاظ 1/37 رقم 17، وتاريخ الصحابة 149 رقم 719، ومشاهير علماء الأمصار ص 23 رقم 55، وتجريد أسماء
الصحابة 1/325 0
(51) أخرجه أحمد فى مسنده 2/95 0
(52) دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 1/5-11 بتصرف، وانظر : السنة فى مواجهة أعدائها ص 36 وما بعدها0
(53) الحديث متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها، أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جدر
5/355 رقم 2697 0 ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأقضية،باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور 6/256، 257 رقم 1718 0
(54) عبد الرحمن بن مهدى : هو عبد الرحمن بن مهدى بن حسان البصرى، الثقة، الأمين، العالم بالحديث وأسماء الرجال، كان الشافعى
يرجع إليه فى الحديث، وقال عنه : لا اعرف له نظيراً فى الدنيا0 مات سنة 198هـ0 له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1/592 رقم 4032،
والكاشف 1/645 رقم 3323، والجرح والتعديل 5/288 رقم 1382، والثقات للعجلى، ص 299 رقم 985، وتذكرة الحفاظ1/329
رقم313، وطبقات الحفاظ للسيوطى،ص144رقم 301، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/141 رقم 35 0
(55) الأوزاعى : هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، أبو عمرو الأوزاعى، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، وهو صاحب مدرسة فى الفقه،
وكان مذهبه منتشراً فى الشام انتشاراً واسعاً، وظل لمذهبه أنصار فى المغرب والأندلس حتى القرنين الثالث والرابع للهجرة، ثم توارى أمام
مذهب الشافعى ومذهب مالك0 مات سنة158هـ له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 1/178 رقم 177، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 85 رقم
168، والثقات للعجلى ص 296 رقم 970، ومشاهير علماء الأمصار ص 211 رقم 1425، والثقات لابن حبان 7/62، ووفيات الأعيان
3/127 رقم 361، وتـهذيب التهذيب 6/238 رقم 484 0
(56) سفيان بن عيينة : هو سفيان بن عيينه بن أبى عمران، أبو محمد، الكوفى ثم المكى، أحد أئمة الإسلام الأعلام، ثقة حافظ فقيه إمام
حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخره، وربما دلس، ولكن عن الثقات0 مات سنة 198هـ0 وله ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 1/262 رقم 249،
وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 119 رقم 238، وطبقات المفسرين للداودى 1/196 رقم 187، والثقات للعجلى ص 194 رقم 577،
ومشاهير علماء الأمصار ص 179 رقم 1181 0
(57) الزرقانى على الموطأ 1/3 0
(58) علوم الحديث ومصطلحه ص 6 0
(59) الرسالة المستطرفة ص 32 0
(60) الحديث النبوى مصطلحه، بلاغته، كتبه ص 146 0
(61) متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحى، باب رقم 3، 1/30 رقم 3، ومسلم (بشرح
النووى) كتاب الإيمان، باب بدء الوحى إلى رسول الله ( 1/474 رقم 160 0
(62) راجع تخريجه فى نفس الحديث السابق0
(63) متفق عليه من حديث أبى سفيان بن حرب ( البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب، بدء الوحى باب رقم 6، 1/42 رقم 7، ومسلم (بشرح
النووى) كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبى (، إلى هرقل يدعوه للإسلام 6/346 رقم 1773 0
(64) انظر : جامع العلوم والحكم 2/120، والمدخل إلى السنة النبوية ص33، 34 0
(65) الحديث والمحدثون للدكتور أبو زهو ص 10، وانظر : تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص
28، 29 0
(66) نقلاً عن ضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير نصر ص 314 0
(67) العقيدة والشريعة فى الإسلام جولد تسيهر ص 49، وممن فرق بينهما أيضاً الأستاذ محمد رشيد رضا، انظر : مجلة المنار المجلد
10/852،853 0
(68) ضوابط الرواية عند المحدثين، ص 314 - 322 بتصرف0
(69) العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 49 0
(70) دراسات فى الحديث النبوى 1/5،6 0
(71) إعادة تقييم الحديث ص 78، 79 0
(72) نقلاً عن منهجية جمع السنة للدكتورة عزية على طه ص 62 0
(73) الإسلام عقيدة وشريعة ص 492، 493 0
(74) دراسات فى الحديث النبوى 1/5-11 0
(75) السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين ص 32 وما بعدها بتصرف0
(76) دراسات فى الحديث النبوى 1/ 7 0
(77) ابن قيم الجوزية : هو محمد بن أبى بكر بن أيوب الزرعى الدمشقى، أبو عبد الله، الفقيه الحنبلى الأصولى المحدث النحوى الأديب الواعظ
الخطيب، له مصنفات عديدة أشهرها : أعلام الموقعين عن رب العالمين، وزاد المعاد فى هدى خير العباد، وغير ذلك، مات سنة 751هـ 0 له
ترجمة فى:البداية والنهاية لابن كثير14/234،والدرر الكامنة لابن حجر3/400-403 رقم 1067، وشذرات الذهب 6/168، وطبقات
المفسرين للداودى 2/93 - 97، رقم 456، والوافى بالوفيات 2/270 0
(78) إغاثة اللهفان 2/323،324 0
(79) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب العلم، باب خطبته ( فى حجة الوداع 1/171، 172 رقم 318 من حديث ابن عباس -رضى الله
عنهما - وقال فى إسناده عكرمة واحتج به البخارى، وابن أبى أويس واحتج به مسلم، وسائر رواته متفق عليهم، ثم قال وله شاهد من حديث
أبى هريرة ( ، وأخرجه فى الموضع السابق، ووافقه الذهبى وقال وله أصل فى الصحيح أهـ0
(80 ) السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين للدكتور رءوف شلبى ص32: 36 بتصرف



-30-

=====
5








!_
التعريف بأعداء السنة النبوية

وفيه تمهيد وأربعة فصول :
الفصل الأول : أعداء السنة النبوية من أهل الأهواء والبدع قديماً (الخوارج، والشيعــــة، والمعتزلـــة) .
الفصل الثانى : أعداء السنة النبوية من المستشرقين .
الفصل الثالث : أعداء السنة النبوية من أهل الأهواء والبدع حديثاً (العلمانية، والبهائية، والقاديانية) .
الفصل الرابع : أهداف أعداء الإسلام قديماً وحديثاً فى الكيد للسنة النبوية المطهــرة .



























6
وفيه التعريف بأعداء : لغة وشرعاً0
التعريـف بأعـداء لغـة :
أعداء جمع عدو وهو جمع لا نظير له، وفى القرآن الكريم قال تعالى : {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم ...ْ }(1)
وقال تعالى {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}(2)0
(1) جزء من الآية 103 من سورة آل عمران0
(2) الآية 19 من سورة فصلت0
(3) أخرجه أحمد فى مسنده 3 /104 من حديث أنس بن مالك t0
(4) جزء من الآية 108 من سورة الأنعام0
(5) سيبويه : هو أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثى بالولاء، الملقب بسيبويه، إمام النحاة، من أحسن مؤلفاته كتابة المسمى "
الكتاب"، مات سنة 180هـ له ترجمة فى : إشارة التعيين لليمانى ص 242 رقم 148، والبداية والنهاية لابن كثير 1 /167، والأعلام 5
/252، وبغية الوعاة 2 /229، وشذرات الذهب 1 /252، وطبقات النحويين واللغويين، ص66 0
(6) الفراء : هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمى المعروف بالفراء، كان من أعلم الكوفيين فى اللغة والنحو والأدب، من مؤلفاته
"معانى القرآن" و"المصادر فى القرآن"و"غريب الحديث" توفى سنة 207هـ0 له ترجمة فى : تـهذيب التهذيب 11 /212 رقم 353، ومرآة
الجنان لليافعى 2 /38، ووفيات الأعيان 6 /176 رقم798، وطبقات المفسرين للداودى 2 /367 رقم681 0
(1) جزء من الآية 64 من سورة المائدة، وانظر : لسان العرب لابن منظور 10 /712، وتاج العروس للزبيدى 10 /235، ومختار الصحاح
للرازى ص 418 0
(2) الآية الأولى من سورة الممتحنة0
(3) جزء من الآية 120 من سورة البقرة0
(4) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الشروط، باب إذا اشترط فى المزارعة (إذا شئت أخرجتك) 5 /385 رقم 2730 0
(5) الآية الأولى من سورة التوبة0
(6) جزء من الآية 101 من سورة النساء0
(1) جزء من الآية 142 من سورة النساء0
(2) أخرجه أحمد فى مسنده 1 /22،44 من حديث عمر بن الخطاب t0
(3) جزء من الآية 119 من سورة الأنعام0
(4) أبو قلابة : هو عبد الله بن زيد، من عُباد التابعين وزهادهم، ممن هرب من البصرة مخافة أن يولى القضاء، ثقة فاضل، كثير الإرسال،
مات بالشام سنة 104هـ وقيل بعدها0 له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1 /494 رقم 3344، والكاشف 1 / 554 رقم 2734، والثقات لابن
حبان 5 /2، ومشاهير علماء الأمصار ص 114 رقم 649، والثقات للعجلى ص 257 رقم 813 0
(5) أخرجه الدارمى فى سننه المقدمة،باب اجتناب أهل الأهواء والبدع والخصومة1 /120 رقم391 0
(4) أخرجه ابن عبد البر فى جامع بيان العلم2 /135، والخطيب فى الفقيه والمتفقة1 /454 رقم 479 0
(5) السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للدكتور السباعى ص 133 بتصرف، وانظر : الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين للدكتور
أحمد محرم 1 /189 .
(1) جزء من الآية 118 من سورة البقرة0
(1) سبق تخريجه ص 34 0
(2) كشف الشبهات عن الشيخ الغزالى للدكتور أحمد حجازى السقا ص 63، 77، 94 0
(1) فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وموقف الإسلام منها للدكتور غالب عواجى 1 /22-26، وانظر : الموافقات للشاطبى فصل (تعريف
الفرق الزائغة) 4 /539 وما بعدها، وفصل (ضلال هذه الفرق لا يخرجها عن الملة) 4 /550 وما بعدها، والاعتصام باب فى مأخذ أهل البدع
بالاستدلال 1 /178 وما بعدها، وحكم هذه الفرق 2 /462 وما بعدها0
(1) القامـوس المحيط 1/183، 184، وتاج العروس 2 /30، وانظر : فتح البارى 12 /296 أرقام 6930-6932 0
(2) هدى السارى لابن حجر ص 483 0
(3) فتح البارى 12 /296 أرقام 6930 - 6932 0
(4) الملل والنحل 1 /114، والفصل فى الملل والنحل 4 /157، ومقالات الإسلاميين 1 /207 0
(5) الفصل فى الملل والنحل 4 /157، والملل والنحل 1 /21، والبداية والنهاية لابن كثير 7 /189، وانظر : فرق معاصرة للدكتور غالب
عواجى 1 /70، 71 0
(1) فتح البارى 12 /296 أرقام 6930-6932 0
(2) سبق تخريجه ص 71 0
(3) انظر : تاريخ الأمم والملوك لابن جرير 5 /194 0
(4) ابن عباس : هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صحابى جليل0 له ترجمة فى : الإصابة 1 /322 رقم 4799، والاستيعاب 3 /933
رقم 1606، واسد الغابة 3 /291 رقم 3037، وتاريخ الصحابة ص 148 رقم 717، ومشاهير علماء الأمصار ص 15 رقم 17، وتذكرة
الحفاظ 1 /40 رقم 18، وتجريد أسماء الصحابة 1/320 0
(1) جزء من الآية 32 من سورة الأعراف0
(2) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2 /103، 104 0
(3) الآية 97 من سورة التوبة0
(4) جزء من الآية 35 من سورة النساء0
(5) جزء من الآية 59 من سورة النساء0
(1) الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 84، 85 0
(2) ابن حزم : هو على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى، أبو محمد، عالم الأندلس فى عصره، وأحد أئمة الإسلام، روى ابنه أبو رافع أن
مصنفات والده بلغت الأربعمائة، من أشهرها : الإحكام فى أصول الأحكام، والفصل فى الملل والنحل، مات سنة 456هـ0 وله ترجمة فى :
لسان الميزان لابن حجر 4 /724 رقم 5782، والبداية والنهاية لابن كثير 12 /91، ووفيات الأعيان لابن خلكان 3 /325 رقم 448،
وشذرات الذهب 3/13، وتذكرة الحفاظ 3 /1146 رقم 1016، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 435 رقم 981 0
(3) الفصل فى الملل والنحل 4 /156 0
(4) هو : أحمد حجازى السقا، كاتب معاصر، حصل على العالمية فى الدعوة من جامعة الأزهر، ورفض الأزهر تعيينه بالجامعة، من مؤلفاته
التى شكك فيها فى مكانة السنة النبوية، كتابه دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى، وحقيقة السنة النبوية0
(1) دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 63، 77، 94 0
(2) فرق معاصرة للدكتور غالب عواجى 1 /106 0
(3) دراسات فى الحديث النبوى للدكتور محمد مصطفى الأعظمى 1 /23 0
(4) أصول الدين للبغدادى ص 19، وانظر : الملل والنحل للشهرستانى 1 /114، 115، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للإمام محمد
الملطى ص52، والعقيدة والشريعة لجولد تسيهر ص193.
(5) انظر : السنة بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الموجود ص 93 0
(6) سيأتى تخريجه وبيان وضعه فى شبهة عرض السنة على القرآن ص 224-227 0
(7) ضحى الإسلام 3 /334 0
(8) تاريخ المذاهب الإسلامية 66 0
(9) النبوات ص 89 0
(10) شرح القصيدة النونية1 /321وانظر: فرق معاصره تنتسب إلى الإسلام للدكتور غالب عواجى1 /107 0

وفى السنة المطهرة قال e "... يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله U بى، ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بى، ألم آتكم أعداء فألف الله
بين قلوبكم" قالوا : بلى يا رسول الله ....(3)0
والأعادى جمع الجمع، وقال الراغب : أصل العدو التجاوز ومنافاة الالتئام، فتارة يعتبر بالمشى، فيقال له : العدو، وتارة بالقلب فيقال له :
العداوة، وعدا عليه من باب سما عدوا وعدوا كفلس وفلوس وبهما قُرأ قوله تعالى : {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}(4) وقَرأ الحسن عدواً مثل
سمو0
وقال سيبويه(5) : عدو وصف، ولكنه ضارع الإسم، وقد يثنى ويجمع ويؤنث، وهو ضد الولى، ويقال : عدو بين العداوة والمعاداة، والأنثى
عدوة يقال : هذه عدوة الله قال الفراء(6) : وإنما ادخلوا فيها الهاء تشبيهاً بصديقة؛ لأن الشيء قد يبنى على ضده وقالوا فى جمع (عدوة)
عدايا ولم يسمع إلا فى الشعر، وتعادى القوم عادى بعضهم بعضاً .
والعداوة اسم عام من العدو ومنه قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ...}(1) .
التعريـف بالأعـداء شرعـاً :
تحدث رب العزة فى كتابه الكريم عن أعدائه وأعداء هذا الدين وهذه الأمة من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وأهل الملل الباطلة من
المشركين، والكافرين، والمنافقين، وأصحاب الأهواء الزائفة قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ
بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ ... الآية}(2).
وأكد المصطفىe تلك العداوة فى سنته المطهرة، وحذر الأمة من أعدائها فقالU عن عداوة أهل الكتــاب {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ
النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم}(3).
وعن ابن عمر -رضى الله عنهما- قال "لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر، قام عمر خطيباً فقال : إن رسول الله e عامل يهود خيبر على
أموالهم، وقال : نقركم ما أقركم الله U، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه، وليس هناك عدو
غيرهم، هم عدونا وتهمتنا"(4).
وقال تعالى عن عداوة أهل الملل الباطلة من المشركين {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(5) .
وقال U فى حق الكافرين {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا}(6) وفى حق المنافقين {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}(1).
وقال فيهم e : "إن أخوف ما أخاف على أمتى كل منافق عليم اللسان"(2) وقال U فى حق أصحاب الأهواء الزائفة : {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ
بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}(3) وقال أبو قلابة(4) - رحمه الله - : "لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإنى لا آمن أن يغمسوكم فى ضلالتهم أو
يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون" (5)0


!+
أعداء السنة من أهـل الأهـواء والبـدع قديمـاً

وفيه تمهيد وخمسة مباحث :
تمهيد : وفيه بيان المراد بأعـداء السنة من أهل الأهواء والبدع .
المبحث الأول : أهمية دراسـة الفـرق فـى التأريـخ للسنـة .
المبحث الثانى : التعريف بالخوارج وموقفهم من السنة المطهرة .
المبحث الثالث : التعريف بالشيعـة وموقفهم من السنة المطهرة .
المبحث الرابع : التعريف بالمعتزلة وموقفهم من السنة المطهرة .
المبحث الخامس : من الفـرق إلى السنـة النبويـة الجامعـة .


6

وفيه بيان المراد بأعداء السنة من أهل الأهواء والبدع :
انتقل رسول الله e إلى الرفيق الأعلى وقد بلغ رسالة ربه I كاملة،وما من خير إلا دل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذرهم منه، كما قال e : "
إنه لم يكن نبى قبلى إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم" ... الحديث(1) .
كان رأس الخير الذى دل عليه ووصى به الاعتصام بكتاب الله U وسنته e وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، كما جاء فى الحديث : "
إنى قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا أبداً؛ كتاب الله U وسنة نبيه e (2) .
وفى الحديث أيضاً قال رسول الله e : "أوصيكم بتقوى الله U والسمع، والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً؛ فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً
كثيراً، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ... الحديث(3) .
وكان من الشر الذى حذر منه الأمة أهواء أهل البدع - كما جاء فى الحديث عن عمر بن الخطاب أن رسول اللهe قال لعائشة : "يا عائشة(4)
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم فى شيء"(5) هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء، ليس لهم توبة أنا منهم برئ، وهم منى
برآء(6) .
وفى الحديث عن عائشة - رضى الله عنها - قالت : تلا رسول الله e هذه الآية { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ}(1) قالت : قال رسول الله e : "فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين
سمى الله فاحذروهم(2) وعن أبى أمامة الباهلى(3) t عن النبى e فى قوله U: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}(4) قال
هم الخوارج، وفى قوله تعالى {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}(5) قال : هم الخوارج(6).
قال الحافظ ابن كثير(7) : وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابى ومعناه صحيح، فإن أول بدعة وقعت فى الإسلام؛ فتنة
الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين كان النبى e يقسم قسماً، فكأنهم رأوا فى عقولهم الفاسدة، أنه لم يتق الله ولم يعدل فى القسم،
ففاجئوه بهذه المقالة فقال قائلهم وهو ذو الخويصرة - بقر الله خاصرته - اتق الله يا محمد، فعن أبى سعيد الخدرى(8) t قال: بينما نحن عند
رسول الله e وهو يقسم قسماً أتاه ذو الخويصرة - وهو رجل من بنى تميم. فقال : يا رسول الله اعدل فقال : "ويلك ومن يعدل إذ لم أعدل؟ قد
خبت وخسرت إن لم أكن أعدل" فقال عمر : وفى رواية خالد(1) : يا رسول الله ائذن لى فيه، فأضرب عنقه0 فقال "دعه، فإن له أصحاباً يحقر
أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، ويقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ...
الحديث"(2) ثم كان ظهورهم أيام على t وقتلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة، ثم
انبعث القدرية، ثم المعتزلة، ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التى أخبر عنها الصادق المصدوق e فى قوله "... وستفترق هذه الأمة على ثلاث
وسبعين فرقه كلها فى النار إلا واحدة. قالوا : وما هم يا رسول الله؟ قال : "من كان على ما أنا عليه وأصحابى"(3) .
وعن عمر بن الخطاب t قال : "أصحاب الرأى أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سئلوا أن
يقولوا : لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم"(4) .
ومرادى هنا بأعداء السنة من أهل الأهواء والبدع تلك الفرق التى أخبر عنها المعصوم e وتغالت فى بدعتها من الخوارج، والشيعة، والمعتزلة،
الذين لقيت السنة المطهرة من أهوائهم وعنتهم عناءً كبيراً، وكان لآرائهم الجامحة فى الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - أثر كبير فى
اختلاف الآراء، والأحكام فى الفقه الإسلامى، وفيما أثير حول السنة من شبه(5) .
المبحـث الأول
أهمية دراسة الفرق فى التأريخ للسنة المطهرة

سبق وأن ذكرنا أن السنة المطهرة لقيت من عنت أهواء تلك الفرق عناءً كبيراً، وكان لها الأثر الكبير فيما أثير حول السنة من شبهات، ومن
هنا كان لابد لكل من يؤرخ للسنة أو يتحدث عن الشبهات التى يطعن بها أعداء الإسلام فى حجيتها أو مكانتها فى التشريع الإسلامى0 أن
يتعرض للتأريخ لهذه الفرق، فهى فضلاً عن موقفها من السنة المطهرة ومن صحابة رسول الله e كان لها الأثر الكبير فى تفريق الأمة
الإسلامية إلى أحزاب وشيع. من هذا المنطلق تأتى أهمية دراسة تلك الفرق لما يأتى :
أولاً : لأن هذه الفرق وإن كانت قديمة فليست العبرة بأشخاص مؤسسى تلك الفرق ولا بزمنهم، ولكن العبرة بوجود أفكار تلك الفرق فى وقتنا
الحاضر، فإننا إذا نظرنا إلى بعض تلك الفرق الماضية كالخوارج (القرآنيون) نجد أن لها امتداد يسرى فى حاضر الأمة سريان الوباء، وكذلك
المعتزلة لا زالت أفكارهم حية قوية يتشدق بها بعض المغرضين من الذين استهوتهم الحضارة الغربية والشرقية، فراحوا يمجدون العقل
ويحكمونه فى نصوص الشرع قرآناً وسنة، فما وافق عقولهم قبلوه وإلا ردوه، أو تأولوه تأويلاً يضر بعقيدة المسلم، ويصفون من يعتمد على
ما وراء ذلك بالتأخر والانزواء0
إنهم يريدون الخروج عن النهج الإسلامى، ولكنهم لم يجرؤا صراحة على ذلك، فوجدوا أن التستر وراء تلك الآراء التى قال بها من ينتسب إلى
الإسلام خير وسيلة لتحقيق ذلك، فذهبوا إلى تمجيد تلك الأفكار لتحقيق أهدافهم البعيدة0
فتأتى أهمية دراسة تلك الفرق لبيان ما فيها من أفكار وآراء هدامة مخالفة لحقيقة الإسلام، وكيف يعمل على إحيائها وترويجها فى العصر
الحاضر من سار على دربهم أو تأثر بهم، ذلك أنه ما من بلاء كان فيما سبق من الزمان إلا وهو موجود اليوم فى وضوح تام، فلكل قوم
وارث، وصدق رب العزة {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}(1) وصدق نبينا e "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر،
وذراعاً بذراع، حتى ولو سلكوا جحر ضب، لسلكتموه، قلنا : يا رسول الله! اليهود والنصارى قال فمن؟"(1) .
ويأتى الهدف من وراء ذلك بكشف القناع عن تلك الحركات والأفكار الهدامة التى يقول بها فى العصر الحاضر أولئك الخارجون عن الخط
السوى والصراط المستقيم، لتعرية دورهم الخطير فى الطعن والتشكيك فى الإسلام قرآن وسنة، وإشاعة الفرقة والاختلاف فى صفوف
المسلمين، بتعريف الناس بأمرهم وبحقيقة فكرهم للتحذير منهم0
ثانياً : إن دراسة تلك الفرق يكشف لنا جذور البلاء الذى شتت قوى المسلمين وفرقهم شيعاً، وجعل بأسهم بينهم شديداً،كما يكشف لنا جذور
شبهات أعداء السنة فى العصر الحاضر .
ثالثاً : إن الفرق التى ظهرت قديماً ما من فرقة منها إلا وقد قامت مبادئها على بعض المنكرات، وهى تدعى أنها هى المحقة وما عداها على
الضلال، فألبسوا الحق بالباطل، وأظهروا مروقهم وخروجهم وفجورهم عن منهج الكتاب والسنة فى أثواب براقة لترويج بدعهم والدعوة لها.
فتأتى دراسة تلك الفرق لبيان أضرارها على العقيدة الإسلامية ووحدة الأمة ورداً على من يزعمون أن الخوارج كانوا من الصحابة، وأن
المعتزلة - وهم كانوا من الصحابة والتابعين - رفضوا السنة فى العقائد كما رفضها الخلفاء الراشدون والخوارج، بل يزعمون زيادة على ما
سبق أنهم هم الذين نقلوا القرآن، ونقلوا شعائر الدين قبل إقرار مذهب السلف فى ديار المسلمين ...)(2) .
رابعاً : إن عدم دراسة الفرق والرد عليها وإبطال الأفكار المخالفة للحق، فيه إفساح المجال للفرق المبتدعة أن تفعل ما تريد، وأن تدعوا إلى
كل ما تريد من بدع وخرافات دون أن تجد من يتصدى لها بالدراسة والنقد كما هو الواقع، فإن كثيراً من طلاب العلم - فضلاً عن عوام
المسلمين - يجهلون أفكار فرق يموج بها العالم، وهى تعمل ليلاً ونهاراً لنشر باطلهم، ولعل هذه الغفلة من المسلمين عن التوجه لكشف هذه
الفرق المارقة، لعله من تخطيط أولئك المارقين الذين يحلوا لهم حجب الأنظار عنهم، وعن مخططاتهم الإجرامية، ولا أدل على ذلك من تلك
الأفكار وبعض العبارات التى يرددها كثير من المسلمين فى كثير من المجتمعات الإسلامية دون أن يعرفوا أن مصدرها إما من الخوارج مثل
قولهم لا حجة فى شئ من أحكام الشريعة إلا من القرآن، أما السنة فلا حجة فيها، ومثل استحلال دماء المسلمين لأقل شبهة، وتكفير الشخص،
بل المجتمعات الإسلامية بأدنى ذنب، أو من المعتزلة مثل تمجيد العقل، وتحكيمه فى نصوص الشرع قرآناً وسنة، فما وافقه قبل وإلا فيرد، أو
من الشيعة مثل تكفير الصحابة أو بعضهم واتهامهم، بالكذب والخوض فى فتنة عثمان وعلى ومعاوية - رضوان الله على الجميع- أو من
البهائية مثل تقديس العدد تسعة عشر، إلى غير ذلك .
ومن المعلوم أن ذلك إنما يعود إلى الجهل بأفكار وأهداف هذه الفرق التى أضلت كثيراً من شباب هذه الأمة فى كثير من المجتمعات الإسلامية
قديماً وحديثاً، من هنا تأتى أهمية دراسة الفرق وكشف القناع عن أهوائها وبدعها ليكون ذلك الكشف نوراً يضئ لشباب الأمة طريقه وسط هذا
الظلام الفكرى المفتعل من قبل ذيول تلك الفرق التى تعمل فى الظلام لنشر أفكارها، وفرض مخططاتها المعادية للإسلام(1) .






المبحـث الثانـى
التعريف بالخوارج وموقفهم من السنة المطهرة

التعريف بالخوارج لغة واصطلاحاً
1- فى اللغة : الخوارج فى اللغة جمع خارج، وخارجى اسم مشتق من الخروج وقد أطلق علماء اللغة لكلمة الخوارج فى آخر تعريفاتهم
اللغوية فى مادة (خرج) على هذه الطائفة من الناس معللين ذلك بخروجهم عن الدين أو على الإمام على -كرم الله وجهه- أو لخروجهم على
الناس(1)0
2- وفى الاصطلاح : الخوراج هم الذين أنكروا على علىّ التحكيم، وتبرؤوا منه، ومن عثمان وذريته وقاتلوهم، فإن أطلقوا تكفيرهم فهم الغلاة
منهم(2) وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين(3) وكل من شاركهم فى آرائهم فى أى زمن
يسمى خارجياً(4)0
وترجع بداية نشأة الخوارج كفرقة ذات اتجاه سياسى وفكر خاص حين خرجوا على الإمام على -كرم الله وجهه- بعد أن رضى بالتحكيم فى
موقعة صفين، والتحموا معه فى معركة النهروان الشهيرة(5)0
الخوارج وهل كان فيهم أحد من الصحابة أو أصحابهم؟
لم يكن فى الخوارج أحد من أصحاب رسول الله y ولا من فقهاء أصحاب الصحابة من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين، ولو كان فيهم أحد
من فقهاء الصحابة أو من أصحابهم ما اجترءوا على الفتنة والخروج على خليفة المسلمين واتهامه بالكفر وقتله، وإنما هم قوم من الأعراب
الجفاة الغلاظ وكان يقال لهم : القراء لشدة اجتهادهم فى التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم
ويتنطعون فى الزهد والخشوع وغير ذلك(1)0
وهؤلاء القوم تنبأ بهم المصطفى e وحذر الأمة منهم، وحرض على قتلهم، وذلك عندما تجرأ من هو من جنسهم أو نسلهم ذو الخويصرة على
النبى e وهو يقسم قسماً قائلاً بتنطع وغلظة "يا محمد اعدل، يا محمد اتق الله" فيقول له النبى e : ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت
وخسرت إن لم أكن أعدل" ويستأذن عمر بن الخطاب، وفى رواية يستأذن خالد بن الوليد النبى e أن يقتله فيقول النبى e : دعه، فإن له أصحاباً
يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال
أظنه قال : لئن أدركتهم لأقتلن قتل ثمود(2)0
وهم كما كان مبدؤهم بسبب الدنيا كما فى الحديث السابق، كذلك كان حالهم مع خليفة المسلمين سيدنا عثمان t خرجوا عليه وقتلوه طلباً للدنيا،
وحقداً، وحسداً له، وحملهم على ذلك قلة دين وضعف يقين، وبذلك خاطبهم الإمام على -كرم الله وجهه- .
فروى الطبرى: أن علياً ذكر إنعام الله علىالأمة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله e ثم الذى يليه، ثم الذى يليه0 وقال : على مسمع من قتله
عثمان : "ثم حدث هذا الحدث الذى جره على الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا، حسدوا من أفاء الله عليه على الفضيلة وأرادوا رد الأشياء على
أدبارها ثم ذكر أنه راحل غداً إلى البصرة، ليجتمع بأم المؤمنين وأخويه طلحة والزبير وقال : "ألا ولا يرتحلن غداً أحد أعان على عثمان t بشئ
فى شئ من أمور الناس، وليغن السفهاء عنى أنفسهم"(3)0
ويدل على أنهم لم يكن فيهم أحد من أصحاب رسول الله y ولا من فقهاء أصحـابه من التابعين y أجمعــين ، ما رواه ابن عبد البر بســنده
عن ابن عبــاس (4) -رضى الله عنهما- قال : لما اجتمعت الحرورية يخرجون على علىّ قال : جعل يأتيه الرجل فيقول : يا أمير المؤمنين
القوم خارجون عليك قال : دعوهم حتى يخرجوا، فلما كان ذات يوم قلت يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة فلا تفتنى حتى أتى القوم. قال : فدخل
عليهم وهم قائلون فإذا هم مسهمة وجوههم من السهر وقد أثر السجود فى جباههم كأن أيديهم ثفن الإبل عليهم قمص مرحضة فقالوا ما جاء
بك يا ابن عباس وما هذه الحلة عليك قال قلت ما تعيبون منى فلقد رأيت رسول الله e أحسن ما يكون من ثياب اليمنية قال ثم قرأت هذه الآية
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}(1)0
فقالوا ما جاء بك؟ فقال : جئتكم من عند أصحاب رسول الله y وليس فيكم منهم أحد. ومن عند ابن عم رسول الله e وعليهم نزل القرآن وهم
أعلم بتأويله جئت لأبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم ... إلخ"(2)0
ويقول الدكتور أبو زهو - رحمه الله تعالى - والذى يظهر أن الخوارج فى مبدئهم كانوا قوماً من الأعراب الجفاة الغلاظ الذين قال الله تعالى فى
شأنهم {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُـــوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(3)0
فليس فيهم أحد من أصحاب رسول الله y الذين استضاؤا بنور النبوة، وفهموا القرآن على وجهه الصحيح فلا عجب أن يغتر الخوارج بظواهر
القرآن، ولو كلفوا أنفسهم النظر فيه وحده لاهتدوا إلى آيات تأمر بالتحكيم فالله تعالى يقول فى سورة النساء { فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا
مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}(4) فالتحكيم أمر مشروع والحكمان إنما يحكمان حسب ما أمر القرآن
العزيز {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(5)0 وإنما لم يرض على بالتحكيم أولاً؛ لأنه كان يرى الحق معه، وأن طلب التحكيم،
إنما هو خدعة من معاوية وعمرو بن العاص، يريدان بها توهين جيش على وتخدير أعصابهم، لما رأياه من تفوقهم فى الموقعة فرفعوا
المصاحف على أسنة الرماح طالبين تحكيم كتاب الله0 ولو أن أصحاب علىّ أطاعوه فى عدم قبول التحكيم لتغير وجه التاريخ ولوقع معاوية
وأهل الشام فى براثن الأسد ولكن أراد الله ما قد كان، ولا راد لقضائه(1)0
قال العلامة ابن حزم(2) فى كتابه الفصل فى الملل والنحل : "إنما حكم علىّ t أبا موسى وعمراً ليكون كل منهما مدلياً بحجة من قدمه،
وليكونا متخاصمين عن الطائفتين، ثم حاكمين لمن أوجب القرآن الحكم له0وإذ من المحال الممتنع الذى لا يمكن أن يفهم لغط العسكرين، أو أن
يتكلم جميع أهل العسكر بحجتهم، فصح يقيناً لا محيد عنه صواب علىّ t فى التحكيم والرجوع إلى ما أوجبه القرآن وهذا لا يجوز غيره، ولكن
أسلاف الخوارج كانوا أعراباً، قرءوا القرآن قبل أن يتفقهوا فى السنة الثابتة عن رسول الله e ولم يكن فيهم أحد من الفقهاء لا من أصحاب ابن
مسعود ولا من أصحاب عمر، ولا أصحاب على، ولا أصحاب عائشة، ولا أصحاب أبى موسى، ولا أصحاب معاذ بن جبل، ولا أصحاب أبـى
الـدرداء، ولا أصحاب سلمان، ولا أصحاب زيد وابن عباس وابن عمر، ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضاً عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق
الفتيا وصغارها، فظهر ضعف القوم وقوة جهلهم"(3)0
وفى كل ما سبق رد على ما زعمه كذباً الدكتور أحمد حجازى السقا(4) أن الخوارج كانوا من الصحابة والتابعين ورفضوا السنة كما رفضها
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t وأنهم هم الذين نقلوا القرآن ونقلوا شعائر الدين قبل إقرار مذهب السلف فى ديار المسلمين ... وأنهم جماعة
من أصحاب رسول الله e كجماعة معاوية بن أبى سفيان t، وجماعة على بن أبى طالب t وهؤلاء الجماعات الثلاث بعد قتل عثمان بن عفان t
سب بعضهم بعضاً وقتل بعضهم بعضاً(1) .
مصـادر الخـوارج فـى العقائـد والأحكـام :
خاض الخوارج - كغيرهم من الفرق - فى مسائل اعتقادية وفقهية إلا أنهم بصفة خاصة لم تصل إلينا أكثر آرائهم من كتبهم، وإنما وصلت إلينا
من كتب أهل السنة وغيرهم من علماء الفرق الآخرين(2) .
فنقل عنهم باستثناء الإباضية منهم(3) أنهم ينكرون حجية الإجماع والسنن الشرعية، وقد زعمت هذه الطائفة أنه لا حجة فى شيء من شيء
من أحكام الشريعة إلا من القرآن(4) .
وقد أطلق أتباع هؤلاء، وأتباع بعض غلاة الرافضة فى الأزمنة المتأخرة على أنفسهم اسم "القرآنيون"(5)، وحجتهم الحديث الموضوع "ما
جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فإنى لم أقله"(6)0
وهم فى تعاملهم مع كتاب الله بين موقفين :
فتارة يكونون نصيين يجمدون على المعنى الظاهر من النص دون بحث عن معناه الذى يهدف إليه وهذا رأى أحمد أمين(7)، وأبو زهرة(8)0
وتارة ثانية يؤولون النصوص تأويلاً يوافق أهواءهم، وقد غلطوا حين ظنوا أن تأويلهم هو ما تهدف إليه النصوص، وعلى هذا الرأى ابن
عباس، وشيخ الإسلام ابن تيمية(9)، وابن قيم الجوزية(10)0
وكان لموقفهم هذا من القرآن الكريم، وجهلهم بالحديث، وعدم تحملهم له عن غيرهم، لأنهم كفرة فى نظرهم سبباً فى أن عقائدهم وأحكامهم
الفقهية جاءت مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، بل منه ما جاء مخالفاً لنصوص القرآن الكريم0
فمنهم من يرى أن التيمم جائز، ولو على رأس بئر، ومنهم من يرى أن الواجب من الصلاة إنما هو ركعة واحدة بالغداة وأخرى بالعشى، ومنهم
من يرى الحج فى جميع شهور السنة، ومنهم من يبيح دم الأطفال والنساء ممن لا ينتمى إلى عسكرهم(7)، ومنهم من جوز نكاح بنت الابن
وبنت الأخ والأخت، ومنهم من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن، وأن من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن عند الله ولو اعتقد الكفر بقلبه،
وعظم البلاء بهم وتوسعوا فى معتقدهم الفاسد، فأبطلوا رجم المحصن،




(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول 6/473 رقم 1844 من حديث عبد الله بن
عمرو ( 0
(2) سبق تخريجه ص 47 0
(3) سبق تخريجه ص 38 0
(4) عائشة (رضى الله عنها) لها ترجمة فى : الإصابة 8/16 رقم 11461، والاستيعاب 4/1881 رقم 3476، واسد الغابة 7/186 رقم
7093، وتاريخ الصحابة ص 201 رقم 1072، وتذكرة الحفاظ 1/27 رقم 13 0
(5) الآية 159 من سورة الأنعام0
(6) أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان 5/449، 450، وأبو نعيم فى حلية الأولياء 4/138، والطبرانى فى الصغير 1/303، من حديث أبى
هريرة، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/22، 23، إسناد الطبرانى فى الصغير جيد، وأخرجه ابن الجوزى فى العلل المتناهية كتاب السنة وذم
البدع، باب= =فى تفسير قوله تعالى"إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم فىشئ) 1/144،رقم209، وانظر : تفسير القرآن العظيم
لابن كثير 2/196 0
(1) الآية 7 من سورة آل عمران0
(2) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب منه آيات محكمات 8/57 رقم 4547، وأخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب العلم
باب النهى عن إتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعية 8/469 رقم 2665 0
(3) أبو أمامة الباهلى هو : صدى بن عجلان بن وهب، صحابى جليل0 له ترجمة فى : الإصابة 2/182 رقم 4079، والاستيعاب 2/1237
رقم 1242، واسد الغابة 3/15 رقم 2497، وتاريخ الصحابة ص 137 رقم 2675، ومشاهير علماء الأمصار ص 65 رقم 327، وتجريد
أسماء الصحابة 1/264 0
(4 ) جزء من الآية 7 من سورة آل عمران0
(5 ) الآية 106 من سورة آل عمران0
(6 ) أخرجه أحمد فى مسنده 5/262 0
(7) ابن كثير : هو إسماعيل بن عمر بن كثير الحافظ عماد الدين أبو الفداء، القرشى البصرى الدمشقى الشافعى، كان عالماً حافظاً فقيهاً،
ومفسراً نقاداً، ومؤرخاً كبيراً، من مصنفاته : تفسير القرآن العظيم، والبداية والنهاية مات سنة 774هـ0 له ترجمة فى : الدرر الكامنة لابن
حجر 1/373 رقم 944، وطبقات المفسرين للداودى 1/111 رقم 103، وشذرات الذهب لابن العماد 6/231، والبدر الطالع للشوكانى
1/153 رقم 95 0 وذيل تذكرة الحفاظ ص57، 361، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 533 رقم 1159 0
(1) أبو سعيد الخدرى : هو سعد بن مالك صحابى جليل0 له ترجمة فى : الإصابة 2/53، رقم3204، والاستيعاب 2/1671، رقم 958،
واسد الغابة 2/451 رقم 2036، وتاريخ الصحابة ص113 رقم 513، ومشاهير علماء الأمصار ص 17 رقم 26، وتجريد أسماء الصحابة
2/172، وتذكرة الحفاظ 1/44 رقم 22 0
(2) خالد : هو خالد بن الوليد صحابى جليل0 له ترجمة فى : الإصابة 1/413 رقم 2206، والاستيعاب 2/603 رقم 621، واسد الغابة
2/140 رقم 1399، وتاريخ الصحابة 85 رقم349، ومشاهير علماء الأمصار ص 39 رقم 157 0
(3) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المناقب، باب علامات النبوة فى الإسلام جـ6 ص714 رقم 3610، وأخرجه مسلم (بشرح
النووى) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتـهم 4/171، 172 رقم 1064 0
(4) الحديث سبق تخريجه ص 38، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/346 بتصرف0
(5) أخرجه ابن عبد البر فى جامع بيان العلم2/135،والخطيب فى الفقيه والمتفقة1/454 رقم 479 0
(1) السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للدكتور السباعى ص 133 بتصرف، وانظر : الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين للدكتور
أحمد محرم 1/189
(2) جزء من الآية 118 من سورة البقرة0
(3) سبق تخريجه ص 29 0
(4) كشف الشبهات عن الشيخ الغزالى للدكتور أحمد حجازى السقا ص 63، 77، 94 0
(5) فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وموقف الإسلام منها للدكتور غالب عواجى 1/22-26، وانظر : الموافقات للشاطبى فصل (تعريف
الفرق الزائغة) 4/539 وما بعدها، وفصل (ضلال هذه الفرق لا يخرجها عن الملة) 4/550 وما بعدها، والاعتصام باب فى مأخذ أهل البدع
بالاستدلال 1/178 وما بعدها، وحكم هذه الفرق 2/462 وما بعدها0
(6) القاموس المحيط 1/183، 184، وتاج العروس 2/30، وانظر : فتح البارى 12/296 أرقام 6930-6932 0
(7) هدى السارى لابن حجر ص 483 0
(8) فتح البارى 12/296 أرقام 6930 - 6932 0
(9) الملل والنحل 1/114، والفصل فى الملل والنحل 4/157، ومقالات الإسلاميين 1/207 0
(10) الفصل فى الملل والنحل 4/157، والملل والنحل 1/21، والبداية والنهاية لابن كثير 7/189، وانظر : فرق معاصرة للدكتور غالب
عواجى 1/70، 71 0
(11) فتح البارى 12/296 أرقام 6930-6932 0
(12) سبق تخريجه ص 62 0
(13) انظر : تاريخ الأمم والملوك لابن جرير 5/194 0
(14) ابن عباس : هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صحابى جليل0 له ترجمة فى : الإصابة 1/322 رقم 4799، والاستيعاب 3/933
رقم 1606، واسد الغابة 3/291 رقم 3037، وتاريخ الصحابة ص 148 رقم 717، ومشاهير علماء الأمصار ص 15 رقم 17، وتذكرة
الحفاظ 1/40 رقم 18، وتجريد أسماء الصحابة 1/320 0
(15) جزء من الآية 32 من سورة الأعراف0
(16) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/103، 104 0
(17) الآية 97 من سورة التوبة0
(18) جزء من الآية 35 من سورة النساء0
(19) جزء من الآية 59 من سورة النساء0
(20) الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 84، 85 0
(21) ابن حزم : هو على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى، أبو محمد، عالم الأندلس فى عصره، وأحد أئمة الإسلام، روى ابنه أبو رافع أن
مصنفات والده بلغت الأربعمائة، من أشهرها : الإحكام فى أصول الأحكام، والفصل فى الملل والنحل، مات سنة 456هـ0 وله ترجمة فى :
لسان الميزان لابن حجر 4/724 رقم 5782، والبداية والنهاية لابن كثير 12/91، ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/325 رقم 448، وشذرات
الذهب 3/13، وتذكرة الحفاظ 3/1146 رقم 1016، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 435 رقم 981 0
(22) الفصل فى الملل والنحل 4/156 0
(23) هو : أحمد حجازى السقا، كاتب معاصر، حصل على العالمية فى الدعوة من جامعة الأزهر، ورفض الأزهر تعيينه بالجامعة، من مؤلفاته
التى شكك فيها فى مكانة السنة النبوية، كتابه دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى، وحقيقة السنة النبوية0
(24) دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 63، 77، 94 0
(25) فرق معاصرة للدكتور غالب عواجى 1/106 0
(26) دراسات فى الحديث النبوى للدكتور محمد مصطفى الأعظمى 1/23 0
(27) أصول الدين للبغدادى ص 19، وانظر : الملل والنحل للشهرستانى 1/114، 115، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للإمام محمد
الملطى ص52، والعقيدة والشريعة لجولد تسيهر ص193



-62-
===
6



وكان لموقفهم هذا من القرآن الكريم، وجهلهم بالحديث، وعدم تحملهم له عن غيرهم، لأنهم كفرة فى نظرهم سبباً فى أن عقائدهم وأحكامهم
الفقهية جاءت مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، بل منه ما جاء مخالفاً لنصوص القرآن الكريم0
فمنهم من يرى أن التيمم جائز، ولو على رأس بئر، ومنهم من يرى أن الواجب من الصلاة إنما هو ركعة واحدة بالغداة وأخرى بالعشى، ومنهم
من يرى الحج فى جميع شهور السنة، ومنهم من يبيح دم الأطفال والنساء ممن لا ينتمى إلى عسكرهم(1)، ومنهم من جوز نكاح بنت الابن
وبنت الأخ والأخت، ومنهم من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن، وأن من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن عند الله ولو اعتقد الكفر بقلبه،
وعظم البلاء بهم وتوسعوا فى معتقدهم الفاسد، فأبطلوا رجم المحصن، وقطعوا يد السارق من الإبط، وأوجبوا الصلاة على الحائض فى حال
حيضها، وكفروا من ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إن كان قادراً، وإن لم يكن قادراً فقد ارتكب كبيرة، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم
حكم الكافر، وكفوا عن أموال أهل الذمة، وعن التعرض لهم مطلقاً، وفتكوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبى والنهب، فمنهم من يفعل ذلك
مطلقاً بغير دعوة منهم، ومنهم من يدعوا أولاً ثم يفتك(2)، وغير ذلك الكثير والكثير0
يقول فضيلة الدكتور أبو زهو - رحمه الله - : وهذا مما يدل على جهل عميق حتى بالقرآن الكريم، وأكثر ذلك أتاهم كما قلنا من أنهم لا
يعتدون برواية جمهور المسلمين، وكيف يأخذون دينهم عن قوم هم كفار فى نظرهم، وإنما يعتمدون ما رواه لهم أئمتهم، وهم كما قلنا خلو من
العلم بسنة رسول الله e ، بل خلوا من فهم أحكام القرآن على وجهها الصحيح0
ثم لا يغيب عن البال أن هذا الحكم لا يسرى على جميع أفراد الخوارج، بل قد وجد منهم فيما بعد أفراد وأئمة تفقهوا فى الدين، ورووا الحديث،
واعتمدهم كما قال ابن الصــلاح فى مقدمته بعض أئمــة الحديث كالبخـارى فقد احتج بعمران بن حطان(1)، وهو من الخوارج لا سيما إذا
علمت أن الخوارج يحكمون بكفر من يكذب؛ لأن مرتكب الكبيرة كافر فى نظرهم، والكذب من الكبائر أ0هـ(2)0
قلـت : احتجاج الإمام البخارى فى صحيحه بعمران بن حطان رغم أنه مبتدع من الخوارج؛ فقد كان رأس القعدية من الصفرية، وفقيههم،
وشاعرهم، وخطيبهم مع كونه داعية إلى مذهبه فقد مدح (عبد الرحمن بن ملجم) قاتل أمير المؤمنين على بن أبى طالب e احتجاج البخارى به
وبغيره من المبتدعين محمول على :
1- أنه خرج لهم ما حمل عنهم قبل ابتداعهم0
2- أو أنهم يكونون ممن تابوا ورجعوا عن بدعتهم فى آخر حياتهم0
3- أو يكونون تبرؤوا ممـا نسـب إليهـم0
وعلى القول الأول حمل ما أخرجه الإمام البخارى عن عمران بن حطان قال ابن حجر -رحمه الله- : "وقد أخرج له البخارى على قاعدته
فى تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متديناً وقيل : إن يحيى بن أبى كثير(3)، حمله عنه قبل أن يبتدع"(4) وليس لعمران بن حطان
فى البخارى سوى حديثين أحدهما متابعة(5) والآخر أصل(6)0
وعلى الأقوال السابقة يحمل أيضاً ما أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه عن المبتدعين0
عقيدة الخوارج فى الصحابة y وأثر ذلك على السنة المطهرة :
للخوارج فى الصحابة y رأى يخالف رأى الجمهور من المسلمين؛ فهم على اختلاف فرقهم يعدلون الصحابة جميعاً قبل الفتنة، ثم يكفرون
عثمان، وعلى، وأصحاب الجمل، والحكمين، ومن رضى بالتحكيم، وصوب الحكمين أو أحدهما(1)، وبذلك ردوا أحاديث جمهور الصحابة بعد
الفتنة، لرضاهم بالتحكيم، واتباعهم أئمة الجور على زعمهم، فلم يكونوا أهلاً لثقتهم0
أما جمهور المسلمين فقد حكموا بعدالة الصحابة جميعاً، سواء منهم من كان قبل الفتنة أو بعدها، وسواء منهم من انغمس فيها أو جانبها،
ويقبلون رواية العدول الثقات عنهم، وكان من آثار هذا الاختلاف فى النظر إلى الصحابة أن هوجمت السنة التى جمعها الجمهور وحققها أئمتهم
ونقادهم، منذ عصر الصحابة حتى عصر الجمع والتدوين، من قبل الخوارج وهم وإن لم ينغمسوا فى رذيلة الكذب على رسول الله e كما فعل
غيرهم، نظراً لأنه عندهم كبيرة ومرتكبها كافر(2)، ونظراً لبداوتهم وجفاء طبعهم وغلظتهم كانوا غير مستعدين لقبول أفراد من الأمم الأخرى؛
كالفرس، واليهود، والنصارى، وغيرهم ممن يريدون هدم الإسلام واندسوا فى الشيعة، ووضعوا كثيراً من الأحاديث، فضلاً على أنهم كانوا
صرحاء لا يعرفون التقية التى يؤمن بها الشيعة(3)0
إلا أن موقفهم من الصحابة جعلهم يردون الأحاديث التى خرجت بعد الفتنة، أو اشترك رواتها بالفتنة، فضلاً عن جهلهم بأحكام القرآن على
وجهها الصحيح؛ جعلهم يخالفون جمهور المسلمين فى عقائدهم وأحكامهم الفقهية كما سبق0
يقول فضيلة الدكتور السباعى - رحمه الله - : وإنه لبلاء عظيم أن نسقط عدالة جمهور الصحابة الذين اشتركوا فى النزاع مع على أو
معاوية، أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم، وهم فى هذا الرأى لا يقلون عن الشيعة خطراً وفساد رأى، وسوء نتيجة، وإذا كان مدار
الاعتماد على الرواية هو صدق الصحابى وأمانته، فيما نقل - وقد كان ذلك موفوراً عندهم - وكان الكذب أبعد شئ عن طبيعتهم ودينهم
وتربيتهم، فما دخل ذلك بآرائهم السياسية وأخطائهم؟ ... ووصفهم بأوصاف لا تليق بعامة الناس، فكيف بأصحاب رسول الله y الذين كان لهم
فى خدمة الإسلام قدم صدق، لولاها لكنا نتيه فى الظلمات ولا نعرف كيف نهتدى سبيلاً(1)0
هل كان الخوارج يكذبون فى الحديث؟
تحت هذا العنوان نفى الدكتور السباعى فى كتابه (السنة ومكانتها فى التشريع) : أن يكون الخوارج كذبوا على رسول الله e لأنهم يكفرون
مرتكب الكبيرة على ما هو المشهور عنهم، أو مرتكبى الذنوب مطلقاً كما حكاه الكعبى(2) فما كانوا يستحلون الكذب ولا الفسق ولا التقية ونفى
أن يكون هناك دليلاً محسوساً يدل على أنهم ممن وضعوا الحديث0
وقال معقباً على ما روى عن ابن لهيعة عن شيخ لهم أنه قال : إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمراً
صيرناه حديثاً(3)0
وقول عبد الرحمن بن مهدى : إن الخوارج والزنادقة قد وضعوا هذا الحديث "إذا أتاكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله
فأنا قلته ... الحديث"(4)0
يقول الدكتور السباعى : هكذا قال الكاتبون فى هذا الموضوع من القدامى والمحدثين، ولكنى لم أعثر على حديث وضعه خارجى، وبحثت كثيراً
فى كتب الموضوعات، فلم أعثر على خارجى عُدَّ من الكذابين والوضاعين0
أما النص السابق الذى يذكرونه عن شيخ للخوارج، فهو مجهول ولا ندرى من هو؟ وقد سبق مثل هذا التصريح برواية حماد بن سلمة عن
شيخ رافضى، فلماذا لا تكون نسبته إلى شيخ خارجى خطأ؟ خصوصاً ولم نعثر لهم على حديث واحد موضوع0
أما قول عبد الرحمن بن مهدى عن حديث (إذا أتاكم ... إلخ) أنه وضعته الزنادقة والخوارج، فلا أدرى مدى صحتـــه عن ابن مهــدى، فقد
ذكره عنه ابن عبد البر فى (جامع بيان العلم) بلا سند(1) فضلاً على أنه لم يذكر لنا عن ابن مهدى من هو واضعه؟ على أن المنقول عن غير
ابن مهدى لفظ الزنادقة فقط، قال شمس الحق العظيم آبادى : فأما ما رواه بعضهم أنه قال : "إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله...
الحديث"؛ فإنه حديث لا أصل له(2) وقد حكى زكريا الساجى عن يحيى بن معين(3) أنه قال "هذا حديث وضعته الزنادقة" ونقل الفتنى عن
الخطابى(4) أنه قال أيضاً "وضعته الزنادقة"(5)، وليس فى هذين النصين ذكر للخوارج بحال0
وقد ورد عنهم ما ينفى تهمة الكذب عنهم0
يقول المُبَرِّدُ(6) : "والخوارج فى جميع أصنافها تبرأ من الكاذب ومن ذوى المعصية الظاهرة(1)" وقال أبو داود(2) : "ليس فى أصحــاب
الأهواء أصح حديثاً من الخوارج"(3)0
وقال ابن تيمية(4) : للرافضة فى الرد عليهم "ونحن نعلم أن الخوارج شر منكم ومع هذا فما نقدر أن نرميهم بالكذب لأننا جربناهم فوجدناهم
يتحرون الصدق لهم وعليهم(5) وقال : ومن تأمل كتب الجرح والتعديل رأى المعروف عند مصنفيها بالكذب فى الشيعة أكثر فى جميع الطوائف،
والخوارج مع مروقهم من الدين فهم من أصدق الناس حتى قيل : إن حديثهم من أصح الحديث"(6) وقال أيضاً "ليس فى أهل الأهواء أصدق ولا
أعدل من الخوارج(7) .
قلـت : وأنا مع الدكتور السباعى فيما ذهب إليه ورجحه من نفى تهمة كذب الخوارج فى الحديث، وليس معنى ذلك براءتهم، ولكن معناه أنى لا
اتهمهم بالكذب فى الحديث؛ لأنه لا دليل على كذبهم، والأخبار الواردة فى اتهامهم بالوضع ضعيفة تحتمل التأويل كما سبق، والأخبار التى تدل
على صدقهم ونفى الكذب عنهم صريحة وواضحة0
وكل ما يقال بحق، أنهم جهلة بالسنة ولا يحتجون بها؛ لأنها من طريق صحابة رسول الله y وهم كفار فى نظرهم، فضلاً عن عدم استعدادهم
لقبول آراء غيرهم؛ نظراً لبداوتهم وجفاء طبعهم وغلظتهم وجهلهم بفقه الكتاب والسنة؛ ولذا نجدهم يعملون على محاربة المسلمين وإراقة
دمائهم وانتهاك حرمتهم فهم أحقاء بأن يسموا بالخوارج البغاة لخروجهم على السنة وأهلها ومعاداتهم لها(1) .







المبحـث الثانـى
التعريف بالشيعة وموقفهم من السنة النبويـة

تمهيـد :
الشيعة كفرقة ذات أفكار وآراء غلب عليهم هذا الاسم، ويشيع فيهم الكذب على رسول الله e وعلى أئمتهم، وذلك باعتراف علمائهم، وهذا
من أشد الخطر على الإسلام والمسلمين، وذلك بسبب :
1- استعمالهم التقية المرادفة للكذب0
2- تظاهرهم بنصرة آل البيت، حيث انخدع بهم كثير من العوام بل وخواص المسلمين0
3- بغضهم وتكفيرهم ولعنهم صحابة رسول الله y إلا نفر يسير، وبغضهم وتكفيرهم لأهل السنة بسبب تعاليم خاطئة وضعها بعض كبرائهم
قديماً، وسار عليها بعض كبرائهم حديثاً نتج عنها نفور الشيعة، وعدم الوصول بعد محاولات كثيرة من جانب أهل السنة إلى التقارب0
وقد قام التشيع فى ظاهر الأمر على أساس الاعتقاد؛ بأن علياً t وذريته هم أحق الناس بالخلافة بعد رسول الله e وأن علياً أحق بها من سائر







 
قديم 06-03-08, 04:37 AM   رقم المشاركة : 3
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


الصحابة بوصية من النبى e كما زعموا فى رواياتهم التى اخترعوها وملأوا بها كتبهم قديماً وحديثاً(1).
والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية
وزردشتية وهندية، ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته، كل هؤلاء كانوا يتخذون حب آل البيت ستاراً يضعون وراءه كل ما
شاءت أهواؤهم0
فاليهودية ظهرت فى التشيع بالقول بالرجعة، وقال الرافضة السبئية : إن النار محرمة على الشيعى إلا قليلاً، كما قال اليهود لن تمسنا إلا أياماً
معدودات(2). والنصرانية ظهرت فى فرق الحلولية وهى فرق أكثرها يرجع إلى غلاة الروافض فقال بعضهم:إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة
المسيح إليه، وقالوا : إن اللاهوت اتحد بالناسوت فى الإمام، وإن النبوة والرسالة لا تنقطع أبداً فمن اتحد به اللاهوت فهو نبى(1)0
وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التى كانت معروفة عند البراهمة، والفلاسفة، والمجوس
من قبل الإسلام، وقال بها الراوندية من الروافض الحلولية(2)0
وتستر بعض الفرس بالتشيع، وحابوا الدولة الأموية،والعباسية، وقاموا بثورات عديدة، سجلها علماء الفرق والتاريخ، وما فى نفوسهم إلا الكره
للعرب ودولتهم والسعى لاستقلالهم وهيمنتهم(3)، وتاريخ الشيعة فى القديم والحديث شاهد صدق على أن الحركات المارقة والهدامة إنما
خرجت من تحت عباءتهم بعد أن رضعت لبنهم وهدهدت بين ذراعيهم(4)0
التعريف بالشيعة لغة:هم الاتباع والانصار، قال صاحب القاموس:شيعة الرجل أتباعه وأنصاره ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر
والمؤنث وجمعه أشياع وشيع كعنب(5)0
وقال صاحب تاج العروس : الشيعة كل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة وكل من عاون إنساناً وتخرب له فهو شيعة له، وأصله من المشايعة
وهى المطاوعة والمتابعة(6)0
ووردت كلمة شيعة ومشتقاتها فى القرآن الكريم مراداً بها معانيها اللغوية الموضوعة لها على المعانى التالية :
1- بمعنى الفرقة أو الأمة أو الجماعة من الناس : قال تعالى {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}(7)0 أى من كل فرقة
وجماعة وأمة (8)0
2- بمعنى الفرقة قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}(1) أى فرقاً(2)0
3- وجاءت لفظة أشياع بمعنى أمثال ونظائر قال تعالى : {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}(3) أى أشباهكم فى الكفر من الأمم
الماضية(4)0
4- بمعنى المتابع والموالى والمناصر قال تعالى : {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى
الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}(5) وفى الحديث من قول حكيم بن أفلح(6) إنى قد
نهيتها - أى السيدة عائشة -رضى الله عنها- أن تقول فى هاتين الشيعتين شيئاً(7) أى شيعة الإمام على -كرم الله وجهه- وشيعة الإمام
معاوية -رضى الله عن الجميع - ففى ذلك ما يشهد لعموم اسم الشيعة.
التعريف بالشيعة اصطلاحاً : اختلفت وجهات نظر العلماء فى التعريف بحقيقة الشيعة وأرجح تلك الأقوال هى : أنهم الذين يزعمون أنهم أتباع
على بن أبى طالب t وأنصاره، ويعتقدون أنه أفضل من الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم أجمعين - وأنه وأهل بيته أحق بالخلافة، وإن
خرجت منهم فبظلم يكون من غيرهم(8).
موقف الشيعة من الصحابة والأمة الإسلامية:
أولاً : موقـف الشيعـة مـن الصحابـة :
يقول الدكتور محمد العسال : يعتقد الشيعة أن الصحابة كلهم كانوا كفرة منافقين مخادعين لله ورسوله - ونعوذ بالله من ذلك -
لا يستـثـنون إلا خمسة أو سبعة أو بضعة عشر، على خلاف بينهم فى هذا، والمجمع على استثنائهم هم : سلمان الفارسى، وعمار بن
ياسر، وأبو ذر الغفارى، والمقداد، وجابر بن عبد الله الأنصارى0
ويرى بعض الشيعة أن الصحابة : إنما كفروا وارتدوا عن الإسلام بعد موت النبى e لا فى حياته، وإنما قال ذلك أصحاب هذا الرأى لما
وجدوا صريح القرآن يمدحهم ويثنى عليهم، فظنوا أن القول بكفرهم بعد وفاة الرسول e يتفادون به التعارض مع القرآن بخلاف القول بكفرهم
والقرآن ينزل والوحى متواصل، هكذا يزعمون.
كما زعموا أن كفر الصحابة إنما هو بسبب إنكارهم النص على ولاية علىَّ t التى هى أساس الدين عند الشيعة، وقد تواطأ الصحابة على جحده
وإنكاره إلا الخمسة الذين مر ذكرهم، أما كبار الصحابة مثل أبى بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير وبقية العشرة، وعائشة، وحفصة
وغيرهم؛ فإنهم كانوا متظاهرين بالإسلام فى حياة الرسول e مع إبطانهم الكفر، خاصة فيما يتعلق بولاية علىَّ t حقداً عليه حيث كانوا يطمعون
فى هذه الولاية بعد وفاة الرسول e0
بل هؤلاء الصفوة من خيرة أصحاب رسول الله y هم فى عقيدة الشيعة رؤساء الكفر والنفاق فهم أصله ومعدنه وفرعه وثمرته، ونعوذ بالله من
ذلك0
وهذه عقيدة لا ينفك عنها شيعى واحد من الإثنى عشرية، وإن تظاهر أحدهم بإنكار ذلك فأعلم أنه يقولها (تقية) لأنها عقيدة لا تقبل المساومة
عندهم، إذ لو صحح الشيعى إمامة أبى بكر وعمر وعثمان لوجب عليه أن يعترف ببطلان الولاية والإمامة لعلى وبنيه، وهذا كفر بإجماع الإثنى
عشرية0
وللشيعة فى تكفيرهم للصحابة شبهات سيأتى ذكرها والرد عليها فى باب وسائل أعداء السنة فى الكيد لها0
هذا وقد امتلأت كتب الشيعة تفسيراً وحديثاً- على كثرتها وبطلانها بهذه العقيدة الفاسدة، وسودوا هذه الكتب بما تضيق منه الصدور من عقيدتهم
هذه(1)0
وتأكيداً لكل ما سبق سأكتفى بذكر نموذج أو أكثر من كتبهم تفسيراً وحديثاً، فالقمى فى تفسيره(2) يقول فيه الدكتور محمد العسال هذا المفسر
يحمل كل كلمة كفر أو نفاق أو فسق أو ضلال أو شرك أو ظلم أو عصيان وخداع، وكل ما يشتق من ذلك أو يماثله على كبار الصحابة، وخاصة
على أبى بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، وقد ضرب على ذلك أمثلة منها فى قوله تعالى : {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ
الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ}(3) قال القمى : الحرث الدين، والنسل الناس، ونزلت فى الثانى -يعنى عمر- وقيل فى معاوية(4)0 وعند
قوله تعالى : {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}(5) قال : هم الذين غصبوا آل محمد حقهم، وعند قوله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ}(6) قال :
هم الظالمون آل محمد حقهم، والذين اتبعوا من غصبهم(7)0
وفى أصح الكتب عندهم بعد كتاب الله U وهو الكافى الذى يعد عندهم كالبخارى عند أهل السنة، أخرج الكلينى بسنده عن أبى جعفر عليه السلام
قال : كان الناس أهل ردة بعد موت النبى e إلا ثلاثة، فقلت ومن الثلاثة فقال : المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفارى، وسلمان الفارسى، رحمة
الله وبركاته عليهم(8)0
وأخرج أيضاً عن أبى بصير عن أحدهما عليه السلام قال : إن أهل مكة ليكفرون بالله جهرة، وإن أهل المدينة أخبث من أهل مكة، أخبث منهم
سبعين ضعفاً(9)0
وأخرج أيضاً عن أبى بكر الحضرمى قال : قلت لأبى عبد الله عليه السلام : أهل الشام شر أم أهل الروم؟ فقال : إن الروم كفروا ولم يعاندوا،
وإن أهل الشام كفروا وعاندوا(1). إلى غير ذلك الكثير والكثير من إفكهم الذى امتلأت به كتبهم تفسيراً وحديثاً، والتى كانت منفذاً للمستشرقين
وأتباعهم نفذوا منه إلى الطعن فى دين الإسلام ومصدره الأول القرآن الكريم .
ثانياً : موقـف الشيعـة مـن الأمـة الإسلاميـة :
يقول الدكتور محمد العسال : يعتقد الشيعة الإثنا عشرية أن أمة محمد هى الأمة الملعونة، ولو كانت من سائر فرق الشيعة سواهم، فكل من لم
يوال الإثنى عشر إماماً ويؤمن بولايتهم ويتبرأ من الصحابة؛ فهو ملعون هالك، أما من يعتقد إيمان الصحابة ويصحح خلافة أبى بكر وعمر
وعثمان فهو ناصبى عندهم والناصبى شر من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان كما يزعمون من هنا فحملتهم على أهل السنة -النواصب- فى
نظرهم لا تكاد تهدأ؛ لأنهم أكثر فرق الأمة عرفاناً بالجميل للصحابة، وعلى رأسهم آل بيت رسول الله e.
ويقول الدكتور محمد العسال بعد أن ذكر نماذج من تفسيرهم الباطل تؤكد تلك العقيدة الفاسدة قال : وغالب ظنى أن هذه العقيدة قد استفادها
الروافض من زنادقة الباطنية الخارجين عن الإسلام بإجماع الفرق والذين يسمون أمة محمد e بالأمة الملعونة المنكوسة، حيث يحكى لنا الإمام
عبد القادر البغدادى عنهم فى نص رسالة عثر عليها من زعيمهم عبيد الله بن الحسين القيروانى إلى داعيته سليمان بن الحسن بن سعيد
الجنانى جاء فيها : إنى أوصيك بتشكيك الناس فى القرآن والتوراة والزبور والإنجيل، وبدعوتهم إلى إبطال الشرائع ...ثم قال له ولا تكن
كصاحب الأمة المنكوسة حين سألوه عن الروح فقال {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}(2) لما لم يعلم ولم يحضره جواب المسألة ...إلخ(3).
فهذه زندقة -نعوذ بالله منها-، وعقيدة الإثنى عشرية فى الأمة إما متأثرة بتلك الزندقة وإما أنها مدخل إليها، لا محل سوى ذلك(1).
وصدق الإمام ابن تيمية (أصل مذهب الشيعة الرافضة من أحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم فى حياتهم على أمير المؤمنين t(2) أ0هـ.
أثر موقف الشيعة الرافضة من الصحابة على الإسلام (قرآناً وسنة) :
أولاً : أثـر موقف الشيعة من الصحابة على القرآن الكريم :
كان من آثار تكفير الشيعة للصحابة إلا من استثنوهم أن هوجم القرآن الكريم والسنة النبوية، فهاجموا القرآن الكريم، وصرحوا وبكل وضوح
أن فى القرآن الكريم نقصاً وتحريفاً متعمداً من الصحابة عند جمعه لإخفاء ما ورد صريحاً فى ولاية الأئمة من آل البيت، أو لإخفاء الآيات التى
فيها ذم المهاجرين والأنصار ومثالب قريش، وزعموا أن القرآن لم يجمعه كما أنزل إلا علىّ فقط، كما يعتقدون أن مصحفاً مفقوداً سيصل إلى
أيديهم يوماً ما، يسمى "مصحف فاطمة" فيه أضعاف ما فى المصحف العثمانى الموجود بين أيدى المسلمين، وأنه يختلف عن هذا المصحف
اختلافاً كثيراً، وقد ألف أحد طواغيتهم واسمه حسين بن محمد تقى الطبرسى كتابه (فصل الخطاب فى إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) (3) وفيه
أكثر من ألفى رواية عن طواغيتهم المعصومين، والتى تؤكد التحريف فى القرآن من كل نوع، وعندما طبع الكتاب وقامت حوله ضجة ألف
الطبرسى كتاباً آخر سماه (رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب فى إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) دافع فيه عن ما أودعه فى كتابه السابق
(فصل الخطاب) وقد كتب هذا الدفاع قبل موته بسنتين0
ومهما تظاهر الشيعة بالبراءة من كتاب النورى الطبرسى عملاً بعقيدة التقية، فإن الكتاب ينطوى كما سبق على آلاف النصوص عن طواغيتهم
فى كتبهم المعتبرة يثبت بها أنهم جازمون بالتحريف ومؤمنون به، ولكن لا يحبون أن تثور الضجة حول عقيدتهم هذه فى القرآن(1)
ويتظاهرون تقية ويفتون بأنه لا يأثم من قرأ القرآن كما يتعلمه الناس فى المصحف العثمانى، ثم الخاصة من الشيعة سيعلم بعضهم بعضاً ما
يخالف ذلك مما يزعمون أنه موجود أو كان موجوداً عند أئمتهم من أهل البيت، ويدل على ذلك ما أخرجه الكلينى فى كتابه الكافى بسنده عن
على بن موسى الرضا المتوفى سنة 206هـ عندما سأل، إنا نسمع الآيات فى القرآن ليس هى عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما
بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال : لا، اقرءوا كما تعلمتم، فسيجيئكم من يعلمكم(2).
ومما يدل على أن الشيعة يكادون يجمعون على ما أورده الطبرسى فى كتابه (فصل الخطاب) أنهم كافئوه على هذا المجهود فى إثبات أن القرآن
محرف بأن دفنوه فى أقدس البقاع عندهم فى بناء المشهد العلوى فى النجف.
وفى عصرنا الحاضر ردد الخمينى هذا الإفك فى كتابه (كشف الأسرار) قائلاً : "لقد كان سهلاً عليهم - الصحابة الكرام - أن يخرجوا هذه الآيات
من القرآن، ويتناولوا الكتاب السماوى بالتحريف، ويسدلوا الستار على القرآن، ويغيبوه عن أعين العالمين ثم يقول : "إن تهمة التحريف التى
يوجهها المسلمون إلى اليهود والنصارى، إنما تثبت على الصحابة(3). وهم حتى عندما يعتبرون المصحف العثمانى مصدراً من مصادر العقائد
والأحكام، فهم يختلفون فى فهم معانية عن سائر الفرق وخصوصاً أهل السنة - ويرجعون فهم القرآن إلى الأئمة من آل البيت(4)، وكلها
تأويلات باطلة حاشا الأئمة أن يقولوا منها حرفاً واحداً.
ثانياً : أثر موقف الشيعة من الصحابة على السنة النبوية :
وكما كان من آثار تكفير الشيعة للصحابة أن هاجموا القرآن الكريم، وادعوا تحريفه وتبديله، كان من آثار ذلك أيضاً أن هوجمت السنة التى
جمعها الجمهور وحققها أئمتهم ونقادهم، منذ عصر الصحابة حتى عصر الجمع والتدوين، من قبل الشيعة التى وصمت أحاديث الجمهور من أهل
السنة بالكذب والوضع، وخاصة ما كان منها فى فضائل الصحابة الذين يكفرهم الشيعة ويلعنونهم0
ولم يقبلوا من أحاديث أهل السنة إلا ما وافق أحاديثهم التى يروونها عن أئمتهم المعصومين فى نظرهم، والتى إن لم يزيدوا فيها كذباً تأولوها
بما يشهد لعقائدهم وأحكامهم الباطلة، أما ما عدا ذلك من السنة فلا يعتبرون به إلا إذا جاء من طريق آل البيت والتى لا يمكن إثبات صحتها
لعدم اهتمامهم بصحة السند0
فالعدالة عندهم لا عبرة بـها ما دام الراوى إمامياً يوالى الأئمة ولو لم يكن متهماً، بل ولو كان مطعوناً فى دينه0 وإذا تتبعت تراجم أعلام
الشيعة الرافضة فى زمن أئمتهم رأيتهم بين كذابين، وملاحدة، وشعوبيين، وفاسدى العقيدة، ومذمومين من أئمتهم، وكل ما يخطر ببالك من
نقائص، ولذا تراهم يصححون أحاديث من دعا عليه المعصوم بقوله أخزاه الله وقاتله الله، أو لعنه أو حكم بفساد عقيدته أو أظهر البراءة منه،
وحكموا أيضاً بصحة روايات المشبهة والمجسمة، ومن جوز البداء عليه تعالى(1)، مع أن هذه الأمور كلها مكفرة،ورواية الكافر غير مقبولة،
فضلاً عن صحتها، فإذا كان هذا هو حال من يصححون حديثه وهو أقوى الأقسام عندهم، فما بالنا بحال الحسن والموثق والضعيف عندهم!
(2)0
إذ لا عبرة عندهم بالعدالة وإنما العبرة بمن معهم؟ ومن عليهم؟ فمن كان معهم معتقداً بعقيدتهم كان مؤمناً تقياً، وإلا كان كافراً منافقاً إذا تبرأ
منهم ومن عقيدتهم0
كما أنهم لا يشترطون اتصال السند فى الحديث من الإمام إلى الرسول؛ لأن الإمام فى حد ذاته كلامه فى قوة كلام الرسول وقدسيته، ووجوب
العمل به؛ لأنه معصوم ويوحى إليه، ومن تلك الأحاديث التى يصححونها ولا عدالة لرواتها ولا اتصال لسندها حديث "غدير خم"(1) الذى يكاد
يكون عمدة المذاهب الشيعية كلها ودعامتها الأولى، والأساس الذى أقاموا عليه نظريتهم إلى الصحابة من تكفيرهم وسبهم ولعنهم ليل نهار،
وتابعهم على ذلك دعاة اللادينية(2)0
هذا الحديث هو عند أهل السنة حديث مكذوب لا أساس له باللفظ الذى يروونه عن طواغيتهم، الذين وضعوه ليبرروا به هجومهم وتجنيهم على
صفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين - رضى الله عنهم أجمعين- .
وبالنظر فى كتب الحديث النبوى عندهم؛ كالكافى، والاستبصار، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه(1) وغيرها، نجد رواياتها ليست كلها
متصلة من أصحابها إلى أئمتهم الذين وجدوا فى عصر النبى e فالأحاديث المدونة بها قد خلا أكثرها من الإسناد فنجد الروايات تذكر عن عدة
من أصحابنا، أو عن الإمام جعفر، ثم تعد هذه الأقوال أحاديث عن النبى e مع وجود الفارق الزمنى الكبير بين أصحاب هذه الروايات وبين النبى
e وهو فارق زمنى يصل إلى عدة قرون(2)0
وكان لهجومهم وتجنيهم على الصحابة الأثر الكبير فيما أثير حول السنة من شبهات، ولم لا ومروياتهم y لا تزن عندهم مقدار جناح بعوضة0
يقول الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء : والشيعة لا يعتبرون من السنة إلا ما صح لهم من طرق أهل البيت عن جدهم يعنى ما
رواه الصادق، عن أبيه الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن الحسين السبط، عن أبيه أمير المؤمنين، عن رسول الله e، أما ما يرويه مثل : أبى
هريرة، وسمرة بن جندب، ومروان بن الحكم، وعمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، ونظائرهم، فليس لهم عند الأمامية من الاعتبار مقدار
بعوضة، وأمرهم أشهر من أن يذكر(3) أ0هـ .

(1) انظر : فتح البارى 12 /296، 297 أرقام 6930-6932، وانظر : الفرق بين الفرق للبغدادى ص88، والملل والنحل للشهرستانى 1
/113 - 119، ومقالات الإسلاميين 1 /173 0
(2) انظر : فتح البارى 12 /297، 298 أرقام 6930 - 6932، وانظر : أصول علم الحديث بين المنهج والمصطلح للدكتور أبو لبابة حسين
ص 162-172 0
(1) عمران بن حطان : هو عمران بن حطان بكر الحاء وتشديد الطاء المهملتين السدوسى، سمع عائشة وابن عمر وابن عباس، روى عنه
يحيى بن أبى كثير، وكان رأساً فى الخوارج0 وقال العقيلى: لا يتابع على حديثه ووثقه العجلى، وقال قتادة: كان لا يتهم فى الحديث، وقال أبو
داود: ليس فى أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطان، وأبا حسان الأعرج، وذكره ابن حبان فى الثقات، مات سنة
184هـ له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1 /751 رقم 5168، والكاشف2 /92 رقم4262، ورجال صحيح البخارى للكلاباذى 2/574 رقم
904، والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسرانى1 /389 رقم 1484، والثقات للعجلى ص 373 رقم 1301، والثقات لابن حبان 5
/222، وانظر : حاشية ابن العجمى على الكاشف 2 /92، 93، والبيان والتوضيح لمن أخرج له فى الصحيح ومس بضرب من التجريح
للعراقى ص 189 رقم 291 0
(2) الحديث والمحدثون ص 86، وانظر : الملل والنحل 1 /115، 116 0
(3) يحيى بن أبى كثير : هو يحيى بن أبى كثير من موالى بنى طئ من أهل البصرة عالم أهل اليمامة فى عصره، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل
مات سنة 132هـ وقيل قبل ذلك0 له ترجمة فى : تقريب التهذيب 2 /313 رقم 7660، والثقات لابن حبان 7 /591، والتاريخ الكبير
للبخارى 4 /2 رقم 301، وصفوة الصفوة 4 /75 رقم 657، والكاشف 2 /373 رقم 6235، ومشاهير علماء الأمصار ص 224 رقم
1037 0
(4) فتح البارى 10 /302 رقم 5835 0
(5) انظر:صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه 10/296 رقم 5835 0
(6) انظر : المصدر السابق نفس الكتاب، باب نقض الصور 10 /398 رقم 5952 0
(1) الفرق بين الفرق للبغدادى ص 85، وانظر : مقالات الإسلاميين : 1 /204، والملل والنحل 1 /115، والخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية
للدكتور محمد عمارة ص 139 0
(2) السنة ومكانتها فى التشريع ص 131، 132 0
(3) الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 87 0
(1) السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للدكتور السباعى ص 133 بتصرف، وانظر : أصول علم الحديث بين المنهج والمصطلح للدكتور أبو
لبابة حسين ص 161-162 0
(2) الفرق بين الفرق للبغدادى ص 79، 85، 88، 92 0
(3) مقدمة الموضوعات لابن الجوزى ص38، 39، واللآلى المصنوعــة للسيوطى 2 /486، والمدخل للحاكم ص9 .
(4) الحديث سيأتى تخريجه وبيان وضعه فى شبهة عرض السنة على القرآن الكريم ص 224-227 0
(1) جامع بيان العلم وفضله 2 /191 0
(2) عون المعبود شرح سنن أبو داود 4 /329 0
(3) يحيى بن معين : هو يحيى بن معين بن عون المرى بالولاء البغدادى، أبو زكريا، الحافظ المشهور، كان إماماً عالماً ربانياً حافظاً متقناً
خبيراً بصحيح الحديث وسقيمه، مات سنة 233هـ0 له ترجمة فى : تقريب التهذيب 2/316 رقم 7679، والكاشف 2 /376 رقم 6250،
وتذكرة الحفاظ 2 /429 رقم 437، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 188 رقم 416، والثقات للعجلى ص 475 رقم 1826، والجرح والتعديل
9 /192، والإرشاد للخليلى ص 186، 187، ووفيات الأعيان 6 /139 رقم 791 0
(4) الخطابى : هو حمد ويقال أحمد بن إبراهيم بن خطاب البستى - نسبة إلى بست مدينة من بلاد كابل - أبو سليمان، كان أحد أوعية العلم فى
زمانه حافظاً فقيهاً، له من التصانيف النافعة الجامعة : معالم السنن وغريب الحديث، وإصلاح غلط المحدثين وغيرها، مات سنة 388هـ0 له
ترجمة فى : مرآة الجنان لليافعى 2 /435، وبغية الوعاة للسيوطى 1 /536 رقم 1143، وشذرات الذهب لابن العماد 3 /127، 128،
وتذكرة الحفاظ 3/1018 رقم 950، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 404 رقم 915، واللباب فى تـهذيب الأنساب 1 /151 0
(5) تذكرة الموضوعات ص 28 0
(6) المُبَرِّدُ : هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر أبو العباس، أديب، نحوى، لغوى، كان كثير الحفظ، غزير العلم، وثقة الخطيب وجماعة، من
مصنفاته المقتضب، والكامل فى الأدب، وغيرهما مات سنة 285هـ0 له ترجمة فى : لسان الميزان 6 /629 رقم 8264، وسير أعلام
النبلاء 13 /576 رقم 299، وطبقات المفسرين للراوى 2 /269 رقم 597، وشذرات الذهب 2/190، وإنباه الرواة للقفطى 1 /40، 48 0
(1) الكامل فى الأدب 2 /106 0
(2) أبو داود : هو سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو الأزدى الإمام العالم صاحب كتاب السنن، والمراسيل، والقدر، وغير ذلك، وهو أحد
أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وحفظاً ونسكاً وورعاً0 مات سنة 275هـ له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 2 /591 رقم 615، تـهذيب التهذيب 4
/169 رقم 298، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى 9/55 رقم 4638، ووفيات الأعيان 2 /138 رقم 258، والعبر فى خبر من غبر 1/396
رقم 275، وطبقات المفسرين للداودى 1 /207 رقم 195، والتقييد لمعرفة رواه السنن والمسانيد لابن نقطة ص 279 رقم 344، والبداية
والنهاية 11 /58 0
(3) الكفاية فى علم الرواية للخطيب البغدادى ص 130 0
(4) ابن تيمية : هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، الحرانى الدمشقى، الملقب بتقى الدين، المكنى بأبى العباس، الإمام المحقق
الحافظ المجتهد المحدث المفسر الأصولى الأديب النحوى القدوة الزاهد شيخ الإسلام، أما تصانيفه فإنـها تبلغ ثلاثمائة مجلد، منها : رفع الملام
عن الأئمة الأعلام، والصارم المسلول على منتقص الرسول، ومنهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة والقدرية، وغير ذلك0 مات سنة
727هـ0 له ترجمة فى:تذكرة الحفاظ 4 /1496 رقم1175، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 520 رقم 1142، وشذرات الذهب 6 /80،
والبدر الطالع للشوكانى 1 /63 رقم 40، والدرر الكامنة لابن حجر 1 /144 رقم 409، وطبقات المفسرين للداودى 1 /46 رقم 42، والبداية
والنهاية 14 /135 0
(5) المنتقى من منهاج الاعتدال ص 480 0
(6) المصدر السابق ص 22 0
(7) منهاج السنة 3 /31، وانظر: السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للدكتور السباعى ص81، 82، 83 بتصرف،وأصول علم الحديث بين
المنهج والمصطلح للدكتور أبو لبابة حسين ص158-161 0
(1) شرح القصيدة النونية للدكتور محمد خليل هراس ص 322 0
(1) فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام للدكتور غالب عواجى 1 /128 بتصرف0
(2) انظر : الفرق بين الفرق 215، والملل والنحل 1 /186، ومنهاج السنة 1 /7، وانظر : مختصر التحفة الإثنا عشرية للعلامة السيد محمود
الألوسى ص 317، 318 0
(1) الفرق بين الفرق ص 228 - 230، والملل والنحل 1 /186 0
(2) الفرق بين الفرق ص 242، والملل والنحل 1 /186 0
(3) فجر الإسلام للدكتور أحمد أمين ص 276، 277 بتصرف0
(4) الدفاع عن السنة، الجزء الأول من سلسلة الإسلام واستمرار المؤامرة للأستاذ الدكتور طه حبيشى ص 31 0
(5) القاموس المحيط 3 /46 0
(6) تاج العروس 5 /405 0
(7) الآية 69 من سورة مريم0
(8) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3 /131 0
(1) جزء من الآية 159 من سورة الأنعام0
(2) تفسير القرآن الحكيم - تفسير المنار 8 /214 0
(3) الآية 51 من سورة القمر0
(4) جامع البيان فى تأويل آى القرآن لابن جرير 27 /112 0
(5) الآية 15 من سورة القصص، وانظر : فتح القدير للشوكانى 4/164، وفرق معاصرة للدكتور غالب عواجى 1 /131، 132، وانظر :
أصول الرواية عند الشيعة الإمامية الإثنا عشرية للدكتور عمر الفرماوى ص 12 0
(6) حكيم بن أفلح : هو حكيم بن أفلح المدنى روى عن أبى مسعود، وعائشة وعنه والد عبد الحميد ابن جعفر0 مقبول له ترجمة فى : تقريب
التهذيب 1 /234 رقم 1471، والكاشف 1 /346 رقم 1195، تـهذيب التهذيب 2 /444 رقم 771، وميزان الاعتدال 1 /583، رقم 1214
(7) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض 3/279، 280 رقم 746 0
(8) انظر : الملل والنحل 1 /146، وفرق معاصرة 1 /132، 133، والشيعة الإثنا عشرية ومنهجهم فى التفسير للدكتور محمد العسال ص
19 - 23، وانظر : بقية التعريفات فى المصادر السابقة0

(1) الشيعة الإثنى عشرية ومنهجهم فى التفسير ص 461 بتصرف، وانظر : أصل الشيعة وأصولها لمحمد الحسين ال كاشف ص 68 - 74
0
(2) انظر فى : منـزلة الكتاب وصاحبه عند الشيعة، ومظاهر الغلو والضلال فى الكتاب، ما كتبه الدكتور على السالوس فى كتاب مع الشيعة
الإثنا عشرية فى الأصول والفروع 2 /173-197
(3) الآية 205 من سورة البقرة0
(4) تفسير القمى ص 61 0
(5) جزء من الآية 256 من سورة البقرة0
(6) جزء من الآية 257 من سورة البقرة0
(7) تفسير القمى ص 75، وانظر : الشيعة الإثنا عشرية ومنهجهم فى التفسير للدكتور محمد العسال ص462، 463، ومع الشيعة الإثنا
عشرية فى الأصول والفروع للدكتور على السالوس 2 /173 - 197 0
(8) الكافى كتاب الروضة 8 /168، 341 0
(9) الكافى كتاب الإيمان والكفر، باب صنوف أهل الكفر وذكر القدرية والخوارج 2 /400 رقم 4
(1) الموضع السابق 2 /410 رقم 5، وانظر : أصول الرواية عند الشيعة الأمامية الأثنا عشرية للدكتور عمر الفرماوى ص 192 0
(2) جزء من الآية 85 من سورة الإسراء0
(3) الفرق بين الفرق للإمام البغدادى ص 262 0
(1) الشيعة الإثنا عشرية ومنهجهم فى التفسير للدكتور محمد العسال ص 510 0
(2) منهاج السنة 1 /3، وانظر : أدلة على استمرار بعض غلاة الشيعة الجعفرية على موقفهم هذا من الأمة الإسلامية فيما كتبه أحد زعمائهم
فى العصر الحديث فى كتابه تحرير الوسيلة للخمينى 1 /118، 136، وانظر:فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وموقف الإسلام منها للدكتور
غالب عواجى 1 /264، 26، والسنة المفترى عليها للمستشار سالم البهنساوى ص 130، 131، والفتنة الخمينية حقيقة الثورة الإيرانية
للشيخ محمد عبد القادر ص 8، 9، 25، 26، 33، وانظر : خلاصة موقف الشيعة من حكام المسلمين قديماً وحديثاً، فى الخطوط العريضة
للأستاذ محب الدين الخطيب، فصل الشيعة والحكومات الإسلامية ص 43 - 64، والشيعة فى نقد عقائد الشيعة لـموسى جار الله ص 97،
وانظر خطــــرهم على الأمة الإسلامية قديماً وحديثاً فى الخطوط العريضة فصل (الشيعة والتاريخ) ص 73 - 77، وفرق معاصره 1
/262 .
(3) انظر : فى مكانة هذا الكتاب وصاحبه عن الشيعة فيما كتبه الدكتور على السالوس فى كتابه مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول
والفروع 2 /149 - 151 0
(1) انظر : تناقض معتدلى الجعفرية الذين تصدوا لحركة الغلاله منهم فى دعواهم تحريف القرآن الكريم فى كتابى الدكتور على أحمد السالوس
مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع فصل (القرآن والتحريف) 2 /55 - 159، وأثر الإمامة فى الفقه الجعفرى وأصوله ص138
-271، وانظر : الشيعة والتصحيح للدكتور موسى الموسوى ص130 - 136، وانظر : ما كتبه الأستاذ محمد مال الله فى هامش الخطوط
العريضة ص 29 وما بعدها، وانظر : رجال الشيعة فى الميزان عبد الرحمن الزرعى ص 155 0
(2) الكافى 1 /289، وانظر : الخطوط العريضة للأستاذ محب الدين الخطيب ص 35 0
(3) صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم للعلامة أبو الحسن الندوى ص 84 : 88، وانظر : الخطوط العريضة للأستاذ محب الدين
الخطيب ص10 : 15، ومختصر التحفة الإثنا عشرية للعلامة السيد محمود الألوسى ص 30، 50، 82، وفرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام
للدكتور غالب عواجى 1 /230، 239 0
(4) الشيعة الإثنا عشرية ومنهجهم فى التفسير للدكتور محمد العسال ص89، وانظر : مختصر التحفة الإثنا عشرية ص 47 0
(1) البداء: هو أن الله عز وجل يبدو له غير الذى كان أراده، فيرجع عن إرادته إلى الذى بدا له من بعد؛ تعالى الله عما يقولون، انظر:مختصر
التحفة الإثنى عشرية للعلامة السيد محمود الألوسى ص21، وفرق معاصرة للدكتور غالب عواجى 1 /254، والشيعة والتصحيح للدكتور
موسى الموسوى ص 146-151، والنسخ والبداء فى الكتاب والسنة لمحمد حسين العاملى ص28 وما بعدها 0
(2) مختصر التحفة الإثنى عشرية للعلامة السيد محمود الألوسى ص 21، وانظر : أثر الإمامة فى الفقه الجعفرى وأصوله للدكتور على أحمد
السالوس ص 274، 275، وأصول الحديث للدكتور عبد الهادى الفضلى ص 106 0
(1) وخلاصة هذا الحديث : أن النبى e فى رجوعه من حجة الوداع جمع الصحابة فى مكان يقال له "غدير خم" مكان بين مكة والمدينة، وأخذ
بيد على t ووقف به على الصحابة جميعاً وهم يشهدون وقال : "هذا وصيى وأخى والخليفة من بعدى فاسمعوا له واطيعوا" والحديث بـهذه
الرواية التى انفرد بـها الرافضة مكذوب وأصل الحديث كما فى صحيح مسلم من رواية زيد ابن أرقم t قال : "قام رسول الله e يوماً فينا
خطيباً0 بماء يدعى خـما -بين مكة والمدينة- فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر0 ثم قال : "أما بعد0 ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن
يأتى رسول ربى فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور0 فخذوا بكتاب الله0 واستمسكوا به" فحث على كتاب الله
ورغب فيه0 ثم قال : "وأهل بيتى0 أذكركم الله فى أهل بيتى0 أذكركم الله فى أهل بيتى0 أذكركم الله فى أهل بيتى ... الحديث" أخرجه مسلم (
بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل على بن أبى طالب t 8 /190 رقم 2408 0 هذا هو أصل الحديث كما فى صحيح
السنة، والحديث برواية الرافضة يشهد على نفسه بالبطلان فالحديث يصرح بالخلافة للإمام على -كرم الله وجهه- على مشهد من الصحابة
جميعاً، ومثل هذا تتوافر الدواعى على نقله ويشتهر، فى حين أن هذا النص بالخلافة للإمام على لم يبلغه أحد بإسناد صحيح0 قال الإمام بن
تيمية فى فصل (الطرق التى يعرف بـها كذب المنقول) ما ينفرد به، ويتضمن أمراً تتوافر الدواعى على نقله قال : "ومن هذا الباب نقل النص
على خلافة على، فإنا نعلم أنه كذب من طرق كثيرة، فإن هذا النص لم يبلغه أحد بإسناد صحيح فضلاً عن أن يكون متواتراً كما تزعم الرافضة،
ولا نقل أن أحداً ذكره على جهة الخفاء، مع تنازع الناس فى الخلافة وتشاورهم فيها يوم السقيفة، وحين موت عمر وحين جعل الأمر شورى
بينهم فى ستة، ثم لما قتل عثمان واختلف الناس على على، فمن المعلوم أن مثل هذا النص لو كان كما تقوله الرافضة من أنه نص على علىّ
بن أبى طالب نصاً جلياً قاطعاً للعذر وعلمه المسلمون، لكان من المعلوم بالضرورة فى مثل هذه المواطن التى تتوافر الهمم على ذكره فيها
غاية التوفر، فانتفاء ما يعلم أنه لازم يقتضى انتفاء ما يعلم أنه ملزوم" أ0هـ من منهاج السنة لابن تيمية 4 /118، وانظر : للاستزادة فى
الرد على استدلالات الرافضة بروايات الحديث فيما كتبه الدكتور على السالوس فى كتابيه مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع 1
/96-162، وأثر الإمامة فى الفقه الجعفرى وأصوله ص 78-136، وانظر: مختصر التحفة الإثنى عشرية لألوسى ص 123، 176، 208،
219، والعواصم من القواصم لابن العربى ص 183، والمؤتمر العالمى الرابع للسيرة والسنة بحث الدكتور على السالوس حديث الثقلين وفقهه
2 /701 - 725 والشيعة والتصحيح للدكتور موسى الموسوى ص 8-50، ونظام الخلافة بين أهل السنة والشيعة للدكتور مصطفى حلمى
ص 33-223 .
(2) انظر : مجمع البيان فى تفسير القرآن للفضل بن الحسن الطبرسى 6 /152، والميزان فى تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائى 6 /42،
وأصل الشيعة وأصولها محمد الحسين آل كاشف ص48، ومصباح الهداية فى إثبات الولاية على الموسوى ص 190 وما بعدها التبيان فى
تفسير القرآن محمد بن الحسن الطوسى 3 /587، والمراجعات عبد الحسين شرف الدين ص 51، والغدير فى الكتاب والسنة والأدب عبد
الحسين الأمينى 1 /21، 216، 223، 225، وكشف اليقين فى فضائل أمير المؤمنين الحسن بن المطهر الحلبى ص 254، 293، 471 = =
وما بعدها، ومعالم المدرستين لمرتضى العسكرى المجلد 1 /493، الشيعة فى عقائدهم وأحكامهم لأمير محمد القزوينى ص 71، والنص
والاجتهاد لعبد الحسين شرف الدين ص 347، ونظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية فى الإسلام لأحمد حسين يعقوب ص 247 -
256، ولماذا أنا شيعى محمد حسين الفقيه ص 36، لقد شيعنى الحسين أدريس الحسينى ص 358 - 367، الإفصاح فى إمامة على بن أبى
طالب لمحمد بن النعمان العكبرى ص 15-18، والسنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال البنا ص 25، وإعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد ص
97، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 258 وغيرهم0
(1) انظر : فى مكانة هذه الكتب وأصحابـها، وما فيها من غلو كتابى الدكتور على السالوس (مع الشيعة الإثنى عشرية) 3 /135-240،
وأثر الإمامة فى الفقه الجعفرى وأصوله ص 290-361
(2) السنة المفترى عليها للالمبحـث الرابـع
موقفنـا من الحركـة الاستشراقيـة والمستشرقيـن

عرفنا مما سبق أن الاستشراق وليد من عصبية وحقد النصارى للإسلام ولأمتنا الإسلامية، وحتى بعد تطوره إلى العلمانية، لم
يخرج عن هذه العصبية، وارتبط ارتباطاً وثيقاً أولاً بالتبشير اللاهوتى، ثم ثانياً بالاستعمار ولم ينفصل عنهما معاً، وتكاتلت تلك الجيوش الثلاثة
من أجل محاربة الإسلام والمسلمين، وتحقيق مصالحهم وأطماعهم، وعرفنا أن منهج الاستشراق بعيد كل البعد عن المنهج العلمى النزيه فى
دراسته للإسلام والمسلمين0

وإذا كان للحركة الاستشراقية أثر كبير فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين فى العالم العربى، وأثر أخطر فى أجيال من أبناء
جلدتنا ممن وقعوا فى شباكهم؛ ففسدت عقائدهم وعملوا على إفساد عقائد المسلمين، من أجل هذا كان لابد وأن يكون للمسلمين موقف من هذه
الحركة الاستشراقية، ومن أنصارها الذين تعصبوا لها وخدعوا بما زعمه أعداء الإسلام من التزامهم الموضوعية فى الكتابة، وصدقوا ما كتبوه
من أباطيل ضد الإسلام، واعتمدوا على مؤلفاتهم فى كتاباتهم عن الإسلام فى التفسير، أو الحديث، أو السيرة، أو التاريخ …إلخ0 وراجت
مؤلفات هؤلاء الأنصار بين شباب المسلمين مع ما فيها من دسائس، ودس للسم فى العسل0

ولهؤلاء ولمن يقرأون لهم نقول كما قال الأستاذ محمد سرور بن نايف:"لا يجوز أن يعتمد المسلمون فى فهم دينهم على كتب المستشرقين
مهما قيل فى مدحهم والثناء عليهم، والإشادة بحيادهم( )0

نعم، قد نلقى بعضهم منصفاً معتدلاً غير متحامل ولا متعصب، ولكنه شاذ لا يقاس عليه0 وإن كانت معظم كتاباتهم المعتدلة تتركز فى تاريخ
العلوم التجريبية عند المسلمين،وأثر المسلمين فى هذا المجال لا ينازع فيه إلا مكابر، وهم فى هذا لم يأتوا بجديد غير إحقاق الحق، ومن هذا
القبيل كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب للمستشرق زغريد هونكة)0

أما العلوم الشرعية؛فلا نكاد نجد لها منصفاً لخطورتها،وأهميتها فى حياة الإنسان، ولأن العلوم الشرعية هذه مرتبطة برسالة
الإسلام،الدعوة العالمية للتوحيد،وإقامة منهج الله  على الأرض، وهذا بلا ريب يهدد معاقل الشرك والوثنية أينما كانت، فلا
عجب حينئذ أن ينتشر جنود إبليس للتصدى لهذه الدعوة، والنيل منها بكل وسائل التسفيه والتشكيك( )0
وكتب المستشرقين التى مدحوا من أجلها0
إما مصنفات مستقلة عبارة عن بحوث ودراسات، تتعلق بالحضارة الإسلامية، والفقه الإسلامى، وتاريخ الأدب العربى، وتاريخ الحديث الشريف
وغيرها0 وهذه مصنفات طافحة بالدس والتشويه، وهى منحرفة كلياً عن منهج البحث السديد0

وإما مصنفات مبنية على مصنفات أخرى كفهارس القرآن الكريم، وفهارس كتب الحديث؛ فهى جهود محمودة، ولكنها غير
إبداعية؛ لأنهم مسبوقون إليها من أئمتنا المتقدمون - رضوان الله عليهم( ) - وهذا لا يعنى انتقاص قيمة هذا العمل، فهو حقاً عمل رائع،
ولكنه نال من الثناء أكثر مما يستحق، لأنه لو قام به جماعة من المسلمين فى نفس الظروف التى أُنجز فيها هذا العمل الكبير لأتوا بمثله أو
أحسن منه، ولنا فى الأعمال الفردية التى قام بها بعض علمائنا الأجلاء قديماً وحديثاً خير دليل على ذلك( )0

وأما عملهم فى تحقيق كتب التراث؛ فهو أيضاً نال من المديح أكثر مما يستحق، فهم منذ بدأوا جريمتهم بسرقة المخطوطات
الإسلامية من الشرق بدأً منذ عام 1311م واستولوا على كل المخطوطات الموجودة فى المساجد والزوايا، حتى جمع أحد الرهبان (زانسى)
ستة آلاف مخطوط من الشرق نقلها إلى ميلانو، وتوالت بعثات الاستعمار والفاتيكان إلى العالم الإسلامى لجمع المخطوطات، كان هدفهم هو "
حبس التراث الإسلامى فى مكتبات الغرب واتخاذه سلاحاً ضد المسلمين، فهم يبرزون الكتب التى تثير الفتن والنزاع بكل صوره الفكرى والمذهبى
والسياسى؛ ككتب الفرق، والخلاعة، والمجون، والتصوف الفلسفى، ويخفون كتب العلوم، فيأخذون نظرياتها، وينسبونها إلى أنفسهم وعلمائهم،
ويحرمون أصاحبها منها( )0

ومعظم الكتب التى حققها المستشرقون وأعادوا كتابتها كانت تستهدف إذاعة آراء معينة وتيارات مضللة تفقدنا الثقة بعقيدتنا
وماضينا، وحضارتنا، وقادتنا، ولذلك فإنه لا يمكن القول بأن هذه الكتب قد طبعت، أو حققت لخدمة الأدب العربى، أو اللغة العربية، ومن هذه
الكتب : ألف ليلة وليلة، والأغانى، وأخبار الحلاج، ورسائل إخوان الصفا … إلخ( )0

يقول الدكتور عبد العظيم الديب : "إن عنايتهم بالتراث كانت وما زالت وستظل من باب (اعرف عدوك)،فهذه الكتب التراثية هى
الخرائط،والصور لعقولنا، وعواطفنا، ومشاعرنا، واتجاهاتنا، واهتماماتنا، وحبنا، وبغضنا، وغضبنا، ورضانا0 فهى المفاتيح التى عرفوا بها
كيف يخططون لتدميرنا ثقافياً،واجتماعياً،وفكرياً،وعلمياً،بعدما حطمونا عسكرياً وسياسياً"( )0

وليس معنى هذا تسفيه كل جهودهم فى تحقيق كتب التراث، فالإنصاف يقتضى ألا نغمط الناس حقهم، على أن لا نقوم بتمجيدهم
صباح مساء كما يفعل المستغربون من أبناء أمتنا ظناً منهم أنه عمل فى قمة التفوق والإبداع، غير مسبوقين فيه، على ألا يغيب عن ذهننا أنهم
ما صنعوا فهارس القرآن الكريم، وفهارس كتب الحديث، وحققوا كتب التراث؛ إلا إطفاءً لنور الإسلام"( ) ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره
المشركون وصدق ربنا  : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ( )0

وحسبنا دليلاً على عدم الاعتماد فى فهم ديننا على كتب المستشرقين؛ أنهم ليسوا من أهل العدالة والتى على رأس شروطها
الإسلام0وقد قال رب العزة وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ( ) وقال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا( ) فإذا كان خبر
المسلم الفاسق مردود على صحة اعتقاده، فخبر الكافر من المستشرقين أولى بالرد0

وحسبنا أيضاً دليلاً على عدم الاعتماد فى فهم ديننا وتاريخنا على كتب المستشرقين، أن المعتدل منهم وإن كان ظاهره الإنصاف للإسلام
والمسلمين فى العلوم الشرعية؛ فقد دس السم فى الدسم0

والدسم هنا هو باب التقدير والثناء والمدح، يدخل من هذا الباب وهو يكتب عن الإسلام ونبيه  حتى يخدع القارئ ويكسب ثقته،
ثم لا يلبث بعد ذلك أن يثير شبهات خفية متتالية فى إطار هذا المديح الكاذب، كل ذلك دون منهج موضوعى يتحرر فيه من أهوائه ورواسبه
الموروثة ويلتزم فيه النقد التقويمى ونزاهة البحث، وهذا أسلوب جديد حرص عليه المستشرقون فى هجومهم على الإسلام بعدما تبين لهم فشل
أو ضعف تأثير الهجوم على الإسلام ومصادره بعنف دون مواربة أو حيلة( ) أ0هـ0

فالواجب يقتضى من المسلم أن يحذر السير وراء أقوال معسولة، وآراء مغرية، ومواقف خادعة، يمكن أن تخدع عقول البسطاء
من المسلمين، وتؤثر على اقتناعهم بأن المستشرقين يمدحون الإسلام، أو يمدحون النبى  ، ويثنون على صفاته، ويعدون شخصيته  فى
مقدمة المصلحين وعباقرة العالم، فقد تظاهر بعضهم بالإسلام وتزيا بزى العلماء حين زار العالم الإسلامى كما فعل صنمهم الأكبر "جولد
تسيهر" اليهودى المجرى، وسنوك هرجونيه المستشرق الهولندى، وتقدم آخرون ببحوث مجمعية لينخرطوا بين المجمعيين، فتصبح آراؤهم
موضع القبول والرضا، وأثبتت الدراسات أن ربع أعضاء المجامع العلمية فى القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت من هؤلاء المستشرقين، والأزمة
الفكرية التى اختلقها (مرجليوث)( ) فى اصطناع الشعر الجاهلى، والفساد العقائدى الذى نشره (لرى ماسينون) حول القرآن وعامية العربية فى
القاهرة، وما كتبه جولد تسيهر وشاخت وغيرهم عن السنة المطهرة لا تزال آثاره ماثلة للعيان0

فلا يفرح مسلم من ثناء مستشرق على الإسلام أو الرسول ، ويعد هذا كسباً للعلم والتاريخ، فإن هذا قد يكون مرحلة من
مراحل التغريب فى العقيدة والفكر، وأسلوباً من أساليب المكر والخديعة( )0

يقول الدكتور محمد حسين : "لذلك كان من الواجب على المسلمين أن يدركوا إدراكاً واضحاً أن البحوث الإسلامية التى يكتبها
المستشرقون هى بحوث موجهة ضد الإسلام والمسلمين، فتمجيد الإسلام فى كتب المستشرقين يقصد به خلق جوٍ من الاطمئنان إلى نزاهة
الفكر الغربى من ناحية، ومقابلة هذه المجاملة من جانب المستشرقين بمجاملة مثلها من جانب المسلمين للقيم الغربية، ويقصد بذلك أيضاً أن
يقوم تفاهم بين الشرق والغرب، ودعوة الباحثين من المسلمين فى مؤتمراتهم، وفى غيرها من الكتب والبحوث الإسلامية، بقصد المعاونة فى
تحقيق التقارب بين الثقافتين، ومزج إحداهما بالأخرى، وبالطبع مزج الفكر الفلسفى اليونانى الغربى بالفكر الإسلامى العربى، والنتيجة الطبيعية
لهذا المزج الخروج بفكر منحرف مجافٍ لإسلامنا وحضارتنا تماماً كما حدث مع أصحاب الفرق من المعتزلة والمتكلمين وغيرهم ممن تأثروا
بالفكر الفلسفى اليونانى والفارسى والهندى، وخرجوا بأصول ومناهج كان لها أثرها السئ فيما أثير حول السنة من شبهات( )0
فكثير من المستشرقين المعتدلين لم تكن كتاباتهم إنصافاً للإسلام والمسلمين، وإنما مرحلة جديدة من مراحل تغريب الأمة
الإسلامية فى عقيدتها وفكرها بأسلوب ماكر خبيث ينخدع به المفتونون بهم0

يقول الأستاذ محمد سرور بن نايف : "وأتحدى أن يكون هناك مستشرق منصف فيما يكتب عن الإسلام والمسلمين"( )0

ويؤكد ذلك الأستاذ محمد أسد بقوله : "صورة مشوهة للإسلام وللأمور الإسلامية تواجهنا فى جميع ما كتبه مستشرقوا أوربة"(
)0

فلو أخذنا مثلاً "بروكلمان"( ) فى كتابيه (تاريخ الأدب العربى) و (تاريخ الشعوب الإسلامية) وهما من المراجع المهمة عند كثير
من المتخصصين بعلم التاريخ؛ لأنهما فى نظرهم من المراجع الهامة التى أدت ولازالت تؤدى خدمات جليلة للباحثين فى شتى مجالات العلوم
العربية والإسلامية( )0 لو قرأنا بإمعان هذين الكتابين واللذين هما فى نظر المنتصرين للمستشرقين من المراجع الهامة فى التعريف بإسلامنا
وتاريخنا، وصاحبه من المعتدلين، لرأينا أن صاحبه صليبى، حاقد على الإسلام والمسلمين، وقد تجاوز كل حد فى شططه عن الحق وإعراضه
عن الصواب، وبعده عن الموضوعية والتحرر، ولم يترك مركباً للدس والتضليل إلا امتطاه، وذلك بترديده أقوال من سبقه من المستشرقين،
ولكن بأسلوب ماكر دس فيه السم بالدسم0 فى كل ما كتبه عن القرآن الكريم والسنة المطهرة والنبى  وصحابته الكرام0

فكارل بروكلمان وهو يتحدث عن نبوة محمد ، يردد أكاذيب وأباطيل سلفه من اليهود والنصارى فيقول : "وتذهب الروايات إلى
أنه اتصل فى رحلاته ببعض اليهود والنصارى، أما فى مكة نفسها فلعله اتصل بجماعات من النصارى كانت معرفتهم بالتوراة والإنجيل هزيلة
إلى حد بعيد( )، وعن الوحى يردد أكاذيب سلفه؛ بأنه وحى نفسى قائلاً : "لقد تحقق عنده – أى عند الرسول  - أن عقيدة مواطنيه الوثنية
فاسدة فارغة، فكان يضج فى أعماق نفسه هذا السؤال : إلى متى يمدهم الله فى ضلالهم، ما دام هو  قد تجلى، آخر الأمر، للشعوب الأخرى
بواسطة أنبيائه؟! وهكذا نضجت فى نفسه الفكرة أنه مدعو إلى أداء هذه الرسالة، رسالة النبوة( )0

ولا ننسى المستشرق (موريس بوكاى) فى كتابه : "دراسة الكتب المقدسة فى ضوء المعارف الحديثة، فشهادته بصدق القرآن بقوله : "إن
القرآن لا يحتوى على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم فى العصر الحديث"( ) وعلى الرغم من أن كلامه على القرآن الكريم لا يسلم
من المآخذ، إلا أننا نراه فى موقفه من السنة المطهرة يردد أقوال من سبقه من المستشرقين مشككاً فى صحة نقلها وحجيتها، كقوله : "فقد
كتبت أولى الأحاديث بعد عشرات من السنوات من موت محمد  مثلما كتبت الأناجيل بعد عشرات السنوات من انصراف المسيح، إذن فالأحاديث
والأناجيل شهادات بأفعال مضت) ( )0 ثم وصفة لكلام النبى ؛ بأنه كلام بشر قد يخطئ ويصيب …( )، وأن هناك مبادئ للقرآن صريحة فى
الأمر دائماً بالرجوع إلى العلم والعقل فى الحكم على الأحاديث( )0

إلى غير هؤلاء من المستشرقين الذين وصفوا بإنصاف الإسلام ونبيه ( )؛ لأنهم وصفوه ومجدوه بالعبقرية، وبأن دعوته حركة
إنسانية إصلاحية، وانخدع بذلك بعض المسلمين غافلين عن السم الذى وراء هذا الدسم (الثناء والمدح)، وهو تجريد النبى  من النبوة، ومن
مزية أن القرآن الكريم والسنة النبوية وحى من عند الله  وأن رسالته  ربانية صالحة لكل زمان ومكان إلى يوم الدين، وليست حركة
إصلاحية إنسانية لم تعد صالحة فى عصرنا هذا، كما يهدف أعداء الإسلام ومن اغتر بهم0

يقول الأستاذ محمد سرور بن نايف -بعد أن تحدى أن يكون هناك مستشرق منصف فيما يكتب عن الإسلام والمسلمين- قال :
"بل لا يجوز الاعتماد فيما نكتبه عن الإسلام على أقوال المستشرقين ولو كانوا مسلمين وذلك للأسباب التالية :
1- ثبت أن نفراً منهم : أسلم خلال وجوده فى بلدان العالم الإسلامى لغاية فى نفوسهم، وارتدوا عن الإسلام عندما عادوا إلى أوطانهم وأدوا
الدور الذى كان مطلوباً منهم0
2- وبعضهم : كان متخصصاً بالعلوم الفلسفية، واطلع خلال بحثه على مؤلفات ابن عربى وغيره من غلاة الصوفية الذين يؤمنون بالحلول،
ووحدة الوجود، أو اطلع على مؤلفات الشيعة والمعتزلة والمتكلمين وباقى الفرق المنتسبة إلى الإسلام، ثم راحوا يكتبون عن الإسلام من خلال
تلك الفرق التى أشربوا حبها ووصفوها بأنها صاحبة فكر عقلى ثورى تحررى - مع خروج غلاتها عن الإسلام0
3- وآخرون منهم : مزجوا بين الإسلام وعادات وتقاليد الغربيين، وهذا المزيج المشوه أسموه إسلاماً، ومن سلم من هذه الانحرافات من
المستشرقين( ) لا يستطيع الكتابة بعمق وشمولية عن العقائد الإسلامية أو غيرها من بقية العلوم والمعارف الإسلامية، وهذا ما اعترفت به
إحدى المجلات التبشيرية الألمانية قائلة : "إنه رغماً من اطلاع المستشرقين الألمانيين وطول باعهم فى المؤلفات الإسلامية؛ فإن التعليم
والعقائد التى تلقى فى المساجد والمعاهد الإسلامية لم تزل خافية علينا"( ) إن العلوم الإسلامية لها رجالها الذين حفظ الله  بهم دينه، وفى
طليعتهم الصحابة –رضوان الله عليهم- والتابعون ومن بعدهم من الأئمة الجهابذة – رضوان الله عليهم أجمعين -( )0
4- هذا بالإضافة إلى جهل معظمهم باللغة العربية ولأبعادها ومراميها، بل إن بعضهم كان لا يعرف كلمة واحدة من اللغة العربية من أمثال "
سلفتردى ساس"، و "أليس عرينان" و"جيراردمتر"( )0
يقول الدكتور السباعى : "وفى جامعة أكسفورد وجدنا رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية فيها يهودياً يتكلم العربية ببطء
وصعوبة، وكان أيضاً يعمل فى دائرة الاستخبارات البريطانية فى ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وهناك تعلم العربية، وتلك هى مؤهلاته التى
بوأته هذا القسم، ومن العجيب أنى رأيت فى منهاج دراساته التى يلقيها على طلاب الاستشراق : تفسير آيات من القرآن الكريم من الكشاف
للزمخشرى "أى والله وهو لا يحسن فهم عبارة بسيطة فى جريدة عادية" ودراسة أحاديث من البخارى ومسلم، وأبواب من الفقه فى أمهات كتب
الحنفية والحنابلة، وسألته عن مراجع هذه الدراسات؛ فأخبرنى أنها من كتب المستشرقين أمثال : جولدتسيهر، ومرجليوث، وشاخت، وحسبك
بهؤلاء عنواناً على الدراسات المدخولة المدسوسة الموجهة ضد الإسلام والمسلمين"( )0

يقول الأستاذ سرور : "ليكتب إخواننا المستشرقون المسلمون عن فساد الحضارة الأوربية،وعن انهيار وتفكك الأسرة
الغربية،وليقدموا لنا دراسات وأبحاثاً عن عقائد وتصورات المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى، وعن الخرافات والأساطير التى
اتخذوها ديناً، وليكشفوا فضائح المستشرقين، وفساد مناهجهم، وليترجموا أمهات الكتب الإسلامية إلى الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية
وغيرها من اللغات التى يجيدونها،وليكونوا دعاة إلى الله فى أقوامهم،وليحرصوا على دراسة الإسلام وفهمه فهماً صحيحاً ليس فيه أى غلو أو
انحراف، وليعيدوا النظر فى جميع التصورات والمفاهيم المشوهة عن الإسلام التى سبق وأخذوها عن بنى قومهم0 هذا ما ننصحهم به ورحم
الله  امرءاً عرف قدر نفسه أ0هـ( )0

وإذا كان ما سبق بيان لموقف المسلمين من كتابات المستشرقين وعدم الاعتماد عليها فى فهم ديننا، ولا الاعتماد عليها فيما
نكتبه عن الإسلام ومصادره من قرآن، وسنة، وسيرة، وتاريخ … إلخ0 حتى لو كان هؤلاء المستشرقين مسلمين للأسباب السابقة0 فإن هذا
لا يعنى أن نلقى تلك الكتابات بعيداً، ونقول : إنها كلام فارغ … صحيح أن فيه كذباً وتضليلاً : صحيح أنه صادر عن حقد عميق، ولكنه ليس
كلاماً فارغاً، ولا يخدمنا فى شئ أن نلقيه بعيداً، ثم نجر اللحاف وننام … لأن هذا "الكلام الفارغ" هو الحديد والنار اللذان يحاربنا بهما أعداؤنا
فى بلادهم وبلادنا0 والحديد والنار لا يقابلان إلا بالحديد والنار، وفى ميدان العلم0 الحديد والنار، هما العمل، والعمل الطويل نواجه به مكر
أعدائنا فإذا كان أعداؤنا يعملون بتخطيط ومكر، فعلينا أن نخطط ونمكر لنفسد عليهم خططهم ومكرهم0 وإذا كانوا يكتبون عن الإسلام
والمسلمين "كلاماً فارغاً … فلنشمر نحن عن سواعدنا ولنكتب نحن الشئ المليان أداءً للأمانة التى حملنا الله  إياها فى أعناقنا بتبليغ رسالته
إلى خلقه كافة0 كما قال  : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( ) أ0هـ0

ار البهنساوى ص 136 بتصرف، وانظر : أثر الإمامة فى الفقه الجعفرى وأصوله ص 276-282 0
(3) أصل الشيعة وأصولها ص 79، 80، وانظر : أصول الرواية عند الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، للدكتور عمر الفرماوى ص 87 0

والله أعلـم

====
7


أساليب الشيعة فى العبث بالسنة المطهرة :
تعد الشيعة الرافضة من أكثر الفرق كذباً على رسول الله e بل وعلى آل البيت أيضاً0
وفى ذلك يقول الإمام ابن تيمية : [ومن تأمل كتب الجرح والتعديل رأى المعروف عند مصنفيها بالكذب فى الشيعة أكثر منه فى جميع الطوائف]
(1)0
وسئل الإمام مالك عن الرافضــة فقال : "لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون"(2) ويقول شريك بن عبد الله القاضى -وقد كان معروفاً
بالتشيع مع الاعتدال فيه-(3) : "احمل عن كل من لقيت إلا الرافضة؛ فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه ديناً"(4)0
وقال حماد بن سلمة(5) : حدثنى شيخ لهم - يعنى الرافضة - قال : "كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئاً جعلناه حديثاً(6).
وقال الإمام الشافعى(7) : "ما رأيت فى أهل الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة"(8).
ولقد أخذ هؤلاء المتشيعون أعداء الإسلام يصنعون الأحاديث فى أغراض شتى حسب أهوائهم ونحلهم، فمن ذلك أحاديث وضعوها فى فضائل
الإمام على -كرم الله وجهه- وآله الكرام كحديث "من أراد أن ينظر إلى آدم فى علمه - وإلى نوح فى تقواه وإلى إبراهيم فى حلمه، وإلى
موسى فى هيبته، وإلى عيسى فى عبادته فلينظر إلى على"(1) و"أنا ميزان العلم وعلى كفتاه، والحسن والحسين خيوطه، وفاطمة علاقته،
والأئمة منا عموده توزن فيه أعمال المحبين لنا والمبغضين لنا"(2) إلى غير ذلك من روايات مكذوبة تثبت النبوة لعلى طوراً، والخلافة
والوصية بها طوراً آخر على حسب عقائد الوضاعين وآرائهم(3)0
وكما وضعوا الأحاديث فى فضل على وآل البيت، وضعوا الأحاديث فى ذم الصحابة؛ وخاصة الشيخين وكبار الصحابة، حتى قال ابن أبى
الحديد(4) وهو شيعى معتزلى : "فأما الأمور المستبشعة التى تذكرها الشيعة من إرسال قنفذ إلى بيت فاطمة، وأنه ضربها بالسوط، فصار فى
عضدها كالدملج، وأن عمر ضغطها بين الباب والجدار، فصاحت : يا ابتاه وجعل فى عنق علىّ حبلاً يقاد به، وفاطمة خلفه تصرخ، وابناه
الحسن والحسين يبكيان ... ثم أخذ ابن أبى الحديد فى ذكر الكثير من المثالب، ثم قال: فكل ذلك لا أصل له عند أصحابنا، ولا يثبته أحد منهم، ولا
رواه أهل الحديث ولا يعرفونه، وإنما هو شئ تنفرد الشيعة بنقله(5) وكذلك وضعوا الأحاديث فى ذم معاوية t إذا رأيتم معاوية على منبرى
فاقتلوه"(6) وفى ذم معاوية وعمرو بن العاص-رضى الله عنهما-"اللهم أركسهما فى الفتنة ركساً ودعهما فى النار دعا(7)"
وهكذا أسرف غلاة الشيعة الرافضة فى وضع الأحاديث بما يتفق مع أهوائهم، والتى بلغت من الكثرة حداً مزعجاً0 حتى قال الخليلى(1) فى
الإرشاد : "وضعت الرافضة فى فضائل على وأهل بيته نحو ثلاثمائة ألف حديث"(2) ومع ما فى قوله من المبالغة فإنه دليل على كثرة ما
وضعوا من الأحاديث0
ويكاد المسلم يقف مذهولاً من هذه الجرأة البالغة على رسول الله e لولا أن يعلم أن هؤلاء الرافضة أكثرهم من الفرس الذين تستروا بالتشيع
لينقضوا عرى الإسلام، أو ممن أسلموا ولم يستطيعوا أن يتخلوا عن كل آثار ديانتهم القديمة، فانتقلوا إلى الإسلام بعقلية وثنية لا يهمها أن
تكذب على صاحب الرسالة e لتؤيد حباً ثاوياً فى أعماق أفئدتها، وهكذا يصنع الجهال والأطفال حين يحبون وحين يكرهون0
وقد ضارعهم الجهلة من أهل السنة، فقابلوا -مع الأسف- الكذب بكذب مثله وإن كان أقل منه دائرة وأضيق نطاقاً(3) ومن ذلك حديث "ما فى
الجنة شجرة إلا مكتوب على ورقة منها لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين"(4) .
كذلك قابلهم المتعصبون لمعاوية والأمويين، فوضعوا أحاديث مثل قولهم "الأمناء ثلاثة، أنا وجبريل ومعاوية"(5) و"لا افتقد فى الجنة إلا معاوية
فيأتى آنفاً بعد وقت طويل، فأقول : من أين يا معاوية، فيقول من عند ربى يناجينى وأناجيه، فيقول : هذا بمانيل من عرضك فى الدنيا"(6).
وكذلك فعل المؤيدون للعباسيين فوضعوا إزاء حديث وصاية على المكذوب وصاية العباس ونسبوا إلى النبى قوله : "العباس وصيى ووارثى"(1)
إلى غير ذلك من الأكاذيب والتى طفحت بها كتب الموضوعات0
ولولا رجال صدقوا فى الإخلاص لله U، ونصبوا أنفسهم للدفاع عن دينهم، وتفرغوا للذب عن سنة رسول الله وأفنوا أعمارهم فى التمييز بين
الحديث الثابت وبين الحديث المكذوب، وهم أئمة السنة وأعلام الهدى - لولا هؤلاء لاختلط الأمر على العلماء والدهماء، ولسقطت الثقة
بالأحاديث(2) نتيجة حركة الوضع التى كثرت فى أهل البدع والأهواء والجهلة من أهل السنة، إلا أنه تبدوا خطورة الكذب على رسول الله e من
أهل البدع بسبب أهدافهم الخبيثة للنيل من الإسلام وتشويه صورته بما يضعونه من خرافات0
فالجهلة من أهل السنة؛ وإن قابلوا مع الأسف كذب الشيعة بكذب مثله، إلا أنهم لم يحاولوا العبث والكيد للسنة المطهرة كما فعل الشيعة، وهذا
لا ينفى عن الوضاعين من الفريقين إثم الكذب على رسول الله e.
وعن مكايد الشيعة للسنة ومحاولاتهم العبث بها يقول العلامة الألوسى(3) :
1- إن جماعة من علمائهم اشتغلوا بعلم الحديث أولاً، وسمعوا الأحاديث من ثقات المحدثين من أهل السنة فضلاً عن العوام. ولكن الله سبحانه
وتعالى قد تفضل على أهل السنة، فأقام لهم من يميز بين الطيب والخبيث، وصحيح الحديث وموضوعه، حتى أنهم لم يخف عليهم وضع كلمة
واحدة من الحديث الطويل0
2- ومن مكايدهم أنهم ينظرون فى أسماء الرجال المعتبرين عند أهل السنة، فمن وجدوه موافقاً لأحد منهم فى الاسم واللقب أسندوا رواية
حديث ذلك الشيعى إليه، فمن لا وقوف له من أهل السنة يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر بقوله ويعتد بروايته؛ كالسدى فهما رجلان؛ أحدهما
السدى الكبير، والثانى السدى الصغير، فالكبير من ثقات أهل السنة(1)، والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضى غال(2).
3- ومن مكايدهم أنهم ينسبون بعض الكتب لكبار علماء السنة مشتملة على مطاعن فى الصحابة، وبطلان مذهب أهل السنة، وذلك مثل كتاب
(سر العالمين) فقد نسبوه إلى الإمام الغزالى(3) -رحمه الله تعالى- وشحنوه بالهذيان، وذكروا فى خطبته على لسان ذلك الإمام وصيته بكتمان
هذا السر وحفظ هذه الأمانة وما ذكر فى هذا الكتاب فهو عقيدتى، وما ذكر فى غيره؛ فهو للمداهنة، فقد يلتبس ذلك على بعض القاصرين ...
نسأل الله I العصمة من الزلل0
4- ومن مكايدهم أنهم يذكرون أحد علماء المعتزلة، أو الزيدية أو نحو ذلك، ويقولون: إنه من متعصبى أهل السنة، ثم ينقلون عنه ما يدل على
بطلان مذهب أهل السنة، وتأييد مذهب الإمامية الإثنى عشرية ترويجاً لضلالهم؛ كالزمخشرى صاحب الكشاف الذى كان معتزلياً تفضيلياً،
والأخطب الخوارزمى؛ فإنه زيدى غال، وابن أبى الحديد شارح نهج البلاغة الذى هو من غلاة الشيعة على حد قول، ومن المعتزلة على قول
آخر، وهشام الكلبى، وكذلك المسعودى صاحب مروج الذهب، وأبو الفرج الأصفهانى صاحب كتاب الأغانى وغيرهم، وقصدوا بذلك إلزام أهل
السنة بما لهم من الأقوال، مع أن حالهم لا تخفى حتى على الأطفال(4).
المبحـث الرابـع
التعريـف بالمعتزلـة وموقفهم من السنـة النبويـة

تمهيـد :
المعتزلـة : اسم يطلق على فرقة ظهرت فى الإسلام فى القرن الثانى الهجرى ما بين سنة 105 وسنة 110هـ بزعامة رجل يسمى واصل
بن عطاء الغزال، ونشأت هذه الفرقة متأثرة بشتى الاتجاهات الموجودة فى ذلك العصر، وقد أصبحت المعتزلة فرقة كبيرة تفرعت عن الجهمية
فى معظم الآراء، ثم انتشرت فى أكثر بلدان المسلمين انتشاراً واسعاً، وعن كثرتهم وانتشارهم يقول الشيخ جمال الدين القاسمى "هذه الفرقة من
أعظم الفرق رجالاً وأكثرها تابعاً، فإن شيعة العراق على الإطلاق معتزلة، وكذلك شيعة الأقطار الهندية، والشامية، والبلاد الفارسية، ومثلهم
الزيدية فى اليمن0 فإنهم على مذهب المعتزلة فى الأصول كما قاله العلامة المقبلى فى "العلم الشامخ" وهؤلاء يعدون فى المسلمين بالملايين،
بهذا يعلم أن الجهمية المعتزلة ليسوا فى قلة فضلاً عن أن يظن أنهم انقرضوا وأن لا فائدة من المناظرة معهم، وقائل ذلك جاهل بعلم تقويم
البلدان ومذاهب أهلها(1)0
والمعتزلة : قوم من المتكلمين فتنتهم؛ الفلسفة اليونانية، والمنطق اليونانى، وما نقل من الفلسفة الهندية، والأدب الفارسى، وقد كانوا كلهم أو
جمهورهم ممن ينتمون إلى أصل فارسى فأولوا القرآن الكريم لينسجم مع الفلسفة اليونانية، وكذبوا الأحاديث التى لا تتفق مع هذه العقلية
اليونانية الوثنية، واعتبروا فلاسفة اليونان أنبياء العقل الذى لا خطأ معه(2)، المحقق الكبير محمد محيى الدين عبد الحميد : وكان أول من
استعان بالفلسفة اليونانية، واستقوا منها فى تأييد نزعاتهم، فأقوال كثيرة من أقوال النظام وأبى الهذيل والجاحظ وغيرهم بعضها نقل بحت من
أقوال فلاسفة اليونان، وبعضها يستقى من نبعه ويغترف من معينه بشئ من التحوير والتعديل (3)0 فكثيراً ما تطالعنا فى كتب الفرق أثناء
الحديث عن أحد المعتزلة أو تحليل مبدأ من مبادئهم عبارات تثبت تأثرهم بهذه المصادر الأجنبية مثل : "قد طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وخلط
كلامهم بكلام المعتزلة"(1) ومثل : "اقتبس هذا الرأى من الفلاسفة"(2) و"هذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة"(3) ومثل : "قد أخذ العلاف
عن أرسطو طاليس"(4)0
والمعتزلة حين حاولت فى أول الأمر أن تواجه المتكلمين فى الديانات السالفة للإسلام والمذاهب المنحرفة، استطاعت أن تحقق نتائج طيبة،
ولكنها حين استقلت بنفسها وخرجت عن حدودها لتقيم لنفسها منهجاً عقلانياً خالصاً يستعلى على مفهوم الإسلام الجامع؛ فإنها قد انحرفت
انحرافاً شديداً واخطأت خطأ بالغاً، وكان نتيجة طبيعية لتأثرها بشتى الاتجاهات الموجودة فى عصرها، ثم أثرت هى الأخرى بعد ذلك فى تلك
الاتجاهات الفكرية قديماً(5)، وتأثر بها حديثاً كثير من خصوم الإسلام، وأعداء السنة، حيث وجدوا فى مذهبهم الفكرى عشاً يفرخون فيه
بمفاسدهم وآرائهم، ويطلقون من قنواته دسهم على الإسلام والسنة النبوية المطهرة أ0هـ(6)0
وترجع بداية نشأة المعتزلة كفرقة ذات اتجاه سياسى ومنهج فكرى، إلى ما وقع بين الحسن البصرى(7)، وواصل بن عطاء من خلاف فى حكم
مرتكب الكبيرة، حين سئل الحسن البصرى عن ذلك، فبادر واصل بن عطاء إلى الجواب قبل أن يجيب الحسن البصرى، ومن هنا تطور الأمر إلى
اعتزال واصل ومن معه حلقة الحسن البصرى، فسموا معتزلة، وإلى هذا ذهب أكثر العلماء(1)0
وقد ضعف هذا الرأى الدكتور أحمد أمين، وأياً كانت بداية نشأتهم، فالذى يعنينا ويهمنا هنا فى هذا المقام هو أصول مذهبهم الفكرى، وأثرها
على السنة المطهرة0
وإذا كانت المعتزلة قد تفرقت إلى فرق كثيرة تصل إلى اثنتين وعشرين فرقة واختلفوا فى المبادئ والتعاليم إلى حد تكفير كل فرقة الأخرى، إلا
أنه يجمعهم إطار عام، وهو الاعتقاد بالأصول الخمسة :
1- التوحيد على طريقة الجهمية0
2- العدل على طريقة القدريـة0
3،4،5 - والوعد، والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على طريقة الخوارج(2)0
ولقد حددها على هذا النحو الخياط(3)، صاحب الانتصار عندما قال : "وليس يستحق أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة
: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا كملت فى الإنسان هذه الخصال الخمس؛
فهو معتزلى(4)0
يقول الدكتور محمد عمارة : "وإذا كان هذا التحديد لهذه الأصول الخمسة قد شاع الشيوع الأكبر، وانتشر الانتشار الأعم لدى أهل العدل،
والتوحيد، كما شاع عنهم لدى كتاب المقالات، فإننا نجد الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسى (ت - 246هـ) وهو معاصر لأبى الهذيل
العلاف يحدد هذه الأصول بأنها :
1- التوحيد، 2- والعدل، 3- والوعد والوعيد، 4- والمنزلة بين المنزلتين، 5- والقرآن الكريم والسنة المطابقة له، 6- وأصل سادس يمكن
أن نسميه العدالة الاجتماعية، والمالية، والاقتصادية0
بينما نجد هذه الأصول عند مفكر آخر هو أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840هـ) على النحو المشهور عند المعتزلة، وبدلاً من أصل الوعد
والوعيد أصل آخر وهو :
تولى الصحابة والاختلاف فى عثمان t بعد الأحداث والبراءة من معاوية وعمرو بن العاص -رضى الله عنهما-0
يقول الدكتور عمارة : "ومعنى هذا أن خلاف أهل العدل والتوحيد - ولا نقول المعتزلة - حول هذه الأصول، هو أمر غير مستبعد تماماً، وإن
عدتها الأغلبية الساحقة من مفكريهم خمسة، على النحو الذى قدمناه فى أول هذا الحديث، وإذاً فليس خلافهم فقط فى فروع هذه الأصول، كما
يقول البعض، بل وأحياناً فى بعض هذه الأصول(1)0
ومعنى هذه الأصول إجمالاً :
1- التوحيد : وهم يقصدون به البحث حول صفات الله تعالى، وما يجب له، وما يجوز، وما يستحيل، وفى هذا الأصل نفوا أن يكون لله تعالى
صفات أزلية من علم، وقدرة، وحياة، وسمع، وبصر، بل، الله عالم، وقادر، وحى، وسميع، وبصير بذاته، وليست هناك صفات زائدة مع ذاته،
وتأولوا الآيات التى تثبت هذه الصفات، والتى يفهم منها أن له صفات كصفات المخلوقين، ورفضوا الأحاديث التى تثبت هذه الصفات أيضاً،
وحجتهم فى إنكار صفات الله U أن إثباتها يستلزم تعدد القدماء وهو شرك على حد زعمهم0 ولأن إثبات الصفات يوحى بجعل كل صفة إلهاً،
والمخرج من ذلك هو نفى الصفات وإرجاعها إلى ذات البارى تعالى، فيقال عالم بذاته، قادر بذاته إلخ، وبذلك يتحقق التوحيد فى نظرهم،
والمعتزلة فى نفيهم الصفات وتعطيلها وتأويل ما لا يتوافق مع مذهبهم من نصوص الكتاب والسنة وافقوا بذلك الجهمية (المعطلة) ... فهم
الذين أحيوا آرائهم، ونفخوا فى رمادها، وصيروها جمراً من جديد، ومن هنا استحق المعتزلة أن يطلق عليهم جهمية أو معطلة(1)، وبناء على
هذا الأصل أطلق المعتزلة على من عاداهم وخصوصاً أهل السنة أسماء جائرة مثل المشبهة، والحشوية0
وسموا أنفسهم أهل التوحيد، والمنزهون لله، حيث نفوا الصفات عنه(2)0 وسيأتى الرد عليهم فى الباب الثالث0
2- العـدل : وهم يقصدون به البحث فى أفعال الله U التى يصفونها كلها بالحسن، ونفى القبح عنها، بما فيه نفى أعمال العباد القبيحة، وتحت
ستار العدل؛ نفوا القدر، وأسندوا أفعال العباد إلى قدرتهم وأنهم الخالقون لها مع أنهم يؤمنون بأن الله تعالى عالم بكل ما يعمله العباد، وأنه
تعالى هو الذى أعطاهم القدرة على الفعل أو الترك(3)0
والمعتزلة لنفيهم القدر يلقبون؛ بالقدرية لموافقتهم للقدرية فى إنكار القدر، وهم يسمون أيضاً؛ بالثنوية، والمجوسية؛ لقولهم إن الخير من الله،
والشر من العبد، فوافقوا بذلك الثنوية، والمجوسية الذين يقررون وجود إلهين أحدهما للخير، والآخر للشر، وهم لا يرضون بهذه الأسماء
السابقة من القدرية، والثنوية، والمجوسية، ويرضون باسم أهل العدل لنفيهم القدر، ولأن أهل السنة يثبتون القدر لله U ويؤمنون به خيره
وشره، حلوه ومره، فهم يطلقون عليهم القدرية المجبرة(4)0
وبناء على هذا الأصل (العدل) الذى يعنى نفى القدر؛ تأولوا الآيات التى تفيد إثبات القدر لله U كقوله تعالى : {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}(5)0
وقوله تعالى : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}(6)0 وقوله تعالى : {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(1)0
ووقفوا من أحاديث القدر موقف الإنكار؛ فردوا الأحاديث الصحيحة التى تثبت القدر، وسيأتى تفصيل ذلك، والرد عليه فى الباب الثالث0
3- الوعد والوعيد : وهم يقصدون به أن الله وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة بالعقاب فيجب على الله - تعالى الله عن ذلك - أن ينفذ
وعده ووعيده؛ بأن يعطى العبد أجر ما كلفه به من طاعات استحقاقاً منه على الله مقابل وعد الله له إذا التزم العبد بجميع التكاليف التى اختارها
الله وكلف بها عباده، وكذلك يجب على الله أن ينفذ وعيده فيمن عصاه، ويلزم على هذا الأصل أن الله U لا يعفو عمن يشاء، ولا يغفر لمن
يريد؛ لأن ذلك يكون بخلف الوعيد والكذب، والله U لا يجوز عليه الخلف والكذب، وبمقتضى هذا الأصل فإن أصحاب الكبائر من عصاه المؤمنين
إذا ماتوا من غير توبه؛ فإنهم يستحقون بمقتضى الوعيد من الله النار خالدين فيها إلا أن عقابهم يكون أخف من عقاب الكفار(2)0
وبناء على هذا الأصل تأولوا الآيات التى تفيد بأن الله U يعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء؛ كقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ
مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}(3)0 وقوله تعالى : {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(4)0
واستدلوا بالآيات الواردة فى نفى الشفاعة عن غير المؤمنين الفائزين؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا
شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ}(5) وكذا قوله تعالى {مَـا للظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ}(6) إلى غير ذلك من الآيات
الواردة بهذا المعنى0
وبناءً على هذا الأصل أيضاً ردوا الأحاديث الواردة فى شفاعة عصاة المؤمنين من أهل الكبائر، والأحاديث التى تفيد أنهم تحت المشيئة إن شاء
الله عذبهم، وإن شاء غفر لهم0 وسيأتى تفصيل ذلك والرد عليه فى الباب الثالث0
4- المنزلة بين المنزلتين : وهم يقصدون بها أن مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان،ولا يدخل فى الكفر؛ فهو ليس بمؤمن ولا كافر، لكنه فى
منزلة بينهما فاسق، والفاسق يستحق النار والمعتزلة بقولهم بهذا الأصل وافقوا الخوارج؛ لأن الخوارج لما رأوا لأهل الذنوب الخلود فى النار
سموهم كفرة، وحاربوهم، والمعتزلة رأت لهم الخلود فى النار، ولم تجسر على تسميتهم كفرة ولا جسرت على قتال أهل فرقة منهم، فضلاً عن
قتال جمهور مخالفيهم، ولهذا قيل للمعتزلة : إنهم مخانيث الخوارج(1)0
ويعد هذا الأصل الرابع هو نقطة البدء فى تاريخ المعتزلة كما سبق فى نشأتهم0
وكان لهذا الأصل أثره السئ فى موقف المعتزلة من صحابة رسول الله e، وخصوصاً أصحاب الجمل، وصفين من الفريقين؛ على، ومعاوية -
رضى الله عن الجميع - كما سيأتى0
5- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : هذا الأصل توافق فيه أهل السنة والمعتزلة، واتفقوا على أنه من الواجبات على الكفاية، وهو ما
قرره المولى U فى كتابه العزيز {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(2)0 إلا أنه
وقع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يلى :
أ- حملهم الناس على المعروف والمنكر فى مذهبهم وإلزامهم به، ويبدوا هذا واضحاً فى محنة خلق القرآن0
ب- طريقة تغيير المنكر؛ ساروا فيها عكس الحديث الوارد عن النبى e، فى بيان موقف المسلم من المنكر إذا رآه وهو قوله e : "من رأى
منكم منكراً؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"(3) بينما تغيير المنكر عندهم يبدأ بالحسنى، ثم
باللسان، ثم باليد، ثم بالسيف على عكس ما يرشد إليه الحديث، ويذهب إليه أهل الحق0
ج- حمل السلاح فى وجوه المخالفين لهم سواء كانوا من الكفار أو من أصحاب المعاصى من أهل القبلة0
د- أوجبوا الخروج على السلطان الجائر، وهم فى كل ذلك متأثرون بتنطع الخوارج(1)0 وخلاصة هذا الأصل عندهم أنهم قالوا : "علينا أن نأمر
غيرنا بما أمرنا به، وأن نلزمه بما يلزمنا(2)0
ومن فوارق الأصول عند المعتزلة ما ذهب إليه الإمام القاسم الرسى : "أن القرآن الكريم فصل محكم، وصراط مستقيم، ولا خلاف فيه ولا
اختلاف، وأن سنة رسول الله e ما كان لها ذكر فى القرآن ومعنى(3)0
وفى هذا الأصل الخامس بيان لموقفهم السئ من سنة المعصوم e ، فهم لا يأخذون إلا بالسنة الموافقة للقرآن فقط، ولا يأخذون بالسنة
المستقلة، وهذا الموقف له أثره السئ حيث اتخذوه منهجاً خاصاً بهم حكموا من خلاله على سنة النبى e ، وهو عرض الحديث على القرآن
الكريم، فما خالفه ولو مخالفة ظاهرية يمكن الجمع بينهما ردوه حتى ولو كان فى أعلى درجات الصحة0
ومن فوارق الأصول عند المعتزلة أيضاً ما ذهب إليه أحمد بن يحيى المرتضى؛ تولى الصحابة، والاختلاف فى سيدنا عثمان t بعد الأحداث،
والبراءة من معاوية وعمرو بن العاص - رضى الله عنهما-0
فاتفق المعتزلة على صحة خلافة أبى بكر، حتى من قال منهم بأفضلية علىِّ على أبى بكر - رضى الله عنهما - حيث أنهم رأوا علياً بايع أبا
بكر غير مكره، فلابد أن تكون بيعته صحيحة، فإذا وصلنا إلى سيدنا عثمان t، نرى الخياط المعتزلى يقول : إن واصل بن عطاء وقف فى
عثمان وفى خاذليه وقاتليه وترك البراءة من واحد منهم؛ لأنه أشكل عليه الأمر بين حالته المحمودة قبل أحداث السنين الست الأواخر وبعدها،
فتعارضت عنده الأدلة، فترك أمره لله(1) ومثل ذلك قول أبو الهذيل العلاف(2) قال : "لا ندرى أقتل عثمان ظالماً أو مظلوماً"(3)0
فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الحروب التى كانت مع على ومعاوية -رضى الله عنهما، رأينا أن واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وجعفر بن مبشر،
يؤيدون وجهة نظر علىَّ بن أبى طالب ويتبرأون من معاوية وعمرو بن العاص ومن كان فى شقهما"(4)0
بل إن البلخى(5) وهو أحد شيوخ المعتزلة رمى عمرو بن العاص ومعاوية - رضى الله عنهما - بالإلحاد(6) ونعوذ بالله U من الخذلان0
وهكذا كان المعتزلة فى أصولهم مخالفين لأهل السنة فى مفهوم الإسلام الجامع، وكان لهذه الأصول الأثر السئ على الإسلام "قرآناً وسنة"
وعلى المسلمين0
موقف المعتزلة من السنة المطهرة :
لما كان المعتزلة لا يؤمنون إلا بما يتفق مع عقولهم وأصولهم الخمسة، وكان هناك من الأحاديث النبوية ما يهدم مذهبهم ويناقض أدلتهم، كان
موقفهم من السنة غاية فى الخطورة، ولا نكاد نكون مبالغين إذا قلنا : بأنهم كادوا يهدمون المصدر الثانى للتشريع الإسلامى، فهم تناقضوا فى
موقفهم من السنة ونشأ التناقض بتشبثهم بالعقل إلى ما يشبه تقديسه وتأليهه، ورفض ما يتعارض معه أو تأويله بما لا يخالف رأيهم، ولذلك
وقعوا فى كثير من الهنات والتناقضات دفعتهم إليها نزعتهم العقلية0
موقفهم من الخبر المتواتر :
درج المعتزلة على مخالفة إجماع الأمة على إفادة المتواتر القطع0 فذهب بعضهم إلى إنكار حجية المتواتر وإفادته العلم، وتجويز وقوعه كذباً،
وحكى الإمام أبو منصور البغدادى ذلك عن "النظامية"، وهم فرقة من المعتزلة فقال فى الفضيحة السادسة عشرة من فضائح النَّظَّام(1) : قوله
بأن الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عند سماع الخبر عن الحصر، ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيها يجوز أن يقع كذباً، هذا مع قوله
بأن من أخبار الآحاد ما يوجب العلم الضرورى0 وقد كفره أصحابنا مع موافقيه فى الاعتزال فى هذا المذهب الذى صار إليه(2)0
ثم قال فى الفضيحة السابعة عشرة من فضائحه : "تجويزه إجماع الأمة فى كل عصر، وفى جميع الأعصار على الخطأ من جهة الرأى
والاستدلال، ويلزمه على هذا الأصل أن لا يقف بشئ مما اجتمعت الأمة عليه، لجواز خطئهم فيه عنده، وإذا كانت أحكام الشريعة منها ما أخذه
المسلمون عن خبر متواتر، ومنها ما أخذوه عن أخبار الآحاد، ومنها ما أجمعوا عليه وأخذوه عن اجتهاد وقياس، وكان النظام دافعاً لحجة
التواتر، ولحجة الإجماع، وقد أبطل القياس وخبر الواحد إذا لم يوجد العلم الضرورى، فكأنه أراد إبطال أحكام فروع الشريعة لأبطاله طرقها أ0
هـ(3)0
والمعتزلة : هم أول الفرق التى اشترطت فى قبول الأخبار العدد كما فى الشهادة، وما أرادوا بذلك الشرط إلا تعطيل الأخبار والأحكام الواردة
فيها0
وفى ذلك يقول الإمام الحازمى(4) : "ولا أعلم أحداً من فرق الإسلام القائلين بقبول خبر الواحد اعتبر العدد سوى متأخرى المعتزلة؛ فإنهم قاسوا
الرواية على الشهادة، واعتبروا فى الرواية ما اعتبروا فى الشهادة، وما مغزى هؤلاء إلا تعطيل الأحكام كما قال أبو حاتم ابن حبان(1)0
وها هم رؤساء المعتزلة يصرحون باشتراط العدد ويتناقضون فى نسبته0
فيحكى الإمام أبو منصور البغدادى عن الهذيلية وهم فرقة من المعتزلة فقال فى الفضيحة السادسة من فضائح أبى الهذيل قوله : إن الحجة من
طريق الأخبار فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفيما سواها، لا تثبت بأقل من عشرين نفساً فيهم واحد من أهل
الجنة أو أكثر، ولم يوجب بأخبار الكفرة والفسقه حجة وإن بلغوا عدد التواتر الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب إذا لم يكن فيهم واحد من أهل
الجنة، وزعم أن خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكماً، ومن فوق الأربعة إلى العشرين قد يصح وقوع العلم بخبرهم، وقد لا يقع العلم بخبرهم،
وخبر العشرين إذا كان فيهم واحد من أهل الجنة يجب وقوع العلم منه لا محالة، واستدل على أن العشرين حجة بقول الله تعالى : {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ
عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}(2)0 وقال : لم يبح لهم قتالهم إلا وهم عليهم حجة، وهذا يوجب عليه أن يكون خبر الواحد حجة موجبة
للعلم؛ لأن الواحد فى ذلك الوقت كان له قتال العشرة من المشركين، فيكون جواز قتاله لهم دليلاً على كونه حجة عليهم0
قال الإمام عبد القادر البغدادى : ما أراد أبو الهذيل باعتبار عشرين فى الحجة من جهة الخبر إذا كان فيهم واحد من أهل الجنة إلا تعطيل الأخبار
الواردة فى الأحكام الشرعية عن فوائدها لأنه أراد بقوله : "ينبغى أن يكون فيهم واحد من أهل الجنة، واحداً يكون على بدعته فى الاعتزال
والقدر وفى فناء مقدورات الله U لأن من لم يقل بذلك لا يكون عنده مؤمناً ولا من أهل الجنة، ولم يقل قبل أبى الهذيل أحد ببدعة أبى الهذيل
حتى تكون روايته فى جملة العشرين على شرطه(3)0
ونقل الإمام الآمدى فى الإحكام : اتفاق الجمهور من الفقهاء، والمتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة على أن العلم الحاصل عن خبر التواتر
ضرورى0وقال الكعبى(1) وأبو الحسين البصرى(2) من المعتزلة، والدقاق(3) من أصحاب الشافعى؛ أنه نظرى(4)0 ثم اختلف هؤلاء فى أقل
عدد يحصل معه العلم(5)0
ويحكى الإمام ابن حزم مثل ما حكاه الحافظ الحازمى : من أن المعتزلة : هم أول من اشترطوا العدد فى قبول الأخبار، فخالفوا بذلك جميع أهل
الإسلام فقال : "إن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة على النبى e يجرى على ذلك كل فرقة فى علمها كأهل السنة،
والخوارج، والشيعة، والقدرية حتى حدث متكلموا المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا الإجماع بذلك، ولقد كان عمرو بن عبيد يتدين بما
يروى عن أبى الحسين البصرى من المعتزلة ويفتى به، هذا أمر لا يجهله من له أقل علم(6)0
وإذا كان الحازمى حكى فى شروط الأئمة الخمسة عن بعض متأخرى المعتزلة اشتراط العدد فى الرواية كما فى الشهادة، وحكى ذلك أيضاً عن
بعض أصحاب الحديث كما حكاه السيوطى(7)0
فقد أجاب شيخ الإسلام ابن حجر t عن حكاية ذلك الشرط عن بعض أصحاب الحديث بقوله :
"وقد فهم بعضهم ذلك من خلال كلام الحاكم(1) فى معرفة علوم الحديث، وفى المدخل إلى الأكليل عند كلامه فى شرط البخارى ومسلم، وبذلك
جزم ابن الأثير(2) فى مقدمة جامع الأصول وغيره، ولا حجة لهم فيما فهموه، ومنقوض بما فى الصحيحين من الغرائب الصحيحة التى تفرد بها
بعض الرواة"(3)0
يقول الحافظ ابن حجر : وقد وهم بعضهم حيث نسب إلى الحاكم أنه ادعى أن شرط الشيخين رواية الاثنين، ولكنه غلط على الحاكم (4)0
موقفهـم من خبـر الآحاد :
وتناقض المعتزلة فى حجية خبر الآحاد، فحكى الآمدى(5) عن أبى الحسين البصرى جواز التعبد بخبر الواحد عقلاً(6)، وحكى الإمام الجوينى(7)
عن قوم من المعتزلة، والرافضة قالوا : [لا يجوز العمل به شرعاً] (1)0 ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادى عن الخياط المعتزلى، أنه مع
ضلالته فى القدر، وفى المعدومات؛ منكر الحجة فى أخبار الآحاد، قال الأستاذ أبو منصور، وما أراد بإنكاره إلا إنكار أكثر أحكام الشريعة، فإن
أكثر فروض الفقه مبنية على أخبار من أخبار الآحاد(2)0
تناقض المعتزلة فى العدد المطلوب لقبول خبر الآحاد :
ومن قبل خبر الآحاد من المعتزلة تناقض فى العدد المطلوب لقبوله، وذهب إلى عدم الاحتجاج به فى الأعمال إلا بشروط :
فأما تناقضهم فى العدد المطلوب لقبوله0 فحكى عن أبى على الجبائى "أنه لا يقبل الخبر إلا إذا رواه أربعة"(3)0 وحكى عنه أيضاً قوله : "لا
يقبل فى الشرعيات أقل من اثنين"(4)، ونقل عنه أيضاً قوله : "يعتبر عدد يزيد عن شهود الزنا"(5)0
واشترط رجلين عن رجلين "إسماعيل بن إبراهيم بن عليه"(6) وهو من الفقهاء المحدثين، إلا إنه مهجور القول عند الأئمة لميله إلى الاعتزال،
وقد كان الإمام الشافعى يرد عليه ويحذر منه0
ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادى : "أن بعضهم اشترط فى قبول الخبر : أن يرويه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهاه، واشترط بعضهم أربعة عن أربعة
إلى منتهاه، وبعضهم خمسة عن خمسة إلى منتهاه، وبعضهم سبعة عن سبعة"(7)0

أما من ذهب إلى عدم الاحتجاج به فى الأعمال إلا بشروط؛ فاشترط :
1- ألا يخالف ظاهر القرآن الكريم، وهو أحد أصولهم كما سبق، فإذا ورد الحديث مخالفاً لظاهر القرآن الكريم؛ كان دليلاً على عدم صحته حتى
مع إمكان الجمع بين هذا التعارض الظاهرى، وهذا الشرط أصل من أصول أهل الزيغ والابتداع من الخوارج والجهـمية والجبرية والمعتزلة
كما حكاه عنهم الأئمة : ابن قيم الجوزية(1)، والشاطبى(2)، وابن قتيبة(3) وغيرهم0
2- كما اشترط بعضهم ألا يخالف خبر الآحاد العقل: قال أبو الحسين: لم يقبل ظاهر الخبر فى مخالفة مقتضى العقل، لأنا قد علمنا بالعقل على
الإطلاق أن الله U لا يكلف إلا ما يطاق وأن ذلك قبيح، فلو قبلنا الخبر فى خلافه، لم يخل، إما أن نعتقد صدق النبى e فى ذلك فيجتمع لنا صدق
النقيضين، أو لا نصدقه فنعدل عن مدلول المعجز وذلك محال(4)0
3- كما ذهب فريق الاعتزال إلى أن خبر الآحاد لا يقبل فيما طريقه الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد إنما ينبنى على اليقين لا الظن، وخبر الآحاد إنما يفيد
الظن(5)، وأما اليقين فإنما يؤخذ من حجج العقول؛ كما قال الجاحظ(6) : وما الحكم القاطع إلا للذهن، وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل(7)0
وقال : والاستنباط هو الذى يفضى بصاحبه إلى برد اليقين، وعز الثقة، والقضية الصحيحة، والحكم المحمود (8)0
وقال القاضى عبد الجبار(1) : وإن كان - أى خبر الآحاد - مما طريقه الاعتقادات ينظر، فإن كان موافقاً لحجج العقول قبل واعتقد بموجبه، لا
لمكانة بل للحجة العقلية، وإن لم يكن موافقاً لها، فإن الواجب أن يرد ويحكم بأن النبى e لم يقله، وإن قاله فإنما قاله على طريق الحكاية عن
غيره، هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا بتعسف، فأما إذا احتمله فالواجب أن يتأول (2)0
بل زعموا أن من أخبار الآحاد ما يعلم أنه بروايته ارتكب عظيماً، مما روى فى باب التشبيه والجبر وغيرها من ضروب الخطأ، ولولا الدلالة
على وجوب العمل به على بعض الوجوه لم يكن فى نقله فائدة(3)0 وسيأتى الجواب عن هذه الشروط فى الرد على شبه منكرى حجية خبر
الآحاد0
موقف المعتزلة من الصحابة وأثر ذلك على السنة النبوية :
موقف المعتزلة من الصحابة y، لا يقل سوءً وخطراً من موقف الشيعة من الصحابة وأول ما يطالعنا من موقفهم من الصحابة أحد أصولهم
الواردة على لسان أحمد بن يحيى بن المرتضى، وهو تولى الصحابة، والاختلاف فى عثمان بعد الأحداث، والبراءة من معاوية وعمرو بن
العاص0 وهذا الأصل كما سبق هو أحد الفوارق فى الأصول عندهم فهم وإن صححوا خلافة أبى بكر الصديق t حتى من قال منهم بأفضلية على
بن أبى طالب إلا أننا نجد النظام يتطاول عليه، وعلى كثير من أعلام الصحابة كالفاروق عمر، وعثمان، وعلى، وابن مسعود، وأبى هريرة
وغيرهم0 فلا ندرى ماذا يعنون بتولى الصحابة قبل اختلافهم فى سيدنا عثمان t0
حتى إذا كانت فتنة سيدنا عثمان t رأيناهم يشكون فى عدالته، فيعلنون التوقف فيه وفى خاذلية وقاتليه وترك البراءة من واحد منهم، لأنهم
أشكل عليهم الأمر فى حاله t قبل الفتنة وبعدها، فتركوا أمره لله I0
وهذا التوقف والشك فى عدالة أمير المؤمنين، حكاه كما سبق الخياط عن واصل بن عطــاء، وقال الخيـاط : هذا قول لا تبرأ المعتزلة
منه، ولا تعتذر من القول به(1)0
حتى إذا كانت فتنة على بن أبى طالب ومعاوية - رضى الله عنهما - رأيناهم ما بين موقن بفسق إحدى الطائفتين لا بعينها، وما بين موقن
بفسقهما معاً، وأعلنوا البراءة من معاوية، وعمرو بن العاص ومن كان فى شقهما(2)، بل إن البلخى وهو أحد شيوخ المعتزلة تجرأ برميهما
- رضى الله عنهما - بالإلحاد، كما سبق(3)0
حكى الإمام عبد القادر البغدادى فى كتابه (الفرق بين الفرق) عن شيخ المعتزلة واصل ابن عطاء زعمه أن فرقة من الفرقتين (أصحاب الجمل
وصفين) فسقه لا بأعيانهم، وأنه لا يعرف الفسقة منهما، وأجازا أن يكون الفسقة من الفرقتين علياً وأتباعه، كالحسن، والحسين، وابن عباس،
وعمار بن ياسر، وأبى أيوب الأنصارى، وسائر من كان مع على يوم الجمل، وأجازا كون الفسقة من الفرقتين عائشة، وطلحة، والزبير، وسائر
أصحاب الجمل، ثم قال فى تحقيق فى الفرقتين لو شهد على، وطلحة، أو على، والزبير، أو رجل من أصحاب الجمل عندى على باقة بقل لم أحكم
بشهادتهما، لعلمى بأن أحدهما فاسق لا بعينه، كما لا أحكم بشهادة المتلاعنين لعلمى بأن أحدهما فاسق لا بعينه، ولو شهد رجلان من إحدى
الفرقتين أيهما كان قبلت شهادتهما0
يقول الإمام البغدادى : "ولقد سخنت عيون الرافضة القائلين بالاعتزال بشك شيخ المعتزلة فى عدالة على واتباعه، ومقالة واصل فى الجملة كما
قلنا فى بعض أشعارنا :
مقالة ما وصلـت بواصـل *** بـل قطـع الله به أوصالها(4)
وإذا كان واصل بن عطاء أيقن بفسق إحدى الفرقتين لا بعينها، فقد أيقن بفسقهما معاً وصرح بذلك عمرو بن عبيد كما حكاه عنه البغدادى(1)0
وعن طعن المعتزلة فى الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - قال الإمام البغدادى فى الفضيحة الحادية والعشرون من فضائح النظام : "ثم
إن النظام - مع ضلالاته التى حكيناها عنه - طعن فى أخيار الصحابة والتابعين من أجل فتاويهم بالاجتهاد، فذكر الجاحظ عنه فى كتاب (
المعارف) وفى كتابه المعروف بـ (الفتيا) أنه عاب أصحاب الحديث ورواياتهم أحاديث أبى هريرة t، وزعم أن أبا هريرة كان أكذب الناس،
وطعن فى الفاروق عمر t وزعم أنه شك يوم الحديبية فى دينه، وشك يوم وفاة النبى e، وأنه كان فيمن نفر بالنبى e ليلة العقبة، وأنه ضرب
فاطمة، ومنع ميراث العترة، وأنكر تغريب نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة، وزعم أنه ابتدع صلاة التراويح، ونهى عن متعة الحج،
وحرم نكاح الموالى للعربيات ...إلخ0
ثم إنه قال فى كتابه : [إن الذين حكموا بالرأى من الصحابة، إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز لهم، وجهلوا تحريم الحكم بالرأى
فى الفتيا عليهم، وإما أنهم أرادوا أن يذكروا بالخلاف، وأن يكونوا رؤساء فى المذاهب، فاختاروا لذلك القول بالرأى، فنسبهم إلى إ يثار الهوى
على الدين، وما للصحابة y عند هذا الملحد الفرى ذنب غير أنهم كانوا موحدين لا يقولون بكفر القدرية الذين ادعوا مع الله تعالى خالقين
كثيرين](2)0
وقد ذكر الإمام البغدادى بعد ذلك: "أن نسبة النظام الصحابة إلى الجهل والنفاق يترتب عليه خلود أعلام الصحابة فى النار على رأى النظام، لأن
الجاهل بأحكام الدين عنده كافر، والمتعمد للخلاف بلا حجة عنده منافق كافر أو فاسق فاجر، وكلاهما من أهل النار على الخلود(3)0
وهذا الذى ذكره الإمام البغدادى وافقه على أكثر ما فيه الإمام الشهرستانى(4) فى كتابه (الملل والنحل) والإمام ابن قتيبة(1) فى كتابه (تأويل
مختلف الحديث) وقد أغنانا فى الرد على النظام ومن ذهب مذهبه وعلى كل دعاويه واتهاماته الباطلة لصحابة سيدنا رسول الله y بما لا يدع
مجالاً للشك فى تهافت فكرهم وتفاهة رأيهم، وتحقيراً لشأنهم، الإمام ابن قتيبة(2)0
وهكذا يظهر واضحاً أن المعتزلة ما بين شاك فى عدالة الصحابة، منذ عهد فتنة سيدنا عثمان t وما بين موقن بفسق إحدى الطائفتين لا بعينها،
وما بين موقن بفسقهما معاً، وما بين طاعن فى أعلامهم، متهم لهم بالكذب والجهل والكفر والنفاق كالنظام0 مع أن رؤساءهم وخاصة الذين
طعنوا منهم فى الصحابة - كانوا من الرقة فى الدين بحيث يصف أحدهم وهو ثمامة بن أشرس - جمهور المسارعين إلى الصلاة بأنهم "حمير"
: وكانوا من الشعوبية والكره للعرب بحيث يقول ثمامة نفسه : "انظر إلى هذا العربى يعنى محمد e ماذا فعل بالناس؟ فماذا ننتظر من هذا
الشعوبى الماجن أن يقول عن صحابة رسول الله y؟ وماذا ننتظر أن يكون رأيه فى السنة التى حققها أئمة الحديث ومحققوهم(3)؟
ولا يقف قدح المعتزلة عند الصحابة فقط، بل يمتد إلى القدح فى التابعين y وفيمن اتفق الأئمة من المحدثين على عدالتهم وإمامتهم0 وربما
ردوا فتاويهم وقبحوها فى أسماع العامة لينفروا الأمة عن إتباع السنة وأهلها(4) وسيأتى تفصيل ذلك والجواب عنه فى مبحث عدالة أهل
السنة0
وبعــد
فإن أصول المعتزلة على اختلافها كان لها أسوء الأثر على الإسلام ورواته حيث وقف المعتزلة بأصولهم من الوحى قرأناً وسنة، ومن الصحابة
موقف التحدى، فإذا بدا خلاف فى ظاهر النصوص وبين أصولهم أو رأى لا يرونه أولوا النص بما يخرج عن معناه الحقيقى إلى ما يوافق
رأيهم(1) 0
وعن خطورة تأويلهم آيات القرآن الكريم بما يوافق أصولهم يقول الإمام الأشعرى: إن كثيراً من الزائغين عن الحق من المعتزلة، وأهل القدر،
مالت بهم أهواؤهم إلى تقليد رؤسائهم، ومن مضى من أسلافهم، فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلاً لم ينزل به الله سلطاناً، ولا يصح به
برهاناً، ولا نقلوه عن رسول رب العالمين، ولا عن السلف المتقدمين(2)0
ويقول فضيلة الدكتور أبو شهبة - رحمه الله - : المعتزلة من أعظم الناس كلاماً وجدالاً، وقد صنفوا تفاسيرهم على أصول مذهبهم، مثل تفسير
عبد الرحمن بن كيسان الأصم، شيخ إسماعيل بن عليه، الذى كان يناظر الشافعى، ومثل كتاب أبى على الجبائى، والتفسير الكبير للقاضى عبد
الجبار بن أحمد الهمدانى والكشاف لأبى القاسم الزمخشرى0 والمقصود : أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأياً، ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، وليس لهم
سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين فى رأيهم، ولا فى تفسيرهم، وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إلا
وبطلانه يظهر من وجوه كثيرة، وذلك من جهتين : تارة من العلم بفساد قولهم، وتارةً من العلم بفساد ما فسروا به القرآن ...، ومن هؤلاء
من يكون حسن العبارة فصيحاً، ويدس السم فى كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه، حتى أنه يروج على خلق كثير من
أهل السلف، كثير من تفاسيرهم الباطلة] أ0هـ(3)0
ولا يقف خطر أصولهم عند تأويلهم القرآن الكريم مما لم ينزل به الله سلطاناً، وإنما كان لهذه الأصول خطرها الأعظم على السنة المطهرة، فما
تعارض من الأحاديث الصحيحة مع هذه الأصول، إما يؤولونه تأويلاً يشبه الرد، وإما يصرحون بالرد بحجة أن الخبر آحاد، والآحاد لا يحتج بها
فى العقائد(1)، وهم فى كل ذلك يتطاولون على رواة السنة ويطعنون فيهم سواء من صحابة رسول الله y أو من التابعين، فمن بعدهم من أئمة
المسلمين0
وفى مواقف المعتزلة من الكتاب والسنة والصحابة، وجد أعداء الإسلام وأعداء السنة المطهرة، ثغرات يلجون منها فى الكيد لدين الله U -
قرآناً وسنة - بما وجدوه من ثروة طائلة من السخافات والمثالب، فصوروا الإسلام فى صورة الخرافات، وطعنوا بدورهم فى أئمة المسلمين
وتاريخهم وحضارتهم المجيدة، وقد اغتر بهم الجهلة فى عصرنا الحاضر ونسجوا على منوال أساتذتهم، ورموا علماء المسلمين فى كل عصر
بكل نقيصة وبهتان، والله يشهد إنهم لكاذبون(2)0
فالمستشرقون، ودعاة التغريب، واللادينية، وهم يهاجمون السنة اليوم، ويثيرون حولها الشبهات اهتموا بالاعتزال والمعتزلة، لأنهم وجدوا فيهم
منهجاً له أثره فى إفساد الفكر الإسلامى على العموم، وإبطال حجية السنة وتعطيلها على الخصوص، ويبدوا هذا واضحاً فى إحيائهم للفكر
الاعتزالى والثناء عليه، ووصفهم للمعتزلة بأنهم أغارقة الإسلام الحقيقيون، أو وصفهم بالمعتزلة العظام، أو المفكرون الأحرار فى
الإسلام(3)0
يقول الدكتور أحمد أمين : وفى رأيى أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة، وعلى أنفسهم جنوا (4)0
ومن هنا ندرك خطورة تأثر بعض علماء المسلمين الأجلاء من رواد المدرسة العقلية الحديثة بالفكر الاعتزالى ومنهجه فى تعامله مع
النصوص قرآناً(5)، وسنة(6)، واستغل ذلك التأثر بعض أعداء الإسلام، وأعداء السنة المطهرة، فى دعوتهم الباطلة، وصبغها صبغة شرعية
وذلك بالاستشهاد بأقوال رواد تلك المدرسة، والزعم بأن منهجهم العقلى المعتزلى، هو المنهج الحق، وربما ادعوا بأنه منهج سلفنا
الصالح(1)0


















المبحـث الخامـس
مـن الفـرق إلـى السنـة الجامعـة

تحت هذا العنوان قال الأستاذ أنور الجندى : "منذ اليوم الأول لظهور حركة "المؤامرة على الإسلام فى القرن الأول للهجرة قامت المواجهة
الصادقة والمعارضة الصريحة على يد أهل السنة والجماعة كما قال محمد بن سيرين(1) - رحمه الله - : "لم يكونوا يسألون عن الإسناد،
فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"(2)0 ومنذ ذلك اليوم
وكانت المواجهة بين أهل السنة وأهل البدع والأهواء، واستطاعت السنة كشف زيفهم ونقص شبهاتهم وبينت بالدليل أنها حركة معادية لها
تلتمس فى محيط المجتمع الإسلامى خيوطاً لتدميرها كمقدمة لتدمير النظام الإسلامى نفسه، كما بينت السنة الصلة الوثيقة بين أهل البدع
وأعداء الإسلام من اليهودية، والنصرانية، والمجوسية وغيرهم ممن تطلعوا إلى هدم الإسلام عن طريق فكره بعد أن عجزوا عن هدمه عن
طريق دولته0
أولاً : أنكرت السنة التشبيه والتعطيل وكشفت عن أن المشبهة وثنية والمعطلين ملحدون وتعقبت فى نفس الوقت الملحدين والوثنيين وكشفت
عنهم0
ثانياً : عارضت السنة إخضاع الإسلام للجدل العقلى ودعت إلى التماس المعين الأول والمنبع الأصيل "القرآن والسنة"0
ثالثاً : كشفت السنة عن فساد إلهيات أرسطو؛ لأن مقدماتها ونتائجها معارضة أشد المعارضة لمفهوم التوحيد الخالص، وأبانت أن العقائد
مرجعها إلى الكتاب والسنة0
رابعاً : استوعبت السنة كل المطامح والآمال التى كانت الفرق المختلفة تنادى بها فجعلت محبة أهل البيت جزءاً من عقيدتها وجعلت العقلانية
التى رفعت لواءها المعتزلة شطر المعرفة، وجعلت الوجدانية التى حمل لواءها التصوف شطر المعرفة الأخرى وجعلت اختيار الحاكم على
أساس الشورى وليس على أساس النسب أساساً من أسس مفهومها0
خامساً : قاومت السنة الاتجاه الزائف نحو القول بوحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد كما قاومت انحرافات الخوارج والشيعة والمعتزلة
والمتكلمين والفلاسفة والصوفية فالتقت كل هذه القطاعات فى مفهوم جامع0
سادساً : كشفت السنة عن أن الفكر الفلسفى لتلك الفرق لا يمكن أن يكون أساساً للفكر الإسلامى، ذلك أن هناك مجموعة من الحقائق الأولية
لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الوحى والنبوة، وبينت أن الفلسفة ليست قرينة الوحى ولا مناظرة له فهى لا تزيد عن كونها استخداماً
للعقل، وهى فى أحسن صورها تعمل على أن تعصم الذهن من الخطأ فى الاستنباط والبرهان0
سابعاً : أصبحت السنة هى البوتقة التى انصهرت فيها كل الثقافات فهى بمثابة النهر الكبير والمذاهب والفرق روافد، وخير ما فى هذه الروافد
انصهر فى مفهوم جامع للأصالة الإسلامية وصب فى النهر الكبير، وكان أبلغ ما وصلت إليه هذه الغاية هو قول الإمام الغزالى : إن أساليب
القرآن أرجح فى سلامة العقيدة والتزام صفاء الفطرة من جملة أساليب اليونان، والصوفية وفى بوتقة السنة أصبح العقل فى خدمة الوحى يسير
فى ضوئه، وأباح فقهاء المسلمين قدراً كبيراً من التأويل والاختلاف فى الفروع دون أن يتجاوزوا وجه الانحرافات الهدامة ... إلخ0
ووصل كثير من مفكرى الإسلام إلى نفس النتيجة التى وصل إليها الإمام الغزالى، حتى قال إمام الحرمين : "لو استقبلت من أمرى ما استدبرت
ما اشتغلت بالكلام"(1) وقال: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أنه يبلغ بى ما بلغ ما اشتغلت به"(2) وأخرج الخطيب عن الوليد
الكرابيسى(3) أنه لم حضرته الوفاة قال لبنيه : تعلمون أحداً أعلم بالكلام منى؟ قالوا: لا قال : فتتهمونى؟ قالوا : لا قال : فإنى أوصيكم،
أتقبلون؟ قالوا : نعم، قال : عليكم بما عليه أصحاب الحديث فإنى رأيت الحق معهم"(1)0
ثامناً : كشف رجال الأصالة الإسلامية (السنة) أن النزعة العقلية التى دافع عنها المعتزلة كادت تخنق العقيدة وأنها حولتها من يسرها
وبساطتها إلى مذهب فلسفى معقد بعيد عن روح الإسلام، وكانت أخطاء المعتزلة : تحكيم العقل فى الوحى، وإعلاء العقل على الوحى0
تاسعاً : استطاع مفهوم السنة، وهو مفهوم الأصالة الإسلامية الجامع أن يقضى على الغلو فى كل تلك الفرق وبذلك تعين أن السنة ليست
مذهباً معيناً بين المذاهب وليست طرفاً من الأطراف بل هى الحكم بين الأطراف فأهل السنة لامع هؤلاء ولامع هؤلاء، بل هم مع هؤلاء فيما
أصابوا فيه، وهم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه، فكل حق مع طائفة من الطوائف يوافقونهم فيه، وهم براء من باطلهم، فهم حكام بين الطوائف لا
يعاملون بدعة ببدعة ولا يرمون باطلاً بباطل، ولا يحملهم شنآن قوم ألا يعدلوا فيهم، بل يقولون فيهم الحق ويحكمون فى مغالاتهم بالعدل0
إن السنة المطهرة هى مدرسة الأصالة الإسلامية التى تجمع خير ما فى الفرق وتحكم بينها وترتفع عن الخلاف حول الأفراد والأشخاص، وتقرر
أن هذا الخلاف هو الذى أفسد المفاهيم الإسلامية أ0هـ(2)0
(1) المنتقى فى منهاج الاعتدال ص 22 0
(2) منهاج السنة لابن تيمية 1 /13 0
(3) قال فيه الحافظ ابن حجر : صدوق، يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولى القضاء بالكوفة، وكان عادلاً فاضلاً عابداً، شديداً على أهل البدع0
مات سنة 177هـ أو 178هـ0 له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1 /417 رقم 2795، والكاشف 1 /485 رقم 2276، والثقات للعجلى
ص217،رقم664، والثقات لابن حبان6 /444، ومشاهير علماء الأمصار ص201 رقم1353، والثقات لابن شاهين ص 169 رقم 528 0
(4) منهاج السنة لابن تيمية 1 /13 0
(5) حماد بن سلمة : هو حماد بن سلمة بن دينار المصرى، أبو سلمة، ثقة عابد أثبت الناس فى ثابت، وتغير حفظه بآخره، مات سنة 167
هـ، له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1 /238 رقم 1054، وتذكرة الحفاظ 1 /202 رقم 197، والكاشف 1 /349، رقم 1220، والثقات
للعجلى ص 131 رقم 330، والثقات لابن حبان 6 /216، ومشاهير علماء الأمصار ص188 رقم 1243، وشذرات الذهب 1 /262 0
(6) منهاج السنة لابن تيمية 1 /13 0
(7) الإمام الشافعى:هو أبو عبد الله،محمد بن أدريس بن العباس بن شافع القرشى المطلبى،الإمام الجليل، صاحب المذهب المعروف، من أشهر
مصنفاته "الأم" و"الرسالة" و"أحكام القرآن" مات سنة 204هـ له ترجمة فى : طبقات الشافعية لابن السبكى 2 /71 رقم 14، وشذرات الذهب
2 /9، ووفيات الأعيان 4 /163 رقم 558، وطبقات الفقهاء للشافعيين لابن كثير 1 /3-93 0
(8) منهاج السنة لابن تيمية 1 /14 0
(1) انظر : اللآلئ المصنوعة للسيوطى 1 /325، وتنـزيه الشريعة لابن عراق 1 /385، والفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة
للشوكانى ص 367 0
(2) انظر : المقاصد الحسنة للسخاوى ص 97، رقم 189، وتنـزيه الشريعة 1 /397 0
(3) الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 93 0
(4) ابن أبى الحديد هو:عبدالحميد بن هبة الله بن أبى الحديد،أبو حامد،الأديب،الفقيه الأصولى،الشيعى الغالى، وكان حظياً عند الوزير ابن
العلقمى، لما بينهما من المناسبة والمقاربة والمشابـهة فى التشيع والأدب، من مؤلفاته "شرح نـهج البلاغة" "والفلك الدائر على المثل
السائر" وغير ذلك0 مات سنة 655هـ0 له ترجمة فى : البداية والنهاية 13 /213، ووفيات الأعيان 1 /248، والنجوم الزاهرة 8 /19،
وذيل طبقات الفقهاء الشافعيين للعبَّادِى ص76، والأعلام 3 /289 0
(5) شرح نـهج البلاغة 1 /135 0
(6) انظر : اللآلئ المصنوعة 1 /388، وتنـزيه الشريعة 2 /8، والفوائد المجموعة ص 407 0
(7) انظر : الموضوعات لابن الجوزى 2/28، واللآلئ المصنوعة 1 /390، وتنـزيه الشريعة 2 /16، والفوائد المجموعة ص407 0
(1) الخليلى : هو أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد القزوينى، ثقة حافظ عارف بكثير من علل الحديث ورجاله، عالى الإسناد، كبير القدر
مصنف كتاب "الإرشاد فى معرفة المحدثين" مات سنة 446هـ0 له ترجمة فى : طبقات الحفاظ للســـيوطى ص 430 رقم 973، والعبر 3
/211 وتذكرة الحفـاظ للذهبى 3 /1123 رقم 1008 0
(2) الإرشاد فى معرفة المحدثين ص 12 0
(3) السنة ومكانتها فى التشريع ص 80،81 بتصرف0
(4) انظر : اللآلئ المصنوعة 1 /292، وتنـزيه الشريعة 1 /350، والفوائد المجموعة ص 342 0
(5) انظر : تنـزيه الشريعة 2 /4، والفوائد المجموعة ص 404 0
(6) انظر:الموضوعات لابن الجوزى2 /23، واللآلئ المصنوعة1 /387، وتنـزيه الشريعة 2 /7، الفوائد المجموعة ص 406 0
(1) انظر : الموضوعات 2 /31، واللآلئ المصنوعـة 1/393، وتنـزيه الشريعة 2 /10، والفوائد المجموعة ص 402 0
(2) الباعث الحثيث للأستاذ محمد شاكر ص 72 0
(3) الألوسى:هو محمود شكرى بن عبد الله بن شهاب الدين محمود الألوسى الحسينى أبو المعالى، عالم بالأدب والدين، والتاريخ، ومن الدعاة
إلى الإصلاح،من مصنفاته، روح المعانى، ومختصر التحفة الإثنى عشرية، مات بغداد سنة 1342هـ0 له ترجمة فى الأعلام للزركلى 7
/172، 173 0
(1) السدى الكبير : هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة السدى، نسبة إلى سدة مسجد الكوفة كان يبيع بـها المقانع، صدوق يهم،
ورمى بالتشيع مات سنة 127هـ0 له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1 /97 رقم 464، والكاشف 1 /247 رقم 391، والثقات للعجلى ص
66 رقم 94، والجرح والتعديل 2 /184 رقم 625 0
(2) السدى الصغير : هو محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل الكوفى، متهم بالكذب0 له ترجمة فى : تقريب التهذيب 2 /131 رقم
6303، والمجروحين لابن حبان 2 /286، وخلاصة تذهيب تـهذيب الكمال ص358، والضعفاء والمتروكين للنسائى ص 219 رقم 565،
والجرح والتعديل 8 /86 رقم 364، والضعفاء لأبى زرعة الرازى 2 /657 رقم 306 0
(3) الغزالى : هو محمد بن محمد الغزالى، أبو حامد، الملقب بحجة الإسلام، كان بارعاً فى الفقه، وأصول الدين، وأصول الفقه، والمنطق
والفلسفة، من أشهر مصنفاته : المستصفى فى أصول الفقه، وإحياء علوم الدين، مات سنة 505هـ0 له ترجمة فى : وفيات الأعيان لابن
خلكان 4 /216 رقم 588، وطبقات الشافعية لابن السبكى 6/389 رقم 694، وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص 69، وشذرات الذهب 4
/10 0
(4) مختصر التحفة الإثنى عشـرية للعلامة الألوسى ص32،33 بتصرف، وانظر : منهاج السنة لابن تيمية 3 /246 0
(1) تاريخ الجهمية ص 56، وانظر : فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام للدكتور غالب عواجى 2/821، والخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية
للدكتور محمد عمارة ص 273 0
(2) السنة ومكانتها فى التشريع ص7، وانظر : الفرق بين الفرق ص 127، والملل والنحل 1/32، وموقف المعتزلة من السنة النبوية
ومواطن انحرافهم عنها للدكتور أبولبابة حسين ص42-46 0
(3) مقالات الإسلاميين مقدمة المحقق 1/23، وانظر : فجر الإسلام ص 474، وضحى الإسلام 3/95،96 0
(1) الملل والنحل 1 /53، 54 0
(2) الملل والنحل 1 /50 0
(3) مقالات الإسلاميين 2 /277 0
(4) مقالات الإسلاميين 2 /278، وانظر : تاريخ المذاهب الإسلامية ص 130، 131 0
(5) انظر:تفصيل تأثر المعتزلة بغيرها من الفرق،وتأثيرها فى غيرها سواء مما تأثرت به أو غيرها فى: مقالات الإسلاميين 1 /187، ورسائل
العدل والتوحيد للدكتور محمد عمارة 1 /79، وضحى الإسلام3 /207وفرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام2 /865، والشيعة الإثنا عشرية
ومنهجهم فى التفسير ص 562، والمعتزلة واتجاههم العقلى وأثره فى تطور الفكر الإسلامى الحديث ص420، 421، 422 ، والاتجاه
الاعتزالى فى الفكر الإسلامى الحديث للدكتور أحمد محمد عبد العال0
(6) انظر : المؤامرة على الإسلام للأستاذ أنور الجندى ص 21، وموقف المعتزلة من السنة للدكتور أبو لبابة ص 169-172، وتاريخ
المذاهب الإسلامية ص 131 0
(7) الحسن البصرى : هو الحسن بن أبى الحسن يسار البصرى، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت كان عالماً رفيعاً ثقة حجة ولد لسنتين بقيتا من
خلافة عمر0ومات سنة 110هـ له ترجمة فى:وفيات الأعيان 2 /69 رقم 156، وتـهذيب التهذيب 2/263 رقم 488، وطبقات المفسرين
للداودى 1 /150 رقم 144، وتذكرة الحفاظ 1 /71 رقم 66، ومشاهير علماء الأمصار ص113 رقم 642 0
(1)انظر:الملل والنحل للشهرستانى1 /40، والفرق بين الفرق للبغدادى ص116، وفرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام 2 /822، والخلافة
ونشأة الأحزاب الإسلامية للدكتور محمد عمارة ص179-198
(2) انظر : الفرق بين الفرق ص112 - 115، وفرق معاصرة 2 /822 0







 
قديم 06-03-08, 04:39 AM   رقم المشاركة : 4
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


(3) الخياط:هو أبو الحسين،عبدالرحيم بن محمد بن عثمان،شيخ المعتزلة البغدادية من نظراء الجبائى،وله مكانة عند المعتزلة0 من آثاره:
الانتصار، والرد على من أثبت خير الواحد0له ترجمة فى : تاريخ بغداد 11 /87 رقم 5770،ولسان الميزان 4 /342 رقم 5156، وسير
أعلام النبلاء 14 /220 رقم 121، واللباب فى تـهذيب الأنساب 1 /475، وطبقات المعتزلة لابن المرتضى ص 85 0
(4) الانتصار ص 188، 189 0
(1) رسائل العدل والتوحيد 1 /76، 77، وانظر : الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية كلاهما للدكتور محمد عمارة ص 186، 187، 196 0
(1) فرق معاصرة2/823،824،832، وانظر: فتح البارى 13 /357، وانظر: شرح الأصول ص197، وفضل الاعتزال ص140-141،
وأدب المعتزلة ص135،136، ومقالات الإسلاميين 1 /235، والملل والنحل1/40، وموقف المعتزلة من السنة ومواطن انحرافهم عنها
للدكتور أبو لبابة ص33
(2) فرق معاصرة 2 /825 0
(3) فرق معاصرة 2 /834، وانظر : شرح الأصول ص 301، والملل والنحل 1 /41، والفصل فى الملل والنحل لابن حزم 3 /164 والمغنى
فى أبواب التوحيد والعدل 3 /8 0
(4) فرق معاصرة 2 /824، 825، وانظر : موقف المعتزلة من السنة للدكتور أبو لبابة ص 31 0
(5) جزء من الآية 8 من سورة الرعد0
(6) الآية 21 من سورة الحجر0
(1) الآية 49 من سورة القمر0
(2) شرح الأصول ص 134، وانظر : الملل والنحل 1 /42، والمعتزلة زهدى جار الله ص 51، 52، وفضل الاعتزال ص 154 0
(3) الآية 48 من سورة النساء0
(4) الآية 53 من سورة الزمر0
(5) الآية 48 من سورة البقرة0
(6) جزء من الآية 18 من سورة غافر0
(1) الفرق بين الفرق للبغدادى ص116، وانظر : الملل والنحل 1 /42، وشرح الأصول ص137، 697، وفضل الاعتزال 17، 64 0
(2) الآية 104 من سورة آل عمران، وانظر : شرح الأصول ص 141، 744 0
(3) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان كون النهى عن المنكر من الإيمان ... إلخ 1 /296، 297 رقم 49 من حديث أبى
سعيد الخدرى t 0
(1) فرق معاصرة 2 /849 - 851، وانظر : الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ص 256، 261، والمعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل
السنة منها للأستاذ عواد عبد الله ص273، 276 0
(2) شرح العقيدة الطحاوية 2 /286 0
(3) رسائل العدل والتوحيد 1 /76، وانظر : رسائل الجاحظ 1 /287، وفضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 181، 182 0
(1) الانتصار ص 151 0
(2) أبو الهذيل العلاف : هو محمد بن الهذيل بن عبيد الله البصرى العلاف، من أئمة المعتزلة، له مقالات فى الاعتزال، وانفرد بآراء مات سنة
235هـ وقيل غير ذلك0 له ترجمة فى : طبقات المعتزلة لابن المرتضى ص 44، وتاريخ بغداد 3/366 رقم 1482، ولسان الميزان 5/597
رقم 8222، ووفيات الأعيان 4/265 رقم 606، وشذرات الذهب 2/85، وسير أعلام النبلاء 10/542 رقم 173 0
(3) مقالات الإسلاميين 2/145 0
(4) الانتصار للخياط ص 152 0
(5) البلخى : هو محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدى، نسبة إلى ما تريد محله بسمرقند، من أئمة الكلام0 مات سنة 333هـ0
له ترجمة فى : الفوائد البهية فى تراجم الحنفية للكنوى ص335، ومفتاح السعادة لأحمد بن مصطفى 2/21 0
(6) شرح نـهج البلاغة لابن أبى الحديد 1/137، وانظر : ضحى الإسلام 3/177-180 0
(1) النَّظَّام : هو إبراهيم بن سار بن هانئ البصرى، أبو إسحاق النظام، شيخ المعتزلة، تبحر فى علوم الفلسفة، وانفرد بآراء تابعته فرقة من
المعتزلة سميت النظامية0 اتـهم بالزندقة، وكفره جماعة، مات سنة بضع وعشرين ومائتين0 وله كتب فى الفلسفة والاعتزال0 له ترجمة فى
: طبقات المعتزلة لابن المرتضى ص49، تاريخ بغداد 6/97 رقم 3131، سير أعلام النبلاء 10 /541 رقم 172، لسان الميزان 1 /96 رقم
176، ومروج الذهب 6/371 0
(2) الفرق بين الفرق ص 137، وانظر : الانتصار للخياط ص 230، وآراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويماً للدكتور على بن سعد بن صالح
ص 347 0
(3) الفرق بين الفرق ص 137، 138، وانظر : الانتصار للخياط ص 232، والملل والنحل 1 /50، وتأويل مختلف الحديث ص 28 0
(4) الحازمى : هو أبو بكر، محمد بن موسى بن عثمان بن حازم، كان من الأئمة الحفاظ، العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله، ثقة نبيلاً
حجة زاهداً ورعاً عابداً، أدركه أجله شاباً، من مصنفاته، الناسخ والمنسوخ، وعجالة المبتدئ فى الأنساب، وشروط الأئمة الخمسة، مات سنة
584هـ0 له ترجمة فى : طبقات الحفاظ للسيوطى ص484 رقم 1071، وتذكرة الحفاظ 4 /1363 رقم 1106، وتـهذيب الأسماء واللغات
للنووى 2 /192، وشذرات الذهب 4 /282، والبداية والنهاية 12 /332، والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى 6 /109 0
(1) شروط الأئمة الخمسة ص 47، وأبو حاتم بن حبان : هو محمد بن حبان بن أحمد، أبو حاتم البستى التميمى، كان من أوعية العلم فى
الفقه، والحديث، واللغة، والوعظ، وفنون العلم، وولى قضاء سمرقند، من مصنفاته، المسند الصحيح، والتاريخ، والضعفاء، مات سنة 354هـ
له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 3 /920 رقم 879، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 375 رقم 847، والبداية والنهاية 11 /295، والرسالة
المستطرفة ص 20، وشذرات الذهب 3 /16، والوافى بالوفيات 2 /317 0
(2) جزء من الآية 65 من سورة الأنفال0
(3) الفرق بين الفرق ص 124، 125، وانظر : الملل والنحل 1 /47 0
(1) الكعبى : هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبى، البلخى، رأس طائفة من المعتزلة تسمى الكعبية، وله تصنيف فى الطعن على المحدثين،
يدل على كثرة إطلاعه وتعصبه0 مات سنة 319 هـ له ترجمة فى : لسان الميزان 3 /716 رقم 4054، وشذرات الذهب 2 /281 ووفيات
الأعيان 2 /248 رقم330، والبداية والنهاية11 /284، وطبقات المعتزلة لابن المرتضى ص 25، 49 0
(2) أبو الحسين : هو محمد بن على بن الطيب البصرى، أبو الحسين، أحد أئمة المعتزلة، قال الخطيب البغدادى : له تصانيف وشهرة بالذكاء
والديانة على بدعته، من آثاره : "المعتمد فى أصول الفقه، وتصفح الأدلة، وليس بأهل للرواية، مات سنة 436هـ0 له ترجمة فى : طبقات
المعتزلة لابن المرتضى ص 118، والكامل فى التاريخ 9 /27، ووفيات الأعيان 4 /271 رقم 609، وميزان الاعتدال 3 /654 رقم 7972،
والبداية والنهاية 12 /53 0
(3) الدقاق : هو محمد بن محمد بن جعفر الدقاق الشافعى، الفقيه الأصولى، القاضى كان عالماً فاضلاً، له كتاب فى أصول الفقه، مات سنة
392هـ0 له ترجمة فى:تاريخ بغداد3 /229 رقم 1294، والنجوم الزاهرة 4 /206، والوافى بالوفيات 1 /116 0
(4) الإحكام للآمدى 2 /27، وانظر : المسودة فى أصول الفقه آل تيمية ص 234 0
(5) الإحكام للآمدى 2 /39، والمسودة فى أصول الفقه ص 236، والبرهان 1 /217 0
(6) الإحكام لابن حزم 1 /110، وانظر : الاعتصام للشاطبى 1 /187 0
(7) تدريب الراوى 1 /70 0
(1) الحاكم : هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابورى يعرف بابن البيع، كان إمام عصره فى الحديث العارف به حق معرفته، صالحاً ثقة،
يميل إلى التشيع، صاحب المستدرك على الصحيحين، وتاريخ نيسابور، ومعرفة علوم الحديث، ومناقب الشافعى وغير ذلك، مات سنة405هـ0
له ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 3 /1039 رقم 962، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص410 رقم 927، وشذرات الذهب 3 /175، وطبقات
الشافعية لابن السبكى 4 /155 رقم328، وتاريخ بغداد 5/473 رقم 3024، والبداية والنهاية 11 /355، والرسالة المستطرفة ص21،
وميزان الاعتدال 3 /608 رقم 7804، ووفيات الأعيان 4/280 رقم 615
(2) ابن الأثير : هو أبو الحسن على بن محمد بن عبد الكريم الجزرى، كان إماماً علامة بالسير وأيام الناس، حافظاً، لغوياً، من مصنفاته :
اسد الغابة فى معرفة الصحابة، واللباب فى تـهذيب الأنساب، مات سنة 630هـ0 له ترجمة فى تذكرة الحفاظ 4 /1399 رقم 1124،
وطبقات الحفاظ للسيوطى ص495 رقم 1090، والبداية والنهاية 13 /139، وشذرات الذهب 5 /137، ووفيات الأعيان 3 /348 رقم 460،
والعبر 5 /120 0
(3) تدريب الراوى 1 /71، وانظر : ص 124-127 0
(4) فتح البارى 13 /246 أرقام 7250 - 7257، وانظر : سؤالات مسعود بن على السجزى للحاكم ص 209 رقم 267 0
(5) الآمدى : هو على بن أبى على بن محمد بن سالم الثعلبى، المكنى بأبى الحسن، الملقب بسيف الدين، كان فقيهاً أصولياً منطقياً حسن
الأخلاق فصيح اللسان بارع البيان0 من مصنفاته : الإحكام فى أصول الأحكام، ودقائق الحقائق فى الحكمة، مات سنة 631هـ0 له ترجمة فى
: وفيات الأعيان 3/293 رقم 432، وطبقات الشافعية لابن السبكى 8 /306 رقم 1207، والبداية والنهاية 13 /140، وشذرات الذهب 5
/144 0
(6) الإحكام للآمدى 2 /68، 75، وانظر : المعتمد فى أصول الفقه 2 /106 0
(7) الجوينى: هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينى، المكنى بأبى المعالى، الملقب بإمام الحرمين،أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعى
t من مؤلفاته : البرهان فى أصول الفقه، والإرشاد فى علم الكلام0 مات سنة 478هـ0 له ترجمة فى : سير أعلام النبلاء 11 /137 رقم
4313، وشذرات الذهب 3 /360، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 2 /466-470 رقم 8 0
(1) البرهان فى أصول الفقه 1 /228، 231، وانظر : المسودة فى أصول الفقه لآل تيمية ص 238، والمعتمد فى أصول الفقه 2 /106 وما
بعدها0 وفضل الاعتزال ص 195 0
(2) الفرق بين الفرق ص 168 ، وانظر : الملل والنحل 1 /66 0
(3) انظر : تدريب الراوى 1 /72 0
(4) البرهان للجوينى 1 /231 0
(5) المسودة فى أصول الفقه لآل تيمية ص 236، 238 0
(6) ابن عُليّة : هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدى مولاهم، أبو بشر البصرى، المعروف بابن عُلّيه، ثقة حافظ في غير بدعته0 مات
سنة 193هـ له ترجمة فى : تقريب التهذيب 1 /90 رقم 417، والكاشف 1 /243 رقم 350، والثقات لابن حبان 6/44، ومشاهير علماء
الأمصار ص192 رقم 1277، ولسان الميزان 1 /50 رقم 65، والمغنى فى الضعفاء 1 /10 رقم 39 0
(6) تدريب الراوى1 /75، وانظر: آراء المعتزلة الأصولية دراسةوتقويماً للدكتور علىبن سعد بن ص333 .
(1) أعلام الموقعين 2 /275، 276 0
(2) انظر : الاعتصام باب فى مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1 /199 0
(3) تأويل مختلف الحديث ص84 وما بعدها، وانظر: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ص210-212
(4) المعتمد فى أصول الفقه 2 /549، وانظر : شرح الأصول الخمسة ص 565 0
(5) انظر : المعتمد فى أصول الفقه 2 /102، وشرح الأصول ص 769 0
(6) الجاحظ : هو عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى، مولاهم، أبو عثمان، المشهور بالجاحظ، البصرى، المعتزلى، كان متبحراً فى الأدب،
ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة، ليس بثقة ولا مأمون، وكان من أئمة البدع، من مؤلفاته الحيوان، والبيان والتبيين، ومجموع رسائل
وغيرها0 مات سنة 255هـ0 له ترجمة فى : تاريخ بغداد 12/212 رقم 6669، ووفيات الأعيان 3 /470 رقم 506، وميزان الاعتدال 3
/247 رقم 6333، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزى2 /223 رقم 2545، والبداية والنهاية 11 /19، ولسان الميزان 5 /286 رقم
6300 0
(7) رسالة التربيع والتدوير، ضمن رسائل الجاحظ 3 /58 0
(8) كتاب المعلمين0 ضمن رسائل الجاحظ 3 /58 0
(1) القاضى عبد الجبار : هو عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذانى، أبو الحسين، قاضى، أصولى، كان شيخ المعتزلة فى عصره،
يلقبونه قاضى القضاة، ولا يطلقون ذلك على غيره، من مصنفاته: تنـزيه القرآن عن المطاعن، وشرح الأصول الخمسة، والمغنى فى أبواب
التوحيد والعدل0 وغير ذلك0 مات سنة 415هـ0 له ترجمة فى : تاريخ بغداد 11 /113 رقم 5806، وميزان الاعتدال 2 /533 رقم
4737، وطبقات الشافعية لابن السبكى 5 /97 رقم 443، وطبقات المعتزلة لابن المرتضى ص 7، 43، وطبقات المفسرين للداودى 1 /262
رقم 248، ولسان الميزان 4 /211 رقم 4939 0
(2) شرح الأصول ص 770، وانظر : فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 182، والمعتمد فى أصول الفقه 2/549 0
(3) الانتصار ص 152، 153 0
(1) الانتصار ص 152، 153 0
(2) ومن عجيب الأمر أن الخياط يعيب على المحدثين عدم أخذهم بأصل المعتزلة بالبراءة من معاوية، وعمرو بن العاص ومن فى شقهما،
فيقول [ولقد أفرطوا فى ذلك حتى تولوا من قامت الحجة بعدواته والبراءة منه] انظر : الانتصار ص 213 0
(3) راجع : ص 111 0
(4)الفرق بين الفرق ص117، وانظر: الملل والنحل للشهرستانى 1 /43، وميزان الاعتدال للذهبى 4 /329 .
(1) الفرق بين الفرق ص118، وانظر : الملل والنحل للشهرستانى 1 /43 0
(2) الفرق بين الفرق ص 140-142، وانظر : ضحى الإسلام 3 /86 0
(3) الفرق بين الفرق ص 143 0
(4) الشهرستانى : هو محمد بن عبد الكريم بن أحمد، أبو الفتح الشهرستانى، الملقب بالأفضل، كان إماماً فى علم الكلام، وأديان الأمم،
ومذاهب الفلاسفة، له معرفة بالأصول والأدب، من مصنفاته الملل والنحل، والإرشاد إلى عقائد العباد، وغير ذلك0 مات سنة 548هـ0 له
ترجمة فى : تذكرة الحفاظ 4 /1313 فى ترجمة السبحى رقم 1088، ووفيات الأعيان 4 /273 رقم611، وطبقات الشافعية لابن السبكى 6
/128 رقم 653، ولسان الميزان 6 /304 رقم7760، والوافى بالوفيات 3 /278 رقم 1319، وشذرات الذهب 4 /149 0
1) ابن قتيبة : هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى أو المروزى، أبو محمد وقيل أبو عبد الله، كان ثقة ديناً فاضلاً، عالماً باللغة، والنحو،
وغريب القرآن، ومعانيه، والشعر، والفقه، من مصنفاته : تأويل مشكل القرآن، وتأويل مختلف الحديث، والمعارف0 وغير ذلك0 مات سنة
276هـ0 له ترجمة فى : تاريخ بغداد 10 /170 رقم 5309، وميزان الاعتدال 2 /503 رقم 4601، والفهرست لابن النديم ص123،
والبداية والنهاية 11 /48، وتذكرة الحفاظ 2/633، ووفيات الأعيان 3 /42 رقم 328، وطبقات المفسرين للداودى 1 /251 رقم 234
(2) تأويل مختلف الحديث ص 33 - 44 0
(3) السنة ومكانتها فى التشريع ص6، وانظر : تأويل مختلف الحديث ص 54، وانظر : ما قاله الأئمة عن فساد دين رؤوس المعتزلة فى
تأويل مختلف الحديث ص 28، والفرق بين الفرق ص 143 0
(4) الاعتصام 1 /186 وما بعدها0
(1) انظر : موقف المعتزلة من السنة ومواطن انحرافهم عنها للدكتور أبو لبابة ص 43، 73، 97، والخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية للدكتور
محمد عمارة ص 212-215 0
(2) الإبانة للأشعرى ص 14 0
(3) الإسرائيليات والموضوعات فى كتب التفسير، ص 114، 115 0
(1) سيأتى بالبرهان الواضح أن القضية مع المعتزلة فى العقائد ليست قضية متواتر وآحاد، وإنما قضية أصولهم فهى الأصل، والقرآن والسنة
الفرع، بدليل تأويلهم لآيات القرآن المتواترة فى أحاديث العقائد لتعارضها مع أصولهم، ولو صدقوا فى دعواهم بأن الآحاد لا يؤخذ بـها فى
العقائد، فلماذا يؤولون تأويلاً أشبه بالرد، الآيات المتواترة فى العقائد؟ انظر : موقف المعتزلة من الســـنة ومواطن انحرافهم عنها للدكتور
أبو لبابة حسين ص 97، 98 0
(2) انظر:الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 332 بتصرف، والسنة ومكانتها فى التشريع ص142، والضوء اللامع المبين عن
مناهج المحدثين للدكتور أحمد محرم الشيخ1 /189-196 0
(3) انظر : العقيدة والشريعة لجولدتسيهر ص 100 - 102، 118 - 120، وانظر : تراث الإسلام لجوزيف شاخت ص 203، 218،
ودراسات فى حضارة الإسلام لهاملتون جب ص 268 - 269، 274، ودائرة المعارف الإسلامية ص 576، 580، 584 0
(4) ضحى الإسلام 3 /207 0
(5) انظر : منهج المدرسة العقلية الحديثة فى التفسير للدكتور فهد الرومى0
(6) انظر : موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية للأستاذ الأمين الصادق الأمين0
(1) انظر : أضواء على السنة محمود أبو رية ص377 وما بعدها، والأضواء القرآنية السيد صالح أبو بكر 1 /16، 36، وتبصير الأمة بحقيقة
السنة إسماعيل منصور ص 656، ومجلة روزاليوسف العدد 3586 ص 38 -40، والعدد 3559 ص 48-50، مقالات لأحمد صبحى
منصور0
(1) محمد بن سيرين : هو محمد بن سيرين الأنصارى، أبو بكر بن أبى عمرة البصرى، ثقة، ثبت، عابد، كبير القدر، مات سنة 110هـ له
ترجمة فى تقريب التهذيب 2 /85 رقم 5966، والكاشف 2 /178 رقم 4898، والثقات للعجلى ص 450 رقم 1464، والثقات لابن حبان 5
/348، والجرح والتعديل 7 /280، ومشاهير علماء الأمصار ص 113 رقم 643 0
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووى) فى المقدمة، باب بيان أن الإسناد من الدين 1 /84 0
(1) صون المنطق للسيوطى 3 183، نقلاً عن أبى المظفر فى كتابه الانتصار0
(2) انظر : طبقات الشافعية لابن السبكى 3 /260، وسير أعلام النبلاء 18 /474 0
(3) الكرابيسى هو : الوليد بن أبان الكَرَابيسى، بفتح أوله والراء، نسبة إلى بيع الثياب، انظر : اللباب فى تـهذيب الأنساب3 /88، أحد أئمة
الكلام،له ترجمة فى:تاريخ بغداد13 /446 رقم7317، وميزان الاعتدال 1 /414، وسير أعلام النبلاء 10 /548 رقم 1717 0
(1) شرف أصحاب الحديث ص 108، 109 رقم 105، وانظر: تاريخ بغداد13 /441، وسير أعلام النبلاء 10 /548 0
(2) المؤامرة على الإسلام للأستاذ أنور الجندى ص 229 : 234 بتصرف وتقديم وتأخير0

====
الفصل الأول
شبهات حول حجية السنة النبوية الشريفة

وينقسم إلى ثلاثة مباحث :
1- المبحث الأول : شبهات بنيت على آيات من القرآن الكريم0 ونذكرها فى مطلبين :
1- المطلب الأول : شبهة الاكتفاء بالقرآن الكريم وعدم الحاجة إلى السنة النبوية والرد عليها0
2- المطلب الثانى : شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله  بحفظهــا والرد عليها0
2- المبحث الثانى : شبهات بنيت على أحاديث من السنة النبوية0 وينقسم إلى تمهيد وثلاثة مطالب :
1- المطلب الأول: شبهة عرض السنة على القرآن الكريم والرد عليها0
2- المطلب الثانى : شبهة عرض السنـة علـى العقـل والرد عليها0
3- المطلب الثالث : وفيه الشبه الآتية :
2- شبهة النهى عن كتابة السنة النبويـة والرد عليها0
2- شبهة التأخر فى تدوين السنة المطهرة والرد عليها0
3- شبهـة روايـة الحديـث بالمعنـى والرد عليهـا0
4- شبهة كثـرة الوضاعيـن للحديـث والرد عليهـا0
3- المبحث الثالث : أدلة حجية السنة النبوية0 وتحته خمسة مطالب :
1- المطلب الأول : العصمــــة0
2- المطلب الثانى : القرآن الكريـم0
3- المطلب الثالث : السنة النبويـة0
4- المطلب الرابع : إجماع الأمـة0
5- المطلب الخامس : العقل والنظر0

المبحـث الأول
شبهات بنيت على آيات من القرآن الكريم
تمهيـد :
إننا لو فتشنا عن المحاربين لسنة النبى ، لوجدنا أنهم يتظاهرون بإجلال القرآن واحترامه، وأنه الحجة التى ليس وراءها حجة،
فيقولون : علينا بالاكتفاء بالقرآن الكريم فقط؛ فهو كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المصدر الأول للإسلام، وهو
الذى سلم من التغيير والتبديل … إلى آخر ما يقولونه تظاهراً بحبهم للإسلام، ودفاعاً عنه، وغيرة على ما فى كتاب الله  من شريعة وأحكام،
غير أنهم لا يريدون – مع ذلك – أن يضبطوا أنفسهم وعقولهم بهذا الذى أمر القرآن الكريم بضبط أنفسنا وعقولنا به، من اتباع سنة المصطفى
 مصطنعين لأنفسهم ما يشاءون من آيات القرآن الكريم، يستدلون بها على الاكتفاء بالقرآن وحده، وعدم حجية السنة والحاجة إليها0

وما استدلوا به من آيات قرآنية بنوا عليها شبهتين جعلوهما قاعدتين ينطلقون منهما تشكيكاً فى حجية السنة0 نذكرهما فى مطلبين :
1- المطلب الأول : شبهة الاكتفاء بالقرآن وعدم الحاجة إلى السنة النبوية والرد عليها0
2- المطلب الثانى : شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفـل الله بحفظهـا والرد عليها0

المطلب الأول
شبهة الاكتفاء بالقرآن الكريم وعدم الحاجة إلى السنة النبوية

واستدلوا على ذلك من القرآن الكريم بآيات عدة وهى :
1- قوله تعالى : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ( )0
واستدل بهذه الآية الدكتور توفيق صدقى( )، ومحمود أبو ريه( )، ومحمد نجيب( )، وقاسم أحمد( )0
2- وقوله تعالى :  وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ( )0
3- وقوله تعالى : أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا( )
4- وقوله تعالى : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا( )0

واستدل بهذه الآيات الكريمات وما فى معناها( ) عدد من أعداء السنة المطهرة المنكرين لحجيتها قديماً وحديثاً، الزاعمين أن
القرآن فى غنى عن السنة؛ لأن فيه بيان وتفصيل كل شئ؛ فقديماً على سبيل المثال لا الحصر : الطائفة التى ناظر الإمام الشافعى واحداً من
أتباعها واستدلوا بقوله تعالى : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ( )0
وحديثـاً : الدكتور توفيق صدقى( )، وأبو رية( )، ومحمد نجيب( )، ومصطفى كمال المهدوى( )، وأحمد صبحى منصور( )،
وقاسم أحمد( )، وجمال البنا( )، ورشاد خليفة( )0
5- وقوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا( )0 واستدل بهذه الآية أبو رية( )، ومحمد نجيب(
)0
6- وقوله تعالى : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ( )0 واستدل بهذه الآية
الدكتور أحمد صبحى منصور( )، وإسماعيل منصور( )0
7- وقوله تعالى : وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ( ) واستدل بهذه الآية الدكتور إسماعيل منصور( )0
8- وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( )0 واستدل بهذه الآية محمد نجيب(
)، وإسماعيل منصور( )0

هذه الآيات الكريمات وما فى معناها؛ استدل بها دعاة الفتنة على عدم حجية السنة النبوية المطهرة، وشبهتهم فى هذه الآيات؛
أنها تبين أن القرآن تام قد حوى كل شئ، كما فى آية الأنعام "وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ"، والله  ما فرط فى الكتاب من شئ، كما فى آية الأنعام "مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" فأتى بالعام ثم فصله تفصيلاً، كما فى آية الأنعام "وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا" وغيرها، وأتى بالمجمل ثم
بينه للناس تبيناً تاماً، كما فى أية النحل "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" فهو لا يحتاج بعد هذا البيان إلى شئ آخر، وإلا لو احتاج إلى شئ
آخر لكان القرآن غير صادق فيما قال، وهذا أمر مستحيل على الله ، ومستحيل على كلامه0

هذه هى ناصية الشبهة الأولى وجماعها، وهم يذكرون لها حشداً عظيماً من الآيات التى تؤيدها سواء كان الدليل فى موضوعه
كما فى الآيات التى استشهدوا بها سابقاً، أو فى غير موضوعه كما فى باقى الآيات "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ
بِهِ" "وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ" "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ"0

فهؤلاء المدلسون ما عليهم إلا أن يفتحوا المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وينقلوا منه الآيات التى يشوشون بها على
المسلمين، ويضعون أمام كل آية جملة تلائمها، ولا يهمهم بعد ذلك أبقيت وحدة الموضوع بين أيديهم أم لم تبق0

على أية حال فإن هذه هى الشبهة الأولى فى أصلها الأصيل وكلياتها التى لا تخرج عنها مهما علا الضجيج أو ارتفع الصياح( )0

ويقول الدكتور السباعى - رحمه الله تعالى - تتلخص حجة من يرد الأخبار كلها كما حكاه الشافعى فى قولهم : إن القرآن جاء
تبياناً لكل شئ، فإن جاءت الأخبار بأحكام جديدة لم ترد فى القرآن؛ كان ذلك معارضة من ظنى الثبوت وهى الأخبار، لقطعيه – وهو القرآن –
والظنى لا يقوى على معارضة القطعى، وإن جاءت مؤكدة لحكم القرآن؛ كان الاتباع للقرآن لا للسنة، وإن جاءت لبيان ما أجمله القرآن، كان
ذلك تبيناً للقطعى الذى يكفر منكر حرف منه، بظنى لا يكفر من أنكر ثبوته، وهذا غير جائز0

وربما يتبادر إلى الذهن أنهم على هذا يقبلون المتواتر من الأخبار؛ لأنها قطعية الثبوت، فكيف عمم الشافعى بقوله : "رد الأخبار
كلها"؟ والذى يظهر أنهم لا يعتبرون المتواتر قطعياً أيضاً بل هو عندهم ظنى؛ لأنه جاء من طرق آحادها ظنية، فاحتمال الكذب فى رواته لا يزال
قائماً ولو كانوا جمعاً عظيماً"( ) أ0هـ0

والجواب عن هذه الشبهة :
إن أعداء السنة المطهرة فهموا أن المراد من الكتاب فى قوله تعالى مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ( ) القرآن، ولكن مجموع
الآيات ابتداء ونهاية، يفيد أن المراد بالكتاب هنا هو اللوح المحفوظ الذى حوى كل شئ، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها،
جليلها ودقيقها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، على التفصيل التام كما جاء فى الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضى الله عنهما -
قال : سمعت رسول الله  يقول : "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة0 قال : وعرشه على الماء"(
)0

وهذا هو المناسب لذكر هذه الجملة عقب قوله تعالى : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ( )0
والمثلية فى الآية ترشح هذا المعنى؛ لأن القرآن الكريم لم ينظم للطير حياة كما نظمها للبشر، وإنما الذى حوى كل شئ للطير والبشر، وتضمن
ابتداءً ونهاية للجميع هو اللوح المحفوظ0 يقول الحافظ ابن كثير : أى الجميع علمهم عند الله ، لا ينسى واحداً من جميعها، من رزقه وتدبيره
سواء كان برياً أو بحرياً؛ كقوله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ( )0 أى
مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها وحاصر لحركاتها وسكناتها"( )0 والآية نظير قوله تعالى :  وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ( )0 وقوله تعالى : عَالِمِ
الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ( )0

وعلى هذا الأساس، ففهم أن المراد بالكتاب فى قوله تعالى : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ0 هو القرآن غير دقيق، ويأباه
السياق العام للآية وربطها بما قبلها، وبغيرها من الآيات التى فى معناها وسبق ذكرها0

ومن المعلوم بداهة أن الكلمة فى اللغة العربية يكون لها أكثر من معنى، ويتحدد المعنى المراد منها من خلال سياق الكلام الذى
وردت فيه، وكلمة "الكتاب" تجئ فى القرآن بمعنى الفرض، والحكم، والقدر( )0 فبمعنى القدر قوله تعالى : وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ
اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا( )0

يقول الحافظ ابن كثير : أى لا يموت أحد إلا بقدر الله، وحتى يستوفى المدة التى ضربها الله له، ولهذا قال تعالى : كتاباً مؤجلاً0
وكقوله تعالى وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ( )0 وكقوله تعالى : الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى
عِنْدَهُ( )0

وبمعنى الفرض قوله تعالى : الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا( ) قال ابن عباس أى مفروضاً( )، والكتاب يأتى فى
القرآن الكريم تارة مراداً به اللوح المحفوظ كما سبق وأن بينا، وتارة أخرى يأتى مراداً به القرآن الكريم كما فى قوله تعالى : الر كِتَابٌ
أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ( )0 إلى غير ذلك من الآيات الكريمة0

ومع هذا فنحن نسلم لكم أن المراد من الكتاب "القرآن"، ولكننا نقول لكم : إن هذا العموم غير تام، بل هو مخصص بقول الله
تعالى : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( )0 والذى يجعلنا نذهب إلى تخصيص هذا العام
أمران :
1- لتتفق آيات القرآن ولا تتعارض فى ظاهرها؛ فإن القرآن ملئ بالآيات التى فوض الله نبيه  فى شرح أحكامها0
2- إن كثيراً من الأمور الجزئية فى حياة المجتمع تحتاج إلى حكم، وليس فى القرآن إلا قواعده الكلية العامة0 وعلى هذا فلا بأس أن يكون
الكتاب فى الآية الكريمة هو القرآن الكريم( )0

ونقول لكم : نعم لم يفرط ربنا  فى كتابه فى شئ من أمور الدين على سبيل الإجمال، ومن بين ما لم يفرط فى بيانه وتفصيله إجمالاً بيان
حجية السنة وجوب اتباعها والرجوع والتحاكم إليها؛ فالقرآن جامع - دون تفريط - كل القواعد الكبرى للشريعة التى تنظم للناس شئون دينهم
ودنياهم، والسنة النبوية هى المبينة لجزئياتها وتفاصيلها وهى المنيرة للناس طريق الحياة، وتنسجم هذه الآية مع الآيات الأخرى التى تؤكد
بالنص أهمية السنة تجاه ما فى الكتاب من القواعد التى تحتاج إلى تخصيص أو تقييد أو توضيح أو تبيين ... إلخ( )0

وهنا نأتى للرد على الآيات الأخرى التى استدلوا بها على أن القرآن أنزل مفصلاً وتبياناً لكل شئ، فلا يحتاج بعد هذا البيان إلى
السنة المطهرة0 أما قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا( )0 وقوله تعالى : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ( )0

فالمراد بالتفصيل والبيان هنا : تفصيل وبيان كل شئ من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، أما تفاصيل تلك القواعد وما أشكل
منها؛ فالبيان فيها راجع إلى السنة النبوية قال تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ( ) فقاعدة وجوب اتباع الرسول 
والتحاكم إلى سنته المطهرة من القواعد الكلية المجملة لهذا الدين، وفصلها ربنا  فى كتابه العزيز كما فى الآية السابقة0 وقوله تعالى : 
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ( ) يقول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى  تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ عن ابن مسعود( )  قال :
قد بين لنا فى هذا القرآن كل علم وكل شئ وقال مجاهد( ) : كل حلال وحرام، وقول ابن مسعود أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم
نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتى، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم - وقال
الأوزاعى : "تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" أى بالسنة( )0

ولا تعارض بين القولين - ابن مسعود والأوزاعى - فابن مسعود يقصد العلم الإجمالى الشامل، والأوزاعى يقصد تفصيل وبيان
السنة لهذا العلم الإجمالى0

ومن هنا؛ فالقول بأن القرآن الكريم تبيانٌ لكل شئ قول صحيح فى ذاته بالمعنى الإجمالى السابق ولكن الفساد فيما بنوه عليه من
الاستغناء عن السنة والاكتفاء بالقرآن ليؤولوه حسب أهوائهم0 وإلا فرب العزة هو القائل فى نفس سورة النحل وقبل هذه الآية قال تعالى : 
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(38)لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ( )0

وقال تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ( ) وقال تعالى : أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ
الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( ) فتلك ثلاث آيات كريمات فى نفس سورة النحل وسابقة لآية وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ
شَيْءٍ والثلاث آيات تسند صراحة مهمة البيان والتفصيل إلى النبى  صاحب السنة المطهرة، فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله  هذه المهمة -
البيان، التى هى من مهام الرسل جميعاً كما قال  أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ( )0 وقال  : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ( )0 ويوقع التناقض بآية الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ0

إن كل الرافضين لحجية السنة، لابد أن يلتزموا بهذه النتيجة التى تعود بالنقض على الإيمان بالكتاب، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله، سواء أقروا
بلسانهم بهذا النقض أم لا، وتنبهوا إلى ذلك أم لا؟!!

ويجدر بنا أن نشير إلى نصوص لبعض العلماء تؤكد الذى قلناه فى معنى البيان الوارد فى الآية التى استشهدوا بها يقول الإمام
الشاطبى( ): "تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلى لا جزئى، وحيث جاء جزئياً فمأخذه على الكلية، إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما
خصه الدليل مثل خصائص النبى 0 ويدل على هذا المعنى - بعد الاستقراء المعتبر - أنه محتاج إلى كثير من البيان، فإن السنة على كثرتها
وكثرة مسائلها إنما هى بيان للكتاب كما سيأتى شرحه إن شاء الله تعالى0
وقد قال الله تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( ) وإذا كان الأمر كذلك فالقرآن على اختصاره جامع، ولا
يكون جامعاً إلا والمجموع فيه أمور كليات لأن الشريعة تمت بتمام نزوله؛ لقوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا( ) وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها فى القرآن، إنما بينتها السنة، وكذا تفاصيل
الشريعة من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود، وغير ذلك0

فعلى هذا لا ينبغى فى الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر فى شرحه وبيانه وهو السنة؛ لأنه إذا كان كلياً وفيه أمور
كلية كما فى شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها فلا محيص عن النظر فى بيانه، وبعد ذلك ينظر فى تفسير السلف الصالح له إن
أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم، وإلا فمطلق الفهم العربى لمن حصله يكفى فيما أعوز من ذلك،فبيان الرسول بيان صحيح لا
إشكال فى صحته؛لأنه لذلك بعث،قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( )ولا خلاف فى هذا البيان النبوى( )0

ويقول الدكتور إبراهيم محمد الخولى : "التبيين" هنا غير "التبليغ" الذى هو الوظيفة الأولى للنبى  قال تعالى : يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ
مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ( )، و"التبيين" و "التبليغ" وظيفتان موضوعهما واحد هو "القرآن العظيم" عبر عنه فى آية
"التبليغ" بهذا اللفظ : "ما أنزل إليك" وعبر عنه فى آية التبيين بلفظ مختلف : "ما نزل إليهم" وبينهما فروق لها دلالتها، مردها إلى الفروق بين
الوظيفتين "فالتبليغ" تأدية النص؛ تأدية "ما أنزل" كما "أنزل" دون تغيير ما على الإطلاق، لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير …
و "التبيين" إيضاح، وتفسير، وكشف لمراد الله من خطابه لعباده، كى يتسنى لهم إدراكه، وتطبيقه، والعمل به على وجه صحيح0
و "التبليغ" مسئولية "المبلغ" وهو المؤتمن عليها، وهذا سر التعبير : "وأنزلنا إليك" حيث عدى الفعل "أنزل" بـ "إلى" إلى ضمير
النبى ، المخاطب0

و "التبيين" : مهمة، فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به، وبُلَّغوه، وإدراك دلالته الصحيحة، ليطبقوه تطبيقاً صحيحاً0

ومن هنا كانت المخالفة فى العبارة … "ونزل إليهم" … حيث عدى الفعل "نزل" بـ (إلى) مضافاً إلى الضمير "هم" … أى
الناس، وعُدِّى الفعل "لتبين" إلى الناس بـ "اللام" أن كانت حاجتهم إلى "التبيين" هى السبب والحكمة من ورائه، وهى توحى بقوة أن
رسول الله ، ليس بحاجة إلى ما احتاج إليه الناس من هذا التبيين، ولعمرى إنه لكذلك…، فقد أوحى إليه بيانه وألهمه، فالتقى فى نفسه "البيان"
و "المبين" معاً، وأصبح مؤهلاً لأن يقوم بالوظيفتين : وظيفة البلاغ، ووظيفة التبيين على سواء …، واختلاف الناس فى فهم القرآن ما بين
مصيب ومخطئ واختلافهم فى فهم درجات الإصابة، ودركات الخطأ … برهان بين على حاجتهم إلى "تبيين" لكتاب ربهم، ينهض به إمام
الموقعين عن رب العالمين( )0

ويقول الإمام الشافعى : "والبيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع : فجماع ما أبان الله  لخلقه فى كتابه، مما
تعبدهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه :
1- منها ما أبانه لخلقه نصاً مثل إجمال فرائضه فى أن عليهم صلاة، وزكاة، وحجاً، وصوماً، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن،
ونص على الزنا، والخمر، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وبين لهم كيف فرض الوضوء،مع غير ذلك مما بين نصاً "إجمالياً"0
2- ومنها ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة، والزكاة ووقتها، إلى غير ذلك من فرائضه التى أنزلها فى
كتابه عز وجل0
3- ومنها ما سن رسول الله  مما ليس لله فيه نص محكم، وقد فرض الله فى كتابه طاعة رسوله ، والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول
الله فبفرض الله قبل( )0

تعليــق :
مما سبق من قول الإمامين الشاطبى والشافعى يتأكد ما ذكرناه فى أن المراد من معنى البيان والتفصيل الوارد فى الآيات التى
استشهد بها أعداء السنة المطهرة؛ بيان وتفصيل القرآن لكل شئ من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، ومن بين تلك القواعد التى فصلها
وبينها ربنا ؛ وجوب اتباع نبيه ، والتحاكم إلى سنته المطهرة( )، ففى تلك السنة المطهرة إيضاح هذه القواعد وتفصيلها، فجاءت السنة
موافقة ومؤكدة للقرآن، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه، ومفصله لمجمله، وموضحة لمشكله، ومستقلة بتشريع أحكام دون سابق ذكر لها
فى كتاب الله  كما سيأتى مفصلاً فى المبحث الثالث0

يقول الإمام الشاطبى : "القرآن فيه بيان كل شئ على ذلك الترتيب المتقدم؛ فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة ولا
يعوزه منها شئ؛ فهو أساس التشريع، وإليه ترجع جميع أحكام الشريعة الإسلامية، والتى منها السنة النبوية، فهى حاصلة فيه فى الجملة،
والدليل على ذلك أمور :
1- منها : النصوص القرآنية، كقوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا( ) وقوله تعالى : 
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ( ) وقوله تعالى : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ( ) وقوله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ
أَقْوَمُ( ) وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما فى الصدور،ولا يكون شفاء لجميع ما فى الصدور إلا وفيه تبيان كل
شئ( )0

2- ومنها : ما جاء فى الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك كقوله  : "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله"( )0 وعن ابن
عباس - رضى الله عنهما - قال : لما حضر رسول الله  - وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب؛ فقال النبى  : "هَلْمَّ أكتب لكم كتاباً لا
تضلون بعده"0 فقال عمر : إن رسول الله  قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن0 حسبنا كتاب الله( )، وأشباه هذا مما روى مرفوعاً وموقوفاً
بالاقتصار على القرآن فقط0

يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - الاقتصار على الوصية بكتاب الله؛ لكونه أعظم وأهم؛ ولأن فيه تبيان كل شئ إما
بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبى  به لقوله تعالى : ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ( )0

وكلام الحافظ ابن حجر السابق نقله مبتوراً الأستاذ جمال البنا فقال : "التمسك بالقرآن والعمل بمقتضاه إشارة إلى قوله  : "تركت فيكم ما إن
تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله"0 وترك جمال البنا، بيان أن العمل بالقرآن الكريم يقتضى العمل بالسنة المطهرة كما صرح ابن حجر( )0

وهذا ما فعله أيضاً الدكتور أحمد صبحى منصور فى كتابه "حد الردة" نقل كلام الحافظ بن حجر الذى نقلناه، وبتر منه لفظة النبى  فصارت
العبارة : "فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به"( ) أ0هـ …

وفى هذا الجواب الأخير تعلم الجواب عن باقى الآيات التى استشهد بها أعداء السنة على الاكتفاء بالقرآن، وعدم حجية السنة، للاقتصار على
ذكر القرآن فقط، والوصية به كقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ( )0 وقوله تعالى:وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ( )0 وقوله تعالى : وَالَّذِينَ
يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ( )0 وقوله تعالى : أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ( ) وقوله تعالى وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ(
)0 وأشباه هذه الآيات الكريمة التى ورد الاقتصار فيها على الوصية بكتاب الله ، وما ذلك إلا كما علمنا، أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه
فى الشرائع والأحكام واتباعه، والعمل بما فيه عمل بالسنة النبوية المستمدة حجيتها ومصدرتيها التشريعية منه0 فهى من الوحى الغير متلو،
والوحى ذكر، والذكر محفوظ بنص القرآن فى قوله تعالى : نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( ) وهذا ما أنكره أعداء السنة … فإلى بيان
شبهتهم والرد عليها0

المطلب الثانى
شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها والرد عليها

زعم أعداء السنة المطهرة أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن دون السنة، واحتجوا لذلك بقوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ ( ) وقالوا : لو كانت السنة حجة ووحياً مثل القرآن؛ لتكفل الله عز وجل بحفظها؛ كما تكفل بحفظ القرآن الكريم0

وممن ذهب إلى ذلك؛ الدكتور توفيق صدقى( )، وإسماعيل منصور( )، وأيدهما جمال البنا( )، وذهب إلى ذلك أيضاً فرقة (أهل
القرآن) بالهند وباكستان( )0

الجــواب :
مما لا شك فيه أن منشأ هذه الشبهة فى كلمة (الذكر) حيث اقتصر فهم المنكرين لحجية السنة المطهرة على أن المراد بكلمة
الذكر فى الآية هو "القرآن الكريم" وحده دون السنة، وأن الضمير فى قوله تعالى "لـه" عائد على القرآن، وأن الآية فيها حصر بتقديم الجار
والمجرور وهذا الحصر يفيد عندهم قصر الحفظ على القرآن وحده دون ما عداه( )0

ونقول رداً على ذلك : إن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسوله ، ويدل على ذلك الكتاب الكريم، والسنة النبوية
الصحيحة، والعقل، والتاريخ( )0

أولاً : أما الدليل من كتاب الله  على تكفل الله بحفظ السنة كما تكفل بحفظ كتابه الكريم :
1- قوله تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( )، يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمد السيد ندا فى الآية الكريمة إخبار من
الله تعالى : بأن السنة مبينة للقرآن، وقد تكفل الله بحفظه فى قوله تعالى : نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( )0 فيلزم من هذا أن يكون قد
تكفل أيضاً بحفظ السنة؛ لأن حفظ المبين يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما0
2- وقال تعالى : عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ( )0 فإنه نص صريح يدل على أن الله قد تكفل بحفظ السنة
على وجه الأصالة والاستقلال لا على طريق اللزوم والتتبع؛ لأنه تكفل فيه ببيان القرآن فى قوله تعالى : ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ0 أى بيان
القرآن، والبيان كما يكون للنبى  يكون لأمته من بعده0 وهو يكون للنبى  بالإيحاء به إليه ليبلغه للناس، وهو المراد فى الآية السابقة : 
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( ) وقوله تعالى : أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ( ) فالسنة النبوية على
هذا منزلة من عند الله  (بوحى غير متلو) وفى هذا رد على ما زعمه الدكتور إسماعيل منصور؛ بأن البيان للذكر لم ينزل مع الذكر (القرآن)
وإلا لكان النص على نحو : "وأنزلنا إليك الذكر وبيانه"( )0 ويكون البيان للأمة من بعده  بحفظ السنة التى بلغهم النبى  إياها0

ولو شغب مشاغب بأن هذا الخطاب:"عَلَيْنَا بَيَانَهُ" متوجه إلى الله  فقط دون الأمة وإلا قال :"عليكم بيانه" لما أمكنه هذا الشغب
فى قوله  : عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فمن الذى جمع القرآن الكريم؟! الله  بذاته المقدسة؟ أم قيض لذلك رجالاً من خلقه وعلى رأسهم من
أنزل عليه  وصحابته الكرام فمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؟!

فإن أجاب بالأولى، استغنى بجهله هذا عن مناظرته، وإن أجاب الثانية؛ بطل قوله بأن بيان الكتاب متوجه إلى الله  فى كتابه فقط وليس إلى
نبيه وإلى الأمة من بعده0 وفى ذلك رد على ما زعمه الدكتور إسماعيل منصور بأن حفظ الرجال للسنة يجعلهم يتساوون مع الله  فى القدرة
بحفظه كتابه ، فتستوى بذلك قدرة الله وقدرة المخلوقين( )0

يقول فضيلة الدكتور محمد السيد ندا : "فهذان دليلان على أن الله تكفل بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن، وتحقيقاً لهذا الوعد
الكريم من الله  هيأ الأسباب لحفظها، والذود عن حياضها؛ فأثار فى نفوس المسلمين عوامل المحافظة عليها، والدفاع عنها؛ فكانت موضع
اهتمامهم ومحل تقديرهم ورعايتهم منذ أن أشرقت شمسها إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها( )0
3- ويذكر الإمام ابن حزم دليلاً ثالثاً من كتاب الله على تكفله جل علاه بحفظ السنة فى قوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ( )0

يقول الإمام ابن حزم : "هذه الآية الكريمة جامعة لجميع الشرائع أولها عن آخرها، وذكرت أصولاً ثلاثة وهى قوله تعالى : 
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ0 فهذا أصل وهو القرآن،ثم قال تعالى:وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ0 فهذا ثان وهو الخبر عن رسول الله ، ثم قال
تعالى:وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ0 فهذا ثالث وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله  حكمه، وصح لنا بنص القرآن، أن الأخبار هى أحد الأصلين
المرجوع إليهما عند التنازع، قال تعالى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ0 والبرهان
على أن المراد بهذا الرد؛ إنما هو إلى القرآن،والخبر عن رسول الله ؛ لأن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا، وإلى كل من يخلق
ويركب روحه فى جسده إلى يوم القيامة من الجنة والناس؛ كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله  وكل من أتى بعده عليه السلام وقبلنا
ولا فرق، وقد علمنا علم ضرورة أنه لا سبيل لنا إلى رسول الله  وحتى لو شغب مشاغب بأن هذا الخطاب إنما هو متوجه إلى من يمكنه لقاء
رسول الله ، لما أمكنه هذا الشغب فى الله ، إذ لا سبيل لأحد إلى مكالمته تعالى؛ فبطل هذا الظن، وصح أن المراد بالرد المذكور فى الآية التى
نصصنا إنما هو إلى كلام الله تعالى، وهو القرآن وإلى كلام نبيه  المنقول على مرور الدهر إلينا جيلاً بعد جيل، وأيضاً فليس فى الآية المذكورة
ذكر للقاء ولا مشافهة أصلاً، ولا دليل عليه، وإنما فيه الأمر بالرد فقط، ومعلوم بالضرورة؛ أن هذا الرد إنما هو تحكيم أوامر الله تعالى وأوامر
رسوله  دون تكلف تأويل ولا مخالفة ظاهر0

والقرآن والخبر الصحيح بعض من بعض وهما شئ واحد فى أنهما من عند الله تعالى، وحكمها حكم واحد فى باب وجوب الطاعة
لهما للآية المذكورة وقوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ(20)وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا
وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ( )0

وكلام النبى  كله وحى لقوله تعالى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى( )0 والوحى ذكر بإجماع الأمة كلها،
والذكر محفوظ بالنص قال تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( ) فصح أن كلام رسول الله  كله فى الدين وحى من عند الله ؛ لا
شك فى ذلك، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة فى أن كل وحى نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل0 فالوحى كله محفوظ بحفظ الله
تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه؛ فمضمون ألا يضيع منه، وألا يحرفٍ منه شئ، أبداً تحريفاً لا يتأتى البيان ببطلانه، إذ لو جاز غير ذلك؛
لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خائساً، وهذا لا يخطر ببال ذى مسكة عقل، فوجب أن الدين الذى أتانا به محمد  محفوظ بتولى الله تعالى
حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتى أبداً إلى انقضاء الدنيا قال تعالى : لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ( ) فإذا كان ذلك كذلك؛ فبالضرورى
نتيقن أنه لا سبيل ألبته إلى ضياع شئ قاله رسول الله  فى الدين، ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطاً لا يتميز عند أحد
من الناس بيقين، إذ لو جاز ذلك؛ لكان الذكر غير محفوظ، ولكان قول الله تعالى:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( )0كذباً ووعداً
مخلفاً،وهذا لا يقوله مسلم

فإن قال قائل : "إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده، فهو الذى ضمن تعالى حفظه دون سائر الوحى الذى ليس قرآناً0 قلنا له
وبالله تعالى التوفيق : "هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل، وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى : قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( ) فصح أنه لا برهان له على دعواه، فليس بصادق فيها، والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه  من
قرآن أو من سنة وحياً يبين بها القرآن، وأيضاً فإن الله تعالى يقول : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ( ) فصح أنه عليه الصلاة
والسلام مأمور ببيان القرآن للناس0

وفى القرآن مجمل كثير؛ كالصلاة، والزكاة، والحج، وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه، ولكن بين لنا رسول
الله ، فإذا كان بيانه – عليه الصلاة والسلام – لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه؛ فقد بطل الانتفاع بنص القرآن،
فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه، لم ندر صحيح مراد الله تعالى منها، وما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب الكاذب، ومعاذ الله من
هذا( )0

4- ويذكر الإمام ابن قيم الجوزية : دليلاً رابعاً من كتاب الله  على تكفله -جل جلاله- بحفظ السنة فى قوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا( ) وقال تعالى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ( )0 وقال تعالى : الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْإِسْلَامُ ( )0

يقول ابن قيم الجوزية : فنقول لمن جوز أن يكون ما أمر الله به نبيه من بيان شرائع الإسلام غير محفوظ، وأنه يجوز فيه،
التبديل، وأن يختلط بالكذب الموضوع اختلاطاً لا يتميز أبداً، أخبرونا عن إكمال الله تعالى لنا ديننا، ورضاه الإسلام لنا ديناً، ومنعه من قبول كل
دين سوى الإسلام0 أكل ذلك باق علينا ولنا وإلى يوم القيامة؟ أم إنما كان ذلك للصحابة  فقط؟ أولا للصحابة ولا لنا؟ ولابد من أحد هذه
الوجوه0

فإن قالوا : لا للصحابة ولا لنا؛ كان قائل هذا القول كافراً لتكذيبه الله جهاراً، وهذا لا يقوله مسلم0 وإن قالوا : بل كل ذلك لنا
وعلينا وإلى يوم القيامة؛ صاروا إلى قولنا ضرورةً، وصح أن شرائع الإسلام كلها كاملة والنعمة بذلك علينا تامة0

وهذا برهان ضرورى وقاطع على أن كل ما قاله رسول الله  فى الدين، وفى بيان ما يلزمنا محفوظ لا يختلط به ما ليس منه
أبداً0

وإن قالوا : بل كان ذلك للصحابة فقط، قالوا : الباطل، وخصصوا خطاب الله بدعوى كاذبة، إذ خطابه تعالى بالآيات الكريمة التى
ذكرها عموم لكل مسلم فى الأبد، ولزمهم مع هذه العظيمة أن دين الإسلام غير كامل عندنا، والله تعالى رضى لنا منه ما لم يحفظه علينا
وألزمنا منه ما لا ندرى أين نجده، وافترض علينا اتباع ما كذبه الزنادقة0 ووضعوه على لسان رسوله ، أو وهم فيه الواهمون مما لم يقله
نبيهم  - وهذا بيقين ليس هو دين الإسلام، بل هو إبطال لدين الإسلام جهاراً، ولو كان هذا - ومعاذ الله أن يكون - لكان ديننا؛ كدين اليهود
والنصارى الذين أخبر الله تعالى أنهم كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا : هذا من عند الله، وما هو من عند الله0

ونحن قد أيقنا بأن الله تعالى هو الصادق فى قوله : فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ( ) وأنه تعالى قد
هدانا للحق، فصح يقيناً أن كل ما قاله رسول الله ، هدانا الله تعالى له، وأنه حق مقطوع به حفظه الله تعالى، وقد قال تعالى : فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ
اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ( )0

وقال تعالى : تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ( )0 فلو جاز أن يكون ما نقله الثقات الذين افترض الله علينا قبول نقلهم والعمل به والقول
بأنه سنة الله وبيان نبيه يمكن فى شئ منه التحويل أو التبديل؛ لكان إخبار الله تعالى بأنه لا يوجد لها تبديل ولا تحويل كذباً، وهذا لا يجيزه
مسلم أصلاً؛ فصح يقيناً لا شك فيه أن كل سنة سنها الله  لرسوله، وسنها رسوله لأمته، لا يمكن فى شئ منها تبديل ولا تحويل أبداً، وهذا
يوجب أن نقل الثقات فى الدين؛ يوجب العلم بأنه حق كما هو من عند الله  ( ) أ0هـ0

ثانياً : أما الدليل من السنة النبوية الصحيحة على تكفل الله  بحفظ سنة نبيه  قوله  "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً،
فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم
ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"( ) وقوله  "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله وسنتى، ولن يتفرقا حتى
يردا على الحوض"( )0

ففى هذه الأحاديث وغيرها - مما سيأتى فى المبحث الثالث يخبر النبى ؛ أن له سنة مطهرة تركها لأمته، وحثهم على التمسك
بها، والعض عليها بالنواجذ؛ ففى اتباعها الهداية، وفى تركها الغواية، فلو كانت سنته المطهرة غير محفوظة، أو يمكن أن يلحقها التحريف
والتبديل؛ فلا يتميز صحيحها من سقيمها، ما طالب أمته بالتمسك بها من بعده، فيكون قوله مخالفٌ للواقع، وهذا محال فى حقه  فأمره
بالتمسك بها، يدل على أنها ستكون محفوظة تأكيداً لقوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( )0 فدل ذلك على إخبار بالغيب
صادق فى الواقع0

ثالثاً : الدليل العقلى على تكفل رب العزة بحفظ سنة نبيه  :
يقول الدكتور رءوف شلبى : "ليس بلازم فى الاحتمالات العقلية أن يكون المراد من الذكر القرآن الكريم وحده، لأمرين :
1- أنه لو كان المراد من الذكر القرآن الكريم وحده؛ لصرح المولى  به باللفظ، كما صرح به فى كثير من الموضوعات كما فى قوله تعالى :
إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ( )0 وقوله تعالى : هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ( ) وقوله تعالى : وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ
( )0
2- لو كان المراد بالذكر القرآن لعبر عنه بالضمير إنا نحن نزلناه إذ افتتاح السورة فيه نص وذكر للقرآن تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ
مُبِينٍ ( ) والتعبير بالضمير فى نظر اللغة أجود؛ لأن العلم فى المرتبة الثانية من الضمير، إذ هو أعرف المعارف، وهو عمل يتفق مع منزلة
القرآن، وتعتمده الصناعة الإعرابية0

وإذن : فليس بالحتم أمام فهم العقل أن يكون المراد من الذكر هو القرآن فقط دون غيره، بل إن تفسير الذكر بالقرآن فقط احتمال
بعيد فى نظر العقل؛ لعدم وجود مرشح لهذا التفسير يقوى على مواجهة الأمرين السالفين اللذين يقويان بالمنزلة والعرف النحوى0

وإنه لأقرب من هذا التفسير أحد الاحتمالين :
الأول : أن يكون المراد من الذكر الرسالة والشرف الذى استحقه الرسول  واتصف به بنزول النبوة والقرآن عليه، ويقوى عندنا هذا الاحتمال
أمام نظر العقل افتتاحة سورة "الحجر" حيث صورت مقالات الكافرين المعتدين على النبوة بأوصاف مفتراه ذكرها رب العزة فى كتابه حكاية على
لسانهم وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ(6)لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(7)مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا
إِذًا مُنْظَرِينَ(8)إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( )0

فالآيتان الأوليان تصوران اتهامات الكافرين الكاذبة، والآيتان التاليتان ترد على هذه الاتهامات، وتعد بحفظ الرسالة والشرف الذى
نزل على رسول الله 0

ويرشح لهذا الاحتمال قوله تعالى : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ( ) فعود الضمير فى الآية "إنـه" على ما ذكر قبلاً
فى قوله تعالى : فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ( ) دليل على أن التصريح به مراد الشرف، لا سيما ومن قبل ذلك قال تعالى : وَقَالُوا لَوْلَا
نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ( )0 فذكر القرآن بالنص أولاً، وذكره بالوحى ثانياً، ووصف ذلك بأنه ذكر للنبى  ولقومه،
مما يقوى الاحتمال العقلى، أن المراد من الذكر فى سورة الحجر هو الرسالة والشرف0

الثانى : أن يكون المراد من الذكر الشريعة مطلقاً، ويرشح لهذا الاحتمال ما تناولته السورة بعد الآية التى معنا فى ذكر موقف الأمم السابقة مع
رسلهم، يقول الله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ( )0

والأنبياء يكلفون الأمم بالشرائع، والشريعة : كتاب الله  وسنة نبيه ، والذى يستعرض حالات الأمم مع الأنبياء يقف أن محاجاة
الكافرين مع الرسل، تدور كلها حول التكليف الذى مصدره ما ينزله الله بالوحى المعبر عنهما بالكتاب والسنة؛ فالسنة ليست من المسائل
الخاصة بالنبى ، كما سنبينه فى المبحث الثالث إن شاء الله تعالى0

وتكون الآية التى معنا قد نبهت على أمر خطير : هو أنه إذا كان الأمر فى الأمم السالفة ينتهى إلى إلغاء الشريعة بعد معارك
عنيفة بين الرسل وأممهم؛ فإن هذه الشريعة قرآناً وسنة سيحفظها رب العزة إلى قيام الساعة من كيد أعدائه وأعداء دينه كما وعد فى قوله
تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( )0

وعلى ذلك فإن الذكر فى الآية مراد به الشريعة، ويكون الضمير فى قوله "لـه" عائد على الشريعة بمصدريها الأساسين القرآن
الكريم، والسنة المطهرة( )0
قلت : ومما يرشح لهذا الاحتمال الثانى : تفسير الإمام الشاطبى للحفظ المضمون فى الآية الكريمة؛ بأنه حفظ أصول الشريعة وفروعها فيقول :
"من العلم ما هو من صلب العلم، ومنه ما هو ملح العلم لا من صلبه، ومنه ما ليس من صلبه ولا ملحه0 فهذه ثلاثة أقسام :
القسم الأول : هو الأصل والمعتمد، والذى عليه مدار الطلب، وإليه تنتهى مقاصد الراسخين وذلك ما كان قطيعاً أو راجعاً إلى أصل
قطعى0 والشريعة المباركة المحمدية منزلة على هذا الوجه، ولذلك كانت محفوظة فى أصولها وفروعها؛ كما قال الله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( )؛ لأنها ترجع إلى حفظ المقاصد التى بها يكون صلاح الدارين : وهى الضروريات والحاجيات، والتحسينات وما هو
مكمل لها ومتمم لأطرافها وهى أصول الشريعة، وقد قام البرهان القطعى على اعتبارها، وسائر الفروع مستندة إليها، فلا إشكال فى أنها علم
أصل، راسخ الأساس، ثابت الأركان( )0

يقول الدكتور رءوف شلبى : "لكن بقى أن يقال : كيف يعود الضمير على القرآن والسنة معاً، ولم يذكر إلا القرآن وحده؟ ولكننا
نجد فى القرآن الكريم نفسه استعمالاً للضمير استناداً على ما يفهم من السياق، و مدلولات الحديث، يشهد لهذا قوله تعالى : إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا( )0 فتلك صفات الحور العين مع أنه لم يجر لهم ذكر فى قسم أصحاب اليمين فى سورة الواقعة، ولكن
السياق العام للسورة وما ذكر فى الأقسام السابقة يجعل الذهن يدرك أن الضمير عائد على أمر مفهوم الفحوى والسياق والأسلوب0

كذلك يقوى هذه الشهادة فى استعمال القرآن الضمير على ما يستند على الأسلوب النحوى، قوله تعالى : فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ
الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ( )0 ففى قوله : "تـوارت" ضمير فاعل يعود على الشمس مع أنه لم يجر لها ذكر فى السورة
بالنص، ولكن السياق العام يجعل الذهن يدرك أن الضمير عائد على الشمس0 وما معنا فى آية الحجر من هذا القبيل والكل استعمال قرآنى
تزكيه اللغة، ويقويه الإعراب القرآنى، فليس هناك وجه للاعتراض، وعليه يسلم تفسير الذكر بالشريعة قرآناً وسنة( )0

قلـت : وفيما سبق رد على ما زعمه كذباً الدكتور إسماعيل منصور بأنه : "لو كانت السنة من الذكر الذى نزله الله تعالى؛ للزم
بيان ذلك الحكم صراحة، ولما صح إبهامه حتى يأتى من باب التأويل "الفاسد" الذى لا يصح بأى حال! فضلاً عن أن الذكر قد ورد صراحة فى
القرآن الكريم، ليدل على أنه القرآن الكريم وحده دون منازع - كما فى قوله تعالى : وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ( )0 وقوله
تعالى : ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ( ) وغير ذلك من الآيات التى استدل بها على أن الذكر هو القرآن الكريم وحده( )0

ونسلم لكم أيها المعاندون لحجية السنة أن المراد بالذكر؛ هو القرآن الكريم وحده، وأن الضمير فى قوله تعالى : "لـه" عائد على القرآن المراد
منه الذكر، ولكن الحصر الذى تستدلون به على أن السنة النبوية لم تدخل فى دائرة الحفظ لقصره على القرآن فقط، وترتبون على هذا
الحصر عدم صحة الاحتجاج بالسنة، وأنها ليست مصدراً من مصادر التشريع0

هذا الحصر ليس حصراً حقيقياً؛ بل هو حصر إدعائى، والدليل على ذلك؛ أن رب العزة قد حفظ أشياء كثيرة مما عداه
منها :
1- حفظه جل جلاله للسماوات والأرض أن تزولا كما قال  إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ
بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ( )0
2- حفظه جل جلاله لنبيه  من القتل كما قال  : وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ( )0 وإذا فسدت حقيقة القصر؛ فقد فسد المترتب عليها : وهو
عدم الاعتراف بحجية السنة المطهرة( )0

يقول الدكتور عبد الغنى عبد الخالق( ) : "والحصر الإضافى بالنسبة إلى شئ مخصوص، يحتاج إلى دليل وقرينة على هذا الشئ
المخصوص، ولا دليل عليه سواء أكان سنة أم غيرها0

فتقديم الجار والمجرور ليس للحصر، وإنما هو لمناسبة رؤوس الآى0 بل:لو كان فى الآية حصر إضافى بالنسبة إلى شئ
مخصوص: لما جاز أن يكون هذا الشئ هو السنة؛ لأن حفظ القرآن متوقف على حفظها،ومستلزم له بما أنها حصنه الحصين،ودرعه المتين،
وحارسه الأمين، وشارحه المبين؛ تفصل مجمله، وتفسر مشكله، وتوضح مبهمه، وتقيد مطلقه، وتبسط مختصره، وتدفع عنه عبث العابثين،
ولهو اللاهين، وتأويلهم إ ياه على حسب أهوائهم وأغراضهم، وما يمليه عليهم رؤساؤهم وشياطينهم0 فحفظها من أسباب حفظه، وصيانتها
صيانة له0

ولقد حفظها الله تعالى كما حفظ القرآن فلم يذهب منها - ولله الحمد - شئ على الأمة؛ وإن لم يستوعبها كل فرد على حدة"( )0

رابعاً : الدليل التاريخى على تكفله جل جلاله بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن الكريم :
أنه لو تتبع أعداء الإسلام الحوادث والتاريخ، وتتبعوا السيرة النبوية العطرة؛ لظهر لهم بكل جلاء ووضوح وبما لا يدع مجالاً للشك؛ أن سنة
المصطفى  نالت من العناية والاهتمام لدى المسلمين ما لم تنله سيرة أى عظيم من العظماء، ولا بطل من الأبطال، ولا رئيس من
الرؤساء، ولا ملك من الملوك0 ذلك أن رسول الله  فى واقع الأمر ليس إنساناً عادياً، ولا رسولاً عادياً، ولا قائداً يشبه فى أخلاقه وصفاته
الإنسانية أحداً، "فهو أفق وحده لا يدانيه أفق" ولذلك كان هو الأسوة، وهو النبراس المضئ0

أدرك هذه الحقيقة أصحابه وتابعوهم، والمسلمون من بعدهم فعكفوا على نقل، وتدوين وحفظ، وتطبيق كل ما صدر عن رسول الله
 من قول، أو فعل، أو تقرير، حتى الحركات والسكنات، وبالجملـة0 نقلت حياته برمتها وكلياتها وجزئياتها فى عباداته ومعاملاته، فى سلمه
وحربه، وفى نومه ويقظته، فى أدق الأمور، وفيما نعده من أسرار حياتنا كمعاشرته، إلى غير ذلك بصورة لم تحظ بها سيرة أحد غيره من
البشر0

وهذا يمثل إشارة قوية إلى أن الله  تكفل بحفظ هذه السنة بما هيأ لها من رجال أفنوا أعمارهم فى ضبطها والسهر عليها،
وتدوينها، وحفظها، وشرحها، وتمييز صحيحها من سقيمها؛ فنقشوها فى صفحات قلوبهم الأمينة، وفى كتبهم الواعية، فكان تكفله  بحفظ كتابه
فى قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( )0 يشمل السنة النبوية حيث قيض الله لها من الرواة الثقات والأئمة الأعلام، ما
قيض لكتابه العزيز من ثقات كل قرن، وإلى أن يرث الأرض ومن عليها0

ولولا إرادة المولى  بحفظها، لاندثرت مع تعاقب الدهور لكثرة ما وجه إليها من طعون، ولكثرة ما صادفت من أعداء أضمروا
لها شراً، وأرادوا بها سوءاً، فجعلهم الله الأخسرين بما قيض لها من الرجال الأوفياء فى كل عصر، وفى كل جيل، وفى كل مكان( )0

وأخيـراً فإننا لا نستطيع إلا أن نرتاب فى أمر هؤلاء الناس الذين قرروا إطلاق أنفسهم من ربقة القرآن الكريم وأحكامه، قبل أن
يقرروا إطلاقها من مقتضيات السنة وأحكامها0 ولكن شق عليهم أن يواجهوا الناس بخروجهم على القرآن الكريم وتعليماته، فأضافوا إلى
القرآن الكريم ما لا مضمون له إلا ما تهواه أنفسهم ويتفق مع رغائبهم وأغراضهم … وكان غرضهم الوحيد من ذلك هو أن يبعدوا السنة عن
طريقهم ويقطعوا ما بينها وبين القرآن الكريم من علاقة التفسير والتكامل والبيان0

وقد سبقهم إلى ذلك - فى عصور سالفة - بعض الزنادقة والمارقين0 فما كان حالهم فى الظهور والافتضاح إلا شراً ممن
جاهروا بالكفر والعصيان ومحاربة كتاب الله  وغدت الأمة الإسلامية تتقى شرهم أكثر مما تتقى مجاهرة الكافر بكفره، والفاسق بفسقه( )0

"نعـم" إن الاقتصار على الكتاب رأى قوم لا خلاق لهم، خارجين عن الطريقة المثلى، وخارجين عن السنة المطهرة، فأداهم ذلك
إلى الانخلاع عن الجماعة، وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله فضلوا وأضلوا"( ) أ0هـ0

والله تبــارك وتعالـى
أعلى وأعلم

المبحـث الثالـث
أدلـة حجيـة السنـة النبويـة المطهـرة

وتحته خمس مطالب :
المطلب الأول : العصمــــة0
المطلب الثانى : القرآن الكريـم0
المطلب الثالث : السنـة النبويـة0
المطلب الرابع : إجمـاع الأمـة0
المطلب الخامس : العقل والنظر0
وفيه ما يلى :
أ- ذكر نماذج من المسائل العجيبة التى استنبطها أعداء السنة من القرآن الكريم بدون رجوعهم إلى بيان النبى ، واستعراض بدائلهم عن
السنة المطهرة0
ب- بيان علاقة القرآن الكريم بالسنة الشريفة0
ج- بيان رتبة السنة النبوية من القرآن الكريم0
د- الكلام عن استقلال السنة بتشريع الأحكام، وتحرير الخلاف فى ذلك، والرد على من اتخذ كلام الإمام الشاطبى فى مسألة استقلال السنة
بتشريع الأحكام ستاراً للتشكيك فى حجية السنة واستقلالها بتشريع أحكـام0
هـ- بيان مضار إنكار السنة النبوية0
و- حكـم منكـر السنـة النبويـة0

المطلــب الأول
العصمــة

السنة النبوية أصل من أصول الدين، وحجة على جميع المسلمين، وقد دل على ذلك : العصمة، والقرآن الكريم، والسنة النبوية
وإجماع الأمة، والعقل والنظر0

أولاً : العصمـة :
قبل أن أذكر تعريف العصمة، وبيان دلالتها على حجية السنة، بل وحجية القرآن الكريم أيضاً، ينبغى أن أنبه على أن الكلام عن
العصمة فى الحقيقة من مباحث علم الكلام( )؛ لأنه علم يبحث فيه عن ذات الله تعالى، وذات رسله من حيث ما يجب لهم، وما يجوز، وما
يستحيل فى حقهم0

لكن علماء الأصول تناولوا العصمة بالحديث فى مباحث السنة، نظراً لشدة التصاقها بها، حيث تتوقف حجية السنة بل والقرآن
أيضاً على عصمة النبى ( )، إذا علم ذلك أقول وبالله التوفيق :
العصمة فى اللغة : المنع والحفظ والوقاية0 يقال عصمته فانعصم واعتصمت بالله : إذا امتـنعت بلطفه من المعصية، وهذا طعام
يعصم أى : يمنع من الجوع، ومنه قوله تعالى – على لسان ابن نوح عليه السلام - : سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ( ) أى
يمنعنى من تغريق الماء، ويقال دعى إلى مكروه فاستعصم0 أى امتنع وأبى وطلب العصمة منه، قال تعالى حكاية عن امرأة العزيز حين راودت
يوسف عليه السلام عن نفسه : وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ( ) أى تأبى عليها ولم يحبها إلى ما طلبت( )0

وفى الاصطلاح : حفظ الله للمكلف من الذنب، مع استحالة وقوعه من المحفوظ، والمراد عصمتهم - أى الأنبياء - من ذلك
ظاهراً وباطناً، فالله تعالى عصم ظاهرهم من الزنا، وشرب الخمر، والكذب، وغير ذلك، وعصم باطنهم من الحسد، والرياء وحب الدنيا إلى غير
ذلك من منهيات الباطن"( )0

وقيل فى تعريفها : هى خُلُق، مانع عن ارتكاب المعصية، غير ملجئ إلى تركها، فلا يكون مضطراً فى ترك المعصية( )0

دلالة العصمة على حجية القرآن والسنة :
يقول الدكتور عبد الغنى عبد الخالق - رحمه الله - : "اعلم أنه تجب عصمة الأنبياء عن أى شئ يخل بالتبليغ : ككتمان الرسالة،
والكذب فى دعواها، والجهل بأى حكم أنزل عليهم، والشك فيه، والتقصير فى تبليغه، وتصور الشيطان لهم فى صورة الملك، وتلبيسه عليهم فى
أول الرسالة وفيما بعدها، وتسلطه على خواطرهم بالوساوس، وتعمد الكذب فى أى خبر أخبرو به عن الله تعالى، وتعمد بيان أى حكم شرعى،
على خلاف ما أنزل عليهم : سواء أكان ذلك البيان بالقول أم بالفعل، وسواء أكان ذلك القول خبراً أم غيره0 فذلك كله : قد انعقد الإجماع
من أهل الشرائع على وجوب عصمتهم منه لدلالة المعجزات التى أظهرها الله على أيديهم (القائمة مقام قوله تعالى : صدق رسلى فى كل ما
يبلغون عنى) وعليه فإنه لو جاز عليهم شئ من ذلك، لأدى إلى إبطال دلالتها0 وهو محال( )0

كما انعقد الإجماع على أنهم معصومون من السهو،والغلط فيما يخل بالتبليغ،والذاهبين إلى تجويز ذلك عليهم يجمعون على
اشتراط التنبيه فوراً من الله تعالى وعدم التقرير عليه( )

وذلك يستلزم : أن كل خبر بلاغى - بعد تقرير الله له عليه - صادق مطابق لما عند الله إجماعاً : فيجب التمسك به يدل على
ذلك قوله تعالى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ( ) فكلمة "ينطق" فى لسان العرب تشمل كل ما يخرج من الشفتين من قول
أو لفظ( )، أى ما يخرج نطقه  عن رأيه، إنما هو بوحى من الله ( )0

ولقد جاءت الآيتان بأسلوب القصر عن طريق النفى والاستثناء، وهذا واضح فى إثبات أن كلامه  محصوراً فى كونه وحياً لا
يتكلم إلا به، وليس بغيره( )0

فيثبت بذلك حجية قوله  فى حق القرآن : "هذا كلام الله ( )، وقوله فى الأحاديث القدسية : "قال رب العزة كذا"، أو نحو هذه
العبارة، وقوله : "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان، متكئ على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من
حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه0 ألا لا يحل لكم الحمار الأهلى، ولا كل ذى ناب من السباع، ولا كل ذى مخلب من الطير، ولا
لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"( )0

فهذه كلها أخبار، معصوم عن الكذب : فتكون حججاً دالة على أن الوحى قسمان :
القسم الأول : الكتاب المعجز المتعبد بتلاوته0
والقسم الثانى ما ليس بكتاب وهو قسمان :
1- حديث قدسى، وهو ما نزل لفظه( )0
2- وحديث نبوى وهو : ما نزل معناه، وعبر عنه النبى ، بلفظ من عنده( )0 وهذا القسم لقبه رب العزة بالحكمة( ) فى آيات كثيرة، منها
قوله تعالى : … وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (
)0

وقوله تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( )0
ومما هو جدير بالذكر أن رب العزة قد بين فى كتابه العزيز أن نوعى الوحى المعبر عنهما بالكتاب والسنة ليسا من المسائل
الخاصة بالنبى  وإنما هى سنة عامة فى الأنبياء جميعاً قال تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ
مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ( ) ويقول رب
العزة فى حق آل إبراهيم : فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا( ) ويقول  فى حق عيسى عليه السلام : إِذْ قَالَ
اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ( )0

السنـة النبويـة وحى من الله تعالى :
ذهب العلماء إلى أن الوحى بالنسبة إلى السنة المطهرة ينقسم إلى قسمين :
1- القسم الأول : قسم أوحى الله تعالى بمعناه إلى رسول الله ، وعبر عنه الرسول  بألفاظ من عنده0 وهذا القسم هو الأعم الأغلب من
السنة النبوية0
1- أما القسم الثانى : فهو ما قاله الرسول  باجتهاده مما يعلم أنه من شرع الله تعالى، فإن وافق قوله أو فعله مراد الله تعالى،
فالأمر كما أخبر به رسول الله ، وإن كان الأمر يحتاج إلى تصحيح أو توضيح0 أوحى الله تعالى إلى نبيه  بذلك0

والقسم الثانى هذا هو الأقل فى السنة الشريفة( ) ويدخل فى هذا القسم ما صدر من رسول الله  على سبيل العادة والطبيعة وأقره الله عليها،
كشؤونه فى طعامه وشرابه ولباسه، وجلوسه ونومه وما ماثل ذلك، فإن ذلك كله بعد تقرير الله  له، يكون بمنزلة الوحى حجة على العباد ما
لم يقم دليل على خصوصيته بالنبى ( )0

ومن الأدلة على أن السنة النبوية وحى منزل من عند الله  قوله : وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكَ عَظِيمًا( ) فهذه الآية-من سورة النساء-تدل على أن الحكمة نزلت من عند الله تعالى مثل القرآن الكريم، وفى سورة الإسراء يقول رب
العزة: ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ( )0 والآية واضحة فى أن الحكمة وحى من الله تعالى مثل القرآن الكريم0
ومن دقة الأداء القرآنى فى التعبير عن هذين النوعين من الوحى (الكتاب والسنة)؛ أنه فصل بينهما بواو العطف إذا اجتمعا، ليبين
أن هذين النوعين مختلفان لضرورة التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه، فالمنطق يقتضى أن الشئ لا يعطف على نفسه وصاحب العقل
الفصيح يلمح الإشارة فى قوله تعالى : وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( ) حيث فرق رب العزة، بين الكتاب والحكمة بحرف العطف ليدل على تغايرهما، وأفرد الضمير العائد عليهما، ليدل على وحدة
مصدرهما وأن المشكاة واحدة( )0

وأنت تستطيع أن تتأمل فى أية الأحزاب، كما تأملها الإمام الشافعى من قبل، يتضح لك أنها أوضح مما ذكر فى الدلالة على أن المراد بالحكمة
السنة المطهرة، قال تعالى : وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ( )0 فالتلاوة هنا المرة بعد المرة، والمتلو هنا شيئان،
أولهما : آيات الله فى كتابه، وثانيهما : الحكمة وهى صنف آخر من الوحى المتلو، ولا يكون ذلك إلا السنة النبوية المطهرة( )0

ولو شغب أعداء الإسلام على تفسير "الحكمة" بالسنة المطهرة، واعترضوا على ذلك( )0 قلنا لهم : ماذا تقولون فى آيات تحويل
القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، قال تعالى : سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( )0

فهذه الآيات الكريمات تدلنا على أن التوجه إلى بيت المقدس كان مشروعاً من قبل، وكان ذلك التوجه حقاً وصواباً واجباً عليهم
قبل التحول إلى الكعبة، فأين ذلك كله فى القرآن الكريم؟
ألا يدل ذلك على أن النبى  وأصحابه كانوا عاملين بحكم لم ينزل به القرآن، وأن عملهم هذا كان حقاً وواجباً عليهم؟!!

ولا يصح أن يقال : إن عملهم هذا كان بمحض عقولهم واجتهادهم0 إذ العقل لا يهتدى إلى وجوب التوجه إلى قبلة "ما" فى
الصلاة، فضلاً عن التوجه إلى قبلة معينة، وفضلاً عن أن النبىكان أثناء صلاته إلى بيت المقدس راغباً كل الرغبة فى التوجه إلى الكعبة
المشرفة

إذن : كان التوجه إلى بيت المقدس بوحى غير القرآن وهو السنة المطهرة( )0 ومن الأدلة على أن السنة النبوية وحى من
عند الله من السنة نفسها قوله  لوالد الزانى بامرأة الرجل الذى صالحه على الغنم والخادم، والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة
والغنم رد0 وعلى ابنك جلد مائة، وتغريب عام"( )، وليس فى القرآن المتلوا إلا الجلد مائة، ومن ذلك أيضاً قوله  : "لا يستبطئن أحد منكم
رزقه"0 إن جبريل عليه السلام ألقى فى روعى أن أحداً منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس، وأجملوا فى الطلب،
فإن استبطأ أحد منكم رزقه؛ فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا ينال فضله بمعصية"( )0

وفى الصحيحين : أنه  قال : "إن مما أخاف عليكم بعدى، ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" فقال رجل : أو يأتى الخير
بالشر يا رسول الله؟ قال : فسكت عنه رسول الله  فقيل له ما شأنك؟ تكلم رسول الله  ولا يكلمك؟ قال : وَرَأَيْنَا أنه يُنْزَلُ عليه، فأفاق يَمْسَحُ
عَنْهُ الرُّحَضَاءَ0 وقال : "أين هذا السائل" (وكأنه حمده) فقال : "إنه لا يأتى الخير بالشر…الحديث"( )0فالحديث هنا صريح فى أنه  كان ينتظر
الوحى فيما يسأل عنه، فينزل عليه بما ليس بقرآن : "وهو دليل قطعى على أن السنة كانت تنزل كما ينزل القرآن"( )، ويستأنس لذلك بما روى
عن حسان بن عطية( )؛ أنه قال : "كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله  بالسنة، كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه
القران"( )0

هذا كله فضلاً عن أن الإجماع قد انعقد على أنه كان يوحى إليه غير القرآن الكريم( )0

وتأسيساً على ما سبق، فإننا نقول : إن السنة الشريفة وحى من الله تعالى ابتداءً وهذا هو الأغلب، أو اجتهاد من الرسول  وأقره ربه عليه
إما بالموافقة أو بالتصحيح، ويكون مرد ذلك إلى الوحى أيضاً بإقرار الله تعالى لرسوله ( )0 وهذا النوع من الوحى يسميه جمهور الحنفية
وحياً باطناً( )0

فتبين لك من هذا كله : أن جميع ما صدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير حتى الحركات، والسكنات فهى وحى من عند الله تعالى بعد
إقرار الله  عليه( )0

والعصمة التى نتحدث عنها هنا تغنينا وحدها فى إثبات حجية جميع أنواع السنة القولية والفعلية والتقريرية والاجتهادية0


إجتهاد الرسول  وتشكيك بعض دعاة الفتنة وأدعياء العلم
فى أن السنة المطهرة كلها وحى

زعم بعض دعاة الفتنة وأدعياء العلم أن إجتهاد النبى  ليس من الوحى الإلهى واتخذوا من ذلك مدخلاً للطعن فى السنة النبوية،
وأنها ليست كلها وحى من عند الله تعالى( )، ويستدلون على ذلك بحديث رسول الله  الوارد فى قصة تأبير النخل بمختلف رواياته عن طلحة
بن عبيد الله( )  قال : مررت مع رسول الله  بقوم على رءوس النخل0 فقال : "ما صنع هؤلاء؟" فقالوا : يلقحونه يجعلون الذكر فى الأنثى
فيلقح، فقال رسول الله  "ما أظن يغنى ذلك شئ" قال فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله  بذلك فقال : إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه،
فإنى إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذونى بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً، فخذوا به، فإنى لن أكذب على الله  0
وفى حديث رافع بن خديج( )  قال : قال رسول الله  : "إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به0 وإذا أمرتكم بشئ من
رأى فإنما أنا بشر"0قال عكرمة : أو نحو هذا0وفى حديث أنس بن مالك  قال:قال رسول الله :"أنتم أعلم بأمر دنياكم"( )

وهذا الحديث من زمن طويل كان المشجب الذى يعلق عليه من شاء، ما شاء من أمور الشرع التى يراد التحلل منها( )، فقد أراد
بعضهم أن يحذف النظام السياسى كله من الإسلام بهذا الحديث وحده، لأن أمر السياسة أصولاً وفروعاً من أمر دنيانا، فنحن أعلم به0

فليس من شأن الوحى أن يكون له فيها تشريع أو توجيه، فالإسلام عند هؤلاء دين بلا دولة، وعقيدة بلا شريعة، وأراد آخرون أن يحذفوا
النظام الاقتصادى كله من الإسلام كذلك، بسبب هذا الحديث الواحد المهم أن بعض الناس أراد أن يهدم بهذا الحديث الفرد كل ما حوت دواوين
السنة الزاخرة، من أحاديث البيوع، والمعاملات، والعلاقات الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، وكأن الرسول  قال هذا الحديث لينسخ به
جميع أقواله وأعماله وتقريراته الأخرى، التى تكون السنة النبوية المطهرة0

وهذا الغلو من بعض الناس، هو الذى جعل عالماً كبيراً مثل المحدث الجليل الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله - يعلق على
هذا الحديث فى مسند الإمام أحمد فيقول : "هذا الحديث مما طنطن به ملحدوا مصر، وصنائع أوروبة فيها، من عبيد المستشرقين، وتلامذة
المبشرين، فجعلوه أصلاً يحجون به أهل السنة وأنصارها، وخدام الشريعة وحماتها، إذا أرادوا أن ينفوا شيئاً من السنة، وأن ينكروا شريعة من
شرائع الإسلام، فى المعاملات وشئون الاجتماع وغيرها، يزعمون أن هذه من شئون الدنيا، ويتمسكون برواية أنس : "أنتم أعلم بأمر دنياكم"(
) والله يعلم أنهم لا يؤمنون بأصل الدين، ولا بالألوهية، ولا بالرسالة، ولا يصدقون القرآن فى قرارة نفوسهم0 ومن آمن منهم فإنما يؤمن
لسانه ظاهراً، ويؤمن قلبه فيما يخيل إليه، لا عن ثقة وطمأنينة، ولكن تقليداً وخشية، فإذا ما جد الجد، وتعارضت الشريعة، الكتاب والسنة، مع
ما درسوا فى مصر أو فى أوروبة لم يترددوا فى المفاضلة، ولم يحجموا عن الاختيار، وفضلوا ما أخذوه عن سادتهم، واختاروا ما أشربت
قلوبهم، ثم ينسبون نفوسهم بعد ذلك أو ينسبهم الناس إلى الإسلام0 والحديث واضح صريح، لا يعارض نصاً، ولا يدل على عدم الاحتجاج بالسنة
فى كل شأن، وإنما كان فى قصة تلقيح النخل أن قال لهم : "ما أظن ذلك يغنى شيئاً" فهو لم يأمر ولم ينه، ولم يخبر عن الله، ولم يسن فى ذلك
سنة حتى يتوسع فى هذا المعنى إلى ما يهدم به أصل التشريع( ) أ0هـ0

ومن اجتهاد النبى ، وقوله "أنتم أعلم بأمر ديناكم"، ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى تقسيم السنة النبوية المطهرة إلى
قسمين :
1- سنــة تشريعيــة ملزمــة ودائمـة0
2- سنة غير تشريعية غير ملزمة ولا دائمة0

وقصدوا بغير التشريع ثلاثة أنواع :
1- ما سبيله سبيل الحاجة البشرية، كالأكل والشرب والنوم والمشى والتزاور … إلخ0
2- ما سبيله سبيل التجارب والعادة الشخصية أو الاجتماعية، كالذى ورد فى شئون الزراعة والطب، وطول اللباس وقصره0
3- ما سبيله سبيل التدبير الإنسانى كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية ونحو ذلك فهذه الأنواع الثلاثة ليس شرعاً يتعلق به طلب الفعل أو
الترك، وإنما هو من الشئون البشرية التى ليس مسلك الرسول  فيها تشريعاً ولا مصدر تشريع( ) وبهذا التقسيم قال غير واحد من علماء
المسلمين( )0 وبالغ بعضهم حتى كاد يخرج قضايا المعاملات، والأحوال المدنية كلها، من دائرة السنة التشريعية0 حيث كان يرى أن كثيراً من
أوامر الرسول ونواهيه فى المعاملات كان أساسها الاجتهاد لا الوحى( )0
حتى انتهى به هذا الاتجاه إلى أن حرم برأيه ما أحلته السنة النبوية! وما أجمع المسلمون - من جميع المذاهب والمدارس الفقهية
- على حله، وذلك هو (بيع السلم) الذى رخص فيه النبى  لحاجة الناس إليه، بعد أن وضع له الضوابط اللازمة لمنع الغرر والنزاع0 ويسميه
بعضهم (السلف) أيضاً، وبه جاء الحديث، ومضى عليه عمل الأمة أربعة عشر قرناً0 ففى الصحيحين عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال
: قدم النبى  المدينة، وهم يسلفون فى الثمار السنة والسنتين، فقال : "من أسلف فى تمر، فليسلف فى كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل
معلوم"( )0 بل قال ابن عباس : أشهد أن السلف المضمون إلى أجله، قد أحله الله فى كتابه، وأذن فيه0 ثم قرأ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ( ) وكلمة "أشهد" بمثابة "القسم" : فهذا رأى ترجمان القرآن0
ولكن فضيلة الشيخ عبد المنعم النمر قال عن السلم : "وهو بيع معدوم موصوف فى الذمة، ويسير عليه كثير من الناس فى
الأرياف، مستغلين حاجات الزراع استغلالاً سيئاً، مما يجعلنا نميل إلى تحريمه0 من أجل هذا الاستغلال الكريه المحرم فى الإسلام( )، يقول
الدكتور القرضاوى : "وكان أولى بالشيخ هنا أن يقتصر على تحريم الظلم والاستغلال، ولا يتعدى ذلك إلى تحريم التعامل الثابت بالسنة
والإجماع"( )0
وإذا كان عمدة الأدلة عند من يذهبون إلى أن السنة المطهرة ليست كلها وحى، أو يذهبون إلى تقسيم السنة إلى سنة
تشريعية وسنة غير تشريعية، إذا كان عمدة أدلتهم جميعاً، ¬اجتهاده ، وقوله  : "أنتم أعلم بأمر ديناكم" فلنحرر القول فى اجتهاده ، وبيان
المراد من قوله "أنتم أعلم بأمر ديناكم" فإلى تفصيل ذلك0


اجتهـاد النبـى  فـى الشريعـة الإسلاميـة
كلـه وحـى من عنـد الله 

يقول فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين : "اجتهاد الرسول " موضوع قديم، قتله العلماء بحثاً، ولم يترك الأوائل للأواخر
بشأنه شيئاً0

وخلاصته أنهم اختلفوا : فمنهم من لم يجز له  الاجتهاد، واعتبر ما ورد من ذلك صورة اجتهاد، وليس اجتهاداً فى الواقع
والحقيقة، لأن الله معه  وهو مع الله، ولأنه فى جل أوقاته  يناجى من لا نناجى، وإلهامه وحى ورؤيا منامه وحى0 ورب العزة يقول : وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى( )0 ويفسرون ما ظاهره الخطأ فى الرأى والرجوع إلى قول الغير بأن ذلك اجتهاد فى الظاهر لتدريب
الأمة على البحث والتفكير والاجتهاد فى الأسباب والأخذ بالمشورة، وحقيقته : أن الله يوحى إليه أن قل كذا، وسيقول لك فلان كذا، فقل له كذا،
ويشهد لهذا ما روى عن على بن أبى طالب  : أن رسول الله  قال : إن جبريل هبط، فقال له خَيِّرْهُمْ يعنى أصحابكَ فى أُسارَى بَدْرٍ القتل أو
الفداء، على أن يُقْتَلَ منهم قَاتِلٌ مِثْلُهم، قالوا الفداءَ، ويقتل منَّا( )0

وجمهور المحققين من العلماء على أن النبى ؛ يجوز له أن يجتهد، وأنه اجتهد فعلاً( ) وأن اجتهاده فى بعض الأحيان القليلة
كان خلاف حكم الله، فجاء الوحى بتصحيح الحكم، والإرشاد إلى ما ينبغى( )، كما فى قوله تعالى : يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي
مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(1)قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( )0

وفى مغازى الأموى أن حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ( )  لما أشار على النبى  بتغير مكان نزوله يوم بدر ورجع النبى  إلى رأيه، نزل ملك من السماء،
وجبريل جالس عند رسول الله  فقال ذلك الملك : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن الرأى ما أشار به الحُبَابُ بْنُ المُنذِرِ( )0

أو جاء الوحى بإمضاء حكم اجتهاده مع التنبيه بما ينبغى، كما فى قوله تعالى عن أسرى بدر : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي
الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( )0
نعم نقول : إن الرسول  أذن له بالاجتهاد واجتهد0

ونعم نقول : إن بعض اجتهاداته لم تصادف الصواب، لكن أين حكم الله تعالى فى الأمر الذى اجتهد فيه رسول الله  ولم يصب؟

إن ما يصدر عن النبى  من اجتهاد إما أن يوافق حكم الله أو لا، فإن وافق حكم الله فهو حكم الله على لسان نبيه ، وإن لم يوافق حكم الله
عدَّله إلى حكمه جل شأنه، وإذن تصبح الأحكام الدينية التى حكم بها رسول الله  أحكام الله فى النهاية، وقبل لقائه الرفيق الأعلى( )0 وتصير
تلك الأحكام حجة إجماعاً بلا شك( )0

أما ما ذهب إليه بعض علمائنا الأجلاء من تقسيم السنة النبوية إلى قسمين : سنة تشريعية ملزمة عامة ودائمة، وسنة غير تشريعية ولا
ملزمة0

فيقول رداً على ذلك فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين : "غفر الله للقائلين بأن السنة تشريع وغير تشريع، وللقائلين بالمصلحة0 غفر الله
لهم وسامحهم، لقد فتح هؤلاء وهؤلاء باباً لم يخطر لهم على بال0

القائلون بأن السنة تشريع وغير تشريع قصدوا بغير التشريع ما ورد منها خاصاً بالصناعات، والخبرات كالزراعة والطب، ولم
يخطر ببالهم أن من سيأتى بعدهم سيستدل بتقسيمهم ليدخل المعاملات، وأحاديث البيع، والشراء، والإجارة، ويدخل ما قاله النبى  من أحاديث
فى العادات، وشئون الاقتصاد، والسياسة، والإدارة، والحرب، وغير ذلك فى السنة غير التشريعية، وهم من هذا القول برءاء0

أما ما جعلوه مما سبيله الحاجة البشرية، كالأكل والشرب والنوم … إلخ من السنة غير التشريعية، فهذا الكلام على عمومه مرفوض، وفى
حاجة إلى تحقيق0 فالأكل والشرب مثلاً - كلام عام يشمل المأكول والمشروب، ويشمل الأوانى والهيئة أو الكيفية0

فهل بيان المأكول والمشروب المحرم، والمكروه، والمباح، من السنة غير التشريعية( )؟
هل حديث : "أحلت لكم ميتتان ودمان : فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال"( ) وحديث : "أكل الضب على مائدة رسول
الله ( )0 سنة غير تشريعية؟! اللهم لا0
أحل لنا رسول الله  الطيبات، وحرم علينا الخبائث؛ فالمأكول، والمشروب سنة تشريعية من حيث الحل والحرمة، أما أنه أكل نوعاً من الحلال
وترك غيره يأكل نوعاً آخر، فالتشريع فيها الإباحة، إباحة ما أُكِلَ وما لم يأكل مما لم ينه عنه0

وأما الأوانى : فقد نهى  عن الأكل والشرب فى صحائف الذهب والفضة، ونهى عن الأكل فى أوانى الكفار إلا بعد غسلها0 وهذا
تشريع قطعاً0

أما أنه  أكل فى قصعة من الفخار، ونحن نأكل فى الأوانى الفاخرة غير الذهبية والفضية، فهذا من المباحات والإباحة تشريع( )0

وأما الهيئة : فهناك هيئات مأمور بها وهيئات منهى عنها، وهيئات أخرى كثيرة مباحة، والكل تشريع0 "يا غلام سم الله وكل
بيمينك، وكل مما يليك"( ) هيئة أكل مشروعة( )،
و "نهى رسول الله  أن يتنفس فى الإناء"( ) هيئة ممنوعة شرعاً فى نفس الإناء، ومستحبة خارج الإناء( )، أما أنه  أكل بأصابعه ويده0
ونحن نأكل بالملاعق، والشوك، والسكاكين، فهو من المباحات المشروعة0
فماذا فى الأكل والشرب من السنة غير التشريعية؟!!
إن قصدوا بالسنة غير التشريعية فى ذلك السنة غير الملزمة، وهى المباحات كان الخلاف بيننا لفظياً0
وإن قصدوا ما هو مطلوب على وجه الوجوب أو الندب، وما هو منهى عنه على وجه الحرمة أو الكراهة فهو غير مسلم0

ومثال ذلك يقال فى النوم واللبس، وكل ما هو خاص بالحاجة والطبيعة البشرية كما يقولون، حتى قضاء الشهوة مع الزوجة له قواعده وأصوله
وحدوده المشروعة( )0

والتحقيق أنه من الخطأ أن نطلق هذا الإطلاق "السنة غير التشريعية على ما سموه الحاجة البشرية من أكل وشرب، وما سبيله
التجارب، والعادة الشخصية أو الاجتماعية من زراعة وطب، ولباس إلى آخره، وكذا ما يصدر عنه  بوصفه إماماً ورئيساً للدولة المسلمة، أو
بوصفه قاضياً فكل هذه الأمور التى أطلقوا عليها، سنة غير تشريعية، منها الواجب شرعاً، ومنها المحرم شرعاً، ومنها المكروه، ومنها
المندوب، ومنها المباح، وحتى إذا أردنا كيفية هذه الأمور نجد منها الممنوع شرعاً، كما سبقت الإشارة إليه قريباً( )0

أما القائلون بالمصلحة كمصدر من مصادر التشريع فقد اشترطوا لها ألاَّ تصادم نصاً من الكتاب أو السنة الصحيحة، فهم أخذوا
بمراعاة المصالح فيما لم يرد فيه قرآن أو حديث صحيح، أما ما ورد فيه قرآن أو حديث صحيح فالمصلحة فيما جاء به النص"( )0

واعتقد كما قال الدكتور فتحى عبد الكريم : "أن القائلين بالسنة التشريعية، والسنة غير التشريعية قد فاتهم المعنى الدقيق للتشريع
الإسلامى، حيث قصر بعضهم وصف التشريع على الواجب، والحرام، ونفاه عن المندوب، والمكروه، والمباح، وأدخل بعضهم المندوب والمكروه
فى التشريع، ونفاه عن المباح وحده( )0

وفى ذلك يقول العلامة الدكتور عبد الغنى عبد الخالق - رحمه الله - "هذا وإخراج الأمور الطبيعية من السنة أمر عجيب، وأعجب
منه : أن يدعى بعضهم ظهوره، مع إجماع الأئمة المعتبرين على السكوت عنها، وعدم إخراجها0

ولست أدرى : لم أخرجها هؤلاء؟!! أأخرجوها : لأنها لا يتعلق بها حكم شرعى؟ وكيف يصح هذا مع أنها من الأفعال الاختيارية
المكتسبة، وكل فعل اختيارى من المكلف لابد أن يتعلق به حكم شرعى : من وجوب أو ندب أو إباحة أو كراهة أو حرمة – وفعل النبى الطبيعى
مثل الفعل الطبيعى من غيره، فلابد أن يكون قد تعلق به واحد من هذه الأحكام؟ وليس هذا الحكم الكراهة، ولا الحرمة، لعصمته وليس الوجوب،
ولا الندب : لعدم القربة فيه0 فلم يبق إلا الإباحة وهى حكم شرعى0 فقد دل الفعل الطبيعى منه  على حكم شرعى، وهو الإباحة فى حقه، بل
وفى حقنا أيضاً : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ( )0 ولقد أجمع الأصوليون فى باب أفعاله  على أن أفعاله الطبيعية تدل على
الإباحة فى حقه  وفى حق أمته، وكل يحكى الاتفاق على ذلك، عن الأئمة السابقين( )0
أم أخرجوها : لأنهم ظنوا أن الإباحة ليست حكماً شرعياً؟ وهذا لا يصح أيضاً : فإن الأصوليين مجمعون على شرعيتها – اللهم
إلا فريقاً من المعتزلة ذهب إلى عدم شرعيتها : فَهْماً منه : أن الإباحة انتفاء الحرج عن الفعل والترك( )0 وذلك ثابت قبل ورود الشرع، وهو
مستمر بعده : فلا يكون حكماً شرعياً، والجمهور ينكرون : أن هذا المعنى ثابت قبل ورود الشرع، وأنه لا يسمى حكماً شرعياً ولكنهم يقولون :
ليس هذا هو معنى الإباحة الشرعية، إنما هى خطاب الشارع بالتخيير بين الفعل والترك من غير بدل0 ولا شك أن هذا حكم شرعى، وأنه غير
ثابت قبل ورود الشرع0 ولو التفت هذا الفريق إلى هذا المعنى لم ينازع فيه0 فليس هناك خلاف حقيقى بينهما، فالإباحة حكم شرعى يحتاج إلى
دليل، والفعل الطبيعى منه  يدل عليه0 ونظرة واحدة فى باب أفعاله  فى أى كتاب من كتب أصول الفقه – ترشدك إلى الحق فى هذا
الموضوع( )0

وأعلم أن التأسى به  واجب، وعلى ذلك جمهور الفقهاء والمعتزلة يقول فخرالدين الرازى فى المحصول : "قال جماهير الفقهاء والمعتزلة :
التأسى به واجب، ومعناه : أنا إذا علمنا أن الرسول  فعل فعلاً على وجه الوجوب : فقد تعبدنا أن نفعله على وجه الوجوب وإن علمنا أنه تنفل
به : كنا متعبدين بالتنفل به، وإن علمنا أنه فعله على وجه الإباحة كنا متعبدين باعتقاد إباحته، وجاز لنا أن نفعله0

وقال أبو على بن خلاد من المعتزلة : نحن متعبدون بالتأسى به فى العبادات، دون غيرها : كالمناكحات، والمعاملات0ومن الناس
من أنكر ذلك فى الكل،واحتج أبو الحسين محمد ابن على الطيب المعتزلى : بالقرآن والإجماع:أما القرآن فقوله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ( ) ولم يفرق الله تعالى بين أفعال الرسول  : إذا كانت مباحة أو لم تكن مباحة0 وقوله تعالى : وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (
)0أمر بالاتباع: فيجب0
أما الإجماع فهو : "أن السلف رجعوا إلى أزواجه فى قبلة الصائم"( )، وفى أن "من أصبح جنباً لم يفسد صومه"( ) وذلك يدل على
أن أفعاله لابد من أن يمتثل فيها طريقه( )، ونقل الإمام الزركشى عن الكعبى البلخى رأس طائفة المعتزلة الكعبية قوله : "المباح مأمور به، لأن
فعله ترك الحرام وهو واجب، فالمباح واجب"( )0

ويقول الإمام الشاطبى فى رده على من قال : "ترك المباح طاعة على كل حال0 قال الشاطبى : "بل فعل (المباح) طاعة بإطلاق لأن كل مباح
ترك حرام0 ألا ترى أنه تركَ المحرمات كلّها عند فعل المباح، فقد شغلَ النفسَ به عن جميعها0 وهذا الثانى أولى؛ لأن الكلية هنا تصح، ولا
يصح أن يقال كل مباح وسيلة إلى محرم أو منهى عنه بإطلاق، فظهر أن ما اعُترض به لا ينهض دليلاً على أن ترك المباح طاعة( )، ويشهد
لهذا قول الإمام السرخسى فى أصوله : "ترك العمل بالحديث الصحيح عن رسول الله  حرام كما أن العمل بخلافه حرام"( )0


نقـض دليل تقـسيم السنة النبوية إلى سنـة
تشريعية وغير تشريعيـة

تحت هذا العنوان قال الدكتور فتحى عبد الكريم : "الدليل الأساسى الذى يستند إليه القائلون بتقسيم السنة إلى سنة تشريعية وغير
تشريعية هو حديث رسول الله  الوارد فى قصة تأبير النخل بمختلف رواياته، ومنها قوله  : "أنتم أعلم بأمر دنياكم" ففى رأى أنصار تقسيم
السنة إلى سنة تشريعية وغير تشريعية أنه "لو لم يكن غير هذا الحديث الشريف فى تبيين أن سنته  ليست كلها شرعاً لازماً، وقانوناً دائماً
لكفى0 ففى نص عبارة الحديث - بمختلف رواياته - تبيين أن ما يلزم إتباعه من سنة رسول الله ، إنما هو ما كان مستنداً إلى الوحى
فحسب"( )0 ولقد كان يكفى ما سبق ذكره رداً على نقض هذا الدليل، لأن معنى كون السنة النبوية دليلاً شرعياً عند الأصوليين أنها تفيدنا حكماً
من الأحكام الشرعية، أىَّ حكم كان : من وجوب، أو ندب، أو حرمة، أو كراهة، أو إباحة0 كان يمكن أن نرد بذلك وينتهى الموضوع، لولا أن
وجه الخطورة فى الأمر( ) : أن فئة ضالَّة أكثرت من الاستشهاد بهذا الحديث، وأرادت به عزل السنة، عن شئون الحياة العملية كلها!

فالعادات، والمعاملات، وشئون الاقتصاد، والسياسة، والإدارة، والحرب ونحوها، يجب أن تترك للناس و لا تدخل السنة فيها آمرة
ولا ناهية ولا موجهة ولا هادية( )0 فهل يسندهم ذلك الحديث فى تلك الدعوى الخطيرة؟!0

يقول فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين : فى ردِّه على الدكتور عبد المنعم النمر – رحمه الله تعالى – هذا الحديث (أنتم أعلم
بأمر دنياكم) هو عمدة أدلة الباحث فى بحثه : وهذه الجملة (أنتم أعلم بأمر دنياكم) تنقسم إلى ثلاثة مقاطع : "أنتم" والمراد من المخاطبين0 و "
أعلم" والمراد من المفضل عليه و "شئون دنياكم" وتحديد المراد منها0 وبعبارة أخرى : من؟ أعلم من من؟ وبأى شئ هو أعلم؟
هناك احتمالات فى المراد بهذه الجملة لنتصورها ثم نختار منها ما يصلح لأن يكون مراد المشرع الحكيم :
الاحتمال الأول : أنتم أيها الذين تلقحون النخل أعلم بما يصلح النخل منى وممن لا علم له بالزراعة، أى أنتم أعلم بشئون دنياكم هذه التى
تباشرونها، والتى لم تنجح فيها مشورتى، أعلم منى ومن مثلى، فالحديث على هذا واقعة عين أو واقعة حال، لا يستدل بها على غيرها أصلاً0
الاحتمال الثانى : أنتم أيها الذين تلقحون النخل ومن على شاكلتكم من أهل الصناعات والمهارات والخبرات أعلم بصنائعكم منى0
وممن ليس من أهل الصناعات، والكلام على التوزيع، على معنى : أن كل أهل صنعة أعلم بها ممن ليسوا من أهلها، كما يقال : أهل مكة
أدرى بشعابها0

الاحتمال الثالث : أنتم أيها الذين تلقحون النخل بالمدينة أعلم بما يصلح النخل منى ومن غيركم من زارعى النخل فى البلاد
والأزمان المختلفة، وهذا الاحتمال واضح البطلان، ففى بعض البلاد، وفى بعض الأزمان، من هم أعلم منهم بذلك0

الاحتمال الرابع : أنتم أيها الذين تلقحون النخل بالمدينة أعلم بالخبرات والصناعات المختلفة منى ومن غيرى، حتى من أهل
الصناعات أنفسهم، على معنى أنتم أعلم بالطب مثلاً منى ومن الأطباء0 وهذا الاحتمال واضح البطلان0

هذه الاحتمالات الأربعة مبنية على أن المراد من شئون الدنيا الصناعات والمهارات والخبرات، فإذا أردنا من شئون الدنيا مصالح
كل فرد أو مصالح كل مجموعة من مباحات الدنيا؛ كالمقارنة بين شراء بيت أو شراء سيارة كان الاحتمال الآتى :







 
قديم 06-03-08, 04:45 AM   رقم المشاركة : 5
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


الاحتمال الخامس : أنتم الذين تلقحون النخل بالمدينة، ومثلكم جميع الناس، أعلم بشئون دنياكم، وما يصلح لكم من غيركم،
والكلام على قاعدة : مقابلة الجمع بالجمع، تقتضى القسمة آحاداً، تقول : أعطيت الطلاب كتباً على معنى أعطيت كل طالب كتاباً، فيصبح المعنى
كل واحد أعلم من غيره بشئون ومصالح نفسه، وهذا الاحتمال إن صح فى المباحات، لا يصح فى الواجبات والمحرمات، فالشرع وحده هو الذى
حددها على أنها المصلحة( )، بنـاء علـى
سبق علم الله الذى خلق0 ثم إن هذا الاحتمال لا يتناسب مع قصة الحديث، ومما هو واضح أن الاحتمال الثانى هو المراد، ثم يليه الأول، وعلى
كل حال لا يصح الاستدلال بالحديث على إباحة التغيير فى المعاملات؛ لأن الحديث - كما رأينا - تطرق إليه أكثر من احتمال، والدليل إذا تطرق
إليه الاحتمال سقط به الاستدلال0

احتمال دخول المعاملات مستبعد :
مع أن احتمال دخول المعاملات فى الحديث كأحد الاحتمالات مستبعد أصالة وابتداء( )؛ لأن المعاملات كما يفهم من معناها علاقة
الأفراد والجماعات بعضهم ببعض فيما يتعلق بمعاشهم، وهذه العلاقة تحكمها دائماً قواعد وأصول وضوابط، لئلا يحيف بعض الأطراف على
بعض، والأمم غير الإسلامية وضعت لذلك قوانين، والإسلام وضع لها أرقى أنواع التشريع وليس من المعقول أن الله  الذى أنزل أطول آياته
فى القرآن : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ
وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ
بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى
وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ
تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( ) وحدد فيها كتابة الدين، ومواصفات الكاتب وواجباته، وحق المدين فى الإملاء، وإملاء وليه فى حالة
عدم صلاحيته، وصفات الشهود، وشروطهم، وواجباتهم، وقال تعالى : "ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ"0 ليس من المعقول أن الله الذى اهتم بالدَّين هذا
الاهتمام يترك البيع والشراء وتفصيل الربا، والرهن، والشركة وغيرها من المعاملات دون تشريع0

هل يعقل أن يترك البشرية هَمَلاً يأكل بعضهم مال بعض ظلماً وعدواناً تحت عنوان "أنتم أعلم بشئون دنياكم"؟

هل يعقل مسلم أن يترك الله تعالى هذه القوانين لمحمد  دون رقابة أو تصحيح؟ فيخطئ، فتعمل الأمة مجتمعة بالخطأ أربعة عشر
قرناً حتى يبعث الله لها من يرعى مصالحها، ويخالف حكم محمد ؟ أظن أن العقل المسلم يستبعد ذلك كل الاستبعاد0

يقول فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين : "بقى فى نفسى تساؤل بخصوص حديث تأبير النخل ربما يثور فى نفوس البعض، هو
: لماذا ألهم الله رسوله  أن يشير عليهم بهذه الإشارة مع أنها لم تكن فى مصلحتهم؟

ولماذا جعلهم الله يستسلمون لمجرد الإشارة، وهم المعروفون بالمراجعة والنقاش وكثرة السؤال؟
ولماذا لم يتدارك الله هذه المشورة بالتصحيح قبل أن تنتج شيصاً للمسلمين يسخر منه اليهود، وأعداء الإسلام حين يصح
نخلهم ويسوء نخل المسلمين بسبب مشورة نبيهم ؟0

وسنحاول تلمس حكمة لهذه الحادثة، فإن حصلت بها قناعة واطمئنان فالحمد لله، وإلاَّ فنحن مؤمنون أرسخ الإيمان بأن لله  فى
ذلك حكمة، وهو الحكيم الخبير0 ولعل الحكمة فى ذلك تدور حول ثلاث أمور :
أولاً : صرف بلاء الأعداء عن المؤمنين الذين لم تقوا شوكتهم بعد0 ألم يكن من الجائز أن يطمع الكافرون فى المدينة وتمرها، فيهاجموها من
أجل نزول محمد  فيها؟ فخروج التمر شيصاً جعلها غير مطمع، وصرف الله بذلك هجوم الكافرين حتى يستعد المؤمنون؟ احتمال0
ثانياً : تعليمهم الأخذ بأسباب الحياة بهذا الدرس العملى الذى كان قاسياً عليهم فتنافسوا بعده فى أسباب الحياة0
ثالثاً : اختبارهم فى صدق إيمانهم، فهذه الحادثة حتى اليوم فى هذا البحث ابتلاء واختبار، وقد نجح الصحابة - رضوان الله عليهم - فى هذا
الاختبار القاسى - وهم فى أول الإيمان، نجاحاً باهراً، فقد استمروا فى طاعة أوامره ، ولم يرد إلينا ردة أحد بسببها، بل لم يرد عتاب أحد منهم
لرسول الله  عليها رغم خسارتها، مما يشهد لهم بالإيمان الصادق المتين( )0 ولعل تلك الحكمة الأخيرة هى أوجه الحكم فى هذه الحادثة0
والله أعلم بحكمته0

وبعـد : إذا كانت عصمة النبى  دليل على حجية الكتاب، والسنة معاً، فلننتقل إلى الدليل الثانى من أدلة حجية السنة، وهو
القرآن الكريم0

المطلـب الثانـى
من أدلة حجية السنة المطهرة القرآن الكريم

يقول فضيلة الأستاذ الدكتور مروان شاهين : لقد اشتدت عناية القرآن الكريم بتلك المسألة فوَّجه إليها آيات كثيرة تنوعت بين آيات تأمر فى
وضوح بوجوب الإيمان به ، وبين آيات أخرى تأمر بوجوب طاعته، طاعة مطلقة، فيما يأمر به، وينهى عنه، وبين آيات أخرى تنهى عن
مخالفته وتحذِّر من ذلك وتبين جزاء المنافقين المرجفين فى دين الله  العاملين على هدم كيان السنة النبوية، والذين حصروا معنى الآيات
الواردة فى طاعة الرسول ، فى طاعته فى القرآن الكريم فقط( )0

ونحن لن نستطيع ذكر هذه الآيات كلها - وإلا طال المقام بنا جداً، ولكننا سننبه إلى بعض هذه الآيات فقط، ودلالتها على حجية
السنة النبوية الشريفة ووجوب التمسك بها( )0
1- من هذه الآيات قوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ( )0
2- وقوله تعالى : فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ( ) فمقتضى ذلك أن نؤمن بالله
وبرسوله، والإيمان معناه هنا التصديق والإذعان برسالتهوبجميع ما جاء به من عند اللهمن كتاب وسنة،بمقتضى عصمته التى توجب
التصديق بكل ما يخبر به عن رب العزة0كقوله  فى حق القرآن:"هذا كلام الله ، وقوله فى الأحاديث القدسية:"قال رب العزة كذا"أو نحو هذه
العبارة وقوله :"ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه"وقد سبق تفصيل ذلك قريباً فى مبحث العصمة( ) فالإيمان بالرسول  جزء من الإيمان بالله
تعالى، والشك والارتياب فى ذلك الإيمان، شك وارتياب فى الإيمان بالله ورسوله معاً، وحينئذ لا يكون هناك إيمان أبداً0

يقول الإمام الشافعى فى رسالته : "فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذى ما سواه تبع له الإيمان بالله ثم برسوله، فلو آمن عبد به، ولم يؤمن
برسوله  : لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى يؤمن برسوله معه( )، ومن هنا وجبت طاعة الرسول  - بمقتضى هذا الإيمان - فى
كل ما يبلِّغه عن ربه، سواء ورد ذكره فى القرآن أم لا0

يقول الإمام الشافعى : "وما سنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكم : فبحكم الله سنَّه، وكذلك أخبرنا الله فى قوله تعالى : وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( )، وقد سن رسول الله مع كتاب الله، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب0 وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه،
وجعل فى اتباعه طاعته، وفى العدول عن اتباعها معصيته التى لم يعذر بها خلقاً، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجاً"( )0
3- ومن أهم الآيات دلالة على حجية السنة، ووجوب التمسك بها قوله تعالى : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( ) يقول ابن قيم الجوزية : "أقسم سبحانه بنفسه، وأكده بالنفى قبله على نفى الإيمان عن
العباد، حتى يحكِّموا رسوله فى كل ما شجر بينهم، من الدقيق والجليل، ولم يكتف فى إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده، حتى ينتفى عن صدورهم
الحرج والضيق عن قضائه وحكمه، ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلموا تسليما، وينقادوا انقيادا( )0

ويقول أيضاً فى مختصر الصواعق المرسلة : "فقد أقسم الله سبحانه بنفسه على نفى الإيمان عن هؤلاء الذين يقدمون العقل على
ما جاء به الرسول ، وقد شهدوا هم على أنفسهم بأنهم غير مؤمنين بمعناه، وإن آمنوا بلفظه"( )0

ويقول فى موضع آخر : "وفرض تحكيمه، لم يسقط بموته، بل ثابت بعد موته، كما كان ثابتاً فى حياته، وليس تحكيمه مختصاً
بالعمليات دون العلميات كما يقوله أهل الزيغ والإلحاد( )0

4- ويقول رب العزة : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا( ) ودلالة الآية على حجية السنة من عدة وجوه :
أولاً : النداء بوصف الإيمان فى مستهل الآية : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا " ومعنى ذلك أن المؤمنين لا يستحقون أن ينادوا بصفة الإيمان إلا إذا نفذوا
ما بعد النداء وهو طاعة الله تعالى، وطاعة رسول الله ، وأولى الأمر( )0
ثانياً : تكرار الفعل "أَطِيعُوا " مع الله ، ومع رسوله ، وتكرار ذلك فى آيات كثيرة وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ( ) وقوله تعالى:
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( )0
يقول الإمام الشاطبى : "تكراره الفعل "وَأَطِيعُوا" يدل على عموم الطاعة بما أتى به مما فى الكتاب، ومما ليس فيه مما هو من
سنته"( )0

وقال العلامة الألوسى : "… وأعاد الفعل : "وَأَطِيعُوا" وإن كان طاعة الرسول مقرونة بطاعة الله ، اعتناءً بشأنه  وقطعاً لتوهم
أنه لا يجب امتثال ما ليس فى القرآن، وإيذاناً بأن له  استقلالاً بالطاعة لم يثبت لغيره، ومن ثم لم يعد فى قوله : "وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " إيذاناً
بأنهم لا استقلال لهم فيها استقلال الرسول ( )، بل طاعتنا لهم مرتبطة بطاعتهم هم لله ورسوله، فإن هم أطاعوا الله ورسوله فلهم علينا حق
السمع والطاعة وإلا فلا، لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق( )0

ومما هو جدير بالذكر هنا أن فرض الله  طاعة رسوله ليست له وحده بل هى حق الأنبياء جميعاً قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ( )0 فرب العزة جل جلاله يقرر هنا قاعدة:"أن كل رسول جاء من عنده جل جلاله يجب أن يطاع"

ولماذا لا يطاع هذا الرسول الذى جاء بالمنهج الحق الذى يصلح الخلل فى تلك البيئة التى أرسل إليها؟ إن عدم الطاعة حينئذ –
هو نوع من العناد والجحود والتكبر0 كما أن فى عدم الطاعة اتهاماً للرسالة بالقصور، واتهاماً للرسول فى عصمته من الكذب فى كل ما يبلغ
به عن ربه  من كتاب أخبرنا عنه بقوله "هذا كتاب الله"، ومن سنة مطهرة أخبرنا عنها بقوله : "أوتيت القرآن ومثله معه"( ) وقوله : "وإن
ما حرم رسول الله كما حرم الله"( )0

3- ثالث الوجوه دلالةً على حجية السنة من آية النساء قوله تعالى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ؛ فالرد إلى الله  هو
الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول  هو الرد إليه نفسه فى حياته، وإلى سنته بعد وفاته( )0 وعلى هذا المعنى إجماع الناس كما قال ابن قيم
الجوزية( )0
وتعليق الرد إلى الكتاب والسنة على الإيمان كما فى قوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى أن الذين يردون
التـنازع فى مسائل دينهم وحياتهم، دقها وجلها، جليها وخفيها – إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله ، هم فقط المؤمنون حقاً كما وصفتهم
بذلك الآية الكريمة، أما غيرهم فلا ينطبق هذا الوصف عليهم0

ثم يحدثنا الله تعالى بعد هذه الآية مباشرة، عن أناس يزعمون أنهم يؤمنون بالله ورسوله0 ومقتضى هذا الإيمان أن يحكموا كتاب
الله وسنة رسوله  فى كل شئون حياتهم - ولكنهم - لا يفعلون ذلك وإنما يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت مع أنهم قد أمروا أن يكفرو به
قال تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا( )0 ففى نهاية الأمر حكم الله تعالى على
من يعرض عن حكم الله تعالى ورسوله ويتحاكم إلى الطواغيت بأنهم منافقون( )، وصدق رب العزة : وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا
ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ(47)وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ(48)وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ
الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(49)أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ(50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ
الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(51)وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ( )0

ويتأكد هذا المعنى جلياً فى قول الله تعالى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ( ) "فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار يعد قضائه جل جلاله وقضاء ورسوله ،
ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالاً مبيناً"( )0

ونختم المطاف مع الآيات الدالة على وجوب طاعة الرسول  طاعة مطلقة فيما يأمر به، وينهى عنه، بقوله تعالى : وَمَا ءَاتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( ) وهناك آيات كثيرة لم نتعرض لذكرها خشية الإطالة0 فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الآيات التى تحذر من
معصية الرسول  وتنهى عن مخالفته نجدها كثيرة ونشير أيضاً إلى بعضها قال تعالى : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا
خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ( ) وقال تعالى : فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا(41)يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا
الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ( )0
وفى سورة التوبة قال تعالى أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ( ) وفى
سورة النور قال تعالى : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( )0
أين أمر رسول الله  فى القرآن، لمن زعموا أن آيات طاعة الرسول فى القرآن مراد بها طاعته فى القرآن فقط؟0

وفى سورة الأحزاب : إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا(64)خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(65)يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ
يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا( )0

وفى سورة محمد قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ
شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ( )0

وفى سورة المجادلة قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ( )0 وفى سورة المجادلة أيضاً قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ( ) إن الآيات السابقة
تصرح بأن مخالفة منهج الله ورسوله، يدخل النار، ويورث الذل، والخزى، والفتنة، والكبت، ويحبط العمل0 فليختر المسلم لنفسه ما يشاء( )
أ0هـ0
المطلـب الثالـث
من أدلة حجية السنة، السنة النبوية نفسها

الأحاديث الدالة على حجية السنة كثيرة منها قوله  : "ألا إنى أُوتيتُ القُرآن ومِثْلَهُ مَعَهُ ألا يُوشكُ رجُلُ شبعان على أريكته يقول :
عليكم بهذا القرآن، فما وَجَدْتُمْ فيه من حَلاَلٍ فأحلُّوهُ، وما وجدتم فيه من حرام فَحرِّمُوهُ، ألا لا يَحلُّ لكم الحمار الأَهْلِى، ولا كُلُّ ذى ناب من
السِّبَاع، ولا لُقَطَةُ مُعَاهِد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها"0

وهذا الحديث صحيح ثابت لا مطعن فيه، لا من جهة النقل والرواية، ولا من جهة العقل والدراية( )0
أما النقل والرواية فالحديث صحيح رواه الأئمة أبو داود، والترمذى، وابن ماجة، والدارمى فى سننهم( )0

وأما العقل والدراية : فإن بناء الفعل للمجهول "أوتيت" يدل على أن الله تعالى أعطى لرسوله  القرآن ومثله معه0 فما هو
المماثل للقرآن الذى تلقاه الرسول  عن ربه؟ لا يمكن أن يكون هذا المماثل شيئاً غير السنة الشريفة؛ لأن الرسول  جاءنا بهذين الأصلين
معاً القرآن والسنة – ولم يأتنا بشئ غيرهما – علماً بأن الحديث القدسى مندرج فى السنة الشريفة( )0 وقد دل على هذا الفهم القرآن الكريم،
مما سبق ذكره من الآيات الكريمات الدالة على حجية السنة0ودل على ذلك الفهم أيضاً الأحاديث المتكاثرة التى تؤيد هذا المعنى0

نقول هذا رداً على المرجفين فى دين الله  العاملين على هدم كيان السنة المطهرة، الطاعنين فى صحة الحديث، وفى معناه( )0
أما الأحاديث التى تؤيد المعنى السابق، وتؤكد حجية السنة المطهرة، قوله  : "نضر الله امرءاً منا شيئاً، فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من
سامع( )0 ووجه دلالة الحديث على حجية السنة كما يراها كبار العلماء : "أن رسول الله  ندب إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها … فدل
على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه، إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يؤدى عنه حلال يؤتى، وحرام يجتنب، وحد يقام، ومال يؤخذ
ويعطى، ونصيحة فى دين ودنيا"( )0

وقال الإمام البيهقى : "لولا ثبوت الحجة بالسنة لما قال  فى خطبته، بعد تعليم من شهده أمر دينهم : "ألا فليبلغ الشاهد منكم
الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع"( )0

وعن أبى هريرة  قال:قال رسول الله :"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم"( ) وهذا يؤكد قوله تعالى فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ( ) وقال  : "كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا ومن يأبى يا رسول الله؟ قال : "من أطاعنى؛ دخل الجنة، ومن
عصانى؛ فقد أبى"( )0

وهذا يؤكد ما سبق ذكره من الآيات الدالة على أن طاعة رسول الله  طاعة مستقلة0 والأحاديث غير ذلك كثيرة( )، مرت
الإشارة إلى بعضها0 كحديث "عليكم بسنتى"( ) وغيره( ) أ0هـ0 والله تعالى أعلى وأعلم0
المطلـب الرابـع
من أدلة حجية السنة النبويـة الشريفـة الإجماع

أجمعت أمة الإسلام من الصحابة - رضى الله عنهم أجمعين -، والتابعين، والأئمة المجتهدين، وسائر علماء المسلمين من
بعدهم إلى يومنا الحاضر، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ على حجية السنة النبوية، ووجوب التمسك بها، والعض عليها بالنواجذ،
والتحاكم إليها، وضرورة تطبيقها، والسير على هديها فى كل جوانب حياة المسلمين، ولم يمار فى هذه الحقيقة الساطعة إلا نفر ممن لا يعتد
بخروجهم على إجماع الأمة من الخوارج، والروافض، ومن أحيا مذاهبهم من دعاة الإلحاد فى عصرنا0 قال الإمام الشوكانى – رحمه الله - :
"إن ثبوت حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف فى ذلك إلا من لاحظَّ له فى دين الإسلام"( )0

فالكتب الإسلامية المعتمدة كلها، تزخر بشتى الأدلة التى تشهد، بأن علماء الأمة الأجلاَّء متفقون اتفاقاً يقينياً منذ عصر الرسول 
حتى يومنا هذا، على وجوب الاحتكام إلى السنة المطهرة، إن تعذَّر العثورُ على الدليل فى القرآن الكريم، وعدم تجاوزها أبداً إلى غيرها من
الأدلة الأخرى التى أشار إليها القرآن إن وجد الدليل فيها، بل كان الواحد منهم يرجع عن اجتهاده فوراً وبدون أدنى تردد، حينما يجد حديثاً
صحيحاً عن رسول الله  يخالف ما أفتى به( )0 وقد دللنا فيما سبق على ذلك، ولا داعى لإعادة الأدلة وهنا أو سرد أكثر مما ذكرنا فى هذا
المقام سابقاً( )0

وعلى ذلك أيضاً تشهد كتب علم الكلام، وعلم الأصول : يقول الدكتور عبد الغنى عبدالخالق - رحمه الله - : "لا نجد فى كتب
الغزالى، والآمدى، وفخر الدين الرازى، والجوينى، وأبى الحسين المعتزلى، والسرخسى، وجميع من اتبع طرقهم فى التأليف، : من الأصوليين
تصريحاً ولا تلويحاً : بأن فى هذه المسألة خلافاً0 وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم، وتتبعوا الاختلافات حتى الشاذة منهم، واعتنوا
بالرد عليها أشد الاعتناء0 بل نجدهم - فى هذه المسألة - لا يهتمون بإقامة دليل عليها، وكأنهم قصدوا بعدم التصريح بإقامة دليل عليها :
إكبارها وإجلالها، وإعظام شأنها عن أن ينازع فيها منازع، أو يتوقف فيها متوقف( )0

فصاحب المُسلم وشارحه يقولان : "إن حجية الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، من علم الكلام، لكن تعرض الأصولى لحجية الإجماع،
والقياس؛ لأنهما كثر فيهما الشغب من الحمقى؛ من الخوارج، والروافض : خذلهم الله تعالى0

وأما حجية الكتاب والسنة : فمتفق عليها عند الأمة : ممن يدعى التدين كافة فلا حاجة إلى الذكر( )0
يقول الدكتور عبد الغنى عبد الخالق وليت شعرى، كيف يتصور : أن يكون نزاع فى هذه المسألة بين المسلمين، وأن يأتى رجل : فى رأسه
عقل، ويقول : أنا مسلم، ثم ينازع فى حجية السنة بجملتها؟ مع أن ذلك مما يترتب عليه عدم اعترافه بالدين الإسلامى كله من أولة إلى
آخره0 فإن أساس هذا الدين هو الكتاب، ولا يمكن القول بأنه كلام الله مع إنكار حجية السنة جملة، فإن كونه كلام الله، لم يثبت إلا بقول
الرسول الذى ثبت صدقه بالمعجزة : "إن (هذا كلام الله وكتابه)" وقول الرسول (هذا من السنة) التى يزعم : أنها ليست بحجة0 فهل هذا إلا إلحاد
وزندقة، وإنكار للضرورى من الدين : يقصد به تقويض الدين من أساسه؟

وهل إنكار حجية شئ من أقواله، أو أفعاله، أو تقريراته  بعد الاعتراف بعصمته التى ذكرناها : إلا القول : بوجود الليل، مع
الاعتراف بطلوع الشمس( )؟!

أعداء الإسلام وطعنهم فى حجيـة الإجمـاع
الدال على حجية السنة والرد عليهم

ومما هو جدير بالذكر هنا، أن ذيول الحمقى من الخوارج، والروافض فى عصرنا الحاضر، أكثروا من الشغب فى حجية الإجماع،
وهم يشككون فى حجية السنة، ويطعنون فى الشريعة الإسلامية( )0

دليـل حجيـة الإجمـاع :
وحجية الإجماع وعدمه، مسألة قتلها علماء الأصول والكلام بحثاً وخلاصة القول كما فى فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت : "أن الإجماع
حجة قطعاً، ويفيد العلم الجازم عند الجميع من أهل القبلة، ولا يعتد بشرذمة من الحمقى الخوارج، والشيعة، والنظام من المعتزلة، لأنهم حادثون
بعد الاتفاق يشككون فى ضروريات الدين؛ مثل السوفسطائية فى الضروريات العقلية"( )0
يقول الآمدى : "وقد احتج أهل الحق فى ذلك بالكتاب والسنة والمعقول"( )0أما من الكتاب فقوله تعالى : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا( )0
وهذه الآية هى أقوى الأدلة وبها تمسك الإمام الشافعى –رحمه الله- ووجه الاحتجاج بها، جمع الله تعالى بين مشاقة الرسول،
واتباع غير سبيل المؤمنين فى الوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحاً لما جمع بينه وبين المحرم من مشاقة الرسول ، فى التوعد
كما لا يحسن التوعد على الجمع بين الكفر وأكل الخبز المباح؛ فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين محظورة، ومتابعة غير سبيل المؤمنين :
عبارة عن متابعة قول أو فتوى غير قولهم، وفتواهم0 وإذا كانت تلك محظورة، وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة( )0

ومن السنة قوله  : "إن الله لا يجمع أمتى أو قال أمة محمد  على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار"( )
وقال  : "…عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة؛ فليلزم الجماعة، من
سرته حسنته وساءته سيئته؛ فذلك المؤمن"( )0

أما دليل العقل : فيقول إمام الحرمين الجوينى : "والدليل على كونه حجة أنا وجدنا العصور الماضية، والأمم المنقرضة متفقة على
تبكيت من يخالف إجماع العلماء، علماء الدهر، فلم يزالوا ينسبون المخالف إلى المروق، والمحادة، والعقوق، ولا يعدون ذلك أمر هيناً بل يرون
الاجتراء على مخالفة العلماء ضلالاً مبيناً( )، ويستحيل أن يكون ذلك إلا لدلالة أو أمارة وإلا استحال اتفاقهم على المنع من مخالفته( )0 أ0
هـ0 والله أعلم0

المطلـب الخامـس
من أدلة حجية السنة المطهرة العقـل والنظر

لقد دلّ الاستقراء على أن الكتاب العزيز فرض على الناس فرائضَ مجملة تحتاج إلى تفسير، وشرح وبيان، كأداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، والقيام
بمناسك الحج0 لذلك، فقد ذهب العلماء، والمحققون (دون اعتبار لقول من شذ من المرجفين فى دين الله تعالى، العاملين على هدم كيان السنة
النبوية)( ) إلى أنه يتحتم شرعاً وعقلاً الرجوع إلى السنة لتفصيل مجمله وبيان كيفية أدائه لوضع الصور التطبيقية لتوجيهاته0

ومما يستعان به فى تأييد ذلك :
1- ما روى أن رجلاً قال لعمران بن حصين  : لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له عمران: "إنك امرؤ أحمق : أتجد فى كتاب الله الظهر أربعاً لا
تجهر فيها بالقراءة؟ ثم عدد عليه الصلاة والزكاة، ونحو هذا، ثم قال : "أتجد هذا فى كتاب الله مفسَّراً؟ إن كتاب الله أبهم هذا، وإن السنَّة تفسِّر
ذلك( )0
2- وروى أن رجلاً قال لمطرف بن عبد الله بن الشخير( ) : لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له مطرف : "والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكن نريد
من هو أعلم بالقرآن منا"0
3- وفى هذا المعنى قال الأوزاعى : "الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب"0 قال ابن عبد البر : "يريد أنها تقضى عليه - أى تفصل
فيه - وتبين المراد منه"( )0
4- وقال يحيى بن أبى كثير : "السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب قاضياً على السنة"( )0
ويوضح الإمام الشاطبى ما يقصد العلماء بقولهم إن السنة قاضية على الكتاب فيقول : "الجواب أن قضاء السنة على الكتاب ليس بمعنى
تقدمها عليه، واطراح الكتاب، بل إن ذلك المعبر فى السنة هو المراد فى الكتاب، فكأن السنة بمنزلة التفسير، والشرح لمعانى أحكام الكتاب( )0

وهذا ما صرح به الإمام أحمد-رحمه الله-وتحاشا أدباً لفظ(قاضية على الكتاب) عندما سئل عن الأثر السابق فقال:"ما أجسر على هذا أن
أقوله،ولكن السنة تفسر الكتاب وتبيِّنهُ"( )0

ماذا لـو اكتفينـا بالإستناد إلى القـرآن وحـده،
ولـم نعبـأ بالسنـة المطهرة

ثم لو سلمنا جدلاً أنه يكفى الاستناد إلى القرآن وحده، ولم نعبأ بالسنة أبداً، وتركنا القرآن يخطئ فيه المخطئون، ويتعمد فيه الكذب
الكاذبون، ويتلاعب فيه الملحدون الذين طمس الله على قلوبهم وأعمى بصيرتهم، ويخوض فيه المنافقون بما يمليه عليهم رؤساؤهم
وشياطينهم، ويعبث فيه أهل الأهواء والبدع والضلال، بما تسوله لهم نفوسهم0

هل يزول الخلاف بين الناس أم يزيد؟ مما لا ريب فيه أنه يزيد( ) لأن هؤلاء الذين يزعمون أنهم قادرون على استنباط كل شئ من القرآن
الشريف بدون رجوع إلى بيان صاحب الرسالة 0 نراهم يكثرون من المسائل العجيبة التى استنبطوها بزعمهم من القرآن، ومن الغرائب أن
كثيراً من الأحكام التى يردونها لثبوتها بالسنة نجد أصلها موجوداً فىالقرآن الكريم عند

إمعان النظر، وأغرب من ذلك تناقضهم واختلافهم فى ما يستنبطون من القرآن، فكل واحد منهم مستقل بنفسه مخالف للآخر( )0 بحيث تراهم
فى سذاجتهم وتدليسهم يعبثون بعقول الناس غاية العبث، يدخلون على الشريعة أموراً ليست منها، ويخرجون منها أموراً هى من أساساتها0
ودونك الأمثلة :

نماذج من المسائل العجيبة التى استنبطها أعداء السنة من القرآن الكريم بدون
رجوعهم إلى بيان النبى ، واستعراض بدائهم عن السنة المطهرة

الذين يقولون : إن القرآن قد احتوى على كل شئ وفصله تفصيلاً، ولا داعى للسنة، لو أنك واجهتهم بالصلاة، وكيفية أدائها،
لرأيت بعضهم يقول : "إن القرآن يفرض على المسلم أن يصلى فى كل وقت من أوقات الصلاة أكثر من ركعة، ولم يحدد له عدداً مخصوصاً
وتركه يتصرف كما يشاء" وبعبارة أخرى : إن الإنسان يجب عليه أن يصلى ركعتين على الأقل، وله أن يزيد على ذلك ما شاء أن يزيد بحيث لا
يخرج عن الاعتدال والقصد … وبعد ذلك فللمسلم الاختيار فيما يفعل على حسب ما يجده من نفسه ومن قوته، أما الصلاة المعروفة اليوم
بمواقيتها وهيئاتها، فما كان يعرفها الرسول نفسه ولا أصحابه، وهى غير واجبة على الأمة الإسلامية فى جميع الأزمنة والأمكنة، أو فهى لا
تدل على وجوب ما فوق الركعتين"( )0

وفى موضع آخر يقول : "وإذا فليس عندنا دليل قطعى على وجوب هذه الأعداد - من الصلوات والركعات - والله لا يتعبدنا بالظن،
وحيث أن هذا الأمر لم يصل إلينا بالتواتر القولى دل ذلك على أن الله لا يريد منا المحافظة على هذه الأعداد والاستماتة عليها وهو المطلوب"(
)0
فإذا كان الدكتور توفيق صدقى لا يؤمن بالصلاة المعروفة اليوم؛ لأنها متواترة عملاً لا قولاً فى نظره، نجد آخر على مذهبه يؤمن
بالصلاة المعروفة اليوم بمواقيتها وعددها وهيئتها … إلخ ويكفيه نقلها بالتواتر العملى( )0 وهو ما لم يكف توفيق صدقى!
وقائل آخر يذهب إلى أن كيفية أداء الصلاة لم تأت مفصلة فى الشريعة الإسلامية فى كتاب الله ،وإنما جاءت مفصلة فى شريعة أخرى، وهى
شريعة سيدنا إبراهيم-عليه السلام-، فإذا سألت وكيف نقلت إلينا شريعة إبراهيم وأين هى ؟! ومن أولئك الذين نقلوها؟ قالوا لك : لقد نقلت
إلينا جيلاً بعد جيل، وتوارثها الذين نقولها أبو جهل، وأبو لهب، وغيرهم من مشركى قريش، كانوا يؤدون الصلوات الخمس مثلنا تماماً ويحجون
مثلنا( )0

وإذا كان توفيق صدقى يذهب إلى أن عدد الركعات فى كل صلاة لا يقل عن ركعتين، وإنما يزيد وأجاز تلك الزيادة على حسب ما يجده الإنسان
من وقته0 نرى آخر يرفض كل ما سبق، ويلزم بأن الصلوات كلها واحدة ركعتين ركعتين( )0

وإذا تأملنا فى الصلوات المفروضة عندهم لرأينا ما يضحك ويبكىمن التناقض البين فيما يستنبطون بفهمهم السقيم من كتاب الله  فالصلوات
المفروضة عند بعضهم أربع، وعند آخر ست0

أما من قال هى أربع : فقال : هى طرفى النهار أى فى (أولة) وهى صلاة الصبح، وآخر النهار، وهى صلاة المغرب، وطرفى
الليل أى فى أوله، وهى صلاة الفجر، وفى آخره وهى صلاة العشاء0

أما صلاة الظهر فهى عنده من الفروض التى لا ذكر لها فى القرآن، وهى من الفروض التى زادها أعداء الإسلام( )، هكذا يهزي
محمد نجيب فى كتابه (الصلاة) ( )0

أما من يقول بأنها ست فيزيد على الصلوات الأربع السابقة صلاتى الظهر والليل، أما الظهر؛فهى تبدأ عنده من ساعة توسط
الشمس (كبد) السماء،وإلى أن يصير ظل كل شئ مثله!
أما صلاة الليل فهى عنده اثنتين صلاة الليل الأولى، وتبدأ من دلوك الشمس إلى (الغسق) باستمرار غير منقطع، والثانية وهى من
غياب الشفق إلى منتصف الليل، هذا فضلاً عن صلاة قيام الليل وهى مندوبة عنده( )0

أما أحمد صبحى منصور فيذهب إلى : "أن فرائض الصلاة وركعاتها معروفة للعرب مثل معرفتهم لأيام الأسبوع، فإن القرآن يذكر
بعض الفرائض مثل الفجر، والظهر، والعشاء فى سياق حديثه عن تشريع آخر قال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ( )0

فتأمل هنا كيف يقر أحمد صبحى، وكذا من سبقه مصطفى المهدوى، بأن الظهر من فرائض الصلاة، وهى عندهم لها دليل من
القرآن الكريم، وهو ما ينكره محمد نجيب ويصف، من يقول بذلك بأنه من أعداء الإسلام؟

وعن قبلة المسلمين الأولى، والتى لا ذكر لها فى القرآن الكريم تراهم يتناقضون فى تحديدها حسب استنباط كل منهم من القرآن
الكريم0

فيذهب محمد نجيب إلى : أن القبلة الأولى هى بيت الرسول ، لا بيت المقدس، ويعلل ذلك بأنه : "قد ورد فى القرآن الكريم أن الله
 أمر سيدنا موسى وسيدنا هارون باتخاذ بيوتهما قبلة لهما وللمؤمنين عندما يصلون متجهين إليها قال تعالى : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ
تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ( ) فكان لابد للرسول وللمسلمين معه أن يقتدوا بسيدنا موسى،
ويتخذوا من بيت النبى الذى اختاره ليكون قبلة كما اتخذ موسى بيته قبلة( )، ويذهب إلى أن تلك القبلة لم تنسخ فيقول : "والأمر بالقبلة الأولى
ليس أمراً قد انتهى أمره فلا لزوم له فى القرآن إذ أنه أمر موجود ليتبعه المسلمون إذا اقتضى الأمر ذلك( ) أ0هـ0

هذا فى حين نرى مصطفى المهدوى يذهب إلى أن القبلة الأولى منسوخة، ويصرح بأن تلك القبلة الأولى لا علم له بها فيقول : "
وكان الله –تبارك وتعالى- قد شاء أن يستقبل رسوله فى صلاته قبلة أخرى، الله أعلم بها حيث جعلها من سنة نبيه ثم نسخها بقرآن"( )0

أما أحمد صبحى؛ فيقر بتوجه النبى ، ومن آمن معه نحو بيت المقدس فيقول : "فالعرب مسلمون ومشركون كانوا يتوجهون فى
الصلاة إلى الكعبة، وامتحنهم الله بأن أمرهم بالتوجه نحو القدس، وأطاع النبى والمؤمنون معه، وصبروا على أقاويل السفهاء، وبعد أن نجح
النبى، والمؤمنون فى الاختبار نزل الوحى يجيب برجاء رسول الله بالعودة إلى التوجه للبيت الحرام( ) أ0هـ0
ولم يبين لنا أحمد صبحى من أين دليله فى توجه النبى  ومن آمن معه نحو بيت المقدس؟!!
ثم إن إقراره بذلك يتناقض مع عدم إيمانه بالنسخ فى الشريعة الإسلامية بمعنى الحذف والإلغاء( )0 حيث نسخ القرآن الكريم ما ورد فى السنة
المطهرة من التوجه فى الصلاة أول الأمر إلى بيت المقدس0

ومن طرائف أحمد صبحى منصور؛ أنه عندما زعم أن فرائض الصلاة وركعاتها كانت معروفة للعرب وعلينا اتباعها ذهب إلى أن
: "تشريع الوضوء والطهارة والغسل والتيمم لم يكن معروفاً من قبل (أى فى الجاهلية) وجاء بيانه فى آيتين فى المدينة : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا
لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ
مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا( ) فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا( ) وهذا يعنى أن أهل
الجاهلية وهم يعرفون الصلاة بركعاتها وهيئتها … إلخ كانوا يصلون من غير طهارة؟!!

ولأن الدليل الإسلامى على تشريع الوضوء والطهارة … إلخ مدنى كما فى آية النساء، وكذا آية المائدة( )0 فالمسلمون أيضاً
طوال الفترة المكية كانوا يصلون من غير طهارة؟!!
ونقول لهؤلاء جميعاً ما زعمتموه عبثاً من أن الصلوات المفروضة على المسلمين فى اليوم والليلة، إنما هى مرتان أو أربع أو ست، وأن
طريقة الصلاة كذا وكذا لا كما يصليها المسلمون0
فالواجب عليكم أن تثبتوا لنا أن النبى ، وأصحابه، ما كانوا يصلون فى اليوم والليلة إلا مرتين، أو ست، وأنهم ما كانوا يصلون إلا بالطريقة
التى تزعمونها، وأنه بعد تدوين كتب الحديث صار المسلمون يصلون خمس مرات، وزادوا فيه كذا وكذا من الأركان تبعاً للمحدثين، والفقهاء،
فإن لم تستطيعوا إثبات ذلك - ولن تستطيعوه إلى يوم القيامة - يكون مآل دعواكم أن النبى  اخطأ فى فهم الوحى الذى أنزل عليه (حاشاه من
ذلك) وأنتم (أيها الأعاجم الجهلة) وفقتم لإصلاح ذلك الخطأ وبيان الصواب0

فهل يمكن لمسلم، بل لعاقل أن يتفوه بهذا الكلام الجنونى؟ أعاذنا الله من ذلك( )0 وعن بقية أركان الإسلام من شهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن صيام، وزكاة، وحج، حدث ولا حرج عن شذوذ ما يستنبطون بما تمليه عليهم نفوسهم المريضة0

فشهادة أن محمداً رسول الله، والتى هى جزء لا يتجزأ من شهادة أن لا إله إلا الله، هذه الشهادة تكرارها بجانب شهادة أن لا إله
إلا الله؛ يعد شركاً أكبر( )0

ويقول المتنبئ الكذاب رشاد خليفة عن صيغة التشهد، وما فيها من حمد وتمجيد، لرسول الله ، وآله : "لقد أمرنا الله ألا نذكر أى
اسم فى الصلاة سوى اسمه : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا( ) إلا أن جماهير المسلمين اليوم ابتدعوا بدعة، حمد محمد، وإبراهيم
وتمجيدها وهم يصلون لربهم … لقد أغوى الشيطان المسلمين بترديد بدعة "التشهد"، حيث يمطرون محمداً وإبراهيم بالحمد والتمجيد0 أليس
هذا شركاً صارخاً ‎؟( )

ويعلل محمد نجيب بأن حمد وتمجيد نبيين (محمد وإبراهيم) –عليهما الصلاة والسلام- دون غيرهما فيه تفريق بين رسل الله( )
وبذلك حدثنى مصطفى منصور أحد أتباع أحمد صبحى عن أحمد صبحى أنه قال : "لا يجب تكرار شهادة أن محمداً رسول الله فى الآذان حتى لا
يكون هناك تفرقة بين رسل الله ، ولأننا لو قلنا بهذه الشهادة لوجب علينا أن نشهد أيضاً بأن إبراهيم رسول الله، وموسى رسول الله، وعيسى
رسول الله … وهكذا وهو أمر يطول0

وتناسى هؤلاء أن الإيمان بمحمد  وإعلان تلك الشهادة هو إيمان بكل الأنبياء، لأنه  خاتمهم، قال تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا
ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ
فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ( )0


وما قيل فى الصلاة من تناقض، يقال مثله فى بقية أركان الإسلام من صيام، وزكاة، وحج، فتلك العبادات جاءت مفصلة فى
شريعة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - يقول المتنبئ الكذاب رشاد خليفة : "جميع العبادات بتفاصيلها (عدد الصلوات وعدد الركعات، ومقدار
الزكاة، وكيفية الصيام، وكيفية الحج) نزلت على إبراهيم-عليه السلام-أما محمد-عليه السلام-فكانت مهمته الوحيدة هى تبليغ القرآن (ما على
الرسول إلا البلاغ): وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ( )0 وهكذا نتعلم من القرآن أن الصلاة بتفاصيلها، والزكاة بتفاصيلها، والصيام
بتفاصيله، والحج بتفاصيله؛ قد تم تعليمهم لإبراهيم –عليه السلام-، ثم تواترت إلينا جيلاً بعد جيل"( ) أ0هـ0

وهذه الشعائر الإسلامية عدم ذكر تفاصيلها فى القرآن الكريم فى نظر بعض أعداء السنة؛ لأنها متروكة لأولى الأمر لاختيار
المناسب منها كل حسب الزمان والمكان0
يقول توفيق صدقى : "إن ربع العشر فى الزكاة إذا قام بإصلاح حال الفقراء، والمساكين، وأبناء السبيل، والغارمين، وبالنفقة منه على العاملين
على الزكاة، والمؤلفة قلوبهم، وفى سبيل الله، وفى تحرير الرقاب، إذا قام بكل هذه الشئون فى زمن أو بلد فليس ضرورياً أن يكون كافياً كذلك
فى زمن آخر، أو فى بلدة أخرى0 ومن ذلك تعلم حكمة الله فى عدم تعيين شئ من ذلك فى كتابه تعالى، فما بينته السنة للعرب فى ذلك لا
يصلح لجميع الأمم فى الأوقات المختلفة"( )0 وممن قال بذلك محمود محمد طه( )، وتابعه عبد الله أحمد النعيم( )، وجمال البنا الذى يصرح بأن
الحكمة فى عدم ذكر القرآن الكريم تفاصيل الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والشورى … إلخ؛ أن بيان الرسول  ليس تشريعاً دائماً ولازماً؛
فتركنا الإسلام لما يستجد فى كل زمان ومكان0 ولو فصل القرآن لأوقع الحرج على الأجيال الآتية، ولا مانع من تأبد السنة إذا كانت فى أخلاق
النبى  وسياسته، وصدقه، وكرمه أو موقفه كقائد ورجل دولة0 ولكن عندما يكون الأمر أمر "الأحكام" فلا تأبد للسنة، فهذا ما يتفاعل مع
الزمان والمكان ويتأثر بالأوضاع( )0

ويقول محمد شحرور : "علينا اعتبار كل الأحاديث المتعلقة بالحلال والحرام والحدود التى لم يرد نص فيها فى الكتاب على أنها
أحاديث مرحلية قيلت حسب الظروف السائدة"( ) وينكر مصطفى المهدوى الحدود فى الإسلام زاعماً أنها ما هى إلا الأحكام الشرعية مثل أحكام
الصيام، وأحكام الطلاق، وأحكام المواريث( )0 وعند ذكره لقوله تعالى : إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ
يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ( )0

قال : "إن الله يرخص لأولى الأمر اختيار الجزاء المناسب دون تحديد؛ كالحبس، والغرامة، والتوبيخ، والحرمان من بعض الحقوق
المدنية والسياسية"( ) أ0هـ0

ويتجرأ الدكتور أحمد زكى أبو شادى من مصر : على جواز تبدل الأحكام وفق الظروف والأسباب ليس فى السنة النبوية فقط، بل
فى القرآن الكريم أيضاً فيقول : "القرآن الكريم، والأحاديث النبوية مبادئ خلقية وسلوكية مسببة، بحيث أن أحكامها عرضة للتبدل بتبدل الأحوال
والأسباب، ففيه شواهد هادئة على ضوئها وأسبابها وظروفها، لا أحكام متزمتة لا تقبل التعديل وفقاً لتبدل الأسباب والظروف"( )0

ولا يقف الأمر عند هؤلاء النابتة الضالة عند هذا الحد، وإنما نجدهم ينكرون من الأمور المتواترة والبديهية ما لا ينكره إلا جاهل
مغرور حيث تجد بعضهم ينكر زواج سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بهاجر، ويزعم أن إسماعيل -عليه السلام- ليس ابن إبراهيم يقول مصطفى
المهدوى : "إننا لا نعرف لإبراهيم -عليه السلام- إلا زوجاً واحدة، هى التى بشرها الله بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، أما إسماعيل -
عليه السلام- فلم يقل أحد أنه ابن إبراهيم من زوج أخرى إلا اليهود فى أسفارهم، ومن شايعهم فى ذلك من المسلمين فيما جاؤوا به من
الأساطير"( )، ثم يذهب المهدوى إلى أن هبة إسماعيل لإبراهيم فى قوله تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ
رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ( ) هذه الهبة هبة عون وتوفيق، كما قال  فى حق سيدنا موسى -عليه السلام - : وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ
نَبِيًّا( ) ولكن ماذا هو قائل فى قوله تعالى : هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ( ) هل الهبة هنا
هبة عون وتوفيق؟

ويؤكد المهدوى ما يهذى به قائلاً : "وليس فى القرآن بينةٌ ظاهرة على أن إسماعيل كان ابناً لإبراهيم، ولا نعلم له زوجاً غير
التى جاءتها البشرى ولا نعلم أن له ابناً غير إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب"( ) وهكذا أعمى الله بصيرته عن البينة الظاهرة فى كتابه بأن
إسماعيل كان ابناً لإبراهيم من زوجته هاجر فى قوله تعالى : رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ( ) وقوله تعالى
: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ(100)فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ(101)فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى( )
فالذبيح فى الآية الكريمة : إنما هو ابنه إسماعيل –عليه السلام – باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، وما حملهم على تحريف الذبيح بأنه إسحاق
إلا لأنه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز والذين منهم رسول الله  فحسدوهم0 على أمر الله فى إسماعيل – عليه السلام –
والفضل الذى ذكره الله منه لصبره لما أمر به فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم، فحرفوا كلام الله وزادوا فيه، وهم قوم بهت، ولم يقروا بأن
الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء0

ومن أحسن ما استدل به محمد بن كعب القرظى( )، على أن الذبيح إسماعيل، وليس إسحاق من قوله تعالى : فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ
إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ( )0 قال فكيف تقع البشارة بإسحاق، وأنه سيولد له يعقوب، ثم يؤمر بذبح إسحاق وهو صغير قبل أن يولد له؟" ( ) أ0هـ0

ومن العجيب أن المهدوى ذكر قصة ابتلاء سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بابنه الذبيح ولم يصرح لنا بمن هو الذبيح؟!! ( ) فإن
قال هو إسحاق فهذا مما جاء فى أسفار اليهود التى ينكرها وينكر ما جاء فيها أيضاً من زواج سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بهاجر وأن له
منها ابنه إسماعيل عليه السلام!! وإن قال الذبيح هو إسماعيل وهو الحق فذلك من السنة المطهرة التى يجحدها، والتى تصرح، بأن إسماعيل
بن إبراهيم - عليهما السلام - من زوجته هاجر!! فياترى من يكون الذبيح عنده؟!!
ويذهب مصطفى المهدوى إلى إنكار زواج النبى  بأكثر من أربع فيقول : "ولا نعلم عدد أزواجه ، ولكننا نعلم بيقين : أنه لم
يكن ليجمع بين أكثر من أربع زوجات فى وقت واحد"( )!!

ويفرق بين الاحتلام، والجنابة فى وجوب الغسل فيقول : "إنه ليس من المنطق فى شئ أن نقيس الاحتلام بالجنابة، كما يقول
البعض، فيفرض الاغتسال من الاحتلام كما فرض الاغتسال من الجناية"( ) أ0هـ0

وليس هذا فقط، بل نجد من شواذ استنباط أعداء السنة من القرآن الكريم تصريح بعضهم بأن لحم الكلب والحمار حلال؛ لاقتصار
المحرمات فى القرآن الكريم على قوله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ
خِنْزِيرٍ( )0

بل ويحللون الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها فى وقت واحد :
يقول جمال البنا : "هناك أحاديث جاءت بما لم يأت به القرآن، نحن نحكم عليها فى ضوء القرآن فما لا يخالف القرآن يقبل، وما يخالفه يستبعد،
فتحريم زواج المرأة على عمتها وخالتها، وتحريم لحم الحمر الأهلية أمور لا نرى مانعاً فيها، ونجد فيها قياساً سليماً( )0
وهكذا يفترون على الشريعة بما فهموا ويدينون به ويخالفون الراسخين فى العلم وإنما دخلوا فى ذلك من جهة تحسين الظن بأنفسهم،
واعتقادهم أنهم من أهل الاجتهاد والاستنباط( )0

وليت شعرى إذا كان إهمال السنة يؤدى إلى كل هذا الهراء واللغط فى القرآن الكريم، ألا يكون حفظه وفهمه متوقفاً على حفظها ومستلزماً له؟!
نعم الكتاب أحوج إلى السنة، من السنة إلى الكتاب0

كلمة أخيـرة فى بدائل السنة عنـد أعدائهـا

يقول فضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى بعد أن تعرض للبديل عن السنة النبوية المطهرة فى نظر أعدائها قال : "والقوم قد أرادوا أن يملأوا هذه
الساحة بواحدة من ثلاث :
1- أرادوا أن يملأوهـــا بالإبراهيميـــة0
2- وأرادوا أن يملأوها بما تعارف عليه الناس0
3- وأرادوا أن يملأوها بإعادة صياغة المنظومة الإسلامية على ما يريدون، فانتهوا بعد هذا العناء كله إلى نتيجة محددة وهى أنهم
قد ملأوا الفراغ بالفراغ، وقبضوا فى أيديهم على الماء والهواء، وشددوا القبضة ظانين أن الهواء لا يتفلت، وأن الماء لا يتسرب، وسوف
يفتحون أيديهم يوماً فيجدونها صفراً، وسوف يقدمون على الله يوماً فلا يجدون إلا تحقيق هذا النص الكريم : وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ
بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39)أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ
مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ( )0

قال الحافظ ابن عبد البر : "أهل البدع أجمع أضربوا عن السنن وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة، فضلوا وأضلوا، وأخرج بسنده عن ابن
مسعود  قال : "ستجدون أقواماً يدعونكم إلى كتاب الله عز وجل وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع،
وعليكم بالعتيق( ) أ0هـ0

ويقول الأستاذ محمد أسد مؤكداً ما سبق أن ذكرناه أن غياب السنة يزيد الخلاف بين الناس فى فهم تعاليم القرآن الكريم قال : "
وفى الحقيقة يجب علينا أن نعتبر أن السنة إنما هى التفسير الوحيد لتعاليم القرآن الكريم والوسيلة الوحيدة لاجتناب الخلاف فى تأويل التعاليم
وتطبيقها فى الحياة العملية"( ) أ0هـ0

وفى موضع آخر يقول : "من أجل هذا كله نرانا مضطرين إلى أن نعمل بسنة بنينا  قلباً وقالباً إذا أردنا أن نخلص وجهنا
للإسلام( ) أ0هـ0

يا أهـل الكتاب، ويا أهل الهوى، تعالوا لننظر ماذا يوجد فى الحديـث،
وأى مقدار منه يصلح أن يكون مجالاً للبحث والمناقشة

وأقول للمنكرين لسنة النبى  المتمسحين كذباً بإيمانهم بكتاب الله  تعالوا لننظر ماذا يوجد فى الحديث، وأى مقدار منه يصلح أن
يكون مجالاً للبحث والمناقشة :
1- لا يخفى أن القسم الأعظم من الحديث تاريخى، أعنى أنه يشتمل على أخبار الرسول ، وأصحابه الكرام، ووقائعهم، وبيان جليل أعمالهم،
وهذا القسم غير قابل للبحث والمناقشة عند كل ذى عقل سليم، لأنه عبارة عن جزء من تاريخ العالم، مثل سائر تواريخ الأمم، إلا أنه يمتاز
عنها بصحة المأخذ وضبط الرواية، وتسلسل الأسانيد، ومطابقتها لأصول النقد0 بحيث أن هذا الوصف لا يشاركه فيه تاريخ أمة من الأمم، لا
الرومان، ولا الفرس، ولا اليونان، ولا الهند، ولا مصر … إلخ0
2- والقسم الثانى : أخلاقى تهذيبى، يحتوى على الحكم والآداب والنصائح، مثل مدح الصدق، والعدل، والإحسان، والاتحاد، والتعاون، وسائر
الفضائل والحث عليها وذم الكذب، والظلم، والفسق، والفساد، وسائر الرذائل والصد عنها0 فهذه الأمور تؤيدها الفطرة الإنسانية، وأصولها
موجودة فى القرآن فهل فيها شئ يستحق الرد ؟!!
3- العقائد : أصول العقائد مذكورة فى القرآن( )، مثل التوحيد، والصفات الإلهية، والرسالة، والبعث، وجزاء الأعمال0 ولا يوجد فى الحديث
الصحيح إلا ما يؤيد هذه الأصول ويوضحها ويقررهها، أو يكون من جزئياتها ونظائرها، ولا يوجد فيها ما يكون مخالفاً لعقائد القرآن، أو زائداً
عليها بحيث لا يكون له أصل فى القرآن0 وكل ما يستشكل من الأحاديث الصحيحة فى العقائد تجد مثله فى القرآن، ويجرى فيه ما يجرى فى
القرآن من التفويض أو التأويل، حسب اختلاف مدارك الأفهام والطبائع الإنسانية، فمنها ما يقبل التسليم والتفويض، ومنها ما لا يقنعه إلا التأويل
الموافق لعقله والذى يطمئن به قلبه0 وأما الأحاديث التى فيها مخالفة للقرآن أو العقل السليم فلا تجدها إلا من الموضوعات والواهيات0
ومثلها لا يجوز ذكرها إلا مع بيان وضعها - فضلاً عن التمسك بها0 وهذا بإجماع المسلمين0
4- الأحكام : هذا القسم أكثره ثابت بالأحاديث المستفيضة المشهورة، وهى قد رويت بطرق كثيرة صحيحة، ولكنها لم تبلغ حد التواتر وبعضها
من الآحاد ولكنها صحاح0 وأما الأحاديث الضعيفة فهى عند الجمهور من المحدثين والفقهاء لا تقبل فى الأحكام، والمحققون لا يقبلونها فى
غير الأحكام أيضاً( )0
فأما الاحتجاج بالخبر المستفيض المشهور فلا يتصور وجود عاقل ينكر ثبوت الحكم بمثل هذا الخبر، ولزوم العمل به لمن يبلغه،
وإلا بطل نظام العالم، فهذه قوانين الحكومات إذا نشرت فى عدة جرائد معتبرة، أو فى الجريدة الرسمية للحكومة يلزم العمل بتلك القوانين لكل
أحد من رعايا تلك الحكومة، ولا يسعه الاعتذار بأنها لم تبلغه بالتواتر0

وأما الآحاد الصحاح فكذلك العمل بها جار فى سائر أنحاء العالم، مثلاً إذا أتانا رجل معتبر، وبلغنا أن فلاناً يطلبك، فحالاً نلبى
طلبه، ولا نسأله أن يأتينا بالشهود على صحة قوله، إلا إذا وجدت هناك قرينة مانعة عن قبول خبرة فحينئذ نتثبت قبل الذهاب0

وهكذا الأمر فى الأحاديث الآحادية الصحيحة : تقبل فى الأحكام ويعمل بها ما لم يوجد أمر مانع من قبولها، مثل كونها مخالفة
للقرآن أو السنة المتواترة أو المشهورة، أو كونها متروكة العمل فى زمن الخلفاء الراشدين والصحابة، ففى هذه الحالة يحق لكل عالم أن
يتوقف - وأقول يتوقف ولا يرد ويجحد - العمل بها، وأن يبحث عنها إلى أن يزول الإشكال، ويطمئن إليه الخاطر0 وأما ترك العمل بالآحاد
الصحاح مطلقاً من غير وجود علة مانعة من قبولها فغير معقول، ومخالف لما هو جار فى سائر المعاملات الدنيوية"( ) أ0هـ0

أما زعمكم بأن أحاديث الأحكام من العبادات (صلاة، وصيام، زكاة، وحج) ومن معاملات وحدود … إلخ أحاديث غير صالحة لكل
زمان ومكان، والأمر فيها متروك لأولى الأمر كل يختار ما يناسب زمانه ومكانه، حتى لو اقتضى الأمر تركها بالكلية والأخذ بما يخالفها من
تشريعات وضعية0

فهذا ما لا يقوله مسلم يؤمن بالله رباً، وبمحمد  نبياً ورسولاً، وبالإسلام عقيدة وشريعة صالحة لكل زمان ومكان0

لأن أحاديث الأحكام التى توجد فى الأحاديث الصحيحة هى مأخوذة ومستنبطة من القرآن الكريم، استنبطها النبى  من القرآن
بتأييد إلهى، ووحى ربانى وهذا الاستنباط يسمى فى اصطلاح القرآن تارة "تبيناً" وتارة "إراءة" قال الله تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ

لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( ) وقال جل جلالة : إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ( )0
وأصبح لهذا البيان صفة المبين من حيث وجوب قبوله ووجوب العمل به وصالحيته لكل زمان ومكان، ولا يقول بخلاف هذا مسلم0

ويقول الأستاذ محمد أسد رداً على من يفرقون فى الالتزام بين أوامر الرسول فى العبادات وبين غيرها من الأوامر التى تنظم حياة
المجتمعات : "وإنه لمن الجهل بالإسلام أن يحاول أحدنا أن يفرق بين أوامر للرسول تتعلق بأمور تعبدية روحية خالصة، وبين غيرها من التى
تتصل بقضايا المجتمع وقضايا حياتنا اليومية، وإن القول بأننا مجبرون على اتباع الأوامر المتعلقة بالنوع الأول، ولكننا لسنا مجبرين على أن
نتبع الأوامر المتعلقة بالنوع الثانى، إنما هو نظر سطحى، وهو فوق ذلك مناهض فى روحه للإسلام، مثل الفكرة القائلة بأن بعض أوامر القرآن
الكريم قد قصد بها العرب الذين عاصروا نزول الوحى، لا النخبة من الأكياس (الجنتلمان) الذين يعيشون فى القرن العشرين0 إن هذا بخس شديد
لقدر النور النبوى الذى قام به المصطفى ( ) أ0هـ0

كلمة أخيرة للمنكرين للسنة النبوية، والقاصرين مهمة الرسول 
على بـلاغ القـرآن الكريـم فقـط
ونقول لمن ينكرون هذا البيان النبوى قاصرين مهمة النبى  على بلاغ القرآن الكريم فقط متبجحين فى قولهم : "محمد ممنوع
من التفوه بأى تعاليم دينية سوى القرآن"( )، وقولهم:"أمر محمد بتبليغ القرآن فقط بدون أى تغيير،وألا يختلق أى شئ آخر"( )وقولهم:"إن مهمة
الرسول الوحيدة:هى تبليغ القرآن بدون أى تغيير، أو إضافة، أو اختزال، أو شرح"( )0
نقول لكم والله ما نبغى بالقرآن بدلاً ولكن أخبرونا كيف نفهم القرآن؟ أو بعبارة أعم من هذه : كيف نفهم مراد القائل من كلامه؟

ولا يخفى أن علم أصول الفقه جل مباحثه تدور حول هذه المسألة، أعنى طريقة فهم معنى الكلام والاستنباط منه؛ فمثلاً إذا وردت
فى القرآن الكريم كلمة لها معان متعددة عند العرب، أو كلمة لها معنى حقيقى ومعنى مجازى، فكيف نعين المراد بتلك الكلمة؟ أو إذا ورد لفظ
عام فكيف نعلم أن المقصود منه جميع أفراده أو بعضها، أو إذا ورد حكم مطلق فكيف نعرف هل هو باق على إطلاقه أم قيد منه شئ؟ إلى غير
ذلك من المسائل0

وهناك أمر آخر، وهو أن المعانى المفهومة من الكلام على أنواع : فمنها ما يفهم من ألفاظه صراحة، ومنها ما يفهم منه بطريق
الإشارة والكناية، ومنها ما يفهم من سياق الكلام، فلا يقال لشئ منها أن هذا الكلام لا يشمله0

فكذلك الأمر فى القرآن، أعنى إذا كان الشئ غير مذكور فيه صراحة ولكنه يفهم من سياقه أو إشاراته، فلا يقال إنه ليس فى
القرآن مطلقاً0 وإذا كان النبى  مأموراً بتبين القرآن والحكم بين الناس بما أراه الله  كما سبق فى آيتى النحل، والنساء، ونزلت مثلاً آيات
الصيام، ولم يذكر فيها حكم الأكل والشرب بالنسيان فى الصوم، فجاء رجل إلى النبى  وقال : يا رسول الله أكلت ناسياً فى الصوم0 فأفتاه النبى
 بأن صومه صحيح( ) لأن الخطأ والنسيان معفو عنهما، مستنبطاً من قوله تعالى : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ
قُلُوبُكُمْ( )0

فهل يقال : إن هذا الحديث مخالف للقرآن؛ لأنه ليس فيه أن الصوم لا يفسده الأكل بالنسيان؟ أو يقال : إنه لم يكن للنبى  أن
يستنبط هذا الحكم من الآية الأخرى التى لا تتعلق بالصوم؟!!
وهنا نريد أن نسأل هؤلاء المنكرين لسنة النبى  : إذا كان يجوز لكم أن تستنبطوا من القرآن كل ما تريدون، وتفسروه كما
تفهمون، مع بعدكم عن العصر والمحيط اللذين نزل فيهما القرآن، ومع كونكم أعجاماً من غير أهل اللسان أفما كان يحق هذا لمن نزل عليه
القرآن، وأمر بتبيينه على الوجوب( )، وكان أفصح أهل اللسان، بل أحق الناس بالبيان، والاستنباط من القرآن؟!

تفـاوت الأفهـام :
ثم لا يخفى على أحد أن كل الناس ليسوا سوء فى الاستعداد والفهم وصفاء الذهن، ولهذا السبب يقرأ القرآن الكريم كل أحد ولكنهم
يختلفون فى فهم معانيه، فالعالم يفهم منه ما لا يفهمه الجاهل، وقد سبق بيان نماذج من المسائل الشاذة التى استنبطها الشواذ بعقولهم من
القرآن الكريم، وتناقضوا تناقضاً فاضحاً فيما بينهم0 فإذا كان العالم يفهم ما لا يفهمه الجاهل، والعلماء أيضاً متفاوتون فى الفهم والعلم كما قال
رب العزة : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ( ) فأى فهم أولى بالقبول، وبتوحيد كلمة المسلمين، أفهم رسول الله  أم فهم المنكرين لسنته؟!!

قال تعالى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ( ) وقال تعالى فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ( )0

وقديماً دخل رجل من أهل الكوفة على الإمام أبى حنيفة، والحديث يقرأ عنده، فقال الرجل : دعونا من هذه الأحاديث! فزجره الإمام أشد الزجر،
وقال له : لولا السنة ما فهم أحد من القرآن0 ثم قال للرجل : ما نقول فى لحم القرد؟ وأين دليله من القرآن؟ فأفحم الرجل، فقال للإمام : فما
تقول أنت فيه؟ فقال : ليس هو من بهيمة الأنعام( ) أ0هـ0
علاقة القرآن الكريم بالسنة الشريفة :
تبين فيما سبق أن الله  قد أوكل إلى رسوله  مهمة بيان ما فى القرآن الكريم وذلك فى قوله تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ
لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ( ) وقوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ( )0

ومن هنا نستطيع القول أن علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة هى علاقة البيان، وهذا البيان له أنواع متعددة، يمكن حصرها
فى ثلاثة أقسام رئيسية( ) :
أولاً : أن تأتى السنة مؤكدة لما جاء فى القرآن الكريم ومثبتة له0
ثانياً : أن تأتى السنة مبينة لما فى القرآن الكريم ويأتى هذا البيان على أربعة أنواع :
1- تفصيل المجمل 2- تقييد المطلـق
3- تخصيص العام 4- توضيح المشكل
ثالثاً : أن تستقل السنة بتأسيس الأحكام من غير أن يسبق لها ذكر فى القرآن الكريم :
والأصل فى ذلك ما ورد فى القرآن الكريم من آيات توجب على المؤمنين طاعة الرسول  طاعة مطلقة فيما يأمر به، وينهى عنه، وتحذر من
مخالفة أمره، وسبق تفصيل ذلك فى مبحث الأدلة القرآنية على حجية السنة( )0

أولاً : تأكيد السنة للقرآن الكريم :
بمعنى أن يأتى ذكر الشئ فى القرآن الكريم، ونفس الشئ أيضاً تذكره السنة المطهرة والعلاقة الجامعة بينهما - حينئذ - هو تأكيد
السنة لما ورد فى القرآن الكريم فمن ذلك مثلاً قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ( ) ونجد نفس
المعنى تقريباً فيما روى عن أبى موسى  قال : قال رسول الله  : "إن الله  يملى للظالم0 فإذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا
أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ( ) ومن ذلك أيضاً قوله تعالى فى حق سيدنا إبراهيم -عليه السلام- فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ( )
ونجد نفس المعنى فى قول النبى  : "لم يكذب إبراهيم النبى - عليه السلام - قط، إلا ثلاث كذبات0 ثـنتين فى ذات الله قوله : "إِنِّي سَقِيمٌ"0
وقوله تعالى : "بل فعله كبيرهم هذا"0 وواحدة فى شأن سارة … الحديث"( )0

والأمثلة على تأكيد السنة الشريفة للقرآن الكريم كثيرة جداً فيما يتعلق بالعبادات من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، ووسائل
ومقدمات تلك العبادات من الطهارة، وكذا تأكيد السنة للقرآن الكريم فيما يتعلق بالمعاملات من البيع، والربا، والقرض، والرهن، والشركة،
والوكالة … إلخ، وكذا تأكيد السنة للقرآن فيما بتعلق بالجنايات، والحدود فى الإسلام، وكذا التأكيد فيما يتعلق بالأحوال الشخصية من
زواج،وطلاق،وميراث…إلخ وقد استوعب تفصيل ذلك بالأمثلة الأستاذ محمد سعيد منصور فى كتابه (منزلة السنة من الكتاب وأثرها فى الفروع
الفقهية)( ) :

وبالجملة فهذا النوع من البيان النبوى وهو التأكيد، يشمل كل جوانب التشريع القرآنى0

ثانياً : بيان السنة لما جاء فى القرآن الكريم ولهذا البيان أنواع( ) منها :
1- تفصيل المجمل( ) : بمعنى أن يأتى الشئ فى القرآن الكريم مجملاً وموجزاً لا نستطيع

أن نفهم المراد منه إلا بعد تفصيله، فتتولى السنة ذلك التفصيل( )0
من ذلك مثلاً ما ورد فى القرآن الكريم عن الصلاة وهى ركن الإسلام الأول بعد الشهادتين، وبها يتحدد الفرق بين المؤمنين
وغيرهم، فماذا جاء عن الصلاة فى القرآن الكريم؟ لقد جاء الحديث عنها موجزاً ومختصراً، فى قوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كِتَابًا مَوْقُوتًا( )0 وقال تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ( )0 وقال تعالى:وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ( ) إن هذه الآيات توضح : أن الله
تعالى قد أوجب الصلاة على المؤمنين من غير أن يبين لنا أوقاتها، والفرائض الواجبة علينا، وعدد ركعات كل فرض - وأركان الصلاة
وشروطها - وغير ذلك مما يتعلق بالصلاة0

فجاءت السنة الشريفة، وفصلت ذلك المجمل، وعلمت الناس الصلاة، وكل ما يتعلق بتفصيلاتها فى قوله  :"صلوا كما رأيتمونى
أصلى"( )ولولا السنة لما عرفنا كيف نصلى!

ومثل ما قلناه عن الصلاة نقوله عن سائر العبادات من زكاة، وصيام، وحج؛ فقد جاء ذكر كل ذلك مجملاً فى القرآن
الكريم،وتولت السنة المطهرة تفصيله وبيان المراد منه

روى الخطيب البغدادى فى كتابه (الكفاية فى علم الرواية) ( ) : "أن عمران بن حصين  كان جالساً ومعه أصحابه، فقال رجل من القوم : لا
تحدثونا إلا بالقرآن0 فقال له : أدنه - أى قرب منى - فدنا، فقال : أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر
أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، تقرأ فى اثنتين؟!! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد الطواف بالبيت سبعاً،
والطواف بالصفا والمروة؟ ثم قال : أى قوم – أى : يا قوم-، خذوا عنا فإنكم – والله إن لا تفعلوا لتضلن" وفى رواية من طريق آخر : "أن
رجلاً قال لعمران بن حصين : ما هذه الأحاديث التى تحدثوناها؟ وتركتم القرآن! قال عمران : أرأيت لو أبيت أنت وأصحابك إلا القرآن، من
أين كنت تعلم أن صلاة الظهر عدتها كذا وكذا، وصلاة العصر عدتها كذا، وحين وقتها كذا، وصلاة المغرب كذا، والموقف بعرفه، ورمى الجمار
كذا، واليد من أين تقطع؟ أمن هاهنا أم هاهنا أم من هاهنا؟ ووضع يده على مفصل الكف، ووضع عند المرفق، ووضع يده عند المنكب0 اتبعوا
حديثنا ما حدثناكم وإلا والله ضللتم"( ) أ0هـ0
هاهى أركان الإسلام الأساسية – التى بنى عليها الإسلام – يتوقف القيام بها على السنة المطهرة0

ونستطيع أن نقول : لولا السنة ما تمكن المسلمون من إقامة بنيان الإسلام، ولم يقتصر الأمر على العبادات فقط – بل مقدماتها ووسائلها، من
أحكام الطهارة وما يتعلق بها، وكذا المعاملات، والجنايات، والأحوال الشخصية، وغير ذلك( )0
فكيف تكون حياة الناس مستقيمة لو لم يأت تفصيل كل ذلك فى السنة المطهرة؟!

إن هذا النوع فقط من أنواع بيان السنة للقرآن الكريم – وهو تفصيل المجمل – يؤكد فى جلاء ووضوح أن القرآن الكريم محتاج إلى السنة
الشريفة، كما يثبت فى يقين؛ أنه لولا السنة لضاع القرآن - بعدم فهمه - وهذا ما يهدف إليه أعداؤنا حينما يشككون فى السنة الشريفة0 فما
بالنا ببقية الأنواع التى سنوالى ذكرها ؟!!0
2- تقييد المطلق( ) : وذلك بأن يأتى الشئ مطلقاً فى القرآن الكريم، وتقيده السنة مثل قوله تعالى : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً
بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( )0 والآية الكريمة لم تقيد قطع اليد بموضع محدد، لأن اليد تطلق على الأصابع، والكف، والرسغ،
والساعد، والمرفق، والعضد0 ولكن السنة الشريفة بينت ذلك وقيدت القطع بمقدار الكف فقط من يد واحدة0 وذلك حينما أتى بسارق إلى النبى 
فقطع يده من مفصل الكف( ) فلولا السنة لما استطعنا إقامة الحد على وجهه الصحيح0
3- تخصيص العام( ) : وذلك بأن يأتى اللفظ عاماً ينطبق على كثيرين فتأتى السنة الشريفة وتبين أن هذا العموم ليس مراداً، بل المراد بعض
أفراد ذلك العام فقط، وليس الجميع، ويكون ذلك تخصيصاً من السنة للجميع، ويكون ذلك تخصيصاً من السنة لما ورد عاماً فى القرآن الكريم
مثل قوله تعالى : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ( )0
وهذا عام يثبت فى كل أب وأم موروثين ويثبت أيضاً فى كل ابن وارث، فجاءت السنة فخصصت المورث بغير الأنبياء وذلك بقوله
، "لا نورث ما تركناه صدقة"( )، وخصصت السنة الوارث أيضاً بغير القاتل وذلك بقوله  : "ليس لقاتل شئ"( ) كما خصصت السنة الإثنين معاً
بقوله  : "لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم"( )0

فكأن معنى الآية بعد التخصيص هو أن كل مورث من أب وأم يرثه أبناؤه إلا أن يكون الموِّرث نبياً، فإن الأنبياء لا يورثون، وإلا أن يكون
الوارث قاتلاً لأصله المورث فإنه - فى هذه الحالة - لا يرثه وإلا أن يختلف الدِّين بين المورث والوارث0 فإنه لا توارث عند اختلاف الدِّين(
)0
4- توضيح المشكل( ) : وذلك بأن تكون هناك بعض الألفاظ فى القرآن الكريم لا نفهم معناها، فتوضحها لنا السنة الشريفة، مثل ما روى فى
الصحيحين عن عائشة-رضى الله عنها - قالت : قال رسول الله  : "من حوسب يوم القيامة، عذب" قالت فقلت : أليس قد قال الله  : فَسَوْفَ
يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ( )؟ فقال : "ليس ذاك الحساب0 إنما ذاك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب"( )0

فالسيدة عائشة - رضى الله عنها - أشكل عليها الحساب فى قوله تعالى : فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا0 لما سمعت النبى  يقول : "من
حوسب يوم القيامة عذب" فبين لهى  بأن المراد بالحساب فى الآية الكريمة العرض، وأنه من نوقش الحساب يوم القيامة عذب0
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور مروان شاهين : ليس معنى أن السنة تفصل مجمل القرآن الكريم، أو تقيد مطلقه، أو تخصص عامه،
أو توضح مشكلة أقول : ليس معنى ذلك أن كل عام فى القرآن يحتاج إلى تخصيص، وأن كل مطلق يحتاج إلى تقييد، وأن كل مجمل يحتاج إلى
تفصيل؟ كلا ليس المراد ذلك0 فإن كثيراً من عام القرآن باق على عمومه لأن عمومه مراد، وكثيراً من إطلاق القرآن باق على إطلاقه؛
لأن إطلاقه مراد، وهكذا فى المجمل0
وإنما المراد : أن ما يحتاج إلى شئ من ذلك - فقط - هو الذى يتولى الرسول  بيانه بواحد من أنواع البيان - كما ذكرناه سلفاً( ) أ0هـ0

أنواع بيان السنة للقرآن الكريم تسمى نسخاً
عنـد السلـف الصالـح

مما هو جدير بالذكر هنا أن تفصيل المجمل، وتقييد المطلق، وتخصيص العام، وتوضيح المشكل، ونحو ذلك من أنواع بيان السنة
- كان يعرف بالنسخ عند السلف الصالح، من الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم حتى الإمام الشافعى0 ويبين ذلك الإمام ابن قيم الجوزية -
رحمه الله - فيقول : مراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ، رفع الحكم بجملته تارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام، والمطلق،
والظاهر وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى أنهم يسمون الاستثناء، والشرط، والصفة، نسخاً
لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد( )0

وأكد الإمام الشاطبى هذا المعنى فقال : "يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم فى الإطلاق أعم منه فى كلام الأصوليين، فقد
يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على
رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر نسخاً"( )0

ثم ساق الإمام الشاطبى أمثلة عديدة لما اعتقده السلف أنها قضايا نسخ، وهى فى حقيقة الأمر من باب تقييد المطلق أو تخصيص العام، أو بيان
المجمل ونحو ذلك( )0

وإذا كانت أنواع بيان السنة للقرآن الكريم تسمى نسخاً عند المتقدمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن سبقوا الإمام
الشافعى، رأيت أن الأمر يهون وتختفى معظم الإشكالات، والنزاعات المتشعبة بين العلماء فى النسخ بين القرآن والسنة؛ لأن من أنكر نسخ
السنة (متواترة كانت أو آحاداً) للقرآن الكريم، جعل المسائل التى قيل فيها نسخ من السنة للقرآن نوع من أنواع بيان السنة للقرآن الكريم،
وهذا البيان واجب العمل به0 وهذا هو المطلوب فى مسألتنا هذه، حيث أن القضية لا تعدو الخلاف فى الاصطلاح0 فمن سمى البيان نسخاً من
المتقدمين، ومن جعل نسخ السنة للقرآن بياناً من المتأخرين كل منهما يعمل بالسنة المطهرة، ويحتج بها ويعرف مكانتها بالنسبة لكتاب الله 
بل وللإسلام كله0

يقول الإمام الآمدى : "ثم إننا نرى أنه من الأهمية بمكان أن نقرر أنه لا خلاف بين العلماء المجيزين للنسخ فى جواز نسخ القرآن بالقرآن،
ونسخ السنة المتواترة بالسنة المتواترة، ونسخ الآحاد بالآحاد، ونسخ الآحاد بالمتواتر من باب أولى( )، وأن ذلك كله ليس له فى الواقع كبير
أثر، إلا فى المسألة التى نحن بصددها وهى أنواع بيان السنة للقرآن الكريم، أو نسخ الكتاب بالسنة أ0هـ0
إنكـار أعـداء الإسـلام للنسخ لأنـه بيـان
للسنـة وهـم يجحدونـه

إذا عرفنا أن أنواع بيان السنة للقرآن الكريم تسمى نسخاً عند السلف الصالح، أدركنا لماذا ينكر أعداء الإسلام من ملاحدة،
ومبشرين، ومستشرقين، النسخ فى الشريعة الإسلامية( )0 وأمعنوا فى هذا النكران بشبهات ساقطة وتأويلات غير سائغة، طعنوا بها فى صدر
الدين الحنيف، ونالوا من قدسية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة( )0 وخلاصة القول فى مسألة النسخ عند أهل الأصول ما قاله الإمام
الشوكانى : "أن النسخ جائز عقلاً واقع سمعاً، بلا خلاف فى ذلك بين المسلمين، إلا ما يروى عن "أبى مسلم الأصبهانى"( ) فإنه قال : إنه جائز
عقلاً، غير واقع، وإذا صح هذا عنه فهو دليل على أنه جاهل بهذه الشريعة الإسلامية جهلاً فظيعاً، وأعجب من جهله بها حكاية من حكى عنه
الخلاف فى كتب الشريعة، فإنه إنما يعتد بخلاف المجتهدين، لا بخلاف من بلغ من الجهل إلى هذا الغاية0

وأما الجواز : فلم يحك الخلاف فيه إلا عن بعض طوائف اليهود والنصارى( )، وليس بنا إلى نصب الخلاف بيننا وبينهم حاجة، ولا
هذه بأول مسألة خالفوا فيها أحكام الإسلام، حتى يذكر خلافهم فى هذه المسألة، ولكن هذا من غرائب أهل الأصول0 على أنا قد رأينا فى التوراة
فى غير موضع أن الله سبحانه رفع عنهم أحكاماً لما تضرعوا إليه، وسألوا منه رفعها، وليس النسخ إلا هذا( )0

والحاصل : أن النسخ جائز عقلاً، واقع شرعاً، من غير فرق بين كونه فى الكتاب أو السنة0 وقد حكى جماعة من أهل الأصول
اتفاق أهل الشرائع عليه فلم يبق فى المقام ما يقتضى تطويل المقال( )0

وما حكى عن أبى مسلم الأصبهانى؛ فالنقل عنه مضطرب، فمن قائل : إنه يمنع وقوع النسخ سمعاً على الإطلاق0 ومن قائل :
إنه ينكر وقوعه فى شريعة واحدة ومن قائل : إنه ينكر وقوعه فى القرآن خاصة0
يقول الشيخ الزرقانى – رحمه الله – ورجحت هذه الرواية الأخيرة بأنها أصح الروايات، وبأن التأويلات المنقولة عنه لم تخرج عن حدود ما
نسخ من القرآن0 وأبعد الروايات عن الرجل هى الرواية الأولى؛ لأنه لا يعقل أن مسلماً، فضلاً عن عالم كأبى مسلم، ينكر وقوع النسخ جملة،
اللهم إلا إذا كانت المسألة ترجع إلى التسمية فقط، فإنها تهون حينئذ، على معنى أن ما نسميه نحن نسخاً، يسميه هو تخصيصاً بالزمان مثلاً0
وإلى ذلك ذهب بعض المحققين0 قال التاج السبكى( ) : "إن أبا مسلم لا ينكر وقوع المعنى الذى نسميه نحن نسخاً، ولكنه يتحاشى أن يسميه
باسمه، ويسميه تخصيصاً"( ) أ0هـ0

أهمية علم الناسخ والمنسوخ فى الشريعة الإسلامية

إن معرفة علم الناسخ والمنسوخ، والإحاطة به فى القرآن الكريم، والسنة المطهرة، من أولويات ما يجب أن يعرفه كل من
يتصدر للقضاء أو الفتيا أو بيان الحلال والحرام0 إذ لا يمكن استنباط الأحكام من أدلتها من غير معرفة الناسخ والمنسوخ، والذى بدونه
يوجب الإنسان على نفسه، وعلى عباد الله أمراً لم يوجبه الله  أو يضع عنهم فرضاً أوجبه الله0

وفى ذلك يقول : يحيى بن أكثم( ) : ليس من العلوم كلها علم هو واجب على العلماء، وعلى المتعلمين، وعلى كافة المسلمين، من علم ناسخ
القرآن ومنسوخه، لأن الأخذ بناسخه واجب فرضاً، والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به، ولا ينتهى إليه، فالواجب على كل عالم
علم ذلك لئلا يوجب على نفسه، وعلى عباد الله أمراً لم يوجبه الله أو يضع عنهم فرضاً أوجبه الله"( )0

وقد اهتم السلف الصالح بمعرفة الناسخ والمنسوخ، وأولوه عناية كبيرة منذ عصر الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة
المسلمين إلى يومنا هذا0
فعن عبد الله بن حبيب السلمى( ) قال : "مر على بن أبى طالب  على قاصٍ فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : لا0 قال "هلكت
وأهلكت"( )0

وعن محمد بن سيرين، قال : سئل حذيفة عن شئ فقال : إنما يفتى أحد ثلاثة : من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا : ومن يعرف ذلك؟ قال
عمر، أو رجل ولى سلطانً، فلا يجد من ذلك بدا أو متكلف"( )0

وعن الضحاك بن مزاحم قال : مر ابن عباس بقاص يقص فركضه برجله، فقال : تدرى ما الناسخ من المنسوخ؟ قال : لا0 قال
هلكت، وأهلكت"( )0

وأقوال أئمة المسلمين فى هذا الباب تكثر جداً( )، نختار منها قول الإمام القرطبى: قال : "معرفة هذا الباب - أى الناسخ
والمنسوخ - أكيدة، وفائدته عظيمة، لا يستغنى عن معرفته العلماء ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء، لما يترتب عليه من النوازل فى الأحكام،
ومعرفة الحلال من الحرام"( ) أ0هـ0

بيـان رتبـة
السنـة النبويـة مـن القـرآن الكريـم

قبل أن نتحدث عن النوع الثالث من أنواع بيان السنة للقرآن الكريم وهو: "استقلالها بتشريع الأحكام دون أن يسبق لها ذكر فى
القرآن الكريم" نبين هنا رتبة السنة الشريفة من القرآن الكريم لما فى ذلك من ارتباط بهذا النوع الثالث من أنواع بيان السنة لكتاب الله 0

يقول الأستاذ محمد سعيد منصور : "لا خلاف بين علماء المسلمين قديماً وحديثاً إلا من شذ من بعض الطوائف المغرضة
المنحرفة-من غلاة الشيعة، والخوارج، والروافض، والمستشرقين، وبعض المتكلمين حديثاً ممن يتكلمون بلغتنا وينتسبون إلى أمتنا - فى أن
كلاً من الكتاب والسنة وحى من عند الله تعالى، وحجة لمعرفة الحلال والحرام، ودليل يجب على المجتهد التمسك به والعمل بمقتضاه، وكذلك لا
نزاع بينهم فى أن الكتاب الكريم، يمتاز عن السنة، ويفضل عنها، بأن لفظه من عند الله ، متعبد بتلاوته، معجز للبشر عن أن يأتوا بمثله
بخلافها فهى دونه منزلة فى هذه النواحى"( )0

يقول العلامة الدكتور عبد الغنى عبد الخالق -رحمه الله- : ولكن ذلك لا يوجب التفضيل بينهما من حيث الحجية : بأن تكون
مرتبتها التأخر عن الكتاب فى الاعتبار والاحتجاج، فتهدر ويعمل به وحده، لو حصل بينهما التعارض0

وإنما كان الأمر كذلك : لأن حجية الكتاب إنما جاءت من ناحية أنه وحى من عند الله تعالى0 ولا دخل للأمور المذكورة
فيها0 فلو لم يكن الكتاب معجزاً ولا متعبداً بتلاوته، وثبتت الرسالة بغيره من المعجزات؛ لوجب القول بحجيته؛ كما كان الأمر كذلك فى الكتب
السابقة والسنة المطهرة مساوية للقرآن من هذه الناحية؛ فإنها وحى مثله0 فيجب القول بعدم تأخرها عنه فى الاعتبار0 ثم إن التحقيق عند
علماء الكلام : أن الرسول لا يشترط فى رسالته نزول كتاب، بل الشرط : إنما هو نزول شريعة ليبلغها الأمة، وإظهار المعجزة على يده، كما
هو بين فى شرح العقائد النسفية وحواشيه( )0
ويدل على ذلك أيضاً : أن الله تعالى أرسل موسى - عليه السلام - إلى فرعون؛ ليأمره بالإيمان به، والاهتداء بهديه، وإرسال
بنى إسرائيل معه0 ولم يكن قد نزل عليه – فى ذلك الحين – التوراة : لأنها إنما نزلت بعد هلاك فرعون، وخروج بنى إسرائيل من مصر –
كما هو معلوم – ومع ذلك قامت الحجة على فرعون بهذا الأمر : لما أقام له موسى –عليه السلام- المعجزة، فلما خالفه اعتبر عاصياً ربه،
مستحقاً اللعنة، والعذاب0

فحجية الوحى الغير المتلو لا تتوقف على ورود المتلو بها : لأن كلا منهما من عند الله0 وهذا تثبته المعجزة - قرآناً أو غيره - المثبتة
لعصمة الرسول  فى تبليغ ما جاء به عن الله تعالى0

ولو سلمنا استلزام الفرعية للتأخر مطلقاً، لقلنا : إن ما كان أقل من سورة لم تثبت قرآنيته إلا بقوله  : هذا كلام الله، كما تقدم
بيانه فى مبحث العصمة( )0 فعلى هذا يقال : إن الكتاب متأخر عنها فى الاعتبار؟‍‍

بل الحق : أن كلاً منهما معضد للآخر، ومساوٍ له : فى أنه وحى من عند الله، وفى قوة الاحتجاج به، وأنه لا يؤثر فى ذلك نزول
لفظ الكتاب ولا إعجازه، ولا التعبد بتلاوته، ولا أنه قد ورد فيه ما يفيد حجيتها0

وحيث إنهما من عند الله : فلا يمكن الاختلاف بينهما فى الواقع، ويستحيل أن يوجد كتاب وسنة - كل منهما قطعى الدلالة والثبوت
- بينهما تعارض مع الاتحاد فى الزمن وغيره، مما يشترط لتحقق التعارض فى الواقع0

وأما أنهما قد يتعارضان فى الظاهر - إذا كانت دلالتها أو دلالة أحدهما ظنية، أو كانت دلالتها قطعية ولم يتحد الزمن : فهذا أمر
جائز واقع كثيراً0 وحينئذ يجب على المجتهد اعتبارهما كما لو كانا آيتين أو سنتين : حيث أنهما متساويان فينسخ المتأخر منهما المتقدم إذا ثبت
له تأخره، ويرجح أحدهما على الآخر بما يصلح مرجحاً، ويجمع بينهما إن أمكن0 وإلا توقف إلى أن يظهر الدليل فأما أن نقول بإهدار أحدهما
مباشرة - بدون نظر فى أدلة الجمع والترجيح والنسخ : فهذا لا يصح بحال أن يذهب ذاهب إليه0
ولذلك نجد علماء الأصول، والفقه، والحديث، يقولون : بتخصيص السنة لعام الكتاب، وتقييدها لمطلقه، ونسخها له، وأنها تؤوله
وتوضح مجملة، وتبين أن المراد منه خلاف ظاهره0 كما يحصل ذلك من الكتاب بالنسبة للسنة0

نعم فى بعض هذه المسائل خلافات كثيرة، ولكن يجب أن يعلم أن مرجعها إلى مدارك أخرى وذلك كظنية الطريق فى خبر الواحد،
وقطعية القرآن، وليس مرجعها إلى السنة من حيث ذاتها، ومن حيث أنها متأخرة عن الكتاب، بدليل أن من يمنع نسخ القرآن بخبر الواحد مثلاً،
يمنع نسخ السنة المتواترة به أيضاً، ويجوز نسخ القرآن بالخبر المتواتر وبالعكس0 ولو كان المدرك التأخر فى الاعتبار لما قال إلا بنسخ
السنة بالقرآن0

ومن ذلك كله : تعلم بطلان ما ذهب إليه الإمام الشاطبى فى الموافقات( ) : من أن رتبة السنة التأخر عن الكتاب فى الاعتبار"(
)0
ثم ذكر الدكتور عبد الغنى شبه الإمام الشاطبى وردها( )0
وقد سبق الدكتور عبد الغنى فى قوله هذا الإمام الشافعى فى الرسالة( )، وابن حزم فى الإحكام( )، وحديثاً الدكتور السباعى( )0

بيان أن الخلاف فى المسألة لفظى

الحق : أن قول الإمام الشاطبى بتأخر رتبة السنة عن الكتاب فى الاعتبار راجعة إلى المدارك التى ذكرها الدكتور عبد الغنى عبد
الخالق كظنية الطريق فى خبر الواحد، وقطعية القرآن، وهو ما عبر عنه الإمام الشاطبى فى أول حججه على تأخر رتبة السنة عن الكتاب قال :
"أن الكتاب مقطوع به، والسنة مظنونة"( )0 ولو تأملنا فى بقية حججه لرأينا أنه ليس فيها ما يدل على التفضيل بين الكتاب والسنة من حيث
الحجية، ووجوب العمل بهما، بحيث إذا وقع تعارض ظاهرى بينهما يعمل بالكتاب دون السنة، بدون نظر فى أدلة الجمع والترجيح والنسخ0 فهذا
لا يصح بحال أن يذهب ذاهب إليه، ولا يصح نسبة ذلك إلى الإمام الشاطبى0 وما قد يفهم من قوله فى السنة الزائدة : "إن لم تكن بياناً فلا يعتبر
بها إلا بعد أن لا يوجد فى الكتاب"( ) فهذا الكلام لا يفهم منه رد الإمام الشاطى للسنة الزائدة الصحيحة عن النبى  (وحاشاه من ذلك) كل ما فى
الأمر أنه يذهب إلى أن السنة كلها، بيانية كانت أو زائدة، داخلة فى البيان النبوى للقرآن الكريم - كما سنفصله بعد قليل –0

يدل على ذلك ما ذكره فى مسألة "أصول السنة فى القرآن الكريم"( ) ومسألة : "السنة التشريعية لا يلزم أن يكون لها أصل فى الكتاب"( )0

فكل سنة زائدة عما فى القرآن الكريم عند من يرى استقلال السنة بالتشريع هى عنده لها أصل فى القرآن الكريم،ويدخلها فى السنة البيانية،ولم
ينازع فى حجيتها،ووجوب العمل بها خلافاً لمن تأول كلامه فى هذه المسألة، ومسألة (استقلال السنة بالتشريع) ونازع فى الحجية0
وهنا نرى أنه ليس فى حقيقة الأمر خلاف! وإنما هو إن صح التعبير، صورة خلاف اعتبارية لمدارك بعيدة كل البعد عن منزلة
السنة التشريعية، وحجيتها، ووجوب العمل بها0 وتتلخص هذه المدارك فيما كان عليه السلف الصالح إذا عرض عليهم قضاء، يبحثون أولاً فى
كتاب الله ، فإذا لم يجدوا فى كتاب الله، انتقلوا إلى السنة المطهرة( )0

وهل فى ذلك ما يخدش فى أصل مسألتنا وهى : أن القرآن والسنة فى مرتبة واحدة، فى الاحتجاج ووجوب العمل بهما؟

وإلى ذلك ذهب الأستاذ محمد سعيد منصور ثم قال : "وجملة القول : أن السنة إذا صحت تكون منزلتها ومنزلة الكتاب، سواء
بسواء فى الاعتبار، والاحتجاج عند المجتهدين عامة"( ) أ0هـ0
ويقول المستشار الدكتور على جريشة رداً على من وهن من رتبة السنة المطهرة فجعلها فى مستوى المذكرة التفسيرية بالنسبة
للقانون، قال : "السنة ليست مذكرة تفسيرية، لأن المذكرة التفسيرية لا يمكن أن ترتفع إلى نفس مرتبة التشريع، بل وتحوى أى إلزام، والسنة
غير ذلك … ترتفع مع الكتاب إلى أن تكون المصدر الرئيسى للشرعية0

وربما كان مرجع الشبهة أن السنة فى جزء كبير منها مبينة للكتاب …، لكن بيان السنة منه التخصيص، والتقييد، والتأكيد، ثم التفصيل
والتفسير …، إلى جواز السنة الزائدة التى تأتى بأحكام مستقلة … وفى الجزء المفسر، والمفصل يتوافر الإلزام كما يتوافر للقرآن…، ولا تهبط
السنة إلى مستوى عدم الإلزام، كما تهبط المذكرة التفسيرية للقانون( )"0

ومما يؤسف له أن بعض علماء المسلمين قد أساؤا فهم الإمام الشاطبى فى مسألتنا هذه، ومسألة استقلال السنة بالتشريع، فأنكروا السنة
الزائدة، كما اتخذ أعداء السنة المطهرة من كلام الشاطبى فى المسألتين ستاراً، للتشكيك فى حجية السنة النبوية واستقلالها بتشريع الأحكام أ0
هـ0

استقـلال السنـة بتشريـع الأحكـام

لا يقتصر دور السنة على بيان ما فى القرآن الكريم فقط، فتؤكده تارة، أو تفصل مجمله، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتوضح
مشكله، تارة أخرى0

نقول : لا يقتصر دور السنة على ذلك فقط - رغم أهمية هذا وخطورته، بل لها مهمة أخرى جليلة وعظيمة0 وهى أنها تؤسس
أحكاماً على جهة الاستقلال وهذا ما عنيناه بالمهمة الثالثة للسنة فى تقسيمنا السابق( )0 إذ أن فى السنة أحكاماً كثيرة جديدة لم ترد فى القرآن
لا نصاً ولا صراحة، ويتفق العلماء أجمع على وجود تلك الأحكام، ولكنهم يختلفون خلافاً لفظياً حول تسمية تلك الأحكام التى استقلت السنة
المطهرة بتأسيسها0

فالجمهور من العلماء يقولون : إن هذا هو الاستقلال فى التشريع بعينه؛ لأنه إثبات لأحكام لم ترد فى الكتاب0
أما الإمام الشاطبى ومن نحا نحوه : فإنهم مع إقرارهم بوجودها، إلا أنهم يقولون : إنها ليست زيادة على شئ ليس فى القرآن،
وإنما هى زيادة الشرح، المستنبط من المشروح بإلهام إلهى، ووحى ربانى، وتأييد سماوى( )0 وبعبارة أخرى هى داخلة تحت أى نوع من
أنواع السنة البيانية، أو داخلة تحت قاعدة من قواعد القرآن الكريم0

يقول الدكتور السباعى : "وأنت ترى هنا أن الخلاف لفظى، وأن كلا منهما يعترف بوجود أحكام فى السنة لم تثبت فى القرآن الكريم، ولكن
أحدهما لا يسمى ذلك استقلالاً، والآخر يسميه0 والنتيجة واحدة( )، وهى حجية تلك الأحكام الزائدة ووجوب العمل بها0

بيان أن الخلاف لفظى مع فريق وحقيقى مع آخر :
لقد ذكر الإمام الشاطبى ستة مآخذ للمخالفين فى بيان أن كل ما ورد فى السنة مبين فى الكتاب، الخمسة الأولى منها أيدها الإمام
الشاطبى، وكان الخلاف فيها بين الفريقين خلافاً لفظياً لا ينبنى عليه عمل( )0

أما الذين أثاروا خلافاً حقيقياً حول هذه المسألة؛ فهم أصحاب المأخذ السادس، إذ يقولون فيه : "ومنها – يعنى أن جميع
السنة بيان للكتاب – النظر إلى تفاصيل الأحاديث، فى تفاصيل القرآن، وإن كان فى السنة بيان زائد، ولكن صاحب هذا المأخذ يتطلب أن يجد كل
معنى فى السنة مشاراً إليه - من حيث وضع اللغة لا من جهة أخرى - أو منصوصاً عليه فى القرآن( )0
فهذا هو المأخذ الذى لو تم، لكان مبطلاً لما اتفق عليه الجميع، من وجود سُّنة جاءت بما لم ينص عليه الكتاب نصاً، ويمكن
للمجتهد أن يأخذ به بحسب أوضاع اللغة، ومعانيها الحقيقية والمجازية، ولكنه لن يتم ولا يمكن تطبيقه على جميع ما ورد فى السنة، ومحاولة
تطبيقه محاولة فاشلة( )0

وقد اعترف الإمام الشاطبى نفسه بذلك بعد أن غاص فى عمق أدلة هذا المأخذ، وكانت الغاية التى انتهى إليها الاعتراف ببطلان
هذا المأخذ وانحراف أصحابه، إذ يقول تعليقاً على هذا المأخذ : "ولكن القرآن لا يفى بهذا المقصود على النص والإشارة العربية التى تستعملها
العرب أو نحوها، وأول شاهد فى هذا الصلاة، والحج، والزكاة، والحيض، والنفاس، واللقطة، والقراض، والمساقاة، والديات، والقسامات، وأشباه
ذلك من أمور لا تحصى0
فالملتزم لهذا (أى المأخذ السادس) لا يفى بما ادعاه، إلا أن يتكلف فى ذلك مآخذ لا يقبلها كلام العرب، ولا يوافق على مثلها
السلف الصالح، ولا العلماء الراسخون فى العلم، ولقد رام بعض الناس فتح هذا الباب( ) الذى شرع فى التنبيه عليه فلم يوف به إلا على
التكلف المذكور، والرجوع إلى المأخذ الأول فى مواضع كثيرة لم يتأت له فيها نص ولا إشارة إلى خصوصات ما ورد فى السنة، فكان ذلك نازلاً
بقصده الذى قصد( )0
إذاً فهو قول غير صحيح، وبعيد كل البعد عن الحقيقة أ0هـ0

الإمام الشاطبى ومن أساء فهمه من علماء المسلمين ومن اتخذ
كلامه من أعداء السنة ستاراً للتشكيك فى حجية
السنة، واستقلالها بتشريع الأحكام

عرفنا فيما سبق أن الإمام الشاطبى عندما قال بتأخر مرتبة السنة عن الكتاب، كان ذلك لمدارك بعيدة كل البعد عن منزلة السنة
التشريعية، وحجيتها ووجوب العمل بها0 فكان الخلاف ببينه وبين جمهور العلماء خلافاً لفظياً - كما سبق -0

وعرفنا أيضاً : أنه فى مسألة استقلال السنة بالتشريع، أقر بوجود الأحكام التى استقلت بها السُّنة، إلا أنه لم يسم ذلك (استقلالاً)
وإنما سماه (بياناً) فهو يرى أن وظيفة السنة البيان بأنواعه، من تفصيل مجمل، وتقييد مطلق، وتخصيص عام، وتوضيح مشكل، وما جاء زائداً
فى السُّنة هو فى نظره نوع من أنواع البيان، وداخل تحت قاعدة من قواعد القرآن الكريم0

وفى كل الأحوال هذا البيان حجة ويجب العمل به0 ومن هنا كان الخلاف بينه وبين جمهور العلماء فى تلك المسألة أيضاً خلافاً
لفظياً لا يترتب عليه عمل0

اللهم إلا أصحاب المأخذ السادس الذين أنكروا ورود السنة بما لم ينص عليه الكتاب0فكان الخلاف بينهم وبين الجمهور خلافاً حقيقياً، وقد علمت
أن الإمام الشاطبى لم يتابعهم على ذلك0
إلا أن بعض علماء المسلمين أساء فهم الإمام الشاطبى فى المسألتين (تأخر مرتبة السنة فى الاعتبار عن القرآن) و (استقلال السنة بالتشريع)
التى عنون لها بـ (أصول السنة فى القرآن الكريم) ( )0 والتى فصلها فى عنوان (كيفية رجوع السنة إلى الكتاب)( )، حيث فهموا أن الإمام
الشاطبى لا يؤمن إلا بالسنة البيانية المفسرة، أما المستقلة فلا، حيث زعموا أنه يرى أن السنة لا تستقل بتشريع أحكام زائدة، فمهمة الرسول
البلاغ والبيان فقط0

وممن فهم ذلك الشيخ محمد عبد العزيز الخولى - رحمه الله - فى كتابه (مفتاح السنة)بعد أن استشهد بكلام الشاطبى فى أن
السنة راجعة فى معناها إلى الكتاب،تفصل مجمله، وتبين مشكله،وتبسط مختصره،وذكر بيان الشاطبى فى كيفية رجوع السنة إلى الكتاب0

قال الأستاذ عبد العزيز الخولى : "وأما ما ورد فى السنة من الأحكام، فإن كان مخالفاً لظاهر القرآن فالقرآن مقدم عليه، ويعتبر ذلك طعناً فى
الحديث من جهة متنه ولفظه، وإن صح سنده، فإن الحديث لا يكون حجة إلا إذا سلم سنده ومتنه من الطعن، ولذلك أجاز بعض المسلمين نكاح
المرأة على عمتها أو خالتها( )0

وهنا يظهر واضحاً جلياً كيف أساء الشيخ فهم كلام الإمام الشاطبى حتى اتخذ الخولى لنفسه مذهباً فى العمل بظاهر القرآن فقط،
والذهاب إلى عدم حجية السنة المبينة أيضاً0 بدليل أنه بعد أن ذكر نماذج من الأحكام التى استقلت بها السنة، مثل : تحريم الجمع بين المرأة
وعمتها، والمرأة وخالتها، وتحريم الحمر الأهلية، وكل ذى ناب من السباع، ورجم المحصن- الذى زعم أن الأدلة فيه مضطربة، ويصح أن
تشمله آية إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا
مِنَ الْأَرْضِ( )0

بعد أن ذكر ذلك قال : "وإن كان ما فى السنة لا يخالف ظاهر القرآن، فهو اجتهاد من الرسول  يرجع إلى أصل قرآنى عرفه
الرسول، وجهلناه نحن أو عرفناه( )0
فتأمل قوله فى البيان النبوى : (وجهلناه نحن أو عرفناه) إذ العبرة عنده فى أول الأمر وآخره، هى : ظاهر القرآن سواء عرف السنة البيانية،
أم جهلها، فهى فى حالة معرفته بها لم تضف جديداً، وفى هذه الحالة العبرة بالقرآن، وفى حالة استقلالها بتشريع أحكام جديدة، تكون السنة
مخالفة لظاهر القرآن؛ فلا حجة فيها هكذا يزعم!

يقول الدكتور عبد الغنى عبد الخالق : "وليت شعرى إذا لم تكن السنة مبينة، ولا مستقلة فماذا بقى فى السنة، مما يكون
حجة – إلا المؤكد؟ وكيف يمكن الجمع بين قوله هذا، وبين قوله( ) : "وإن الرسول  وظيفته البيان، وتبليغ ما أنزل إليه من ربه"( )0
فلا أدرى علام إذن يستشهد بكلام الإمام الشاطبى الذى يقول : بأن السنة بيان للقرآن الكريم، وحتى ما استقلت به السنة داخل فى هذا البيان
الواجب العمل به!!

وإذا كان حقاً فهم مراد الشاطبى من كلامه، فلم لم يؤمن بما آمن به الشاطبى من أن الأحكام الزائدة فى السنة داخلة فى القرآن
الكريم فى بيانه أو قواعده( )؟!
تلك الأحكام التى انكرها الشيخ مع إيمان الإمام الشاطبى بها كما سبق وسنفصله بالأمثلة بعد قليل0

وأعجب من هذا كله زعمه بأن الذى أجاز نكاح المرأة على عمتها أو خالتها بعض المسلمين - وهم فى نظره الخوارج والشيعة، والروافض(
)0 فهل هؤلاء مسلمون؟!!

وممن أساء فهم الإمام الشاطبى أيضاً، وأساء فى النقل عنه فضيلة الشيخ عبد الله المشَّد - رحمه الله - فى فتواه المشهورة
التى سئل فيها عن حكم من أنكر استقلال السنة بإثبات الإيجاب والتحريم يعد كافراً أم لا؟ ( )0

إذ يقول الشيخ مستشهداً بالإمام الشاطبى : "إن السنة لا تستقل بإثبات الواجب والمحرم، لأن وظيفتها فقط تخصيص عام القرآن،
وتقييد مطلقه، وتفسير مجمله، "ويجب أن يكون ذلك بالأحاديث المتواترة لا الآحادية0

وقال أيضاً : "وأجاب الشاطبى عما أورده الجمهور عليه من قوله تعالى : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ( ) بأن المراد من
وجوب طاعة الرسول، إنما هو فى تخصيصه للعام، وتقييده للمطلق، وتفسيره للمجمل، وذلك بالحديث المتواتر"( )0 وليت شعرى من يجرؤ
على القول بأن بيان السنة للقرآن أو استقلالها بإثبات الواجب والمحرم، يجب أن يكون بالسنة المتواترة؟
فإذا كان هذا الكلام من زيادات الشيخ على كلام الإمام الشاطبى فأين دليله على ما زعمه؟!!

وإذا كان هذا من كلام الإمام الشاطبى كما يوهمه كلام الشيخ، فغير صحيح، لأن الشاطبى فى كلامه عن بيان السنة للقرآن
الكريم فى أكثر من موضع فى كتابه "الموافقات" لم يشترط هذا الشرط لا صراحة ولا إشارة( )0

ويشهد لصحة ما أقول أن الإمام الشاطبى - رحمه الله - فى كل مواضع كلامه عن بيان السنة للقرآن استشهد بأحاديث كثيرة كلها آحاد0 بما
فى ذلك الموضع الذى تكلم فيه عن استقلال السنة بتشريع أحكام زائدة عما فى القرآن، من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة، وخالتها،
وتحريم كل ذى ناب من السباع، والحمر الأهلية، ونكاح المتعة، وإيجابه حد الردة، والرجم، وحد شرب الخمر، وغير ذلك الكثير مما ثبت بالسنة
إيجاباً وتحريماً، وكانت السنة فى كل ذلك آحاداً( )، ولم يشترط التواتر، ولا حتى نسب هذا الشرط إلى أحد ممن يعتد به، فلا أدرى من أين جاء
الشيخ المشد بها الشرط؟!!
كيف والإمام الشاطبى هو القائل : "وأخبار الآحاد هى عمدة الشريعة، وهى أكثر الأدلة"( )0

وفى كتابه الاعتصام يقول رداً على من طعن فى أخبار الآحاد، لأنها تفيد الظن قال: "فعلى كل تقدير : خبر الواحد صح سنده،
فلابد من استناده إلى أصل فى الشريعة قطعى، فيجب قبوله، ومن هنا قبلناه مطلقاً"( )0
ويقول فى كتابه الموافقات : "الظنى الراجع إلى أصل قطعى إعماله أيضاً ظاهر، وعليه عامة أخبار الآحاد، فإنها بيان للكتاب"( ) أ0هـ0

ولو لم يكن إلا هذا لكفى فى الرد على ما نسبه الشيخ المشد إلى الإمام الشاطبى، أو اشترطه هو بغير بينة0
ولكن كيف : والإمام الشاطبى فى كل مواضع كلامه عن بيان السنة للقرآن، يحتج بأحاديث آحاد على إثباتها للواجب والمحرم، ويكفى أن تنظر
لصحة ما أقول : المسائل الآتية فى كتابه الموافقات : "من مقاصد الشرع، عدم التسوية بين المندوب، والواجب"، و"البيان والإجمال فى المباح
والمكروه والمندوب"، و"البيان والإجمال فى المكروه والحرام"( )0

وأعجب مما سبق تضعيف الشيخ المشد لحديث المقدام بن معد يكرب ، ونسبته هذا التضعيف إلى الإمام الشاطبى وهو من هذا
التضعيف برئ0

يقول الشيخ المشد : "وقد رد الشاطبى( ) على ما استدل به الجمهور مما روى عن النبى  قوله : "يوشك الرجل متكئاً على
أريكته يحدث بحديث من حديثى فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، إلا وإن ما
حرم رسول الله  مثل ما حرم الله" بأن من بين رواة هذا الحديث "زيد بن الحُباب" وهو كثير الخطأ، ولذلك لم يرو عنه الشيخان حديثاً واحدا"(
)0
وسبقه إلى القول بهذا الشيخ محمد عبد العزيز الخولى فى كتابه (مفتاح السنة) ( ) أ0هـ0

والحق أن الحديث صحيح لا مطعن فيه، فقد أخرجه الأئمة أبو داود، والترمذى وقال فيه حسن صحيح،وأخرجه ابن حبان فى
صحيحه،وحكم بصحته ابن حزم،وغيره من العلماء( ) والحديث فى كل الطرق السابقة ليس فيه"زيد بن الحُباب"إنما هو فى رواية ابن ماجة0

ومع ذلك فقد قال الحافظ ابن حجر فى التقريب "زيد بن الحُباب" صدوق يخطئ فى حديث الثورى"( ) ورواية زيد هنا فى حديثنا إنما هى من
حديث معاوية بن صالح، وليست من حديث سفيان الثورى( )0

وفى نفس الوقت لم ينفرد (زيد بن الحُباب) بالرواية عن معاوية بن صالح، فقد أخرجه الحاكم فى المستدرك من طريقين عن عبد
الله بن صالح عن معاوية بن صالح، ومن طريق أحمد( ) فى المسند عن عبد الرحمن بن مهدى، عن معاوية بن صالح( )0

وما نسبه الشيخ المشد من نسبة تضعيف الحديث إلى الإمام الشاطبى يبطله قول الإمام الشاطبى : قوله  : "يوشك الرجل منكم
متكئاً على أريكته" إلى آخره لا يتبادل ما نحن فيه (أى مسألة استقلال السنة بتشريع الأحكام) فإن الحديث إنما جاء فيمن يطرح السنة
معتمداً علىرأيه فى فهم القرآن،وهذا لم ندعه فى مسألتنا هذه،بل هو رأى أولئك الخارجين عن الطريقة المثلى0وقوله :"ألا وإن ما حرم
رسول الله مثل ما حرم الله"( )صحيح أ0هـ0

أليس فى هذا حكم من الإمام الشاطبى باعتماده صحة الحديث، وأخذه بما حرم رسول الله  مما هو زائد من الأحكام التى ليست
فى كتاب الله  وله حكم ما حرم رب العزة فى كتابه العزيز من الحجية، ووجوب العمل به، إلا أنه لا يسمى هذا الزائد استقلالاً، وإنما يسميه
بياناً، وهو مما لم يستوعبه الشيخ المشَّد–رحمه الله–حتى ختم فتواه بقوله : "إن الإيجاب والتحريم لا يثبتان إلا بالدليل اليقينى القطعى الثبوت
والدلالة،وهذا بالنسبة للسنة لا يتحقق إلا بالأحاديث المتواترة، وحيث أنها تكاد تكون غير معلومة لعدم اتفاق العلماء عليها فإن السنة لا تستقل
بإثبات الإيجاب والتحريم–إلا أن تكون فعلية أو تنضاف إلى القرآن الكريم وعلى هذا فمن أنكر استقلال السنة بإثبات الإيجاب والتحريم، فهو منكر
لشئ اختلف فيه الأئمة، ولا يعد مما علم بالضرورة، فلا يعد كافراً"( )0

وهذه الفتوى تمسح بها دعاة الفتنة وأدعياء العلم، وهم يشككون فى حجية السنة المطهرة، مثل أحمد صبحى منصور استشهد بها
فى كتابيه "حد الردة"( )، "ولماذا القرآن"( ) وسعيد العشماوى فى كتابيه "الربا والفائدة فى الإسلام"( )، "وحقيقة الحجاب"( )، وجمال البنا فى
كتابه (كلا لفقهاء التقليد ثم كلا لأدعياء التنوير)( )0

وممن تغالى فى إساءة فهم كلام الإمام الشاطبى واتخذه ستاراً لمذهبه، وهو يشكك فى حجية السنة، أحمد حجازى السقا إذ يقول
: "اتفقت كلمة علماء المسلمين على أن القرآن مصدر الشريعة، وما عدا القرآن من أقوال النبى ، وأفعاله، وتقريراته، لم يتفقوا على قبوله
كله مصدراً للشريعة كما اتفقوا على قبول القرآن كله0 فما كان من أقواله وأفعاله وتقريراته مفسراً ومبيناً وشارحاً وصح سنده0 فقد اتفقوا
على قبوله مع القرآن0 وما كان غير مفسر، ومبين وشارح لم يتفقوا عليه كلهم"( )0

ولم يبين لنا حقيقة هذا الاختلاف، وقد علمت أنه خلاف لفظى لا ينبنى عليه عمل0 ورغم ذلك يضلل أحمد حجازى بقوله عن الأحكام التى







 
قديم 06-03-08, 04:49 AM   رقم المشاركة : 6
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


استقلت السنة بتأسيسها : "وهذا القسم هو محل النزاع بين العلماء0 فمن قائل : إن الأحاديث التى تشرع تشريعات لا ذكر لها فى القرآن
ترفض، ومن قائل : إنها تقبل"( )0
وعلى عادته لم يسم لنا مَنْ مِنَ العلماء المعتد بهم الذى قال أن التشريعات التى لا ذكر لها فى القرآن ترفض0

ثم يفترى كذباً بنسبة ذلك الرفض، والخلاف إلى الفقهاء بقوله : "إن الأحاديث المستقلة بتشريع عن القرآن هى محل نظر، وبحث، وأخذ، ورد،
بين الفقهاء، وهى التى ميزت المذاهب الفقهية عن بعضها، ووسعت دائرة الخلاف بين المسلمين، ويجب على علماء المسلمين أن يقبلوا من
السنة : (أ) النوع المفسر، (ب) النوع الموافق0 وذلك لتقيل الخلافات بين المسلمين( )0
ولم يسم لنا من هم المسلمون الذين اختلفوا؟
ونفس هذا الكذب ردده فى كتابه (دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى) إذ يقول : "إذا كانت الآية القرآنية تدل على حكم0 ووجد فى الأحاديث :
أ- حديث موافق للآيـة0
ب- وحديث غير موافق0
ففى هذه الحالة يجب على الفقيه أن يأخذ بالحديث الموافق للآية، ويترك الحديث غير الموافق للآية، وإن كان صحيح السند من
رواية مسلم بن الحجاج"( )0
وهو فى كل هذا الذى يزعمه كذباً يتمسح بكلام الإمام الشاطبى فى الموافقات، موهماً بأن الإمام الشاطبى يقول بكذبه( )0
تمسح دعاة الفتنة وأدعياء العلم بإيمانهم بالسنة البيانية
وبيان مرادهم وهدفهم من ذلك

التمسح بالإيمان بالسنة البيانية بالمفهوم الذى قال به أحمد حجازى السقا ردده (دعاة على أبواب جهنم) ممن هم من جلدتنا،
ويتكلمون بلغتنا، وينتسبون إلى أمتنا الإسلامية0 مثل إسماعيل منصور إذ يقول : "إن السنة الحقة هى سنة واحدة، سنة الله ، وليست هناك
سنة أخرى غيرها، وإنما للرسول ، بيان نبوى للقرآن الكريم "نرفعه على العين والرأس متى ثبت تحقيقاً، لا يخالف - بأى حال - أحكام
ومدلولات القرآن الكريم( ) فنقبله كبيان فحسب وليس تشريعاً مستقلاً"( )0

ثم يصف قيمة السنة البيانية بقوله: "إنها للاستئناس لا للاستدلال، وللبيان لا للإثبات، الأمر الذى يجعل الآخذين بها والرافضين
لها -أمام الشرع-على حدٍ سواء0 فلا إلزام لأى طرف منهما على قبول رأى الآخر،فالآخذ بها فعله مقبول،والرافض لها فعله مقبول كذلك"( )

ويقول الرافضى صالح الوردانى : "القرآن هو المصدر الوحيد الذى نمسك به بين أيدينا وليس محل خلاف، وما دونه من المصادر
هى محل خلاف بين المسلمين، وعلى رأسها مصدر السنة أو الأحاديث، وحيث إن السنة هى تبيين للقرآن فإن هذا التبيين إنما يكون فى حدود
القرآن ولا يتجاوزه، وإذا ما تبين لنا أن مهمة الرسول  هى تبليغ ما يوحى إليه من ربه فلا يجوز للرسول أن يضيف أحكاماً فوق أحكام
القرآن، فمهمته تنحصر فى تبليغ القرآن، وتبيينه للناس، وتنتهى هذه المهمة بوفاته"( )0

ويقول أيضاً : "إن الرسول إنما كان يدعوا دائماً إلى التمسك بهدى القرآن وحكمه، لا بهديه وحكمه هو0 فهو وظيفته التبيين والتبليغ فقط"(
)0 ثم أخذ يجحد ما استقلت بتأسيسه السنة من أحكام0

مثل تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وحد الردة، ونكاح المتعة، وغير ذلك الكثير مما استقلت به السنة( )0

وللمنكرين حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام نقول لهم ما قاله العلامة الشوكانى : "إن ثبوت حجية السنة واستقلالها بتشريع
الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف فى ذلك إلا من لاحظ له فى دين الإسلام"( )0

نماذج من الأحاديث التى استقلت السنة النبوية بتشريعها

أسهب الإمام ابن قيم الجوزية-رحمه الله-فى أعلام الموقعين، فى ذكر الأحكام المستقلة الثبوت بالسنة( )، وقال : "أحكام السنة
التى ليست فى القرآن إن لم تكن أكثر منها، لم تنقص عنها، فلو ساغ لنا رد كل سنة زائدة كانت على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله 
كلها إلا سنة دل عليها القرآن، وهذا هو الذى أخبر النبى  بأنه سيقع ولابد من وقوع خبره"( )0

ومن أمثلة ما استقلت السنة المطهرة بتشريعه، وأنكره أعداء الإسلام، والسنة المطهرة :
1- تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها( )، وتحريم الحمر الأهلية( ) وكل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من
الطير( )، وأنـه يحـرم مـن الرضاعـة

ما يحرم من النسب"( ) وأنه لا يقتل مسلم بكافر( )، وحد شارب الخمر( )، وحد الرجم( )، وحد الردة( )، والنهى عن زواج المتعة( )0
وغير ذلك الكثير والكثير، مما استقلت السنة المطهرة بتشريعة، وجاء متواتراً( )0

مـاذا قـال الإمـام الشاطبـى فـى الأحكـام
التى استقلت السنة بتأسيسها؟

أحب هنا أن نذكر كلام الإمام الشاطبى فى بعض الأحاديث السابقة، وكيف أقر بتأسيس السنة أحكاماً زائدة على ما فى القرآن
الكريم، ولكنه لم يسم ذلك استقلالاً كما سماه الجمهور، وإنما سماه بياناً، وأدخله تحت قواعد القرآن الكريم وأقر بحجيته، ووجوب العمل به،
وهو ما نازع فيه من استشهد بكلامه0 مما يؤكد ما سبق أن ذكرناه أن بعض علمائنا الأجلاء أساء فهم كلام الإمام الشاطبى، كما اتخذ بعض
أعداء السنة المطهرة كلامه ستاراً للتشكيك فى حجية السنة، ومكانتها التشريعية0

يقول الإمام الشاطبى - رحمه الله - : "إن الله تعالى حرم الجمع بين الأم وابنتها فى النكاح، وبين الأختين، وجاء فى القرآن : 
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ( ) فجاء نهيه  عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من باب القياس، لأن المعنى الذى لأجله ذم الجمع بين أولئك
موجود هنا : وقد روى فى هذا الحديث : "فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" والتعليل بشعر بوجه القياس"( )0

ويقول أيضاً فى كتابه الاعتصام باب بيان معنى الصراط المستقيم الذى انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فضلت عن الهدى بعد
البيان0 قولهم( ) : "إن الحديث جاء بأن المرأة لا تنكح على عمتها، ولا على خالتها، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والله
تعالى لما ذكر المحرمات لم يذكر من الرضاع إلا الأم والأخت، ومن الجمع إلا الجمع بين الأختين، وقال بعد ذلك : وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ (
) فاقتضى أن المرأة تنكح على عمتها وعلى خالتها، وإن كان رضاع سوى الأم والأخت حلالاً0
وهذه الأشياء من باب تخصيص العموم لا تعارض فيه على كل حال"( )0

فتأمل كيف سمى ذلك الحكم الزائد فى السنة تخصيصاً لعموم القرآن الكريم، ولم يسمه استقلالاً كما سماه جمهور العلماء؛ فكان الخلاف لفظياً0

وانظر كيف أخذ بهذا الحكم الزائد، ولم يأخذ به من استشهد بكلامه موهماً أنه لا يأخذ به، فأساء فى فهم كلام الإمام،
وأساء فى النقل عنه كما مر0

وعن الأحكام الزائد فى السنة المطهرة، مثل تحريم الحمر الأهلية، وكل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من الطير0

قال عن الأحكام السابقة : "إن الله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث، وبقى بين هذين الأصليين أشياء يمكن لحاقها بأحدهما، فبين( ) عليه
الصلاة والسلام، فى ذلك ما اتضح به الأمر، فنهى عن أكل كل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من الطير، ونهى عن أكل لحوم الحمر
الأهلية، وقال إنها رجس( ) : وسئل ابن عمر عن القنفد فتلا قوله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ( ) فقال له شيخ عنده سمعت أبا هريرة: يقول ذكر عند النبى :فقال:"خبيثة من الخبائث" فقال ابن عمر :
إن كان قال رسول الله  هذا فهو كما قال مَا لَمْ نَدْرِ"( )0

وعن حديث على بن أبى طالب مرفوعاً "لا يقتل مسلم بكافر" يقول الإمام الشاطبى: "وأما أن لا يقتل مسلم بكافر" فقد انتزعها
العلماء من الكتاب، كقوله تعالى : وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ( ) … ويمكن أن يؤخذ حكم المسألة مأخذ القياس، لأن الله
تعالى قال : الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ( ) فلم يقده من الحر للعبد، والعبوديةُ من آثار الكفر فأولى أن لا يُقاد من المسلم للكافر"( )0
فانظر كيف أخذ بالسنة الزائدة على أنها بيانية على قاعدته ومصطلحه0
ورغم ذلك وجد من يطعن فى الحديث( ) بحجة مخالفته للقرآن : وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ( )0

ويقول الإمام الشاطبى فى حد الرجم : "قولهم( ) : هذا مخالف لكتاب الله ، لأنه قضى بالرجم والتغريب، وليس للرجم ولا للتغريب فى كتاب
الله ذكر، فإن كان الحديث باطلاً فهو ما أردنا، وإن كان حقاً فقد ناقض كتاب الله بزيادة الرجم والتغريب0

يقول الإمام الشاطبى رداً على دعوى المخالفة : فهذا اتباع للمتشابه، لأن الكتاب فى كلام العرب، وفى الشرع يتصرف على وجوه منها الحكم،
والفرض كقوله تعالى : كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ( )، وقال تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ( ) وقال تعالى : وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ ( )،
فكان المعنى : لأقضين بينكما بكتاب الله، أى بحكم الله الذى شرع لنا، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم فى القرآن، كما أن الكتاب يطلق على
القرآن، فتخصيصهم الكتاب بأحد المحامل، من غير دليل اتباع لما تشابه من الأدلة"( )0

ثم قال الإمام الشاطبى : "وقول من زعم( ) أن قوله تعالى فى الإماء : فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ( ) لا يعقل مع ما جاء فى الحديث أن النبى  رجم، ورجمت الأئمة بعده؛ لأنه يقتضى أن الرجم ينتصف، وهذا غير معقول، فكيف يكون
نصفه على الإماء؟

هذا ذهاباً منهم إلى أن المحصنات هن ذوات الأزواج، وليس كذلك، بل المحصنات هنا المراد بهن الحرائر، بدليل قوله أول الآية : وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ( ) وليس المراد هنا إلا الحرائر؛ لأن ذوات الأزواج
لا تنكح"( ) أ0هـ0

وبعـد
إن الأحكام التى انفردت بها السنة كثيرة0 وكلها تعطى الدليل الأكيد على أن السنة لها صلاحية تأسيس الأحكام على سبيل الاستقلال - فهى فى
ذلك مثل القرآن الكريم، وما شرعته السنة حجة يجب العمل به مثل القرآن الكريم تماماً، وعلى هذا انعقد إجماع من يعتد به من علماء الأمة
قديماً وحديثاً0

والذى يقبل عن رسول الله  فإنما يقبل أيضاً عن الله تعالى لأن الله تعالى؛ هو الذى أوجب طاعة رسوله  حيث قال سبحانه :
وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ( )0
يقول الإمام الجليل محمد بن إدريس الشافعى -فى كتابه الرائع الرسالة بأسلوبه الفصيح البليغ : "وما سن رسول الله فيما ليس
لله فيه حكم : فبحكم الله سنه0وكذلك أخبرنا الله فى قوله : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52)صِرَاطِ اللَّهِ( ) وقد سن رسول الله مع كتاب
الله، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب، وكل ما سن فقد ألزمنا اتباعه"( )،والانتهاء إلى حكمه0 فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل"( )
أ0هـ0

مضـار إنكـار السنـة النبويـة

إن الاعتداء على السنة النبوية بإنكارها والتشكيك فى حجيتها يفتح أبواب شر تقوض بنيان الإسلام وذلك لما يلى :
أولاً : أن الأحكام الشرعية العلمية الأصولية "العقائد" يتوقف بنيانها وتفاصيلها على السنة النبوية بعد، ومع القرآن الكريم، فإنكار السنة النبوية
يهدد العقائد بالبتر والإبهام، فيمس ما يتعلق بالإلهيات، والنبوات، والسمعيات، وما سوى ذلك من مسائل العقائد…، فهل يقام دين على عقائد
مبتورة مبهمة؟
ثانياً : القضاء على أصول الأحكام الشرعية العملية "أصول الفقه الإسلامى" لأن هذا العلم يتصدى للأدلة التى تبنى عليها الأحكام، وقد أجمع
الأصوليون على أن السنة النبوية المصدر الثانى للتشريع الإسلامى، وعلى هذا فإنكار السنة النبوية يجعل الفقه الإسلامى فى مهب الرياح لعدم
ارتكازه على أدلة ولافتقاره إلى أسس0
ثالثاً : تحطيم فقه الفروع (المذهبى والمقارن)؛ لأن جل المسائل الفقهية والوقائع تستند إلى السنة النبوية إما بالبيان والإيضاح كمواقيت وأعداد
وهيآت الصلوات المفروضة0 وإما بالاستقلال مثل كفارة من أفسد صوم رمضان، وعقوبتى شارب المسكر والمرتد، وأسس الجهاد، والآداب
والسلوكيات وفضائل الأعمال وغير ذلك مما سبق ذكره0
رابعاً : تشويه علوم القرآن الكريم لاستنادها فى كثير من قضاياها على السنة النبوية، وتهديد علم التفسير لارتكازه فى جل ما يعرض له على
السنة النبوية وهكذا : بإنكار السنة النبوية تمسى الأمة بغير تشريع واضح المعالم قوى الدلالة، فقد تعرض أصول التشريع، وفروعه للاهتراء
وللاجتراء0
إن إنكار السنة النبوية يمهد السبل للتشكيك فى القرآن نفسه، وتعطيل الآيات التى تحث وتحض على اتباع رسول الله  واتخاذه
قدوة وتحكيمه والرضا بحكمه وإيثار طاعته على ما سواه"( )0
إن الطعن فى السنة النبوية هدم للإسلام فى عقائده، وعباداته، ونظمه، وأخلاقه، وهدم لوحدته وسبب فى تخلف المسلمين عن
ركب الحضارة "0

يقول الأستاذ محمد أسد : "لقد كانت السنة مفتاحاً لفهم النهضة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، فلماذا لا تكون مفتاحاً لفهم انحلالنا
الحاضر؟ إن العمل بسنة رسول الله  هو عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وإن ترك السنة هو انحلال الإسلام( )، وهذا ما يخطط له
أعداء الإسلام سواء الظاهرون العداوة له المتظاهرون عليه أو اللابسون عباءته بهتاناً وزوراً! أ0هـ0
حكـم منكـر السنـة النبويـة

يقول الإمام محمد بن الحسين الآجرى( ) فى كتابه الشريعة : "جميع فرائض الله  التى فرضها الله جل وعلا فى كتابه، لا يعلم
الحكم فيها، إلا بسنن رسول الله  هذا قول علماء المسلمين، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام، ودخل فى ملة الملحدين"( )0

وقال الإمام ابن حزم : "ولو أن امرءاً قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا فى القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما
بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو : أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر فى ذلك0 وقائل هذا أو نحوه
كافر مشرك، حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم( )0
وقال الحافظ السيوطى : "فاعلموا رحمكم الله أن من ينكر كون حديث رسول الله ، قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف فى
الأصول حجة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء من فرق الكفرة( ) أ0هـ0

والله تبـارك وتعالـى
أعلى وأعلم



المبحث الثاني

شبهات بُنْيَت على أحاديث من السنة النبوية

ويشتمل على تمهيد وثلاثة مطالب :
1 - المطلب الأول : شبهة عرض السنة على القرآن الكريم والرد عليها .
2_ المطلب الثـــاني : شبهة عرض السنة النبوية على العقل والرد عليها .
3_ المطلب الثـالث : وفيه الشبه الآتية:
1_ شبهة النهي عن كتابة السنة والرد عليها .
2_ شبهة التأخر في تدوين السنة والرد عليها .
3_ شبهة رواية الحديث بالمعنى والرد عليها .
4_ شبهة كثرة الوضاعين للحديث والرد عليها .




تمهيد :
بعد أن تحايل أعداء السنة المطهرة على بعض آيات من القرآن الكريم ليحوروا معانيها، ويستدلوا بهذا التحوير على صحة الاحتجاج بالسنة
النبوية، نجدهم هنا باسم السنة ونصوصها يستشهدون بها أيضًا على إنكار حجيتها، ويتظاهرون بحرصهم على السنة، بل هم بإنكارهم حجيتها
أشد حرصًا على السنة من المؤمنين بحجيتها(1) .
وهكذا عكس المشاغبون القضية ، ونظروا في السنة النبوية المطهرة، فما وافق دعواهم منها قبلوه ، واعترضوا به على منازعيهم واحتجوا به
مع وضعه أو ضعفه سندًا ودلالة، وهذا العمل مع جهالته أخطر منطق عكسي في التدليل على فساد الشيء بمادته، نصًّا وأسلوبًا ؛ لأنه إذا كان
من الخطأ والخطل(2) والخطر قبول الأحاديث الباطلة والموضوعة، وعزوها إلى رسول الله e ، فمثله في البطلان رد الأحاديث الصحاح الثابتة
بالهوى والعجب والتعالم على الله ورسوله، وسوء الظن بالأمة وعلمائها وأئمتها في أفضل أجيالها ، وخير قرونها .
إن قبول الأحاديث المكذوبة يدخل في الدين ما ليس منه ، أما رد الأحاديث الصحيحة، فيخرج من الدين ما هو منه ، ولا ريب أن كليهما
مرفوض مذموم: قبول الباطل ورد الحق(4) .
ولأعداء السنة المطهرة شبهات على عدم حجية السنة بنوها على أحاديث مكذوبة، وضعيفة، وأخرى صحيحة مع ضعف دلالتها على ما احتجوا
به . وسوف نذكر تلك الشبهات في ثلاثة مطالب :



المطلب الأول

l واستدل بالحديث الأول قديمًا الشيعة الإثنى عشرية كما رواه الكليني في الكافي(1). والرافضة منهم ، والزنادقة كما حكاه الحافظ السيوطي في
مفتاح الجنة(2)، والطائفة التى ردت الأخبار كلها وناظر الإمام الشافعي واحدًا من أتباعها(3)، وأهل الرأي كما حكاه أحمد أمين في فجر
الإسلام(1). والمعتزلة وهو أحد الأصوب الخمسة عند الإمام القاسم بن إسماعيل الرسي كما سبق في أصول المعتزلة(2)وحديثًا استدل به
الدكتور توفيق صدقي(3) ، ويحيي كامل أحمد(4) .
l واستدل بالحديث الثاني الدكتور توفيق صدقي(5) ، والأستاذ جمال البنا(6) .
l واستدل بالحديث الثالث الدكتور توفيق صدقي(7) .
l واستدل بالحديث الرابع الأستاذ جمال البنا(8) ، كما استدل بحديث $عبد الله بن أبي أوفى#(9) في وصية النبي e في مــرض موته
بالاقتصــار على كتاب الله U(10)، ونقل كلام الحافظ ابن حجر مبتورًا ، وسبق بيان ذلك كما سبق بيان المراد من الأحاديث المرفوعة
والموقوفة بالاقتصار على كتاب الله وحده(11) .
وحجة المنكرين لحجية السنة النبوية من الروايات السابقة: أنها تفيد عرض السنة على القرآن فما وافق القرآن ؛ فهو من السنة، وتكون
السنة في هذه الحالة لمحض التأكيد، والحجة هو القرآن فقط، وما خالف القرآن بإثبات حكم شرعي جديد؛ فهو ليس من السنة ، ولم يقله النبي
e ولا حجة فيه .
يقول محمد نجيب : $فإذا كانت سنة الرسول وحديثه متفقة مع سنة الله وحديثه فاتباعها حكم من متبعها أنها أحسن من سنة الله، وأنها حديث
خير من حديث الله، وليس في هذا إلا تكذيب لله القائل : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم}(1)
وهذا يحتم عدم الأخذ بسنة غير الله، وحديث غير الله، ولو كان متفقًا مع كلام الله فاتباعه خلط لدين الإنسان ، وخروج عن الدين الخالص لله
وحده إذ بذلك يكون الدين خليطًا .
أما إذا كانت السنة والحديث غير متفقة مع كلام الله، وحديث الله، وسنة الله، فلا يمكن أن يعمل بها مسلم، أو أن يقبلها(2) .
يقول الدكتور أحمد صبحي منصور : $..... مع أهمية المناقشة بالقرآن لكل ما جاء في التراث من أحكام فقهية وروايات خرافية(3) .
ويقول الأستاذ جمال البنا : $هناك أحاديث جاءت بما لم يأت به القرآن ، نحن نحكم عليها في ضوء القرآن ، فما لا يخالف القرآن يقبل، وما
يخالفه يستبعد، فتحريم زواج المرأة على عمتها وخالتها . وتحريم لحم الحمر الأهلية، أمور لانرى مانعًا فيها ، ونجد فيها قياسًا سليمًا(4) .
وهكذا اتخذ أعداء السنة من منهج عرض السنة على القرآن الكريم قاعدة ينطلقون منها للتشكيك في حجية السنة المطهرة وهدمها . وهم
يصرحون بتلك الحقيقة وأهدافها .
ومن قاعدة عرض السنة على كتاب الله U ، انطلق أعداء الإسلام من الرافضة والزنادقة يشككون في حجية السنة المطهرة وتابعهم دعاة الفتنة
وأدعياء العلم؛ أمثال الدكتور أحمد صبحي منصور(4)، وإسماعيل منصور(5) ، ومحمود أبو رية(6) ، ومحمد نجيب(7) ، وقاسم أحمد(8)
وغيرهم ممن سبق ذكرهم وفيما يلي الجواب عن شبهتهم هذه.
وتكلم العلماء عن هذا الحديث كلامًا يستلزم أن يكون من أشد الموضوعات أو الضعيف المردود ونختار من أقوالهم ما يأتي :
قال الإمام الشافعي : $ما روي هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغر ولا كبر .. وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل
هذه الرواية في شيء(5) .
ويعلق الأستاذ أحمد شاكر(6) في تحقيقه لكتاب الرسالة على هذا الحديث فيقول: $هذا المعنى لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن، بل وردت فيه
ألفاظ كثيرة، كلها موضـوع، أو بالغ الغاية في الضعف، حتى لا يصلح شيء منها للاحتجاج أو الاستشهاد(7) .
وقال الإمام بن عبد البر(6) : $ وقد أمر الله U بطاعته واتباعه أمرًا مطلقًا مجملاً لم يقيد بشئ، كما أمرنا باتباع كتاب الله، ولم يقل وافق كتاب
الله كما قال بعض أهل الزيغ، قال عبد الرحمن بن مهدي : الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث ... وهذه الألفاظ لاتصح عنه e عند أهل العلم
بصحيح النقل من سقيمه، وقد عارض هذا الحديث قوم من أهل العلم، وقالوا : نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء، ونعتمد
على ذلك، قالوا: فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه لكتاب الله؛ لأنا لم نجد في كتاب الله ألا يقبل من حديث رسول الله e إلا ما وافق كتاب الله،
بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسى به ، والأمر بطاعته، ويحذر المخالفة عن أمره جملة على كل حال#(1) أ. هـ .
وقال فضيلة الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف معقبًا على تقوية ابن عراق للحديث(2)، تبعًا للسيوطى(3) : $الحديث باطل منكر جدًا، كما قال
العقيلي وغيره، ومحاولة المؤلف تبعًا للسيوطي تقويته غلط، فإن الحديث من وضع بعض الزنادقة للتلاعب بالسنة، وغفل السيوطي، ثم المؤلف
_ رحمهما الله _ عن هذا المقصد الخبيث#(4).
أما الحـديث الثاني : إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ... إلخ فأخرجه الشافعي(5)، والبيهقي(6) ، ومن من طريق طاووس(7) ، وقال
الإمام الشافعي: هذا منقطع، وكذلك صنع e ، وافترض عليه أن يتبع ما أوحي إليه، ونشهد أن قد اتبعه e وما لم يكن فيه وحي فقد فرض الله
في الوحي اتباع سنته، فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله قال تعالى :{وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(1) .
قال البيهقي : وقوله في الحديث : $في كتابه# إن صحت هذه اللفظة فإنما أراد فيما أوحى إليه، ثــم ما أوحى إليه نوعان؛ أحــدهما وحي
يتلى، والآخر وحي لا يتلى(2).
ويشهد لما قاله البيهقي في أن المراد بكلمة $في كتابه# أعم من القرآن ، ويشمل الوحي بنوعيه، المتلو ، وغير المتلو . قوله e لوالد الزاني
بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم : $والذي نفسي بيه لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد. وعلى ابنك جلد مائة ، وتغريب
عام#(3) قال الحافظ ابن حجر: المراد بكتاب الله ما حكم به وكتب على عباده، ويؤيده رواية القرآن وهو المتبادر. وقال ابن دقيق العيد(4) :
الأول أولى ؛ لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله باتباع رسوله، قيل وفيما قال نظر لاحتمال أن يكون المراد ما
تضمنه قوله تعالى:{ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} (5) فبين النبي e أن السبيل جلد البكر ونفيه، وجلد الثيب ورجمه، فيما رواه الإمام مسلم عن
عبادة بن الصامت t(6) قال: قال رسول الله e :$خذوا عنى . خذوا عنى. قد جعل الله لهن سبيلا . البكر بالبكر جلد مائة جلة مائة ونفى سنة،
والثيب بالثيب. جلد مائة والرجم#(1) .
قال الحافظ ابن حجر قلت: وهذا أيضًا بواسطة التبيين#(2) .
وقلت : حتى لو صحت هذه اللفظة $في كتابه# وحملت على المتبادر منها وهو القرآن الكريم. فلا حجة في الحديث للمنكرين لحجية السنة،
فالحديث عليهم لا لهم؛ لأن ما يحرمه أو يحله الرسول e ، هو حرام أو حلال في كتاب الله U الذي أمر بطاعته، ونهى عن مخالفته e . ويؤيد
ذلك ما ثبت في صحيح السنة من حديث المقدام بن معد يكرب الكندى(3) t ؛ أن رسول e قال: $يوشك الرجل متكئا على أريكته، يحدث بحديث
من حديثي ، فيقول بيننا وبينكم كتاب الله U، فما وجدنا من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله e مثل
ما حرم الله U(4) .
قال الإمام الشافعي معقبًا : فقد ضيق رسول الله على الناس أن يردوا أمره بفرض الله عليهم اتباع أمره(5) وقال الإمام البيهقي: وهذا خبر من
رسول الله e عما يكون بعده من رد المبتدعة حديثه فوجد تصديقه فيما بعدهe(6) .
أما قول الدكتور توفيق صدقي: $فهذا الحديث صح أو لم يصح فالعقل يشهد له ويوافق عليه، وكان يجب أن يكون مبدأ للمسلمين لايحيدون
عنه#(1) فسيأتى الرد على ذلك في المطلب الثاني (شبهة عرض السنة على العقل) .

(1) انظر : السنة ودورها في الفقه الجديد للأستاذ جمال البنا خاتمة الكتاب (نخن أحرص على السنة منكم) ص 267 .
(2) السنة الإسلامية للدكتور رءوف شلبي ص 33 .
(3) الخطل : المنطق الفاسد المضطرب وقد $خطَِلَ# في كلامه من باب طَرِب و (أخطَلَ) أي أفحش .
انظر : مختار الصحاح ص 181 ، والقاموس المحيط 3 / 357 .
(4) مؤتمر السنة ومنهجها في بناء المعرفة والحضارة بحث الدكتور يوسف القرضاوي 2 / 795 ، 796 .
(1) أخرجه الكليني في الكافي كتاب فضل العلم، باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب 1 / 69 رقم 5 عن أبي عبد الله y، وانظر : الشيعة هم أهل
السنة للدكتور محمد التيجاني ص 244.
(2) مفتاح الجنة ص 13 ، 14 .
(3) الرسالة 225.
(1) فجر الإسلام ص 224 ، وانظر: البحر المحيط للزركشي عزاه إلى أكثر المتكلمين 4 / 351.
(2) راجع : إن شئت ما سبق في أصول المعتزلة وموقفهم من السنة ص 105،110 ، وانظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 84 .
(3) مجلة المنار المجلد 9 / 523 .
(4) تطبيق الشريعة بين الحقيقة وشعارات الفتنة ص 12 .
(5) مجلة المنار المجلد 9 / 907 .
(6) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 246 .
(7) مجلة المنار المجلد 9 / 907 .
(8) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 246 .
(9) عبد الله بن أبي أوفى : صحابي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 3 / 870 رقم 1478 ، واسد الغابة 3 / 181 رقم 2830 ، وتاريخ
الصحابة ص 155 رقم 742 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 62 رقم 320، وتجريد أسماء الصحابة 1 / 299 ، والإصابة 2 / 274 رقم
4573 .
(10) أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الوصايا، باب الوصايا، وقول النبي e (وصية الرجل مكتوبة عنده) 5 /420 رقم 2740 ،
ومسلم (بشرح النووي) كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصي فيه 6/ 98 رقم 1634 .
(11) راجع : إن شئت ص 201 ، 202 .
(1) الآية 23 من سورة الزمر .
(2) انظر: الصلاة ص 278 ، 279 .
(3) انظر: مجلة روزاليوسف العدد 3563 ص 36 ، وانظر : البحث في مصادر التاريخ الديني لأحمد صبحي منصور ص 40 ، 287.
(4) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 254، وسيأتي الرد على ذلك وأنه غير مخالف للقرآن في مبحث أدلة حجية السنة ص 533 .
(5) يعني معيار عرض السنة على القرآن بمفهوم أعداء السنة .
(1) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 7 .
(2) المصدر السابق ص 248 .
(3) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 265 .
(4) مجلة روزاليوسف العدد 3563 ص 35 .
(5) تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 18 _ 20 .
(6) أضواء على السنة ص 19 ، 391 _ 395.
(7) الصلاة ص 279 .
(8) إعادة تقييم الحديث ص 136 .
(1) الحديث والمحدثون ص 211 .
(2) حديث علي t أخرجه الدارقطني في السنن كتاب في الأقضية والأحكام ، باب كتاب عمر t إلى أبي موسى الأشعرى 4 / 208 رقم 20
وقال الدارقطني : والصواب عن عاصم عن زيد عن علي بن الحسين مرسلاً ، عن النبيe. وقال العلامة العظيم آبادى في التعليق المغنى على
الدارقطني 4 / 208 ، 209 الحديث فيه جبارة بن المغلس ضعفه ابن معين، وقال البخاري مضطرب الحديث وقال السخاوي، وقد سئل شيخنا _
يعنى ابن حجر _ عغن هذا الحديث فقال: إنه جاء من طرق لا تخلو عن مقال، وانظر: في ترجمة جبارة الضعفاء والمتروكين للنسائي ص 72
رقم 103 ، والمجروحين لابن جبان 1 / 221 .
(3) حديث أبي هريرة رواه الدارقطني أيضًا في نفس الأماكن السابقة برقم 17 وقال الدارقطني عقبة فيه $صالح بن مةسي# ضعيف لايحتج
بحديثه .
(4) حديثا بن عمر، وثوبان أخرجهما الطبراني في الكبير 12 / 316 رقم 13224 ، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 170 حديث
بن عمر فيه أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه وهو منكر الحديث . وحديث ثوبان فيه $لايزيد بن ربيعة وهو متروك منكر الحديث، انظر: مجمع
الزوائد 1 / 170، والموضوعات لابن الجوزي 1 / 258 .
(5) الرسالة للشافعي ص 225 .
(6) أحمد شاكر : هو العلامة محمد شاكر، يكني: أبا الأشبال محدث ومحقق، وقاضي شرعي، وعضو المحكمة الشرعية العليا $سابقًا# من
مؤلفاته الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ونظام الطلاق في الإسلام، وغير ذلك . مات سنة 1377هـ . انظر: ترجمته في كتابه
كلمة الحق بقلم الأستاذ محمود محمد شاكر .
(7) الرسالة للشافعي ص 224 .
(1) الآية 7 من سورة الحشر .
(2) الآية 80 من سورة النساء .
(3) الآية 105 من سورة النساء .
(4) الإمام البيهقي: هو أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر، كان أوحد أهل زمانه في الإتقان والحفظ والفقه والتصنيف، كان فقهيًا وأصوليًا
وإمامًا من أئمة الحديث، من مصنفاته: السنن الكبرى ، ودلائل النبوة، توفي سنة 458هـ . له ترجمة في : تذكرة الحفاظ 3 / 1132 رقم
1014 ، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص 433 رقم 979، ووفيات الأعيان 1 / 75 رقم 28، طبقات الشافعية لابن السبكي 4 /8 رقم 50 ،
والبداية والنهاية 12/ 94، وشذرات الذهب 3 / 304 .
(5) دلائل النبوة 1 / 27 .
(6) الإمام ابن عبد البر: هو يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، أبو عمر، كان حافظ علماء الأندلس، وكبير محدثيها في وقته،
وكان أولاً ظاهريًا ثم صار مالكيًا، فقيهًا حافظًا مكثرًا عالمًا بالقراءات والحديث والرجال، والخلاف ، كثير الميل إلى أقوال الشافعي، من
مصنفاته. التمهيد شرح الموطأ ، والاستذكار مختصره، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، وجامع بيان العلم وفضله. وغير ذلك مات سنة
463هـ . له ترجمة في : تذكرة الحفاظ 3/ 1128 رقم 1013، وطبقات للسيوطي ص 431، 432 رقم 978 ، والديباج المذهب لابن
فرحون ص440 رقم 626، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 2 / 458 رقم 23، والرسالة المستطرفة ص 15، وشجرة النور الزكية 1
/ 119 رقم 337 .
(1) جامع بيان العلم وفضله 2 / 190، 191، وانظر: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 291، وإرشاد الفحول 1/ 157 ،
158 ، وكشف الخفاء للعجلوني 1 / 76 ، رقم 220 ، 2 / 386 .
(2) تنزيه الشريعة 1 / 264، 265 ، وانظر : الموضوعات لابن الجوزي 1 / 258 .
(3) اللآلئ المصنوعة 1 / 195 ، والنكت البديعات على الموضوعات ص 48 ، 49 رقم 23 .
(4) تنزيه الشريعة 1 / 265 هامش . وفيما سبق رد على الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة _ رحمه الله تعالى _ في تقويته للحديث في كتابه (
لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث ) ص 29 ، 30 . وفيما سبق أيضًا رد على إدعاء جولدتسهير بأن المحدثين يقررون احتجاجًا بهذا
الحديث، انظر: العقيدة والشريعة في الإسلام ص 55، وأعجب من إدعاء جولدتسهير ، إدعاء أحد أدعياء العلم وهو يحيى كامل أحمد الذي
وصف الذين حكموا بوضع هذا الحديث بأنهم ملاحدة قائلا : [إن بعض الملاحدة زعموا أن هذا الحديث (فيما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب
الله ..) من وضع الزنادقة ، ليبيحوا لأنفسهم عدم التقيد بآيات القرآن، للتقول في أمور الدين بما يشاءون.. فيرددون الأباطيل والإسرائيليات
والخرافات بدعوى أنها أحاديث للرسول e على حين أن القرآن يسقطها ، ويثبت كذبها بتعارضها مع آياته الكريمة] أ. هـ . انظر تطبيق
الشريعة بين الحقيقة وشعارات الفتنة ص 12 ، 13، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجاني ص 251 ، 252 .
(5) الأم كتاب جماع العلم، باب الصوم 7 / 288، وفي كتاب الصلاة، باب صلاة المريض 1 /80، 81 .
(6) المدخل إلى السنن والآثار كتاب السير، باب الرجل يموت في أرض العدو قبل الغنيمة 13/ 155 رقم 17742.
(7) طاووس: هو طاووس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن، يقال اسمه ذكوان، وطاووس لقب، من أكابر التابعين تفقها في الدين ورواية
للحديث وتقشفًا في العيش، وجرأة على وعظ الخلفاء والملوك، أصله من الفرس، ولكنه ولد في اليمن، متفق على توثيقه مات سنة 106هـ
له ترجمة في : صفة الصفوة لابن الجوزي 2 / 284 رقم 243 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 150 رقم 955، والثقات لابن حبان 4 /
391 ، الثقات للعجلي ص 234، رقم 720، والثقات لابن شاهين ص 182رقم 587 ، وتقريب التهذيب 1 / 448 رقم 3020 ، والكاشف 1
/ 512 رقم 2461، ووفيات الأعيان 2/ 509 رقم 306 .
(1) جزء من الآية 7 من سورة الحشر.
(2) مفتاح الجنة ص 42،43.
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا 12/ 140 رقم 6827 ،
6828. وأخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا 6/ 214 رقم 1697 ، 1698 واللفظ له .
(4) ابن دقيق العيد :هو محمد بن على وهب المنفلوطي ، تقى الدين أبو الفتح، إمام حافظ فقيه، كان من أذكياء زمانه ، وقل أن ترى العيون
مثله، وله يد طولى في الأصول والمعقول، ولي قضاء الديار المصرية وتخرج به أئمة ، من مصنفاته: الاقتراح في علوم الحديث، وشرح
العمدة، مات سنة 702هـ له ترجمة في : طبقات الحفاظ للسيوطي 516 رقم 1134 ، وتذكرة الحفاظ للذهبي 4 / 1481 رقم 1168 ،
والرسالة المستطرقة للكتابي ص 180 ، والديباج المذهب لابن فرحون ص 411 رقم 566 ، والدرر الكامنة 4/ 91 رقم 256، والبداية
والنهاية 14/ 27، وشذرات الذهب 6/ 5 ، والوافي بالوفيات 4/ 193 .
(5) الآية 15 من سورة النساء.
(6) عبادة بن الصامت: صحابي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 2/ 807 رقم 1372 ، واسد الغابة 3/ 158 رقم 2891، وتاريخ الصحابة
ص 190 رقم 1004 ، والإصابة 2/ 268 رقم 4515، ومشاهير علماء الأمصار ص66 رقم 334 .

(1) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب حد الزني 6/ 240 رقم 1690.
(2) انظر : فتح الباري 12/ 142 _ 144 رقمي 6827 ، 6828.
(3) المقدام بن معد يكرب: صاحبي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 4/ 1482 رقم 2562، واسد الغابة 5/ 244 رقم 5077، وتاريخ
الصاحبة ص 240 رقم 1317 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 69 رقم 365، والإصابة 3/ 455 رقم 8202.
(4) أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب في لزوم السنة 4/ 200 رقم 4604 ، والترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن
يقال عند حديث النبي e5/ 36 رقم 2664 وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه بن ماجة في سننه المقدمة، باب تعظيم حديث
رسول الله والتغليظ على من عارضه 1/ 20 رقم 12، واللفظ له وابن جبان في صحيحه (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان)، باب الاعتصام
بالسنة وما يتعلق بها نقلا وأمرًا وزجرًا 1/ 107 رقم 12، والحاكم في المستدرك 1/ 191 رقم 371 ، وسكوت عنه الحاكم والذهبي،
وصححه أحمد شاكر في هامش الرسالة للشافعي ص 90، 91 .
(5) الرسالة للشافعي ص 226 .
(6) دلائل النبوة للبيهقي 1/ 25 .
(1) انظر : الأم كتاب جماع العلم، باب الصوم 7/ 288 ، وفي كتاب الصلاة ، باب صلاة المريض 1/ 80، 81.
(2) الإحكام في أصول الأحكام 2/ 212 .
(3) الآيتان 3،4 من سورة النجم .
(4) انظر: الإحكام لابن حزم 2/ 212 .
(5) السنة ومكانتها في التشريع للدكتور السباعي ص 164 .
(6) انظر : نيل الأوطار 1/ 187 .
(7) ثوبان : هو ثوبان بن بجدر أبو عبد الله مولى رسول الله e صاحبي جليل له ترجمة في: الاستيعاب 2/ 218 رقم 282، واسد الغابة 1/
480رقم 624، وتاريخ الصحابة ص 56 رقم 174، ومشاهير علماء الأمصار ص64 رقم 324 ، والإصابة 1/ 204 رقم 969 .
(8) الدارقطني كتاب الطهارة ، باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقئ والحجامة ونحوه 1/ 151 رقم 41 .
(1) انظر: مجلة المنار المجلد 9/ 515 رقم 913 .
(2) الدارمي في سنته المقدمة ، باب السنة قاضية على كتاب الله 1/ 153، 154 رقم 589 بلفظ : $السنة سنتان: سنة الأخذ بها فريضة:
وتركها كفر، وسنة الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غيره حرج) .
(3) مكحول : هو مكحول الشامي، أبو عبد الله ، ثقة، فقيه كثير الإرسال مات سنة 113هـ. له ترجمة في : تقريب التهذيب 2 / 211 رقم
6899 ، والكاشف 2 / 291 رقم 5620 ، وحاشية بن العجمي هامش على الكاشف 2/ 291 _ 293 ، والثقات للعجلي ص 439 رقم
1628، والثقات لابن حبان 5/ 446، ومشاهير علماء الأمصار ص 141 رقم 870 .
(4) الطبراني في الأوسط 4 / 392 رقم 4011 ، وقال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن محمد إلا عيسى تفرد به عبد الله ، وعزاه الهيثمي
في مجمع الزوائد إلى الطبراني في الأوسط، وقال: لم يروه عن أبي سلمة إلا عيسى بن واقد تفرد به عبد الله بن الرومي، ولم أر من ترجمة .
انظر: مجمع الزوائد 1/ 172، وانظر مجمع البحرين في زوائد المجمعين الصغير والأوسط للطبراني 1/ 233 رقم 256.
(5) انظر : ميزان الاعتدال 2/ 422 رقم 4317 ، ولسان الميزان 3/ 286 رقم 1208 .
(6) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 127 ، وإرشاد الفحول للشوكاني 1/ 155 ، وأصول الفقه للخضري ص 250، 251.
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة t : البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الوضوء، باب لاتقبل صلاة بغير طهور 1/282 رقم 135 ،
ومسلم (بشرح النووي) كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة 1/ 104 رقم 225 واللفظ له .
(2) أخرجه الترمذي في سننه كتاب أبواب الصلاة ، باب ما جاء في المنى والمذي 1/ 193 رقم 114، وقال هذا حديث حسن .
(3) عمران بن حصين: صاحبي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 3/ 1208 رقم 1969 ، واسد الغابة 4/ 269 رقم 4048 ، وتاريخ
الصحابة ص 183 رقم 949 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 48 رقم 218، والإصابة 3/26 رقم 6024 .
(4) أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب التميم باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء 1 / 533 رقم 344 ، وأخرجه مسلم
(بشرح النووي) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة 300/ 199 رقم 682 .
(5) الآية 6 من سورة المائدة .
(1) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعرى t البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الفتن، باب قول النبي e : $ من حمل علينا السلاح فليس
منا# 13/ 26 رقم 7071 ومسلم (بشرح النووي) كتاب الإيمان باب قول النبي e من $حمل علينا السلاح فليس منا# 1 رقم 100 .
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الإمارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن 6/ 479 رقم 1848.
(3) الآية 33 من سورة المائدة .
(4) متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعور رضى الله عنه، البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الديات، بال قول الله تعالى $النفس بالنفس
والعين بالعين# 12/ 209 رقم 6878، ومسلم (بشرح النووي) كتاب القسامة ، باب ما يباح به دم المسلم 6/ 179 رقم 1676.
(5) الآية 217 من سورة البقرة .
(6) منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص 499 ، وانظر: الموافقات للشاطبي 4/ 9 _ 14 .
(7) الآية 7 من سورة الحشر .

عنه كقوله تعالى : {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(1) .
ومثال السنة المحرمة : قوله e $ لايجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها(2) فأصل ذلك التحريم في الجمع بين المرأة وعمتها
والمرأة وخالتها، قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَف}(3).
وهذا استدلال من لا يرى استقلال السنة بالتشريع، وقد عرفت مما سبق استدلال من يرى استقلالها.
فأمثال هذه السنة سواء كانت (واجبة أو محرمة) الأخذ بها هدى وتركها بعدم فعلها إذا كانت واجبة، وفعلها إذا كانت محرمة (ضلالة) كما في
الحديث، وهو ما يتمشى مع تعريف الواجب والحرام عند الأصوليين .
فالواجب: مرادف للفرض عند الجمهور، هو ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم بحيث يأثم تاركه وقال الآمدى : $والحق في ذلك أن يقال :
الوجوب الشرعي عبارة عن خطاب الشارع بما ينتهض تركه سببًا للذم شرعًا في حالة ما#(4) .
أما الحرام فهو ضد الواجب: قال الآمدى : والحق فيه أن يقال: هو ما ينتهض فعله سببًا للذم شرعًا بوجه ما من حيث هو فعل له(5) .
أما قوله e في الحديث : $ وسنة في غير فريضة# ؛ فالمراد بذلك السنة المباحة والمندوبة وقوله : $الأخذ بها فضيلة وتركها ليس بخطيئة#
أي في فعلها ثواب، وليس في تركها عقاب، وهذا هو $المباح والمندوب# عند أهل الأصول .
فالمندوب: هو ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، أو هو ما طلب الشارع فعله طلبًا غير حتم(6) . وقال الآمدي: فالواجب أن يقال : هو المطلوب
فعله شرعًا من غير ذم على تركه مطلقًا(1) ومن ومن أسمائه : النافلة، والسنة، والمستحب، والتطوع وذلك عند الجمهور(2) .
ومثاله : الرواتب مع الفرائض، وصلاة العيدين، والاستسقاء، والكسوف، وصدقة التطوع... إلخ والأصل في ذلك حديث الأعرابي الذي علمه
النبي e شرائع الإسلام وفرائضه ، وأنه ليس عليه غيرها إلا أن التطوع $فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله على
شيئًا ، فقال رسول الله e : $أفلح أن صدق. أو دخل الجنة إن صدق#(3) .
والمباح : هو ما خير الشارع المكلف فيه بين فعله وتركه من غير مدح ولا ذم(4) . وقال الأمدى : والأقرب في ذلك أن يقال : هو ما دل
الدليل السمعى على خطاب الشارع بالتخيير فيه الفعل والترك من غير بدل(5) .
ومن أسمائه : الحلال، والمطلق، والجائز(6) ، ومثاله قوله تعالى :{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَة}(7) . وقوله : $لحمزة بن
عمرو الأسلمي(8) لما سأله عن الصيام في السفر : $إن شئت فصم وإن شئت فأفطر#(9) .
فأمثال هذه السنن المباحة والمندوبة الأخذ بها فضيلة ويثاب ويمدح الإنسان على فعلها، وإن تركها لم يكن مخطئًا ، ولا عقاب ولا لوم عليه .
وأصل هذه السنن في كتاب الله قوله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(1) .
فهذا هو معنى الحديث على فرض صحته، فأين الدلالة فيه على عدم حجية السنة ووجوب عرضها على كتاب الله؟!!
وبعد
هذا ما قاله أهل العلم في أحاديث عرض السنة المطهرة على القرآن الكريم، التى أسس عليها أعداء الإسلام منهجًا خاصًا بهم في الحكم على
صحة السنة بوجوب عرضها عل الكتاب .
فما وافقه؛ فهو حجة، وما خالفه ولو مخالفة ظاهرة يمكن الجمع بينهما؛ فباطل مردود ليس من السنة .
وهذا منهج باطل، مردود، عماده الكذب والخديعة: لأنه يفضي إلى نفي حجية السنة النبوية التى لها دور في بيان الكتاب وتفسيره، أو التى أفادت
حكمًا مستقلاً : لأن كلاً من النوعين غير موجود فيه، فتكون وظيفة السنة مقصورة على تأكيد القرآن فقط، وبالتالى الحجة فيه وحده، ولا حجة
في السنة على أي حكم شرعي بذاتها؛ لأنها لو كانت حجة على شئ لما توقف ذلك على ثبوت الشئ بحجة أخرى، وهذا كلام باطل لا يصح؛ لأن
أحاديث العرض عند عرضها على كتاب الله وجدناها مخالفة لما فيه؛ لأنه لا يوجد في كتاب الله أن لا يقبل من حديث رسول الله e إلا ما وافق
كتاب الله بل يوجد في كتاب الله إطلاق التأسى به، والأمر بطاعته مطلقة من غير تقييد، والتحذير من مخالفة أمره جملة على كل حال .
وكما سبق من قول الأئمة : البيهقي، وابن عبد البر، وابن حزم(2) ومن ثم فقد رجعت أحاديث العرض على نفسها بالبطلان، ثم إنه ورد في
بعض طرقها عن أبى هريرة t قال : قال رسول الله e : $ إنه سيأتيكم منى أحاديث مختلفة، فما أتاكم موافقًا لكتــاب الله وسنتى فهــو
مني، وما أتاكم مخالفًا لكتاب الله وسنتى فليس مني#(3). قال البيهقي : تفـرد به صالح بن موسى الطلحي، وهو ضعيف لا يحتج بحديثه(1) .
قال السيوطي: قلت: ومع ذلك فالحديث لنا لا علينا : ألا ترى إلى قوله : $موافقًا لكتاب الله وسنتى#(2) .
ومع أن أحاديث عرض السنة على القرآن الكريم لا وزن لها سندًا عند أهل العلم كما سبق، إلا أن معناها صحيح وعمل بها المحدثون في
نقدهم للأحاديث متنًا فجعلوا من علامات وضع الحديث مخالفته لصريح القرآن الكريم والسنة النبوية والعقل .
إلا أنهم وضعوا لذلك قيدًا وهو استحالة إمكان الجمع والتأويل، فإذا أمكن الجمع بين ما ظاهره التعارض من الكتاب أو السنة أو العقل _ جمعًا
لا تعسف فيه يصار إلى الجمع والقول معًا ولا تعارض حينئذ ، وإن كان وجه الجمع ضعيفًا باتفاق النظار، فالجمع عندهم أولى(3) .
وإعمال الأدلة أولى من إهمال بعضها ، وإلا فلنتعرف على الناسخ والمنسوخ فنصير إلى الناسخ ونترك المنسوخ، وإلا نرجح بأحد وجوه
الترجيحات المفصلة في كتب الأصول وعلوم الحديث(4) ، والعمل بالأرجح حينئذ متعين، وهؤلاء المبتدعة لم يرفعوا بهذا الأصل رأسًا ، جهلاً به
أو عنادًا كما قال الشاطبي(5) .
وإن لم يتمكن العالم من ذلك للتعادل الذهني فاختلفوا على مذاهب منها:
1_ التخيير 2_ تساقط الدليلين والرجوع إلى البراءة الأصيلة
3_ الأخذ بالأغلظ 4_ التوقف .
ومعلوم بأن التوقف هنا حتى يمكن الجمع أو التأويل أو الترجيح . وكل ما سبق قال به من المعتزلة صاحب المعتمد في أصول الفقه في باب
الأخبار المعارضة، وباب ما يترجح به أحد الخبرين على الآخر#(1) .
قال الحافظ ابن حجر: $فصار ما ظاهرة التعارض واقعًا على هذا الترتيب الجمع إن أمكن ، فاعتبار الناسخ والمنسوخ، والترجيح إن تعين، ثم
التوقف عن العمل بأحد الحديثين ، والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط، لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر، إنما هو بالنسبة للمعتبر
في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفى عليه وفوق كل ذي علم عليم#(2) .
ولا أعلم نقلاً عن أحد من العلماء برفض ورود الحديث بمجرد المخالفة الظاهرية مع القرآن الكريم ، أو السنة ، أو العقل مع إمكان الجمع، أو
التأويل، أو الترجيح ، حتى من نقل عنهم الأصوليون إنكار الترجيح وردوا عليهم إنكارهم ، قالوا عند التعارض: يلزم التخيير أو الوقف(3) .
نعم لم ينقل رد السنة وجحدها بمجرد المخالفة الظاهرية إلا عن أهل البدع والأهواء كما حكاه عنهم الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام(4) ،
وتابعهم ذيولهم في العصر الحديث من أصحاب المذاهب اللادينية .
وقصاري القول : إن أهل العلم مجمعون على أن السنة الصحيحة لا تخالف كتاب الله U ، ولا تخالف سنة أخرى صحيحة مثلها، ولا تخالف
العقل، وما يبدوا حينًا من تعارض هو من سوء الفهم لا من طبيعة الواقع، كما قال فضيلة الشيخ محمد الغزالي _ رحمه الله تعالى _ : لا
يتعارض حديث مع كتاب الله أبدًا ، وما يبدو من تعارض هو من سوء الفهم لا من طبيعة الواقع #(5) .
وعن دعوى تعارض الأحاديث مع بعضها يقول الحافظ ابن خزيمة : $لا أعرف أنه روى عن النبي e حديثان بإسنادين صحيحن متضادين، فمن
كان عنده فليأتي به لأؤلف بينهما #(1) .
قال الإمام ابن حزم: ليس في الحديث الذي صح شيء يخالف القرآن الكريم ولا سبيل إلى وجود خبر صحيح مخالف لما في القرآن أصلاً ، وكل
خبر شريعة فهو إما مضاف إلى ما في القرآن ومعطوف عليه ومفسر لجملته، وإما مستثنى منه لجملته، ولا سبيل إلى وجه ثالث. فإن احتجوا
بأحاديث محرمة أشياء ليست في القرآن قلنا لهم: قد قال الله U { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}(2) فكل ما حرمة رسول الله e مثل
الحمار الأهلي، وسباع الطير، وذوات الأنياب(3) ، وغير ذلك؛ فهو من الخبائث، وهو مذكور في الجملة المتلوه في القرآن ومفسر لها،
والمعترض بها يسأل: أيحرم أكل عذرته أم يحلها؟ فإن أحلها خرج عن إجماع الأمة وكفر، وإن حرمها؛ فقد حرم ما لم ينص الله تعالى على
اسمه في القرآن، فإن قال هي من الخبائث قيل له : وكل ما حرم عليه السلام؛ فهو كالخنزير، وكل ذلك من الخبائث . فإن قال قد صح الإجماع
على تحريمها ، قيل له : قد أقررت بأن الأمة مجمعة على إضافة ما جاء عن النبي e من السنن إلى القرآن الكريم ، مع ما صح عنه e قال :
$ لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه #(4) . فهذا حديث
صحيح بالنهى عما تعلل به هؤلاء الجهال(1) .
ويقول ابن حزم في موضع آخر : $إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية والحديث، فيما يظن من لا يعلم، ففرض على كل مسلم استعمال
كل ذلك، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى
مثلها، وكل من عند الله U ، وكل سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق#(2) .
ويتأيد ما قاله ابن حزم بما قال الإمام الشاطبي عند كلامه على حديث العرض: $ما أتاكم عنى فاعرضوه على كتاب الله _ الحديث# قال : $إن
الحديث إما وحي من الله صرف، وإما اجتهاد من الرسول _ عليه الصلاة والسلام _ معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة، وعلى كلا التقديرين
لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله ؛ لأنه _ عليه الصلاة والسلام _ ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أ. هـ .

والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم








المطلب الثـــاني
شبهة عرض السنة النبوية على العقل والرد عليها

لم يكتف أهل الزيغ والهوى بعرض السنة المطهرة على القرآن الكريم للحكم عليها قبولاً أو رفضًا ، وإنما سلكوا مسلكًا آخر في الحكم عليها
والتشكيك فيها بعرضها على العقل (الصريح) ، فما وافقه قبل ولو كان آحادًا _ صح أو لم يصح _ وما لم يوافقه _ حتى ولو مع إمكان التأويل
_ ردوه ولو كان متواترًا صحيحًا .
وهذا المسلك والمنهج (عرض السنة على العقل بالمفهوم السابق من أصول أهل الكفر والبدع والأهواء كما حكاه عنهم الأئمة : ابن قيم
الجوزية ، وابن أبي العز، وابن قتيبة، والشاطبي .
يقول ابن قيم الجوزرية: وبالجملة فمعارضة أمر الرسل أو خبرهم بالمعقولات إنما هي طريقة الكفار#(1) .
ويقول ابن أبي العز(2) : $كل فريق من أرباب البدع يعرض النصوص على بدعته، وما ظنه معقولاً ، فما وفقه قال: إنه محكم، وقبله ، واحتج
به ، وما خالفه قال: إنه متشابه، ثم رده، وسمى رده تقويضًا ، أو حرفه وسمى تحريفه تأويلاً(3) .
ويقول الشاطبي في باب ( مأخذ أهل البدع بالاستدلال) : $ردهم للأحاديث التى جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم ويدعون أنها مخالفة
للعقول، وغير جارية على مقتضى الدليل، فيجب ردها، ولما ردوها بتحكم العقول كان الكلام معهم راجعًا إلى أصل التحسين والتقبيح العقليين،
فإن محصول مذهبهم تحكيم عقول الرجال دون الشرع، وهو أصل من الأصول التى بنى عليها أهل الابتداع في الدين، بحيث أن الشرع إن وافق
آراءهم قبلوه، وإلا ردوه(1) .
وبهذه الشبهــة قال أهل الزيغ والهوى حديثًا : مثل محمود أبو رية(2) ، وقاسم أحمد(3)، وسعيد العشماوي(4)، ومحمـد شحرور(5) ،
وإسماعيل منصور(6)، وجمال البنا(7)، ونصر أبو زيد وغيره .
ومن الأحاديث التى يستشهد بها خصوم السنة المطهرة في وجوب عرضها على العقل، ما روي عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e :$ إذا
حدثتم عني بحديث تعرفونه ولاتنكرونه، قلته أو لم أقله، فصدقوا به، وإني أقول ما يعرف ولا ينكر وإذا حدثتم عني بحديث تنكرون، لا تعرفونه،
فكذبوا به، فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف#(9) .
وهذا الحديث استدل به قديمًا: الطائفة التى ردت الأخبار كلها، وناظر الإمام الشافعي واحدًا من أتباعها كما حكاه الإمام الشافعي عنهم(10).
واستدل به حديثًا ؛ الدكتور توفيق صدقي(11) ، والأستاذ جمال البنا(12) ، وغيرهم ممن سبقوا .
ووجه استدلالهم من هذا الحديث: أنه يفيد في نظرهم وجوب عرض ما نسب إلي النبي e على المستحسن المعروف عن الناس _ حتى ولو
كانوا أهل زيغ وضلالة _ فما وافق عقول هؤلاء الناس؛ فهو من السنة حتى ولو لم يقله النبي e فعلاً ، وما خالف تلك العقول، فكذب ليس من
سنة النبي e ، ولم يقله حتى ولو جاء متواترًا صحيحًا فالحجة عندهم في تلك العقول لا في السنة النبوية المطهرة .
الجواب عن الحديث:
هذا الحديث الذي استشهد به خصوم السنة المطهرة روي من طرق مختلفة كلها ضعيفة لا يصلح شيء منها، بل ولا بمجموعها للاحتجاج
والاستشهاد. وكشف عن ذلك علماء الحديث .
فقال الإمام البيهقي : $قال ابن خزيمة: في صحة هذا الحديث مقال، لم نر في شرق الأرض ولا غربها أحدًا يعرف خبر ابن أبي ذئب(1) من غير
رواية يحيي بن آدم(2) ، ولا رأيت أحدًا من علماء الحديث يثبت هذا عن أبي هريرة . وهو مختلف على يحيي بن آدم في إسناده ومتنه اختلافًا
كثيرًا يوجب الاضطراب، منهم من ينكر أبا هريرة، ومنهم من لا يذكر ويرسل الحديث، ومنهم من يقول في متنه : $إذا رويتم الحديث عنى
فاعرضوه على كتاب الله#(3) .
وقال البخاري في تاريخه: وقال يحيى بن آدم عن أبى هريرة وهو وهم، ليس فيه أبو هريرة(4) ، وفي علل ابن أبي حاتم قال : قال أبي : هذا
حديث منكر، الثقات لا يرفعونه(5) . أى لا يرفعون في إسناده فوق المقبري، ليوافق قول البخاري .
وقال العقيلي في الضعفاء: ليس له إسناد يصح(6) والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات(1) ، وتعقبه في حكمه الحافظ السيوطي في
كتابيه النكت البديعات على الموضوعات(2) ، واللآلئ المصنوعة(3) مقويا الحديث بشواهده، ووافقه على ذلك ابن عراق في تنزيه الشريعة(4)
، وتعقب السيوطي، وابن عراق في تقوية الحديث بشواهده الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف _ رحمه الله تعالى _ وسبق قوله في حديث عرض
السنة على القرآن(5) .
كما تعقب الأستاذ المعلمي اليماني الإمام السيوطى في شواهد الحديث بروايتي أحمد وابن ماجة .
فالشاهد الأول $ رواية أحمد# بين فيه وهمه؛ بأنه ذكرها بسند متن آخر وهو: $المؤمن القوي خير وأفضل ... إلخ(6) ، والمتن الشاهد في
رواية أحمد في سنده أبو معشر(7) : وهو نجيح السندي، كان أول أمره ضعيفًا ، ثم اختلط اختلاطًا شديدًا، وجاء بأحاديث منكرة، ولا سيما في
روايته عن سعيد المقبري، وهو الذي روى عنه هذا الحديث الشاهد(8) ، مع أن سعيدًا نفسه اختلط أيضًا(9) ، قال الحـــــافظ
الهيثمـي(10): أبو معشر نجيح ضعفه أحمد وغيره وقد وثق(11) .
كما تعقب المعلمي اليماني الإمام السيوطي في الشاهد الثاني رواية ابن ماجة؛ بأن في سندها المقبري(1) . وهو عبد الله بن سعيد أبي سعيد،
متروك ساقط البتة(2) .
وأمثل شاهد روي في هذا المعنى، واستشهد به الحافظ السيوطي ما أخرجه أحمد والبزار عن أبى حميد وأبى أسيد مرفوعًا : $ إذا سمعتم
الحديث عنى تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب؛ فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عنى تنكره قلوبكم وتنفر
أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد؛ فأنا أبعدكم منه#(3) .
والحديث أخرجه البخاري في تاريخه بلفظ: $ إذا جاءكم الحديث عني يلين قلوبكم، فأنا أمرتكم به # ، ثم أخرج من طريق عباس بن سهل عن
أبى بن كعب قال:$ إذا بلغكم عن النبي e ما يعرف ويلين الجلد، فقد يقول النبي e الخير، ولا يقول إلا الخير .
قال البخاري: هذا أشبه وأصح(4). قال البيهقي؛ يعني أصح من رواية من رواه عن أبي حميد، أو أبي أسيد وقد رواه ابن لهيعة، عن بكير بن
الأشج، عن عبد الملك بن سعيد عن القاسم بن سهــل، عن أبى بن كعب قال ذلك بمعناه، فصار الحديث المسند معلولاً(5) .
وهذا ما رجحه المعلمي من أربعة أوجه في تحقيقه للحديث في الفوائد المجموعة(6) .
وبالجملة : فالحديث بطرقه وشواهده لايصلح للاحتجاج والاستشهاد.
يقول الإمام الشوكاني : $فهذا الحديث بشواهده لم تسكن إليه نفسي، وإني أظن أن ابن الجوزي قد وفق للصواب بذكره في موضوعاته#(1) .
ويشهد لبطلان الحديث ما فيه من إباحة الكذب على النبي e :$قلته أو لم أقله فصدقوا به# . وفي لفظ: $ما بلغكم عنى من قول حسن لم أقله
فأنا قلته# .
قال ابن حزم :$ وهذا هو نسبة الكذب إلى رسول الله e ؛ لأنه حكى عنه أنه قال : $ لم أقـله فأنا قلته# فكيف ما لم يقله أيستجيز هذا إلا
كذاب زنديق كافر أحمق(2)؟.
قلت : وفي هذا رد على ما زعمه كذبًا جولدتسيهر من أن المحدثين يقررون $احتجاجًا# مثل حديث $ما قيل من قول حسن فأنا قلته#(3) .
وحسبنا بهذه الطائفة المستشهدة بهذا الحديث أنهم مقرون على أنفسهم، بأنهم كاذبون، وقد صح عن رسول الله e أنه قال : $ من حدث عنى
بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين#(4) أ . هـ .
وعلى فرض صحة الحديث، فلا دلالة فيه على عدم حجية السنة النبوية، فكل ما يدل عليه أنه من أدلة صدق الحديث أن يكون وفق ما جاءت
به الشريعة من المحاسن، فإن جاء على غير ذلك كان دليلاً على كذبه، ونحن نقول بذلك على ما هو مقرر عند المحدثين من علامات وضع
الحديث ، تكذيب الحسن له(5) .
ويقول الحكيم الترمذي(6) في تأويل الحديث: $ قوله e : $ إذا حدثتم عنى بحديث تعرفونه، ولا تنكرونه# فنقول من تكلم بعد الرسول e بشئ
من الحق، وعلى سبيل الهدي؛ فالرسول e سابق إلى ذلك القول وإن لم يكن قد تكلم بذلك اللفظ الذي أتى به من بعده ، فقد أتى الرسول e
بأصله مجملاً كما ثبت في صحيح السنة من حديث ابن مسعور e ؛ أن رسول الله e قال : $ ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به ،
ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه#(1) .
فلذلك قال: $ فصدقوا به قلته أو لم أقله# ، أي إن لم أقله بذلك اللفظ الذي يحدث به عنى فقد قلته بالأصل والأصل مؤد عن الفرع، فجاء
الرسول e بالأصل ، ثم تكلم أصحابه والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين من بعده بالفروع، فإذا كان الكلام معروفًا عن المحققين غير منكر؛
فهو قول الرسول e قاله أو لم يقله ، يجب علينا تصديقه _ وخاصة إذا لم يكن مما يقال من قبل الرأي ولم يرفعوه؛ لأن الأصل قد قاله الرسول
e وأعطاه لنا، وإنما قال ذلك لأصحابه الذين عرفهم بالحق، فإنما يعرف الحق المحق بهم، وهم أولوا الألباب والبصائر(2) رضوان الله عليهم
أجمعين .
أما الشواهد لهذا الحديث وهو متن : $إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم ... إلخ# .
فعلى فرض صحته فلا دلالة فيه على وجوب عرض السنة على العقل، فكل ما يدل عليه التثبيت عند سماع الحديث وخاصة إذا كانت فيه ظلمة
وركاكة ومجازفات باردة لا يقول مثلها النبي وهذا ما قرره المحدثون، وجعلوه من دلائل الوضع في الحديث وإن صح سنده(3) .
وفي ذلك يقول ابن الجوزي : $واعلم أن الحديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم، وينفر منه قلبه في الغالب# وروى عن الربيع بن خثيم(4)
قال : $إن للحديث ضوءًا كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكرة#(1) .
يقول الأستاذ يحيي المعلمي اليماني : $وعلى فرض صحة الخبر، فلا سبيل إلى أن يفهم منه ما تدفعه القواطع، فمن المقطوع به، أن معارف
الناس وآراءهم وأهواءهم تختلف اختلافًا شديدًا ، وأن هناك أحاديث كثيرة، تقبلها قلوب، وتنكرها قلوب. وبهذا يعلم أن ما يعرض للسامع من
قبول واستبشار، أو نفور واستنكار. قد يكون حيث ينبغي ، وقد يكون حيث لاينبغي ، وأنما هذا _ والله أعلم _ إرشاد إلى ما يستقبل به الخير
عند سماعه، وقد يكون منشأ ذلك: أن المنافقين كانوا يرجفون بالمدينة ويشيعون الباطل، فقد يشيعون ما إذا سمعه المسملون، وظنوا صدقه
ارتابوا في الدين، أو ظنوا السوء برسول الله ، فأرشدوا إلى ما يدفع عنهم بادرة الارتياب، وظن السوء ، ومع العلم بأن بادى الظن ليس بحجة
شرعية، عليهم النظر والتدبر، والأخذ بالحجج المعروفة(2) .
وبعـــد
فهذا قول أهل العلم في حديث: $إذا حدثتم عني بحديث تعرفونه ولا تنكرونه ... إلخ# وشواهده وتبين لنا أنه لا حجة فيه لأعداء السنة وفي
منهجهم بعرض السنة على العقل حيث الحكم عليها بالقبول أو الرفض .
ونقول أيضًا في بيان تهافت وبطلان شبهة: $عرض السنة على العقل# سائلين القائلين بها :
l أيهما الحاكم على الآخر النقل أم العقل ؟
l ما أراد بالعقل الصريح الذي ترددونه؟ وما حدوده؟ وما مدى الاتفاق عليه؟
l وهل يتعارض النقل مع العقل؟ وإذا تعرضا فأيهما أحق التقديم؟
وأخيرًا هل أهمل المحدثون _ حقًا _ العقل في قبولهم للحديث وتصحيحه كما تدعون؟
الجــــواب
إننا إذا نظرنا في كتب الأصول نجد الإجابة على السؤال الأول أيهما الحاكم على الآخر النقل أم العقل ؟
فعند أهل الأصول العلم بالأحكام (الحكم ، والحاكم، والمحكوم عليه، والمحكوم فيه) هو القطب الأول من الأقطاب الأربعة التى تندرج تحتها أصول
الفقه، من هنا كان لابد من تعريف الحكم حيث له تعلق بالحاكم، والمحكوم عليه، والمحكوم فيه .
فنقول : الحكم لغة : المنع والصرف، ومنه الحكمة للحديدة التى في اللجام، وبمعنى الإحكام ، ومنه الحكيم في صفاته سبحانه(1) .
وفي الاصطلاح : على المختار من قول الآمدي قال هو : $خطاب الشارع المفيد فائدة شرعية#(2) وإذا تبين أن الحكم (خطاب الشارع) علم أنه
لا حاكم على المكلفين سوى الله U ولا حكم إلا ما حكم به U {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون}(3) وهذا بإجماع الأمة سوى من شذ
من المعتزلة ، حيث حكموا العقل وجعلوه حاكمًا .
وأنكر ذلك شارح مسلم الثبوت وقال :$ إن هذا مما لايجترئ عليه أحد ممن يدعى الإسلام، بل إنما يقولون : $إن العقل معرف لبعض الأحكام
الإلهية سواء ورد به الشرع أم لا . وهذا مأثور عن أكابر مشايخنا أيضًا(4) .
والجمهور من الأصوليين، والمحدثين، والفقهاء، على خلاف ما ذهب إليه العلامة ابن عبد الشكور(5) ؛ حيث أثبتوا أن المعتزلة حكموا
عقولهم، وجعلوها حاكمة لا محكومة بحكم خالقها .
ولهذا فرع علماء الأصول على مسئلة ( أنه لا حاكم سوى الله، ولا حكم إلا ما حكم به) فرعوا على ذلك خلافًا للمعتزلة : $أن العقل لايحسن
ولايقبح ، ولا يوجب شكر المنعم، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع#(1) .
ثم إن الله U جعل العقول في إدراكها حدًا تنتهى إليه لا تتعداه، ولم يجعل لها سبيلا إلى الإدراك في كل مطلوب، ولو كانت كذلك لاستوت مع
الباري U في إدراك جميع ما كان ، وما يكون، وما لايكون، إذا لو كان كيف يكون .
فمعلومات الله لا تنتاهي ، ومعلومات العبد متناهية، والمتناهي لا يساوى ما لايتناهي، وهذا قول ابن خلدون(2) : $واعلم أن الشارع أعرف
بمصالح ديننا وطرق سعادتنا ؛ لاطلاعه على ما وراء الحس، والعقل يقف عاجزًا عن إدراك عالم ما وراء الطبيعة ، ولا تثقن بما يزعم لك
الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها، والوقوف على تفصيل الوجود كله، وسفه رأيه في ذلك ، وأعلم أن الوجود منحصر في
مداركه لايعدوها(3) .
ويقول الشاطبي مبطلا زعم من قال : إن مصالح الدنيا تدرك بالعقل في قوله : $إن مصالح الدار الآخرة ومفاسدها لا تعرف إلا بالشرع . وأما
الدنيوية فتعرف بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات# .
ويقول الشاطبي ردًا : $أما إن ما يتعلق بالآخرة لا يعرف إلا بالشرع فكما قال، وأما ما قال في الدنيوية فليس كما قال من كل وجه، بل ذلك من
بعض الوجوه دون بعض . ولذلك لما جاء الشرع بعد زمان فترة ، تبين به ما كان عليه أهل الفترة من انحراف الأحوال عن الاستقامة،
وخروجهم عن مقتضى العدل في الأحكام ومن أجل(1) الآية 7 من سورة الحشر .
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة t : البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب النكاح، باب لاتنكح المرأة على عمتها 9/ 64 رقم 5109،
ومسلم (بشرح النووي) كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح 5/ 205 رقم 1408.
(3) الآية 23 من سورة النساء .
(4) البحر المحيط للزركشي 1/ 181 _ 184 ، والإحكام للآمدي 1/ 92 ، وأصول الفقه للخضري ص 39 .
(5) الإحكام للآمدي 1/ 106 .
(6) أصول الفقه للخضري ص 54، وانظر: أصول الفقه للشيخ خلاف ص 111.
(1) الإحكام للآمدي 1/ 111 .
(2) البحر المحيط للزركشي 1/ 284 .
(3) متفق عليه من حديث طلحة بن عبيد الله t البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإٍلام 1/ 130رقم 46، ومسلم (
بشرح النووى) كتاب الإيمان ، باب بيان الصلوات التى هي أحد أركان الإسلام 1/ 198 رقم 11 .
(4) أصول الفقه الحضرى ص 60، وانظر : أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ص 115 .
(5) الإحكام للآمدى 1/ 115.
(6) البحر المحيط للزركشى 1 / 276.
(7) الآية 101 من سورة النساء .
(8) حمزة بن عمر الأسلمى : صحابي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 1/ 375 رقم 542 ، واسد الغابة 2/ 71 رقم 1252 ، وتاريخ
الصحابة ص 67 رقم 233 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 22 رقم 51، والإصابة 1/ 354 رقم 1837 .
(9) متفق عليه من حديث عائشة _ رضى الله عنها _ البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الصوم، باب الصوم في السفر والإفطار 4/ 211 رقم
1943 ، ومسلم (بشرح النووي) كتاب الصوم، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر 4/ 253 رقم 1121 .
(1) الآية 21 من سورة الأحزاب ، وانظر : التعريفات للجرجاني ص 161 ، 162 .
(2) راجع : ص 224، 225.
(3) أخرجه الخطيب في الكفاية ص 603، وانظر : مفتاح الجنة في الاحتجاج بالنسة ص 38 .
(1) انظر: تقريب التهذيب 1/ 433 رقم 2902، والكاشف 1/ 499 رقم 2364، والمجروحين 1/ 369، والضعفاء والمتروكين للنسائي ص
136 رقم 314 ، والضعفاء لأبي زرعة الرازي 2/ 627 رقم 154، وخلاصة تهذيب الكمال ص 172 .
(2) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالنسة ص 39 .
(3) قال الإمام فخر الدين الرازي في المحصول : $والدليل القاطع ضربان : عقلي، وسمعي فإن كان المعارض عقليًا نظرنا فإن كان خبر
الواحد قابلاً للتأويل كيف كان أولناه فلم نحكم بردة # انظر: المحصول في أصول الفقه 2/ 210 .
(4) انظر: إرشاد الفحول 2/ 369 _ 408 ، والمحصول في أصول الفقه 2/ 434 _ 488، والإحكام للآمدي 4/ 206 ، والموافقات للشاطبي
4/ 640 ، والمستصفى للغزالي 2/ 392 ، والإبهاج في شرح المنهاج 3/ 208 ، والبحر المحيط 6/ 108 _ 194 ، والمعتمد في أصول
الفقه 2/ 176 _ 178، وأصول السرخسي 2/ 145، 249، وفتح المغيث للعراقي ص 337 _ 339 ، وتدريب الراوي 2/ 198 _ 203 ،
والاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي ص 59 _ 90، وانظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 172، 173 .
(5) الاعتصام باب في مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1/ 200 ، 201، وانظر : الإحكام لابن حزم 1/ 161 .
(1) المعتمد في أصول الفقه 2/ 176، 188، وانظر : الإحكام للآمدي 4/ 221، والبحر المحيط 6/ 115، والمسودة في أصول الفقه لآل
تيمية ص 449 .
(2) نزهة النظر ص 35 ، وانظر: فتح المغيث للسخاوي 3/ 73 ، وتدريب الراوي 2/ 202 .
(3) الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 209، وفتح المغيث السخاوي 3/ 73، وانظر: المصادر السابقة نفس الأماكن.
(4) الاعتصام باب في مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1/ 199 .
(5) مائة سؤال في الإسلام 1/ 244، وانظر: المكانة العلمية لعبد الرازق في الحديث النبوي لفضيلة الأستاذ= =الدكتور إسماعيل الدفتار 2/
626 مبحث (حقيقة التعارض إنما هي في الفهم) . ومختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين للدكتور نافذ حسين حماد ص 125 _ 188 .
(1) علوم الحديث لابن الصلاح ص 173، وتدريب الراوي 2/ 196، وفتح المغيث للعراقي ص 336، وفتح المغيث للسخاوي 3/ 71 .
(2) الآية 157 من سورة الأعراف .
(3) سيأتى تخريجه ص 451، وانظر: أمثلة أخرى عل ما اعترضوا عليه من الأحاديث الصحيحة لمخالفتها في نظرهم القرآن الكريم، ولا
مخالفة في الحقيقة في الباب الثالث، حديث رؤية الله U .
(4) أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/ 200 رقم 4605 ، والترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن يقال
عند حديث النبي e 5/ 36 رقم 2663 ، وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في المقدمة ، باب تعظيم حديث رسول الله e
والتغليظ على من عارضه 1/ 20 رقم 13 من حديث أبى رافع t .
(1) انظر: الإحكام في أصول الأحكام 2/ 215، 216 بتصرف، وانظر : البرهان في علوم القرآن للزركشي فصل $الأحاديث النبوية وربطها
بالقرآن# 2/127 .
(2) الإحكام في أصول الأحكام 1/ 161 .
(1) مختصر الصواعق المرسلة 1/ 121 .
(2) ابن أبى العز: هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم السلمي الشافعي أبو محمد، أحد الأئمة الأعلام، الملقب بسلطان العلماء، من
مصنفاته : قواعد الأحكام في مصالح الأنام، والإلمام في أدلة الأحكام ، والتفسير الكبير، مات سنة 660هـ . له ترجمة في : طبقات المفسرين
للداودي 1/ 315 رقم 288 ، والبداية والنهاية 13 / 335 ، شذرات الذهب 5/ 301، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 2/ 873 رقم
10، وذيل طبقات الفقهاء للشافعيين للعبّادي ص 36.
(3) شرح العقيدة الطحاوية 2/ 80 .
(1) الاعتصام 1/ 186، 187، 2/ 589.
(2) أضواء على السنة ص 19، 143 .
(3) إعادة تقييم الحديث ص 59 .
(4) حقيقة الحجاب وحجية الحديث ص 91 ، 92.
(5) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص 726 .
(6) تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 659 .
(7) السنة ودورها في الفقه الجديد ص 86، 161، وانظر: كتابه الإسلام والعقلانية ص 38 وما بعدها .
(8) نقد الخطاب الديني ص 101 ، 103، 131، 132، وانظر له مفهوم النص ص 28.
(9) أخرجه الدارقطني في سننه كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك باب، كتاب عمر t إلى أبى موسى الأشعري 4/ 208 رقمي 18، 19،
والحكيم الترمذي في نوادر الأصول الأصل الرابع والأربعون فيما يعدونه صدق الحديث 1/ 357 واللفظ له . وأخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير
1/ 32، 33 رقم 14، والخطيب في تاريخه 11/ 311 رقم 6268 ، والبخاري في تاريخه 3/ 473 رقم 1585 .
(10) الأم كتاب سير الأوزاعي ، باب سهم الفارس الراجل وتفضيل الخيل 7/ 339 .
(11) مجلة المنار المجلد 9/ 522 .
(12) الأصلان العظيمان ص 231 .
(1) هو : محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبى ذئب القرشي العامري، أبو الحارث ، المدني، أحد الأعلام، ثقة فقيه فاضل. مات 158هـ .
وقيل 159 هـ . له ترجمة في: تقريب التهذيب 2/ 105 رقم 6102، والكاشف 2/ 194 رقم 5001 والثقات لابن شاهين ص 278 رقم
1140، والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني 2/ 444 رقم 1695.
(2) هو : يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، أبو زكريا ، مولى بني أمية، أحد أعلام ثقة حافظ فاضل مات سنة 203هـ . له ترجمة في :
تقريب التهذيب 2/ 296 رقم 7523 ، والكاشف 2/ 360 رقم 6124، والثقات للعجلي 468 رقم 1789 ، والتعريف برواة مسند الشاميين
للدكتور على جماز ص 463 رقم 874.
(3) انظر: مفتاج الجنة في الاحتجاج بالسنة ص 39 .
(4) التاريخ الكبير 3/ 474 رقم 1585 ترجمة سعيد المقبري .
(5) العلل لابن أبى حاتم 2/ 310 .
(6) الضعفاء الكبير 1/ 32 ، 33 رقم 14 .
(1) الموضوعات 1/ 257، 258 .
(2) النكت البديعات على الموضوعات ص 48 رقم 23 .
(3) اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/ 213 .
(4) تنزيه الشريعة 1/ 264 .
(5) راجع : ص 221 .
(6) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/ 366 .
(7) المصدر السابق 2/ 367، 483 .
(8) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة 279 هامش؛ والكاشف 2/ 317 رقم 5802، والتقريب 2/ 241 رقم 7126، وتهذيب
التهذيب 10/ 419 رقم 758، ولسان الميزان 7/ 409 رقم 5015 وميزان الاعتدال 4/ 246 رقم 9017 ، والجرح والتعديل 8/ 493 رقم
2263 ، والمغنى 2/ 694 ، والضعفاء لابن نعيم ص 153 رقم 254، والضعفاء والمتروكين ص 235 رقم 618.
(9) نهاية الاغتباط بمن رمى من الرواة بالاختلاط ص 132 رقم 40 .
(10) الحافظ الهيثمي هو : على بن أبى بكر بن سليمان، نور الدين أبو الحسن ، إمام حافظ، رافق الحافظ العراقي في السماع، سمع جميع ما
سمعه، من مصنفاته مجمع الزوائد، وبغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، وغير ذلك، مات سنة 807هـ . له ترجمة في :طبقات الحافظ
للسيوطي ص 545 رقم 1178، وأنباء الغمر 2/ 307، وشذرات الذهب 7/ 70، والأعلام 4/ 266.
(11) مجمع الزوائد 1/ 154 .
(1) اخرجه ابن ماجة في سننه المقدمة ، باب تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه 1/ 23 رقم 21.
(2) الفوائد المجموعة ص 279 هامش، وانظر: في ترجمة عبد الله المقبري، الكاشف 1/ 558 رقم 2752، والتقريب 1/ 497 رقم 3367
، وتهذيب التهذيب 5/ 237 رقم 412، وميزان الاعتدال 2/ 429 رقم 4353، ولسان الميزان 7/ 263 رقم 3532 ، والجرح والتعديل 5/
71 رقم 336، والمغنى 1/ 340، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص 199، والضعفاء والمتروكين ص 152 رقم 360.
(3) أخرجه أحمد في مسنده 33/ 497، 5/ 425 ، وأخرجه البزار (كشف الأستار) 1/ 105 ، وقال البزار لا نعلمه يروى من وجه أحسن من
هذا، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 149، 150، رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح .
(4) التاريخ الكبير 5/ 514 رقم 1349 .
(5) مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة ص 41.
(6) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني ص 281، 282 هامش .
(1) المصدر السابق ص 281 .
(2) أخرجه ابن حزم في الإحكام 2/ 213 بسند فيه اشعث بن بزار، وقال فيه: كذاب ساقط لا يؤخذ حديثه، وبسند آخر فيه الحارث والعرزمي
وعبد الله بن سعيد، وضعف الأولين وقال في الثالث كذاب مشهور. وانظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ص 39 ، 40 .
(3) العقيدة والشريعة في الإسلام ص 55.
(4) سبق تخريجه ص 40 .
(5) المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم الجوزرية ص 51، وانظر: السنة ومكانتها في التشريع للدكتور السباعي ص 164 .
(6) الحكيم الترمذي هو : الإمام أبو عبد الله محمد بن على بن الحسن، الزاهد، الواعظ، المؤذن، صاحب التصانيف النافعة، منها نوادر الأصول
في معرفة أحاديث الرسول ، والرد على المعطلة ، وختم الأولياء عاش إلى= =حدود 320هـ . له ترجمة في : تذكرة الحفاظ 2/ 645 رقم
668، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 286 رقم 642، ولسان الميزان لابن حجر 5/ 308، رقم 1033، وطبقات الشافعية لابن السبكي 2/
145، وتاريخ بغداد 11/ 373رقم 6226.
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب البيوع 2/ 5 رقم 2136، وسكت عنه هو والذهبي، وأخرجه من حديث جابر، وصححه على شرط
الشيخين وأقره الذهبي، ومن وجه آخر عن جابر وصححه الذهبي على شرط مسلم.
(2) نوادر الأصول ، الأصل الرابع والأربعون فيما يعدونه صدق الحديث 1/ 360، 361.
(3) المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم الجوزية ص 50 رقم 53 .
(4) الربيع بن خثيم: بضم المعجمة وفتح المثلثة، ابن عائد بن عبد الله الثوري، أبو يزيد الكوفي، ثقة عابد مخضرم= =رباني حجة، قال له ابن
مسعود: لو رآك رسول الله e لأحبك ، مات سنة 63هـ . له ترجمة في : تقريب التهذيب 1/ 294 رقم 1893، والكاشف 1/ 391 رقم
1529، والثقات لابن حبان 4/ 224، والثقات للعجلي ص 154 رقم 419 والثقات لابن شاهين ص 126 رقم 339، ومشاهير علماء
الأمصار ص 125 رقم 737 .
(1) الموضوعات لابن الجوزي 1/ 103 ، والكفاية ص 605 .
(2) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني ص 282 هامش .
(1) البحر المحيط للزركشي 1/ 117 .
(2) الإحكام للآمدي 1/ 90 .
(3) الآية 50 من سورة المائدة .
(4) لفواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1/ 25 .
(5) ابن عبد الشكور: هو محب الله بن عبد الشكور البهاري الهندي، الفقيه الحفنى الأصولى المنطقي، توفي سنة 1119هـ . له ترجمة في
الفتح المبين عبد الله المراغي 3/ 122، وأصول الفقه تاريخه ورجاله للدكتور شعبان إسماعيل ص 507 ، 508 .
(1) انظر: تفصيل ذلك في المستصفى للغزالي 1/ 8 ، والإحكام للآمدى 1/ 76 _ 90 ، والإبهاج في شرح المنهاج 1/ 43 ، 135، وإرشاد
الفحول 1/ 56 ، وأصول الفقه للخضري ص 23، 24 .
(2) ابن خلدون : هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون، أبو زيد، الفيلسوف المؤرخ العالم البحاثة، ولي قضاء المالكية بمصر، اشتهر
بكتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر# مات سنة 808هـ . له ترجمة في : الضوء اللامع 4/ 145 رقم 378
، والأعلام 3/ 330.
(3) المقدمة الفصل العاشر في علم الكلام ص 508، وانظر: الإسلام على مفترق الطرق الأستاذ محمد أسد ص 100 وما بعدها .


(7)

هذا القصور في تلك العقول وقع الإعذار والإنذار كما قال U : {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُـــــونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}(1).
ولو كان الأمر على ما قال بإطلاق ، لم يحتج في الشرع إلا إلى بث مصالح الدار الآخرة، خاصة وذلك لم يكن، وإنما جاء بما يقيم أمر الدنيا
والآخرة معًا ، وإن كان قصده بإقامة الدنيا والآخرة، فليس بخارج عن كونه قاصدًا لإقامة مصالح الدنيا، حتى يتأتى فيها سلوك طريق الآخرة،
وقد بث في ذلك من التصرفات ، وحسم من أوجه الفساد التى كانت جارية، ما لا مزيد عليه .
فالعادة تحيل استقلال العقول في الدنيا بإدراك مصالحها ومفاسدها على التفصيل، اللهم إلا أن يريد هذا القائل أن المعرفة بها تحصل بالتجارب
وغيرها، بعد وضع الشرع أصولها فذلك لا نزاع فيه#(2) .
ومن هنا وجب أن يقدم ما حقه التقديم _ وهو الشرع _ ويؤخر ما حقه التأخير وهو نظر العقل؛ لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكمًا على الكامل؛
ولأنه خلاف المعقول والمنقول ، ولذلك قال : اجعل الشرع في يمينك والعقل في يسارك، تنبيها على تقدم الشرع على العقل(3) .
ومن قدم العقل على الشرع لزمه القدح في العقل نفسه؛ لأن العقل قد شهد للشرع والوحي بأنه أعلم منه، فلو قدم عليه؛ لكان ذلك قدحًا في
شهادته، وإذا بطلت شهادته؛ بطل قبول قوله، بل إن من قدم العقل على الشرع؛ لزمه القدح في الشرع أيضًا .
يقول الإمام الشاطبي :
أولاً : $إنه لو جاز للعقل تخطي مأخذ النقل، لم يكن الحد الذي حده النقل فائدة، لأن الفرض أنه حد له حدًا ، فإذا جاز تعديه صار الحد غير مفيد،
وذلك في الشريعة باطل، فما أدى إليه مثله .
ثانيًا: ما تبين في علم الكلام والأصول، من أن العقل لايحسن ولا يقبح، ولو فرضناه متعديًا لماحده الشرع، ولكان محسنًا ومقبحًا ، وهذا خلف .
ثالثًا : أنه لو قدم العقل على النقل؛ لجاز إبطال الشريعة بالعقل، وهذا محال باطل.
وبيان ذلك : أن معنى الشريعة أنها تحد للمكلفين حدودًا في أفعالهم ، وأقوالهم، واعتقاداتهم وهو جملة ما تضمنته. فإن جاز للعقل تعدى حد
واحد، جاز له تعدى جميع الحدود؛ لأن ما ثبت للشيء ثبت لمثله ، وتعدى حد واحد هو بمعنى إبطاله ، أي ليس هذا الحد بصحيح، وإن جاز
إبطال واحد، جاز إبطال السائر، وهذا لايقول به أحد، لظهور محاله#(1) فكان تقديم العقل على النقل _ لا لشئ إلا لأنه عقل _ يتضمن القدح في
العقل والنقل _ كما مر وهذا ظاهر لا خفاء فيه .
ويقول الدكتور السباعي _ رحمه الله تعالى _ : ولننظر إلى المسألة من ناحة أخرى. ولنفرض أن تحكيم العقل في الأحاديث هو الصواب ، فنحن
نسأل: أي عقل هذا الذي تريدون أن تحكموه؟
أعقل الفلاسفة ؟ إنهم مختلفون، وما من متأخر منهم إلا وهو ينقض قول من سبقه.
أعقل الأدباء؟ إنه ليس من شأنهم ، فإن عنايتهم _ عفا الله عنهم _ بالنوادر والحكايات .
أعقل علماء الطب، أم الهندسة ، أم الرياضيات ؟ مالهم ولهذا؟
أعقل المحدثين؟ إنه لم يعجبكم ، بل إنكم تهمونه بالغباوة والبساطة .
أعقل الفقهاء؟ إنهم مذاهب متعددة، وعقليتهم _ في رأيكم _ لعقلية المحدثين .
أعقل الملحدين؟ إنهم يرون أن إيمانكم بوجود الله ، جهل منكم وخرافة .
أعقل المؤمنين بوجود الله ؟ فنحن نسألكم : عقل أي مذهب من مذاهبهم ترتضون؟
أعقل أهل السنة والجماعة؟ هذا لا يرضى الشيعة، ولا المعتزلة .
أم عقل المعتزلة ؟ إنه لا يرضى جمهور طوائف المسلمين فأي عقل ترتضون(2) ؟
فمجرد الاتفاق على طبيعة العقل الحاكم غير واردة .
يقول ابن قيم الجوزية: $فإن قالوا : إنما تقدم العقل الصريح الذي لم يختلف فيه اثنان على نصوص الأنبياء فقد رموا الأنبياء بما هم أبعد الخلق
منه، وهو أنهم جاءوا بما يخالف العقل الصريح هذا وقد شهد الله وكفى بالله شهيدا، وشهد بشهادته الملائكة وأولوا العلم؛ أن طريقة الرسول e
هي الطريقة البرهانية للحكمة كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُم}(1) . وقال تعالى : {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم}(2) فالطريقة البرهانية هي الواردة بالوحي كتابًا وسنة معظمة للرشد داعية إلي الخير ، والطريقة العقلية _ التقليدية
التخمينية هي المأخوذة من رجل _ من يونان _ وضع بعقله قانونا من مقدمتين ونتيجة _ يصحح بزعمه علوم الخلائق وعقولهم، فلم يستفد به
عاقل تصحيح مسألة واحدة في شئ من علوم بنى آدم، بل ما وزن به علم إلا أفسده، وما برع فيه أحد إلا انسلخ من حقائق الإيمان كانسلاخ
القميص عن الإنسان(3) .
ونقول لمن حكموا عقولهم في شرع الله U ، وقدموها عليه: إن تحكيم العقل وهو مخلوق في خالقه بحيث يقولون : يجب عليه بعثه الرسل،
ويجب عليه الصلاح والأصلح، ويجب عليه اللطف، ويجب عليه كذا، وكيف يجوز هذا في حق الله U مما ورد في صفاته وأسمائه جل جلاله _
في كتابه العزيز وسنة نبيه المطهرة؟ وكيف المعجزة؟ وكيف اليوم الآخر ، وما فيه من حساب، وعقاب، وجنة، ونار، وميزان، وصراط،
وشفاعة...؟ إلى آخر ما ينطق به في تلك الأشياء (الإلهيات والنبوات والمعجزات للأنبياء والسمعيات الغيبية) .
نقول: إن قولكم بعقولكم في تلك الأمور _ اعتراضًا _ هذا يجب، هذا يستحيل، كيف هذا . هذا منكم اجتراء على الله U ، وعلى عظمته جل
جلاله ، واعتراض على حكمه وشرعه الحكيم، وتقديم بين يدي الله ورسوله، ومن أجل البارى وعظمه وعظم حكمه وشرعه، لم يجترئ على
ذلك، فلله U الحجة البالغة والحكمة الكاملة، ولا معقب لحكمه ؛ فوجب الوقوف مع قوله تعالى : {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ
أَجْمَعِين}(1) . وقوله تعالى : {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون}(2) . وقوله تعالى : {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِه}(3). ويكفيك في فساد عقل
معارض الوحي قرآنًا وسنة اجتراءه على عصمة ربه U .
فكيف نجعل العقل حاكمًا على شرعه $كتابًا وسنة# ، ونقدمه عليه بعد كل هذا، وكيف نتصور أن الشارع الحكيم يشرع شيئًا يتناقض مع
العقول المحكومة بشرعه الحنيف.
يقول الدكتور السباعي : $من المقرر في الإسلام أنه ليس فيه ما يرفضه العقل، ويحكم باستحالته ولكن فيه _ كما في كل رسالة سماوية _
أمور قد $يستغربها# العقل ولا يستطيع أن يتصورها(4) في (الإلهيات والنبوات والمعجزات والسمعيات) فتلك الأمور فوق نطاق العقل وإدراكه،
وقد يحصل الغلط في فهمها فيفهم منها ما يخالف صريح العقل، فيقع التعارض بين ما فهم من النقل وبين ما اقتضاه صريح العقل، فهذا
لايدفع(5) .
يقول ابن خلدون :$ لأن هذه العقائد متلقاة من الشريعة كما نقلها السلف من غير رجوع فيها إلى العقل ولا تعديل عليه ...، فإذا هدانا الشارع
إلى مدرك؛ فينبغي أن نقدمه على مداركنا، ونثق به دونها ، ولا ننظر في تصحيحه بمدارك العقل ولو عارضه، بل نعتمد ما أمرنا به اعتقادًا
وعلمًا ، عما لم نفهم من ذلك ونفوضه إلى الشارع، ونعزل العقل عنه#(6) .
ويقول في موضع آخر: $وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه، بل العقل ميزان صحيح؛ فأحكامه يقينية، لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن
به أمور التوحيد والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائق الإلهية ، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال... ، ومن يقدم العقل على السمع في
أمثال هذا القضايا، فذلك لقصور في فهمه، واضمحلال رأيه، وقد تبين لك الحق من ذلك#(1) .
وفي ذلك يقول ابن قيم الجوزية : $ إن ما علم بصريح العقل الذي لا يختلف فيه العقلاء؛ لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة . ومن تأمل ذلك
فيما تنازع العقلاء فيه من المسائل الكبار؛ وجد ما خالف النصوص الصريحة الصحيحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت
نقيضها . فتأمل ذلك في مسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد؛ تجد ما يدل عليه صريح العقل، ونحن نعلم قطعا أن الرسل
لايخبرون بمحالات العقول، وإن أخبروا بمجازات العقول فلا يخبرون بما يحيله العقل(2) .
ونختم قضية التعارض بين العقل والنقل بسؤال افترضه الإمام يحيي بن الحسين القاسم الرسي العلم الثاني من علمى الأئمة الزيدية (ت 298
هـ) قال : $فإن قيل: هل يجوز أن تتضاد حجج الله وتختلف، فما تثبته حجة العقل تبطلها حجة الكتاب والسنة، وما تثبته حجة الكتاب والسنة
تبطلها حجة العقل؟
فإن قال : نعم .ويكون ذلك ويوجد، استغنى عن مناظرته بجهله، واستدل على كفره بذلك، وخالف الخلق أجمعين، وقال بما لم يقل به أحد من
العالمين، وافتضح عند نفسه فلا عن غيره ؛ لأنه يزعم أن حجج الله تتناقض وتتضاد، وما تناقض وتضاد فليس بحجة الله على العباد ....، ولو
تناقضت حججه، لبطلت فرائضه ، ولو بطلت فرائضه ؛ لبطل معنى إرساله للرسل....، فبان بحمد الله، لكل ذي عقل وفهم وتمميز أن من قال
بتناقض حجج الرحمن غير عارف به ولا مقر به، ومن لم يعرف الله جل جلاله فلم يعبده، ومن لم يعبده فقد عبد غيره ومن عبد غيره؛ فهو من
الكافرين، ومن كان الكافرين فقد خرج بحمد الله من حد المؤمنين، فنعوذ بالله من الجهل والعمى ونسأله الزيادة في الرحمة والهدي#(3) .
يقول الإمام البيهقي : $ وعلى الأحوال كلها حديث رسول الله e الثابت عنه : قريب من العقول موافق للأصول، لا ينكره عقل من عقل عن الله
الموضع الذي وضع به رسول الله e ، من دينه، وما افترض على الناس من طاعته، ولا ينفر منه قلب من اعتقد بتصديقه فيما قال واتباعه
فيماحكم به، وكما هو جميل حسن من حيث الشرع، جميل في الأخلاق حسن عند أولى الألباب(1) .
وأخيرًا هل أهمل المتحدثون _ حقًا _ العقل في قبولهم للحديث وتصحيحه كما زعم أعداء السنة النبوية المطهرة؟
هذا السؤال أجاب عنه الشيخ عبد الرحمن المعلمي _ رحمه الله تعالى _ في كتابه الأنوار الكاشفة بقوله : $كلا ، راعوا ذلك في أربعة مواطن
: أولاً: عند السماع ، ثانيًا : عند التحديث ، ثالثًا : عند الحكم على الرواة، رابعًا: عند الحكم على الحديث.
أولاً : أما مراعاة المحدثين للعقل في قبول الحديث ورده عند السماع: فيبدو ذلك واضحًا في اعتمادهم صحة سماع الصبي متى كان مميزًا فاهمًا
للخطاب ورد الجواب، سواء كان ابن خمس، أو أقل، وروى ذلك بعد بلوغه الحلم، ومتى لم يكن العقل فهم الخطاب ، ورد الجواب لم يصح
سماعه حتى قال ابن الصلاح(2): وإن كان ابن خمسين سنة(3) .
ويقول المعلمي في شرح ذلك $فالمثبتون إذا سمعوا خبرًا تمتنع صحته أو تبعد ، لم يكتبوه ولم يحفظوه ، فإذا حفظوه لم يحدثوا به ، فإن ظهرت
مصلحة لذكرة، ذكروه مع القدح فيه وفي الرواي الذي عليه تبعته(4) .
ويقول الأستاذ أبو غدة _ رحمه الله تعالى _ : المراد بمراعاة العقل عند السماع، فحص التلميذ الواعي وانتباهه لحال الشيخ الرواي، الذي يريد
أن يتلقى عنه، قبل سماعه منه، فإذا وجه سيئ الحفظ ، أو مضطربًا في الحديث أو شديد التدليس عند التحديث ، أو يروى الواهيات، أو
المنكرات، أو يسوق الموضوعات والخرافات، أو يقلب الأسانيد أو المتون ، أو صاحب بدعة تتصل بحديثه، أو لا تتصل: أعرض عن التحمل
عنه، والسماع منه . وكانوا يوغلون ، ويدققون جدًا في البحث عن الشيخ والكشف عن حاله قبل الأخذ عنه، حتى يقال لهم: أتريدون أن
تزوجوه؟ روى الخطيب في الكفاية بسنده إلى : $شاذان الأسود بن عامر _ قال : سمعت الحسن بن صالح يقول : كنا إذا أردنا أن نكتب عن
الرجل سألنا عنه حتى يقال لنا : أتريدون أن تزوجوة؟ #(1) .
وكثير من طلبة الحديث كانوا لايكتبون عن أحد حتى يسألوه عنه أئمة الشأن الذين يعرفون الرواة ، ومن يجوز أن يكتب عنه ، ومن لا يحل
كتب حديثه للاحتجاج أو الاعتبار، فعن أبى العباس بن باذام قال : قال لي والوليد بن مسلم القرشي : وكنت إذا أردت أن آتي الشيخ أسمع منه
شيئًا ، سألت عنه قبل أن آيته الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز، فإذا رأيًا أن أتيه أتيته#(2) ونحو ذلك كثير منتشر في أخبار الراوة
والمحدثين.
وكثيرًا ما كان بعض الطلبة يمتحنون الشيوخ قبل التلقى عنهم، فيقلبون لهم بعض الأسانيد في بعض الأحاديث، ويركبون عليها المتون،
ويسألهم عنها على أنها من أحاديثهم وروايتهم، يفعلون هذا عمدًا: امتحانًا للشيخ قبل السماع منه ، فإن انتبه عرفوا ضبطه ومتانة حفظه
وشدة يقظته ودقة وعيه، وأخذوا عنه، وإن تلقن وأقر : الحديث المقلوب والمغلوط تركوا الرواية عنه .
ومن نماذج مراعاتهم للعقل في قبول الحديث ورده عند السماع.
1_ ما رواه الدارقطنى في سننه عن سفيان بن عيينة قال : دخلت على الحجاج بن أرطاة(3) ، وسمعت كلامه ، فذكر شيئًا أنكرته ، فلم أحمل
عنه شيئًا . وقال يحيى بن سعيد القطان: رأيت الحجاج بن أرطاة بمكة ، فلم أحمل عنه شيئًا #(1) .
2_ وروي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله المبارك(2) ، قال : لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله محرر الجزري
الرمى(3) قاضى الرقة _ لاخترت أن ألقاه ، ثم أدخل الجنة ، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلى منه#(4) .
ثانيًا : وأما مراعاة المحدثين للعقل في قبول الحديث ورده عند الحديث _ لا عند السماع والتحمل، فيبدو ذلك واضحًا في اشتراطهم العدالة،
والضبط في صحة قبولهم للحديث، وتصحيحه .
ومن شروط العدالة بعد الإسلام : البلوغ والعقل ، فلا يقبل حديث غير البالغ على الصحيح(5)، ولا المجنون سواء المطبق والمنقطع إذا أثر في
الإفاقة(6) .
وأما الضبط فيعرف بمدى موافقته لأهل الحفظ، فإن وافقهم غالبًا ، ولو أتى بأنقص لا يتغير به المعنى ، أو في المعنى ؛ فهو ضابط محتج
بحديثه، وإن وافقهم نادرًا ، وكثرت مخالفته لهم والزيادة عليهم فيما أتى به؛ فهو مخطئ مغفل، عديم الضبط، لا يحتج بحديثه، وإلى ذلك أشار
الإمام الشافعي _ رحمه الله تعالى _ فيمن تقوم به الحجة؛ فقال: $إذا شارك أهل الحفظ وافق حديثهم#(1) .
ويقول أيضًا : $ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث، وذلك أن يستدل على
الصدق والكذب فيه، بأن الحديث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالة بالصدق منه#(2) .
وقال الخطيب في الكفاية:$باب وجــوب اطراح المنكر والمستحيل من الأحاديث#(3) يقول الأستاذ عبد الرحمن المعلمي: وفي الرواة جماعة
يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثًا بين البطلان، إلا وجدت في سنده واحدًا أو أثنين أو
جماعة قد جرحهم الأئمة(4) .
يقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة _ رحمه الله تعالى _ : $إن المحدثين الحفاظ المتوسعين في جمع الحديث جرت عادتهم على سماع ما يحدث
به من الأحاديث وما لا يحدث به، لأنه ينفع في وجوه كثيرة من علوم الحديث، ولذلك قالوا وقرروا هذا القاعدة، التى عبر عنها الحفاظ يحيى ين
معين بقوله : $إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش# أى عند تحمل الحديث وتلقيه عن شيوخ الرواية، يجمعون منه ما استطاعوا عن كل شيخ،
ولكن عند تحديثهم يفتشون فيما تحملوه من الأسانيد والمتون، فلا يحدثون إلا بالأسانيد المتصلة بالعدول الثقات الضابطين عن مثلهم، والمتون
الخالية من الشذوذ والعلة .
وما تبين لهم من كذب أو وهم أو بلايا للرواة في الأسانيد، أو الشذوذ ، أو علة في المتنون يمكسون عن التحديث بها، ولا يذكرونها إلا مع
البيان لما في تلك الأسانيد أو المتنون من ضعف وشذوذ، وربما يحرقون هذه الكتب ويقطعونها، وكل هذا تجده مذكورًا في تراجم طائفة كبيرة
من الرواة المجروحين .
ونسوق هنا نموذج من ذلك : جاء في الميزان، وتهذيب التهذيب في ترجمة $خالد بن يزيد بن أبى مالك الدمشقي $قال ابن أبى الحواري#(1) :
سمعت يحيى بن معين يقول: بالشام كتاب ينبغي أن يدفن : $كتاب الديات# لخالد بن يزيد بن أبى مالك . لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب
على الصحابة. قال أحمد بن أبى الحواري. قد كنت سمعت هذا الكتاب من خالد بن يزيد، ثم أعطيته لابن عبدوس العطار، فقطعه وأعطى للناس
فيه الحوائج#(2) .
ثالثًا : وأما مراعاة المحدثين للعقل عند الحكم على الرواة: فهذا يظهر كثيرًا في كتب التراجم، فالأئمة كثيرًا ما يجرحون الراوى بخبر واحد منكر
جاء به فضلاً عن خبرين أو أكثر ، ويقولون : للخبر الذي تمتنع صحته أو تبعد : $منكر# أو $باطل# ، وتجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء،
وكتب العلل والموضوعات والمتثبتون لا يوثقون الراوى حتى يستعرضوا حديثه، وينقدوه حديثًا حديثًا(3) .
رابعًا : وأما مراعاة المحدثين للعقل عند الحكم على متون الأحاديث فهذا واضح في جعلهم من دلائل الوضع في الحديث مخالفته لبدهيات
العقل(4) ، إلا أن ذلك مقيدٌ بعدم إمكان التأويل والمقصود بالتأويل هنا : محاولة التوفيق بين ما ظاهره التعارض بين المنقصول والمعقلو
وبشرط :$ألا يسرح العقل في مجال النظر والتأويل _ وهو يوفق _ إلا بقدر ما يسرحه النقل#(5) .
كما أن العقل مقيد بالمستنير بكتاب الله U ، وسنة نبيه e الثابتة .
وفي ذلك يقول الحكيم الترمذي : $وإنما تعرف، وتنكر العقول التى لها إلى الله سبيل يصل إلى الله ونور الله سراجه والعقل بصيرته ، والحق
خبئته والسكينة طابعه فرجع إلى خلقه والحق عنده أبلج يضئ في قلبه كضوء السراج يقينًا وعلمًا به كما قال ربيع بن خُيثم : $ إن على الحق
نورًا وضوءًا كضوء النهار نعرفه، وإن على الباطل ظلمة كظلمة الليل ننكرة# .
فالمحققون هكذا صفتهم يعرفون الحق والباطل وكذلك وعد الله تعالى المتقين فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا }(1) .
أما العقل المخلط المكب على شهوات الدنيا المحجوب عقله عن الله U فليس هو المغنى بهذا؛ لأن صدره مظلم، فكيف يعرف الحق؟ وإنما شرط
رسول الله e فقال : $إذا جاءكم عنى حديث تعرفونه، ولا تنكرونه#(2) .
قلت : ومما سبق يتبين لنا أن $قاعدة عرض السنة على العقل# في الحكم على السنة النبوية المطهرة، قاعدة مقررة عند المحدثين والفقهاء،
وطبقوها فعلاً في قبولهم للأحاديث وتصحيحها، إلا أنها مقيدة باستحالة التأويل بالجمع بين ما ظاهره التعارض بين النقل وما استغربه العقل
الواقف عند الحدود التى وضعها له خالقه، فلا يحسن إلا ما حسنه الشرع، ولا يقبح إلا ما قبحه الشرع، ولا يقدم حكمه على حكم رب العباد U
.
وأخيرًا : صدق الفاروق عمر t قال : $ ألا إن أصحاب الرأى أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوا فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا، ألا وإنا
نقتدى ولا نبتدى، ونتبع ولا نبتدع، ما نضل ما تمسكنا بالأثر# وفي رواية قال : $إياكم ومجالسة أصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنة، أعيتهم
السنة أن يحفظوها ، ونسوا الأحاديث أن يعوها، وسئلوا عما لا يعلمون، فاستحيوا أن يقولوا لا نعلم، فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا كثيرًا، وضلوا
عن سواء السبيل، إن نبيكم لم يقبضه الله حتى أغناه الله بالوحي عن الرأي، ولو كــان الرأي أولى من السنة، لكان باطن الخفين أولى
بالمسح من ظاهرهما#(3) .
وقال الحافظ ابن عبد البر : $ومن أعف نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردها إلى مبلغ نظره؛ فهو ضال
مضل، ومن جهل كذلك كله أيضًا وتقحم في الفتوى بلا علم ؛ فهو أشد عمى وأضل سبيلاً ... واعلم يا أخي : أن القرآن والسنة هما أصل الرأى
... ومن جهل الأصل لم يصل الفرع أبدًا#(1) أ. هـ .
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم











































المطـــلب الثالث

وفيه الشبه الآتية :
أولاً : شبهة النهى عن كتابة السنة المطهرة والرد عليها .
ثانيًا : شبهة التأخر في تدوين السنة المطهرة والرد عليها.
ثالثًا : شبهة رواية الحديث بالمعنى والرد عليها .
رابعًا : شبهة أن الوضع وكثرة الوضاعين للحديث أضعفت الثقة بالسنة النبوية.
والرد عليها .







أولاً : شبهة النهى عن كتابة السنة المطهرة

وفيما ما يلى :
أ _ استعراض الشبهة وأصحابها والرد عليها بما يلي:
أولاً : ذكر نماذج من الأحاديث والآثار الواردة في النهى عن كتابة السنة النبوية .
ثانيًا : بيان درجة الأحاديث والآثار الواردة في النهى عن كتابة السنة النبوية .
ثالثًا : الجواب عن زعمهم بأن النهى يدل على عدم حجية السنة النبوية .
رابعًا : بيان علة النهى عن كتابة السنة كما وردت في الأحاديث والآثار التى استشهد بها خصوم السنة على شبهتهم .
ب _ بيان علة النهى عن كتابة السنة عند أعدائها والرد على مزاعمهم الآتية :
أولاً : أن النهى عن كتابة السنة المطهرة يدل على أن النبي e وأصحابه t أرادوا ألا يكون مع كتاب الله U كتاب آخر .
ثانيًا : أن النهى يدل على أن النبي e وأصحابه t أرادوا ألا تكون السنة دينًا عامًا دائمًا كالقرآن الكريم .
ثالثًا : أن النهى عن الإكثار من التحديث دليل على أن الصحابة t كانوا يجتهدون في مقابل السنة الشريفة ولا يأخذون بها .
رابعًا : أن النهى عن الإكثار من الرواية يدل على حجية السنة، واتهام على من أبى بكر وعمر t للصحابة بالكذب .






شبهـــة النهــــى عن كتــــابة الســــنة
استعراض الشبهة وأصحابها
تتخلص هذه الشبهة في زعم المستشرقين وذيولهم من أعداء السنة : أن السنة النبوية لو كانت حجة لأمر النبي e بكتابها ، ولعمل الصحابة
والتابعون t أجمعين من بعده على جمعها وتدوينها ، حتى يحصل القطع بثبوتها بكتابتها كما هو الشأن في القرآن الكريم، ولكن الثابت أن النبي
e _ نهى عن كتابتها، وأمر بمحو ما كتب منها، وكذلك فعل الصحابة والتابعون، ولم يقتصر الأمر منهم على ذلك، بل امتنع بعضهم عن
التحديث ، أو قلل منه، ونهى الآخرون عن الإكثار منه .
واستدل بتلك الشبهة بعض غلاة الشيعة حيث ذهبوا إلى عدم صحة النهى عن كتابة السنة النبوية من النبي e ، وسقم قول من يقول بذلك
والذهاب إلى أن النهى عن كتابة السنة والمنع من التحديث بها كان نابعًا من موقف سياسى اتخذه الخليفة أبو بكر ، ثم عمر ، ومن بعده
الخلفاء للحد من نشر فضائل أهل البيت، وتخوفًا من اشتهار أحاديث الرسول e في فضل على وأبنائه ما دل على إمامتهم. مضافًا إلى مساس
هذا التحديث بأصل مشروعية خلافتهم .
وأن روايات منع الكتابة إنما اختلفت في وقت متأخر لتبرير منع الشيخين أبى بكر وعمر_ رضى الله عنهما _ ومن حذا حذوهما .
وعلى أساس هذه الشبهة بنى على الشهرستاني(1) كتابه $منع تدوين الحديث أسباب ونتائج#(2) ، وكذا مرتضى العسكري(3) في كتابه (
معالم المدرستين)(4) ، وزكريا عباس داود(5) في كتابه $تأملات في الحديث عند السنة والشيعة(6) ، ومروان خليفات(1) في كتابه (وركبت
السفينة)(2) وغيرهم من أعداء السنة(3) .
واتفق المستشرقون مع الشيعة في عدم صحة النهى عن كتابة السنة في أول الأمر في عهد النبوة المباركة، بناءً على رأيهم في السنة النبوية
بأنها وضعت على النبي e ونسبت إليه، مما هي إلا نتيجة للتطور الديني، والسياسي، والاجتماعي للمسلمين(4) .
وقد تزعم هذه الفرية صنمهم الأكبر $جولدتسيهر# ، والذي ذهب إلى أن الأحاديث الواردة في النهى عن كتابة السنة، والأحاديث الأخرى التى
تحث على كتابتها ، ما هي إلا أثر من آثار تسابق أهل الحديث في جانب وأهل الرأى في جانب آخر، إلى وضع الأقوال المؤيدة لنزعيتهم
المتناقضتين . فأهل الحديث يذهبون إلى كتابة السنة؛ لتكون دليلاً على صحتها والاحتجاج بها . فيقول : $ إن الجميع متفقون على أنه لا يمكن
إنكار أن تدوين الأحاديث كان له خصوم، وهذه الكراهية للكتابة لم تكن موجودة منذ البداية، ولكنها نشأت بسبب التحامل الذي ظهر فيما بعد(5)
ويقول في موضع آخر: $ وفي هذا الموضوع هنالك مجموعتان من الآراء في حالة تناقض، ولكي نبين ذلك لابد لنا من الرجوع إلى حقب
زمنية مبكرة من هذا النزاع .
وللفريقين آراؤهما الخاصة، وقد سيقت في صورة أحاديث نبوية، فيروى أحد الفريقين قول النبي e : $لا تكتبوا عنى شيئًا سوى القرآن، ومن
كتب شيئًا فليمحه#(6) بينما يروى ابن جريج من الفريق الثاني حديثًا عن ابن عمرو؛ أنه سأل النبي e : $هل أقيد العلم؟# فوافقه النبي e على
ذلك، وعندما سئل عن معنى تقييده أجاب بأنها الكتابة(7)

.(1) الآية 165 من سورة النساء .
(2) الموافقات 2/ 360 وانظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام للإمام ابن عبد السلام 1/ 5 _ 10 .
(3) الاعتصام للشاطبي 2/ 568 .
(1) الموافقات 1/ 78 ، 79، وانظر : مختصر الصواعق المرسلة 1/ 110.
(2) السنة ومكانتها في التشريع 39 ، 40 .
(1) الآية 174 من سورة النساء .
(2) الآية 113 من سورة النساء.
(3) مختصر الصواعق المرسلة 1/ 112 ، 113 بتصرف .
(1) الآية 149 من سورة الأنعام .
(2) الآية 23 من سورة الأنبياء.
(3) الآية 41 من سورة الرعد .
(4) السنة ومكانتها في التشريع ص 34 بتصرف يسير .
(5) انظر : أمثلة على ذلك مما رفضوه بعقولهم والرد عليهم في الباب الثالث حديث رؤية الله U 2/ 219-229، وحديث عذاب القبر ونعيمه
2/ 282-294 ، وانظر أيضًا :حديث الذباب 2 / 342-353.
(6) المقدمة لابن خلدون الفصل الحادي عشر، في علم الإلهيات ص 548 بتصرف يسير.
(1) المصدر السابق الفصل العاشر في علم الكلام، ص 509 بتصرف يسير.
(2) مختصر الصواعق المرسلة 1/ 114 وما بعدها .
(3) رسائل العدل والتوحيد للدكتور محمد عمارة 2/ 301 _ 303 بتصرف . وانظر: مختصر الصواعق المرسلة لابن قيم الجوزية 1/ 114 _
130 ، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 1/ 171، وانظر : ما سبق في الجواب عن شبهة عرض السنة على القرآن ص 236-239 .
(1) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ص 41 .
(2) ابن الصلاح : هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الشافعي، أبو عمرو، كان من أعلام الدين، وأحد







 
قديم 06-03-08, 04:52 AM   رقم المشاركة : 7
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


فضلاء عصره في التفسير، والحديث، والفقه، والأصول ، متبحرًا في ذلك يضرب به المثل، من مؤلفاته، علوم الحديث ، وشرح مسلم، وغير
ذلك . مات سنة 643هـ وله ترجمته في: طبقات الحفاظ للسيوطي ص 503 رقم 1107 ، وتذكرة الحفاظ 4/ 1430 رقم 1141 ، والبداية
والنهاية 13/ 168 ، والعبر 5/ 177 ، وشذرات الذهب 5/ 221، وطبقات المفسرين للداودي 1/ 382 _ 384 رقم 327، وطبقات الشافعية
لابن هداية الله ص 84 .
(3) علوم الحديث لابن الصلاح ص 97، وانظر: فتح المغيث للسخاوي 2/ 14، 15، وتدريب الراوي للسيوطي 2/ 6 .
(4) الأنوار الكاشفة عبد الرحمن المعلمي ص 6 .
(1) الكفاية في علم الرواية ص 93 .
(2) تهذيب الكمال للمزي 3/ 1475 .
(3) الحجاج بن أرطاة: هو حجاج بن أرطاة _ بفتح الهمزة _ ابن ثور بن هبيرة النخعي، أبو أرطاة الكوفي،= =القاضي، أحد فقهاء ، صدوق،
كثير الخطأ ، والتدليس. مات سنة 149هـ . له ترجمة في : تقريب التهذيب 1/ 188 رقم 1122 ، والكاشف 1/ 311 رقم 928 ، وتذكرة
الحفاظ 1/ 186 رقم 181 ، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 87 رقم 172 ، والثقات للعجلي ص 107 رقم 250 ، ومعرفة الرواة المتكلم فيهم
بما لا يوجب الرد الذهبي ص 5 رقم 78، وحاشية سبط ابن العجمي على الكاشف 1/ 311 .
(1) الدارقطني في سننه كتاب الحدود والديات وغيره 3/ 175 رقم 266.
(2) عبد الله بن المبارك : هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزي، أحد الأئمة الأعلام وكان
ثقة، عالمًا ربانيًا ، متثبتًا ، صحيح الحديث مات سنة 181هـ . له ترجمة في: تذكرة الحفاظ 1/ 274 رقم 260، وطبقات الحفاظ للسيوطي
ص 123 رقم 249 ، والثقات للعجلي ص 275 رقم 876، والثقات لابن حبان 7/ 7، والديباج المذهب ص 212 رقم 261، وطبقات
المفسرين لداودي 1/ 250رقم 232، ومشاهير علماء الأمصار ص 227رقم 1564 ، والفهرست لابن النديم ص 377، 378.
(3) عبد الله بن محرر، بمهملات ، الجزري، القاضي، متروك، مات في خلافة أبي جعفر. له ترجمة في : تقريب التهذيب 1/ 528 رقم 3584
، والكاشف 1/ 592 رقم 2944، والضعفاء والمتروكين للنسائي ص 148 رقم 348، والمجروحين لابن حبان 2/ 22 ، والجرح والتعديل
5/ 176 رقم 824، والضعفاء لأبي نعيم ص 151 رقم 118 .
(4) مسلم (بشرح النووي) المقدمة ، باب بيان أن الإسناد من الدين 1/ 131، وانظر: لمحات من تاريخ السنة وعلوم الخديث الأستاذ عبد
الفتاح أبو غدة ص 172 _ 174.
(5) انظر : فتح المغيث للسخاوى 1/ 307 ، وهو الذي حكاه النووى عن الأكثرين ، انظر: تدريب الراوي 1/ 300 .
(6) انظر : فتح المغيث للسخاوي 1/ 307 وما بعدها ، وتدريب الراوي 1/ 300 .
(1) الرسالة للإمام الشافعي ص 371 فقرة رقم 1001 ، وانظر : فتح المغيث للسخاوى 1/ 328 .
(2) الرسالة للشافعي ص 399 فقرة رقم 1099.
(3) الكفاية ص 603 .
(4) الأنوار الكاشفة ص 6، 7 .
(1) ابن أبي الحواري: هو أحمد بن عبد الله بن ميمون بن العباس التغلبي بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام، يكني أبا الحسن بن أبي
الحواري، بفتح المهملة والواو الخفيفة وكسر الراء، ثقة زاهد. مات سنة 246هـ له ترجمة في: تقريب التهذيب 1/ 39 رقم 61 ، والكاشف
1/ 197 رقم 51، والثقات لابن حبان 8/ 24، والإرشاد للخليلي ص 134، 135 ، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 3/ 162 .
(2) ميزان الاعتدال 1/ 645 رقم 2475 ، وتهذيب التهذيب 3/ 126 رقم 232، وانظر: لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث للأستاذ عبد
الفتاح أبو غدة ص 174 _ 176 .
(3) الأنوار الكاشفة للمعلمي ص 7 .
(4) انظر: تدريب الراوي للسيوطي 1/ 276، وتوضيح الأفكار للصنعاني 2/ 96 وهذا ما قاله ابن خلدون في مقدمته، مقررًا ما قرره أهل
الحديث، بدليل دفاعه عن النقل وتقديمه على العقل إذا تعارض معه، وسفه عقول من يقدمون العقل على النقل عند التعارض الظاهرى ، انظر
المقدمة ص 508، ولكن قاسم أحمد في إعادة تقييم الحديث ص 59، استدل بكلام ابن خلدون على وجوب أن تكون السنة مؤيدة بالقرآن
والقياس العقلي _ بمفهوم أعداء السنة . ولا حجة له فيما نقله عن ابن خلدون، لقوله بالقاعدة بمفهوم أهل الحديث .
(5) الموافقات للشاطبي 1/ 78 .
(1) الآية 29 من سورة الأنفال .
(2) نوادر الأصول للحكيم الترمذي الأصل الرابع والأربعون فيما يعدونه صدق الحديث 1/ 361، وانظر: قواعد التحديث للقاسمي ص 165 .
(3) الفقيه والمتفقه للخطيب 1/ 453 ، 454 رقمى 477، 478، وقال ابن قيم الجوزية وأسانيد هذه الآثار = =عن عمر في غاية الصحة.
انظر: أعلام الموقعين 1/ 55، وانظر: في نفس المصدر 1/ 66، 67، $معنى الرأي ، ومتى يكون محمودًا ، ومتى يكون مذمومًا# ، وانظر :
المدخل إلى السنة للأستاذ الدكتور عبد المهدي ص 114، 259.
(1) جامع بيان العلم وفضله 2/ 173 بتصرف يسير .



(1) علي الشهرستاني: كاتب شيعي معاصر، من مصنفاته منع تدوين الحديث أسباب ونتائج، طعن فيه في حجية السنة النبوية وفي رواتها من
الصحابة الأعلام ، وخاصة أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية (رضى الله عنهم أجمعين).
(2) منع تدوين الحديث ص 19، 185، 210، 357، 365، 505.
(3) مرتضى العسكري: كات شيعي معاصر، وعميد كلية أصول الدين الأهلية ببغداد (سابقًا) من مصنفاته: عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى،
ومعالم المدرستين، وخمسون ومائة صحابي مختلق، وأحاديث عائشة وأطوار من حياتها، وهو في كل مؤلفاته السابقة يٌعلن مذهب الرافضة في
السنة والصحابة .
(4) معالم المدرستين المجلد 2/ 60، 61 .
(5) زكريا عباس داود: كاتب سورى شيعي معاصر، من مؤلفاته تأملات في الحديث عند السنة والشيعة، أعلن فيه مذهب الرافضة في السنة
والصحابة .
(6) تأملات في الحديث ص 37، 42، 44_ 62 .
(1) مروان خليفات : كاتب سورى معاصر حصل على العالية (الليسانس) من كلية الشريعة بسوريا، تشيع وغالي في تشيعه من مؤلفاته :
وركبت السفينة .
(2) وركبت السفينة ص 173 _ 180 .
(3) مثل محمود أبو رية القائل عقب حديث ( لاتكتبوا عنى .. إلخ) هذا الحديث الذي بنينا عليه كتابنا هذا، انظر: أضواء على السنة ص 34،
وانظر: ممن قال بهذه الشبهة حسين الدركاهي الرافضي في مقدمة كتاب كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين لابن المطهر الحليى .
(4) سيأتى تفصيل تلك الشبهة والرد عليها في شبهة التأخر في تدوين السنة ص 346-374 .
(5) دراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا ، العدد 10، ص 566 .
(6) سيأتى تخريجه انظر: ص 271.
(7) أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب العلم 1/ 188 رقم 362، وانتقده الذهبي بأن فيه ابن المؤمل ضعيف، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد
1/ 152 ، وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه=




وقد حدث حماد بن سلمة أن جد عمرو بن شعيب سأل النبي e : هل يكتب كل ما سمعه منه . فأجابه النبي e : $نعم# فقال له : في الغضب
والرضا؟ قال : نعم؛ فإني لا أقول في الغضب والرضا إلى الحق(1) .
ويقول أبو هريرة : $إن رجلاً من الأنصار جلس يسمع من النبي e الأحاديث فلم يقـــدر على حفظها، فشكى ذلك إليه ، فقال له النبي e $
استعن على ذلك بيمينك#(2) .
وباختراع هذه الأحاديث حاول كلا الفريقين المتنافسين أن يقدم الحجج على صحة مذهبه دون أن يكشف أي منهم عن دوافعه . وسبب هذه
القناعات الدينية#(3) .
أما ذيول المستشرقين من دعاة اللادينية، فمع اعترافهم بصحة النهى عن كتابة السنة من النبي e في أول الأمر _ لعلل سيأتى ذكرها إلا أنهم
أعرضوا عن تلك العلل ، وسفهوا رأى من يقول بها من أئمة المسلمين من المحدثين والفقهاء وسائر علماء المسلمين إلى يومنا هذا .
بالرغم من أن علة النهى عن كتابة السنة في أول الأمر واردة في الأحاديث التى استشهدوا بها على عدم حجية سواء كانت أحاديث مرفوعة أو
آثار موقوفة ومقطوعة.
وهم في نفس الوقت أعرضوا عن الأحاديث التى تحث على كتابة السنة النبوية وأكثرها مرفوع إليه e وأكثر منها موقوف على الصحابة ،
ومقطوع على التابعين، وفيه حرص كل منهم على كتابة السنة وتدوينها، وهم أنفسهم الذين روى عنهم النهى عن كتابة السنة، والنهى عن
الإكثار منها .
ولم يبين لنا خصوم السنة سر هذا التناقض الظاهرى في المرويات في الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة؟ مع عدم إقرارهم بعلة
وحكمة النهى؟
ولا يمكن أن يقبل منهم الإجابة بأن سر هذا التناقض في الروايات الناهية للكتابة والمرخصة لها _ بأن النهى ناسخ للإذن ، وأن هذا النهى من
النبي e والصحابة والتابعين _ رضى الله عنهم أجمعين _ دليل منهم على أنهم أرادوا ألا يجعلوا الأحاديث دينًا وشريعة عامة؛ كالقرآن، كما
ذهب إلى ذلك الدكتور توفيق صدقى وتأثر به الأستاذ محمد رشيد رضا _ رحمه الله _ وتابعه في ذلك محمود أبو رية، وجمال البنا، وعبد الجواد
ياسين، وغيرهم. إذ لا دليل على ذلك كما سيأتي في موضعه(1) .
ثم إن أعداء السنة وهم في إنكارهم لحجية السنة النبوية خلطوا بين النهى عن كتابة السنة وبين تدوينها _ حيث فهموا خطأ أن التدوين هو
الكتابة _ وعليه فإن السنة النبوية _ ظلت محفوظة في الصدور لم تكتب إلا في نهاية القرن الأول الهجري، في عهد عمر بن عبد العزيز، وهو
فهم غير صحيح، كما سيأتي في شبهة التأخر في التدوين.
ثم إنهم خانوا الأمانة العلمية . وهم يؤرخون للسنة المطهرة إذ استدلوا على عدم حجيتها بأحاديث مرفوعة وأخرى موقوفة على الصحابة،
ومقطوعة على التابعين _ وكلها تنهى عن كتابتها ومحو ما كتب منها، وجمعوا تلك الأحاديث من كتب الأئمة وهم يستعرضونها تمهيدًا للرد
عليها ، فنقلوا هذه الأحاديث التى تشير إلى شبهتهم، ولم ينقلوا الرد .
فالحافظ الخطيب البغدادي في كتابه تقييد العلم، عقد بابا بعنوان $الآثار والأخبار الواردة عن كراهة كتابة العلم# ، ثم أتبعه بباب ثان بعنوان $
وصف العلة في كراهة كتاب الحديث# ، ثم أتبعه بباب ثالث بعنوان $الآثار والأخبار الواردة عن إباحة كتابة العلم#(2).
وكذلك فعل الحافظ ابن عبد البر في كتابه $جامع بيان العلم وفضله# عقد بابا بعنوان $ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف# ثم أتبعه
بباب عنوانه $بيان أن السلف كانوا يكرهون كتابة الحديث# وبعده باب بعنوان $ما ورد في كراهية السلف كتابة العلم ، وإنما كانوا يعتمدون
على الحفظ# وبعده باب $ذكر الرخصة في كتابة العلم# وأخيرًا باب $استحباب السلف كتابة العلم خشية النسيان#(3) .

وكذلك فعل الحافظ الدارمي في كتابه السنن : ففي المقدمة عقد بابا وأسماه $من لم ير كتابة الحديث# وأتبعه بباب $من رخص في كتابة
العلم#(1) .
هذا فضلا عن الأبواب التى تحدثوا فيها عن حجية السنة، فما على خصوم السنة إلا بنقل الباب الذي يؤيدهم في دعواهم $الآثار والأخبار الواردة
عن كراهة كتابة العلم# وغض الطرف عن بقية الأبواب التى تفحمهم وتفضح كذبهم وتقيم عليهم الحجة كـ $باب وصف العلة في كراهة كتابة
الحديث# وباب $الآثار والأخبار الواردة عن إباحة كتابة العلم# .

وهذا دأب أعداء الإسلام دائما يتصيدون أدلتهم من تراثنا الإسلامي الخالد، ولا يكلفون أنفسهم شيئا _ فهو قوم تخصصوا في الخيانة العلمية
وإلباس الحق ثوب الباطل.
وممن سلك ذلك المسلك واستدل بتلك الشبهة من أعداء السنة : $الدكتور توفيق صدقى(2) ، ومحمود أبو رية(3) ، وقاسم أحمد(4) ، وأحمد
صبحي منصور(5) ، وإسماعيل منصور(6)، ومحمد شحرور(7)، وأحمد حجازي السقا(8)، وجمال البنا(9)، ومصطفى المهدوي(10)، ونيازي
عز الدين(11)، ورشاد خليفة(12)، وعبد الجــواد ياسين(1)، وأحمد أمين(2)، وحسين أحمد أمين(3)، ومحمد حسين هيكل(4) وغيرهم .
نماذج من الأحاديث والآثار الواردة في النهى عن كتابة السنة النبوية :
أولاً : الأحاديث المرفوعة :
1_ حديث أبى سعيد الخدري t ؛ أن رسول الله e قال : $لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن؛ فليمحه؛ وحدثوا عنى ولا حرج، ومن كذب
على متعمدًا ؛ فليتبوأ مقعده من النار#(5) وفي رواية عنه قال : $ استأذنا النبي في الكتابة فلم يأذن لنا#(6) .
2_ حديث أبى هريرة t (7) قال : كنا قعودًا نكتب ما نسمع من النبي e ، فخرج علينا؛ فقال : ما هذا تكتبون؟ فقلنا : ما نسمع منك ، فقال:
أكتاب مع كتاب الله؟ فقلنا: ما نسمع . فقال : اكتبوا كتاب الله امحضوا كتاب الله، أكتاب غير كتاب الله، امحضوا كتاب الله أو خلصوه، قال :
فجمعنا ما كتبنا في صعيد واحد، ثم أحرقناه بالنار. قلنا : أي رسول الله أنتحدث عنك؟ قال : نعم . تحدثوا عنى ولا حرج، ومن كذب على متعمدًا
؛ فليتبوأ مقعده من النار قال فقلنا: يارسول الله أنتحدث عن بني إسرائيل؟ قال : نعم. تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج؛ فإنكم لا تحدثون عنهم
بشيء إلا وقد كان فيهم أعجب منه#(1) .
3_ وروي أيضًا عن زيد بن ثابت مرفوعًا(2) .
ثانيًا : الآثار الموقوفة والمقطوعة:
ذهب إلى النهى عن كتابة السنة النبوية جمع من الصحابة والتابعين منهم:
1_ أبو بكر الصديق t(3) فعن عائشة _ رضى الله عنها _ قالت : جمع أبى الحديث عن رسول الله e وكانت خمسمائة حديث. فبات ليلة يتقلب
كثيرًا . قالت فغمنة فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال : أي بنيه هلمي الأحاديث التى عندك . فجئته بها . فدعا بنار فأحرقها
وقال : خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل أئمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثنى . فأكون قد نقلت ذلك#(4) .
وفي رواية أخرى ، زاد بعد قوله فأكون قد نقلت ذلك، ويكون قد بقى حديث لم أجده فيقال : لو كان قال رسول الله e ماغاب على أبى بكر . إني
حدثتكم الحديث ولا أدرى لعلي لم أتتبعه حرفًا حرفًا .
قال الحافظ ابن كثير: هذا غريب من هذا الوجه جدًا، وعلى بن صالح لا يعرف، والأحاديث عن رسول الله e أكثر من هذا المقدار بآلاف ولعله
إنما اتفق له جمع تلك الأحاديث فقط ثم رأى ما رأى لما ذكر . وقال الحافظ السيوطي(1) أو لعله جمع ما فاته سماعه من النبي e وحدثه عنه
به بعض الصحابة كحديث الجدة(2) ونحوه ، والظاهر أن ذلك لا يزيد على هذا المقدار، لأنه كان أحفظ الصحابة وعنده من الأحاديث ما لم يكن
عند أحد منهم كحـــديث : (ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض)(3) ، ثم خشى أن يكون الذي حدثه وهم فكره نقل ذلك، وذلك صريح في
كلامه(4) أ . هـ .
2_ عمر بن الخطاب t : عن عروة بن الزبير(5) : أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب النبي e في ذلك ، فأشاروا عليه
بأن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله عز وجل فيها شهرًا، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له ، فقال: $ إني كنت أردت أن أكتب السنن وإنى ذكرت
قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا فأكتبوا عليها، وتركوا كتاب الله تعالى ، وإنى والله لا ألبس كتاب الله بشئ أبدًا#(1) .
3_ علي بن أبي طالب t روى عنه قال : $أعزم على كل من عنده كتاب إلا رجع فمحـــاه، فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم،
وتركوا كتاب ربهم#(2) .
4_ أبو سعيد الخدري t فعن أبى نضرة قال(3) : قيل لأبى سعيد لو اكتتبنا الحديث فقال: لا نكتبكم، خذو عنا كما أخذنا عن نبينا(4) e .
وعنه من طريق آخر: $قال : أتريدون أن تجعلوها مصاحف، إن نبيكم e كان يحدثنا فنحفظ، فاحفظوا كما كنا نحفظ#(5) .
وعنه من طرق آخر: $ قال : قلت لأبي سعيد الخدرى t : إنك تحدثنا عن رسول الله e حديثًا عجيبًا ، وإنا نخاف أن نزيد فيه أو ننقص قال
أردتم أن تجعلوه قرآنًا لا ، لا ، ولكن خذوا عنا ، كما أخذنا عن رسول اللهe(6) .
5_ أبو هريرة t روى عنه أنه قال : نحن لا نكتب ولا نكتب#(7) . بفتح نون الفعل الأول ، وضم نون الفعل الثاني .
وروي عن سيعد بن أبى الحسن(1) قال : $لم يكن من أصحاب النبي e أكثر من أبى هريرة حديثًا عن رسول الله e ، وإن مروان زمن ما كان
على المدينة أراد أن يكتب حديثه، فأبى ، وقال : $ارووا كما نروى# فلما أبى عليه تغفله فأقعد له كاتبًا لقنًا ثقافًا فجعل أبو هريرة يحدثه ويكتب
الكاتب، حتى استفرغ حديثه أجمع، قال : ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع؟ قال : $وقد فعلتم؟ قال نعم. قال فاقرءوه على إذا، قال :
فاقرؤوه عليه، فقال أبو هريرة: أما إنكم قد حفظتم ، وإن تطعنى تمحه، قال: فمحاه#(2) .
6_ ابن عباس _ رضى الله عنهما _ روى عنه أنه قال : $إنا لا نكتب العلم ولا نكتبه#(3) وفي رواية قال: $إنا لا نكتب في الصحف إلا
الرسائل والقرآن#(4) .
7_ ابن مسعود t روى عنه : أن علقمة(5) جاءه بكتاب أو صحيفة من مكة أو اليمن فيها أحاديث في أهل بيت النبي e فدعا جاريته ثم دعا
بطست فيها ماء فجعل يمحوها ويقول : {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين}(6)
القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه(7) .
وفي رواية لابن عبد البر زيادة قال أبو عبيد(1) : يرى أن هذه الصحيفة أخذت من أهل الكتاب، لهذا كره عبد الله النظر فيها(2) .
وفي رواية للدارمي عن مرة الهمداني(3) ، قال : جاء أبو مرة الكندي بكتاب من الشام فحمله فدفعه إلى عبد الله بن مسعود، فنظر فيه فدعا
بطست ثم دعا بماء فمرسه فيه، وقال: إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم كتابهم . قال حصين: فقال مرة : أما إنه لو كان من
القرآن أو السنة لم يمحه ، ولكن كان من كتب أهل الكتاب(4).
8_ أبو موسى الأشعرى(5) t روى عن أبى بردة(6) قال : كتبت عن أبى كتبًا كثيرة فمحاها وقال $خذ عنا كما أخذنا#(7) .
وعنه من طريق آخر عن أبى بردة قال: كان أبو موسى يحدثنا بأحاديث فنقوم أنا ومولى لي فنكتبها، فحدثنا يومًا بأحاديث فقمنا لنكتبها فظن أنا
نكتبها فقال : $أتكتبان ما سمعتما منى؟# قالا : نعم . قال: فجيئاني به# فدعا بماء فغسله، وقال $احفظوا عنا كما حفظنا#(1) .
وعنه من طريق آخر عن أبى بردة أبى موسى قال كتبت عن أبى كتابًا فقال: $لولا أن فيه كتاب الله لأحرقته، ثم دعا بمركن أو بإجانة(2)
فغسلها، ثم قال: دع عنى ما سمعت منى ، ولا تكتب عنى؛ فإنى لم أكتب عن رسول الله e كتابًا كدت تهلك أباك#(3) .
9_ عمرو بن دينار(4) _ رحمه الله _ : روى عن سفيان الثوري(5) قال : قيل لعمرو: إن سفيان يكتب، فاضطجع وبكى وقال $احرج على من
يكتب عنى# قال سفيان : $وما كتبت عنه شيئًا ، كنا نحفظ#(6) .
10_ الضحاك(7) _ رحمه الله _ : روى عنه أنه قال : $لاتتخذوا للحديث كراريس ككرايس المصاحف#(8) وعنه من طريق آخر قال : $يأتى
على الناس زمان تكثر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف بغبارة لا ينظر فيه#(9) .
11_ عبيدة السلماني(1) t _ رحمه الله _ : $ روى عنه أنه دعا بكتبه عند موته، فمحاها وقال: أخشى لأن يليها أحد بعدى، فيضعوها في غير
مواضعها(2) .
12_ إبراهيم(3) _ رحمه الله _ : روى عن فضيل بن عمرو(4) قال: قلت لإبراهيم : إني آتيك وقد جمعت المسائل، فإذا رأيتك كأنما تختلس
منى وأنت تكره الكتابة قال: لا عليك؛ فإنه ما طلب إنسان علمًا إلا آتاه الله منه ما يكفيه، وقل ما كتب رجل كتابًا إلا اتكل عليه#(5) .
13_ علقمة _ رحمه الله _ روى أن مسروق(6) قال له : أكتب لي النظائر قال: أما علمــت أن الكتاب يكره؟ قال : بلى إنما أريد أن أحفظها
ثم أحرقها، قال $فلا بأس#(7) .
14_ ابن عون(8) _ رحمه الله _ روى عن حماد بن زيد(9) قال : قال لي ابن عوان: $إنى أرى هذه الكتب ، يا أبا إسماعيل ستضل الناس#
(1) .
درجة الأحاديث الواردة في النهى عن كتابة السنة:
تكلم عن بيان درجة الأخبار والآثار الواردة في النهى عن كتابة السنة الشيخ عبد لرحمن المعلمى في كتابه (الأنوار الكاشفة)(2) ، هذا فضلا
عن حكم بعض أئمة الحديث قديما على بعضها ، كما مر حكم الذهبي، وابن كثير على رواية أبى بكر الصديق t وإحراقه للأحاديث التى جمعها،
والحافظ الهيثمي تكلم عن بعضها في مجمع الزوائد(3) .
وخلاصة القول في الأحاديث المرفوعة: إنه لم يصح عن النبي e في النهى عن كتابة السنة إلا حديث أبى سعيد الخدرى الذي أخرجه مسلم مع
اختلاف بعض العلماء في رفعه ووقفه، واعتبروا ذلك علة، فقال الحافظ ابن حجر : $ومنهم من أعل حديث أبى سعيد وقال : الصواب وقفه على
أبى سعيد ، قاله البخاري وغيره#(4) .
واعتقد أن هذا الرأى مجانب للصواب؛ حيث إن الحديث مخرج في صحيح الإمام مسلم مرفوعا _ كما سبق ويؤيد الرفع أمران:
أولاً : ما ذهب إليه جمهور المحدثين وصححوه في مسألة $حكم تعارض الرفع والوقوف من بعض الثقات أو من راو واحد# أن الحكم للرفع
كما قال ابن الصلاح؛ لأن الرافع مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيًا فالمثبت مقدم عليه؛ لأنه علم ما خفى عليه .
ويقول الحافظ العراقي في تخريجه الكبير للإحياء عقب حكم اختلف راويه في رفعه، ووقفه الصحيح الذي عليه الجمهور: أن الراوي إذا روى
الحديث مرفوعًا وموقوفًا ، فالحكم للرفع؛ لأن معه في حالة الرفع زيادة، هذا هو المرجح عند أهل الحديث(1) . ونحوه قول الخطيب : اختلاف
الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفًا ؛ لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث، ويرفعه إلى النبي e مرة ، ويذكره مـــرة
على سبيل الفتوى بدون رفع، فيحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعًا(2)، وهذا ما نقله الماوردي عن الشافعي _ رحمه الله_ أنه يحمل
الموقوف على مذهب الراوي، والمسند على أنه من قول النبي e يعنى فلا تعارض حينئذ(3) .
ثانيًا : على فرض صحة وقف هذا الحديث على أبى سعيد الخدرى t : لكان له حكم المرفوع المسند؛ لأن النهى عن كتابة السنة النبوية _ وهي
المصدر الملازم للقرآن الكريم في التشريع الإسلامي ، هذا النهى مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا يقال من قبل الرأى ، فله حكم المرفوع المسند
، جزم به الرازي في المحصول وغير واحد من أئمة الحديث تحسينًا للظن بالصحابي(4) ، بل وبالصحابة جميعًا الذين امتثلوا لأمر النبي e
بالنهى عن الكتابة مع وجود علة النهى ، والأذن بالكتابة مع عدمها، حفاظًا على القرآن الكريم والسنة النبوية معًا ، فما استمدت السنة
حجيتها إلا من كتاب الله U، ومن كتاب الله والسنة النبوية معًا استمدت بقية المصادر التشريعية حجيتها.
فلأن الحديث مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا مجال للرأى فيه، فحكمه الرفع ، ولا سيما وقد رفعه الراوى أيضًا(5) .
وفي صحة هذا الحديث رد على بعض غلاة الشيعة في زعمهم عدم صحة النهى عن كتابة السنة من النبي e وأن روايات النهى عن كتابة
السنة اختلفت في وقت متأخر لترير منع الشيخين أبى بكر وعمر من حذا حذوهما. وفي ذلك أيضًا إبطال للأساس الذي أسسوا عليه كتبهم في
مسألة كتابة السنة وتدوينها كما فعل مرتضى العسكرى، وعلى الشهرستاني، ومروان خليفات وغيرهم ممن سبقوا .
أما الآثار الموقوفة فصحح منها الحافظ الهيثمي رواية أبى بردة بن أبى موسى الأشعري بإسناد الطبراني في المعجم الكبير، والبزار في مسنده
وبقية الروايات الموقوفة، وكذا المقطوعة يؤيد بعضها بعضًا، وتصلح حجة في بابها(1) .
ويشهد لذلك اعتبار الأئمة ؛ كالخطيب، وابن عبد البر، والدارمي وغيرهم اعتمادهم بعض تلك الروايات في بيان موقف الصحابة والتابعين من
كتابة السنة، وكراهيتهم للتدوين؛ لعلل سيأتى ذكرها .
وفي ذلك رد على المستشرقين التابعين لصنمهم الأكبر $جولدتسيهر# في زعمه؛ بأن أحاديث النهى عن كتابة السنة مخترعة من قبل أهل
الرأى لتأييد مذهبهم في إنكار صحة السنة والاحتجاج بها .
وفي ذلك يقول الدكتور يوسف العش ردًا على جولدتسيهر: $إنه لم يصب حين قال: إن من ادعى عدم جواز الكتابة هم أهل الرأى، وأن
مخالفيهم هم من أهل الحديث، فالخلاف لم يكن بين هاتين الفئتين ؛ لأن من أهل الرأى من امتنع عن الكتابة كعيسى بن يونس (187هـ) ،
وحماد بن زيد (179هـ) ، وعبد الله بن إدريس (192هـ) ، وسفيان الثوري (161هـ) ، وبينهم من أقرها كحماد بن سلمة (167هـ)،
والليث بن سعد (175هـ) ، وزائدة بن قدامة (161هـ) ، ويحيي بن اليمان (189هـ) وغيرهم .
ومن المحدثين من كره الكتابة كابن عليه (200هـ) ، وهشيم بن بشير (183هـ) ، وعاصم بن ضمرة (174هـ) ، وغيرهم ، ومنهم من
أجازها كبقية الكلاعي (197هـ)، وعكرمة بن عمار (159هـ) ، ومالك بن أنس (179هـ) وغيرهم(2) .


الجواب عن زعم أعداء السنة بأن النهى عن كتابة
السنة يدل على عدم حجيتها
أما أعداء السنة من دعاة اللادينية فمع اعترافهم بصحة النهى عن كتابة السنة من النبي e ومن صحابته الكرام؛ إلا أنهم اتخذوا من ذلك النهى
دليلا على عدم حجية السنة النبوية . غاضين الطرف كما سبق وأن أشرت عن علل النهى الواردة في نفس الأحاديث السابقة التى احتجوا بها ،
بل غاضين الطرف من الأمر الصادر من النبي e لأصحابة y عقب نهيهم عن الكتابة وهو التحديث والتبليغ للسنة النبوية بعد حفظها، وهو نفس
الأمر الصادر من الصحابة للتابعين بعد نهيهم عن الكتابة ، وعلى نفس الدرب صار التابعون من الناهين للكتابة، أمروا من نهوهم عن الكتابة
من تابعي التابعين بحفظ السنة وتبليغها كما حفظوها عن صحابة رسول الله e وصدق النبي e فيما تنبأ به : $تسمعون ، ويسمع منكم، ويسمع
ممن سمع منكم#(1) .
يقول الدكتور عبد الغنى عبد الخالق _ رحمه الله _ : $وكيف يكون نهيه e دليلا على عدم الحجية والنبي e عقب هذا لنهى مباشرة عندما أمر
الصحابة بالتحديث عنه، وفي الوقت نفسه يتوعد من يكذب عليه متعمدًا أشد الوعيد، كما في حديث أبى سعيد الخدري الذي رواه مسلم .
ويقول e في حجة الوداع : $ ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه(2) .
ويقول أيضا : نضر الله امرءًا سمع منا حديثًا ، فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه#(3)
ويقول e لوفد عبد القيس _ بعد أن أمرهم بأربع ونهاهم عن أربع : $احفظوه وأخبروا به من وراءكم#(1) . ويقول : $ ألا هل عسى رجل
يبلغه الحديث عنى وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما
حرم رسول الله e كما حرم الله#(2) .
يقول الدكتور عبد الغنى عبد الخالق : $ أليس الأمر بالتحديث والتبليغ والحفظ، والإبعاد على الكذب عليه أشد الوعيد، والنهى عن عدم الأخذ
بالسنة؛ دليلاً على أن السنة لها شأن خطير ، وفائدة جليلة للسامع والمبلغ؟ فما هذه الفائدة وما هذا الشأن العظيم؟ أليس هو أنها حجة في
الدين، وبيان للأحكام الشرعية. كما يدل عليه تعقيبهe الأمر بالتبليغ والتحديث _ في الروايات السابقة _ بقوله e : $ فرب حامل فقه إلى من
هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه# $ احفظوه وأخبروا من وراءكم# وقوله e $ .. إلا وإن ما حرم رسول الله e مثل ما حرم الله #
وقوله e $وحدثوا عنى ولا حرج# ألا يشعرك هذا القول أن القصد من تبليغ السامع الحديث لمن بعده، أن يأخذ الغائب ما اشتمل عليه الحديث
من فقه وحكم شرعي؟ وهل يكون ذلك إلا إذا كان الحديث حجة، ودليلاً تثبت به الأحكام التى تضمنها؟ وهل يصح أن يذهب من عنده ذرة من
عقل وإيمان إلى أن أمره e بالتحديث والتبليغ إنما كان لمجرد التسلية والمسامرة في المجالس كما يفعل بتواريخ الملوك والأمراء؟ كلا: فإن
النبي e أجل وأعظم وأشد عصمة من أن يأمر أمته بما لا فائدة فيه، وبما هو مدعاة للهوهم وعبثهم .
وإليك ما قاله الشافعي _ تعليقًا على حديث $نضر الله أمرءًا سمع منا شيئًا ...# المتقدم مما فيه تأييد لما ذكرنا لك .
= ابن معين وابن حبان ، وقال ابن سعد: ثقة قليل الحديث، وقال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير. والحديث أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 68،
والمحدث الفاصل ص 364 .
(1) أخرجه أبو داور في سننه كتاب العلم، باب في كتاب العلم 3/ 318 رقم 3646 .
(2) أخرجه الترمذي في سننه كتاب العلم، باب الرخصة فيه 5/ 38 رقم 2666 وقال : ليس إسناده بذاك القائم. ونقل عن الإمام البخاري أن
أحد رجال الإسناد وهو الخليل بن مرة منكر الحديث. وأخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 65 من عدة طرق في بعضها ( الخليل بن مرة) .
وأخرجه الخطيب أيضًا في الجامع لأخلاق الراوي 1/ 249 رقم 503. وفي إسناده (الخليل بن مرة) أ.هـ .
(3) دراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير . نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 10/ 567 ، 568 .
(1) انظر : ص 305-314 .
(2) تقييد العلم ص 29 _ 113 .
(3) انظر: جامع بيان العلم 1/ 63 _ 77 .
(1) انظر: سنن الدرامي المقدمة 1/ 130 _ 140 .
(2) مجلة المنار المجلد 9/ 913 .
(3) أضواء على السنة ص 46 .
(4) إعادة تقييم الحديث ص 114 _ 128 .
(5) حد الردة ص 89، وعذاب القبر ص 5، 6 ، ومجلة روزاليوسف العدد 3530 ص 50 .
(6) تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 7، 14، 225 .
(7) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص 546 ، 565 .
(8) حقيقة السنة النبوية ص 12 .
(9) الأصلان العظيمان ص 268، 269، والسنة ودورها في الفقه الجديد ص 7 .
(10) البيان بالقرآن 1/ 25 .
(11) إنذار من السماء ص 117 ، 134 .
(12) القرآن والحديث والإسلام ص 19 .
(1) عبد الجواد ياسين: قاضى مصرى سابق، تخرج من كلية الحقوق في جامعة القاهرة سنة 1976 ، من مؤلفاته $السلطة في الإسلام العقل
الفقهي السلفي بين النص والتاريخ) شكك في هذا الكتاب في حجية السنة وفي رواتها. انظر : استشهاده بالشبهة التى معنا في كتابة السلطة في
الإسلام ص 238 .
(2) أحمد أمين: هو : أحمد أمين ابن الشيخ إبراهيم الطباخ، تخرج بمدرسة القضاء الشرعي، وتولى القضاء ببعض المحاكم الشرعية ، ثم عين
مدرسًا بكلية الآداب بالجامعة المصرية فعميدًا لها . من مؤلفاته : $ فجر الإسلام ، وضحاه، وظهره# وقد تحدث في كتبه السابقة عن الحديث
فمزج بالدسم، وخلط الحق بالباطل. مات سنة 1954 م. له ترجمة في الأعلام 1/ 379، انظر: استشهاده بالشبهة التى معنا في كتابيه فجر
الإسلام ص 208 ، 21، 233، وضحى الإسلام 2/ 106 .
(3) حسين أحمد أمين: كاتب مصري معاصر، وهو ابن الأستاذ أحمد أمين. من مؤلفات حسين أحمد أمين $دليل المسلم الحزين# ردد فيه طعون
المستشرقين في حجية السنة، وانظر استشهاده بالشبهة التى معنا في كتابه دليل المسلم الحزين ص 43 .
(4) محمد حسين هيكل : كاتب مصرى من رواد المدرسة العقلية الحديثة؛ تأثر فيما كتب عن السنة وسيرة النبي e بالمستشرقين . انظر :
تأثره بالشبهة التى معنا في كتابة حياة محمد ص 55.
(5) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث، وحكم كتابه العلم 9/ 356 رقم 3004 .
(6) أخرجه الترمذي كتاب العلم: باب ما جاء في كراهية كتابة العلم 5/ 37 رقم 2665 . قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير هذا
الوجه أيضًا عن زيد بن أسلم، رواه همام عن يزيد بن أسلم وأخرجه الدارمي في سننه المقدمة، باب من لم ير كتابة الحديث 1/ 131 رقم
451، والخطيب في تقييد العلم ص 32، والقاضي عياض في الإلماع ص 148 .
(7) ستأتي ترجمته في مبحث (أبو هريرة راوية الإسلام رغم أنف الحاقدين) 2/ 103-116.
(1) أخرجه أحمد في المسند 3/ 12 _ 13 ، والخطيب في تقييد العلم ص 34، وفيه عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم، متفق على ضعفه انظر :
في ترجمته : تقريب التهذيب 1/ 570 رقم 3879، والضعفاء والمتروكين للنسائي ص 158 رقم 377 ، والضعفاء لابي نعيم ص 102 رقم
122 والمجروحين لابن حبان 2/ 57، والتاريخ الصغير ص 208 رقم 370، والتاريخ الكبير 5/ 284 رقم 922، والجرح والتعديل 5/ 233
رقم 1107 ، ولسان الميزان 8/ 488 رقم 13376 .
(2) أخرجه أبو داود في سنته كتاب العلم، باب في كتاب العلم 3/ 318 رقم 3647 ، وأحمد في المسند 5/ 182، وابن عبد البر في جامع
بيان العلم 1/ 63، والخطيب في تقييد العلم ص 35، والقاضي عياض في الإلماع ص 148 .
(3) أبو بكر الصديق: صحابي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 3/ 963 رقم 1633 ، واسد الغابة 13/ 310 رقم 3066 ، وتاريخ الصحابة
23 رقم 1، وتذكرة الحفاظ 1/ 2 رقم 1، ومشاهير علماء الأمصار ص 10 رقم 2، والإصابة 2/ 341 رقم 4835 .
(4) ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 5 وقال لا يصح. والعجب ممن يدعون الأمانة العلمية مثل صاحب أضواء على السنة الذي نقل
الرواية السابقة من التذكرة، ولم ينقل حكم الذهبي !!، انظر: أضواء على السنة ص 49، وأعجب منه كذب إسماعيل منصور على الإمام الذهبي
حيث قال إسماعيل منصور بعد نقله الراوية السابقة من التذكرة $وحسب المنصف أن يرى هذه الرواية وهي كما وردت موثقة في تذكرة الحفاظ
للذهبي) أ. هـ . انظر: تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 226 .
(1) السيوطي : هو عبد الرحمن بن أبى بكر محمد السيوطي ، جلال الدين، كان إمامًا حافظًا بارعًا ذا قدم راسحة في علوم شتى، فكان مفسرًا
، محدثًا فقهيًا أصوليًا ، لغويًا ، مؤرخًا ، له تأليف بلغت نحو ستمائة مصنف منها : الأشباه والنظائر في القواعد الفقهية، والأشباه والنظائر في
العربية ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور، والإتقان في علوم القرآن ، والجامع الكبير والصغير، والأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة مات
سنة 911هـ . له ترجمة في : حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 335 رقم 77 وشذرات الذهب 8/ 51، وطبقات المفسرين للسيوطي ص 3،
والبدر الطالع للشوكاني 1/ 328 رقم 228.
(2) سيأتى تخريجه 2/ 25،26.
(3) أخرجه الترمذي في سننه كتاب الجنائز، باب رقم 33، 3/ 338 رقم 1018 وقال : أبو عيسى هذا حديث غريب. وعبد الرحمن بن أبى
بكر المليكي يضعف من قبل حفظه. وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه. فرواه ابن عباس عن أبى بكر الصديق عن النبي e أيضا . وهذا
الشاهد الذي ذكره الترمذي أخرجه ابن ماجة في سنته كتاب الجنائز ، باب ذكر وفاته e 1/ 520 رقم 1628 واللفظ له . وفي إسناده الحسين
بن عبد الله الهاشمي فيه خلاف انظر: مصباح الزجاجة للبوصيري 1/ 542 .
(4) انظر منتخب كنز العمال 4/ 58 ، 59 ؛ ودلائل التوثيق المبكر للسنة للدكتور امتياز أحمد ص 503، وانظر: كذب محمود أبو رية على
محمد رشيد رضا بأنه صحح هذه الرواية، في حين أن رشيد رضا نقل حكم الأئمة السابق انظر مجلة المنار 10/ 764 ، وأضواء على السنة
ص 49 هامش .
(5) عروة بن الزبير: هو عروة بن الزبير بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدنى، روى عن أبويه، وخالته، وعلى، وخلق، وعنه بنوه عثمان،
وعبد الله، والزهري، كان فقيها عالما كثير الحديث ثبتا مأمونا، مات سنة 94هـ . له ترجمة في : تقريب التهذيب 1/ 671 رقم 4577 ،
والكاشف 2/ 18 رقم 3775 ، والطبقات الكبرى لابن سعد 5/ 179، والثقات للعجلي ص 331 رقم 1121 ، والثقات لابن حبان 5/ 694 ،
وتذكرة الحفاظ 1/ 62 رقم 51، والبداية والنهاية 9/ 101 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 82 رقم 428 .
(1) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 64، والخطيب في تقييد العلم ص 49 .
(2) أخرجه بن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 63 ، 64 .
(3) أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قطعة، بضم القاف وفتح المهملة، العبدي أبو نضرة، مشهور بكنيته، روى عن أبي سعيد الخدري، وابن
عباس، وعن على مرسلاً ، وعنه قتادة، وعوف، وابن أبى عروبة وخلق. متفق على توثيقه مات سنة 108هـ . له ترجمة في : تقريب
التهذيب 2/ 213 رقم 6915 ، والكاشف 2/ 295 رقم 5632 ، والثقات للعجلى 439 رقم 1633 ، والثقات لابن حبان 5/ 420، طبقات
ابن سعد 7/ 207، ومشاهير علماء الأمصار ص 122 رقم 709.
(4) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 64 .
(5) المصدر السابق 1/ 64، وأخرجه الخطيب في المحدث الفاصل ص 379، وتقييد العلم ص 36، 37 .
(6) أخرجه الدارمي في سننه المقدمة، باب من لم ير كتابة الحديث 1/ 133 رقم 471، وابن المبارك في مسنده ص 142 رقم 231، وقال
المحقق الأستاذ صبحي البدري السامرائي إسناده صحيح، وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 64 ، والخطيب في تقييد العلم ص 38،
والمحدث الفاصل ص 363 .
(7) أخرجه الدامي في سننه المقدمة، باب من لم يرك كتابة الحديث 1/ 133، رقم 472 وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 66 ،
والخطيب في تقييد العلم ص 42 .
(1) هو سعيد بن أبى الحسن البصري، أخو الحسن البصري، روى عن أمه، وأبى هريرة ، وعنه أخوه، وعوف، وسليمان التيمي ، متفق على
توثيقه ، مات سنة 100 هـ . له ترجمة في : تقريب التهذيب 1/ 350 رقم 2291، والكاشف 1/ 433 رقم 866، والثقات للعجلى ص
182 رقم 536 ، والثقات لابن حبان 4/ 276 ، مشاهير علماء الأمصار ص 115 رقم 657 .
(2) أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 41 .
(3) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 64 ، والخطيب في تقييد العلم ص 42 .
(4) أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 42 ، 43 ز
(5) علقمة هو : علقمة بن قيس بن عبد الله النخعى الكوفي، أبو شبل، أخو يزيد بن قيس، روى عن أبى بكر وعمرو ابن مسعود، وعنه ابن
أخيه عبد الرحمن بن يزيد، وابن أخته إبراهيم النخعي، وسلمه بن كهيل، وآخرون ثقة ثبت فيه عابد مات 62هـ . له ترجمة في : تقريب
التهذيب 1/ 687 رقم 4697 ، والكاشف 2/ 34 رقم 3873 ، وتذكرة الحفاظ 1/ 48 رقم 24 ، وطبقات الحافظ ص 20 رقم 24، والثقات
للعجلى 339 رقم 1161 ، والبداية والنهاية 8/ 219، ومشاهير علماء الأمصار ص 125 رقم 741.
(6) الآية 3 من سورة يوسف .
(7) أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 54 .
(1) أبو عبيد هو : القاسم بن سلام بالتشديد، البغدادي، أبو عبيد، الإمام المشهور ثقة، فاضل، مصنف، له أقواله في شرح الغريب، مات سنة
224هـ له ترجمة في : تقريب التهذيب 2/ 19 رقم 5479، تهذيب التهذيب 8/ 315 رقم 572 ، الكاشف 2/ 128 رقم 4511 ، وسؤالات
مسعود بن على السجزي للحاكم ص 249 رقم 338، وتاريخ بغداد 12/ 403 رقم 6868 ، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/ 150
رقم 44 .
(2) جامع البيان العلم 1/ 66 .
(3) مرة الهمداني هو : مرة بن شراحيل الهمذاني، بسكون الميم، أبو إسماعيل الكوفي، هو الذي يقال له مرة الطيب، وإنما سمى طيبًا لكثرة
عبادته، روى عن ابن مسعود وعمر، وعنه عمرو بن مرة ، وابن أبى خالد ، ثقة عابد مات 76هـ . وقيل بعد ذلك في : تقريب التهذيب 2/
170 رقم 6583، الكاشف 2/ 253 رقم 5361 ، الثقات للعجلى 424 رقم 1555 ، مشاهير علماء الأمصار 127 رقم 754 ، والأنساب
المتفقة في الخط لابن القيسراني ص 99 رقم 162 .
(4) أخرجه الدارمي في سننه المقدمة ، باب من لم ير كتابه الحديث 1/ 134 رقم 477 .
(5) أبو موسى الأشعرى: صحابي جليل له ترجمة في : الاستيعاب 3/ 979 رقم 1639 ، واسد الغابة 6/ 299 رقم 6296 ، وتاريخ
الصحابة ص 154 رقم 741 ، وتذكرة الحفاظ 1/ 23 رقم 10، ومشاهير علماء الأمصار ص 47 رقم 216، والإصابة 2/ 359 رقم
10950 .
(6) أبو بردة هو : أبو بردة بن أبى موسى الأشعرى، قيل اسمه عامر، وقيل الحارث، روى عن أبيه، وعلى، والزبير، وعنه عبد الله، ويوسف ،
وحفيدة، بريد ابن عبد الله، متفق على توثيقه، مات سنة 104هـ . له ترجمة في : تقريب التهذيب 2/ 360 رقم 7981 ، والكاشف 2/ 407
رقم 6508 ، وتذكرة الحفاظ 1/ 95 رقم 86، وطبقات الحفاظ ص 43 رقم 84 ، وطبقات ابن سعد 7/ 133، والثقات للعجلى ص 491 رقم
1903 ، مشاهير علماء الأمصار ص 130 رقم 776 .
(7) أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 39 .
(1) أخرجه بن عبد البر في جامع البيان العلم 1/ 66 ، والخطيب في تقييد العلم ص 39 ، 40 .
(2) إجابة : إناء فيه ماء متغير الطعم واللون. انظر: النهاية في غريب الحديث 1/ 26 .
(3) أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف 9/ 53، والطبراني في الكبير، ولم أجده في الجزء المطبوع من المعجم، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع
الزوائد 1/ 151، وعزاه إلى الطبراني في الكبير والبزار بنحوه إلا أن البزار قال : (احفظ كما حفظ رسول الله e ، ورجاله رجال الصحيح أ. هـ
.
(4) هو : عمرو بن دينار المكي، أبو محمد ، روى عن بن عباس، وبن عمر، وجابر، وعنه شعبة والسفيانان، ومالك، ثقة ثبت، وما قيل عنه
من التشيع فباطل، مات سنة 126هـ . له ترجمة في: تقريب التهذيب 1/ 734 رقم 5040 ، والكاشف 2/ 75 رقم 4152 ، والثقات للعجلى
363 رقم 1257 ، والثقات لابن حبان 5/ 167، والتاريخ الكبير للبخاري 6/ 328 رقم 2544 .
(5) سفيان الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، أمير المؤمنين في الحديث، روى عن عمرو بن دينار، وابن
المنكدر، وسلمة بن كهيل، وعنه القطان، وعلى بن الجعد، والفريابي، متفق على توثيقه، مات 161هـ له ترجمة في : تقريب التهذيب 1/
371 رقم 3452، الكاشف 1/ 449 رقم 1996 ، والثقات للعجلى 190 رقم 571 ، وتذكرة الحفاظ والأنساب المتفقه في الخط لابن
القيسراني ص 43 رقم 41 .
(6) أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 47 .
(7) الضحاك هو : الضحاك بن مزاحم الهلالي ، الخرساني ، أبو القاسم ، أبو محمد، صدوق كثير الإرسال مات سنة 105هـ . له ترجمة في
تقريب التهذيب 1/ 444 رقم 2989 ، والكاشف 1/ 509 رقم 2437 ، والثقات لابن حبان 6/ 185، ومشاهير علماء الأمصار ص 227
رقم 1562.
(8) اخرجه الخطيب في تقييد العلم، ص 47 .
(9) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 65 .
(1) عَبيدة السلماني هو : عبيدة بن عمرو السلماني بسكون اللام، ويقال بفتحها . أبو عمرو الكوفي، تابعي كبير، مخضرم، فقيه ثبت مات سنة
72هـ أبو بعدها ، والصحيح أنه مات قبل سنة سبعين . له ترجمة في : تقريب التهذيب 1/ 649 رقم 4429، والكاشف 1/ 694 رقم
3647 ، والثقات للعجلى 325 رقم 1092 ، والثقات لابن حبان 5/ 139، ومشاهير علماء الأمصار 125 رقم 735 ، وتذكرة الحفاظ 1/
50 رقم 27 .
(2) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 67 ، والخطيب في تقييد العلم ص 61.
(3) إبراهيم هو : إبراهيم بن سويد النخعي روى عن علقمة، والأسود، وعنه فضيل بن عمرو، وسلمة بن كهيل، ثقة ، لم يثبت أن النسائي
ضعفه له ترجمة في : تقريب التهذيب 1/ 57 رقم 184، والكاشف 1/ 213 رقم 145، والثقات للعجلى 52 رقم 26 ، والثقات لابن حبان 6/
6، مشاهير علماء الأمصار 194 رقم 1290.
(4) هو فضيل بن عمرو الفقيمي ، بالفاء والقاف مصغرًا ، أبو النضر الكوفي، روى عن إبراهيم، والشعبي، وجمع، وعنه أبان من تغلب ،
وحجاج بن ارطأة ، ثقة، مات سنة 110هـ . له ترجمة في : تقريب التهذيب 2/ 15 رقم 5447 ، والكاشف 2/ 142 رقم 4487 ، والجرج
والتعديل 7/ 73 رقم 415، والثقات للعجلى 384 رقم 1356 ، والثقات لابن حبان 7/ 314، ومشاهير علماء الأمصار 197 رقم 1313 .
(5) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 68 .
(6) مسروق هو : مسروق بن الأجدع بن مالك الهمذاني الوادعي، أبو عائشة الكوفي روى عن أبى بكر ومعاذ وعلقمة، وعنه إبراهيم، وأبو
إسحاق، ويحيي بن وثاب، ثقة فقهي عابد، مخضرم، مات سنة 63هـ له ترجمة في : تقريب التهذيب 2/ 175 رقم 6622 ، والكاشف 2/
256 رقم 5391، مات سنة 63هـ له ترجمة في : تقريب التهذيب 2/ 175 رقم 6622 ، والكاشف 2/ 256 رقم 5391، والثقات للعجلى
426 رقم 1561، والثقات لابن حبان 5/ 456 ، ومشاهير علماء الأمصار ص 126 رقم 746، وتذكرة الحفاظ 1/ 49 رقم 26 .
(7) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 66، والخطيب في تقييد العلم ص 58، 59 .
(8) ابن عون : هو عبد الله بن عون بن أرطبان ، أبو عون البصري، من أتباع التابعين، روى عن أبى وائل، وإبراهيم، وحماد، وعنه شعبة،
والقطان، متفق على توثيقه مات سنة 150هـ . له ترجمة في: تقريب التهذيب 1/ 520 رقم 3530 ، والكاشف 1/ 582 رقم 2896،
والثقات للعجلى 270 رقم 859 ، والثقات لابن شاهين 183 رقم 590، ومشاهير علماء الأمصار 180 رقم 1185.
(9) هو : حماد بن زيد درهم الأزدى ، الجهضمي ، أبو إسماعيل البصري، روى عن ابن عون، وثابت، وأبى= =حمزة، وعنه مسدد، وعلى ،
متفق على توثيقه مات سنة 179هـ . له ترجمة في تقريب التهذيب 1/ 238 رقم 1503 ، والكاشف 1/ 349 رقم 1219 ، والثقات لابن
شاهين ص 102 رقم 239 ، والثقات لابن حبان 6/ 217 ، والثقات للعجلى ص 130 رقم 329، ومشاهير علماء الأمصار ص 188 رقم
1244 .
(1) أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 57 .
(2) الأنوار الكاشفة ص 34 _ 43 ، وانظر: دراسات في الحديث النبوي للدكتور الأعظمى 1/ 76 _ 78 .
(3) مجمع الزوائد 1/ 150 _ 152 .
(4) فتح الباري 1/ 251 رقم 113 ، وقال العلامة أحمد محمد شاكر : وهذا غير جيد، فإن الحديث صحيح. انظر: الباعث الحثيث ص 111 .
(1) انظر: المغيث للسخاوي 1/ 194 ، 195 ، وشرح الفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة للعراقي 1/ 178، وتدريب الراوي للسيوطي
1/ 221 _ 223 ، وتوضيح الأفكار للصنعاني 1/ 343 .
(2) الكفاية للخطيب ص 587، 588 .
(3) انظر: البحر المحيط للزركشي 4/ 341، والمحصول للرازي 2/ 229، 230، وفتح المغيث للسخاوى 1/ 195 .
(4) المحصول للرازي 2/ 221 ، وانظر: فتح المغيث للسخاوي 1/ 144 ، وتدريب الراوى 1/ 190، 191، وتوضيح الأفكار 1/ 280 .
(5) انظر: فتح المغيث للسخاوي 1/ 195 .
(1) انظر: شروط الاحتجاج بالضعيف في علوم الحديث لابن الصلاح ص 35، وفتح المغيث للسخاوي 1/ 86، 87، وتدريب الراوي 1/ 176،
177، والباعث الحثيث ص 34 .
(2) انظر: تقييد العلم للخطيب، تصدير الدكتور يوسف العش ص 21، 22، ودلائل التوثيق المبكر للسنة للدكتور امتياز أحمد ص 209 ، 231
.
(1) أخرجه أبو داود في سننه كتاب العلم، باب فضل نشر العلم 3/ 321 رقم 3659 ، وأحمد في مسنده 1/ 321، والحاكم في المستدرك
كتاب العلم: باب فضيلة مذاكرة الحديث 1/ 95 وقاال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وليس له علة ولم يخرجاه، وفي الباب أيضا
عن ابن مسعود، ووافقه الذهبي وقال على شرطهما ولا علة له .
(2) البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب التوحيد، باب قال الله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} 13 / 433 رقم 7447 ، ومسلم (
بشرح النووي) كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض 6/ 182 رقم 1679 واللفظ له من حديث أبى بكر t .
(3) سبق تخريجه ص 39 .
(1) البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان 1/ 157 رقم 53، ومسلم $بشرح النووي# كتاب الإيمان، باب
الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله وشرائع الدين 1/ 212 رقم 17، واللفظ له، من حديث بن عباس _ رضى الله عنهما _ .
(2) أخرجه الترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما نه ى عنه أن يقال عند حديث النبي e 5/ 37 رقم 2664، وقال أبو عيسى : هذا حديث
حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه ابن ماجة في سننه المقدمة ، باب تعظيم حديث رسول الله e والتغليظ على من عارضه 1/ 20 رقم 12
من حديث المقدام بن معد يكرب .


قال  : "فلما ندب رسول الله  إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمراً يؤديها، والامرء واحد - : دل على أنه لا يأمر أن يؤدى
عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يؤدى عنه حلال، وحرام يجتنب، وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة فى دين ودنيا،
ودل على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه ويكون له حافظاً، ولا يكون فيه فقيهاً"( ) أ0هـ0

ثم نقول "ولا زال الكلام للدكتور عبد الغنى" : لا شك فى أنه  إنما نص على خصوص الكذب عليه، وخصه بهذا الوعيد الشديد
مع دخوله فى عموم الكذب المعلوم حرمته للجميع؛ لأن الكذب عليه  مستلزم لتبديل الأحكام الشرعية، واعتقاد الحلال حراماً، والحرام
حلالاً0وهذا الاستلزام لم يتفرع إلا عن حجية السنة،وأنها تدل على الأحكام الشرعية0
وإذا أردت أن تتحقق مما قلناه؛ فعليك بما رواه الشيخان عن المغيرة؛ أنه  قال : "إن كذباً علىَّ ليس ككذب على أحد0 فمن كذب
على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"( ) ثم انظر إلى ما رواه مسلم عن أبى هريرة؛ أن رسول الله  قال : "يكون فى آخر الزمان دجالون كذابون
يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم( )0

وأخبرنى بربك : إذا لم يكن الحديث عن رسول الله  حجة، فعلام هذا التحذير من الأحاديث المكذوبة عنه؟ ولم يحصل بها الضلال
والفتنة؟

ولو كان المقصود من التحديث بأحاديث رسول الله  مجرد التسلية واللهو كرواية الأشعار وأخبار العرب وغيرهم أفلا يستوى الصادق منها
والكاذب فى هذا المعنى؟

ولو كان هناك فرق بينهما أفيستحق هذا الفرق التحذير الشديد من الضلال والفتنة؟ كلا0
وبالجملة : فكل ما نقلناه لك من هذه الأحاديث ونحوها يؤيد ما قلناه من حجية السنة، وهو بمثابة التصريح من الرسول  بذلك
عند من له سمع يسمع وعقل يدرك، وهو فى الوقت نفسه صريح فى رغبته  فى نقل السنة والمحافظة عليها0 فكيف مع هذا كله يزعم زاعم
بأن نهيه عن كتابتها دليل على رغبته فى عدم نقلها والمحافظة عليها وعلى عدم حجيتها فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا
وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(52)وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ( )0

قلـت : بل كيف مع هذا يصح زعم زاعم أن نهيه  عن الكتابة ناسخ للإذن كما ذهب إلى ذلك الأستاذ محمد رشيد رضا( )،
وتابعه على ذلك محمود أبو رية( )، وجمال البنا( ) وغيرهم0
وإذا افترضنا صحة هذا القول منهم( )، فأين دليل نسخ الإذن بالتحديث والتبليغ الذى هو أبلغ فى حجية السنة كما مر، بل وأبلغ
وأقوى من النقل بالكتابة على ما سيأتى فى شبهة تأخر التدوين وهذا الإذن بالتحديث كما هو وارد عن رسول الله  عقب نهيه عن الكتابة، هو
أيضاً وارد عن الصحابة والتابعين عقب نهيهم عن الكتابة انظر إلى قول أبى سعيد الخدرى : "… إن نبيكم كان يحدثنا فنحفظ فاحفظوا كما كنا
نحفظ" وفى لفظ آخر "خذوا عنا كما أخذنا عن نبينا  وانظر إلى قول أبى هريرة : "ارووا كما كنا نروى" وأبى موسى الأشعرى "خذ عنا كما
أخذنا" وفى لفظ آخر "احفظوا عنا كما حفظنا" وكل هذه الروايات سبقت وهى مما استشهدوا بها على شبهتهم، وروى عن سليم بن عامر( )،
قال : كان أبو أمامة إذا قعدنا إليه يجيئنا من الحديث بأمر عظيم ويقول للناس : "اسمعوا واعقلوا، وبلغوا عنا ما تسمعون0 قال سليم : بمنزلة
الذى يشهد على ما علم"( )0

وعن سليم بن عامر قال كنا نجلس إلى أبى أمامة فيحدثنا حديثاً كثيراً عن رسول الله  فإذا سكت قال أعقلتم بلغوا كما بلغتم( )0

وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : "إنا كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله  فأما إذا ركبتم الصعب
والذلول، فهيهات( ) أ0هـ0

وعلى نفس درب الصحابة صار تلاميذهم من التابعين أمروا من نهوهم عن الكتابة بالتحديث بعد حفظهم0 انظر إلى قول سفيان
الثورى عقب نهى شيخه عمرو بن دينار "وما كتبت عنه شيئاً كنا نحفظ"0

فالصحابة  صاروا على المنهج النبوى، نهوا عن الكتابة مع وجود علتها، وفى نفس الوقت أذنوا بالكتابة مع الأمن من العلة،
وعلى دربهم صار التابعون ، وفى نفس الوقت الكل (النبى  - والصحابة والتابعين) أمروا بالحفظ والتحديث( )0

فلا تعارض حينئذ بين كراهيتهم لكتابة الحديث وبين حبهم ورغبتهم فى روايته، على ما زعمه الدكتور حسين الحاج( )0

فهل عند من يزعمون عدم حجية السنة، أو يزعمون أن النهى عن الكتابة ناسخ للأذن؟
هل عندكم دليل لنسخ هذا الأمر النبوى بحفظ سنته وتبليغها للناس كافة؟؟ وإن لم تجدوا دليلاً ولن تجدوا،

فعلام يدل عندكم هذا الأمر النبوى–بحفظ سنته وتبليغها؟
هل يدل على مجرد اللهو والعبث؟ أم يدل على أنه  والصحابة والتابعين أرادوا ألاَّ يجعلوا السنة القولية ديناً وشريعة عامة كالقرآن، كما ذهب
إلى ذلك خصوم السنة، وتأثر بهم بعض المسلمين( )، وتلك دعوى يكذبها قول وفعل النبى ، ومن صار على دربه إلى يوم الدين، وسيأتى
تفصيل ذلك فى : علة النهى عن كتابه السنة عند أعدائها( )0


عـلة النهى عن كتابة السنة كما وردت فى الأحاديث والآثـار
التى استشهد بها خصوم السنة على شبهتهم

أشرت فيما سبق عند عرض شبهة النهى عن كتابة السنة إلى أن أصحابها أغمضوا أعينهم عن علة النهى، وسفهوا رأى من
يقول بها من أئمة المسلمين من المحدثين والفقهاء، وسائر علماء المسلمين إلى يومنا هذا، بالرغم من أن هذه العلة واردة فى نفس الأحاديث
التى احتجوا بها علينا0

وأولى هذه العلل كما جاء فى الأحاديث :
1- المحافظة على كتاب الله  وصيانته عن خلطه بالسنة دون تمييز بينهما0 ويبدو هذا واضحاً فى رواية أبى هريرة : "أكتاب مع
كتاب الله … امحضوا كتاب الله أو خلصوه" وهذه الرواية مع ضعف سندها لوجود عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ المتفق على ضعفه( )، إلا أن
رواية أبى بردة بن أبى موسى الأشعرى  والتى أخرجها الطبرانى فى الكبير والبراز فى مسنده بإسناد صحيح، كما قال الحافظ الهيثمى فى
مجمع الزوائد( ) تشهد لصحة رواية أبى هريرة، كما تشهد لصحة هذه العلة؛ ففيها التصريح الذى لا لبس فيه بأن الأحاديث كتبت بجوار القرآن
فى صحيفة واحدة بلا تمييز يؤمن معه سلامة القرآن0 وهذا قول أبى موسى الأشعرى صريحاً : "لولا أن فيه كتاب الله لأحرقته"0

ففى رواية أبى هريرة، وكذا فى قول أبى موسى الأشعرى ما يبين أن السنة فى عهد النبوة والصحابة كانت تكتب بجوار القرآن
فى صحيفة واحدة بلا تمييز يحفظ معه القرآن من اشتباهه بالسنة التى كتبت بجواره0

ويؤكد ذلك القراءات الشاذة، فما هى إلا تفسير لبعض كلمات القرآن كتبت بجوارها للإيضاح والبيان- ومن فعل ذلك من الصحابة
كان محققاً لما تلقاه عن النبى  قرآناً، وذلك كقراءة ابن عباس–رضى الله عنهما-:لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ( )

فى مواسم الحج( ) وكقراءة ابن مسعود  : وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ( ) من أم( )، وكقراءة ابن مسعود  : فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ( )
متتابعات( )0

فمثل هذا عند الأئمة من القراءات الشاذة، وحكمة التفسير( ) على خلاف فى العمل به هل له حكم الرفع أم هو
مذهب الراوى( )؟

وإذا كان هذا يؤكد أنه وجد من الصحابة من يكتب السنة بجوار القرآن فى صحيفة واحدة، مع خطورة هذا الأمر،
فقد وجد فى التابعين من يكتب الرأى بجوار السنة ولا يبعد كتابتهم الرأى بجوار القرآن0

يدل على هذا ما روى عن الشعبى( ) أن مروان( ) أجلس لزيد بن ثابت( ) رجلاً وراء الستر، ثم دعاه فجلس يسأله
ويكتبون فنظر إليهم زيد، فقال : يا مروان عذراً إنما أقول برأيى"( ) وروى عن يحيى بن سعيد( ) قال : جاء رجل إلى سعيد بن المسيب( )،
فسأله عن شىء، فأملاه عليه، ثم سأله عن رأيه؛ فأجابه فكتب الرجل فقال رجل من جلساء سعيد : أيكتب يا أبا محمد رأيك؟ فقال سعيد للرجل
: ناولينها فناوله الصحيفة فخرقها"( )0

وكان مجاهد يقول لأصحابه : "لا تكتبوا عنى كل ما أفتيت به، وإنما يكتب الحديث0 ولعل كل شىء أفتيتكم به اليوم
أرجع عنه غداً"( )0

ومن هنا ندرك صحة علة النهى عن كتابة شىء -فى أول الأمر- سوى القرآن الكريم صيانة لهذا الكتاب المعجز
ممن كانوا حديثى عهد بالإسلام ولم يعتادوا على أسلوبه وأكثرهم من الأعراب الذين لم يكونوا فقهوا فى الدين0

وفى نفس الوقت تعليم للصحابة وللأمة من بعدهم المنهج الأمثل فى المحافظة على هذا الكتاب الخالد0

مع العلم بأن النهى فى أول الأمر كان يشمل وقت نزول القرآن أو بعده، ممن يمكن أن تقع فى يده هذه الصحيفة وهو من غير
أهل العلم حتى إذا تعلموا الدرس، جاء الإذن بكتابة السنة لمن اعتادوا أسلوب القرآن وتمييزه كعبد الله بن عمرو وغيره ممن أذن لهم النبى ،
مع استمرار النهى عن كتابة السنة مع القرآن فى صحيفة واحدة حتى وإن كان مميزاً بينهما0
أما رفض دعاة اللادينية وغلاة الشيعة لهذه العلة بحجة أن تلك العلة تعنى جعل الأحاديث من جنس القرآن فى الأسلوب والبلاغة،
وفى ذلك إبطال لإعجاز القرآن الكريم( )0

فأقول : ليس فى ذلك إبطال لإعجاز القرآن، بل حفاظاً لهذا الإعجاز بمنهج نبوى طبقة النبى  قولاً وعملاً،
واستوعبه الخلفاء وطبقوه كما فهموه من النبى ، لأنه إذا كان هناك من كبار الصحابة من يدرك ويميز بين الأسلوب القرآنى وإعجازه وبين
الأسلوب النبوى، فهناك من عامة الصحابة من لا يدرك ذلك، وهذا هو حال جميع الناس فى جميع العصور والأمصار وهذا أمر بديهى لا يجادل
فيه منصف0

فكان من المنهج الربانى فى المحافظة على كتابه العزيز النهى عن كتابة ما سواه فى أول الأمر؛ لأنه متعبد بلفظه
فى الصلاة وغيرها، ولا يجوز إبدال حرف منه بآخر؛ فكان لابد من المحافظة على هذا الإعجاز ممن لا يدركه فى زمن النبوة المباركة، وجميع
العرب فيما بعد ذلك، وجميع الأعاجم والمستعربين فى جميع العصور0 ممن لا يؤمن أن يلحقوا ما يجدون فى الصحف بالقرآن، ويعتقدوا أن ما
اشتملت عليه كلام رب العباد0

أما سؤال بعضهم : لماذا لم يأمر النبى بكتابة السنة فى صحف على حدتها، ويكتب عليها ما يفيد أنها أقوال
النبى  فتتميز السنة على القرآن فلا يؤمن اختلاطهما( )0

فنقول : أذن النبى  بكتابة سنته المطهرة فى صحف على حدتها، وميزها من أذن له النبى  بذلك كعبد الله بن عمرو، وجابر
بن عبد الله، وأبى هريرة وغيرهم ممن عددهم الدكتور الأعظمى فى كتابه "دراسات فى الحديث النبوى"( ) كما أملى النبى  كثير من سنته
المطهرة فى حياته المباركة، وهذا ما استوعبه الدكتور امتياز أحمد فى كتابه "دلائل التوثيق المبكر للسنة"( )0

فالنبى نهى عن الكتابة فى أول الأمر، ثم أذن بعد ذلك، وكان النهى دائر مع الخوف، والإذن دائر مع الأمن وجوداً وعدماً، وكان
خلال الإذن كتابات ولكن لم تدون تلك الكتابات فى مكان واحد، كيف والقرآن نفسه كتب فى عهده ، ولم يدون فى مكان واحد بين دفتيه إلا فى
عهد الصديق 0

ومع وجود كتابات فى زمن النبوة فى وقت الإذن إلا أنه لم يأمر بكتابة سنته كلها للفرق الشاسع بين حجم
القرآن، وحجم السنة التى من وظيفتها الشرح والبيان له، وعادة الشرح أن يكون أكبر حجماً من المشروح، ولو فرض كتابة السنة كلها زمن
النبوة كما كتب القرآن الكريم، وأُمن من التمييز بينهما لم يؤمن انشغال الناس بها دون القرآن0

1- وهذه هى العلة الثانية الواردة فى الأحاديث التى تنهى عن كتابة السنة : خشية الانشغال عن القرآن الكريم ومضاهاته بغيره من
الكتب حتى ولو كانت السنة0

والمراد بالانشغال بالسنة عن القرآن الكريم تقديمها فى الاهتمام بها قبل الاهتمام أولاً بكتاب الله  مما يؤدى إلى
ترك كتاب الله  وإهماله وهذا ما صرح به الفاروق عمر  بعد عدوله عن تدوين السنة وموافقة الصحابة "وإنى والله لا ألبس كتاب الله بشىء
أبداً"( ) وإعلان سيدنا عمر  هذا على ملأ من الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- وإقرارهم بذلك يدل على استقرار أمر هذه العلة فى
نفوسهم( )0

وأكثر صراحة من ذلك فىتأكيد المراد بالانشغال بالمعنى السابق قول الضحاك-رحمه الله- "يأتى على الناس زمان
تكثر فيه الأحاديث حتى يبق المص-حف بغبارة لا ينظر فيه"0

وعن أبى خالد الأحمر( ) قال : "يأتى على الناس زمان تعطل فيه المصاحف، لا يقرأ فيها، يطلبون الحديث والرأى،
ثم قال : أياكم وذلك؛ فإنه يصفق الوجه، ويكثر الكلام، ويشغل القلب" كما كان الخوف من التشبه بالقرآن الكريم فى شكله، وفى ذلك يقول أبى
سعيد الخدرى  : "أتريدون أن تجعلوها مصاحف" ويقول الضحاك : "لا تتخذوا للحديث كراريس ككراريس المصاحف" وروى عن إبراهيم
النخعى : أنه كان يكره أن يكتب الحديث فى الكراريس ويقول : "يشبه بالمصاحف"( )0

كذا كان هناك خوف من التشبه بالقرآن فى روايته باللفظ وعدم إجازة رواية السنة بالمعنى، وذلك واضح فى رواية أبى سعيد
الخدرى لما قال له أبو نضرة : إنك تحدثنا عن رسول الله  حديثاً عجيباً، وإنا نخاف أن نزيد فيه أو ننقص" فكانت إجابة أبى سعيد : "أردتم أن
تجعلوه قرآناً لا، لا، ولكن خذوا عنا كما أخذنا عن رسول الله ( )، وفى رواية ابن المبارك فى مسنده "لن أكتبكموه، ولن أجعله قرأناً"0

وكان يشتد الخوف والغضب إذا كان التشاغل والمضاهاة بكتب أهل الكتاب0
كما جاء فى رواية جابر بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله بنسخة من التوراة، فقال يا رسول الله،
هذه نسخة من التوراة فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله  يتغير فقال : أبو بكر : ثكلتك الثواكل، ما ترى بوجه رسول الله  : فنظر عمر إلى
وجه رسول الله  فقال : أعوذ بالله، من غضب الله ومن غضب رسوله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً، فقال رسول الله  : "
والذى نفس محمد بيده، لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتمونى لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حياً وأدرك نبوتى لاتبعنى( )، وفى
بعض الروايات : "... ثم جعل أى النبى  يتبعه رسماً رسماً فيمحوه بريقة وهو يقول: "لا تتبعوا هؤلاء؛ فإنهم قد هوكوا وتهوكوا" حتى محا
آخره حرفاً حرفاً( )0

وعلى هذا الدرب صار الصحابة كما روى عن عمر بن الخطاب؛ أنه أتى برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس( ) فقال له عمر :
أنت فلان ابن فلان العبدى قال : نعم، فضربه بعصا معه فقال الرجل : مالى يا أمير المؤمنين، فقال له عمر : اجلس فجلس فقرأ عليه الر تِلْكَ
ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ
الْغَافِلِينَ( )0

فقرأها عليه ثلاثاً وضربه ثلاثاً، فقال الرجل : مالى يا أمير المؤمنين فقال : أنت الذى نسخت كتب دانيال( )، قال :
مرنى بأمرك اتبعه قال : انطلق فامحه بالحميم( ) والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه أنت، ولا تقرئه أحداً من الناس، فلئن بلغنى عنك أنك قرأته أو
أقرأته أحداً
من الناس؛ لأنهكتك عقوبة، ثم قال له : اجلس فجلس بين يديه قال : انطلقت أنا فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب، ثم جئت به فى
أديم( ) فقال رسول الله  ما هذا الذى فى يدك يا عمر؟ فقلت : يا رسول الله : كتاب نسخته لنزداد علماً إلى علمنا فغضب رسول الله  حتى
أحمرت وجنتاه( ) … ونقل قصته بنحو رواية جابر بن عبد الله السابقة0

ومثل هذه القصة وقعت مع الإمام أبى حنيفة لما دخل شخص الكوفة بكتاب دانيال فكاد أبو حنيفة أن يقتله، وقال له أكتاب ثَمَّ غير
القرآن والحديث( )؟

وكذلك صنع ابن مسعود  فى الصحيفة التى قُدِمَ بها عليه من الشام محاها ثم تلا نفس الآية التى تلاها عمر نَحْنُ
نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ( )0

وقال : "القلوب أوعية فاشغولها بالقرآن ولا تشغلوها ما سواه، إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم
كتاب ربهم"0

وهو يعنى بالكتب هنا كتب أهل الكتاب أو ما أخذت عنها كما قال أبو عبيد أحد رواة هذا الحديث فى رواية ابن عبد البر : "يرى أن
هذه الصحيفة أخذت من أهل الكتاب فلهذا كره عبد الله النظر فيها"0
ويؤكد مرة الهمدانى الراوى عن ابن مسعود كما فى رواية الدارمى أن الصحيفة ليست من السنة، وإنما كانت من
كتب أهل الكتاب بقوله : "أما أنه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب"0

وفيما سبق رد على ما ذهب إليه بعض غلاة الشيعة،أن محو السنة فى زمن الخلفاء، لأجل ما فى الأحاديث من فضائل
لأهل البيت وحجتهم رواية ابن مسعود عند الخطيب( )0

ولو فُرِضَ صحة رواية الخطيب، أن الصحيفة التى محاها ابن مسعود كانت فيها أحاديث فى فضائل أهل البيت، فذلك
المحو محمول على أنها كانت أحاديث مكذوبة فى فضائل أهل البيت، وإلا لو كانت صحيحة لكانت من السنة وما محاها  كما قال مرة الهمدانى
"أما إنه لو كانت من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب( )0

وكتب أهل الكتاب هذه هى التى قال فيها أيضاً ابن عون : "إنى أرى هذه الكتب يا أبا إسماعيل ستضل الناس0

وهذه الكتب أو ما أخذ منها هو ما جعل السلف الصالح يكرهون الكتابة خشية الاشتغال بها عن القرآن الكريم والسنة النبوية
معاً0

وفى ذلك يقول الخطيب( ) –رحمه الله تعالى– : "فقد ثبت أن كراهة من كره الكتاب من الصدر الأول إنما هى لئلا
يضاهى بكتاب الله تعالى غيره، أو يشتغل عن القرآن بسواه، ونهى عن الكتب القديمة أن تتخذ؛ لأنه لا يعرف حقها من باطلها، وصحيحها من
فاسدها0 مع أن القرآن كفى منها، وصار مهيمناً عليها"( )0

وفى نفس الوقت الذى كان فيه نهى عن الكتابة سواء فى عهد النبوة، أو الصحابة، أو التابعين؛ كان الأمر
بالتحديث بالسنة وتبليغها0

وكان هذا التبليغ للسنة معتمداً بجوار الكتابة على ملكة الحفظ، والتى هى العمدة والأساس فى وصول القرآن والسنة إلينا سالمين
من التصحيف والتحريف والتبديل0

وملكة الحفظ من مفاخر العرب وهى ملكة طبعوا عليها، والاعتماد على الكتابة يضعفها مع أهميتها، فكان التوجيه النبوى بالنهى
عن الكتابة لتقوية تلك الملكة0

كما قال  : "نضر الله أمرأ سمع منا حديثاً فحفظه"0 وقوله  "احفظوه وأخبروا به من وراءكم"0

وصار الصحابة والتابعون على الدرب نهوا عن الكتابة خوف الإتكال عليها وترك الحفظ لا سيما والإسناد قريب
والعهد غير بعيد وهذه هى العلة الثالثة المصرح بها فى الأخبار والآثار الواردة فى النهى عن الكتابة0

3- خوف الاتكال على الكتابة وترك الحفظ، وفى ذلك يقول إبراهيم النخعى : "وقل ما كتب رجل كتاباً إلا اتكل عليه" ويقول سفيان : "بئس
المستودع العلم القراطيس" ومن كتب كتب ليحفظه فإذا حفظه محاه كما فى قول مسروق : "إنما أريد أن احفظها ثم أحرقها" فأقره علقمة بقوله
"فلا بأس" وروى مثل ذلك عن ابن شهاب ومالك، وعاصم بن ضمرة، وغيرهم( ) ومر قول أبى سعيد الخدرى "احفظوا عنا كما حفظنا" وقول
سفيان الثورى : "وما كتبت عنه شيئاً كنا نحفظ"( )0
4- والعلة الرابعة الواردة فى نفس أحاديث النهى عن الكتابة "خوف صيران الأحاديث إلى غير أهلها" فلا يعرف أحكامها، ويحمل جميع ما فيها
على ظاهره وربما زاد فيها ونقص، فيكون ذلك منسوباً إلى كاتبها فى الأصل، وهذا كله وما أشبهه قد نقل عند المتقدمين الاحتراس منه"( )
ولعل الأصل فى ذلك ما صح من أنه ، "كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو0 مخافة أن يناله العدو( )"0

وعلى هذا يحمل ما ورد عن الصديق  فى إحراقه ما جمعه من أحاديث على فرض صحته( ) ونحوه قول عَبِيْدة السلْمَانى : بعد
محو كتبه عند موته : "أخشى أن يليها أحد بعدى، فيضعوها فى غير مواضعها"0

ويقول أبو قلابة فى وصيته لأحد تلاميذه المقربين أيوب السختيانى : "ادفعوا كتبى إلى أيوب إن كان حياً، وإلا فأحرقوها( )0

ويقول الأوزاعى : "كان هذا العلم شريفاً إذا كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار فى الكتب؛ ذهب نوره، وصار
إلى غير أهله"( )0

هذه هى علل النهى عن كتابة السنة تعلن عن نفسها بوضوح فى الأخبار والآثار التى استشهد بها أصحاب هذه الشبهة0

وقد يتساءل بعضهم( ) عن سبب العدول عن علل كراهة كتابة السنة وإباحة كتابتها فى عصر التدوين وما بعده إلى يومنا هذا0
والإجابة على هذا؛ هى ما أجاب به الخطيب بقوله : "إنما اتسع الناس فى كتب العلم وعولوا على تدوينه فى الصحف بعد الكراهة
لذلك، لأن الروايات انتشرت، والأسانيد طالت، وأسماء الرجال وكناهم وأنسابهم كثرت والعبارات بالألفاظ اختلفت، فعجزت القلوب عن حفظ ما
ذكرنا … مع رخصة رسول الله ، لمن ضعف حفظه فى الكتاب، وعمل السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين بذلك"( )0

وكما قال ابن الصلاح : "ولولا تدوينه فى الكتب لدرس فى الأعصر الآخرة"( )، ولقد صدق رحمه الله تعالى0
وبعــد
فقد ظهر واضحاً جلياً أن النهى عن كتابة السنة ليس لذاته، بل لعلل نصت عليها الأحاديث ذاتها التى نهت عن كتابة السنة
وتدوينها0

تلك العلل التى أغمض أعداء السنة أعينهم عنها بالرغم من وجودها صراحة فى نفس الأخبار والآثار التى احتجوا بها لشبهتهم، فإن سلموا
بصحة تلك الأحاديث فعليهم التسليم بالعلل الواردة فيها، ولا يكونوا ممن قال فيهم رب العزة أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ( )0

وإن لم يسلموا بصحة ما استشهدوا به من الأخبار والآثار لم يبق لشبهتهم أساس فى أن النهى عن كتابة السنة زمن النبوة،
والصحابة، والتابعين، دليل على عدم حجية السنة المطهرة، لأنه فى الوقت الذى كان فيه نهى عن الكتابة زمن النبوة، والصحابة، والتابعين،
كان فى الوقت ذاته إذن بالكتابة0

ولا أقول هنا بنسخ أحدهما للآخر( )،لأن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع وهو ممكن هنا0 وهذا ما ذهب إليه الدكتور عبد الغنى-رحمه
الله تعالى- فى الجمـع بيـن
أحاديث النهى وأحاديث الإذن0 قال : "وقد قال بالنسخ جمهور العلماء( )، واختاره بعض المتأخرين( )0
والحق أنه لا نسخ أصلاً، وأن النهى دائر مع الخوف -من العلل السابقة- والأذن دائر مع الأمن وجوداً وعدماً ... فإنه يجب أن لا نقول بالنسخ
إلا عند عدم إمكان الجمع بغيره، وقد أمكننا الجمع بتخصيص النهى بحالة الخوف، والإذن بحالة الأمن، مع التحديث والتبليغ فى الحالتين، وهو
جمع معقول المعنى0 فما الذى يضطرنا إلى القول بالنسخ؟

ثم إنه لا داعى للتخصيصات بالصحف أو الأشخاص أو الأزمنة كما يذكر فى بعض أقوال الجمع، بل المدار فى النهى على حصول الاشتباه من
كتابة السنة مع القرآن أو مستقلة ومن كاتب الوحى أو من غيره0 وفى زمن نزول الوحى أو فى غيره0 والمدار فى الإذن على الأمن من
الاشتباه فى هذه الأحوال كلها( ) أ0هـ0

وهكذا شاءت إرادة الله ، أن يكون النهى عن كتابة السنة جزء من هذا المنهاج العظيم الذى حفظت به رسالة الإسلام القائمة
على الكتاب والسنة معاً0

وفى ذلك يقول الدكتور همام عبد الرحيم : "ولولا ذلك لكثرت الشروح والتعليقات على آيات القرآن الكريم، ثم اختلط الأمر على
الكاتبين أو من يأتى بعدهم، فلا يستطيعون تمييز النص المتعبد بتلاوته عن سائر النصوص -سنة كانت أو رأى فقيه- وهذا ما حدث لرسالات
الأنبياء قبل رسول الله ، فقد اختلطت الحقيقة بالخيال، والخطأ بالصواب، والوحى بالرؤى والأحلام0 حتى ذهب الأصل واختفى تحت وطأة
الزيادات والإضافات، فلم يعد للوحى تميزه وهيمنته، وأصبح الوحى عند اليهود والنصارى : حركة التاريخ بمعنى أن كل شىء يحدث فى التاريخ
يضاف إلى الوحى، باعتباره إرادة الله وحركة ذلك فى الأحداث0

وما القراءات الشاذة -عندنا كما سبق0 إلا إضافات تفسيرية كتبت إلى جانب الآيات( )، ثم ظن الكاتب أنها من القرآن الكريم، ولكن الكثرة
الكاثرة من الصحابة الذين أفردوا النص ولم يكتبوا شيئاً إلى جانبه، بالإضافة إلى الذين حفظوه كل هؤلاء تواترت الرواية القرآنية عنهم،
وحكموا على الزيادة بالشذوذ وعدم القبول( ) أ0هـ0


عـلة النهـى عن كتابـة السنـة عنـد أعدائهــا
والـرد علـى مزاعمهـم الآتيـة

أولاً : أن النهى عن كتابة السنة يدل على أن النبى  وأصحابه  أرادوا ألا يكون مع كتاب الله  كتاب آخر0

ثانياً : أن النهى يدل على أن النبى  وأصحابه أرادوا ألا تكون السنة ديناً عاماً دائماً كالقرآن الكريم0

ثالثاً : أن النهى عن الإكثار من التحديث دليل على أن الصحابة  كانوا يجتهدون فى مقابل السنة الشريفة ولا يأخذون بها0

رابعاً : أن النهى عن الإكثار من الرواية دليل على عدم حجية السنة النبوية، واتهام من أبى بكر وعمر –رضى الله عنهما- للصحابة بالكذب0

استعراض شبه النهى عن كتابة السنة عند أعدائها والرد عليها

زعم أعداء السنة أن العلة الحقيقية فى نهى النبى ، والصحابة، والتابعين عن كتابة السنة هو :
أولاً : أنهم لم يريدوا أن يكون مع كتاب الله  كتاب آخر0 وفى ذلك يقول جمال البنا : "والحق الذى لا مراء فيه أن الرسول نهى عن تدوين
أحاديثه0 حتى لا يكون مع كتاب الله كتب أخرى، وحديث أبى هريرة صريح فى هذا قال أبو هريرة خرج علينا لرسول الله ونحن نكتب أحاديثه
... وذكر الحديث ثم قال وهذا هو ما فعله أبو بكر عندما أحرق الأحاديث المدونة التى كانت عنده قبل أن يموت0 كما أن عمر بعد أن استشار
الصحابة فى كتابة السنن ... وذكر الحديث"( )0

وبنفس هذه العلة وأدلتها يصرح نيازى عز الدين فيقول بعد اعتراضه على علة الخوف من اختلاط السنة بالقرآن : "وذلك
التخوف لم يكن موجوداً من الأساس، بدليل أحاديث الرسول  وأحاديث كبار الصحابة، بل كان الخوف كله من أمر آخر ذكره الرسول  وذكره
الصحابة أجمعون، وقد قرأنا قبل قليل فى حديث أبى هريرة، وفى الحديث المروى عن عمر بن الخطاب ، عندما أراد أن يكتب السنن وهو ألا
يكون إلى جانب كتاب الله كتاب آخر، وانشغال الناس بالحديث عن كتاب الله وهذا التخوف ما زال موجوداً إلى اليوم ... ثم يقول فى موضع
آخر، وهذا السبب وحده -يعنى ألا يكون إلى جانب كتاب الله كتاب آخر- ملزم بعدم كتابة الأحاديث إلى يوم يبعثون- ولا يمكن لهذا الأمر أن
ينسخ أبداً"( )0
ثانياً : وتارة ثانية يزعم خصوم السنة أن العلة فى نهى النبى ، والصحابة والتابعين، عن كتابة السنة المطهرة هو : أنهم لم يريدوا أن
يجعلوها ديناً وشريعةً عامةً كالقرآن الكريم0
وفى ذلك يقول توفيق صدقى : "إن ما بينته السنة للعرب فى ذلك الزمن لا يصلح لجميع الأمم فى الأوقات المختلفة"( ) وفى
موضع آخر يقول : "وكان بعض الصحابة ينهى عن التحديث ولو كانت السنة عامة لجميع البشر لبذلوا الوسع فى ضبطها ولتسابقوا فى نشرها
بين العالمين ولما وجد بينهم متوان أو متكاسل أو مثبط لهم"( )0

وبهذا القول تأثر الأستاذ محمد رشيد رضا( ) -رحمه الله- إذ يقول : "هل الأحاديث ويسمونها بسنن الأقوال دين وشريعة عامة
وإن لم تكن سنناً متبعة بالعمل بلا نزاع ولا خلاف لا سيما فى الصدر الأول( )؟ إن قلنا : نعم فأكبر شبهة ترد علينا؛ نهى النبى  عن كتابة
شىء عنه غير القرآن( )، وعدم كتابة الصحابة للحديث( )، وعدم عناية علمائهم وأئمتهم كالخلفاء بالتحديث بل نقل عنهم الرغبة عنه( )،
ونفس هذا الكلام كرره فى موضع آخر قائلاً : "وإذا أضفت إلى هذا ما ورد فى عدم رغبة كبار الصحابة فى التحديث بل فى رغبتهم عنه بل فى







 
قديم 06-03-08, 04:56 AM   رقم المشاركة : 8
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


:
نهيهم عنه قوى عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث ديناً عاماً دائماً، كالقرآن0 ولو كانوا فهموا عن النبى  أنه يريد ذلك لكتبوا
ولأمروا بالكتابة، ولجمع الراشدون ما كتب وضبطوا ما وثقوا به وأرسلوه إلى عمالهم ليبلغوه ويعملوا به ولم يكتفوا بالقرآن والسنة المتبعة
المعروفة للجمهور بجريان العمل بها"( )0

وأيد الأستاذ رشيد رضا فى ذلك محمود أبو رية( )، وجمال البنا فى كتابه : "السنة ودورها فى الفقه الجديد" إذ يقول: "ولا جدال
فى صحة ما ذهب إليه السيد رضا-رحمه الله- من أن الصحابة "لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث ديناً دائماً كالقرآن" فالحق أبلج، ولا يقف فى
سبيله تلك الدعاوى والتعلات"( )، وفى موضع آخر يصرح بذلك من قوله قا ئلاً : "نهى الرسول عن كتابة حديثه ورفض الخلفاء والصحابة
الكتابة، الدلالة الوحيدة التى تستخلص من هذه الوقائع : الرسول والخلفاء الراشدون والصحابة أرادوا عدم تأبيد ما جاءت به السنن من أحكام"(
)
وهكذا يذهب أعداء السنة إلى أن علة النهى عن كتابة السنة هى : أن الرسول  والصحابة أرادوا ألا يجعلوا مع كتاب الله  كتاب
آخر، وأنهم ما أرادوا أن تكون السنة ديناً عاماً دائماً كالقرآن الكريم، ويستدلون على ذلك بما مر من حديث أبى هريرة مرفوعاً وحديثى أبى
بكر وعمر الموقوفان، ويزعمون أن تلك الأحاديث صريحة فى دعواهم0

الجواب عن شبهة أن النهى عن كتابة السنة يدل على أن النبى  وأصحابه أرادوا ألا يكون مع كتاب الله  كتاب آخر 0

إن ما استدل به أعداء السنة على زعمهم لا حجة لهم فيه، لأنه إذا جاء فى حديث أبى هريرة قوله  "أكتاب غير كتاب الله" ألم يقل  بعدها
مباشرة (امحضوا كتاب الله أو خلصوه) وهو مما يشير إلى العلة الحقيقية فى النهى، وهى : صيانة كتاب الله مما اختلط به من السنة بلا تمييز؛
بدليل : رواية أبى بردة بن أبى موسى الأشعرى  وهى أصح سنداً من رواية أبى هريرة0 ثم أليس فى حديث أبى هريرة  أمر النبى 
بالتحديث والتبليغ وهو أبلغ فى حجية السنة كما مر … وكذا حديث أبى بكر  على فرض صحته أليس فيه دليل على كتابة السنة فى عهده ،
وما حرقه  لما جمعه من أحاديث ليس شكاً منه فى حجية السنة، كيف! وقد علل ذلك بخشيته أن يكون الذى حدثه وَهِمَ فَكَرِهَ تقلد ذلك كما
خشى أن يتوهم متوهم أن ما جمعه هو كل ما قاله رسول الله  فيقول هذا المتوهم، كما قال أبو بكر معللاً صنيعه : "لو كان قاله رسول الله 
ما غاب على أبى بكر" ثم يصرح  بعد ذلك مباشرة بأنه حدث بحديث رسول الله  ولم يجمع فى الصحيفة التى حرقها كل أحاديث رسول الله 
فيقول : "إنى حدثتكم الحديث ولا أدرى لعلى لم أتتبعه حرفاً حرفاً"0

أما حديث عمر  ففيه أبلغ حجة على حجية السنة عند الصحابة أجمع  فعمر  عندما هم بكتابة السنة -ليس مجرد الكتابة0
فهى كانت مكتوبة- وإنما المراد بالكتابة تدوينها تدويناً عاماً فى مكان واحد، كما كان  صاحب اقتراح تدوين القرآن الكريم تدويناً عاماً فى
مكان واحد زمن أبو بكر الصديق  وتردد أبو بكر وزيد بن ثابت فى هذا التدوين فى أول الأمر -كان منهم تورعاً كما قالوا : "كيف نفعل شيئاً
لم يفعله رسول الله  ؟!

فهل يستطيع مخلوق على وجه الأرض أن يقول أن تردد أبو بكر وزيد –رضى الله عنهما- دليل على عدم حجية كتاب الله  عندهم( )؟؟
ألم يقل لهم الفاروق عمر "أنه والله خير"، فكان الأمر كما قال0

وعندما هم بتدوين السنة تدويناً عاماً، كالقرآن، واستشار فى ذلك الصحابة هل تردد واحد منهم؟ كلا! كما جاء فى الحديث "
فأشاروا عليه بأن يكتبها" ولكنه عدل عن هذا التدوين فى زمنه لعدم الأمن من انشغال الناس بها والاهتمام بها على حساب كتاب الله ( ) حتى
لا يبقى المصحف بغبارة لا ينظر فيه كما قال الضحاك، وهذا هو معنى قوله "وإنى والله لا ألبس كتاب الله بشىء أبداً"، ولم يقل : "حسبنا
كتاب الله"0
ولو كان المراد بالانشغال عن السنة فى قول النبى  والصحابة  خشيتهم أن تكون السنة حجة وكتاباً آخر مع كتاب الله  كما فهم أعداء
الإسلام وزعمهم بأن هذا السبب "ملزم بعدم كتابة الأحاديث إلى يوم يبعثون، ولا يمكن لهذا الأمر أن ينسخ أبداً" كما مر من قول نيازى عز
الدين0

لو كان هذا -الفهم الأعوج- هو المراد بالانشغال الذى كان من أجله النهى عن كتابة السنة :
أ- مـا كان للنبـى  أن يكتــب0
ب- ولما كان له أن يأذن بالكتابة عنـه0
ج- وما كان له أن يأمر بالتحديث عنه0
د-ولما كان للصحابة والتابعين أن يقتدوا بالنبى فيما سبق، من الكتابة والإذن بالتحديث
هـ- ولما كان هناك مَعْنَى [ لَـهِـمِّ ] عمر بالتدوين وإقرار الصحابة له على ذلك ثم عدوله عنه، إذ كيف يهم بتدوين شىء ليس بحجة،
وكيف يجوز على الصحابة أجمع إقراره على هذا التدوين؟
و- بل ولم يجز تدوين السنة تدويناً رسمياً فى عهد عمر بن عبد العزيز 0
ز- ولما جاز إجماع الأمة بعد عصر الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا على كتابتها وتدوينها
ح- بل ولما جاز منهم الإجماع على حجيتها واعتبارها المصدر التشريعى الثانى الملازم لكتاب الله  لا ينفصل أحدهما عن الآخر0

ثانياً : الجواب عن شبهة أن النهى عن كتابة السنة يدل على أن النبى  وأصحابه  أرادوا ألا تكون السنة ديناً عاماً دائماً كالقرآن الكريم :
إذا بطل هذا الفهم الأعوج من أعداء الإسلام لمعنى"خوف النبى  والصحابة  من الانشغال بالسنة عن كتاب الله، بألا يكون مع
كتاب الله كتاب آخر، بطل أيضاً ما فهموه من أن النهى عن كتابة السنة من النبى  والصحابة والتابعين 0 دلالته عدم صلاحية السنة
لكل زمان ومكان، وعدم تأبيد ما جاء به السنن من أحكام0

وهذا ما تأثر به رشيد رضا -رحمه الله- وعبر عنه بأنهم:"لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث ديناً عاماً دائماً كالقرآن"0
وكيف يصح القول بأن مراد النبى  من نهيه عن كتابة سنته ألا تكون ديناً عاماً دائماً كالقرآن0
1- فعلام إذن يقرنها مع كتاب الله  مبيناً أن الاعتصام بهما عصمة من الضلال فى قوله: "إنى قد تركت فيكم ما إن اعتصتم به فلن تضلوا أبداً
كتاب الله وسنة نبيه"( )0
2- وعلام يأمر بتبليغ سنته المطهرة فى قوله : "ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع( )0
3- وعلام يوصى بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين والعض عليها بالنواجذ عند الاختلاف فى قوله  : "فإنه من يعش منكم : فسيرى
اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ( )0
4- وعلام التحذير الشديد من الكذب  : "إن كذباً على ليس ككذب على أحد0 فمن كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"( )0
5- وعلام يحذر ممن يأتيه الأمر مما أمر به أو نهى عنه فيعترض ويقول : "بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا
فيه حراماً حرمناه، ثم يبين  أن ما يجرمه بوحى مثل ما حرمه الله فى كتابه قائلاً : "إلا وإن ما حرم رسول الله  مثل ما حرم الله"( ) وذلك
التحريم دينٌ دائمٌ إلى يوم القيامة كما سيأتى من قول عمر ابن عبدالعزيز : "فما أحل على لسان نبيه فهو حلال إلى يوم القيامة، وما حرم على
لسان نبيه فهو حرام إلى يوم القيامة"0
6- علام يصف الزائغ عن سنته المطهرة بأنه هَالِكٌ كما قال  : "قد تركتكم على البيضاء0 ليلها كنهارها0 لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك"( ) 0
فعلام يدل هذا إذا لم تكن السنة النبوية حجة وديناً عاماً دائماً كالقرآن الكريم!
إن كل ما نقلناه هنا من هذه الأحاديث ونحوها كثير بمثابة التصريح من رسول الله  بأن سنته المطهرة حجة ودينٌ عامٌ دائمٌ ملازمٌ للقرآن
الكريم إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ( )وهذا ما فهمه الصحابة من رسول الله  فهم أول المخاطبين بما
سبق من الأحاديث، وهم أول المخاطبين بكتاب الله  وفيه الأمر بطاعته  والتحذير من مخالفة أمره قال تعالى : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( )0

فهل هذا الأمر الإلهى بإتباع أمر نبيه  الوارد فى سنته المطهرة أراد به رب العزة ألا يكون ديناً عاماً دائماً كالقرآن ؟؟؟

إن القول بهذا طعن فى القرآن نفسه، وفى عالمية الدعوة الإسلامية؛ ثم إن رب العزة يقسم بذاته المقدسة على عدم إيمان من لم يحكم رسوله
فى كل شأن من شئون حياته ومن المعلوم بالضرورة أننا نحكم الرسول  بذاته وهو حى، فإذا انتقل الرسول  إلى الرفيق الأعلى حكمنا سنته
المطهرة، على أنه ليس فقط أن نحكم الرسول  وسنته، بل لابد وأن تمتلئ قلوبنا بالرضا والسعادة بهذا الحكم النبوى وأن نخضع له خضوعاً
كاملاً مع التسليم التام قال تعالى : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا( ) وعلى ذلك يؤكد النبى  بقوله : "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"( )0

ولم يخالف فى ذلك أحد من أصحاب رسول الله ، ولا يقول بخلاف هذا إلا من جهل طريقتهم فى العمل بأحكام الدين وكيف كانوا
يأخذونها0

فالصحابة أجمع وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين كانوا يعظمون حديث رسول الله  ويحكمونه فى كل شأن من شئون حياتهم0
فعن ميمون بن مهران( ) قال : كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه الخصم نظر فى كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضى بينهم قضى به، وإن لم
يكن فى الكتاب، وعلم من رسول الله  فى ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال : أتانى كذا وكذا فهل علمتم أن
رسول الله  قضى فى ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله  فيه قضاءاً فيقول أبو بكر : الحمد لله الذى جعل فينا من
يحفظ على نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله  جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به( )
أ0هـ0

وعن جابر بن زيد( )، أن ابن عمر لقيه فى الطواف، فقال له : يا أبا الشعثاء، إنك من فقهاء البصرة، فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو
سنة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت( )0
وأخرج الدارمى عن شريح( ) : أن عمر بن الخطاب كتب إليه : "إن جاءك شىء فى كتاب الله فاقض به، ولا يلتفتك عنه الرجال،
فإن جاءك ما ليس فى كتاب الله فانظر سنة رسول الله ، فاقض بها، فإن جاءك ما ليس فى كتاب ولم يكن فيه سنة من رسول الله  فانظر ما
اجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس فى كتاب الله ولم يكن فى سنة رسول الله  ولم يتكلم فيه أحد قبلك، فاختر أى الأمرين شئت :
إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم، وإن شئت أن فتأخر فتتأخر، ولا أرى التأخير إلا خيراً لك( )، ونحو ذلك روى عن ابن مسعود وابن
عباس وغيرهم( ) -رضى الله عنهم أجمعين-0

وبذلك كانت مصادر الأحكام فى الصدر الأول أربعة :
1- القرآن الكريم : وهو المصدر الأول لهذا الدين وعمدة الملة، وكانوا يفهمونه واضحاً جلياً، لأنه بلسانهم نزل مع ما امتازوا به من
معرفة أسباب نزوله0
2- السنة النبوية : وهى المصدر الثانى الملازم للمصدر الأول، وقد اتفقوا على اتباعها متى ظفروا بها0
3- القياس، أو الرأى المستند إلى كتاب الله أو سنة رسول الله 0
4- الإجماع المستند إلى نص مـن كتـاب أو سنـة أو قيـاس( )0

ولم يزل أئمة الإسلام من المحدثين والفقهاء من التابعين فمن بعدهم إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة على تحكيم سنة رسول
الله  يقول القاسمى : "كان عندهم أنه إذا وجد فى المسألة قرآن ناطق فلا يجوز التحول إلى غيره، وإذا كان القرآن محتملاً لوجوه فالسنة
قاضية عليه، فإذا لم يجدوا فى كتاب الله أخذوا بسنة رسول الله  سواء كان مستفيضاً دائراً بين الفقهاء، أو كان مختصاً بأهل بلد، أو أهل بيت
أو بطريق خاصة، وسواء عمل به الصحابة والفقهاء أو لم يعملوا به، ومتى كان فى المسألة حديث فلا يتبع فيها خلاف أثر من الآثار، ولا
اجتهاد أحد من المجتهدين، وإذا فرغوا جهدهم فى تتبع الأحاديث، ولم يجدوا فى المسألة حديثاً، أخذوا بأقوال جماعة من الصحابة والتابعين، ولا
يتقيدون بقوم دون قوم، ولا بلد دون بلد ... فإن اتفق جمهور الخلفاء والفقهاء على شئ فهو المقنع، وإن اختلفوا أخذوا بحديث أعلمهم علماً،
وأورعهم ورعاً، أو أكثرهم ضبطاً، أو ما اشتهر عنهم، ... وكانت هذه الأصول مستخرجة عن صنيع الأوائل وتصريحاتهم( ) كما مر فى
الأحاديث الموقوفة0
فأين الاتفاق الذى زعمه محمد رشيد رضا -ومن قال بقوله من أعداء السنة- أن الصدر الأول من الصحابة  لم يعملوا بالأحاديث القولية
ولم تكن عندهم سنناً متبعة بالعمل؟
بل أين نزاع صحابى واحد فى عدم العمل بالأحاديث القولية وعدم اعتبارها من السنة المطهرة؟!

وكيف يصح هذا القول فى حق أناس أشربت قلوبهم بحب رسول الله  وسنته المطهرة وتعظيمها وتوقيرها وزجر من لم يعظمها
وهجره0

يدل على ذلك ما روى عن عبد الله بن المغفل( )  أنه رأى رجلاً يخذف( ) فقال له لا تخذف فإن رسول الله  نهى عن الخذف أو
كان يكره الخذف-وقال:إنه لا يصاد به صيداً ولا ينكأ( )به عدو،ولكنها قد تكسر السن، وتفقأ العين0ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له أحدثك عن
رسول الله  أنه نهى عن الخذف -أو كره الخذف- وأنت تخذف؟لا أكلمك كذا وكذا"( )،وفى رواية للدارمى:"والله لا أشهد لك جنازة ولا أعودك
فى مرض، ولا أكلمك أبداً"( )
وعن ابن عمر  أن رسول الله  قال : إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها0 فقال فلان ابن عبد الله إذا والله أمنعها!
فأقبل عليه ابن عمر، فشتمه شتمة لم أره شتمها أحداً قبله، ثم قال : أحدثك عن رسول الله  وتقول : إذاً والله أمنعها؟!!( )0

وفى رواية لابن عبد البر : قال بلال بن عبد الله بن عمر( ) فقلت أما أنا فسأمنع أهلى فمن شاء فليسرح أهله فالتفت إلى وقال :
لعنك الله، لعنك الله، لعنك الله، تسمعنى أقول أن رسول الله  أمر أن لا يُمْنَعْنَ، وقام مغضباً"( )0

وعن عبادة بن الصامت أن النبى  نهى عن درهمين بدرهم، فقال فلان : ما أرى بهذا بأساً يداً بيد، فقال عبادة أقول : قال النبى
 وتقول : لا ارى به بأساً؟!! والله لا يظلنى وإياك سقفٌ أبداً"( )0

وعلى الدرب صار التابعون فمن بعدهم من أئمة المسلمين، فعن قتادة( )، قال : حدث ابن سيرين رجلاً بحديث عن النبى  فقال
رجل : قال فلان كذا وكذا0 فقال ابن سيرين : أحدثك عن النبى  وتقول : قال فلان وفلان كذا وكذا؟ !! لا أكلمك أبداً( )0
وقال الحميدى( ) : سأل رجل الشافعى عن مسألة، فأفتاه قائلاً : قال النبى  كذا وكذا، فقال الرجل : أتقول بهذا يا أبا عبد الله؟
فقال الشافعى : أرأيت فى وسطى زناراً؟ أترانى خرجت من الكنيسة؟ أقول : قال النبى ، وتقول لى : أتقول بهذا؟ أروى عن النبى  ولا أقول
به( )؟

ومن هنا حث السلف الصالح على التأدب مع السنة المطهرة فيمن دعى إلى التحاكم إليها يقول الإمام النووى -رحمه الله- : "
وكذلك ينبغى إذا قال له صاحبه : هذا الذى فعلته خلاف حديث رسول الله  أو نحو ذلك أن لا يقول : لا التزم الحديث، أو لا أعمل بالحديث، أو
نحو ذلك من العبارات المستبشعة، وإن كان الحديث متروك الظاهر لتخصيص أو تأويل أو نحو ذلك، بل يقول عند ذلك : هذا الحديث مخصوص
أو متأول أو متروك الظاهر بالإجماع وشبه ذلك"( )0

قوم هذا حالهم فى تعظيمهم وتوقيرهم لسنة نبيهم  وتحكيمها فى كل شأن من شئون حياتهم، وزجرهم وهجرهم -ولو كان
قريباً لهم- من لم يتأدب معها إذا دعى إلى التحاكم إليها، كيف يقال أنهم يريدوا أن يتخذوا الأحاديث ديناً عاماً دائماً كالقرآن ( )؟!!!
اللهم إن هذا إنكار لإجماع الأمة منذ عهد نبيها  إلى يومنا هذا! وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها - بحجية السنة المطهرة
واتخاذها ديناً عاماً دائماً ملازماً لكتاب الله  وهذا الإجماع قائم على الحقائق الثابتة فى كتاب ربنا ، وسنة نبينا  وسنة الخلفاء الراشدين
والصحابة أجمع  أجمعين وعلى هذا الإجماع أئمة المسلمين من التابعين فمن بعدهم إلى يومنا هذا0

وما أصدق ما قاله عمر بن عبد العزيز فى إحدى خطبه قال : "يا أيها الناس، إن الله لم يبعث بعد نبيكم نبياً، ولم ينزل بعد هذا الكتاب الذى
أنزله عليه كتاباً، فما أحل الله على لسان نبيه ؛ فهو حلال إلى يوم القيامة، وما حرم على لسان نبيه ؛ فهو حرام إلى يوم القيامة، ألا إنى
لست بقاض ولكنى منفذ، ولست بمبتدع ولكنى متبع، ولست بخير منكم غير أنى أثقلكم حملاً، ألا وأنه ليس لأحد من خلق الله أن يطاع فى
معصية الله، ألا هل أسمعت"( )0
وقال أيضاً -رحمه الله- "سن رسول الله  وولاة الأمر من بعده سنناً، الأخذ بها اتباع لكتاب الله  ، واستكمال لطاعة الله ،
وقوة على دين الله ، ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها ولا النظر فى شئ خالفها، من اهتدى بها فهو المهتد، ومن انتصر بها فهو
منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله تعالى ما تولاه، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً"( )0

وقال الحافظ ابن عبد البر : "ليس لأحد من علماء الأمة يثبت حديثاً عن النبى  ثم يرده دون ادعاء نسخ عليه بأثر مثله، أو إجماع، أو بعمل
يجب على أصله الانقياد إليه، أو طعن فى سنده، ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالته، فضلاً عن أن يتخذ إماماً ولزمه إثم الفسق( ) أ0هـ0
والله أعلم

استعـراض شبهـة
أن النهى عن الإكثار من التحديث دليل على أن الصحابة  كانوا يجتهدون
فى مقابل السنة الشريفة، ولا يأخذون بها والرد عليها

ذهب بعض غلاة الشيعة إلى تقسيم الصحابة إلى مدرستين( )، أو إلى طائفتين( )، باعتبار تعاملهم مع النصوص الصادرة عن الرسول  :
1- المدرسة أو الطائفة الأولى : "طائفة التعبد المحض" وهى التى انتهجت منهاج الطاعة والامتثال المطلق للأحكام الصادرة عن الله
 ورسوله  ويعنون بهم أنفسهم0
2- المدرسة أو الطائفة الثانية : "طائفة الاجتهاد والرأى" وهى التى انتهجت منهاج الاجتهاد فى مقابل النص وخرجوا عليه وتأولوه
-ويعنون بهم أهل السنة من السلف وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون- ( )0
ويستدلون على هذا التقسيم الباطل، بمواقف اجتهادية وقعت من الصحابة زمن النبوة وبعدها0
والجـواب : يبطل التقسيم السابق الذى ذهب إليه بعض غلاة الشيعة ما هو مقرر عند الأصوليين من اتفاقهم على جواز الاجتهاد( ) بعد الرسول
( ) أما فى عصره  فقد اختلفوا فيه، فذهب أكثر أهل الأصول على جوازه فى حضرته وغيبته  والتعبد به( ) ومنع من ذلك الجبائى( ) وأبى
هاشم( )، وهو قول ضعيف كما قال الزركشى : لأنه لا يؤدى إلى مستحيل فإن أرادوا منع الشرع توقف على الدليل وهو مفقود( )0

ويدل على ما سبق، من وقوع الاجتهاد من الصحابة -بما فيهم الإمام علىَّ كرم الله وجهه- زمن النبوة بحضرته وغيبته
، والتعبد بذلك الاجتهاد0

حديث معاذ بن جبل ( )، أن رسول الله  لما بعثه إلى اليمن قال : "كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضى بما فى كتاب
الله، قال فإن لم يكن فى كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله  قال : فإن لم يكن فى سنة رسول الله ؟ قال : اجتهد رأيى، قال معاذ فضرب رسول
الله  صدرى، ثم قال : الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله  لما يرضى رسول الله ( )"0
يقول الإمام ابن قيم الجوزية : "وقد اجتهد الصحابة فى زمن النبى  فى كثير من الأحكام ولم يعنفهم كما أمرهم يوم الأحزاب أن
يصلوا العصر فى بنى قريظة( )، فاجتهد بعضهم وصلاها فى الطريق، وقال لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى،
واجتهد آخرون وأخروها إلى بنى قريظة فصلوها ليلاً، نظروا إلى اللفظ، وما عنف واحداً من الفريقين، وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء
سلف أصحاب المعانى والقياس( )0
واجتهد سعد بن معاذ( ) فى بنى قريظة وحكم فيهم باجتهاده، فصوبه النبى  وقال: "لقد حكمت فيهم بحكم الله "( )0

وعن زيد بن أرقم( )  قال : كان على  باليمن فأتى بإمرأة وطئها ثلاثة نفر فى طهر واحد فسأل اثنين أتقران لهذا بالولد فلم
يقرا، ثم سأل اثنين أتقران لهذا بالولد فلم يقرا، ثم سأل اثنين، حتى فرغ، يسأل اثنين اثنين عن واحد فلم يقروا، ثم أقرع بينهم فألزم الولد الذى
خرجت عليه القرعة، وجعل عليه ثلثى الدية، فرفع ذلك للنبى  "فضحك حتى بدت نواجذه"0 وفى رواية فقال : "لا أعلم إلا ما قال على ( )"0

وعن البراء بن عازب( )  قال : لما صالح رسول الله  أهل الحديبية كتب على ابن أبى طالب  بينهم كتاباً، فكتب "محمد رسول
الله" فقال : المشركون لا تكتب محمد رسول الله، لو كنت رسولاً لم نقاتلك فقال لعلى : امحُـهُ0 فقال على : ما أنا بالذى أَمْحاهُ، فَمَحَاهُ رسول
الله  بِيَدِه ... الحديث"( )0

ففى امتناعه  من محو اسمه الشريف من الصحيفة أبلغ رد على ما يذهب إليه غلاة الشيعة من تقسيم الصحابة إلى مدرستين
أو طائفتين، زاعمين أن الإمام على  لم يجتهد زمن النبوة وأنه  وشيعته من طائفة التعبد المحض وباقى الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء
الراشدون وسائر أهل السنة من طائفة الاجتهاد والرأى فى مقابل النص0 ولا يخفى أن امتناعه  بعد طلب النبى  محو ما كتب اجتهاد منه فى
مقابل النص النبوى0 وإذا كان هذا موقف اجتهادى منه فى صلح الحديبية، فموقف الفاروق عمر الاجتهادى فى نفس الصلح، طعن به، على
الشهرستانى، فى عقيدة عمر ، وهو قول عمر للنبى  "ألست نبى الله حقاً؟ قال بلى0 قلت فلم نعطى الدَّنِيَّةَ فى ديننا إذاً؟ …إلخ الحديث"( )
استدل بذلك على أنه  شك فى صحة قول الرسول وعدم الاطمئنان بكلامه ، وأن هذا النص يوضح أنه  لم يكن من أتباع مسلك التعبد
المحض( )0

والحقيقة أنه لو لم يرد عن سيدنا عمر  سوى حديث تقبيله الحجر الأسود وقوله  : "إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت
النبى  يقبلك ما قبلتك"( ) لكفى فى بيان أنه من أهل التعبد المحض بالسنة المطهرة، وهو القائل : "إنه سيأتى ناس يجادلونكم بشبهات القرآن
فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله"( )0

والحق أن فى نفس القصة ما يدحض افتراء الشهرستانى ومن قال بقوله، فموقف عمر لم يكن شكاً بل طلباً لكشف ما خفى
عليه، وحثاً على إذلال الكفار، لما عرف من قوته فى نصرة الدين0

فإن أراد على الشهرستانى الشك فى الدين فمردود بما وقع فى رواية ابن إسحاق( )" أن أبا بكر لما قاله له:الزم غَرْزه( ) فإنه رسول الله، قال
عمر:وأنا أشهد أنه رسول الله"( ) 0
وإن أراد على الشهرستانى الشك فى المصلحة وعدمها، فمردود أيضاً0

قال الحافظ ابن حجر : "والذى يظهر أنه توقف منه ليقف على الحكمة فى القصة وتنكشف عنه الشبهة، ونظيره قصته فى الصلاة على رأس
المنافقين عبد الله بن أبى ابن سلول0 فعن ابن عمر -رضى الله عنهما- أنه قال "لما توفى عبد الله بن أبى جاء ابنه عبدالله( ) بن عبد
الله، إلى رسول الله  فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفنه فيه، ثم قام يصلى عليه، فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال : تصلى عليه وهو منافق،
وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟ قال : إنما خيرنى الله أو أخبرنى الله - فقال "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر
الله لهم"( ) فقال : سأزيده على سبعين0 قال فصلى عليه رسول الله  وصلينا معه، ثم أنزل الله عليه اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ( )0

يقول الحافظ ابن حجر : "وإن كان فى الأولى (أى فى قصة الحديبية) لم يطابق اجتهاده الحكم بخلاف الثانية طابق اجتهاده الحكم،
ونزل القرآن الكريم مؤيداً لهذا الاجتهاد، بقوله تعالى : وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا
وَهُمْ فَاسِقُونَ( )0

إلا أنه  بالرغم من اجتهاده فى هذا الموقف ترك رأى نفسه، واجتهاده، وتابع النبى  وصلى معه كما جاء فى الحديث : "فصلى
عليه رسول الله  وصلينا معه" وإلا فقد جاء اجتهاده  موافقاً لحكم الله 0

أما موقفه الاجتهادى فى صلح الحديبية، فقد عمل أعمالاً صالحة ليكفر عنه هذا التوقف فى الامتثال للأمر النبوى ابتداءً، وورد
ذلك صريحاً فى رواية ابن إسحاق : "وكـان

رابعاً : إنهم كانوا ينهون أو يمتنعون عن التحديث والإكثار منه، إذا كانت الأحاديث من المتشابهات التى يعسر على العامة، وضعاف العقول
فهمها، فيحملونها على خلاف المراد منها، ويستدلون بظاهرها، ويكون الحكم بخلاف ما فهموا، وقد تؤدى تلك المتشابهات إلى تكذيب الله
ورسوله( )0

وفى ذلك يقول ابن مسعود  : "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"( ) ويقول على  "حدثوا
الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله"( )0

يقول الإمام الذهبى:"فقد زجر الإمام على ،عن رواية المنكر،وحث على التحديث بالمشهور، وهذا أصل كبير فى الكف عن بث
الأشياء الواهية والمنكرة من الأحاديث فى الفضائل والعقائد والرقائق،ولا سبيل إلى معرفة هذا من هذا إلا بالإمعان فى معرفة الرجال"( )

ويقول الإمام ابن حجر : والمراد بقوله "بما يعرفون" أى يفهمون0 وقوله : "ودعوا ما ينكرون" أى يشتبه عليهم فهمه0 وفيه
دليل على أن المتشابه لا ينبغى أن يذكر عند العامة0 وممن كره التحديث ببعض دون بعض، الإمام أحمد فى الأحاديث التى ظاهرها الخروج
على السلطان، ومالك فى أحاديث الصفات، وأبو يوسف فى الغرائب، ومن قبلهم أبى هريرة  حيث يروى عنه البخارى أنه قال : "حفظت من
رسول الله  وعاءين : فأما أحدهما فبثثته0 وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم"( )0

قال ابن حجر : وحمل العلماء الوعاء الذى لم يبثه على ما يتعلق بالفتن، واشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم فى آخر
الزمان، فينكر ذلك من لم يألفه ويعترض عليه من لا شعور له به"( )0 ويؤيد ذلك قول أبى هريرة : "لو حدثتكم بكل ما فى جوفى لرميتمونى
بالبعر" قال الحسن : راوى الحديث عن أبى هريرة : صدق والله … لو أخبرنا أن بيت الله يهدم أو يحرق ما صدقه الناس"( )0

ويؤيد أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها قوله  : "إن الناس يقولون : أكثر أبو هريرة0 ولولا آيتان فى
كتاب الله ما حدثت حديثاً ثم يتلو : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( )0

وأبو هريرة فى كل هذا، بل والصحابة أجمع، لا يكتمون علماً ينتفع به حتى ولو كان هذا العلم ليس فيه حكم شرعى0

كيـف! وهو  الراوى لقوله  : "ما من رجل يحفظ علماً فيكتمه، إلا أتى به يوم القيامة مُلْجَماً بلجامٍ من النار"( )0

وهذا أبو ذر  يقول : "لَوْ وَضَعْتُم الصَّمْصَامَة( ) على هَذِهِ (وأَشارَ إلى قَفَاهُ) ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنىِّ أُنفِذُ كَلَمةً سَمِعْتُها مِنَ النبىِّ  قَبْلَ أَنْ تُجيزوا علىَّ
لأَنْفَذْتُها"( )0

فالمراد بمنع التحديث هنا كما قال الحافظ ابن حجر فى ضابطه : "أن يكون ظاهر الحديث يقوى البدعة، وظاهره فى الأصل غير مراد، فالإمساك
عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب( )0
وهذا يعنى أن من لا يخشى عليه ذلك يبلغونه خروجاً من إثم كتمان العلم0
ويقول صاحب توجيه النظر : "إن المحدث يجب عليه أن يراعى حال من يحدثهم، فإذا كان فيما ثبت عنده ما لا تصل إليه أفهامهم وجب عليه
ترك تحديثهم به دفعاً للضرر، فليس كل حديث يجب نشره لجميع الناس"( )0

وعلى هذا يحمل مرسل ابن أبى مليكه عن أبى بكر الصديق ، فلو كان له أصل فكونه عقب الوفاة النبوية -كما جاء فى
الرواية- يشعر بأنه يتعلق بأمر الخلافة، كأن الناس عقب البيعة بقوا يختلفون، يقول أحدهم : أبو بكر أَهْلُهَا؛ لأن النبى  قال كيت وكيت، فيقول
آخر : وفلان، قد قال له النبى  كيت وكيت، فَأَحَبَ أبو بكر صرفهم عن الخوض فى ذلك، وتوجيهم إلى القرآن وفيه قوله تعالى وَأَمْرُهُمْ
شُورَى بَيْنَهُمْ ( )0

وما فعله الفاروق عمر  وصار فيه على نهجه الصحابة  من المنع من التحديث والإكثار منه كان اتباعاً لمنهاج النبى  القائل
: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"، وعلى الدرب صار أئمة المسلمين من التابعين فمن بعدهم0

فعن ابن وهب قال : قال لى مالك : اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع0 ولا يكون إماماً أبداً، وهو يحدث بكل ما سمع" ونحوه
روى عن عبد الرحمن بن مهدى( )، وغيره0

بقى الكلام على حبس عمر  لبعض الصحابة؛ وهل يكفى لحبسهم أنهم أكثروا من الرواية؟! وهل كان هذا من عمر طعناً منه فى الصحابة،
وتكذيباً لهم كما زعم بعض غلاة الشيعة( )؟!

الجــواب :
أولاً : أما حبس عمر  لبعض الصحابة فعلى فرض صحة الأثر، فليس المراد بالحبس أنه زج بهم فى السجن (وحاشاه من ذلك)، وإنما المراد
أنه  استبقائهم فى المدينة حتى يتثبت من لفظهم ويشهد لذلك رواية الخطيب السابقة (لفظهم سواء) ( ) أى أنه استبقاهم فى المدينة ليتثبت من
لفظهم، ويؤيد ذلك أنهم لما قالوا له تنهانا؟ قال لا، أقيموا عندى، لا والله لا تفارقونى ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ منكم، ونرد عليكم، فما فارقوه
حتى مات" فمع إنكاره عليهم الإكثار لم يمنعهم منه، عندما قالوا له تنهانا؟ فأجاب لا، أقيموا عندى أى استبقاهم فى المدينة لماذا؟ ليس لمنعهم
من الإكثار، وإنما كما قال "نأخذ منكم، ونرد عليكم" فالأمر إذن تثبت فى الحديث فكانوا كما جاء فى الأثر (لفظهم سواء)0

ومما يؤكد لنا أنه لم يزج بأحد فى السجن، ما جاء فى رواية الرَامَهُرْمُزِى من قول شيخه أبى عبد لله البرى قال : "يعنى منعهم الحديث، ولم
يكن لعمر حبس"( ) وهذا على فرض صحة الأثر، وإلا فهو منقطع، لأنه من طريق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ولم يسمع من عمر كما
رجحه الهيثمى وأحمد محمد شاكر، وابن حزم وقال : "ثم هو فى نفسه ظاهر الكذب والتوليد، لأنه لا يخلوا عمر من أن يكون اتهم الصحابة،
وفى هذا ما فيه، أو يكون نهى عن نفس الحديث وعن تبليغ سنن رسول الله  إلى المسلمين، وألزمهم كتمانها وجحدها وألاَّ يذكروها لأحد،
فهذا خروج عن الإسلام، وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل هذا، ولئن كان سائر الصحابة متهمين فى الكذب على النبى  فما عمر إلا واحد
منهم، وهذا قول لا يقوله مسلم أصلاً، ولئن كان حبسهم، وغيرهم متهمين لقد ظلمهم!
فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات الملعونة أى الطريقتين الخبيثتين شاء، ولابد له من أحدهما0

وإنما معنى نهى عمر  من الحديث عن رسول الله  لو صح، فهو بَيْنٌ فى الحديث الذى أوردناه من طريق قرظة، وهو إنما نهى عن الحديث
بالأخبار عمن سلف من الأمم، وعما أشبه0

وأما نهى عن الحديث بالسنن عن النبى  فهذا ما لا يحل لمسلم أن يظنه بمن دون عمر من عامة المسلمين، فكيف بعمر 0

ودليل ما قلنا أن عمر قد حدث بحديث كثير عن النبى 0 فإن كان الحديث عنه عليه السلام مكروهاً، فقد أخذ عمر من ذلك بأوفر نصيب، ولا
يحل لمسلم أن يظن بعمر  أنه نهى عن شىء وفعله، لأنه قد روى عنه  خمسمائة حديث ونيف، على قرب موته من موت النبى  فصح أنه
كثير الرواية، والحديث عن النبى ، وما فى الصحابة أكثر رواية عن النبىمن عمر بن الخطاب إلا بضعة عشر منهم فقط0فصح أنه قد أكثر
الرواية عن النبى ، فصح بذلك التأويل الذى ذكرناه لكلامه  "( ) أ0هـ0

قلت : وكيف يظن بعمر بنهيه عن الإكثار من الرواية ليتثبت فيها كما سبق، أنه يأمر بكتمان ما أنزل الله  على لسان نبيه 
وهو المعظم الموقر لسنة النبى  الحاكم بها فى كل شأن من شئون حياته، وشئون رعيته( )، وهو القائل  : "تعلموا الفرائض، واللحن
والسنن، كما تعلمون القران"( )، وهو القائل أيضاً : "سيأتى ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب
الله"( ) وهو القائل : "إياكم وأصحاب الرأى فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأى فضلوا وأضلوا"( )0
فصح بكل هذا أن عمر  أَمَرَ بتعليم السنن، وبين أن أصحابها أعلم الناس بكتاب الله ، وفى المقابل أعداء السنن،وأجهل
الناس بكتاب الله  هم أهل الرأى المذموم0
فهل يصح بعد هذا القول بأن نهى عمر عن الإكثار من الرواية كتماناً للسنة أو أنه أراد ألا تكون السنة ديناً عاماً دائماً كالقرآن؟!! "سبحانك هذا
بهتان عظيم0

أو أنه  كان يتهم الصحابة جميعاً بالكذب على رسول الله  فيكون بهذا متهماً لنفسه بأنه من أصحاب الرأى، ومتهماً لنفسه أيضاً بالكذب فما
هو إلا واحد من الصحابة؛ وهذا قول لا يقوله مسلم أصلاً كما سبق من قول بن حزم0

كما أنه لا يقول بواحد من الأمرين السابقين إلا الرافضة أمثال (مرتضى العسكرى( ) ومروان خليفات( )، وزكريا عباس( )، وعلى
الشهرستانى، الذى مال إلى الأمرين معاً :
أولهما : "إن الخليفة عمر قد أمر بكتمان ما أنزل الله على لسان نبيه  فمنع من التحديث لكتمان ما ورد فى فضائل أهل البيت وما يدل على
إمامتهم"( )0
ثانيهماً: أن الخليفة عمر بن الخطاب وكذا أبو بكر( )؛ كانا يتهما الصحابة جميعاً بالكذب على رسول الله ، وعاب على الإمام ابن حزم، ومن
تبعه من الأعلام قديماً وحديثاً أنهم لم يرتضوا بهذين الأمرين وقال : "لذلك اضطروا إلى حمل نهى عمر على النهى عن التحديث بأخبار الأمم
السالفة، وهذا حمل تبرعى لم يدل عليه دليل من روايات منعه"( )0
وصدق الإمام الذهبى : "فوالله ما يغض من عمر إلا جاهل … أو رافضى فاجر، وأين مثل أبى حفص، فما دار الفلك على مثل
شكل عمر، وهو الذى سن للمحدثين التثبت فى النقل"( )، إن دعوى أن نهى عمر عن الإكثار من الرواية أنه يتهم الصحابة جميعاً بالكذب على
رسول الله  دعوى لا برهان لها، إلا فى كتب الروافض من غلاة الشيعة، ومن قال بقولهم من المستشرقين، ودعاة اللادينية الملحدة0

الجواب عن شبهة : "النهى عن الإكثار من التحديث اتهام من أبى بكر وعمر -رضى الله عنهما-، للصحابة بالكذب :
إن الصحابة جميعاً وعلى رأسهم عمر، كانوا أبعد الناس فى أن يشك بعضهم فى صدق بعض، والأدلة على هذا متوافرة جداً، فقد كان الصحابى
إذا سمع من صحابى آخر حديثاً صدق به، ولم يخالجه الشك فى صدقه، وأسنده إلى الرسول  كما لو كان سمعه بنفسه، وعلى هذا اعتماد أئمة
الحديث فى مرسل الصحابى( )0

يدل على ذلك ما روى عن عمر  قال : "كنت أنا وجار لى من الأنصار فى بنى أمية بن زيد، وهى من عوالى المدينة، وكنا
نتناوب النزول على رسول الله  ينزل يوماً، وأنزل يوماً،فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحى وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك…"( )، ولو لم
يكن سوى هذا الحديث لكفى فى رد هذه الشبهة، ولكن كما قلنا الأدلة على هذا متوافرة جداً0
فعن البراء بن عازب  قال : "ليس كلنا سمع حديث رسول الله ، كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن الناس كانوا لا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد
الغائب( )، وأخرج الطبرانى عن حميد قال كنا مع أنس بن مالك  فقال : والله ما كل ما نحدثكم عن رسول الله  سمعناه منه، ولكن لم يكن
يكذب بعضنا بعضاً"( )0
وعن عائشة –رضى الله عنها- قالت : "ما كان خلق أبغض إلى أصحاب رسول الله ، من الكذب( ) وعن الأعمش –رحمه الله- قال : "لقد
أدركت قوماً، لو لم يتركوا الكذب إلا حياءً لتركوه"( )0

وأخيـراً : يقول عمر لأبى موسى الأشعرى لما حدثه بحديث (الاستئذان ثلاثاً)، وطلب منه البينة على ذلك( )0 قال : "أما إنى لم
أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله ( )0 وفى رواية : "فقال عمر لأبى موسى والله إن كنت لأميناً على حديث رسول الله
، ولكن أحببت أن أستثبت، ونحوه فى رواية أبى بردة حين قال أبى بن كعب لعمر : "يا بن الخطاب فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله ،
قال : سبحان الله إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت"( )0

قال ابن عبد البر : يحتمل أن يكون حضر عنده من قرب عهده بالإسلام فخشى أن يختلق الحديث عن رسول الله  عند الرغبة، والرهبة، طلباً
للمخرج مما يدخل فيه، فأراد أن يعلمهم أن من فعل شيئاً من ذلك ينكر عليه حتى يأتى بالمخرج( )، وزاد غيره فأراد عمر سد هذا الباب وردع
غير أبى موسى لا شكاً فى روايته، فإن من دونه إذا بلغته قصته، وكان فى قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبى موسى،
فالمراد غيره( )0 وفى ذلك يقول الخطيب البغدادى : "وفى تشديد عمر على الصحابة فى رواياتهم حفظ لحديث رسول الله ، وترهيب لمن لم
يكن من الصحابة أن يدخل فى السنن ما ليس منها، لأنه إذا رأى الصحابى المقبول القول، المشهود بصحبة النبى ، قد شدد عليه فى روايته،
كان هو أجدر أن يكون للرواية أهيب، ولما يلقى الشيطان فى النفس من تحسين الكذب أرهب"( )0

وفى القصة دليل على ما كان الصحابة عليه من القوة فى دين الله وقول الحق والرجوع إليه وقبوله، فإن أبياً  أنكر على عمر
تهديد أبى موسى، وخاطبه مع أنه الخليفة (بيا ابن الخطاب) أو يا عمر؛ لأن المقام مقام إنكار"( )0

وفى ذلك رد على الرافضة الطاعنين فى الصحابة ووصفهم بالجبن والتقية خوفاً من درة عمر أو مهابة له، وأنهم وافقوه فى النهى عن كتابة
السنة والإكثار منها تقية منهم وجبناً"( )0
وهكذا كانت ثـقة الصحابة جميعاً وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، ثقة لا يشوبها شك، ولا ريبة، لما يؤمنون به من تدينهم
بالصدق، وأنه عندهم رأس الفضائل، وبه قام الإسلام، وساد أولئك الصفوة المختارة من أهله الأولين"( )0

وبالجملة : ما فعله كبار الصحابة وتبعهم فيه الصحابة أجمع، ومن بعدهم من النهى أو الامتناع عن الإكثار من التحديث، كان
لوجوه وأسباب وردت صراحة فى الآثار الواردة عنهم، وكانوا فى كل سبب من تلك الأسباب مقتدين بسنة النبى ، وهو ما حرصنا على تأكيده
فيما سبق0

فما فعلوه كان احتياطاً للدين كتاباً وسنة ورعاية لمصلحة المسلمين لا زهداً فى الحديث النبوى، ولا تعطيلاً له0

ولا إخفاءً لأحاديث فضائل أهل البيت، وما يدل على إمامتهم كما تزعم الرافضة، فأحاديث فضائل أهل البيت، وما يدل على إمامتهم، وعظيم
منزلتهم، مدونة فى سائر كتب السنة (فى كتب المناقب، وفضائل الصحابة)0

فلا يجوز أن يفهم أو يتوهم من منهاج الصحابة، القائم على المنهاج النبوى ومن تشدد عمر خاصة هجر الصحابة للسنة أو زهدهم فيها لعدم
حجيتها، أو أنهم أرادوا ألا يجعلوها ديناً عاماً دائماً كالقرآن، معاذ الله أن يقول بهذا أحد منهم0

فلا يقول بهذا إلا جاهل مغرور، أو رافضى فاجر، لا علم له بقليل من السنة، ولم تخالط قلبه روح الصحابة، ولا أنار سبيله، قبس من
هداهم0

فقد ثبت عن الصحابة جميعاً تمسكهم بالحديث النبوى، وتعظيمهم، وتوقيرهم له، وتحكيمهم له فى كل شأن من شئون حياتهم،
وزجرهم وهجرهم كل من لم يعظم قوله ، وقد حرصوا على المحافظة على الحديث النبوى بكل وسيلة تفضى إلى ذلك، فكان لهم جميعاً الفضل
الأول فى المحافظة على كتاب الله ، وسنة نبيه ، وتميز منهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عن عمر، وعن أصحاب رسول الله
 أجمعين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أ0هـ0

والله تبــارك وتعالــى
أعلـى وأعلـم


ثانياً : شبهة التأخر فى تدوين السنة النبوية والرد عليها

استعراض الشبهة وأصحابها :
روى الإمام البخارى -رحمه الله- فى صحيحه تعليقاً، قال : وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبى بكر بن حزم( )، "انظر ما كان من
حديث رسول الله  فاكتبه، فإنى خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث رسول الله ، ، ولتفشو العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا
يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً"( )0

بهذه الرواية تعلق أعداء الإسلام من الرافضة، والمستشرقين، ودعاة اللادينية المتفرنجة، فقالوا : إن السنة لم تدون إلا فى مطلع
القرن الثانى الهجرى، لأن أول من أمر بتدوينها هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، وهو قد تولى الخلافة سنة 99هـ وتوفى سنة
101هـ( )0
وهذه المدة الطويلة تكفى لأن يحصل فيها من التلاعب والفساد ما قد حصل( )0 ولذا حصل فى السنة التبديل والزيادة ككتب أهل
الكتاب، لعدم كتابتها فى عهده ، وعدم حصر الصحابة لها فى كتاب معين، وعدم تبليغها للناس بالتواتر، وعدم حفظهم لها جيداً فى صدروهم،
حتى أباحوا نقلها بالمعنى، واختلفت الرواية عنهم لفظاً ومعنى( )، ولا يمكن بغير الكتابة أن يحصر ما قاله النبى  أو فعله فى ثلاثة وعشرين
عاماً مما سهل على قوم أن يستبيحوا لأنفسهم وضع الحديث ونسبته كذباً إلى رسول الله ( )0

أما غلاة الشيعة : فيزعمون أنهم حفظة السنة وأساس تدوينها، والسبق إلى التدوين فضيلة لهم، فهم أساس بناء مدرسة التعبد المحض( )0
أما أهل السنة وفى مقدمتهم أبى بكر وعمر –رضى الله عنهما- فهم أساس مدرسة الاجتهاد والرأى، وهم الذين منعوا تدوين الأحاديث،
وأضاعوا سنة نبيهم ( )، التى قاموا بتدوينها على رأس المائتين بعد انقراض دولة بنى أمية، وتحول الدولة إلى بنى العباس( )0

أما المستشرقون : فيتلخص موقفهم من السنة النبوية وتدوينها، فى موقف المستشرق اليهودى (جولدتسيهر) الذى ذهب إلى : "أن القسم الأكبر
من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الدينى، والسياسى، والاجتماعى فى القرنين الأول، والثانى، وأنه ليس صحيحاً ما يقال من أنه وثيقة للإسلام
فى عهده الأول، عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود الإسلام فى عصر النضوج"( )0
وهذا الذى زعمه جولدتسيهر؛ اتخذه المستشرقون وذيولهم "إنجيلاً مقدساً"، ورددوه فى بحوثهم ودوائر معارفهم( )0

وكان هذا الزعم لدى (شاخت)( ) حجر الأساس له، ولكل باحث يريد التشكيك فى السنة النبوية المطهرة، فأكد ما قاله سلفه جولد
تسهير وتجاوزه بزعمه : "أنه لا صحة لأى حديث منسوب للنبى ، وأن المجموعة الأولى المعول عليها من الأحاديث النبوية التى تعرف
بأحاديث الأحكام، قد نشأت فى منتصف القرن الثانى الهجرى تقريباً، وهو التاريخ الذى يحدد حسب رأيه، بداية فترة تدوين الأحاديث( )0

وكانت نزعة الشك عند شاخت أكثر شدة منها عند جولدتسيهر، ويتضح هذا من "القاعدة المنهجية" التى تترتب، حسب رأيه، على
استنتاجات جولدتسهير0 وهـى "قاعـدة

السكوت عن الحديث فى موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده" استخدم شاخت هذه القاعدة كثيراً ليثبت عدم وجود كثير من الأحاديث إبان فترة
الإسلام الأولى0
ويعبر عن ذلك بقوله : "إن أحسن طريق لإثبات عدم وجود حديث فى عهد معين، هو أن نظهر أن ذلك الحديث لم يستعمل كدليل فقهى فى نقاش
يستوجب الاستدلال بذلك الحديث لو كان بالفعل موجوداً …"( )0

وهذا الذى زعمه شاخت فى كتابه (أصول الفقه المحمدى) أصبح "إنجيلاً ثانياً" لعالم الاستشراق حيث غير من نظرة سلفه
جولدتسيهر التشكيكية فى صحة الأحاديث إلى نظرة متيقنة فى عدم صحتها بقوله : "إن المجموعة الأولى المعول عليها من الأحاديث النبوية
التى تعرف بأحاديث الأحكام، قد نشأت فى منتصف القرن الثانى الهجرى تقريباً لمواجهة أقوال الصحابة وغيرهم"( )0
ويقـول : "يكاد يكون من المستحيل توثيق أى من هذه الأحاديث فيما يتعلق بأمور التشريع الدينى"( )0

ولقد ترك كتابه هذا أثراً عميقاً فى تفكير دارسى الحضارة الإسلامية، حتى تنبأ البرفسور جب قائلاً : "أنه - يعنى كتاب شاخت
سيكون فى المستقبل أساساً لكافة الدراسات عن الحضارة الإسلامية والتشريع، وعلى الأقل فى الغرب"( )0

وعن خطورة هذا الكتاب ومكانته عند المستشرقين يقول الأستاذ الصديق بشير : "وليس من قبيل المبالغة إذا قلت إن كل من كتب
بعده من المستشرقين فى هذا الحقل المعرفى هم عيال عليه، وحسبك أنه لا تكاد توجد جامعة من جامعات الغرب لها اعتناء بالدراسات
الإسلامية إلا ونجد هذا الكتاب مقرراً على طلابها"( ) أ0هـ0
الجواب عن شبهة التأخر فى تدوين السنة النبوية :
بادئ ذى بدء - نحن نجزم بصحة هذه الرواية التى صدرنا بها البحث، وهى التى تفيد أن عمر بن عبد العزيز؛ هو أول من أمر
بتدوين السنة، نجزم بصحتها لأنها وردت فى أوثق مصادرنا، وأصحها بعد كتابه تعالى، ألا وهو صحيح البخارى، ولكننا نهدف من وراء هذا
البحث إلى إثبات حقائق هامة وهى :
1- الحقيقة الأولى : أن الكثيرين خلطوا بين النهى عن كتابة السنة، وبين تدوينها حيث فهموا خطاً أن التدوين هو الكتابة، وعليه فإن السنة
النبوية - ظلت محفوظة فى الصدور لم تكتب إلا فى نهاية القرن الأول الهجرى فى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-

ولو أن المعاصرين فهموا حقيقة الكتابة، وحقيقة التدوين، وأدركوا الفرق بينهما،لما تعارضت النصوص فى فهمهم، ولما صح
تشكيك أعداء الإسلام فى السنة النبوية بدعوى تأخر تدوينها مدعين أنه دخلها الزيف،لأن العلم الذى يظل قرناً دون تسجيل لابد وأن يعتريه
تغيير ويدخله التحريف،فإن الذهن يغفل والذاكرة تنسى،أما القلم فهو حصن آمان لما يدون به( )

الكتابة، والتدوين، والتصنيف فى اللغة :
وهذا تعريف موجز للكتابة والتدوين والتصنيف : يتضح منه الفرق بين الكتابة والتدوين :
أ- الكتابة : قال فى اللسان:"كتب الشئ كتباً،وكتاباً،وكتابة،وكتبه خطه" فكتابة الشىء خطه( )0
ب- التدوين : قال فى اللسان : "والديوان مجتمع الصحف"( )0 وقال فى تاج العروس : "وقد دونه تدويناً جمعه0 وعليه فالتدوين هو جمع
الصحف المشتتة فى ديوان ليحفظها( )0
ج- التصنيف : قال فى اللسان : والتصنيف : تمييز الأشياء بعضها من بعض، وصنف الشئ ميز بعضه من بعض0 وتصنيف الشئ جعله
أصنافاً0 وعليه فالتصنيف تمييز الجزئيات، كأن يميز المصنف الصواب من الخطأ، أو الأهم من المهم"( )0
ومن هذه التعاريف : يتضح لنا أن الكتابة غير التدوين، فالكتابة مطلق خط الشئ، دون مراعاة لجمع الصحف المكتوبة فى إطار
يجمعها، أما التدوين فمرحلة تالية للكتابة ويكون بجمع الصحف المكتوبة فى ديوان يحفظها"( )0
أما التصنيف؛فهو أدق من التدوين،فهو ترتيب ما دون فى فصول محدودة،وأبواب مميزة( )0

وعلى ذلك فقول الأئمة إن السنة دونت فى نهاية القرن الأول لا يفيد أنها لم تكتب طيلة هذا القرن، بل يفيد : أنها كانت مكتوبة لكنها لم تصل
لدرجة التدوين وهو : جمع الصحف فى دفتر0

وما فهمه المعاصرون، من أن التدوين هو الكتابة، فهو خطأ منشأه عدم التمييز بين الكتابة والتدوين( )0
وبالتالى فالمقولة "أول من دون العلم ابن شهاب الزهرى"( ) تم ترجمتها خطأ بمعنى: أول من كتب العلم (الحديث) كان ابن شهاب الزهرى،
وانطلاقاً من هذا التفسير الخاطئ انبثـقت نظرية أن كتابة الحديث بدأت متأخرة للغاية حتى عصر الزهرى فى نهاية القرن الأول، أو بداية
القرن، الثانى الهجرى، … ولهذا فالمقولة السابقة يجب تفسيرها على أساس أن أول من دون أو صنف المجموعات المكتوبة من الأحاديث كان
ابن شهاب الزهرى"( )0

والمتتبع لكلام الأئمة السابقين يتضح له أنه كان معلوماً لديهم الفرق بين الكتابة والتدوين، وهم يؤرخون لتدوين السنة حيث كان
مدار حديثهم على التدوين، وليـس فـى

حديثهم شئ يتعلق بالكتابة، كقول الحافظ ابن حجر : "وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهرى على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم
كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير"( ) وقال أيضاً : "اعلم، علمنى الله وإياك أن آثار النبى  لم تكن فى عصر الصحابة، وكبار
تابعيهم مدونة فى الجوامع ولا مرتبة( ) أ0هـ0

2- الحقيقة الثانية : أن عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – حينما أمر بتدوين السنة لم يبدأ ذلك من فراغ، ولكنه اعتمد على أصول مكتوبة
كانت تملأ أرجاء العالم الإسلامى كله، من خلال روح علمية نشطة، أشعلها الإسلام فى أتباعه، فأصبحوا يتقربون إلى الله تعالى بأن يزدادوا فى
كل يوم علما، وخير العلوم–قطعاً– ما كان متعلقاً بالقران والسنة0

وحينما نثبت أن تدوين السنة قام على أساس المكتوب فى عصر النبى ، وبإذن منه  شخصياً، فإننا لن نتعسف الأدلة أبداً وصولاً إلى تلك
الغاية؛ لأننا لن نقول فى هذا الشأن قولاً إلا ونشفعه بالدليل القوى المستمد من أوثق المصادر وآكدها وأصحها0

كما نحب أن ننبه إلى أننا لسنا أبداً أول من قال بهذا القول، وإنما القول بأن السنة قد بدأت كتابتها منذ عصر النبى  إلى زمن تدوينها تدويناً
رسمياً أصبح حقيقة علمية مؤكدة ثبتت بالبراهين القطعية، وتضافرت على إثبات هذه الحقيقة الساطعة أقوال جملة من الباحثين الثقات الأثبات(
)0

كالدكتور محمد عجاج الخطيب فى كتابه "السنة قبل التدوين" والدكتور محمد مصطفى الأعظمى فى كتابة : "دراسات فى الحديث النبوى"،
والدكتور امتياز أحمد فى كتابه : "دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث"، والدكتور رفعت فوزى عبدالمطلب فى كتابه : "توثيق السنة فى القرن
الثانى الهجرى أسسه واتجاهاته) وغيرهم0


نماذج من أشهر ما كتب من السنة النبوية فى حياة النبى  وبعده إلى زمن التدوين الرسمى :
1- ما ورد عن أبى هريرة  : أنه لما فتح الله  على رسوله  مكة قام الرسول  وخطب فى الناس، فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو
شاة فقال : يا رسول الله اكتبوا لى، فقال : اكتبوا له"( )0
2- وأيضاً كتابه  فى الصدقات والديات والفرائض والسنن، الذى أرسله إلى عمرو بن حزم( )، حين بعثه إلى اليمن، أخرجه النسائى، وأبو
عبيد القاسم فى الأموال( )0
3- وَكَتَبَ أبو بكر الصديق  لأنس بن مالك  فرائض الصدقة، الذى سنه رسول الله  لما وجهه إلى البحرين"( )0
4- وكتب عمر بن الخطاب  إلى عتبة بن فرقد( ) بأذربيجان كتاباً فيه أن رسول الله  نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بأصبعيه اللتين تليان
الإبهام"( )0
ومع أن الفاروق عمر كان يوصف بأنه واحد من أشد المعارضين لكتابة الحديث، ومنع تدوينها كما يزعم غلاة الشيعة، إلا أننا
على العكس نراه أول متثبت لكتابة الأحاديث بهمِّه بتدوين السنة المطهرة0

فكان أول مقترح بتدوينها حفاظاً لها كما كان أول مقترح بتدوين القرآن الكريم تدويناً عاماً فى مكان واحد حفاظاً لكتاب الله  زمن أبو بكر
الصديق  ففى همِّه بكتابة السنة - ليس مجرد الكتابة -فهى كانت مكتوبة- وإنما المراد بالكتابة تدوينها تدويناً عاماً فى مكان واحد0

وهذا الهمُّ بالتدوين فيه أبلغ حجة وأبلغ رد على غلاة الشيعة الزاعمين أن أهل السنة،وفى مقدمتهم أبى بكر وعمر-رضى الله عنهما-، كانوا
من أنصار منع تدوين السنة0

وهذا يكذبه الواقع، فعمر  عندما همَّ بتدوين السنة استشار فى ذلك أهل الحل والعقد فلم يتردد واحد منهم فى الموافقة كما جاء فى الأثر : "
فأشاروا عليه بأن يكتبها"( ) فإذا كان الأمر كما يزعمون فلماذا يَهِّمُ عمر  إذن بالتدوين؟

وعلام وافقوه كلهم على هذا؟ ألا يدل هذا الهمّ والموافقة على حجية السنة عندهم كما سبق( )0
ويدل على أنهم من أنصار تدوين السنة المطهرة، وحفظتها رغم أنف الرافضة! ولا يمكن أن نستنتج من همِّ عمر بالتدوين ثم عدوله عنه أنه
لم يكن راغباً فى تدوين الأحاديث فى كتب أو أن التدوين منهى عنه، كلاَّ، إذ كيف يصح أن يهم بشئ منهى عنه ويوافقه عليه الصحابة أجمع؟

وكيف يرفض تدوين السنة فى حين أنه كتب إلى عُمَّاله كتاباً كما مر فى كتابه إلى عتبة بن فرقد ؟ وهو القائل "قيدوا العلم بالكتاب"( )، وهو
الجامع الوثائق الخاصة بالزكاة والخراج والمسائل المالية الأخرى( )، وهو نفسه الذى أدخل نظام الدواوين فى الأعمال الرسمية( )0

كل هذه الحقائق تدحض دعوى الرافضة - الذين امتلأت قلوبهم حقداً وبغضاً على الفاروق عمر ، وزعمهم أنه تزعم دعوى منع
تدوين السنة، وصار على دربه الصحابة فمن بعدهم من التابعين وسائر أئمة أهل السنة0

نعم إن السنة لم تدون فى عهد ابن الحطاب لأن التدوين منهى عنه، بل لعلة أساسية هى : إبعاد الأمة الإسلامية عن الخطأ الأثيم الذى ارتكبه
أهل الكتاب من قبل بتبديل كتاب الله التوراة، والإنجيل بوصايا الرسل وجعلوها هى الكتب المنزَّلة( )0

كذلك حفاظاً على كتاب الله  والتمكين له أولاً فى قلوب المؤمنين كما مر فى وصيته لقرظة بن كعب  وهو متوجه إلى الكوفة0

لهذا خشى أن تدون السنة فينكب عليها المسلمون، ويتشاغلوا بها عن القرآن الكريم فيتشبهون بأهل الكتاب كما قال "ثم تذكرت
فإذا أناس من أهل الكتاب من قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإنى والله لا ألبس كتاب الله بشئ"( )0
من أجل هذا فهو يمتنع عن التدوين بعد أن استشار، وظل يستخير ربه شهراً كاملاً0

يقول فضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى "وكان الصواب ما رأى عمر، فالعصر عصر صحابة للنبى  لا عصر تابعين، وهم أشبه ما يكون
بحوارى عيسى عليه السلام، ولنا فى أهل الكتاب تجربة حين سجل أصحاب النبى عيسى عليه السلام ما سمعوه وما رأوه، نسبت الأناجيل إليهم
لا إلى عيسى ولا إلى الله، … فكان الحذر والحيطة من عمر  بالعدول عن التدوين، إذ لو فعل لم يأمن أن تتعدد كتب السنة بتعدد قائليها،
وتتـنوع بتـنوع أسماء كاتبيها، فتكون أناجيل فى الأمة، ويهمل الكتاب الأصلى الذى هو درة التاج وقلادة العقد
لمن هذه البصيرة النافذة إن لم تكن لعمـر بعـد النبـى ؟
ولمن هذا القول الفصل إن لم يكن للفاروق بعد الرسول ؟
ولمن هذا الحرص الشديد إن لم يكن لهذا الغيور على دينـه؟
فياليت قومى يعلمون( ) أ0هـ0

وعودة إلى أشهر ما كتب من السنة فى زمن النبوة وبعده إلى زمن التدوين الرسمى
5- الصحيفة الصادقة التى كتبها جامعها عبد الله بن عمرو بن العاص  عن رسول الله ، وإن لم تصل هذه الصحيفة كما كتبها عبد الله بن
عمرو بخطه فقد وصل إلينا محتواها، لأنها محفوظة فى مسند الإمام أحمد( )، حتى ليصح أن نصفها بأنها أصدق وثيقة تاريخية تثبت كتابة
الحديث على عهد رسول الله ، ويزيدنا اطمئناناً إلى صحة هذه الوثيقة أنها كانت نتيجة طبيعة محتومة لفتوى النبى  لعبد الله بن عمرو، عندما
أتى إلى النبى  وقال : "كنت أكتب كل شئ أسمعه منك أريد حفظه فنهتنى قريش وقالوا : أتكتب كل شئ تسمعه ورسول الله  بشر يتكلم فى
الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، (هنا يفتى النبى ) فأومأ بأصبعه إلى فيه وقال : "اكتب، فوالذى نفسى بيده ما يخرج منه إلاَّ حق"( )0

وآية اشتغال ابن عمرو بكتابة هذه الصحيفة وسواها من الصحف قول أبى هريرة  : "ما من أصحاب رسول الله  أحد أكثر حديثاً
عنه منى إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب"( )0
وهذا لا يعارضه ما روى أن أبى هريرة  كان يكتب، فعن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضمرى( ) قال : "تحدثت عن أبى هريرة
بحديث فأنكره فقلت إنى سمعته منك، فقال : إن كنت سمعته منى فهو مكتوب عندى، فأخذ بيدى إلى بيته فأرانا كتباً كثيرة من حديث رسول الله
، فوجد ذلك الحديث، فقال : قد أخبرتك أنى إن كنت حدثتك به فهو مكتوب عندى"( )0
ويمكن الجمع بين ذلك بأنه لم يكن يكتب فى العهد النبوى ثم كتب بعده0
قال الحافظ ابن حجر : قلت : وأقوى من ذلك أنه لا يلزم من وجود الحديث مكتوباً عنده أن يكون بخطه، وقد ثبت أنه لم يكن يكتب، فتعينَّ أن
المكتوب عنده بغير خطه"( )0
6- والصحيفة الصحيحة التى كتبها همام بن منبه( )، زوج ابنة أبى هريرة  كتبها أمام أبى هريرة، ولهذه الصحيفة مكانة خاصة فى تدوين
الحديث، لأنها وصلت إلينا كاملة سالمة كما رواها ودونها همَّام بن منبه عن أبى هريرة، فكانت جديرة باسم "الصحيفة الصحيحة"( ) على مثال
"الصحيفة الصادقة" لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد سبقت الإشارة إليها0
ونحب أن ننبه أن مصطلح "صحيفة وكتاب وجزء ونسخة … إلخ لا يعنى بالضرورة "مجموعات صغيرة أو مذكرة عن الحديث" كما كان يعتقد
أحياناً وهذا ما أكد صحته الدكتور امتياز أحمد فى كتابه "دلائل التوثيق المبكر للسنة"( )0
وهذه الكتابات السابقة وغيرها الكثير( )؛ تقطع بكتابة السنة المطهرة فى عصر النبوة والصحابة والتابعين( )0

وتؤكد ما سبق وأن ذكرناه فى التوفيق بين النهى عن كتابة السنة والإذن بكتابتها، وهو أن النهى دائر مع الخوف من علة النهى التى سبق
تفصيلها،والإذن دائر مع الأمن منها( )

وهذا يؤكده أيضاً أن كل من نُقل عنه (أى من الصحابة والتابعين) النهى عن كتابة السنة فقد نُقل عنه عكس ذلك أيضاً( )، ما عدا
شخصاً أو شخصين، وقد ثبتت كتابتهم أو الكتابة عنهم، وبذلك صرح الدكتور محمد مصطفى الأعظمى( )، وأكده باستفاضة فى كتابه (
دراسات فى الحديث النبوى) حيث عقد الفصل الأول من الباب الرابع لبيان كتابة الصحابة ومن كتب عنهم فى حياتهم( )، والفصل الثانى فى "
كتابة كبار التابعين، ومن كتب عنهم فى حياتهم( )حتى زمن التدوين الرسمى فى عهد عمر بن عبدالعزيز ،بل وبعد زمنه أيضاً( )

كل ذلك يؤكد الحقائق التى سبق ذكرها من الفرق بين الكتابة، والتدوين وأن عمر بن عبد العزيز حينما أمر بالتدوين الرسمى
للسنة لم يبدأ من فراغ ولكنه اعتمد على أصول الكتابات - التى سبق ذكر بعضها وكانت تملأ أرجاء العالم الإسلامى0
وفى ذلك رد على الصنم الأكبر للمستشرقين (جولدتسيهر) ومن تابعه من بنى جنسه، وغيرهم من المفتونين بهم من أدعياء العلم : "من أنه
ليس صحيحاً ما يقال أن الحديث وثيقة للإسلام فى عهده الأول .. إلخ"( )0

نقـد قاعـدة شاخـت :
وأبلغ رد على "جوزيف شاخت" فى أنه لا صحة لأى حديث منسوب للنبى  فى أحاديث الأحكام،وأن المجموعة الأولى من أحاديث
الأحكام، قد نشأت فى منتصف القرن الثانى الهجرى0
أبلغ رد عليه فى ذلك ما سبق ذكره من كتاب النبى  إلى واليه (عمرو بن حزم ) والكتاب فى الصدقات، والديات، والفرائض، والسنن،
أليس هذا الكتاب فى الأحكام الفقهية التى يشكك فيها شاخت؟

وكذلك كتاب عمر إلى عامله عتبة بن فرقد بالنهى عن الحرير، وكتابه فى الزكاة، والخراج، والمسائل المالية الأخرى0
وكتاب أبى بكر لعامله أنس بن مالك لما وجهه إلى البحرين0
أليس ذلك وغيره مما ذكرناه، من أحاديث الأحكام الفقهية التى يزعم "شاخت" ومن صار على دربه أنها نشأت فى منتصف القرن الثانى
الهجرى؟!

ويقول الدكتور ظفر إسحاق الأنصارى( ) فى نقد قاعدة شاخت : "إن قراءة عابرة لكتاب (أصول الفقه المحمدى) لجوزيف شاخت
توضح أن قاعدته فى البحث واستدلالاته سطحيان للغاية فقاعدته (المنهجية المزعومة) القائمة على إنكار وجود خبر أو أثر بناء على سكوت
المصادر عنه، وهو ما يقوم عليه موقف شاخت من إنكار توثيق الأحاديث بصفة عامة0 فقوله : "إن حديثاً ما سيعد غير موجود فى وقت من
الأوقات إذا لم يحتج بذلك الحديث فى مواطن الخلاف حيث يكون الاستدلال به أمراً لازماً"( )0
إنَّ التجاء شاخت إلى هذه الحجة بدا كأنه يوحى بأن علماء المسلمين فى القرون الأولى كانوا فى حالة (نقاش وجدل) مستمر،
وهو افتراض يرفضه العقل السليم بداهة ولا تسلم لشاخت قاعدته إلا إذا سلمنا بالافتراضات الآتية :
1- أنه كلما ذكرت الأحكام الشرعية فى القرون الأولى من الهجرة المباركة ذكرت معها أدلتها المؤيدة، ولا سيما الأحاديث0
2- أن الأحاديث المعروفة لفقيه ما (أو محدث) ينبغى أن تعرض بالضرورة عند كل فقهاء عصره ومحدثيه فى زمنه0
3- أن جميع الأحاديث التى (نشرت) فى عهد معين، قد دونت تدويناً كاملاً، وصارت مشهورة على نطاق واسع، وأصبحت محفوظة تماماً، بحيث
أننا إذا لم نجد حديثاً فى كتاب من كتب أحد العلماء المعروفين فهذا يعنى بالضرورة، عدم وجود ذلك الحديث فى عهده، سواء فى منطقته أو فى
سائر أنحاء العالم الإسلامى آنذاك0

ولا يسلم واحد من هذه الافتراضات مع الشهادات التاريخية والحقائق المعروفة فى تلك القرون الأولى0
أولاً : لأن من المصنَّفات المتقدمة مدون فيها أحكام فقهية مستنبطة من آيات القرآن الكريم، ومن أحاديث نبوية دون أى إشارة إلى تلك الآيات
أو الأحاديث حيث كان أولئك المؤلفون يكتفون بتسجيل آراء مذاهبهم، ولم يهتموا بالضرورة، ببيان الأحاديث عن رسول الله  أو عن الصحابة
 لتأييد تلك الآراء، هذا إذا كان عنده علم بها، وقد يكون سبب عدم ذكره للحديث عدم بلوغه وعلمه به أو لأنه لم يثبت عنده، أو
لمعارضة الحديث لما هو أقوى منه سنداً أو دلالة، كالإمام مالك -رحمه الله- فى تقديمه عمل أهل المدينة على خبر الواحد0
ثانياً : "إن الإحاطة بحديث رسول الله  لم تكن لأحد من الأمة، وقد كان النبى  يحدث، أو يفتى أو يقضى، أو يفعل الشئ، فيسمعه أو يراه من
يكون حاضراً، ويبلغه أولئك - أو بعضهم - لمن يبلغونه، فينتهى علم ذلك إلى من شاء الله تعالى من العلماء، من الصحابة والتابعين ومن
بعدهم0 ثم فى مجلس آخر قد يحدث، أو يفتى، أو يقضى، أو يفعل شيئاً، ويشهده بعض من كان غائباً عن ذلك المجلس ويبلغونه لمن أمكنهم0
فيكون عند هؤلاء من العلم، ما ليس عند هؤلاء، وعند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء0 وإنما يتفاضل العلماء من الصحابة ومن بعدهم، بكثرة
العلم، أو جودته0 وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله ، فهذا لا يمكن ادعاؤه قط0 واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين  الذين هم أعلم الأمة
بأمور رسول الله  وسنته، وأحواله0

وإذا كان هذا هو حال أعلم الأمة وأفقهها، وأتقاها وأفضلها؛ فمن بعدهم أضعف وخفاء بعض السنة عليهم أولى، فلا يحتاج ذلك
إلى بيان0

فمن اعتقد، أن كل حديث قد بلغ كل واحد من الأئمة، أو إماماً معيناً، فهو مخطئ خطأ فاحشاً قبيحاً"( )0

ثالثاً : لا يسلم الافتراض الثالث لما هو معلوم، وسيأتى أن السنة النبوية قد مرت بمراحل ثلاث : 1-الكتابة، 2-التدويــن، 3-التصنيـف0

"ولا يقولنَّ قائلٌ : إنَّ هذه الأحاديث قد دونت وجمعت فخفاؤها والحال هذه بعيد، لأن هذه الدواوين المشهورة فى السنن، إنما
جمعت بعد ذهاب الأئمة المتبوعين (رحمهم الله) ومع هذا، فلا يجوز أن يدعى انحصار حديث رسول الله  فى دواوين معينة0

ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله  فيها، فليس كل ما فى الكتب يعلمه العالم، ولا يكاد ذلك يحصل لأحد، بل قد يكون عند
الرجل الدواوين الكثيرة، وهو لا يحيط بما فيها"( )0
وهكذا لم يسلم واحد من الافتراضات الثلاثة حتى تسلم لشاخت قاعدته0

يقول الدكتور ظفر : "ويكون من المفيد البحث عن الأحاديث التى وجدت فى الكتب السابقة، ولكنها لم تذكر فى الكتب اللاحقة، وهذا يعنى إمكان
العمل على طريق معاكس لافتراض شاخت، وهذا سوف يأتى بنتائج مهمة للغاية، لأنه إذا كان من الممكن وهو فى نظرنا من الممكن - أن
نثبت أن كثيراً من الأحاديث الواردة فى كتب متقدمة لا توجد فى كتب


متأخرة، فضلاً عن الكتب المعاصرة، وكان ذلك لأن فقهاء العصر الذى نتكلم عنه لم يعتبروا أنفسهـم ملزمين بذكر الأحاديث الكثيرة التى
عرفوها ولو كانت مؤيدة لآرائهم، هذا فضلاً عن الأحاديث التى لم يحيطوا بها علماً كما سبق، فهذا كله يضع استدلال شاخت موضع شكوك
خطيرة،ويبطل قاعدته التى على أساسها كان تشكيكه فى الأحاديث والوثوق بها بصفة عامة

وحتى يظهر بطلان قاعدة شاخت قام الدكتور ظفر بعقد مقارنة لطائفة من الآراء الفقهية لبعض فقهاء القرن الثانى الهجرى،
وذلك من خلال مقارنة "موطأ الإمام مالك" برواية (يحيى الليثى)( ) ورواية (الشيبانى)( ) حيث أن عدداً كبيراً من الأحاديث الموجودة بموطأ
مالك برواية يحيى الليثى، ولا توجد بموطأ رواية الشيبانى0 على الرغم من أن الشيبانى كان الأصغر سناً، وتأخر عهده عن الإمام مالك0
والأعجب من ذلك أننا نرى أحياناً أن بعض أحاديث الموطأ للإمام مالك التى تؤيد آراء مذهب الإمام الشيبانى، لا توجد فى موطأ الشيبانى أصلاً0
وهذا مثالاً لتأكيد ما قلناه : يشتمل باب أوقات الصلاة فى الموطأ برواية يحيى الليثى على ثلاثين حديثاً( )،بينما لا نجد منها فى
موطأ مالك برواية الشيبانى( ) إلا أربعة أحاديث"( )0

وهكذا مرت السنة النبوية منذ عهد النبوة المباركة بمراحل ثلاث حتى ظهور المصنفات الحديثية : 1-الكتابة 2-التدوين 3-
التصنيف0
وفى ذلك يقول العلامة فؤاد سزكين فى "تاريخ التراث العربى" يقول : "فقد مرت مكتبة الحديث بالمراحل التالية :
أ- كتابة الأحاديث : وقد سجلت الأحاديث فى هذه المرحلة فى كراريس الواحد منها له اسم الصحيفة أو الجزء، وتمت هذه المرحلة فى عصر
النبوة والصحابة وأوائل التابعين0
ب- تدوين الحديث : وفى هذه المرحلة ضمنت التسجيلات المتفرقة، وتم هذا فى الربع الأخير من القرن الأول للهجرة، والربع الأول من القرن
الثانى0
ج- تصنيف الحديث : وقد رتبت الأحاديث فى هذه المرحلة وفق مضمونها، فى فصول وأبواب، وبدأ هذا مع الربع الثانى من القرن الثانى،
واستمر إلى أن ظهرت فى أواخر القرن الثانى للهجرة طرق أخرى لترتيب الأحاديث وفق أسماء صحابة رسول الله  فى كتب يحمل الواحد منها
اسم المسند"( ) أهـ0

حتى إذا أطل علينا القرن الثالث الهجرى كانت السنة النبوية قد استقرت فى بطون الكتب المعروفة لدينا الآن وعلى رأسها الكتب الستة( )ومسند
الإمام أحمد،ومن أجل هذا، ولأنه العصر الذىتميز فيه صحيح السنة من ضعيفها اعتبره العلماء العصر الذهبىللسنة المطهرة( )

هذا ولم يكن تدوين السنة قائماً على المكتوب فقط وإنما كان قائماً جنباً إلى جنب بجانب المحفوظ فى الصدور، فالعبرة عند
المحدثين بالعدالة، والضبط وهو نوعان :
1- ضبط صدر وهو : أن يحفظ الراوى ما سمعه ويثبت منه ويعيه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء إن حدَّث حفظاً0
2- ضبط كتاب وهو:أن يصون الراوى كتابه من أن يتطرق إليه خلل من حين كتابته أو سماعه إلى أن يؤدى منه ولا يدفعه إلى من يمكن أن
يغير فيه إن كان منه يروى( )وعلى هذين النوعين كان تبليغ سنة النبىعلى مر العصور، وبالحفظ أكثر فى القرون الأولى( )0
كما أن الحفظ أقوى من الكتابة لبعده عن التصحيف والغلط، ومن هنا فهو مرجح على المكتوب إذا تعارض حديث مسموع وحديث مكتوب0

قال الآمدى : "وأما ما يعود إلى المروى فترجيحات الأول : أن تكون رواية أحد الخبرين عن سماع من النبى  والرواية الأخرى عن كتاب0
فرواية السماع أولى:لبعدها عن تطرق التصحيف والغلط"( )0

ويدل على أن الكتابة دون الحفظ قوة ما هو مقرر عند أهل الحديث والأصول أن أعلى وجوه الأخذ من الشيخ سماع لفظه،
واتفاقهم على صحة رواية الحديث بالسماع( )، واختلافهم فى صحة الرواية بطريق المناولة أو المكاتبة0 مع ترجيح تصحيحهما( )0

وفوق كل هذا دلالة على قوة الحفظ فى المكانة عن الكتابة أن الاعتماد فى نقل القرآن الكريم والقطع به، إنما حصل على حفظ
القلوب والصدور لا على خط المصاحف والكتب0 فالحفظ وحده كان الاعتماد عليه فى نقل القرآن الكريم فى عهد النبى ، وعمر وسنين من
عهد عثمان، لأن تلك القطع التى كتب فيها القرآن فى عهد النبى  كانت مفرقة عند بعض الصحابة لا يعرفها إلا من هى عنده، وسائر الناس
غيره يعتمدون على حفظهم0 ثم لما جمعت فى عهد أبى بكر لم تنشر هى ولا الصحف التى كتبت عنها، بل بقيت عند أبى بكر، ثم عند
عمر، ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين حتى طلبها عثمان، ثم اعتمد عليه فى عامة المواضع التى يحتمل فيها الرسم وجهين أو أكثر، واستمر
الاعتماد عليه حتى استقر تدوين القراءات الصحيحة"( )، وكان الاعتماد عليها وعلى نقل القرآن بالحفظ0

يقول المحقق ابن الجزرى : ( ) "ثم إن الاعتماد فى نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على خط المصاحف والكتب0 وهذه
أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة، ففى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم أن النبى  قال : "إن ربى قال لى قم فى قريش فأنذرهم، فقلت
له : أى رب إذن يَثْلَغُوا رَأْسى حتى يدعوه خُبْزَةً فقال : إنى بمتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتاباً لا يَغْسِلُهُ الماء، تَقْرَؤُهُ نَائِماً وَيْقَظانَ، فابعث
جنداً أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأنفق ينفق عليك"( )0 فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج فى حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء بل
يقرأ فى كل حال كما جاء فى صفة أمته : "أنا جيلهم صدورهم"0 وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا فى الكتب، ولا يقرأونه كله إلا
نظراً، لا عن ظهر قلب"( )0

ويقول الشيخ محمد الزرقانى -رحمه الله- : "قلنا غير مرة إن المعوَّل عليه فى القرآن الكريم إنما هو التلقى والأخذ، ثقة عن ثقة، وإماماً عن
إمام إلى النبى ، وإن المصاحف لم تكن ولن تكون هى العمدة فى هذا الباب، إنما هى مرجع جامع للمسلمين، علـى
كتاب ربهم، ولكن فى حدود ما تدل عليه وتعينه، دون ما لا تدل عليه ولا تعينه0 وقد عرفت أن المصاحف لم تكن منقوطة، ولا مشكولة، وأن
صورة الكلمة فيها كانت لكل ما يمكن من وجوه القراءات المختلفة، وإذا لم تحتملها كتبت الكلمة بأحد الوجوه فى مصحف، ثم كتبت فى مصحف
آخر بوجه آخر وهلم جراً0
فلا غرو أن كان التعويل على الرواية والتلقى هو العمدة فى باب القراءة والقرآن( )

نقول : كل هذا رداً على من يشككون فى تدوين السنة على المحفوظ فى الصدور بحجة أن الحفظ خوان( )، وقوة حفظ الحفاظ خرافة( )، لأن
الحفظ وإن كان خوان وضعيف عندهم وعند أهل العصور المتأخرة فى زماننا فلا يصح هذا القول فى عرب العصور الأولى الذين كان جُّل
اعتمادهم فى تواريخهم وأخبارهم وسائر أحوالهم على الحفظ( )0

وازداد عندهم هذا الأمر بعد دخولهم فى الإسلام، وقيضهم الله  لحفظ الشرع وصيانته وحمله وتبليغه لمن بعدهم( )0

فكانوا يتذاكرون حديث رسول الله  فرادى أو مجتمعين مع اليقظة، وشدة التحرى، وبذل الوسع فى إصابة النص الوارد عن المعصوم  وحفظه،
عملاً بتوجيهه ، فى الحث على حفظ السنة وتبليغها فى قوله:"نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من
هو أفقه منه،ورب حامل فقه ليس بفقيه"( ) وقوله  لوفد عبد القيس-بعد أن أمرهم بأربع ونهاهم عن أربع:"احفظوه وأخبروا به من وراءكم"(
)

فعن أنس بن مالك  قال : "كنا نكون عند النبى ، وربما كنًّا نحواً من ستين إنساناً فيحدثنا رسول الله ، ثم يقوم فنتراجعه بيننا،
هذا، وهذا، وهذا، فنقوم وكأنما قد زرع فى قلوبنا"( )0
وعن أبى هريرة  قال : "إنى لأجزئ الليل ثلاثة أجزاء فثلث أنام وثلث أقوم، وثلث أتذكر أحاديث رسول الله ( )0 كما كان ابن
عباس وزيد بن أرقم يتذاكران السنة( )، كما تذاكر أبو موسى وعمر بن الخطاب حتى الصبح( )0

وحفلت مذاكره السنة بتوجيه الرسول  وتقريره لها0
فعن معاوية بن أبى سفيان قال : … وكنت مع النبى  يوماً فدخل المسجد فإذا هو بقوم فى المسجد قعود، فقال النبى  : ما
يقعدكم؟ قالوا : صلينا الصلاة المكتوبة ثم قعدنا نتذاكر كتاب الله وسنة نبيه ، فقال  : "إن الله إذا ذكر شيئاً تعاظم ذكره"( )0

بل كان  يستمع لمذاكرتهم، ويوجههم إلى الدقة فى الحفظ وبذل الطاقة فى إدراك النص وحفظه كما جاء فى حديث البراء بن عازب وتعليم
النبى  له دعاء النوم، فلما سمعه من رسول الله  قال : "فرددتهن لاستذكرهن فقلت آمنت برسولك الذى أرسلت قال قل : آمنت بنبيك الذى
أرسلت"( )0

وفى الحث على مذاكرة السنة وحفظها كان الصحابة  يحضون، فهذا أمير المؤمنين على بن أبى طالب  يقول : "تذاكروا الحديث فإنكم إلا
تفعلوا يندرس"( )0
وعن أبى سعيد الخدرى  قال : "تذاكروا الحديث فإن مذاكرة الحديث تهيج الحديث"( ) وروى مثل ذلك عن ابن سعود وابن عباس
وغيرهم، وعلى دربهم صار التابعون فمن بعدهم( )0

الجواب على ما يزعمه بعض غلاة الشيعة بأن لهم فضل السبق فى التدوين :
سبق وأن فصلنا بالأدلة القوية أن السنة النبوية كُتِبت فى عهد النبوة وبإذنه  كما أنها كُتِبت فى عهد الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وأصبحت
كتابة السنة فى مرحلة مبكرة (فى عصر النبى نفسه) حقيقة لا تقبل الشك ولا ينكرها إلا جاحد، وعلى تلك الكتابات بجوار المحفوظ فى الصدور
اعتمد عمر بن عبد العزيز فى التدوين الرسمى للسنة المطهرة فكان له الفضل كل الفضل رغم أنف أعداء السنة المطهرة( )0

ولم لا يكون له الفضل وقد تحقق على يده ما تنبأ به النبى ( ) من تدوين سنته المطهرة فى قوله  : "أى الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ قالوا
الملائكة قال : وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ وذكروا الأنبياء قال : وكيف لا يؤمنون والوحى ينزل عليهم؟ قالوا فنحن؟ قال وكيف
لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قالوا فمن يا رسول الله؟ قال قوم يأتون بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بها"( )0 قال الحافظ السخاوى : استدل بهذا
الحديث على الوجادة وهو علم من أعلام النبوة من إخباره عما سيقع، وهو تدوين القرآن وكتبه فى صحفه وكتابة الحديث"( )0
ويقول الدكتور على السالوس : رداً على دعوى أن الشيعة لهم فضل السبق فى التدوين قال : "والفرق التى ظهرت فى تاريخ
الإسلام، ولها عقائد خاصة بها، لم تظهر كتبها إلا بعد استقرار عقائدها، ووضوحها لدى معتنقيها0 وهذا أمر بديهى، لأن الكتب إنما توضع
لتأييد هذه العقائد، والدعوة لها، فلابد أن تسبق العقائد هذه الكتب بل إن هناك مرحلة تلى العقائد وتسبق الكتب، وهى وضع الأخبار وتناقلها
والاحتجاج بها قبل أن تجمع فى كتاب، وقبل أن يوضع كتاب مرة واحدة0

فبالنسبة للشيعة مثلاً : وجدنا بعد موت كل إمام حدوث تفرق جديد، فكانت كل فرقة تحتج بأخبار تؤيد ما انتهت إليه فى تلك
المرحلة، إلى أن تصل إلى الإمام الأخير الذى تستقر عنده آراؤها، وما كانت أى فرقة لتضع أخباراً فى إمام إلا بعد ولادته، لأنها لا تعلم الغيب
فى واقع الأمر، وإن زعم منها من زعم أنه يعلم مثل هذا العلم"0

ثم أخذ فضيلة الأستاذ الدكتور السالوسى يؤكد كلامه ببعض ما جاء فى كتاب من كتب الشيعة أنفسهم، وهو كتاب فرق الشيعة للحسن بن
موسى النوبختى، وسعد بن عبد الله القمى، والاثنان عاشا فى القرن الثالث، وأدركا بداية القرن الرابع وبعد أن فصل ذلك قال : "ونلحظ أن كل
هذه الفرق أكدت أن الحسن العسكرى لا خلف له ما عدا فرقة مع فرقة الإمامية0 ومعنى هذا أن الشيعة الإثنى عشرية لم تبدأ فى وضع الأخبار
التى تتصل بالإثنى عشر إماماً إلا بعد الحسن العسكرى، أى فى النصف الثانى من القرن الثالث0 وبعد هذا تبدأ مرحلة الكتب0 والواقع العملى
يؤيد ما بينته هنا، فكتب الحديث الأربعة المعتمدة عندهم أولها ظهر فى القرن الرابع، وهو الكافى - الذى يعد عندهم مثل البخارى عندنا - ثم
جاء بعده باقى الكتب"( )0 فأين فضل سبق التدوين الذى يزعمونه كذباً؟!
الجواب على ما يزعمه بعض الرافضة أن أهل السنة وفى مقدمتهم أبى بكر وعمر –رضى الله عنهما- أضاعوا سنة نبيهم 

هذا الزعم بهتان عظيم لا يجرؤ على القول به إلا شيعة غلاة ملاحدة ومن قال بقولهم من أعداء الإسلام؛ لأن السنة النبوية من الذكر الذى وعد
رب العزة بحفظه فى قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( )0 وسبق تفصيل ذلك بأدلته من الكتاب، والسنة، والعقل، والتاريخ(
)0

ولو كانت السنة النبوية المطهرة ضائعة غير محفوظة كما يزعم الرافضة ما طالب رب العزة عباده باتباع سنة نبيه  والتحذير من مخالفة
أمره، كما قال تعالى : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ) وقال تعالى : وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ( )0

ثم كيف يصح أن يسند رب العزة إلى نبيه  مهمة البيان فى قوله تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( )
ثم يضيع هذا البيان؟!!
وكيف يصح أيضاً أن يطالب النبى  أمته بالتمسك بسنته كما قال  : "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا
بها، وعضوا عليها بالنواجذ"( ) وقال : "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله عز وجل وسنتى؟! ( ) فلو كانت السنة

المطهرة غير محفوظة أو يمكن أن يلحقها التحريف والتبديل والضياع لكان ذلك القول تكذيب لرب الغرة بما أخبر به فى كتابه من الوعد بحفظ
سنة نبيه  التى أمرنا باتباعها وتحكيمها فى كل شئون حياتنا، وذلك فى عشرات الآيات القرآنية0

فالقول بضياع السنة النبوية لا يقوله مسلم، ويكذبه الواقع التاريخى الذى يشهد بنقل سنة النبى  من قول، أو فعل، أو تقرير حتى الحركات
والسكنات، وبالجملة نقلت حياته كلها برمتها فى عباداته ومعاملاته، فى سلمه وحربه، وفى نومه ويقظته، فى أدق الأمور، وفيما نعده من
أسرار حياتنا، كمعاشرته، وما يقوله عندما يخرج من بيته، إلى غير ذلك نقلت حياته برمتها وكلياتها وجزئياتها بماذا؟ بأدق طرق النقل الذى لا
تعرف له الدنيا مثيلاً، فكان فى ذلك التطبيق، وكان فى ذلك النقل، وكان فى ذلك التدوين إشارة قوية إلى أن الله  تكفل بحفظ هذه السنة النبوية
بما هيأ لها من رجال أفنوا أعمارهم فى ضبطها والسهر عليها، وتدوينها، وحفظها، وشرحها وتمييز صحيحها من سقيمها، فنقشوها فى
صفحات قلوبهم الأمينة، وفى كتبهم الواعية، فكان تكفله  بحفظ كتابه فى قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( ) يشمل السنة
النبوية حيث قيض الله لها من ثقات الحفظة من الرواة الثقات العدول، والأئمة الأعلام ما قيض لكتابه العزيز من ثقات الحفظة فى كل قرن،
وإلى أن يرث الأرض ومن عليها( )0

وفى ذلك يقول الإمام الشاطبى فى المسألة الثانية عشرة : (هذه الشريعة معصومة من الضياع والتبديل إلى أن تقوم الساعة) بعد
أن تحدث عن حفظ القرآن الكريم وقال فيه "أما القرآن الكريم فقد قيض الله له حفظة بحيث لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال
الأصاغر، فضلاً عن القراء الأكابر" قال عن حفظ السنة النبوية : "ثم قيض الحق سبحانه رجالاً يبحثون عن الصحيح من حديث رسول الله ،
وعن أهل الثقة والعدالة من النقلة، حتى ميزوا بين الصحيح والسقيم، وتعرفوا التواريخ وصحة الدعاوى فى الأخذ لفلان عن فلان، حتى استقر
الثابت المعمول به من أحاديث رسول الله ( ) فى بطون كتب السنة الموجودة بين أيدينا الآن، ولم يفقد منها شئ0 يقول الإمام الشافعى -رحمه
الله- : "لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شئ فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن … وليس قليل ما ذهب من
السنن على من جمع أكثرها : دليلاً على أن يطلب علمه عند غير طبقته من أهل العلم، بل يطلب عند نظرائه ما ذهب عليه، حتى يأتى على
جميع سنن رسول الله ، بأبى هو وأمى،فيتفرد جملة العلماء بجمعها وهم درجات فيما وعوا منها"( )0

يقول الأستاذ أحمد شاكر -رحمه الله- معقباً على كلام الإمام الشافعى : "هذا الذى قاله الشافعى فى شأن السنن : نظر بعيد،
وتحقيق دقيق، واطلاع واسع على ما جمع الشيوخ والعلماء من السنن فى عصره، وفيما قبل عصره0 ولم تكن دواوين السنة جمعت إذ ذاك،
إلا قليلاً مما جمع الشيوخ مما رووا0 ثم اشتغل العلماء الحفاظ بجمع السنن فى كتب كبار وصغار، فصنف أحمد بن حنبل -تلميذ الشافعى-
مسنده الكبير المعروف، وقال يصفه : "إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من
حديث رسول الله  فارجعوا إليه، فإن كان فيه، وإلا فليس بحجة0 ومع ذلك فقد فاته شئ كثير من صحيح الحديث، وفى الصحيحين أحاديث
ليست فى المسند0

وَجَمَعَ العلماء الحفاظ الكتب الستة، وفيها كثير مما ليس فى المسند، ومجموعها مع المسند يحيط بأكثر السنة،ولا يستوعبها
كلها0 ولكننا إذا جمعنا ما فيها من الأحاديث مع الأحاديث التى فى الكتب الأخرى المشهورة، كمستدرك الحاكم، والسنن الكبرى للبيهقى،
والمنتقى لابن الجارود، وسنن الدارمى، ومعاجم الطبرانى الثلاثة، ومسندى أبى يعلى،والبزار: إذا جمعنا الأحاديث التى فى هذه الكتب استوعبنا
السنن كلها إن شاء الله، وغلب على الظن أن لم يذهب علينا شئ منها، بل نكاد نقطع به0 وهذا معنى قول الشافعى : "فإذا جمع علم عامة أهل
العلم بها أتى على السنن"0 وقوله "فيتفرد جملة العلماء بجمعها" وكان الشافعى قد قاله نظراً، قبل أن يتحقق بالتأليف عملاً، لله دره( )0 أ0
هـ0
وبعــد
فهذه سنة النبى  مستقره فى بطون الكتب المعتمدة من علماء الأمة الثقات مميزاً صحيحها من ضعيفها فمنها :

ما هو معلوم الصحة كالصحيحين (للبخارى والمسلم)، والموطأ والمستخرجات، وصحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح أبى عوانة،
والصحاح لابن السكن، والمنتقى لابن الجارود، والمختارة لضياء المقدسى، ومستدرك الحاكم على ما فيه من تعقبات( )0
ومنها ما جمع بين الصحيح، والحسن، والضعيف وهو منبه عليه فى كتبهم أو مميزاً محكوم عليه فى تخريجاتهم، وذلك ككتب السنن وعلى
رأسها السنن الأربعة : وهى سنن أبى داود، والترمذى والنسائى، وابن ماجة، وكذا سنن الدارمى، والدراقطنى وسنن سعيد بن منصور، والسنن
الكبرى للبيهقى، وغيرها الكثير( )، هذا فضلاً عن كتب المسانيد، ومن أشهرها وأجمعها مسند الإمام أحمد، ومسند أبى يعلى الموصلى، ومسند
أبى داود الطيالسى وغيرهم الكثير( )0 وكذا كتب المصنفات كمصنف عبد الرازق، ومصنف ابن أبى شيبة( )، وكتب المعاجم ومن أشهرها
معاجم الطبرانى الثلاثة (الصغير، والكبير، والأوسط) ( )0
وهذه الكتب الحديثية وغيرها الكثير تتحدى فى طرق جمعها وتدوينها وصحتها طرق أهل الكتاب فى جمع وتدوين عهدهم القديم
والجديد( )0

وتتحدى طرق الشيعة الرافضة الممتلئة كتبهم وعلى رأسها أصولهم الأربعة (الكافى) و (من لا يحضره الفقيه) و (التهذيب) و(الاستبصار)
بالكذابين والملاحدة، والشعوبيين، وفاسدى العقيدة، والمذمومين من أئمتهم، وكل ما يخطر ببالك من نقائص (ورغم هذا يصرح علماؤهم بأن
كل ما فى هذه الأربعة صحيح واجب العمل به( )،وسبب ذلك أن دينهم من أصله فاسد، وهل يثمر الفاسد إلا الفساد؟( )أ0هـ0
والله تبــارك وتعالــى
أعلـى وأعلـم
ثالثاً : شبهة رواية الحديث بالمعنى والرد عليها

زعم أعداء السنة من غلاة الشيعة، والمستشرقين، ودعاة اللادينية : أن تأخر تدوين السنة كان له ضرر كبير على السنة من
روايتها بالمعنى، وزعموا بأن رواية الحديث بالمعنى هى القاعدة الأصلية الثابتة المقررة عند علماء الحديث، حيث كان اهتمامهم بالمعنى أكثر
من اهتمامهم باللفظ حتى وصلت إلينا الأحاديث وقد انطمست معالم ألفاظها ومعانيها، ولذلك لم يحتجّ النحاة بالأحاديث المروية، ولم يستشهدوا
بها فى إثبات اللغة أو قواعد النحو، لأن ألفاظها مرهونة بالتأثر الشخصى للرواة ( )0

تلك هى خلاصة شبهة أعداء الإسلام حول رواية الحديث بالمعنى، والتى من خلالها يشككون فى حجية السنة النبوية، ومكانتها
التشريعية0

والجـواب :
أولاً وقبل بيان فساد زعم دعاة الفتنة وأدعياء العلم بأن رواية الحديث بالمعنى هى القاعدة الأصلية الثابتة المقررة عند علماء
الحديث، وأن اهتمامهم بالمعنى أكثر من اللفظ قبل بيان بطلان هذا الزعم، نحرر أولاً القول فى حكم رواية الحديث بالمعنى عند علماء الأمة من
المحدثين، والفقهاء، والأصوليين، حيث سيتضح جلياً كيف قلب أعداء السنة المطهرة الأصل إلى فرع؟ والفرع إلى أصل؟

من المعلوم أن للعلماء فى رواية الحديث بالمعنى مذاهب عدة( )، نستخلص منها مذهبين :
المذهب الأول : أن رواية الحديث بالمعنى لا تجوز لمن لا يعلم مدلول الألفاظ فى اللسان العربى ومقاصدها وما يحيل معناها والمحتمل من
غيره، والمرادف منها، وذلك على وجه الوجوب بلا خلاف بين العلماء، لأن من اتصف بذلك لا يؤمن بتغييره من الخلل، ووجب على من هذا
حاله أن يروى الحديث بالألفاظ التى سمع بها مقتصراً عليها بدون تقديم، ولا تأخير ولا زيادة ولا نقص لحرف فأكثر، ولا إبدال حرف أو
أكثر بغيره، ولا مشدَّدٍ بمثـقل، أو عكسه( )؛ "إذ جميع ما يفعله من ذلك تحكم بالجهالة، وتصرف على غير حقيقة فى أصول الشريعة، وتقوُّلٌ
على الله ورسوله بما لم يحط به علماً"( )0

أما من كان عالماً بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيراً بما يحيل معانيها، بصيراً بمقادير التفاوت بينهما0 فاختلف فيه السلف
وأصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول، فالمعظم منهم أجاز له الرواية بالمعنى إذا كان قاطعاً بأنه أدى معنى اللفظ الذى بلغه سواء فى ذلك
الحديث المرفوع، أو غيره( )0

المذهب الثانى : المنع من الرواية بالمعنى مطلقاً، بل يجب نقل اللفظ بصورته من غير فرق بين عارف بمعانى الألفاظ أو غير
عارف، وهو مذهب كثير من السلف، وأهل التحرى فى الحديث، وهو مذهب الإمام مالك، ومعظم المحدثين، وهو مذهب الظاهرية( )0
وهنا يظهر لنا جلياً أن الأصل فى رواية الحديث روايته باللفظ للعالم بالألفاظ ومدلولاتها وغيره، والفرع هو الترخص فى الرواية
بالمعنى للعالم دون غيره0 وهذا هو خلاصة المذهب الأول، وهو المختار عند الجمهور من السلف وأصحاب الحديث والفقه والأصول واختاره
منهم الآمدى( ) وقال : ويدل عليه النص والإجماع والأثر، والمعقول0
أما النص : فإن النبى  كان مقرراً لآحاد رسله إلى البلاد فى إبلاغ أوامره ونواهيه بلغة المبعوث إليهم دون لفظ النبى  وهو
دليل الجواز( )0

وأيضـاً : فإن النبى  أمر أصحابه بتبليغ سنته المطهرة فى حياته وبعد وفاته فى أحاديث كثيرة منها : "ألا ليبلغ الشاهدُ الغائبَ،
فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه" ( )0

هذا فى الوقت الذى كان فيه النهى عن كتابة السنة المطهرة : "لا تكتبوا عنى ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه وحدثوا عنى ولا
حرج – الحديث" ( ) فلو كان اللازم لهم أن يؤدوا تلك الألفاظ التى بلغت أسماعهم بأعيانها بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير … لكتبها
أصحاب رسول الله ، فهل جاءنا عن أحد منهم أنه فعل ذلك من أجل رواية الأحاديث بلفظها بلا تقديم ولا تأخير؟!

كيف، وسائر الأخبار تشهد بأنهم كانوا يؤدونها حفظاً وبعضهم كتابة، ويقدمون، ويؤخرون، وتختلف ألفاظ الرواية فيما لا يتغير معناه فلا ينكر
ذلك منهم، ولا يرون بذلك بأساً"( )0
يقول الأستاذ عبد الرحمن المعلمى : "هذا أمر يقينى لا ريب فيه، وعلى ذلك جرى عملهم فى حياة النبى  وبعد وفاته0 من بقى
منهم حافظاً للفظ على وجهة أداه كذلك ومن بقى ضابطاً للمعنى ولم يبق ضابطاً للفظ أداة بالمعنى من غير نكير منهم( )0

يقول الدكتور أبو زهو بعد أن أفاد المعنى السابق : فدل ذلك على أن "المقصود منها (أى السنة) المعنى دون اللفظ، ولذلك لم يتعبد
بتلاوتها، ولم يقع التحدى بنظمها، وتجوز روايتها بالمعنى" ( )0

ويدل أيضاً على أن المقصود من السنة المعنى دون اللفظ ما قاله الإمام الآمدى : "أن النبى  كان يذكر المعنى فى الكرات المتعددة بألفاظ
مختلفة، بل المقصود إنما هو المعنى، ومع حصول المعنى، فلا أثر لاختلاف اللفظ، وهذا أحد وجوه دليل العقل التى استشهد بها الآمدى( )0

وهذا المقصود كان يعيه الصحابة جيداً وحرصوا على تعليمه لمن بعدهم يدل على ذلك ما روى عن أبى نضرة، أنه قال : قلت
لأبى سعيد الخدرى  : إنك تحدثنا عن رسول الله  حديثاً عجيباً، وإنا نخاف أن نزيد فيه أو ننقص0 قال : أردتم أن تجعلوه قرآناً لا، لا، ولكن
خذوا عنا كما أخذنا عن رسول الله ( )0

فتأمل قول أبى نضرة : (إنا نخاف أن نزيد فيه أو ننقص)0 ثم قول أبى سعيد (أردتم أن تجعلوه قرآناً لا لا، ولكن خذوا عنا …)( )0 فدل ذلك
على أن الأصل فى كتاب الله  اللفظ، لأنه متعبد بتلاوته ومتحدى بأقصر سورة منه، وليست كذلك السنة المطهرة0

وليس هذا هو مفهوم ولا مقصود أبى سعيد الخدرى وحده، بل هو مقصود ومفهوم الصحابة أجمع، ويدل على ذلك روايتهم للقصة الواحدة بألفاظ
مختلفة من غير إنكار من أحد منهم، فكان إجماعاً تصير به الحجة( )0

ويشهد لصحة ذلك أيضاً الرخصة فى قراءة القرآن الكريم على سبعة أحرف( )، وهذه الأحرف الستة الزائدة، عبارة عن أنواع من
المخالفة فى بعض الألفاظ للفظ الحرف الأول بدون اختلاف فى المعنى( )0

واحتج حماد بن سلمة بأن الله تعالى أخبر عن موسى عليه السلام وعدوه فرعون بألفاظ مختلفة فى معنى واحد، كقوله تعالى :
بِشِهَابٍ قَبَسٍ( ) وقوله تعالى بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ( )، وكذلك قصص سائر الأنبياء عليهم السلام فى القرآن، وقولهم لقومهم بألسنتهم
المختلفة، وإنما نقل إلينا ذلك بالمعنى( )، لأن من ذلك ما يطول فيبلغ الحد المعجز، ومنه ما يكون عن لسان أعجمى، ومنه ما يأتى فى موضع
بألفاظ، وفى آخر بغيرها … ويطول فى موضع، ويختصر فى آخر"( )0 وهذا يشهد لجواز التعبير عن المعنى الواحد بألفاظ متعددة0

ومن أقوى الحج كما قاله الحافظ ابن حجر ما حكاه الخطيب البغدادى من : "اتفاق الأمة من جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم
للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى، فجوازه باللغة العربية أولى"( )0 وهذا هو أحد وجوه أدلة العقل التى استشهد بها الآمدى فى الإحكام(
)0
فإن قيل : إن هذه الأدلة السابقة معارضة لقول النبى  : "نضر الله أمراً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه
إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه"( ) ومعارض لقوله  للبراء بن عازب  لما استذكر دعاء النوم قائلاً : (آمنت برسولك الذى
أرسلت، فقال له النبى ، قل : آمنت بنبيك الذى أرسلت"( )0

أجيب عن الحديث الأول : من وجهين :
الوجه الأول : القول بموجبه، وذلك لأن من نقل معنى اللفظ من غير زيادة ولا نقصان يصح أن يقال أدى ما سمع كما سمع0 ولهذا،
يقال لمن ترجم لغة إلى لغة، ولم يغير المعنى، أدى ما سمع كما سمع0 ويدل على أن المراد من الخبر إنما هو نقل المعنى دون اللفظ، ما
ذكره الخبر من التعليل وهو اختلاف الناس فى الفقه، إذ هو المؤثر فى اختلاف المعنى0 وأما الألفاظ التى لا يختلف اجتهاد الناس فى قيام
بعضها مقام بعض، فذلك مما يستوى فيه الفقيه، والأفقه، ومن ليس بفقيه، ولا يكون مؤثراً فى تغيير المعنى0

الوجه الثانى : أن هذا الخبر بعينه يدل على جواز نقل الخبر بالمعنى دون اللفظ، لأن رواة هذا الخبر نفسه قد رووه على المعنى،
فقال بعضهم : رحم الله مكان نضر الله ومن سمع بدل (امرأ سمع) وروى "مقالتى" بدل (منا حديثاً) (وبلغه) مكان (أداه) وروى (فرب مبلغ أفقه
من مبلِّغ) مكان (فرب مبلغ أوعى من سامع)، وألفاظ سوى هذه متغايرة تضمنها هذا الخبر0 فالظاهر يدل على أن هذا الخبر نقل على المعنى،
فلذلك اختلفت ألفاظه، وإن كان معناها واحداً0 فالحديث حجة لنا لا علينا( )0

أما الحديث الثانى "لا ونبيك"؛ ففى الاستدلال به نظر؛ لاحتمال أن يكون المنع؛ لكونها ألفاظ أذكار توفيقية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها
القياس، فيجب المحافظة على اللفظ الذى وردت به"( )0 أو لعله أراد أن يجمع بين الوصفين فى موضع واحد، ولا شك أنه  نبى مرسل، فهو
إذن أكمل فائدة، وذلك يفوت بقوله : (وبرسولك الذى أرسلت) وأيضاً فالبلاغة مقتضية لذلك لعدم تكرار اللفظ لوصف واحد فيه، زاد بعضهم أو
لاختلاف المعنى، لأن برسولك يدخل جبريل وغيره من الملائكة الذين ليسوا بأنبياء"( )0

قلت لا تعارض بين الحديثين المعترض بهما على ما سبق ذكره من الأدلة، فهى كلها تشهد برأى الجمهور المختار وهو أن الأصـل رواية
الحديث باللفظ على فرض التسليم بما اعترض به من حديث : "نضر الله إمراً" وحديث "لا ونبيك"0

والفـرع هو الترخص فى الرواية بالمعنى للعالم بالألفاظ ومدلولاتها دون غيرها، ويشهد لذلك ما سبق ذكره من أدلة، وحينئذ فلا تعارض0

وحتى مع التسليم بأن الأصل هو الرواية بالمعنى، فلسنا نرى أن الرواية بالمعنى تفضى إلى النتائج الخطيرة التى يزعمها دعاة
الإلحاد؛ لأن اختلاف ألفاظ الأحاديث لا يرجع إلى الرواية بالمعنى وحدها، بل يرجع إلى رسول الله  الذى كانت تختلف ألفاظه بتعدد الأزمنة
والأمكنة، والحوادث والأحوال، والسامعين والمستفتين، والمتخاصمين والمتقاضين، والوافدين والمبعوثين، ففى كل ذلك تختلف ألفاظه ، إيجازاً،
واطناباً، وتقديماً، وتأخيراً، وزيادة، ونقصاناً، بحسب ما تقتضيه الحال ويدعوا إليه المقام( )0

فقد يسأل عن أفضل الأعمال مثلاً؛ فيجيب كل سائل بجواب غير جواب صاحبه، … فيظن من لا علم له أن هذا من باب التعارض، أو من عدم
ضبط الرواة، أو من آثار الرواية بالمعنى، وواقع الأمر أن رسول الله  كان طبيب النفوس، فيجيب كل إنسان عن مسألته بما يناسبه، وبما
يكون أنفع له أو للناس فى جميع الظروف أو فى الظرف الذى كان فيه الاستفتاء"( ) أ0هـ0

ويرجع اختلاف الأحاديث أيضاً إلى أنها ليست كلها قولية، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبى  وهى كثيرة، ومنها ما أصله
قولى، ولكن الصحابى لا يذكر القول بل يقول : أمرنا النبى  بكذا، أو نهانا عن كذا، أو قضى بكذا … وأشباه هذا وهذا كثير أيضاً0 وهذان
الضربان ليسا محل نزاع0 ولا دخل للرواية بالمعنى فيهما، والكلام فى ما يقول الصحابى فيه : قال رسول الله  كيت وكيت، أو نحو ذلك، ومن
تتبع هذا فى الأحاديث التى يرويها صحابيان أو أكثر ووقع اختلاف فإنما هو فى بعض الألفاظ، وهذا يبين أن الصحابة لم يكونوا إذا حكوا قوله 
يهملون ألفاظه البتة، لكن منهم من يحاول أن يؤديها، فيقع له تقديم وتأخير أو إبدال الكلمة بمرادفها( )0

ومنهم من يشدد ويصحح ما يسمعه من الرواة من تغيير اللفظ النبوى بالتقديم والتأخير، أو استبدال كلمة بمرادفها، كابن عمر  فعن عُبَيْد بن
عمير( )؛ أن ابن عمر كان جالساً مع أبيه وعندهم مغيرة بن حكيم – رجل من أهل صنعاء – إذ قال : قال رسول الله  : "إنما مثل المنافق مثل
الشاة بين الربيضين( ) من الغنم"، فقال عبد الله بن عمر : ليس هكذا قال رسول الله  فقال رجل : لو علمت علمه، علمت أنه لم يقل إلا حقاً
ولم يتعمد الكذب، فقال : إنه لثقة، ولكنى شاهد رسول الله  يوم قال، هذا فقال كيف يا أبا عبد الرحمن؟ فقال : قال رسول الله  : "مثل المنافق
مثل الشاة بين الغنمين"0 فقال عُبَيْد بن عُمَير هى واحدة إذا لم يجعل الحرام حلالاً والحلال حراماً، فلا يضرك أن قدمت شيئاً أو أخرته؛ فهو
واحد"( )0

وسمع ابن عمر أيضاً رجلاً يردد حديث الأركان الخمسة، فقدم بعضها وآخر بعضاً مخالفاً بذلك الرواية التى سمعها ابن عمر
بنفسه من رسول الله ، فقال له ابن عمر –رضى الله عنهما- : "اجعل صيام رمضان أخرهن، كما سمعت من فى رسول الله "( )0

وروى الخطيب بسنده عن العلاء بن سعد بن مسعود قال : قيل لرجل من أصحاب رسول الله  : مالك لا تحدث كما يحدث فلان
وفلان؟ فقال : ما بى ألا أكون سمعت مثل ما سمعوا، أو حضرت مثل ما حضروا، ولكن لم يدرس الأمر بعد، والناس متماسكون، فأنا أجد من
يكفينى، وأكره التزيد والنقصان فى حديث رسول الله "( )0

وفى عصر التابعين، وأتباع التابعين ظل كثير من الرواة يؤدى حديث رسول الله  بلفظه ونصه، حتى فى الحروف وفى ذلك يقول
الأعمش : "كان العلم عند أقوام كان أحدهم لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يزيد فيه واواً أو ألفاً أو دالاً"( )0

وكان مالك -رحمه الله- يتقى فى حديث رسول الله  الباء والتاء ونحوهما( )0 وممن اعتمد ذلك الإمام مسلم -رحمه الله- فإنه
فى صحيحه يميز اختلاف الرواة حتى فى حرف من المتن، وربما كان بعضه لا يتغير به معنى، وربما كان فى بعضه اختلاف فى المعنى، ولكنه
خفىٌ لا يفطن له، إلا من هو فى العلم بمكان، وكذا سلكه الإمامان البخارى، وأبو داود، وسبقهما لذلك شيخهما الإمام أحمد( )0

ومن أمثلة ذلك : ما روى عن أبى هريرة  قال : قال رسول الله  : "لأسلم وغفار، وشئ من مزينة وجهينة، أو شئ من جهينة
ومزينة، خير عند الله، قال : أحسبه قال يوم القيامة، من أسد، وغطفان، وهوازن وتميم"( ) وهناك من اشتد حرصه على لفظ سماعه فأبى
تبديل حرف مشدد بمخفف، فعن أم كلثوم بنت عقبة( ) - رضى الله عنها - قالت : "ليس الكاذب من أصلح بين الناس فقال خيراً أو نمى خيراً0
قال حماد سمعت هذا الحديث من رجلين فقال أحدهما : نمى خيراً خفيفة، وقال الآخر : نمى خيراً مثـقلة( )0

وأشد من كل هذا تحرج بعضهم من تغيير اللحن الوارد فى كلام الراوى صحابياً كان أو تابعياً، لأنه سمعه هكذا، فلا ضير من
استعمال (حوث) بدلاً من "حيث"( )، أو "لغيت" بدلاً من "لغوت"( )، و "عوثاء السفر"، بدلاً من "وعثائه"( )؛ ولذلك رووا عن محمد بن سيرين؛
أنه "كان يلحن كما يلحن الراوى"( )0

ثم رأى العلماء أن يميزوا فى هذا الموضوع بين لحن يحيل المعنى، وآخر لا يحيله، فرأوا أنه لابد من تغيير اللحن الذى يفسد
المعنى، وقالوا بضرورة رد الحديث إلى الصواب إذا كان راويه قد خالف موجب الإعراب"( )0







 
قديم 06-03-08, 04:59 AM   رقم المشاركة : 9
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


وبكل ذلك يسقط قول دعاة الفتنة وأدعياء العلم : "أن الرواية بالمعنى هى القاعدة الثابتة فى رواية الحديث( )، وأن الرواة تناقلوا
الحديث بألفاظهم فى جميع العصور( )0

"ومن أجل ذلك كله نستطيع أن نقول ونحن مطمئنون : "إن الرواية بالمعنى لم يكن لها أثر فى ثبوت السنة وحجيتها ولم تفض إلى النتائج
الخطيرة التى يزعمها دعاة الإلحاد، لأنها كانت قبل فساد اللسان العربى، من صحابة عايشوا الوحى، وتـنزلاته، وخالطوا صاحب الشرع ،
ومن أئمة كبار فى اللغة والشرع معاً، وكانوا يرونها رخصة عند الاضطرار( )، وكان نسيانهم قليلاً، بل نادراً، فإن كان ففى بعض حروف
العطف، أو المفردات، أو بعض الجمل"( )0 وكانوا يقيدون ذلك ببعض العبارات الدالة على الحيطة والورع فى روايتهم بالمعنى
كقولهم : "أو كما قال"، "أو كما ورد" "أو نحوه" "أو شبهه"( )0

يقول الأستاذ محمد أسد : "إذا كان مئات الصحابة قد حفظوا جميع القرآن الكريم غيباً بلفظه، وبما فيه من فروق ضئيلة فى الرسم (التهجئة) فلا
ريب فى أنه كان ممكناً لهم، وللتابعين من بعدهم أن يحفظوا أقوال الرسول  متفرقة كما حفظوا القرآن سواء بسواء، ولكن من غير أن يزيدوا
على الأحاديث أو أن ينقصوا منها شيئاً0 إن المحدثين يرون أن الحديث الصحيح ما رُوى واحداً فى معناه ولكن بأسانيد مختلفة مستقلة"( )0

الاحتجاج بالسنة والاستشهاد بها فى قواعد النحو واللغة :
عرفنا فيما سبق أن الأصل فى رواية الحديث روايته بلفظه، وذلك منذ عصر النبوة المباركة، والصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى
عصر التدوين الرسمى للسنة0 والفرع هو الترخص فى روايته بالمعنى للعالم بالألفاظ ومدلولاتها، كما عرفنا كيف كانوا يتشددون فى الرواية
باللفظ والاعتراض على من يقدم ويؤخر فى اللفظ النبوى، أو يستبدل كلمة بمرادفها، بل كان سقوط أحدهم من السماء أحب إليه من أن يزيد فى
الحديث واواً أو ألفاً أو دالاً، وبلغ من شدة المحافظة على اللفظ النبوى أن بعضهم يأبى تبديل حرف مشددَّ بمخفف أو العكس، بل ويأبى بعضهم
تغيير اللحن الوارد فى كلام شيخه ما دام سمعه منه، حتى إذا شك الراوى فى لفظين أوردهما جميعاً متشككاً كما جاء فى الحديث : "وهل يكُبُّ
النَّاسَ فى النَّارِ على وُجُوهِهِمْ أَوْ على مَنَاخِرِهِمْ إلا حَصَائِدُ أَلْسَنِتْهم"( )0
وهكذا حافظ رواة السنة على لفظ النبى ، حتى وصلت إلينا سنة المصطفى  سالمة من كل تحريف وتبديل0

نعـم : وصلت إلينا السنة المطهرة بلفظ النبى ، بلفظ أبلغ ما عرف فى لغة العرب، وعرف الدارسون من البيان البشرى، وفى
ذلك يصف أبو حيان بلاغة السنة قائلاً : "والثانى : سنة رسول الله ، فإنها السبيل الواضح، والنجم اللائح، والقائد الناصح، والعلم المنصوب
والأمر المقصود، والغاية فى البيان والنهاية فى البرهان، والمفزع عند الخصام، والقدرة لجميع الأنام"( )0

من أجل ذلك؛ فإن الاحتجاج بالحديث فى اللغة، والنحو أمر طبيعى، وما زعمه المانعون من عدم الاحتجاج به؛ لأنه روى بالمعنى،
ولا نستطيع الجزم بأنه لفظ النبى ( ) فهذا الزعم يسقط بما سبق ذكره، وتفصيله من أن الأصل فى رواية الحديث أن تكون باللفظ، والفرع هو
الترخص فى روايتها بالمعنى للعالم بالألفاظ ومدلولاتها، ولفظه فى هذه الحالة أيضاً حجة، ولِمَ لا، وعلماء اللغة عندما جمعوا اللغة العربية
النقية البعيدة عن الخطأ واللحن كانوا يذهبون إلى البوادى ليستمعوا إلى اللغة من فصحاء العرب، ومن بلغاء البادية مختارين القبائل التى
اشتهرت بفصحاتها، مثل قريش،وتميم، وهذيل وأسد وغيرهم0

وكانوا يتحرون فى اختيار الفصحاء، فلم يأخذوا إلا من الذى وثـقوا فى فصاحته، ولم يشكوا فى مخالطته لغير العرب، وقد حدد
العلماء بعض العصور التى أخذوا عنها اللغة؛ كالعصر الجاهلى، وصدر الإسلام،وبنى أمية، حتى القرن الثانى الهجرى، ولم يلتفتوا إلىما جاء
بعد ذلك عن العرب من شعر ونثر، باعتبار أنه لا يحتج به( )0 وكل هذا ينطبق على رواة السنة والأحاديث المروية، لأن الرواية بالمعنى كانت
فى القرن الأول قبل فساد اللسان العربى وعلى قلة وفى حدود ضيقة، هذا فى الوقت الذى كانت فيه كتابات عديدة للصحابة فى زمن النبوة
وبعده، وكذلك كتابات التابعين فمن بعدهم حتى زمن التدوين الرسمى للسنة فى القرن الأول نفسه، مما يرجح أن الذى فى مدونات الطبقة الأولى
لفظ النبى  نفسه، فإن كان هناك إبدال لفظ بمرادفه فالذى أبدله عربى فصيح يحتج بكلامه العادى، حتى إذا دونت السنة المطهرة منع من
الرواية بالمعنى وتغيير الفظ المدون بلا خلاف كما قال ابن الصلاح( )0

ويقول الدكتور محمد الصباغ : "ومهما يكن من أمر الحديث فإنه أحسن حالاً بكثير من الأشعار والأبيات التى يلجأ إليها النحويون
ويملؤون بها كتبهم، وبعضها منحول، والآخر مشكوك فيه، أو مجهول لا يعرف قائله( )0

ويقول الأستاذ سعيد الأفغانى : "إن ما فى روايات الحديث من ضبط ودقة وتحر لا يتحلى ببعضه كل ما يحتج به النحاة،
واللغويون من كلام العرب( )0 ثم إن المطلوب فى نقل قواعد اللغة والنحو من حديث رسول الله  هو غلبة الظن، والغالب على الظن أن
الحديث لم يتغير لفظه( )0
أما ما زعموه من وقوع اللحن فى بعض الأحاديث بسبب عجمة بعض الرواة( )؛ فهو شئ –إن وقع- قليلٌ جداً، لا ينبنى عليه حكم، ولا يقوم
بهذا الزعم حجة لأحد ولا يصح أن يمنع من أجله الاحتجاج بالحديث الصحيح( )، وهل يمنع عاقل الاحتجاج بالقرآن إذا لحن به بعض
الناس؟!!0 ثم إن اللحن كان موجوداً فى غير نصوص السنة من موارد اللغة التى اعتمد عليها النحاة من شعر ونثر، ورغم ذلك فقد قبلت؛ لأن
العبرة بغلبة العصر لا بلحن الأفراد0 ولم يقل أحد أنه لا يحتج بهما فى اللغة والنحو( )0 ثم إن ما ذكره هؤلاء من اللحن فى الأحاديث الصحيحة
لم يكن لحناً وإنما هو لغة من لغات العرب - وسيأتى بعد قليل أمثلة على ذلك - وقد حذر العلماء من اللحن فى الحديث أشد التحذير، وعد
بعضهم الحديث الملحون كذباً على النبى  : قال الأصمعى( ) : "إن أخوف ما أخاف على طالب العلم، إذا لم يعرف النحو أن يدخل فى جملة
قوله  : "من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"( )0 لأنه لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه( ) فقد كذبت عليه( )0
أما ما زعموه من أن أحداً من أئمة النحو المتقدمين لم يحتج فى كتبه بالحديث( )0 فذلك إن صح كما يقول الدكتور محمود فجال : فليس معناه
أنهم كانوا لا يجيزون الاستشهاد به إذ لا يلزم من عدم استدلالهم بالحديث عدم صحة الاستدلال به، فـ (سيبويه) مثلاً إذا ذهبنا نقرأ كتابة
المسمى بـ (الكتاب) فلن نجد فيه كلاماً رفعه للنبى  ولا مرة واحدة، وفى (الكتاب) نصوص كثيرة توافق الأحاديث النبوية … ولكن (سيبويه)
لم يستشهد بها على أنها أحاديث من النبى  بل على أنها من كلام العرب0

قال (سيبويه) فى كتابة( ) : "وأما قولهم : كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه"( ) فانظر
كيف جعله كلاماً صادراً من العرب الذين يحتج بكلامهم( )0
يقول الدكتور محمود فجال : إن عدم استدلال بعضهم بالحديث على أنه مرفوع للنبى  لا يعنى أنهم لا يجيزون الاستدلال به،
وإنما يعنى عدم خبرتهم بهذا العلم الدقيق، وهو علم رواية الحديث ودرايته، لأن تحصيله بحاجة إلى فراغ، وطول زمان، كما يعنى عدم تعاطيهم
إياه( )0

أما (ابن مالك) فهو إمام فى الحديث بالإضافة إلى إمامته فى علم العربية، وهذا هو السبب الذى حدا به إلى الاستشهاد بالحديث0
قال (الصلاح الصفدى) : كان-ابن مالك-أمة فى الإطلاع على الحديث، فكان أكثر ما يستشهد بالقرآن، فإن لم يكن فيه شاهدٌ
عَدَلَ إلى الحديث، فإن لم يكن فيه شاهدٌ عَدَلَ إلى أشعار العرب( )0



والقدامى لم يثيروا هذه القضية، ولم يناقشوا مبدأ الاحتجاج بالحديث، وبالتالى لم يصرحوا برفض الاستشهاد به، وإنما هو استنتاج
من المتأخرين الذين لاحظوا - خطأ - أن القدامى لم يستشهدوا بالحديث، فبنوا عليه أنهم يرفضون الاستشهاد به ثم حاولوا تعلل ذلك0 إذاً فقد
كان المتأخرون مخطئين فيما أدعوه من رفض النحاة القدامى الاستشهاد بالحديث وكانوا واهمين حينما ظنوا أنهم هم أيضاً برفضهم الاستشهاد
بالحديث إنما ينهجون نهجهم0 ونحن نحمل (ابن الضائع) و "أبا حيان" تبعة شيوع هذه القضية الخاطئة فهما أول من روج لها، ونادى بها،
وعنهما أخذها العلماء، دون تمحيص أو تحقيق ثقة فى حكمهما … ولعل منشأ تلك الفكرة الخاطئة، هو أن القدماء سكتوا عن الاستشهاد
بالحديث، واكتفوا بدخوله تحت المعنى العام لكلمة (نصوص فصحاء العرب) ثم حين جاء من بعدهم ودونوا هذه الفكرة كانوا يفهمون ذلك فلم
يخصوا الحديث النبوى بنص مستقل، فلما جاء (ابن الضائع) و (أبو حيان) وغيرهما ولم يجدوا نصاً مستقلاً يعد الحديث من مصادر الاحتجاج،
ظنوا أن القدماء لم يكونوا يستشهدون به، وسجلوا هذا الظن على أنه حقيقة واقعة، وجاء من بعدهم فنقلوا عنهم دون تمحيص، وتابعوهم من
غير بحث0

ويؤيد هذا الافتراض أن (السيوطى) استنبط من قول صاحب (ثمار الصناعة) : (النحو علم يستنبط بالقياس والاستقراء من كتاب
الله تعالى - وكلام فصحاء العرب) أن النحاة لم يكونوا يستشهدون بالحديث، فعقب على ذلك بقوله : "فقصره عليهما، ولم يذكر الحديث"( )

يقول الدكتور محمود فجال:"وهناك أسباب كثيرة تحمل على الشك فى صحة ما نسب إلى الأقدمين من رفضهم الاستشهاد بالحديث،
بل هناك من الدلائل ما يكاد يقطع-إن لم يكن يقطع فعلاً - أنهم كانوا يستشهدون به، ويبنون عليه قواعدهم، سواء منهم من اشتغل باللغة أو
النحو أو بهما معاً0 ولهذا لا يسع الباحث المدقق أن يسلم بما ادعاه المتأخرون0 وسنده فى ذلك ما يأتى :
أولاً : أن الأحاديث أصح سنداً من كثير مما ينقل من أشعار العرب، ولهذا قال (الفيومى) بعد أن استشهد بحديث : "فأثنوا عليه شراً" على صحة
إطلاق الثناء على الذكر بشر( ) قال: "قد نقل هذا العدل الضابط، عن العدل الضابط عن العرب الفصحاء عن أفصح العرب، فكان أوثق من نقل
أهل اللغة؛ فإنهم يكتفون فى النقل عن واحد ولا يعرفون حاله( )0
ثانياً : أن المحدثين الذين ذهبوا إلى جواز الرواية بالمعنى شرطوا فى الراوى أن يكون محيطاً بجميع دقائق اللغة،وإلا فلا يجوز له الرواية
بالمعنى0على أن المجيزين الرواية بالمعنى معترفون بأن الرواية باللفظ هى الأولى، ولم يجيزوا النقل بالمعنى إلا فيما لم يدون فى الكتب وفى
حالة الضرورة فقط( )0وقد ثبت أن كثيراً من الرواة فى الصدر الأول كانت لهم كتب يرجعون إليها عند الرواية، ولا شك أن كتابة الحديث تساعد
على روايته بلفظه وحفظه عن ظهر قلب مما يبعده عن أن يدخله غلط أو تصحيف0
ثالثاً : أن كثيراً من الأحاديث دون فى الصدر الأول قبل فساد اللغة على أيدى رجال يحتج بأقوالهم فى العربية، فالتبديل على فرض ثبوته، إنما
كان ممن يسوغ الاحتجاج بكلامه0 فغايته تبديل لفظ يصح الاحتجاج به بلفظ كذلك( )0
رابعاً : أن اللغويين احتجوا بالحديث فى اللغة، لأجل الاستدلال على معانى الكلمات العربية، وهو ما دفع (السهيلى) إلى أن يقول : "لا نعلم أحداً
من علماء العربية خالف فى هذه المسألة إلا ما أبداه الشيخ أبو حيان فى شرح التسهيل، وأبو الحسن بن الضائع فى شرح الجمل، وتابعهما
على ذلك الإمام السيوطى( ) أ0هـ0

ويقول الدكتور صبحى الصالح معللاً عدم احتجاج أئمة النحو المتقدمين بالحديث قال: "فذلك إن صح – عائد إلى أن كتب الحديث لم
تكن متوفرة لغير ذوى الاختصاص فى ذلك الحين، ولولا ذلك لاقتصروا على الاستشهاد بها دون الأشعار، وقد تلافى المتأخرون هذا، فكانوا
يحتجون دائماً بأحاديث رسول الله  فى معجماتهم التى اشتملت على أنقى الألفاظ وأفصحها مصحوبة بشروحها وشواهدها، كما فى "تهذيب"
الأزهرى، و (صحاح) الجوهرى و(مقاييس) ابن فارس، و (فائق) الزمخشرى وغيرهم( )0

وفاقهم فى ذلك كله (ابن مالك) وبلغ الذروة فى كتابه "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" فقد عقده للأحاديث
التى يشكل أعرابها، وذكر لها وجوهاً يستبين بها أنها من قبيل العربى الصحيح( )0 بل إن (ابن الضائع) و (أبا حيان) وهما على رأس من
رفض الاستشهاد بالحديث لم تخل كتبهما من بعض الأحاديث وقد فطن إلى هذا (ابن الطيب الفاسى) فقال : "بل رأيت الاستشهاد بالحديث فى كلام
أبى حيان نفسه مرات، ولا سيما فى مسائل الصرف، إلا أنه لا يقر له عماد، فهو فى كل حين فى اجتهاد"( )0

ويقول الأستاذ سعيد الأفغانى : "وأغلب الظن أن من لم يستشهد بالحديث من المتقدمين لو تأخر به الزمن إلى العهد الذى راجت
فيه بين الناس ثمرات علماء الحديث من رواية ودراية لقصروا احتجاجهم عليه بعد القرآن الكريم، ولما التفتوا قط إلى الأشعار والأخبار التى لا
تلبث أن يطوقها الشك إذا وزنت بموازين فن الحديث العلمية الدقيقة( )0

ويمكننا أن نعد قرار مجمع اللغة العربية فى مصر قولاً معتمداً فى موضوع الاحتجاج بالحديث فى اللغة والنحو0 وهذا القرار هو
: "إن العرب الذين يوثق بعربيتهم، ويستشهد بكلامهم هم عرب الأمصار إلى نهاية القرن الثانى وأهل البدو من جزيرة العرب إلى آخر القرن
الرابع"( )0

كما رأى المجمع الاحتجاج بأنواع من الأحاديث لا ينبغى الاختلاف بالاحتجاج بها فى اللغة، وهى : الأحاديث المدونة فى الصدر
الأول، ككتب الأصول الستة فما قبلها، على أن يحتج بها على الوجه التالى :
أ- الأحاديــث المتواتـــرة والمشهـــورة0
ب- الأحاديث التى تستعمل ألفاظها فى العبـادات0
ج- الأحاديث التى تعد مـن جوامــع الكلــم0

د- كتب النبى  ومعاهداته0
هـ- الأحاديث المروية لبيان أنه كان  يخاطب كل قوم بلغتهم0
و- الأحاديث التى دونها مـن نشـأ بيـن العـرب الفصحـاء( )0
ن- الأحاديث التى عرف من رجال روايتها أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى، مثل القاسم بن محمد ورجاء بـن حيـوة، وابـن
سيريـن0
ج- الأحاديث المروية من طرق متعددة، وألفاظها واحدة( )0

يقول الأستاذ جواد رياض بعد أن نقل قرار مجمع اللغة السابق : "ومن هنا؛ فإننا نستطيع أن نعتمد على الأحاديث الصحيحة
اعتماداً كلياً فى تأييد بعض قواعد النحو التى نطق بها رسول الله ، والتى توافق لغة من لغات العرب، حتى ولو خالفت رأى جمهور النحاة، لأن
قول الرسول حجة فى تصحيح أقوالنا كما هو حجة فى تصحيح أعمالنا، وما ذكره هؤلاء من اللحن فى الأحاديث الصحيحة لم يكن لحناً وإنما
هو لغة من لغات العرب0 مثل ما روى عن أنس  عن النبى  أنه نهى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُل قائماً، قال قَتَادَةُ فَقُلْنَا فالأَكْلُ فقال : "ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ
أَخْبَثُ"( )0

وفى حديث آخر قال : "… فوالَّذى نَفْسِى بِيَده إِنَّهُمْ لأَخْيَرُ مِنْهُمْ"( )0 وطبقاً لما هو معروف عند أهل اللغة، فإنهم ينكرون لفظ "
أَشَرَّ" و "أَخْيَرُ" ويقولون الصواب (خير) و (شر) بدون ألف كما قال تعالى : أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ( ) وقال تعالى : أُولَئِكَ شَرٌّ
مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا( )0 ولكن لا يقبل إنكارهم فإن لفظ "أشـر" و "أخيـر"

صحيح أيضاً، وهو عربى فصيح، وهو لغة من لغات العرب، وإن كانت قليلة الاستعمال، وبالتالى فلا يقبل إنكار هذه اللغة أو ردها ما دامت قد
تكررت فى الأحاديث الصحيحة، ويوجد لها نظائر مما لم يكن معروفاً عند اللغويين وجارياً على قواعدهم، لأن النحويين كما قال الإمام النووى
لم يحيطوا إحاطة قطعية بجميع كلام العرب، ولهذا يمنع بعضهم ما ينقله غيره من العرب كما هو معروف( )0

ومن هنا يتبين أن قول الرسول  (أَشَرَّ) و (أَخْيَرُ) صحيح حتى ولو كان مخالفاً لرأى جمهور النحاة، فالاحتجاج بالحديث الصحيح هو الأولى(
)0

وأخيـراً : (لا نملك إلا أن نرد قضية الاحتجاج إلى معيار لا يخطئ أبداً، وهو معيار الفصاحة والصفاء والسلامة من الفساد، فلا يحتج فى
الحديث، ولا فى غيره، بمن لابس الضعف لغته، وخالطت العجمة كلامه، وتسربت الركة إلى لفظه مهما يَسمُو مقامه0 وكان هذا المعيار الدقيق
كفيلاً - لو عرفه اللغويون المتقدمون فى وقت مبكر - بإرساء قواعد اللغة وأصول النحو على دعائم ثابتة قوية، وبقطف ثمار تلك الأصول فى
نتاج نحوى غنى بالشواهد كنتاج ابن مالك، وابن هشام، من رجال النحو المتأخرين وأئمته الأعلام"( )0 ومذهبهم هو الأصل السديد الصحيح،
وهو الذى أخذ به جمهور علماء اللغة الذين امتلأت معجماتهم التى تركوها بالحديث، وكذلك كتب أئمة النحو المتقدمين؛ كابن فارس، وابن جنى،
وابن برى، والسهيلى، حتى قال ابن الطيب : "لا نعلم أحد من علماء اللغة خالف هذه المسألة إلا ما أبداه الشيخ أبو حيان (745هـ) فى شرح
التسهيل، وأبو الحسن بن الضائع (680) فى شرح الجمل، وتابعهما فى ذلك الإمام السيوطى( ) أ0هـ0
والحق ما قاله الإمام مالك لا ما قاله أبو حيان، وكلام ابن الضائع كلام ضائع( )0 وما احتجوا به على منعهم للاحتجاج ظهر لك
ضعفه، لأن ما تعللوا به ورد بصورة أدق وأضبط من الذى احتجوا به هم أنفسهم من شعر ونثر( )0 أ0هـ والله أعلم0
رابعاً : شبهة أن الوضع وكثرة الوضاعين للحديـث
أضعفـت الثقـة بالسنة النبوية

استعراض الشبهة وأصحابها :
زعم أعداء السنة المطهرة من غلاة الشيعة، والمستشرقين، وأذيالهم من دعاة اللادينية، أن من آثار تأخر تدوين الحديث إلى ما
بعد المائة الأولى من الهجرة، أن اتسعت أبواب الرواية وفاضت أنهار الوضع بغير ضابط ولا قيد - منذ فتنة عثمان بن عفان  حتى لقد بلغ
ما روى من الأحاديث الموضوعة عشرات الألوف لا يزال كثير منها منبثاً بين تضاعيف الكتب المنتشرة بين المسلمين فى مشارق الأرض
ومغاربها، مما يجعل الثقة بصحة الأحاديث ضعيفة، ويجعل المرء لا يطمئن إلى السنة النبوية من حيث ورودها( )0

هذه هى خلاصة شبهتهم التى طعنوا بها فى حجية السنة المطهرة، وفى مصدريتها التشريعية، كما طعنوا بها فى عدالة حملة
الإسلام من أهل القرون الثلاثة الفاضلة الذين شهد لهم المصطفى  بالخيرية من صحابته الكرام  والتابعين لهم بإحسان من أئمة المسلمين
من المحدثين والفقهاء0

فطعنوا بهذه الشبهة فى حجية السنة حيث ذهب الصنم الأكبر للمستشرقين جولد تسيهر إلى (أن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا
نتيجة للتطور الدينى والسياسى والاجتماعى للإسلام فى القرنين الأول والثانى، وأنه ليس صحيحاً ما يقال أنه وثيقة للإسلام فى عهده الأول
عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جمهور الإسلام فى عصر النضوج، وتابعه على ذلك سائر المستشرقين( )، وذيولهم من دعاة الفتنة، وأدعياء
العلم فى أمتنا الإسلامية؛ مثل أحمد صبحى منصور القائل : "بدلاً من أن يعكف المسلمون على القرآن ومنهجه العقلى فإنهم أضاعوا قروناً فى
تأليف الروايات والاختلاف حولها، وفى تأليف الخرافات والبحث عنها"( )0

ويقول أيضاً : "… لأن تلك المرويات التى كانت تعبر عن عصور السابقين وثقافتهم أصبحت فى عصرنا تسئ للإسلام، علاوة
على أنها أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان( )، فتأمل هل هناك فرق فى المعنى بين ما قاله أحمد صبحى وجولدتسيهر؟!!

ومن أسباب وضع الحديث طعن أعداء الإسلام فى عدالة حمل الإسلام من صحابة رسول الله  وأئمة المسلمين من الفقهاء
والمحدثين0
1- فاتهموا الصحابة العدول الثقات  بالكذب على رسول الله ، وأنهم كانوا يكذِّب بعضهم بعضاً، وأنهم تسارعوا على الخلافة وانقسموا شيعاً
وأحزاباً (وأخذ كل حزب يدعم موقفه بحديث يضعه على النبى ، واشتد ذلك الأمر فى العصر الأموى، والعباسى حيث تحولت تلك الأكاذيب إلى
أحاديث، وتم تدوينها فى العصر العباسى ضمن كتب الحديث الصحاح) ( )0
2- واتهموا أئمة المسلمين الثقات من المحدثين والفقهاء بأنهم نافقوا الحكام والسلاطين، وكانوا لهم جنوداً واخترعوا لهم من الأحاديث ما يثبت
ملكهم وسلطانهم، وعلى دربهم صار علماء المسلمين إلى يومنا هذا0 وفى ذلك يقول نيازى عز الدين : "السلطان( ) كان يستخدم الأحاديث،
وعلماء الحديث، ورجال الدين أصلاً من أجل إقناع الشعب الذى هو الرأى العام عنده بوجهة نظره دائماً، فكل هؤلاء كانوا يعملون للسلطان بأجر
موضوع يقابل خدماتهم المطلوبة، فعليهم تنفيذ الأوامر (لذلك سميناهم فى هذا الكتاب بجنود السلطان؛ لأنهم يتلقون الأوامر وعليهم الطاعة
الدائمة لتلك الأوامر مهما كانت)( ) ويقول فى موضع آخر : "وجنود السلطان استخدموا الأحاديث التى وضعوها ظلماً باسم الرسول ؛ ليتوصل
السلطان إلى ما يريد من إخضاع الشعب بأقل تكاليف ممكنة"( )0

وهذا الكذب ترديد لما قاله قديماً جولد تسيهر فى العقيدة والشريعة فى الإسلام قائلاً: "ولا نستطيع أن نعزو الأحاديث الموضوعة
للأجيال المتأخرة وحدها، بل هناك أحاديث عليها طابع القدم، وهذه إما قالها الرسول  أو هى من عمل رجال الإسلام القدامى … فالحق أن كل
فكرة، وكل حزب وكل صاحب مذهب يستطيع دعم رأيه بهذا الشكل، وأن المخالف له فى الرأى يسلك أيضاً هذا الطريق ومن ذلك لا يوجد فى
دائرة العبادات أو العقائد أو القوانين الفقهية أو السياسية مذهب أو مدرسة لا تعزز رأيها بحديث أو بجملة من الأحاديث، ظاهرها لا تشوبه أى
شائبة"( )0

ونفس هذا الكذب ردده حسين أحمد أمين فى كتابه دليل المسلم الحزين قائلاً : "ومن ثم فقد لجأ الفقهاء والعلماء إلى تأييد كل رأى
يرونه صالحاً ومرغوباً فيه بحديث يرفعونه إلى النبى ( )0

وردده أحمد أمين فى فجر الإسلام قائلاً : "فلا تكاد ترى فرعاً فقهياً مختلفاً فيه إلا وحديث يؤيد هذا وحديث يؤيد ذلك"( )0
وردده أحمد صبحى مؤيداً فى ذلك أحمد أمين قائلاً فى دفاعه عن حل زواج المتعة : "وذلك يذكرنا بما قاله العلامة أحمد أمين فى
كتابة فجر الإسلام0 "أن الخلافات الفقهية كانت من أهم أسباب اختراع الأحاديث"( )0

ويقول أيضاً : "إن كل ما كتبه الأئمة السابقون (يعنى ما دونوه فى كتب السنة المطهرة) ليس ديناً وإنما هو فكر دينى يقبل الخطأ
والصواب( )0

وردد ذلك من غلاة الشيعة على الشهرستانى فى كتابه (منع تدوين الحديث أسباب ونتائج" قائلاً : "السنة المتداولة اليوم ليست
سنة الرسول بل هى سنة الرجال فى كم ضخم من أبوابها ومفرداتها"( ) وفى موضع آخر : يصف السنة المطهرة بأنها "فقه الرجال"( )0

الجواب على شبهة أن الوضع وكثرة الوضاعين للسنة أضعفـت
الثقـة بالسنـة الشريفـة
تمهيـد :
صحيح : أنه كان هناك وضاعون وكذابون لفقوا أقوالاً، ونسبوها إلى رسول الله 0 ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة التى تخيلها
أصحاب هذه الشبهة، وأثاروا بها الوساوس فى النفوس، وقد جهلوا أو تجاهلوا الحقائق التى سادت الحياة الإسلامية فيما يتعلق بالسنة النبوية0
فقد كان إلى جانب ذلك عدد وفير من الرواة الثقات المتـقنين العدول، وعدد وفير من العلماء الذين أحاطوا حديث رسول الله  بسياج قوى
يعسر على الأفاكين اختراقه

واستطاع هؤلاء المحدثون بسعة إطلاعهم، ونفاذ بصيرتهم، وجدهم واجتهادهم ومثابرتهم أن يعرفوا الوضاعين، وأن يقفوا على
نواياهم ودوافعهم، وأن يضعوا أصابعهم على كل ما نسب إلى رسول الله  على سبيل الوضع والكذب والافتراء0
فهؤلاء الوضاعون لم يترك لهم الحبل على الغارب يعبثون فى الحديث النبوى كما يشاؤون، ولم يترك لهم المجال لأن يَنْدَسُوا بين رواة الأحاديث
النبوية الثقات العدول دون أن يعرفوا0
فقد أدرك العلماء الثقات من المحدثين هذا الاتجاه عند الوضاعين فضربوا عليهم حصار فكرياً، وعلمياً، وعملياً، وميزوهم،
وكشفوهم، وكشفوا أساليبهم، وأهدافهم، ودوافعهم، وذكروهم فرداً فرداً وبينوا حكم الدين فى كل منهم( )، كما استعدوا عليهم الحكام والأمراء
بمنعهم من التحديث، كما ميزوا الصحيح والضعيف والموضوع فدون كل على حده، وتلك مزية للسنة لم يصل إليها أى علم من العلوم، إلا أن
أعداء الإسلام استطاعوا أن يصوروا هذه المزية على أنها عيب!!! بزعمهم أن الموضوع يوجد فى السنة بلا تمييز( )0

وإذا كان العلماء قديماً وحديثاً اتسعت مباحثهم فى التعريف بالحديث الموضوع، وبدايته، وأسبابه، وحكم روايته، وضوابط معرفته، وأشهر
المصنفات فيه، وكتبوا فى ذلك ما يفى بالغاية - حتى يصح أن يقال : لم يدع الكاتبون زيادة لمستزيد فيه، فلنذكر خلاصة بعض تلك المباحث
ففيها بيان جهود علماء الحديث فى مقاومة حركة الوضع والوضاعين، وهتك سترهم، حتى خرجت السنة النبوية المطهرة سالمة من تحريفهم
وإفكهم0فإلى بيان ذلك0

التعريف بالحديث الموضوع لغة واصطلاحاً :
الموضوع لغـة : اسم مفعول، مأخوذ من وضع الشئ يضعه وضعاً، إذا حطه وأسقطه0 أو مأخوذ من الضعة، وهى الانحطاط فى
الرتبة ويأتى (وضع) لمعانٍ عدة، منها : الإسقاط، كوضع الجنابة عنه أى أسقطها وكوضع الأمر، أو الشئ عن كاهله، أى أسقطه0 ويأتى
بمعنى الترك، ومنه : إبل موضوعة، أى متروكة فى المرعى0 ويأتى بمعنى الافتراء والاختلاف كوضع هذه القصة، أى : اختلقها وافتراها0
والأحاديث الموضوعة : المختلقة( )0

والموضوع فى اصطلاح المحدثين : هو الحديث الكذب، المختلق، المصنوع فهو مما نسب إلى النبى  كذباً واختلاقاً، مما لم يقله أو يفعله أو
يقره، فالمناسبة بين المعنى اللغوى، والاصطلاحى ظاهرة؛ لأن الموضوع فيه معنى السقوط، وفيه انحطاط فى رتبته عن غيره، وفيه معنى
التوليد وإيجاد ما لم يكن موجوداً( )0

وتسمية الكلام (الموضوع) : حديثاً، لا مانع منها، فهو حديث بالنظر إلى المعنى اللغوى، كما أشار إليه الحافظ السخاوى فى فاتحة كتابه
المقاصد الحسنة بقوله : "ولاحظت فى تسميتها أحاديث - المعنى اللغوى –"( )، وهو أيضاً (حديث) بحسب زعم واضعه، وبالنظر إلى ظاهر
الأمر قبل البحث والكشف له، وإن كان اصطلاحاً ليس بحديث0

ويشهد لتسمية الكلام المكذوب (حديثاً) قوله  : "من حدث عنى بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"( )، ففى هذا الحديث سمى
النبى ، الكلام المكذوب (حديثاً)0

والحديث الموضوع : تارة يكون كلاماً يخترعه الكذاب من عند نفسه، ثم يضيفه إلى رسول الله ، وهو أكثر الأحاديث الموضوعة0

وتارة يأخذ الواضع كلام غيره كبعض كلمات السلف الصالح من الصحابة والتابعين، أو بعض كلمات الحكماء،أو بعض الأخبار
الإسرائيليات،أو غير ذلك، ثم ينسبه للرسول 0

وتارة يأخذ الواضع حديثاً ضعيف الإسناد، فيركب عليه إسناداً صحيحاً ليروج ويقبل0 وتارة ينسب الكلام المستقيم ككلام بعض
الصحابة أو غيرهم إلى النبى  خطأ وغلطاً، فيقال فيه أيضاً : حديث موضوع( ) أ0هـ0


بداية الوضع فى الحديث وبراءة الصحابة  منه :
اختلف العلماء فى بداية ظهور الوضع فى الحديث إلى قولين :
1- القول الأول : ذهب إلى أن بدايته فى عهد النبوة المباركة، وبه قال الدكتور صلاح الدين الأدلى( )، والدكتور فاروق حماده( )، واستدلوا
على ذلك بما روى عن بُرَيْدَة ( ) قال: جاء رجل إلى قوم فى جانب المدينة فقال : إن رسول الله  أمرنى أن أحكم برأيى فيكم، فى كذا وكذا0
وقد كان خطب امرأة منهم فى الجاهلية، فأبوا أن يزوجوه، فبعث القوم إلى النبى  يسألونه، فقال : "كذب عدو الله"0 ثم أرسل رجلاً فقال : "إن
أنت وجدته ميتاً فأحرقه" فوجده قد لدغ فمات، فحرقه، فعند ذلك قال النبى  : "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"( )0
2- القول الثانى : ذهب إلى أن بداية الوضع فى الحديث، كانت باندلاع الفتنة التى أشعل فتيلها أقوام من الحاقدين على الإسلام، ويعتبر الدكتور
السباعى سنة أربعين من الهجرة هى الحد الفاصل بين صفاء السنة وخلوصها من الكذب والوضع، وبين التزايد فيها واتخاذها وسيلة لخدمة
الأغراض السياسية والانقسامات الداخلية بعد أن اتخذ الخلاف بين علىّ ومعاوية -رضى الله عنهما- شكلاً حربياً سالت به دماء وأزهقت منه
أرواح، وبعد أن انقسم المسلمون إلى طوائف متعددة( )0 وربما بدأ قبل ذلك، فى الفتنة التى كانت زمن عثمان ، هذا إذا اعتبرناها الفتنة
المذكورة فى خبر ابن سيرين، والتى جعلها بداية لطلب الإسناد0

وأياً كانت بداية الوضع فى الحديث "زمن النبوة المباركة" أو "زمن الفتنة" فلا يمكن أن يكون الوضع فى الحديث وقع من صحابة
رسول الله  العدول الثقات المعروفين بالخيرية، والتقى، والبر والصلاح، والذين يدور عليهم نقل الحديث0

وعلى فرض صحة الروايات التى تشير إلى أن بداية الوضع زمن النبوة المباركة0 فليس فيها ما يشكك فى صدق الصحابة، ولا ما يطعن فى
عدالتهم، إذ كان معهم منافقون، وهم الذين كانت تصدر منهم أعمال النفاق، فلا يبعد أن يكون الرجل الوارد فى تلك الروايات واحد من
المنافقين، وبذلك قال الدكتور صلاح الدين الأدلبى( )، والدكتور فاروق حمادة( ) دفاعاً عن تهمة الصحابة بالكذب عليه  فى زمانه، وهما من
أصحاب القول الأول أن بداية الوضع زمن النبوة المباركة0

أما ما زعمه غلاة الشيعة والمستشرقون ودعاة اللادينية : أن بداية الوضع كانت فى زمن النبى  ووقعت من صحابته الكرام، واستدلالهم على
ذلك بالروايات السابقة( )0 وغيرها مما جاء فيها تخطئة بعض الصحابة لبعضهم، واستشهادهم بذلك على أنهم كانوا يشكون فى صدق بعضهم
بعضاً0

فهذا لا يقوله إلا قوم امتلأت قلوبهم حقداً وبغضاً على من اختارهم واصطفاهم ربهم  لصحبة نبيه  وتبليغ رسالته إلى الخلق
كافة0

يقول الدكتور أبو لبابة حسين : "لا يختلف منصفان فى أن العصر الأول للإسلام يعد أنظف العصور وأسلمها من حيث استقامة
المجتمع وتوفيق رجاله وصلاحهم ولا غرو،فإن جلّ القيادات كانت من الصحابة( )، كما أن التربية القرآنية التى غرسها  فى صحبه، وتعهدها
بالرعاية كانت عاملاً فعالاً فى تطهير نفوس الأصحاب مما يطرأ عادة على القلوب والنفوس من أهواء ورغائب تكون مدعاة للكذب والافتراء،
ولا سيما والقرآن الكريم يتوعد الكاذبين بأشد الوعيد، ويصف الكذب بأنه ظلم قال تعالى:فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ
جَاءَهُ( )،قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ( )0

وكيف يكذبون! وقد اشتهر وأعلن فيهم وتواتر عنهم قوله  : "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"( ) وكيف نتصور
وصفهم بالكذب وعشرات من الآيات القرآنية، وعشرات أخرى من الأحاديث النبوية تزكيهم وتصفهم بالصدق، والإخلاص، والتقوى؟!!
بل إنه كما يقول الدكتور السباعى –رحمه الله- : "ليس من السهل علينا أن نتصور صحابة رسول الله  الذين فدوا الرسول
بأرواحهم وأموالهم وهجروا فى سبيل الإسلام أوطانهم وأقرباءهم، وامتزج حب الله وخوفه بدمائهم ولحومهم : ليس من السهل أن نتصور
هؤلاء الأصحاب يقدمون على الكذب على رسول الله  مهما كانت الدواعى إلى ذلك( ) … ولقد دلنا تاريخ الصحابة فى حياة الرسول وبعده،
أنهم كانوا على خشية من الله وتقى يمنعهم من الافتراء على الله ورسوله، وكانوا على حرص شديد على الشريعة وأحكامها، والذب عنها،
وإبلاغها إلى الناس، كما تلقوها عن رسوله يتحملون فى سبيل ذلك كل تضحية ويخاصمون كل أمير أو خليفة أو أى رجل يرون فيه انحرافاً عن
دين الله  لا يخشون لوماً، ولا موتاً، ولا أذى، لا اضطهاداً0

نماذج من جراءة الصحابة فى حفظ الشريعة :
1- فهذا الفاروق عمر  الذى تهابه أعتى الإمبراطوريات ويخاف سطوته العادلة أشجع الرجال، تقف فى وجهه امرأة لتقول له : لا، وذلك حين
دعا إلى أمر رأت فيه هذه المرأة مخالفة لتعاليم القرآن، فقد خطب الناس يوماً فقال : "أيها الناس لا تغالوا فى مهور النساء لو كان ذلك مكرمة
عند الله لكان أولاكم بها رسول الله 0 فتتصدى له امرأة على مسمع من الصحابة فتقول له : "يا أمير المؤمنين! كتاب الله  أحق أن يتبع أو
قولك؟ قال : بل كتاب الله ، فما ذلك؟ قالت نهيت الناس آنفاً أن يغالوا فى صدق النساء والله  يقول فى كتابه العزيز : وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا
فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا( ) فقال عمر : كل أحد أفقه من عمر، مرتين أو ثلاثاً ثم رجع إلى المنبر فقال للناس : إنى نهيتكم أن تغالوا فى صدق
النساء ألا فليفعل كل رجل فى ماله ما بدا له( )
2- ويذهب أبو بكر  إلى محاربة الممتنعين عن أداء الزكاة فيعارضه عمر طالما أن نصاً نبوياً يمنع دماء من يشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمداً رسول الله وهو قوله  "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله، فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه
وحسابه على الله"، فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال والله لو منعونى عقالاً كانوا يؤدونه إلى
رسول الله ، لقاتلتهم على منعه فقال عمر بن الخطاب : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله  قد شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه حق"( )0
3- وهذا على بن أبى طالب  يعارض عمر  فى همه برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فقال له علىّ : ليس ذاك لك : إن الله  يقول فى كتابه
وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا( ) فقد يكون فى البطن ستة أشهر، والرضاع أربعة وعشرين شهراً فذلك تمام ما قال الله : ثلاثون شهراً، فخلى
عنها عمر"( )0
4- وهذا أبو سعيد الخدرى  ينكر على مروان من الحكم والى المدينة تقديم الخطبة على صلاة العيد مبيناً أنه عمل مخالف للسنة النبوية( )0
5- وها هو ابن عمر-كما يروى لنا الذهبى فى "تذكرة الحفاظ" يقوم-والحجاج( )يخطب فيقول : أى ابن عمر متكلماً عن الحجاج : عدو الله
استحل حرم الله وخرب بيـت الله وقتـل

أولياء الله، وروى الذهبى أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدل كلام الله، فقال ابن عمر: كذبت لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله
ولا أنت، قال الحجاج : إنك شيخ قد خرفت اقعد0 قال ابن عمر : أما إنك لو عدت عدت)( )0

مثل هذه الأخبار، ومئات أمثالها قد استفاضت بها كتب التاريخ، وهى تدل دلالة قاطعة على ما كان عليه الصحابة من الشجاعة،
والأمانة، والجرأة فى الحق، والتفانى فى الدفاع عنه، بحيث يستحيل أن يكذبوا على رسول الله  اتباعاً لهوى أو رغبة فى دنيا، إذ لا يكذب إلا
الجبان، كما يستحيل عليهم أن يسكنوا عمن يكذب على رسول الله  وهم الذين لا يسكتون عن اجتهاد خاطئ يذهب إليه بعضهم بعد فكر وإمعان
نظر0 وهذا غاية ما يكون بينهم من خلاف فقهى لا يتعدى اختلاف وجهات النظر فى أمر دينى وكل منهم يطلب الحق وينشده( )0

وما يرد من ألفاظ التكذيب على ألسنة بعضهم، فإنما هو تخطئة بعضهم لبعض، وبيان ما وقع فيه بعضهم من وَهَم الكلام0

والكذب بهذا المعنى لا يعصم منه أحد، لا من الصحابة، ولا ممن دونهم، وقد جاءت كلمة "الكذب" فى أحاديث كثيرة بمعنى الخطأ،
من ذلك : قول النبى  : "كذب من قال ذلك"( ) فى الرد على من ظن أن عامر بن الأكوع( ) : "قتل نفسه فى غزوة خيبر حيث أصابه سيفه،
وهو يبارز "مرحباً" ملك اليهود وقوله  : "كذب أبو السنابل( )، ليس كما قال، قد حللت فانكحى"0 وذلك فى الرد على أبى السنابل الذى قال
لسبيعة بنت الحارث( )، وقد وضعت حملها بعد وفاة زوجها بأيام : إنك لا تحلين حتى تمكثى أربعة أشهر وعشراً0 فذكرت ذلك لرسول الله 
فقال : "كذب أبو السنابل، ليس كما قال"( )0
وعلى نحو هذا الاستعمال لكلمة "كذب" جاء استعمال الصحابة لها، كقول ابن عباس - رضى الله عنهما - عن نوف البكالى( ) :
"كذب نَوْف" عندما قال صاحب الخضر ليس موسى بنى إسرائيل، وإنما موسى آخر - ونوف من الصالحين العباد، ومقصود ابن عباس : اخطأ
نوف( )0
ومنه قول عبادة بن الصامت  : "كذب أبو محمد" حيث قال : "الوتر واجب" ومنه قول عائشة - رضى الله عنها - لما بلغها أن
أبا هريرة يحدث بأنه "لا شؤم إلا فى ثلاث" قالت : "كذب - والذى أنزل على أبى القاسم - من يقول : "لا شؤم إلا فى ثلاث - ثم ذكرت الحديث"(
)0 "واسْتَمَعَ الزبير بن العوام ، إلى أبى هريرة يحدث، فجعل يقول كلما سمع حديثاً : كذب … صدق … كذب، فسأله عروة ابنه : يا أبت ما
قولك : صدق … كذب0 قال : يا بنى : أما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله ، فلا شك فيه، ولكن منها ما يضعه على مواضعه،
ومنها ما وضعه على غير مواضعه"( )0 فعائشة والزبير-رضى الله عنهما - لا يريدان بقولهما - كذب أى اختلق - حاشاهم من ذلك - وإنما
المراد اخطأ فى فهم بعض الأحاديث ووضعها فى غير محل الاستشهاد بها، كما صرح الزبير بن العوام ، فعدالة أبى هريرة بين الصحابة أعظم
من أن تمس بجرح، وما اتهم به كذباً من أعداء الإسلام تصدى للرد عليه رهط من علماء الإسلام( )0

فهذا كله من الكذب الخطأ، ومعناه "اخطأ قائل ذلك"0 وسمى كذباً، لأنه يشبهه؛ لأنه ضد الصواب، كما أن الكذب ضد الصدق، وإن
افترقا من حيث النية والقصد( ) وما استدرك به بعض الصحابة بعضاً فى الرواية لا يعد كذباً، كيف لا والصحابة يتفاوتون فى روايتهم عن النبى
 بين مكثر ومقل، يحضر بعضهم مجلساً للرسول  يغيب عنه آخرون، فينفرد الحاضرون بما لم يسمعه المتخلفون، حتى يبلغوا به فيما بعد0
ومن هذا القبيل كتاب "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة" للإمام بدر الدين الزركشى0 كما وقع لجماعة من الصحابة غيرها،
استدركوا على مثيلهم، ونفوا ما رواه وخطؤوه فيه0

ويدل على ما سبق ما رواه الحاكم عن البراء بن عازب  : "ليس كلنا كان يسمع حديث النبى ، كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن
كان الناس لم يكونوا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب"( )0

وعن القاسم بن محمد( ) قال : "لما بلغ عائشة قول عمرو بن عمر مرفوعاً : إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه قَالَتْ إِنَّكُم
لَتُحَدِّثُونِّىٍ عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلاَ مُكَذَّبَيِنْ وَلِكَنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ( )، وفى رواية قالت : "يغفر الله لأبى عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسى

أو اخطأ، إنما مر رسول الله  على يهودية تبكى عليها فقال : إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب فى قبرها"( )0

كل ذلك وغيره الكثير، يدل على ثقة الصحابة بعضهم ببعض، ثقة لا يشوبها شك ولا ريبة، لما يؤمنون به من تدينهم بالصدق،
وأنه عندهم رأس الفضائل، وبه قام الإسلام، وساد أولئك الصفوة المختارة من أهله الأولين وصدقت عائشة - رضى الله عنهما - ما كَانَ خُلُق
أَبْغضَ إلى أصحاب رسول الله  من الكذب( )0

وعلى هذا : فإذا ورد على لسان أحد من الصحابة نفى ما رواه نظيره، أو قوله فى مثيله : كذب فلان …، أو نحو هذا من
العبارات، فالمراد به أنه أخطأ أو نسى؛ لأن الكذب عند أهل السنة هو الإخبار عن الشئ بخلاف ما هو عليه عمداً أو نسياناً أو خطأ، ولكن الإثم
يختص بالعامد، كما جاء فى الحديث : "من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"( )0 قال الإمام النووى بعد تعريفه للكذب عند أهل السنة :
"وقالت المعتزلة، شرطة العمدية ودليل خطاب هذه الأحاديث لنا، فإن قيده عليه السلام بالعمد، لكونه قد يكون عمداً، وقد يكون سهواً، مع أن
الإجماع والنصوص المشهورة فى الكتاب والسنة متوافقة متظاهرة على أنه لا إثم على الناسى والغالط، فلو أطلق  الكذب لتوهم أنه يأثم
الناسى أيضاً فقيده وأما الروايات المطلقة، فمحمولة على المقيدة بالعمد( )0 أ0هـ0

الرد على زعم أعداء السنة المطهرة بأن لفظه "متعمداً" فى حديث "من كذب علىّ" مختلفة :
زعم أعداء السنة بأن لفظة "متعمداً" مختلقة، وأدرجها العلماء ليسوغوا بها، وضع الحديث على رسول الله  حسبة من غير
عمد، كما كان يفعل الصالحون من المؤمنين ويقولون "نحن نكذب له لا عليه" أو يتكئ عليها الرواة فيما يروونه عن غيرهم على سبيل الخطأ،
أو الوهم أو سوء الفهم … إلخ"( )0

الجـواب : هذا الزعم كله هراء لأن "لفظة متعمداً" أخرجها البخارى فى صحيحه فى أكثر رواياته( )،واتفق معه الإمام مسلم فى
تخريجها فى صحيحه( )0
وأفاض الحافظ ابن حجر فى بيان ثبوتها( )، ورغم ذلك يكذب محمود أبو رية بذكره للبخارى وابن حجر ضمن من لا يثبتون هذه الزيادة( )0

يقول فضيلة الدكتور محمد أبو شهبة : ولا أحد يدرى - كيف يجتمع الوضع حسبة مع عدم التعمد؟ إن معنى الحسبة أن يقصد
الواضع وجه الله، وثوابه، وخدمة الشريعة – على حسب زعمه – بالترغيب فى فعل الخير والفضائل، وهم قوم من جهلة الصوفية، والكرامية،
جوزوا الوضع فى الترغيب والترهيب، وربما تمسكوا بقوله تعالى : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ( )0 وقوله
 "من كذب علىَّ ليضل به الناس"( )0 فكيف يجامع قصد الوضع، عدم التعمد؟! وتفسير الحسبة بأنها عن غير عمد غير مقبول ولا مسلم0

ثم إن رفع إثم الخطأ أو السهو ليس بهذه الكلمة، وإنما ثبت بأدلة أخرى، وقد تقرر فى الشريعة أنه لا إثم على المخطئ والناسى،
ما لم يكن بتقصير منه فذكر الكلمة لا يفيد هؤلاء الرواة شيئاً ما دام هذا أمراً مقرراً، والسر فى ذكرها أن الحديث لما رتب وعيداً شديداً على
الكاذب، والمخطئ، والساهى، والناسى، لا إثم عليهم، كان من الدقة والحيطة فى التعبير التقييد بالعمد، وذلك لرفع توهم الإثم على المخطئ
والغالط والناسى، وهو ما نقله الإمام النووى عن مذهب أهل السنة والمعتزلة أيضاً0

على أن أئمة الحديث وإن قالوا برفع الإثم عن المخطئ، والناسى، والغالط، فقد جعلوا ما ألحق بالحديث غلطاً، أو سهواً، أو خطأً،
من قبيل الشبيه بالموضوع فى كونه كذباً فى نسبته إلى الرسول ، ولا تحل روايته إلا مقروناً ببيان أمره، وإلى هذا ذهب الأئمة، الخليلى، وابن
الصلاح، والعراقى، وغيرهم، وقد اعتبره بعض أئمة الجرح - كابن معين، وابن أبى حاتم - من قبيل الموضوع المختلق، وذهب بعض الأئمة
إلى أنه من قبيل المدرج، ومهما يكن من شئ فقد جعلوا هذا النوع من الغلط أو الوهم مما يطعن فى عدالة الراوى وضبطه( ) أ0هـ0

فأين هذا الذى يقرره الجهابذة من المحدثين مما يزعمه الأفاكون أمثال محمود أبو رية، فى قوله كلمة "متعمداً" "يتكئ عليها
الرواة فيما يروونه عن غيرهم على سبيل الخطأ، أو الوهم أو سوء الفهم … إلخ" ؟!!

يقول الشيخ المعلمى اليمانى : "ولا يتوهمن أحد أن كلمة "متعمداً" تخرج من حدث جازماً وهو شاك، كلا فإن هذا متعمد
بالإجماع، ولا نعلم أحداً من الناس حتى من أهل الجهل والضلالة زعم أن كلمة "متعمداً" تخرج هذا، وإنما وجد من أهل الجهل والضلال من
تشبث بكلمة "علىَّ" فقال : نحن نكذب له لا عليه0 فلو شكك محمود أبو ريه، ومن قال بقوله، فى كلمة "علىَّ" لكان أقرب( )0


جهود حملة الإسلام من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين فى مقاومة حركة الوضع فى السنة النبوية

للوضع فى الحديث أسبابه التى فصلها علماء المسلمين قديماً وحديثاً( )، والذى يهمنا هنا هو بيان جهود حملة الإسلام، ورواة
السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم فى مقاومة تلك الأسباب وأصحابها( )، وبيان زيف أعداء السنة بأن الفتن التى وقعت بين المسلمين
كانت ضرراً كبيراً على السنة حتى اختلط الموضوع بالصحيح منها، وأصبحت غير مميزة مما يضعف الثقة بحجية السنة، وكذلك بيان
إفكهم بأن الكذابين، والجهلة، والفسقة من الوضاعين، كانوا من علماء المسلمين الأثبات، وأن الملوك والأمراء استغلوهم فى وضع ما
يوافق رغباتهم ويثبت ملكهم0

بادئ ذى بدء نحب أن نقرر أنه إذا كانت الفتن التى وقعت بين المسلمين والتى بدأت بمقتل سيدنا عمر  واشتدت بمقتل سيدنا
عثمان  وتوالت بفتنة على ومعاوية -رضى الله عنهما - إذا كانت تلك الفتن ذات أثر سلبى على السنة النبوية، فإنها كانت فى الوقت
نفسه سبباً فى بناء أقوى الطرق العلمية للنقد والتمحيص، ليس فى الحديث فقط بل فى سائر العلوم الإسلامية0

يقول الدكتور همام سعيد : "مما لا شك فيه أن فتناً كثيرة وقعت فى عصر الصحابة أولها مقتل عمر ، ثم مقتل عثمان ، ثم الفتنة الكبرى بين
على ومعاوية - رضى الله عنهما - ولقد استهدفت هذه الفتن الإسلام فى أصوله وفروعه، وأراد موقدوها أن يفسدوا على المسلمين أمور
دينهم، ومما لا ريب فيه أن الفتنة ذات أثر سلبى، ولكنها فى الوقت نفسه كانت سبباً فى بناء المنهج الإسلامى، ليس فقط فى الحديث وحده، بل
فى العقيدة والفقه، وأصوله0 وفى الحقيقة إذا كان المسلمون قد أضاعوا دولتهم من خلال الفتنة، فقد وجدوا المنهج من خلال الفتنة وأثر الفتنة
فى بناء المنهج أمر لابد أن نلتفت إليه، وما ظهر الجرح والتعديل، وطلب الإسناد وسائر علوم الحديث إلا من خلال وجود الفتنة، تماماً كما ظهر
علم النحو من خلال وجود اللحن فى اللغة( )0

ولعل بروز الفتنة فى ذلك العصر المبكر، والصحابة متوافرون كان فى غاية الفائدة بالنسبة للسنة النبوية0 وكم ستكون المشكلة
كبيرة لو أن هذه الفتن وقعت بعد انتهاء عصر الصحابة 0
إن حدوث الفتن أفاد السنة المطهرة فائدة كبيرة، ويمكن أن نقارن هذا الأثر الإيجابى بأثر اللحن على اللغة العربية، إذ عندما ظهر
اللحن وفشا، واختلط العرب بالعجم، ظهرت الحاجة إلى تقعيد النحو وضبطه وتدوين شواهده، فكان اللحن مفسدة من جهة أثره على الفطرة
اللغوية السليمة، ولكنه كان حافزاً لحفظ اللغة وتأسيس مناهجها0 وإن فشو اللحن فى ذلك الزمن المبكر حيث الفصاحة والبيان والفطرة اللغوية
فى قلب الجزيرة العربية، قد مكن العلماء من استنباط القواعد وجمعها، والتوصل إلى مناهج الضبط اللغوى0 ولو تأخر اللحن حتى زالت
السليقة عن طريق الاختلاط بين العرب والعجم لحدثت مشكلة لا حل لها ولا علاج0

وكذلك الحال بالنسبة للحديث، فقد ظهرت الفتن والصحابة أحياء، والرواية قريبة من مصدرها الأصلى، وخطوط الاتصال بين
الصحابة والنبى  قائمة مفتوحة كل هذا ساعد على استقرار المنهج، ولو تأخرت الفتنة، ووقعت بعد عصر الصحابة، وقد بعدت الرواية عن
مصدرها، فإنه لا يمكن عندئذ استكمال القواعد المنهجية0

لقد أثرت الفتنة على النظام السياسى الإسلامى، ولكنها فى الوقت ذاته ساعدت على تأصيل مختلف العلوم الإسلامية، وأبرزت
مناهجها0

ولقد خاب ظن أعداء الإسلام من غلاة الشيعة، والمستشرقين، ودعاة الإلحاد المتكئين على الفتنة باعتبارها مصدر تشكيك بالسنة
النبوية0 وكان الأجدر أن يعلموا أن الحديث قد أخذ من المغانم أكثر مما دفع من المغارم0
وهذا ابن عباس -رضى الله عنهما- يأتيه من يحدثه، فلا يلتفت لحديثه، تطبيقاً لقاعدة (إن من لا يعرف حاله لا يقبل حديثه)0
جاء بُشَير العدوى( ) إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول : قال رسول الله ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال : يا ابن
عباس، مالى لا أراك تسمع حديثى؟ أحدثك عن رسول الله  ولا تسمع؟ فقال ابن عباس : "إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول : قال رسول الله ،
ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف" وفى رواية عن ابن عباس قال : "إنا
كنا نحدث عن رسول الله  إذ لم يكن يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول، تركنا الحديث عنه"( )0

كما كان الصحابة أول من نبهوا إلى صفة من يقبل حديثه ومن يرد0 ويروى لنا الخطيب فى ذلك، عن ابن عباس –رضى الله عنهما- أنه قال
: "لا يكتب الحديث عن الشيخ المغفل"( )0

فهذه النصوص وغيرها مما سبق( )، تدل بجلاء على تشمير الصحابة لتحذير الناس من الوقوع فى أحابيل الكذب، كما تدل على
أنهم لم يكونوا فى غفلة عن ظاهرة الوضع، بل انتبهوا لها، وقاوموا الوضاعين بالتشهير والتحذير0

وعلى نهج الصحابة فى التثبت والتحرى، درج الأئمة من التابعين وأتباعهم، فها هو محمد بن سيرين، التابعى الكبير، يعلن عن
أثر الفتنة، على البحث والنقد، فيقول : "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة، فيؤخذ
حديثهم، وينظر إلى أهل البدع، فلا يؤخذ حديثهم( )0 وفى رواية عنه قال : "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم"( )0

وكثيراً ما كان التابعون، وأتباعهم يتذاكرون الحديث، فيأخذوا ما عرفوا ويتركوا ما أنكروا، قال الإمام الأوزاعى : "كنا نسمع الحديث فنعرضه
على أصحابنا كما يعرض الدرهم الزيف، على الصيارفة فما عرفوا منه أخذنا، وما تركوا تركناه( )، وروى الإمام مسلم فى مقدمة صحيحه عن
ابن أبى مليكة قال : كتبت إلى ابن عباس أن يكتب لى ويخفى عنى0فقال: ولد ناصح أنا اختار له الأمور اختياراً وأخفى عنه : فدعا بقضاء
علىّ0 فجعل يكتب منه أشياء0 ويمر به الشئ فيقول : والله ما قضى بهذا علىّ إلا أن يكون ضل( )0

وكانوا دائماً يرجعون إلى من يثقون به، قال سفيان الثورى "كنا إذا اختلفنا فى شئ سألنا عنه مِسْعَر( ) وكان أئمة الحديث على
جانب عظيم من الوعى والإطلاع، فقد كانوا يحفظون الصحيح، والضعيف، والموضوع حتى لا يختلط عليهم، وعلى من بعدهم الحديث، وليميزا
الخبيث من الطيب، وفى هذا يقول الإمام سفيان الثورى : "إنى لأروى الحديث على ثلاثة أوجه : أسمع الحديث من الرجل اتخذه ديناً، وأسمع من
الرجل أقف حديثه، وأسمع من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته( )0

وروى الخطيب عن الإمام أحمد بن حنبل( ) أنه رأى يحيى بن معين بصنعاء فى زاوية، وهو يكتب صحيفة معمر( ) عن أبان( )
عن أنس، فإذا طلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد بن حنبل : تكتب صحيفة مَعْمَر، عن أبان، عن أنس، وتعلم أنها موضوعة، فلو قال لك قائل
: إنك تتكلم فى أبان ثم تكتب حديثه على الوجه؟ فقال : رحمك الله يا أبا عبد الله، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق( ) عن معمر، على
الوجه، فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة، حتى لا يجئ بعده إنسان فيجعل بدل أَبَان، ثابتاً( )، ويرويها عن مَعْمَر، عن ثابت، عن أنس ابن
مالك، فأقول له : كذبت إنما هى عن مَعْمَر عن أبان، لا عن ثابت( )أ0هـ
بالإضافة إلى ما سبق فإن المحدثين كانوا يحاربون الكذابين علانية ويمنعونهم من التحديث، ويستعدون عليهم السلطان0

يقول الإمام الشافعى رحمه الله : "لولا شعبة( ) ما عرف الحديث بالعراق، كان يجئ إلى الرجل فيقول : لا تحدث وإلا استعديت
عليك السلطان"( )0

ومن تلك القواعد التى قاوم بها علماء الحديث حركة الوضع نقد الرواة وبيان حالهم، فلم يقبلوا رواية إلا من كان عدلاً ضابطاً،
وعلى ذلك إجماع جماهير أئمة الحديث والفقه والأصول0

يقول ابن الصلاح : "أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه،وتفصيله أن يكون
مسلماً بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق، وخوارم المرؤة، متيقظاً غير مغفل،حافظاً إن حدث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدث من كتابه،
وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالماً بما يحيل المعانى"( )

وخرج بشرط العدالة : الكافر، والفاسق، والمبتدع، والصبى غير البالغ، والمجنون، والخارم للمروءة بفعل الذنوب الصغائر التى
تدل على الخسة كسرقة الشئ الحقير أو فعل المباحات التى تورث الاحتقار، وتذهب بكرامة الإنسان، كالبول فى الطريق بحيث يراه الناس، وفرط
المزاح الخارج عن حد الأدب، والأكل فى الطريق، ونحو ذلك، فلا تقبل رواية الكافر بالإجماع سواء أعلم من دينه الاحتراز عن الكذب أم لم
يعلم، وكيف تقبل رواية من يكيد للإسلام ليل نهار، وكيف نأتمنهم على حديث رسول الله ، ثم إن الله  أمرنا بالتوقف فى خبر الفاسق فى قوله
تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ( ) فإذا كان الفاسق لا تقبل
روايته مع صحة اعتقاده فإن الكافر لا تقبل روايته من باب أولى؛ لأن الكفر فسق وزيادة0

ولا تقبل رواية صاحب البدعة إذا كفر ببدعته؛ كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط من شأن أبى بكر وعمر- رضى الله عنهما -
والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة كما قال الحافظ الذهبى( )0

كما خرج بشرط العدالة الكذاب، أو المتهم بالكذب، فبإجماع أهل العلم لا يؤخذ حديث من كذب على النبى  تغليظاً وزجراً بليغاً عن
الكذب على رسول الله  لعظم مفسدته، فإنه يصير شرعاً مستمراً إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره والشهادة، فإن مفسدتهما قاصرة
ليست عامة، فلا يقاس الكذب فى الرواية على الكذب فى الشهادة أو فى غيرها، ولا على أنواع المعاصى الأخرى( )0

وخرج بشرط الضبط من عرف بالتساهل فى سماعه أو إسماعه، كمن لا يبالى بالنوم فى السماع منه أو عليه، أو يحدث لا من
أصل صحيح مقابل على أصله أو أصل شيخه أو عرف بقبول التلقين فى الحديث، بأن يلقن الشئ فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه،
أو عرف بكثرة السهو فى روايته، إذا لم يحدث من أصل صحيح، بخلاف ما إذا حدث منه فلا عبرة بكثرة سهوه، لأن الاعتماد حينئذ على الأصل
لا على حفظه، أو عرف بكثرة الشواذ والمناكر فى حديثه( )، وكل هذا يخرم الثقة بالراوى وبضبطه0
وبالتأمل فى الضوابط والقيود الموضوعة لمعرفة من تقبل روايته ومن ترد، يتبين لك عبقرية واضعها من علماء هذه الأمة،
والدقة المتناهية فيما وضعوا من قواعد ألمت بصغائر الموضوع، ودقائقه فكانت منهجاً دقيقاً متفرداً لم ولن تعرف له الدنيا نظيراً
هيهـات لا يأتى الزمان بمثله *** إن الزمـان بمثلـه لشحيـح

وتبين لك مما سبق كيف أن تلك الضوابط والقيود أخرجت أصناف الوضاعين الوارد ذكرهم فى أسباب الوضع، فلم تقبل مروياتهم،
فحفظت بذلك السنة النبوية المطهرة من خبثهم ومكرهم( )، وليس الأمر كما يصوره أعداء الإسلام من اختلاط أمرهم على المحدثين، وضياع
مروياتهم فى كتب السنة الصحاح بلا تميي،ز‍ فعلماء الأمة عندما اشترطوا فيمن تقبل روايته : أن يكون عدلاً ضابطاً، لم يتساهلوا فى ذلك
البتة، وما وقع من تساهل كان فى فعل بعض المباحات، مثل الإفراط فى المزاح، والمداعبة، والأكل فى الأسواق، ونحو ذلك من ضروب
المباحات التى لا يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، وإن كانت تنتقص من مقامات فاعليها لما تعارف عليه الناس واشتهر عندهم على أنها من
خوارم المروءة، وهى فى نفس الوقت لا تؤثر لا على عدالة الراوى بالسقوط للتفاوت المعروف بين المتشددين والمتساهلين فى قبول ورد من
خرمت مروءته ببعض الصغائر( )0 وكذلك لا تؤثر أيضاً على عدم الوثوق فى هذا المنهج العظيم الذى هو غاية الاعتدال والإنصاف، لا شطط
ولا غلو( )0

ومما يؤكد عدم تساهل المحدثين فى شروط من تقبل روايته ومن ترد، اتفاقهم على أن العدالة وحدها، غير كافية فى قبول رواية
الراوى، بل لابد معها من الضبط، يدل على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم فى مقدمة صحيحه عن أَبِى الزِّنَاد - رحمه الله - قال : "أدركت بالمدينة
مِائَةً كُلُّهُمْ مَأَمُونٌ0 ما يُؤْخَذُ عَنْهُمُ الحَدِيثُ يُقَالُ : لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ"0 وعن عبد الله بن المبارك : قال قلت لسفيان الثورى : إن "عَبَّادَ بْنَ كَثِير" من
تعرف حاله وإذا حدث جاء بأمر عظيم0 فترى أن أقول للناس : لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان بلى قال عبد الله : فكنت، إذا كنت فى مجلس ذكر فيه
عَبَّادٌ، أثنيتُ عليه فى دينه وأقول : "لا تَأْخُذُوا عَنْه"0 وعن يحيى بن سعيد القطان قال : "لم نَرَ الصَّالحينَ فى شئ أَكْذَبَ منهم فى الحديث"0 وعن
أيوب السختيانى قال : "إن لى جاراً0 ثم ذكر من فضله0 ولو شهد عندى على تَمْرتَين ما رأيتُ شهادَتَهُ جَائِزَةً0

وعن عبد الله بن المبارك - رحمه الله - قال : "بَقِيُّة صُدَوُقُ اللِّسَانِ0 ولكنَّهُ يَأْخُذُ عَمَّنُ أَقْبَلَ وأَدْبَرَ"( )0 وقال يحيى بن معين
رحمه الله : "إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم فى الجنة منذ أكثر من مائتى سنة"( ) قال السخاوى : "أى أناس صالحون، ولكنهم
ليسوا من أهل الحديث"( ) ويقول الإمام مالك : "لا يؤخذ العلم عن أربعة، ويؤخذ ممن سوى ذلك لا يؤخذ من رجل صاحب هوى يدعو الناس
إلى هواه، ولا سفيه معلن بالسفه، وإن كان من أروى الناس0 ولا من رجل يكذب فى أحاديث الناس، وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول
الله ، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة لا يعرف ما يحدث"( )0

وبلغ من دقة المحدثين فى تتبع صفات الراوى الثقة المقبول الرواية،تتبعهم لما يطرأ على ضبط الرواة من تغير،كمن ضعف حديثه
فى بعض الأوقات دون بعض،ومن ضعف حديثه فى بعض الأماكن دون بعض، ومن ضعف حديثه عن بعض الشيوخ دون بعض( )

وصدق الإمام الشعبى : "والله لو أصبت تسعاً وتسعين مرة، واخطأت مرة لعدوا على تلك الواحدة( )0
وهكذا بهذا المنهاج العظيم الذى لا تعرف له الدنيا بأسرها مثيلاً خاب ظن الوضاعين من الكفره، والزنادقة، والمبتدعة، والجهلة
من الصالحين، والمتصوفة، كما قال الإمام الشعرانى فى العهود الكبرى : "واعلم يا أخى، أن أكثر من يقع فى خيانة هذا العهد المتصوفة الذين
لا قدم لهم فى الطريق، فربما رووا عن رسول الله  ما ليس من كلامه، لعدم ذوقهم، وعدم فرقانهم بين كلام النبوة وكلام غيرها، وسمعت
شيخنا شيخ الإسلام زكريا -رحمه الله- يقول : "إنما قال بعض المحدثين أكذب الناس الصالحون، لغلبة سلامة بواطنهم، فيظنون بالناس الخير،
وأنهم لا يكذبون على رسول الله ، فمرادهم بالصالحين : المتعبدون الذين لا غوص لهم فى علم البلاغة، فلا يفرقون بين كلام النبوة وغيره،
بخلاف العارفين فإنهم لا يخفى عليهم ذلك"( )0

وواضح مما سبق أن صلاح الكذابين : ليس المراد منه الصلاح الحقيقى الذى يتمثل فى صلاح العلماء، وأئمة الدين، وحفاظ
الحديث، بل هو الصلاح الذى تحدث عنه الأئمة سابقاً، وإلا كان يجب أن يكون سعيد بن المسيب، وعروة، والشافعى، ومالك، وأحمد، وأبو
حنيفة والبخارى، ومسلم، وغيرهم من أئمة المسلمين، من أكذب الناس فى الحديث، وهل هناك مسلم يقول بذلك؟ ( )0

وإذا كان أئمة المسلمين هم أكذب الناس فى الحديث – وحاشاهم من ذلك – فمن إذن الذى كشف كذبهم؟ الكفرة والزنادقة وغلاة
المبتدعين( )؟

ومن الذى عرَّف بالموضوع، وبأسبابه، وبأصنافه، وبعلاماته، وصنف فيه المصنفات المتعددة؟ أهم الكفرة والزنادقة أم ماذا؟

كلا إنهم حراس الأرض، وخلفاء وجنود الله فى أرضه، إنهم الجهابذة الذين قال فيهم ابن المبارك لما قيل له : هذه الأحاديث
المصنوعة؟ قال : يعيش لها الجهابذة وتلا قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( )0 وفيهم قال يحيى بن يمان : "إن لهذا الحديث
رجالاً خلقهم الله  منذ يوم خلق السماوات والأرض، وإن وكيعاً منهم"( ) رجال قال فيهم هارون الرشيد لما أخذ زنديقاً فأمر بضرب عنقه فقال
له الزنديق : لم تضرب عنقى؟ قال : لأريح العباد منك0 فقال : يا أمير المؤمنين : أين أنت من ألف حديث؟ وفى رواية من أربعة آلاف حديث
وضعتها فيكم، أحرم فيها الحلال، وأحلل فيها الحرام ما قال النبى منها حرفاً؟ فقال له هارون الرشيد : أين أنت يا عدو الله من أبى إسحاق
الفزارى( ) وعبد الله ابن المبارك؟ ينخلانها – نخلاً – فيخرجانها حرفاً حرفاً؟" ( )0

والحقيقة أن المحدثين، وما ابتكروه من علم مصطلح الحديث، الذى تفردت به الأمة الإسلامية عن سائر الأمم، وتميزت بتأسيسه،
وإنشائه، وتقعيده، والتفنن فيه، كان من أكبر النتائج النافعة التى تولدت عن تلك الحملة الضارية على السنة النبوية المطهرة0

قصدت مساتى فاجتلبت مسرتى
*** وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدرى( )

كما كان هذا العلم صخرةً صلبةً تكسرت عليها كل المؤامرات التى حيكت فى الظلام على أحاديث النبى ، وخرجت السنة النبوية من المعركة
الطويلة سليمة منتصرة( )، ولا يمكن أن تكون حركة الوضاعين وما وضعوا من أحاديث دليلاً على ضعف السنة بمجموعها، وبالتالى
عدم حجيتها0 لأن الوضاعين وما وضعوه لم يخف قط على المحدثين0

يقول الأستاذ محمد أسد : "فوجود الأحاديث الموضوعة إذن لا يمكن أن يكون دليلاً على ضعف نظام الحديث فى مجموعه، لأن
تلك الأحاديث الموضوعة لم تخف قط على المحدثين كما يزعم بعض النقاد الأوربيين عن سذاجة، وتابعهم على ذلك بعض أدعياء العلم من
أبناء أمتنا الإسلامية"( )0

ونختم هذه الشبهة بما ذكره الإمام ابن القيم الجوزية فى مختصر الصواعق المرسلة قال : قال الإمام أبو المظفر( ) : [فإن قالوا
قد كثرت الآثار فى أيدى الناس واختلطت عليهم، قلنا : ما اختلطت إلا على الجاهلين بها، فأما العلماء بها؛ فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة
الدراهم والدنانير، فيميزون زيوفها ويأخذون خيارها، ولئن دخل فى أغمار الرواة من وسم بالغلط فى الأحاديث، فلا يروج ذلك على جهابذة
أصحاب الحديث، وورثة العلماء حتى أنهم عدو أغاليط من غلط فى الإسناد والمتون، بل تراهم يعدون على كل واحد منهم كم فى حديث غلط،
وفى كل حرف حرف، وماذا صحف، فإن لم ترج عليهم أغاليط الرواة فى الأسانيد، والمتون، فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة، وتوليدهم
الأحاديث التى يرويها الناس حتى خفيت على أهلها0 وهو قول بعض الملاحدة، وما يقول هذا إلا جاهل ضال مبتدع كذاب يريد أن يهجن بهذه
الدعوة الكاذبة صحاح أحاديث النبى ، وآثاره الصادقة، فيغالط جهال الناس بهذه الدعوى، وما احتج مبتدع فى رد آثار رسول الله  بحجة
أوهن ولا أشد استحالة من هذه الحجة، فصاحب هذه الدعوى يستحق أن يسف فى فيِهِ، وينفى من بلد الإسلام]( ) أ0هـ0

شبهة أن حملة الإسلام من الصحابة والتابعين فمن بعدهم كانوا جنوداً للسلاطين والملوك فى العصر الأموى، والعباسى والرد عليها

استعراض الشبهة وأصحابها :
زعم أعداء السنة المطهرة، من أن حملة الإسلام من الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم من أئمة المسلمين، من الفقهاء والمحدثين
كانوا جنوداً للسلاطين والملوك فى العصر الأُموى، والعباسى، يضعون لهم من الأحاديث ما يوافق رغباتهم ويثِّبت ملكهم0

ويستدلون على ذلك بأحاديث منها :
الأحاديث التى تدعوا إلى طاعة الحكام، والأمراء، وتدعوا إلى اجتناب الفتن، والنجاة من شرورها :
مثل قوله  "من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً، فمات؛ فميتَةٌ جاهليةٌ"( )0

وقوله  : "إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون0 فمن كِرهَ فقد بَرئَ، ومن أَنكر فقد سَلِمَ0 ولكن من رَضِىَ وتَابع" قالوا :
يا رسول الله ألا نقاتلهم ؟ قال : "لا ما صَلَّوْا"0 أى من كره بقلبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ( )0

وقوله  : "إن بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسى كافراً،ويمسى مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد
فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشى، والماشى فيها خير من الساعى، قالوا فما تأمرنا؟ قال : "كونوا أحلاس بيوتكم"(
)0

ونحو ذلك من الأحاديث التى استشهد بها جولد تسيهر على أن أهل الحديث أو الفقهاء كما يسميهم لعبوا دوراً خطيراً فى تثبيت
أنظمة الحكم بوضع هذه الأحاديث التى تأمر بطاعتهم أو باعتزال الأمر وتركه( )0

وعلى هذا الزعم بنى نيازى عز الدين كتابه (دين السلطان)؛ فهو يعنى بالسطان معاوية بن أبى سفيان ، وسيدنا معاوية فى زعمه هو الذى
فتح باب الروايات بالأحاديث المفتراة لتحل محل القرآن، وأصبحت ديناً، وساعده على ذلك جنوده من الفقهاء، والمحدثين، وفى ذلك يقول : "
والتاريخ الإسلامى يحدثنا أن معاوية كان من دهاة العرب … فأعاد عقلية الجاهلية بتوقيفه أحكام القرآن، من خلال فتح باب الروايات
بالأحاديث المفتراة لتحل محل القرآن0 وقد وجد كثيراً من المساعدين من بين أصحاب المصالح من علماء السوء، والحساد، والمنافقين من
أعداء الإسلام"( )0
وبنفس هذا الزعم تقول الرافضة طاعنين بذلك فى عقيدة أهل السنة0

يقول صالح الوردانى بعد أن ذكر نماذج من الأحاديث السابقة وما فى معناها قال : "إن هذه الروايات، وهذه العقيدة، هى التى خلقت فقهاء
السلاطين، وخلقت الحكام الطغاة الظالمين فى تاريخ المسلمين … ولولا هذه الروايات وهذه العقيدة ما هيمنت القبلية، والأموية، والعباسية،
على واقع المسلمين0 فإن جميع الحكومات التى قامت من بعد الرسول ، اعتمدت هذه الروايات فى دعم سلطانها ونفوذها وإضفاء المشروعية
عليها"( )0
ويقول رافضى آخر زكريا عباس داود : "إننا عندما نبحث فى أسباب الوضع نلاحظ أن الجانب السياسى، كان دافعاً قوياً لمعاوية
كى يوظف السنة لخدمة أهدافه …، ولذا عمد لاستخدام مجموعة من الصحابة، والتابعين، كى يضعوا أحاديث تبرر له أعماله، وتضفى الشرعية
الدينية على ملكه( )0

وممن قال بذلك أيضاً : عبد الحسين شرف الدين( )، ومرتضى العسكرى( )، ومحمود أبو رية( )، ومحمد نجيب( )، وعلى
الشهرستانى( )، وعلى الوردى( )، وجمال البنا( )، وعبدالجواد ياسين( )، وإدريس الحسينى( )، والسيد صالح أبو بكر( )0

والناظر فيما قاله أعداء السنة سابقاً يرى أنهم يطعنون فيما يأتى :
أولاً : فى صحة إسلام معاوية ، ووصفهم له بأنه كان منافقاً اعتماداً على ما ورد من أنه أسلم يوم الفتح، وكان من الطلقاء المؤلفة قلوبهم،
وأنه فتح باب الوضع فى السنة، وصرح بذلك الرافضة السابق ذكرهم، وتبعهم على ذلك دعاة اللادينية0

ثانياً : وصفهم حملة الإسلام من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من أئمة المسلمين من الفقهاء والمحدثين، بأنهم كانوا كذابين وفقهاء سلطة0
ثالثاً : طعنهم فى الملوك والأمراء الأمويين، والعباسين، بأنهم بعيدين عن تعاليم الإسلام مستغلين علماء المسلمين بوضع مـا يثبـت
ملكهـم0
رابعاً : طعنهم فى أحاديث طاعة أولى الأمر، وأحاديث الفتن0

والجواب عما سبق فيما يلى :
أولاً : الجواب عن الطعن فى صحة إسلام سيدنا معاوية ، وأنه فتح باب الوضع فى السنة النبوية :
ما طعن به أعداء السنة المطهرة فى صحة إسلام سيدنا معاوية ، دافع عنه فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو شهبة بقوله : "وقد غاب عن
أعداء الإسلام أن الكاتبين فى تاريخ الصحابة ذكروا عن الواقدى، وابن سعد، أنه أسلم بعد الحديبية قبل الفتح، وأنه أخفى إسلامه مخافة أهله،
وأنه كان فى عمرة القضاء مسلماً، وإذا كان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم فى رأى البعض، ففى رأى الكثيرين أنه ليس من المؤلفة قلوبهم،
قال ابن عبد البر : "معاوية وأبوه من المؤلفة قلوبهم، ذكره فى ذلك بعضهم"، وهو يشعر بأن الكثيرين لا يرون هذا الرأى، ولذا نجد الحافظ
المحقق ابن حجر لم يذكر فى ترجمته شيئاً من هذا، وإنما ذكر فى ترجمة أبيه أنه من المؤلفة قلوبهم( )0

ومهما يكن من شئ فقد أسلم وحسن إسلامه، وحتى لو كان ممن أسلموا يوم الفتح، فلا يقدح ذلك فى عدالته وصحبته، بعد تزكية رب العزة
لمن أسلموا بعد الفتح أيضاً قال تعالى : وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ
وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( )0 وكيف يصح الطعن فى صحة
إسلامه ، وقد كان أحد كتبه الوحى بين يدى النبى ( )، يدل على ذلك ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رسول الله  بعث إلى
معاوية ليكتب له، فقال : أنه يأكل، ثم بعث إليه، فقال : إنه يأكل، فقال رسول الله  : "لا أشبع الله بطنه"( )0

يقول الأستاذ محب الدين الخطيب( ) - رحمه الله - : "قد يستغل بعض الفرق من أعداء الإسلام( )0 هذا الحديث ليتخذوا منه
مطعناً فى معاوية  وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبى ؟!

فالظاهر أن هذا الدعاء منه  غير مقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب فى وصل كلامها بلا نية كقوله : تربت يمينك0

ويمكن أن يكون ذلك منه  بباعث البشرية التى أفصح عنها هو نفسه  فى أحاديث كثيرة متواترة منها حديث عائشة – رضى الله عنها –
مرفوعاً : "… أَوَ مَاَ عَلِمْتِ مَا شَرَطْتُ عَلَيْهِ رَبِىِّ؟ قُلْتُ : اللَّهُمَّ "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَىُّ المُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاَةً وَأَجْراً"( )0
ولم تعرف عن معاوية  دخلة فى إيمانه ولا ريبة فى إخلاصه لإسلامه ولا فى إمارته0

يقول القاضى أبو بكر بن العربى، مبيناً ما اجتمع فى معاوية من خصال الخير إجمالاً قال : "معاوية اجتمعت فيه خصال : وهى أن
عمر جمع له الشامات كلها وأفرده بها، لما رأى من حسن سيرته، وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور، وإصلاح الجند، والظهور على العدو،
وسياسة الخلق0 وقد شهد له فى صحيح الحديث بالصحبة والفقه، فيما رواه البخارى فى صحيحه بسنده عن ابن أبى مليكه قال : "أوتر معاوية
بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال : دعه؛ فإنه صحب رسول الله 0 وفى رواية أخرى قيل لابن عباس : هل
لك فى أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال : إنه فقيه( )

يقول ابن العربى : "وشهد بخلافته فى حديث أم حرام – رضى الله عنها– فيما رواه أنس بن مالك  أن رسول الله  نام عندها
القيلولة ثم استيقظ وهو يضحك؛ لأنه رأى ناساً من أمته غزاة فى سبيل الله يركبون ثبج البحر – أى وسطه ومعظمه – ملوكاً على الأسرة0 ثم
وضع رأسه فنام واستيقظ وقد رأى مثل الرؤيا الأولى فقالت له أم حرام : أدع الله أن يجعلنى منهم، فقال، أنت من الأولين"، فركبت أم حرام
البحر فى زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر0 فهلكت"( )0

قال الحافظ ابن كثير : يعنى بالأول جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها سنة 27 أيام عثمان بن عفان، بقيادة معاوية، عقب إنشائه الأسطول
الإسلامى الأول فى التاريخ، وكانت معهم أم حرام فى صحبة زوجها عبادة بن الصامت0 ومعهم من الصحابة أبو الدرداء وأبو ذر وغيرهم0
وماتت أم حرام فى سبيل الله وقبرها بقبرص إلى اليوم0

قال ابن كثير : ثم كان أمير الجيش الثانى يزيد بن معاوية فى غزوة القسطنطينية0 قال : وهذا من أعظم دلائل النبوة( ) فى الشهادة لسيدنا
معاوية، وابنه يزيد بالفضل، والمغفرة والجنة كما جاء فى حديث أم حرام مرفوعاً : "أول جيش من أمتى يركبون البحر قد أوجبوا( )0 وأول
جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم0 فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا"( )0

يقول الإمام ابن تيمية : "لم يكن من ملوك المسلمين ملك خيراً من معاوية، ولا كان الناس فى زمان ملك من الملوك خيراً منهم
فى زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده، وإذا نسبت إلى أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل0

وقد روى أبو بكر بن الأثرم - ورواه ابن بطه من طريقه عن قتادة قال : "لو أصبحتم فى مثل عمل معاوية لقال أكثركم : هذا
المهدى"0 وروى ابن بطه بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال : لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدى0

وروى الأثرم عن أبى هريرة المكتب قال : كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبدالعزيز وعدله، فقال الأعمش، فكيف لو أدركتم
معاوية؟ قالوا فى حلمه؟ قال : لا والله، بل فى عدله0 وعن أبى إسحاق السبيعى أنه ذكر معاوية فقال : لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم :
كان المهدى0

وهذه الشهادة من هؤلاء الأئمة الأعلام لأمير المؤمنين معاوية صدى استجابة الله  دعاء نبيه  لهذا الخليفة الصالح
يوم قال  : "اللهم اجعله هادياً، مهدياً، واهد به"( )0

وقبل أن ننهى الكلام على شهادات الصحابة، والتابعين، وآراء العلماء، فى معاوية، ننقل رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون
فى اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين قال : "إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغى أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخيارهم فهو تاليهم فى
الفضل والعدالة والصحبة( )0
ويقول أيضاً فى مقدمته : مدافعاً عن إيثاره ابنه يزيد بالعهد، دون من سواه قال : "إنما هو مراعاة المصلحة فى اجتماع واتفاق أهوائهم باتفاق
أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بنى أمية … وهم عصابة قريش( ) وأهل الملة أجمع، وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره … حرصاً على
الاتفاق، واجتماع الأهواء الذى شأنه أهم عند الشارع، ولا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة
لذلك وسكوتهم عنه، دليل على انتفاء الريب فيه، فليسوا ممن يأخذهم فى الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة فى قبول الحق فإنهم
كلهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه"( )0

"نذكر جميع هذه الشهادات، وقبلها الأحاديث النبوية فى فضل معاوية( )، مع اعترافنا يشهد الله بفضل على بن أبى طالب ، وأنه
أفضل منه والحق غالبه معه، وكل كان مجتهداً( )0 وقد جاء فى الحديث الصحيح : "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب؛ فله أجران، وإذا حكم
فاجتهد، ثم اخطأ؛ فله أجر"( )0

وقد أوردنا هذه الأمثلة القليلة التى لا يسع المقام لأكثر منها؛ ليعلم الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية  تخالف الصورة الكاذبة
التى يصورها الزنادقة من الرافضة ومن تابعهم من أعداء الإسلام، والسنة المطهرة، تلك الصورة التى تنكر ما جاء فى السنة المطهرة عن
رسول الله ، وعن الصحابة، والتابعين، من الشهادة له بالصحبة، والفقه، والملك العادل، وحسن السيرة، حتى شهد له من أدركه كمجاهد
والأعمش بأنه المهدى0
فهل من كان هذا حاله يكون له دخل أو حتى رضا بالوضع فى السنة المطهرة سواء فى فضائله، وفضائل الشام أو فى وضع ما
يثبت ملكه، أو غير ذلك مما يزعمه أعداء الإسلام من الرافضة ومن شايعهم؟! نعم إذا لم تستح فأصنع ما شئت0

ثانياً : الجواب عن اتهام رواه السنة بأنهم كانوا كذابين وفقهاء سلطة :
أما ما زعمه دعاة الفتنة وأدعياء العلم، من أن حملة الإسلام من الصحابة، والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين من الفقهاء، والمحدثين،
كانوا كذابين وفقهاء سلطه؛ فقد رد هذا الزعم الدكتور السباعى تحت عنوان "هل استجاز علماؤنا الكذب دفاعاً عن الدين؟ فقال : "إن أعداء
الإسلام من غلاة الشيعة، والمستشرقين، ودعاة الإلحاد، لم يصلوا ولن يصلوا إلى مدى السمو الذى يتصف به رواة السنة من الترفع عن الكذب
حتى فى حياتهم العادية، بل لم ولن يصل أعداء الإسلام إلى مبلغ الخوف الذى استقر فى نفوسهم بجنب الله خشية ورهبة،ولا مدى استنكارهم
لجريمة الكذب على رسول الله  حتى قال منهم من قال بكفر من يفعل ذلك، وقتله وعدم قبول توبته( )، إن أعداء الإسلام معذورون إذ لم
يفهموا عن علمائنا هذه الخصائص؛ لأنه لا يوجد لها ظل فى نفوسهم ولا فيمن حولهم، ومن اعتاد الكذب ظن فى الناس أنهم أكذب منه، واللص
يظن جميع الناس لصوصاً مثله … وإلا فمن الذى يقول فى قوم جاهروا بالإنكار على بعض ولاتهم لأنهم خالفوا بعض أحكام السنة؛ وتعرض
بعضهم للضرب والإهانة والتنكيل فى سبيل الجهر بكلمة الحق - أنهم استباحوا لأنفسهم الكذب على رسول الله  ليضيفوا إلى سنته المطهرة
أحكاماً لم يقلها 0
أيها الناس أليست لكم عقول تحكمون بها؟ أم أنتم تتكلمون لقومٍ لا عقول لهم( )؟!

نعم إن قوماً لم يحابوا فى حكمهم على الرجال أحداً لا أباً، ولا ابناً، ولا أخاً، ولا صديقاً، ولا أستاذاً، لذلك عنوان صدق
ديانتهم، ونزاهتهم، وأمانتهم، وعنوان غلاء الحفاظ على السنة الشريفة لديهم، وأنها عندهم أغلى من الأباء والأجداد، والأولاد، والأحفاد، فكانوا
مضرب المثل فى الصدق والتقوى والأمانة( )0
وهاك أمثلة على نزاهتهم فى حكمهم على الرجال :
المجرحـون لآبائهـم :
الإمام على بن المدينى سأل عن أبيه فقال : "سلوا عنه غيرى" فأعادوا المسألة، فأطرق ثم رفع رأسه فقال : "هو الدين، إنه ضعيف"( )0

المجرحون لأبنائهم :
الإمام أبو داود السجستانى "صاحب السنن قال : ابنى عبد الله كذاب( )، ونحوه قول الذهبى فى ولده أبى هريرة، أنه "حفظ القرآن، ثم تشاغل
عنه حتى نسيه( )0

المجرحون لإخوانهم :
زيد بن أبى أُنَيْسة قال : لا تأخذوا عن أخى يحى المذكور بالكذب( )0

المجرحون لأختانهم :
شعبة بن الحجاج قال : لو حَاَبْيتُ أَحَداً لحابيت هِشَام بْنُ حَسَّان كان ختنى( )،ولم يكن يحفظ"( )0
المجرحون لبعض أقاربهم :
أبو عروبة الحرانى : قال الذهبى فى ترجمة الحُسَيْنُ بن أبى السَّرِىّ العسقلانىُّ : "قال أبو عروبة الحرانى : هو خال أمى، وهو كذاب"( )0

من الذين لم يحابوا مشايخهم :
يحيى بن سعيد القطان : روى الإمام ابن أبى حاتم عن عبد الرحمن بن مهدى قال : اختلفوا يوماً عند شعبة، فقالوا : اجعل بيننا وبينك حكماً
فقال : قد رضيت بالأحول يعنى يحيى بن سعيد القطان، فما برحنا حتى جاء يحيى فتحاكموا إليه فقضى على شعبة - وهو شيخه ومنه تعلم وبه
تخرج، فقال له شعبة : ومن يطيق نقدك أو من له مثل نقدك يا أحول؟!"0

قال ابن أبى حاتم : "هذه غاية المنزلة – ليحيى بن سعيد القطان – إذ اختاره شيخه شعبة من بين أهل العلم، ثم بلغ من دالته
بنفسه وصلابته فى دينه أن قضى على شعبة" شيخه ومعلمه( )0

وبلغ من نزاهة أئمة الحديث أنهم كانوا لا يقبلون شفاعة إخوانهم للسكوت عمن يرون جَرْحه، وكيف يرتضون تلك الوساطة، وهم الذين طَعَنُوا
فى أبنائهم، وآبائهم، وإخوانهم، لما رأوا منهم ما يستوجب القّدْحَ0

وقد ضَرَبَ شعبة بن الحجاج فى هذا أروع الأمثال لما كلمه حماد بن زيد، وعباد ابن عباد، وجرير بن حازم، كلموه فى رجل ليكف عنه،
قال حماد ابن زيد، فكأنه لان وأجابنا0 قال : فذهبت يوماً أريد الجمعة فإذا شعبة ينادينى من خلفى، فقال: ذاك الذى قلتم لى فيه لا
أراه يسعنى"0 قال عبد الرحمن ابن مهدى : كان شعبة يتكلم فى هذا حسبة( )0


نماذج لما كان عليه سلفنا الصالح من جراءة فى الحق مع خلفائهم وملوكهم وأمراءهم، لا يخشون لوماً، ولا موتاً، ولا أذى، ولا اضطهاداً :
أما موقف الصحابة مع خلفائهم فقد سبق بما يغنى عن إعادته هنا عند الحديث عن بداية الوضع وبراءة الصحابة منه( )0

ونزيد هنا بموقف لأبى بن كعب  مع الفاروق عمر  أخرجه ابن راهوية عن الحسن أن عمر بن الخطاب  رد وعلى أبى بن
كعب  قراءة آية، فقال أبى : لقد سمعتها من رسول الله  وأنت يليهك يا عمر الصفق بالبقيع0 فقال عمر  : صدقت إنما أردت أن أجربكم هل
منكم من يقول الحق؟ فلا خير فى أمير لا يقال عنده الحق ولا يقوله"( )0
وروى أن أبى بن كعب قرأ : الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ ( ) فقال عمر  كذبت0 قال : أنت أكذب0 فقال رجل : تكذب أمير
المؤمنين؟ قال : أنا أشد تعظيماً لحق أمير المؤمنين منك0 ولكن كذبته فى تصديق كتاب الله ، ولم أصدق أمير المؤمنين فى تكذيب كتاب الله ،
فقال عمر : صدق"( )0

فانظر كيف يمتحن عمر الصحابة فى مدى جهرهم بكلمة الحق إذا عدل عنها الأمير، وانظر كيف كان الصحابة يعرفون لأمرائهم حقهم، فإذا
عدلوا عن الحق لم تأخذهم فى الله لومة لائم0
أما عن موقف الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة الإسلام، من ملوكهم وأمراءهم، فقد مر موقف أبو سعيد الخدرى من
مروان وإلى المدينة، وكذا موقف ابن عمر من الحجاج( )0 وسيأتى موقف آخر للإمام الزهرى مع هشام بن عبد الملك الأموى، بعد ذكر بعض
المواقف لأئمة الإسلام من ملوك وأمراء بنى العباس0 منها ما ذكره الحافظ الذهبى فى ترجمة - ابن أبى ذئب الإمام الثبت - قال الإمام أحمد :
"دخل بن أبى ذئب على المنصور فلم يهبه أن قال له الحق، وقال الظلم ببابك فاش، وأبو جعفر، أبو جعفر"0

وعن محمد بن إبراهيم تلميذ بن أبى ليلى قال : "كنت عند أبى جعفر المنصور - وعنده بن أبى ذئب، فقال أبو جعفر : ما تقول فى الحسن بن
زيد -وكان والياً للمدينة أيام المنصور- قال يأخذ بالإحنة - أى الحقد ويقضى بالهوى0 فقال له الحسن : الله الله، والله ما سلم منه أحد، وإن
شئت فسله عن نفسك يا أمير المؤمنين0 قال محمد بن إبراهيم - فجمعت ثيابى والسياف قائم على رأس أبى جعفر، مخافة أن يأمر به فيقتل،
فيصيب دمه ثوبى، قال ما تقول فى؟ قال - اعفنى يا أمير المؤمنين0 قال لابد أن تقول0 قال إنك لا تعدل فى الرعية ولا تقسم بالسوية0 فتغير
وجه أبى جعفر فقام إبراهيم بن يحيى والى المدينة أيام المهدى- وقال : طهرنى بدمه يا أمير المؤمنين؟ قال له ابن أبى ذئب - اقعد يا بنى
فليس فى دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله طهور"( )0

وموقف سفيان الثورى - رحمه الله - مع أبى جعفر المنصور مشهور؛ فقد كان سفيان –رحمه الله- قوالاً بالحق، شديد الإنكار،
حتى مات فى البصرة مختبئاً من المهدى( )، وما موقف المحدثين - وعلى رأسهم أحمد بن حنبل - رحمه الله - مع الأمراء العباسيين فى
محنة خلق القرآن ببعيد0 وغير ذلك الكثير، ولولا أن المقام لا يحتمل المزيد لنقلت لك أخباراً مشرقة عن هؤلاء الأفذاذ( )0

صلة علماء المسلمين بالملوك والأمراء :
زعم أعداء السنة، أعداء الإسلام، أن صلات علماء المسلمين بالملوك والأمراء مكنت لهم أن يستغلوهم فى وضع الأحاديث
الموافقة لأهوائهم وتثبيت سلطانهم0

يقول الدكتور السباعى رداً على ذلك : "ولا ندرى كيف تكون الصلة بين أئمة المسلمين الثقات الأثبات، وبين الملوك والأمراء علامة على
استغلالهم لهم، وقديماً كان العلماء يتصلون بالخلفاء والملوك، دون أن يمس هذا أمانتهم فى شئ، فقديماً تردد الصحابة على معاوية، وتردد
التابعون0

فهؤلاء الأئمة إذا اتصلوا بهؤلاء الأمراء والملوك، أو اتصلوا هم بهم، لا سبيل إلى أن يؤثر ذلك فى دينهم، وأمانتهم، وورعهم،
والمستفيد منهم على كل حال، هم المسلمون الذين يغدو علماؤهم ويروحون من حلقات العلم إلى مجالس الخلفاء يروون حديثاً، أو يبثون فكرة،
أو يبثون حكماً، أو يبينون حكماً، أو يؤدبون لهم ولداً، أو يذكروهم بما للأمة عليهم من حقوق وما عليهم من واجبات0

انظر:إلى ما رواه ابن عساكر بسنده إلى الشافعى -رحمه الله- أن هشام بن عبدالملك سأل سليمان بن يسار عن تفسير قوله
تعالى : وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ) فقال هشام : كذبت : إنما هو على بن أبى طالب، ويظهر أن هشاماً لم يكن جاداً فيما
يقول، ولكنه يريد أن يختبر شدتهم فى الحق - فقال سليمان بن يسار : أمير المؤمنين أعلم بما يقول، ثم وصل ابن شهاب، فقال له هشام : من
الذى تولى كبره منهم؟ فقال الزهرى: هو عبد الله بن أبى بن سلول، فقال له هشام : كذبت0 إنما هو على بن أبى طالب، قال الزهرى وقد امتلأ
غضباً : أنا أكذب؟ لا أبالك! فوالله لو نادانى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت…حدثنى فلان،وفلان،أن الذى تولى كبره منهم،هو
عبدالله بن أبى بن سلول،… وفى القصة فقال هشام:إنا نهيج الشيخ0مما يدل على أنه لم يكن جاداً فى قوله "كذبت"0

ألا ترى فى هذه الحادثة ما يدلك على أن الصلة بين العلماء والخلفاء أدنى وأضعف من أن تصل إلى دينهم وأمانتهم؟ رجل يقول لخليفة
المسلمين : لا أبا لك! وهى كلمة لا يقولها رجل عادى لآخر مثله يحترمه، لدليل على أن صلتهم بالخلفاء والأمراء ليست صلة ضعيف بقوى،
ولا مخدوع بخادع بل صلة واثق بدينه، معتز بعلمه يغضب إن كُذِّب، ويثور إذا حُرِّفت حقيقة من حقائق التاريخ المتصل بصحابة رسول الله ،
ورجل يزأر فى وجه الخليفة زئير الأسد لأنه كذَّبه فى تفسير آية من كتاب الله  خلاف ما يعلم أهل العلم من قبله، هل من المعقول أن يميل إلى
أهواء الخليفة، فيضع له أحاديث عن رسول الله  لا أصل لها؟! ألا ترى إلى قول الزهرى : "أنا أكذب؟ لا أبالك! فوالله لو نادانى مناد من
السماء إن الله أحل الكذب ما كذبت"0

إن الزهرى كان من ذلك الطراز الممتاز فى تاريخ الإنسانية الذين ربَّاهم محمد  وأخرجهم للدنيا آيات باهرات فى صدق اللهجة وسموا النفس،
والترفع عن الكذب حتى ولو كان مباحاً( )0 أ0هـ0

يقول الأستاذ الصديق بشير : "ثم هل أولئك الفقهاء من الخور، وقلة الورع بحيث يستغلهم الحكام لتثبيت حكمهم؟! إن تاريخ
هؤلاء ينفى ذلك بشدة، حتى بلغ الأمر ببعضهم أن حرم على نفسه مخالطة السلاطين الظلمة( )0 بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن يضرب،
ويحبس، لرفضه تولية القضاء كأبى حنيفة -رحمه الله-( )0

وانظر كيف كان الخلفاء يهابون العلماء، هاهو الخليفة المهدى يدخل مسجد النبى  فلم يبق إلا قام إلا ابن أبى ذئب فقيل له : قم، فهذا أمير
المؤمنين، قال : إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدى : دعوه فقد قامت كل شعرة فى رأسى( )0

وانظر كيف يتمنى أبو جعفر المنصور أن يجلس فى وسط المحدثين لينال من صالح دعائهم لما قيل له : هل بقى من لذات الدنيا
شئ لم تنله؟ قال : بقيت خصلة، أن أقعد فى مصطبة، وحولى أصحاب الحديث، يقول المستملى : من ذكرت، رحمك الله، قال : فغدا عليه
الندماء، وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر، فقال : لستم بهم، إنما هم الدنسة ثيابهم المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، برد الآفاق، ونقلة
الحديث( )0

ثم ماذا يبتغى هؤلاء من مسايرتهم لأهواء الأمويين والعباسيين أيبتغون المال؟ أم الشهرة؟ إن التاريخ يشهد بأنهم لم
يستعبدهم المال ولا الشهرة، وقد قيل أنه لم ير السلاطين والملوك والأغنياء فى مجلس أحقر منهم فى مجلس الأعمش، مع شدة حاجته وفقره(
)0

وهل يبلغ الحمق، والغباوة بهم، أن يبيعوا دينهم، وسمعتهم بين المسلمين، وهم لا يطمعون فى مال ولا جاه ولا منصب؟ أ0هـ0

ثالثاً : الجواب عن اتهام الملوك والأمراء الأمويين العباسيين، فى دينهم، ودعوى استغلالهم لعلماء المسلمين لوضع ما يثبت ملكهم :
حال الملوك والأمراء الأمويين والعباسيين من الدين :
يحرص أعداء الإسلام، والسنة المطهرة، أن يصوروا لنا الأمويين، والعباسيين، جماعة دنيويين ليس لهم هم إلا الفتح،
والاستعمار، والحقد على آل البيت، وأنهم كانوا فى حياتهم العادية جاهليين لا يمتون إلى تعاليم الإسلام وآدابه بصلة، وهذا افتراء على الواقع
والتاريخ فمن المسَّلم به أن ما بين أيدينا من نصوص التاريخ التى تمثل لنا العصر الأموى، والعباسى، لا تعدوا إلا أن تكون أخباراً تناقلتها
الألسنة دون تحقيق، وهى من وضع غلاة الشيعة، والروافض الذين أحدثوا الفتنة فى صفوف الأمة الإسلامية، منذ مقتل الفاروق عمر، فعثمان،
فعلى،  استمراراً بصراعهم مع الأمويين والعباسيين، فهؤلاء الرافضة هم الذين ناصبهم الأمويون، والعباسيون العداء، وحاربوهم، تماماً كما
حاربهم الإمام علىّ 0

وما ناصبوا العداء يوماً قط لآل البيت  وإنما هى الفتنة التى كان يشعلها الرافضة بين آل البيت، وبين أمية وبنى العباس، على
مر التاريخ0
ومن هنا فلا يصح الاعتماد بدون تمحيص على كتب الأخبار والتاريخ فيما يتعلق بالأمويين والعباسيين( )0

يقول الدكتور محمد مظهر صديقى : "لأنها كتبت فى الأمصار العراقية، وبخاصة فى الكوفة والبصرة وبغداد - بيئة الفتنة والرافضة، ولم تنج من
تعصب المؤلفين ورواة الأخبار الذين لم يبتعد أكثرهم عن العصبية بكافة أنواعها"( )0

يقول الدكتور السباعى : "هذا شئ، وشئ آخر أنه حتى فى هذه الحالة فإنا نجد نصوصاً كثيرة تكذب أعداء السنة فيما رموا به
أمراء الأمويين، والعباسيين، من إنحراف عن

الإسلام وتحدٍّ لأحكامه، فابن سعد، يروى لنا فى طبقاته، عن نُسك، عبد الملك، وتقواه، قبل الخلافة، ما جعل الناس يلقبونه بحمامة المسجد،
حتى لقد سئل بن عمر  أرأيت، إذا تفانى أصحاب رسول الله  من نسأل؟ فأجابهم : سلوا هذا الفتى وأشار إلى عبد الملك( )0

وهذا مالك  قد احتج بقضاء عبد الملك بن مروان فى موطأه وأبرزه فى جملة قواعد الشريعة( )0 أما أبوه مروان بن الحكم فأقضيته وفتاواه
كثيرة فى الموطأ( )،وفى الصحيح عن عبد الله بن دينار قال : شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك ابن مروان كتب : إنى أقر
بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين، على سنة الله، وسنة رسوله ، ما استطعت، وإن بنى قد أقروا بمثل ذلك( )0

وقل مثل ذلك فى الوليد بن عبد الملك، فلقد أنشئت فى عصره أكثر المساجد المعروفة اليوم، حتى كان عصره للمسلمين عصراً
عمرانياً، وقل مثل ذلك فى بقية الخلفاء بما فيهم يزيد ابن معاوية  الذى اتهم كذباً وزوراً بأكاذيب من صنع الرافضة0

ولا ندرى كيف يتهم بالفسق من شهد له رسول الله ، له بالخير والمغفرة، فى قوله  "… وأول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور
له"؟( ) وكان هذا الجيش هو جيش يزيد بن معاوية – وكان أميراً عليه فى غزوة القسطنطينية( )0
وكيف يعهد له أبوه (معاوية)  بالخلافة "وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق0 حاشا الله معاوية من ذلك"( )0

وكيف يصح وصف يزيد بالفسق وهو يحدث نفسه إن ولى الإمارة أن يسير على سيرة الفاروق عمر  لما قال له أبوه : كيف تراك فاعلاً إن
وليت؟ قال : كنت والله يا أبة عاملاً فيهم عمل عمر بن الخطاب0 فقال معاوية : سبحان الله يا بنى، والله لقد جهدت على سيرة عثمان فما
أطقتها، فكيف بك وسيرة عمر؟ ( )0

ويقول العلامة ابن خلدون مدافعاً عن أمراء الدولة الأموية قائلاً : "… وإن كانوا ملوكاً فلم يكن مذهبهم فى الملك مذهب أهل
البطالة، والبغى، إنما كانوا متحرين لمقاصد الحق جهدهم، إلا فى ضرورة تحملهم على بعضها، مثل خشية افتراق الكلمة الذى هو أهم لديهم
من كل مقصد0 يشهد لذلك ما كانوا عليه من الاتباع والاقتداء، وما علم السلف من أحوالهم ومقاصدهم0 فقد احتج مالك فى الموطأ بعمل عبد
الملك، وأما مروان فكان فى الطبقة الأولى من التابعين، وعدالتهم معروفة ثم تدرج الأمر فى ولد عبد الملك وكانوا من الدين بالمكان الذى
كانوا فيه"( )0

ويقول أيضاً مدافعاً عن أمراء الدولة الأموية والعباسية معاً فى معرض دفاعه عن أخذ معاوية البيعة لابنه يزيد : "ثم إنه وقع مثل ذلك من بعد
معاوية من الخلفاء الذين كانوا يتحرون الحق ويعملون به مثل عبد الملك، وسليمان، من بنى أمية، والسفاح، والمنصور، والمهدى، والرشيد
من بنى العباس، وأمثالهم ممن عرفت عدالتهم، وحسن رأيهم للمسلمين، والنظر لهم، ولا يعاب عليهم إيثار أبنائهم وإخوانهم، وخروجهم عن
سنن الخلفاء الأربعة فى ذلك، فشأنهم غير شأن أولئك الخلفاء، فإنهم كانوا على حين لم تحدث طبيعة الملك وكان الوازع دينياً( )، وهى حفظ
وحدة المسلمين، وإنه لفى رواية الإمام مالك فى موطأه لأمراء بنى أمية مثل عبد الملك بن مروان وأبوه مروان، وجمعه لموطأه فى أيام بنى
العباس، والدولة لهم، والحكم بأيديهم، لأكبر دليل على أنه لم يكن هناك صراع بين بنى أمية وبنى العباس، وإنما كان الصراع بينهم وبين أعداء
الإسلام على مر التاريخ من الرافضة والزنادقة0

وحتى لو فرض أنه كان هناك صراع، فلم يكن لهذا الصراع أى تأثير على علماء المسلمين فيما يحفظون، ويدونون من حديث رسول الله  وإلا
فلِمَ لم يغير وينكر أمراء بنى العباس ما فى الموطأ؟

وأين ما زعمه أعداء الإسلام من استغلالهم لعلماء المسلمين فى وضع ما يوافق رغباتهم؟ نعم كان هناك من يتقرب إلى الملوك والأمراء
بوضع ما يوافق فعلهم، ولكن هؤلاء الأدعياء لم يكونوا يمتون إلى العلم بصلة، وهم غير العلماء الذين نهضوا لجمع الحديث وتدوينه ونقده،
وفى نفس الوقت لم يغفل الأمراء عن كذبهم كما حدث من غياث بن إبراهيم النخعى( ) مع الخليفة المهدى العباسى( )لما رآه يلعب بالحمام
فحدثه بحديث أبى هريرة  : "لا سبق إلا فى خف أو نصل أو حافر" وزاد فيه : "أو جناح" فأمر المهدى بعشرة آلاف درهم، فلما قام قال المهدى
: أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله ، وإنما استجلبت ذلك أنا فأمر بذبح الحمام فذبحت0

يقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله تعالى - :"لم يكن المهدى مغفلاً ولا جاهلاً، بل كان عاقلاً عالماً، من الملوك
الذين ينشأون فى العلم الذى هو شرط من شروط الولاية، فعامل المتزلف إليه بجود الملوك، وأراد قطع السبب الذى تزلف به الكذاب، وفطم
نفسه عن التعلق بالحمام فذبحها - ولم يأت فى الخبر أنه طرحها - ولم ينتفع بها آكل، ومثل هذا لا يغيب عن مثل الخليفة المهدى العالم( )0
الذى نكل بالزنادقة أيما تنكيل أيام دولته، وعين لهم رجلاً سماه "صاحب الزنادقة" وكل إليه أمر إبادتهم والقضاء عليهم وأمر الجدليين من أهل
البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب فى الرد على الملحدين، وإقامة البراهين على المعاندين وإيضاح الحق للشاكيِّن، وأوصى ابنه الهادى بالعمل
على إبادة الزنادقة، وشرح له أمرهم، وسوء نيتهم نحو الإسلام والمسلمين، وجاء عنه أنه قال : "والله لئن عشت لأقتلن هذه الفرقة كلها حتى
لا أترك منها عيناً تطرف" وقد أنفذ الهادى وصية أبيه بكل أمانة"( )0

وخلاصـة القول : أن ما وقع من وضع فى السنة أيام الأمويين والعباسيين، وقع من غلاة الشيعة الرافضة، والزنادقة، وغيرهم
ممن لا يمتون إلى العلم بصلة، وأمثال هؤلاء هم الذين كانوا فى صراع دائم مع الدولة الأموية، والعباسية، أما ما يزعمه أعداء الإسلام،
والسنة المطهرة، بأن الوضع وقع من العلماء الذين دأبوا على نشر السنة المطهرة، وحفظها وتنقيتها أمثال الزهرى، والأوزاعى، والثورى،
وابن حنبل، والبخارى، وغيرهم من رواة السنة، فذلك كذب وافتراء يرده تاريخنا الإسلامى السالم من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل
الجاهلين0

رابعاً:الجواب عن طعن أعداء السنة فى أحاديث طاعة أولى الأمر،وأحاديث الفتن
ما زعمه أعداء السنة من أن أحاديث طاعة أولى الأمر، وأحاديث اجتناب الفتن وضعها أهل الحديث لتثبيت أنظمة الحكم، فتلك دعوى يردها النقل
والنظر0

يقول الأستاذ الصديق بشير : "فأما النقل : فإن الأحاديث التى ذكروها - ومعظمها فى الصحيحين اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب
الله  وهى تدعو إلى طاعة الحكام والأمراء، وتدعوا إلى اجتناب الفتن، والنجاة من شرورها، ويظن أنها وضعت من أجل تثبيت الحكام، إما
بطاعتهم، أو باعتزال الأمر وتركه، فهذه الأحاديث لو افترضنا جدلاً صحة ادعائهم، فالقرآن الكريم يؤكدها ويصدقها، قال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ( ) ووجوب طاعة ولى الأمر بطاعته لله ورسوله، وقول تعالى : ذاماً الفتن ومحذراً من
الارتكاس فيها وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً( )0 وقال تعالى : وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ( )0 وكون الفتنة أشد من القتل لأن
شرورها لا تنقطع كالنار لا تبقى على شئ0 فهذا إذن أكبر دليل على أن مجموع تلك الأحاديث التى تحض على الطاعة، وتجنب الفتن سبقت
الخلافات والنزاع حول الحكم0

وأما النظر : فإنه يكذب هذا الادعاء، لأن اجتماع الفقهاء أو أهل الحديث أو جمعيهم على وضع هذه المبادئ كما يسميها"
جولدتسيهر" ويقول بها الرافضة، ومن قال بقولهم0لا يمكن أن يتحقق، واجتماعهم على الكذب على الرسول  لا يتأتى0 ففى زمن بنى أمية
كان هناك كثير من الصحابة أمثال : أنس بن مالك (ت93هـ)، وعبد الله بن عمر (ت 73هـ)، وعبدالله ابن عباس (ت 68هـ)، وأبو هريرة
(ت 59هـ)، وعبد الله بن عمرو (ت 65هـ)، والنعمان بن بشير (ت 64هـ)0

وكان هناك عدد كبير من الفقهاء والأعلام أمثال : سعيد بن المسيب (ت 91هـ)، وعروة بن الزبير (ت 94هـ)، وخارجة بن
زيد (ت 100هـ) وبقية الفقهاء السبعة المشهورون0 وأمثال : سالم بن عبد الله (ت 106هـ)، والشعبى (ت 105هـ)، وابن سيرين
(110هـ)، وهذه الدولة العباسية بدأت بخلافة أبى العباس السفاح سنة (132هـ)، وكان ممن حضر قيامها من أئمة الفقهاء ربيعة الرأى (ت
134هـ)، وعطاء الخراسانى (ت 135هـ) والأوزاعى (ت 157هـ)، وأئمة المذاهب الأربعة0

فهل من الممكن أن يتفق أمثال هؤلاء – وهم من هم فى الورع والعلم – على تثبيت نظام من الأنظمة، ودعوة الناس إلى
مؤازرته والخضوع له، ولو أدى بهم ذلك إلى اختلاق الأحاديث، لتأكيد هذه الدعوة، وكأنهم شرذمة من المتآمرين؟! وإذا صح لغيرهم أن يفعلوا
ذلك، فهل يرضى هؤلاء بذلك، وهم يعلمون أنه خطر يهدد الإسلام، وأن السكوت عليه خيانة للمسلمين؟!
وكيف ترضى الفرق الأخرى التى تنازع نظام الحكم القائم بهذا الصنيع وهى تعلم أنه دس واختلاق؟! والعقل يقول : إنه لو أحس
هؤلاء بأن تلك الأحاديث موضوعة لغرض تثبيت نظام الحكم الذى ينازعونه لشنعوا بذلك أيمَّا تشنيع، ولشهَّروا بواضيعها أيما تشهير، ولكن هذا
لم يوجد؛ لأنه لم يصح إلا فى ذهن الرافضة وجولدتسهير، ومن تبعهم فى ملتهم من أبناء جلدتنا0 وكيف فاتهم أن عصر بنى أمية وبنى العباس
لم يخل من علماء نقد الحديث، وهم علماء الجرح والتعديل أمثال : شعبة بن الحجاج (ت 159هـ)، وسفيان الثورى (ت 161هـ)، وعبد
الرحمن بن مهدى (ت 198هـ)، ويحيى بن سعيد القطان (ت 198هـ)، وهم وغيرهم الذين غربلوا الحديث، وحذفوا الموضوعات
وأظهروها، فهل غابت عنهم تلك الأحاديث التى ذكرها أعداء الإسلام، ومعظمها فى الصحيحين، حتى يأتى أدعياء العلم فى آخر الزمان ليبينوا
لنا أنها موضوعة؟!

ثم ما المنهج الذى اتبعوه فى النقد؟ ليس ثمة منهج إلا مجموعة أفكار فاسدة وهواجس تعشعش فى أذهانهم، ولو افترضنا أن أعداء الإسلام لا
يقصدون أنهم وضعوا هذه الأحاديث، أى اختلقوها فإن مجرد تسخيرهم لها لتثبيت دعائم الحكم الأموى مرة، والحكم العباسى مرة أخرى، مسبة
أيضاً، وفرية لا يقولها عاقل!

كما أن إشاعة هذه الأحاديث النبوية مصلحة للناس قبل أن تكون مصلحة للحكام؛ لأنه فى أغلب الفتن لا يتأذى بويلاتها إلا الناس،
ولا يبلغ الحكام إلا دخانها، وفى الفتن تختلط الأمور وتتداخل، فيدعى كل طرف فيها أنه على حق، وأن غيره على باطل، ومن لم يتبين أى
الأطراف على حق، كان أولى به أن يعتزل الفتن، وهو الصواب0

كما أن هذا الدين الحنيف جاء داعياً إلى التكتل والجماعة، وحذر من الفرقة والانقسام لأن هلاك المسلمين فى تفرقهم شيعاً
وأحزاباً، يقول تبارك وتعالى : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ( ) ويقول : إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ
( ) ويقول : وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ( )0
والأحاديث النبوية التى تدعوا إلى الجماعة، وعدم الخروج عنها توضح هذه الحقيقة القرآنية، حقيقة أن فساد أمر المسلمين
بافتراقهم، وهى حقيقة يعيها جيداً أعداء الإسلام، إلاَّ أنهم يتجاهلون هذه الحقيقة ليزعموا أن هذه الأحاديث موضوعة، لخدمة الحكام، وذلك







 
قديم 06-03-08, 05:03 AM   رقم المشاركة : 10
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


بعدم دفع المسلمين إلى الخروج على الحكام ولو كانوا جائرين، وتجاهلوا أن : من عقيدة المسلمين عدم الخروج على السلطان لجور أو ظلم ما
لم يأمر بمعصية0

يقول الإمام الطحاوى فى عقيدته : "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى
طاعتهم من طاعة الله  فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة"( )0

ويقول شارح العقيدة الطحاوية : "فقد دل الكتاب، والسنة على وجوب طاعة أولى الأمر ما لم يأمروا بمعصية، فتأمل قوله تعالى :
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ( ) كيف قال : وأطيعوا الرسول، ولم يقل : وأطيعوا أولى الأمر منكم! لأن أولى الأمر لا
يفردون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله، وأعاد الفعل مع الرسول؛ لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر
بغـير طاعة الله، بل هو معصوم فى ذلك، وأما ولى الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله 0
وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا؛ فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم( ) وقل من
خرج على إمام إلا كان ما تولد عن فعله من الشر أعظم ما تولد من الخير، يقول ابن تيمية فى حكم قتل الأئمة والخروج عليهم : "إن من قال :
إن قتلهم حد، قال : إن جنايتهم؛ توجب من الفتنة، والفساد أكثر مما يوجبه جناية بعض قطاع الطريق لأخذ المال"( )0

وأخيـراً : بماذا يفسر أعداء الإسلام، ما رواه من طعنوا فيهم من المحدثين، من أحاديث مثل قوله :"إن من أعظم الجهاد كلمة
عدل عند سلطان جائر"( )،ومثل قوله  : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف
الإيمان"( )0 ومثل قوله  : "على المرء المسلم السمع والطاعة، فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"(
) وعن عبادة بن الصامت  قال : "بايعنا رسول الله  على السمع والطاعة فى العسر واليسر : والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن
لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف فى الله لومة لائم"( )0

ماذا يقول أعداء الإسلام فى هذه الأحاديث التى ظاهرها مجابهة السلطان إذا أمر بالمعاصى، أو استحلها، أو عطل حداً من حدود الله؟!

إن الذين رووا هذه الأحاديث، هم أنفسهم الذين رووا تلك الأحاديث التى ينكرونها، فكيف لهم الخروج من هذه الورطة التى أوقعوا
أنفسهم فيها؟ إن طاعة ولى الأمر ليست على الإطلاق، بل هى مقيدة بطاعته لله ورسوله، تلك الطاعة التى لا تكون إلا بإقامة حكم الله فى
الناس0
وهذا يبين أنه ليس ثمة مصلحة لهؤلاء المحدثين، والفقهاء، إلا خدمة هذا الدين، وليسوا أداة فى أيدى الحكام يسخرونها متى شاؤوا وكيف
شاؤوا( )0

بل كانوا حفظة الشريعة وحراس الأرض، ولولاهم لدرس الإسلام، فهم فرسان هذا الدين الذين وقفوا بالمرصاد لحركة الوضاعين من أعداء
الإسلام، وأسفر صمودهم عن أدق منهج، وأحكمه فى نقد الروايات وتمحيصها، والتمييز بين غثها وسمينها، فأبلوا فى ذلك أحسن البلاء وبرزوا
فى هذا المضمار، واستحدثوا فيه العلوم وقعدوها، وضبطوها وأَصَّلوها، وجاؤوا بالعجب العجاب فى حفظ السنة المطهرة( )0 فكانوا آية تصدق
آية إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( ) أ0هـ0
والله تبــارك وتعالــى
أعلـى وأعلـم


5عمر يقول مازلت اتصدق، وأصوم، وأصلى، وأعتق من الذى صنعت يومئذٍ مخافة كلامى الذى تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً"( )0

وعند الواقدى( ) من حديث ابن عباس -رضى الله عنهما- "قال عمر لقد اعتقت بسبب ذلك رقاباً وصمت دهراً"( ) ويقول  مبيناً
ندمه على عدم رضائه عن الصلح ابتداءً، ثم امتثاله لأمر النبى  قال : "يا أيها الناس : اتهموا الرأى على الدين، فلقد رأيتنى أرد أمر رسول
الله  برأيى اجتهاداً، فوالله ما آلوا عن الحق، وذلك يوم أبى جندل( ) والكتاب بين يدى رسول الله  وأهل مكة، فقال : اكتبوا بسم الله الرحمن
الرحيم" فقالوا : ترانا قد صدقناك بما تقول؟ ولكنك تكتب كما كنت تكتب - : باسمك اللهم0 فرضى رسول الله وأبيت عليهم، حتى قال لى رسول
الله  : "ترانى أرضى، وتأبى أنت"؟ فرضيت"( )0

يقول الحافظ ابن حجر : "وإلا فجميع ما صدر منه كان معذوراً فيه بل هو مأجور لأنه مجتهد فيه" وقد غفر الله  له، ولمن
شهدوا بيعه الرضوان يوم الحديبية قال تعالى : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا( )0
وشهد لهم رسول الله  بالخيرية : فعن جابر  قال : كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فقال لنا النبى  : "أنتم اليوم خير أهل
الأرض"( )0

وشهد لهم بالجنة فقال  : "لا يدخل النار، إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحدٌ الذين بايعوا تحتها" قالت (حفصة)( ) بلى يا
رسول الله! فانتهرها0 فقالت حفصة : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا( ) فقال النبى  قد قال  : ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا( )0

ففى الأحاديث السابقة وغيرها مما ذكرها أهل الأصول دليل على وقوع الاجتهاد من الصحابة  بما فيهم الإمام على بن أبى طالب
 زمن النبوة بحضرته وغيبته  فى المصالح الدنيوية والعبادات أيضاً( )0

ومن المعلوم أن اجتهادهم  بحضرته وغيبته  يصير حجة وشرعاً ويتعبد به بإقراره  لا بمجرد اجتهادهم( )0


وإن لم يقره  أو لم يبلغه اجتهادهم كان اجتهادهم فيه الخلاف المعروف فى قول الصحابى( )0 اللهم إلا إذا قال أحدهم قولاً لا
يقال من قبل الرأى، ولا مجال للاجتهاد فيه فحكمه الرفع، على ما هو مقرر عند الأصوليين والمحدثين( )0

وكذا إذا اجتهدوا فى شىء، وأجمعوا عليه، فيصير حجة بلا خلاف حتى يكفر جاحده( )0 وهذا الاجتهاد من الصحابة زمن النبوة
وإقرار النبى  لهم، قد أقرهم رب العزة عليه، ولم يبين أنهم قد اخطأوا فيه، مع أن الزمان كان زمان وحى0 فلو كانوا فى عملهم هذا
مخطئين : لما أقرهم الله تعالى عليه، لأن تقريره تعالى فى زمان الوحى حجة بمثابة الوحى المنزل( )0

فكان اجتهادهم حجة وسنة يعمل بها ويرجع إليها( )، ولِمَ لا وقد قرن  سنتهم بسنته فى وجوب الاتباع فى قوله  : "عليكم
بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى"( ) وقال : "اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر"( ) وعلى ذلك سلف الأمة من الصحابة(
) والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين( )0
وبالجملة فما سنه الخلفاء الراشدون أو أحدهم للأمة فهو حجة لا يجوز العدول عنها، فأين هذا من قول غلاة الشيعة أن الخلفاء
الراشدين وأتباعهم من بقية الصحابة باستثناء -الإمام على وشيعته- يجتهدون ويقدمون رأيهم على سنة رسول الله ( )، كيف وقد تقدم عنهم
جميعاً تعظيمهم لحديث رسول الله  وتحكيمه فى كل شأن من شئون حياتهم، وزجرهم، وهجرهم من لم يعظم قوله  وقد تواتر من شيمهم
أنهم كانوا يطلبون حكم الواقعة من كتاب الله ، فإن لم يصادفوه فتشوا فى سنن رسول الله ، فإن لم يجدوها تشاوروا، ورجعوا إلى الرأى عند
الاضطرار حيث لا يوجد منه بد، ولم يلزموا أحداً العمل به، ولم يحرموا مخالفته، ولا جعلوا مخالفه مخالفاً للدين، بل غايته أنهم خيروا بين
قبوله ورده0

فعن عمر  أنه لقى رجلاً فقال : ما صنعت؟ قال قضى علىٌّ وزيد بكذا، قال:لو كنت أنا لقضيت بكذا،قال،فما منعنك والأمر إليك؟ قال:لو كنت
أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة نبيه  لفعلت، ولكنى أردك إلى رأى،والرأى مشترك،فلم ينقض ما قال على وزيد"( )0

وإذا ظهر لهم النص مع اجتهادهم رجعوا إليه وتركوا رأيهم، يدل على ذلك : ما روى أن عمر  كان يقول : "الدية للعاقلة،
ولا ترث المرأة من دية زوجها" حتى أخبره الضحاك بن سفيان( )، أن رسول الله  كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابى من ديته، فرجع إليه
عمر"( )0 وروى عنه أنه جاء إليه رجل من ثـقيف فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت يوم النحر، ألها أن تنفر؟ فقال عمر لا،
فقال له الثـقفى: إن رسول الله  أفتانى فى مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت به، فقام إليه عمر يضربه بالدرة، ويقول له : لم تستفتنى فى شئ قد
أفتى فيه رسول الله ( )؟ وغير ذلك من الأحاديث الواردة عن عمر وغيره من الصحابة( )0
وعلى ذلك إجماع الأمة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين، قال عمر ابن عبد العزيز: "لا رأى لأحد مع سنة
سنها رسول الله "( )0

وقال الشافعى : أجمع الناس على أن من استبانت له سنة عن رسول الله  لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس"( )0

وبعد : فقد تحقق لك جواز الاجتهاد من الصحابة  فى عصر النبوة المباركة، وبعده واتفاق الأمة منذ زمن الصحابة  -إلى
يومنا هذا- ولم ينكر أصل الاجتهاد واحد من الصحابة بما فيهم الإمام على بن أبى طالب ، وإنما كانوا يتناظرون فى الذب عن وجوه الاجتهاد
والدعاء إلى غيرها من الاجتهاد( )0

وإذا كانت الوقائع التى جرت فيها فتاوى علماء الصحابة، وأقضيتهم لا يحصرها عد، ولا يحويها حد حيث كانوا قايسين فى قريب
من مائة سنة( )0

إذا تقرر كل ذلك بطل ما يذهب إليه غلاة الشيعة من الطعن فى الصحابة باجتهادهم زمن النبوة المباركة وبعده، وبطل ما يزعمونه من أن
الصحابة طائفتان فى تعاملهم مع السنة المطهرة0 طائفة التعبد المحض -ويعنون بهم الإمام على وشيعته، وطائفة الاجتهاد، والأخذ بالرأى
وترك السنة- ويعنون بهم أهل السنة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون0
فهذا التقسيم محض كذب، من رافضة امتلأت قلوبهم حقداً وبغضاً على سلف هذه الأمة من صحابة رسول الله  وعلى من صار على دربهم
من أهل السنة 0

وبالجملة "من طعن فى السلف من نفاة القياس لاحتجاجهم بالرأى فى الأحكام فكلامه كما قال الله تعالى : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ
يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا( )0

الصحابة  والنهى عن كثرة التحديث :
بقى من شبهه (النهى عن كتابة السنة) ما زعمه بعض دعاة الفتنة( )-ومن تأثر بهم من المسلمين( ) من أن امتناع بعض
الصحابة عن التحديث ونهى كبار الصحابة عن الإكثار من التحديث دليل على عدم حجية السنة0

ومما استدلوا به على ذلك الآثار الآتية :
1- ما روى من مراسيل ابن أبى مُلَيْكَةَ( ) قال:إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم  فقال : إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث
تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله، وحرموا
حرامه( )0
2- وما روى عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف( ) قال : والله مامات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم
من الآفاق،عبدالله بن حذيفة( )،وأبا الدرداء( )، وأبا ذر( )، وعقبة بن عامر( )، فقال ما هذه الأحاديث التى أفشيتم عن رسول الله فى الآفاق؟
قالوا : تنهانا؟ قال لا، أقيموا عندى، لا والله لا تفارقوننى ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ منكم، ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات( )0 وعنه من
رواية أخرى : قال بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود، وأبى الدرداء وأبى مسعود الأنصارى( ) فقال ما هذا الحديث الذى تكثرون
عن رسول الله  فحبسهم بالمدينة حتى استشهد لفظهم سواء( ) 0
3- وروى عن السائب بن يزيد( ) قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبى هريرة : لتتركن الحديث عن الأول، أو لألحقنك بأرض
دوس، وقال لكعب الأحبار( ) : لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة"( )، وعنه من طريق آخر قال : أرسلنى عثمان بن عفان إلى
أبى هريرة فقال : قل له يقول لك أمير المؤمنين : ما هذا الحديث عن رسول الله  ... بنحو الرواية السابقة( )0
4- وروى عن قرظة ابن كعب قال( ) : بعث عمر بن الخطاب رهطاً من الأنصار إلى الكوفة، فبعثنى معهم، فجعل يمشى معنا حتى
أتى صرار( )-وصرار : ماء فى طريق المدينة- فجعل ينفض الغبار عن رجليه، ثم قال : إنكم تأتون الكوفة، فتأتون قوماً لهم أزيز( ) بالقرآن،
فيأتونكم فيقولون قدم أصحاب محمد ، قدم أصحاب محمد ، فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فأعلموا أن أسبغ الوضوء ثلاث، وثنتان
تجزيان، ثم قال: إنكم تأتون الكوفة، فتأتون قوماً لهم أزيز بالقرآن فيقولون : قدم أصحاب محمد ، قدم أصحاب محمد ، فيأتونكم فيسألونكم
عن الحديث، فأقلوا الرواية عن رسول الله  وأنا شريككم فيه0 قال قرظة : وإن كنت لأجلس فى القوم فيذكرون الحديث عن رسول الله ، وإنى
لمن أحفظهم له، فإذا ذكرت وصية عمر سكت0 قال أبو محمد (الإمام الحافظ الدارمى) معناه عندى : الحديث عن أيام رسول الله  ليس السنن
والفرائض"( )0

وفى رواية : "إنكم تأتون أهل قرية لهم دوى بالقرآن كدوى النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جودوا القرآن،
وأقلوا الرواية عن رسول الله  امضوا وأنا شريككم، فلما قدم قرظة، قالوا حدثنا قال : نهانا عمر بن الخطاب"( )0

5- وروى عن عثمان بن عفان( )  قال : "لا يحل لأحد يروى حديثاً لم يسمع به فى عهد أبى بكر ولا فى عهد عمر، فإنه لا
يمنعنى أن أحدث عن رسول الله أن لا أكون من أوعى أصحابى، إلا أنى سمعته يقول : من قال على فقد تبوأ مقعده من النار"( )، وغير ذلك من
الآثار الواردة عن بعض الصحابة فى التقليل من الرواية، وسيأتى بعضها فى الإجابة على هذه الشبهة0
الجواب عن شبهة نهى الصحابة عن الإكثار من الرواية، وامتناع بعضهم عن كثرة التحديث دليل على عدم حجية السنة

بالآثار السابقة، وغيرها، احتج قديماً كما قال الحافظ ابن عبد البر، بعض من لا علم له ولا معرفة من أهل البدع وغيرهم
الطاعنين فى السنن، وجعلوا ذلك ذريعة إلى الزهد فى سنن رسول الله  التى لا يوصل إلى مراد كتاب الله إلا بها، والطعن على أهلها( )0

وتابع على ذلك حديثاً ذيولهم من المستشرقين، وغلاة الشيعة، ودعاة اللادينية، وجعلوا ذلك ذريعة إلى عدم حجية السنة النبوية0

ولو صدق هؤلاء القوم فى ادعائهم المنهجية، والنزاهة فى البحث العلمى، لبينوا للقارئ عناوين الأبواب التى نقلوا منها الآثار
السابقة فى مصادرها الحديثية، فلو فعلوا ذلك لتبين للقارئ لهم، بطلان دعواهم وما فهموه من هذه الآثار، حيث أن عناوين الأبواب الواردة
فيها، مشتملة على علة، وفقه هذه الآثار، التى تفحمهم وتدحض دعواهم0

فانظر : إلى الحافظ ابن عبد البر يذكر بعض هذه الآثار فى جامع بيان العلم فى باب عنوانه : "ذكر من ذم الإكثار من الحديث دون التفهم
والتفقه فيه"( ) وتأمل "دون التفهم والتفقه فيه"0
والحاكم فى المستدرك يذكر بعضها فى كتاب العلم فى باب عنوانه "أمر عمر  بتجريد القرآن وتقليل الرواية"( )، وتأمل "تجريد القرآن" وهو
فقه مستنبط من صريح قول عمر بن الخطاب 0

والإمام ابن ماجة فى سننه يذكر بعضهافى باب "التوقى فى الحديث عن رسول الله ( )، والدارمى فى باب "من هاب الفتيا مخافة السقط"( )،
وباب "اتقاء الحديث عن النبى  والتثبت فيه"( )0
والهيثمى فى مجمع الزوائد باب "الإمساك عن بعض الحديث"( ) وباب "التثبت والإمساك عن بعض الحديث وبعض الفتيا"( )0

ولو تأملنا فى عناوين الأبواب السابقة، الواردة فيها الآثار، التى استشهد بها المشاغبون على عدم حجية السنة، لوجدنا تلك
العناوين، مطابقة تماماً، لحكمة النهى عن الإكثار من التحديث، وهذا ما سيظهر جلياً الآن بإذن الله تعالى0

وبالرغم من ضعف بعض الآثار السابقة كما سبق، إلا أنه مع ضعفها حجة لنا لا علينا، فلا حجة لأعداء السنة، فى الآثار
التى استشهدوا بها، ولا دليل فيها على ما ذهبوا إليه، لأنها اشتملت على الوجوه والأسباب التى من أجلها، امتنع بعض الصحابة عن التحديث،
ونهوا عن الإكثار منه، وتلك الوجوه والأسباب هى :
أولاً : خوف الخطأ أو الزيادة والنقصان فى حديث النبى  والدخول فى وعيد النبى  الوارد فى قوله  "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من
النار"( ) وبذلك صرحت الآثار الواردة عمن امتنع عن التحديث أو لم يكثر منه0

فعن أنس بن مالك  قال : "إنه ليمنعنى أن أحدثكم حديثاً كثيراً أن النبى  قال : "من تعمد على كذباً فليتبوأ مقعده من النار"( )0

وفى رواية أخرى عنه قال : "لولا أنى أخشى أن أخطئ لحدثتكم بأشياء سمعتها من رسول الله  أو قالها رسول الله  وذاك أنى
سمعته يقول : "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"( )0

وعن عبد الله بن الزبير( ) قال : قلت للزبير( ) : إنى لا أسمعك تحدث عن رسول الله  كما يحدث فلان وفلان0 قال : أما إنى لم
أفارقه، ولكن سمعته يقول : "من كذب على فليتبوأ مقعده من النار"( )0

وعن دُجَيْنُ أبى الغُصْن( ) قال:دخلت المدينة فلقيت أسلم( ) -مولى عمر بن الخطاب- فقلت : "حدثنى عن عمر، فقال : لا
استطيع أخاف أن أزيد أو أن أنقص، كنا إذا قلنا لعمر حدثنا عن رسول الله  قال : أخاف أن أزيد أو أن انقض؛ إن رسول الله  قال: من كذب
علىّ، فهو فى النار"( )0

وعلى هذا يحمل ما ورد عن ابن مسعود  من هيبة التحديث عن رسول الله ( )، وهكذا أمسك بعض الصحابة عن كثرة التحديث
خوفاً من الخطأ أو الزيادة والنقصان فى الرواية عن الرسول 0

وإذا كان الإكثار من التحديث مظنة الخطأ بخلاف الإقلال، فالضبط فيه أكثر، فإن هذا لا يمنع من وجود بعض المكثرين المتميزين
بالاتقان والدقة مع إكثارهم كأبى هريرة  ولذلك أذن له عمر-وهو أشهر المتشددين-بالرواية لثقته بتثبته وأمانته يدل على ذلك قول أبى
هريرة : بلغ عمر حديثى فأرسل إلىَّ فقال : "كنت معنا يوم كنا مع رسول الله  فى بيت فلان"؟ قال : قلت نعم، وقد علمت لِمَ تسألنى عن ذلك؟
قال : ولم سألتك؟ قلت إن رسول الله  قال يومئذ : "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، قال : أما إذا فاذهب فحدث"( )0
وما أنكر عليه عمر، إنما كان من حديثه عن "الأول"( )، أى أهل الكتاب، أو الحديث عن بدء الخليقة، ونحوه مما لا يترتب عليه
عمل( )0 ولهذا الأمر نفسه كان نهى عمر لكعب الأحبار -رحمه الله-0

فبطل بذلك ما ادعاه محمود أبو رية، وعبد الحسين شرف الدين، من مفتريات على أبى هريرة من أن عمر  ضربه بالدرة على
إكثاره( )0 وأن أبا هريرة لم يكن له شأن زمن النبوة ... ولم يستطع أن يفتح فاه بحديث عن النبى  إلا بعد موت عمر( )0

كما أنه لا معنى لما زعمه رشيد رضا وتابعه عليه أبو رية فى أنه لو طال عُمْرُ، عمر بن الخطاب حتى مات أبو هريرة لما وصلت إلينا تلك
الأحاديث الكثيرة عنه، ومنها 446 حديثاً فى البخارى ما عدا المكرر( )0

وما كان كبار الصحابة فى نهيهم عن الإكثار من الرواية بدعاً فى ذلك وإنما هم متبعون لأمر النبى  ولمنهجه فى الحفاظ على
رسالة الإسلام قرآناً وسنة0
وفى ذلك يقول أبو عبد الله الحاكم : "انكار عمر أمير المؤمنين على الصحابة كثرة الرواية عن رسول الله  فيه سنة"( ) والسنة هنا ما روى
عن أبى قتادة ؛ أنه قال: سمعت رسول الله  يقول على المنبر : "يا أيها الناس إياكم وكثرة الحديث عنى، فمن قال علىَّ فلا يقل إلا حقاً أو إلا
صدقاً ومن قال علىَّ ما لم أقل متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"( )0

وما روى عن عثمان بن عفان  أنه قال : "لا يحل لأحد يروى حديثاً لم يسمع به فى عهد أبى بكر ولا فى عهد عمر ... الحديث،
ومثل ذلك النهى عن معاوية  قال : "أيها الناس إياكم وأحاديث رسول الله  إلا حديثاً كان يذكر على عهد عمر  فإن عمر كان يخيف الناس
فى الله "( ) أى كان عمر  شديداً فى دين الله  يأمر بالتثبت فى النقل، فلا يحدث بشىء عن النبى  إلا بما تيقن من نسبته إليه  خشية
الوقوع فى الوعيد الوارد فى قوله  : "من حدث عنى حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"( )0
فقوله (يُرى) بضم الياء أى يظن، ويجوز فتحها أى يعلم، وفى (الكاذبين) روايتان (إحداهما) بفتح الباء على إرادة التثنية (والأخرى) بكسرها
على صيغة الجمع( )0

يقول الإمام النووى( ) "... فمن روى حديثاً علم أو ظن وضعه ولم يبين حال رواته ووضعه فهو داخل فى هذا الوعيد، مندرج فى جملة الكاذبين
على رسول الله "( )0

وكفى بهذه الجملة وعيداً شديداً فى حق من روى حديثاً، وهو يظن أنه كذب، فضلاً عن أن يتحقق ذلك، ولا يبينه؛ لأنه  جعل المحدث بذلك
مشاركاً لكاذبة فى وضعه"( )، وهذا ما كان يخشاه الصحابة وعلى رأسهم عمر  فكان نهيه عن الإكثار من الرواية إتباعاً لسنة النبى 
وخشية منه أن يتسع الناس فى الرواية فيقع الكذب والتدليس من المنافق، والفاجر، والأعرابى، فينسبون إلى النبى  ما لم يقله كما تنبأ بذلك
 بقوله  : "سيكون فى آخر أمتى أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم" وقال  : "يكون فى آخر الزمان دجالون
كذابون0 يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم0 فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم"0

وهذا من أسباب ترك التحديث عن الرسولكما قال ابن عباس-رضى الله عنهما- "إنا كنا نحدث عن رسول الله  إذ لم يكن يكذب
عليه0 فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه وهذا أيضاً ما جعل الصحابة  يأخذون من أحاديث النبى  إلا ما كان معروفاً زمن
أبى بكر وعمر -رضى الله عنهما- كما جاء من قول عثمان ومعاوية -رضى الله عنهما- حيث كان التثبت والاحتياط وعدم الكذب فى
زمانهما، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم يأخذ من الناس عن رسول الله  إلا ما يعرف، كما قال ابن عباس -رضى الله عنهما-:"إنا كنا
مرة إذا سمعنا رجلاً يقول:قال رسول الله  ابتدرته أبصارنا0 وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما
نعرف"( )0

وعلى الدرب الصحابة صار من بعدهم :
فعن الشعبى -رحمه الله- قال : "كره الصالحون الأولون الإكثار من الحديث، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما حدثت إلا بما أجمع عليه
أهل الحديث( )0

فقوم يحتاطون لسنة نبيهم  كما أمرهم، أتكون تلك الحيطة دليل على عظم شأن السنة فى نفوسهم، وحجيتها، أم دليل على عدم حجيتها،
واتخاذها ديناً عاماً دائماً كالقرآن؟
ثانياً : من الوجوه والأسباب التى كان الصحابة من أجلها يمتنعون أو ينهون عن الإكثار من التحديث، إذا كان المخاطبون بالأحاديث قوم حديثى
عهد بالإسلام ولم يكونوا قد أحصوا القرآن واتقنوه فيخافون عليهم الاشتغال عنه بالأحاديث قبل اتقانه هو أولاً إذ هو الأصل لكل علم( )0
ويشير إلى هذا السبب صراحة قول عمر  : "إنكم تأتون أهل قرية لهم دوى بالقرآن كدوى النحل فلا تصدوهم بالأحاديث
فتشغلوهم، جودوا القرآن" أى جودوا الأصل الأول، وهو القرآن، وابدؤا به أولاً، ولا تبدؤا بالأحاديث؛ فتشغلوهم عن إتقان القرآن0

ويدل على ذلك صراحة رواية الحاكم : "فلا تبدءونهم بالأحاديث فيشغلونكم جردوا القرآن وأقلوا الرواية"0

وعلى هذا المنهاج صار السلف الصالح من أئمة الحديث فكان كثير منهم لا يقبلون الطلاب فى حلقاتهم إلا إذا وثقوا من دراستهم
للقرآن الكريم، وحفظ بعضه على الأقل، وفى هذا يقول حفص بن غياث( ) : أتيت الأعمش فقلت : حدثنى، قال أتحفظ القرآن؟ قلت0 لا0 قال
اذهب فاحفظ القرآن، ثم هلم أحدثك0 قال فذهبت فحفظت القرآن، ثم جئته، فاستقرأنى، فقرأته، فحدثنى"( )0

أو يكون النهى متعلقاً بالأحاديث عن سيرة رسول الله ، وليس أحاديث السنن والفرائض كما قال الحافظ الدارمى معناه عندى : "
الحديث عن أيام رسول الله ، ليس السنن والفرائض"( )0

ويؤكد هذا قول عمر  : "أقلوا الرواية عن رسول الله  إلا فيما يعمل به"( ) أى أقلوا الرواية إلا فيما يترتب عليه عمل شرعى،
فيدخل فى ذلك جميع الأحكام والآداب وغيرها، ولا يخرج إلا القصص ونحوه، فاستحب  الإقلال من القصص ونحوه، ولم يمنع من الإكثار فيما
فيه عمل0 أما تعليق محمود أبو رية على هذا الأثر وقوله : "فيما يعمل به" أى أى السنة العملية"( )0

فإن أراد السنة العملية المتواترة، فلا يخفى بطلانه، لأن هذا اصطلاح محدث( )0 ويؤيد ما سبق، ما روى عن أبى موسى أنه قال حين قدم
البصرة : "بعثنى إليكم عمر بن الخطاب أعلمكم كتاب ربكم، وسنتكم، وأنظف طرقكم"( )0

ثالثاً : من الأسباب التى كان الصحابة يمتنعون أو ينهون من أجلها عن الإكثار من التحديث، خوفهم الاشتغال بكثرة الحديث عن تدبره وتفهمه،
لأن المكثر لا تكاد تراه إلا غير متدبر ولا متفقه( )0

وهذا ما وقع فيه أهل البدع والأهواء المنكرين لحجية السنة قديماً، وحديثاً، أخذوا بظاهر تلك الآثار بدون تفقه، وتدبر للمعانى المرادة منها،
وهو ما بينه أئمة الحديث فى عناوين الأبواب التى ذكروا فيها هذه الآثار، تلك العناوين التى لم يذكرها أعداء السنة المطهرة، إما عن جهل،
وإما عن علم، وتدليس منهم على القارئ0

ولا يخفى أيضاً أن الإكثار، يجعل المكثر، يسرد الحديث سرداً سريعاً يلتبس على المستمع، وهذا ما أنكرته أم المؤمنين عائشة –رضى الله
عنها- على أبى هريرة  فى الحديث الذى رواه الشيخان، عن عروة بن الزبير  أن عائشة –رضى الله عنها- قالت : "ألا يعجبك أبو هريرة!
جاء فجلس إلى جنب حجرتى، يحدث عن النبى  يسمعنى ذلك0 وكنت أسبح0 فقام قبل أن أقضى سبحتى0 ولو أدركته لرددت عليه : إن رسول
الله  لم يكن يسرد الحديث كسردكم( )0



الفصــــل الثانــــى

وسيلتهــــم فـــى التشكيــــك فــــى حجيـــــة خبـــر الآحــــــــاد

وتحته تمهيد وأربعة مباحث :
المبحث الأول : التعريف بالمتواتر، وبيان كثرة وجوده ودرجة ما يفيده من العلم، وحكم العمل به، وحكم جاحده0
المبحث الثانى : التعريف بالآحاد، وبيان درجة ما يفيده من العلم، وحجيته، ووجوب العمل به0
المبحث الثالث : منكروا حجية خبر الواحد قديماً وحديثاً استعراض شبههم والرد عليها0
المبحث الرابع : شروط حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به عند المحدثين والرد على شروط المعتزلة ومن قال بقولهم قديماً وحديثاً0

تمهيـد

إذا كان الذين ينكرون حجية السنة عامة، قلة قليلة خالفت المسلمين أجمع، وأنكرت ما هو معلوم من الدين بالضرورة - فإن
خطورتهم من أجل هذا لم تكن كبيرة، ولم تكن مثل خطورة من أنكروا أخبار الآحاد، فهم أكثر منهم عدداً، ولهم شبههم، التى اتخذوها وسيلة
للطعن فى حجية السنة عامة، وشبههم فى هذه الوسيلة من الممكن أن تنطلى على كثير من الناس لو تركت وشأنها0 وقبل أن نتعرض لتفنيد
شبهاتهم0 نذكر أولاً ما اصطلح عليه جمهور العلماء من تقسيم السنة من حيث السند، وعدد الرواة فى كل طبقة إلى متواتر( )، وآحاد( )
معرفين بكل قسم لغة، واصطلاحاً، ودرجة ما يفيده من العلم، وحجيته، ووجوب العمل به0
فإلى بيان ذلك فى المباحث التالية :

المبحـث الأول
التعريف بالمتواتر وبيان كثرة وجوده، ودرجة ما يفيده
من العلم، وحكم العمل به، وحكم جاحده

أولاً : التعريف بالمتواتر لغة واصطلاحاً :
المتواتر لغة:مجئ الواحد إثر الواحد بفترة بينهما، وذلك مثل قوله تعالى:ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى( )0 أى متتابعين رسولاً بعد رسول بينهما
فترة0

فالمواترة المتابعة، ولا تكون بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة، وإلا فهى مداركة ومواصلة( )0والخلاصة أن التواتر هو:التتابع
مع التراخى، أو بدون التراخى، والأول أقوى0

أما فى الاصطلاح : فقد عرفه العلماء قديماً وحديثاً تعريفات كثيرة، ولعل من أجمعها وأمنعها ما عرفه به فضيلة الأستاذ الدكتور
مصطفى أمين التازى - رحمه الله- بقوله : "هو ما رواه جمع كثير، يحيل العقل اتفاقهم على الكذب عادة أو صدوره منهم اتفاقاً، عن مثلهم،
فى كل طبقة من طبقاته، وأن يكون مستند انتهائهم الحس، ويصحب خبرهم إفادة العلم بنفسه لسامعه( )0

ثانياً : اختلاف العلماء فى وجود المتواتر :
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور (مصطفى التازى) - رحمه الله - : "لا خلاف فى أن الأخبار المتواترة تقع كثيراً فى حياة دنيا الناس
اليومية، ففى كل يوم نسمع عن حادثة تقع فى ناحية من النواحى النائية، أو نسمع بتصريح يصدر عن مسئول فى بلد من البلاد فتطير به
وكالات الأنباء وتذيعه جميع الإذاعات فى أنحاء العالم فينتشر الخبر بين الناس ويعلم به القريب والبعيد على سواء، ثم لا يكذب من أحد، فيحصل
به العلم الجازم عند سامعيه، بصحة الخبر ونسبته إلى قائليه، ولا شك أن هذا من الأخبار المتواترة التى استوفت شروط التواتر، وإنما الخلاف
بين العلماء فى وجود الخبر المتواتر فى السنة النبوية، وقد ذهبوا فى هذا الخلاف إلى ثلاثة مذاهب :
1- المذهب الأول : وعليه ابن حبان والحازمى وغيرهما أن الحديث المتواتر فى السنة المستوفى لشروط التواتر لا وجود له بالمرة، وإنما
الموجود منه هو الحديث الآحاد الذى قد يبلغ درجة الاستفاضة والشهرة( )0
2- المذهب الثانى : أن الحديث المتواتر فى السنة نادر قليل يعز وجوده، وعليه الحافظ أبو عمرو المعروف بابن الصلاح حيث يقول فى
مقدمته علوم الحديث : "ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فيما يروى من الحديث أعياه تطلبه"( )0
3- المذهب الثالث : وهو مذهب الجمهور أن الحديث المتواتر فى السنة له وجود كثير، وأيد ذلك بأنه يوجد بالفعل أحاديث متواترة كثيرة فى
كتب الحديث المشهورة، مثل الكتب الستة والمسانيد، وغيرها، وهذه الكتب قد انتشرت واشتهرت بين أهل العلم وقطعوا بصحة نسبتها إلى
أصحابها الذين صنفوها وألفوها، وكثيراً ما تجتمع هذه الكتب، وتتفق على إخراج أحاديث قد تعددت طرقها فىكل طبقات رواتها تعدداً يحيل العقل
تواطؤهم على الكذب عادة أو صدوره منهم اتفاقاً، وقد انتهت إلى قول من أقوال الرسول، أو فعل من أفعاله، أو بيان حالة من حالاته0
وقد أفادنا اجتماعها العلم بصحة نسبة هذه الأحاديث إلى قائلها، ولا شك أن ذلك هو الحديث المتواتر المستوفى لشروطه التى
سبق ذكرها0

وقد نص على هذا الحافظ ابن حجر فقال فى شرحه على نخبة الفكر : "ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجوداً وجود كثرة فى الأحاديث
أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدى أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث، وقد
تعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقينى بصحته إلى قائله، ومثل ذلك فى الكتب المشهورة كثير( )
أ0هـ0
وقد رد الجمهور على أصحاب المذهبين الأولين القائلين بعدم وجود الحديث المتواتر، أو بعزة وجوده، بأن قولهما إنما نشأ من
الآتى :
1- عدم معرفة طرق الأحاديث وعدم الوقوف على أحوال رواتها وصفاتهم0
2- وإما لعدم إطلاعهم عليها0
3- وإما لعدم استيعابهم ذلك، وقصر باعهم عن الوقوف عليها0
ولو عرفوا ذلك لعلموا أن هناك أحاديث كثيرة ينطبق عليها شروط التواتر( )0

ويمكن الجمع بين هذه المذاهب الثلاثة بما يلى :
أولاً : أن القائلين بعدم وجود الحديث المتواتر إنما أرادوا المبالغة فى بيان قلته وندرة وجوده، وبذلك عاد أصحاب المذهب الأول إلى المذهب
الثانى0
ثانياً : يجمع بين المذهب الثانى القائل بعزة وجود الحديث المتواتر، ومذهب الجمهور القائل بكثرة وجوده، بأن القائلين بعزته إنما أرادوا الأحاديث
المتواترة تواتراً لفظياً، وأن القائلين بكثرته إنما أرادوا الأحاديث المتواترة تواتراً معنوياً، وهذا حق؛ لأن المتواتر لفظاً قليل،وأهل الحديث لا
يكادون يتفقون إلا على القليل منه،والمتواتر معنى كثير"( ) أ0هـ0

ثالثاً : ما يفيد المتواتر من العلم :
قام الإجماع على أن الخبر المتواتر يفيد العلم، وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، لا لاعتقاد المعتقد، وشذ عن الإجماع بعض
الفرق؛ مثل البراهمة( ) والسُمَنية( )، والنظام من المعتزلة على ما حكاه عنه البغدادى فى أصول الدين( )0
فزعموا أن الأخبار ليست طريقاً لإفادة العلم، وإنما العلم سبيله؛ إما الحس، وإما أن يكون من الضروريات، وهو زعم باطل،
ورأى فاسد لا يعتد به، قام الدليل على خلافة0

وقد تعرض للرد عليهم الإمام الآمدى فى كتابه "الإحكام فى أصول الأحكام" فقال : "اتفق الكل على أن الخبر المتواتر يفيد العلم خلافاً للسُمَينة
والبراهمة، فى قولهم لا علم فى غير الضروريات إلا بالحواس دون الأخبار وغيرها0 ودليل ذلك ما يجده كل عاقل من نفسه من العلم
الضرورى بالبلاد النائية، والأمم السالفة، والقرون الخالية، والملوك، والأنبياء، والأئمة، والفضلاء المشهورين والوقائع الجارية بين السلف
الماضين، بما يرد علينا من الأخبار حسب وجداننا كالعلم بالمحسوسات عند إدراكنا لها بالحواس0 ومن أنكر ذلك فقد سقطت مكالمته وظهر
جنونه أو مجاحدته"( )0

ويقول الإمام الشوكانى : "واعلم أنه لم يخالف أحد من أهل الإسلام، ولا من العقلاء فى أن خبر التواتر يفيد العلم الضرورى، وما روى من
الخلاف فى ذلك عن السُمَنية، والبراهمة فهو خلاف باطل، لا يستحق قائله الجواب عليه"( )0

وهذا ما نقوله لأهل الزيغ والإلحاد المنكرين للمتواتر القولى من السنة النبوية( ) وجوداً، وحجية، قاصرين دعواهم كذباً ونفاقاً على الإيمان
بالسنة العملية المتواترة( )0
نقول لهم : سقطت مكالمتكم وظهر جنونكم ومجاحدتكم ولا تستحقون الجواب عليكم0


رابعاً : حكم العمل بالحديث المتواتر :
الخبر المتواتر عن النبى  قولاً كان أو فعلاً أو تقريراً يفيد علم اليقين والقطع( )، ويجب العمل به بلا خلاف؛ لأنه يفيد القطع
بثبوت نسبة الحديث إلى النبى  من غير حاجة إلى البحث عن أحوال الرواة …، ولذلك لم يذكره من المحدثين، فى أبحاث علم الحديث دراية إلا
القليل كالحاكم، والخطيب فى أوائل الكفاية( )،وابن عبر البر( )، وابن حزم( )0

وقال ابن الصلاح : إن أهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص، وإن كان الخطيب قد ذكره ففى كلامه ما يشعر بأنه اتبع
فيه غير أهل الحديث، ولعل ذلك كونه لا تشمله صناعتهم( )0

يقول فضيلة الدكتور مصطفى التازى : "ووجهتهم فى ذلك أن هذا العلم إنما يبحث عن أحوال الراوى والمروى ليعرف المقبول من الحديث فيعمل
به، والمردود منه فلا يعمل به، والحديث المتواتر مقبول قطعاً مفيد للعلم يجب الأخذ به بدون توقف( )، وأجاب من ذكره فى أبحاث علم الحديث
دراية بأنه ليس مقصوداً بالذات، وإنما ذكر لبيان الحكم عليه بالقبول، ووجوب العمل به( )، ولا شك أن من أهداف هذا العلم الحكم على الحديث
بالقبول أو الرد، ولأن معرفة الحديث الآحاد إنما تكمل بذكر ما يقابله من الحديث المتواتر؛ فيتميز كل منهما عن الآخر، ويعرف حكمه0


خامساً : حكم منكـر المتواتـر :
واعلم أن من أنكر حديثاً متواتراً انعقد الإجماع على تواتره يخرج عن جماعة المسلمين( )،وإن لم ينعقد الإجماع على تواتره بل وقع الخلاف
فيه يكون منكره من الفاسقين"( )0

يقول الحافظ ابن عبد البر : "وأما أصول العلم فالكتاب، والسنة، وتنقسم السنة قسمين: أحدهما : إجماع تنقله الكافة عن الكافة
فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف، ومن رد إجماعهم فقد رد نصاً من نصوص الله، يجب استتابته عليه، وإراقة دمه إن
لم يتب، لخروجه عما أجمع عليه المسلمون، وسلوكه غير سبيل جميعهم( ) أ0هـ0


المبحـث الثانـى
التعريف بالآحاد وبيان درجة ما يفيده من العلم،
وحجيته ووجوب العمل به

أولاً : التعريف بالآحاد لغة واصطلاحاً :
الآحاد لغة : جمع أحد بمعنى الواحد( )، وينطبق المعنى اللغوى لخبر الواحد على حقيقة اسمه فهو ما رواه فرد واحد0
واصطلاحاً : هو ما لم يجمع شروط المتواتر( )، أو هو ما كان من الأخبار غير منته إلى حد التواتر( )0 والتعريفان بمعنى واحد،
ومثلهما أيضاً تعريف فضيلة الدكتور مصطفى التازى قال : "هو ما رواه واحد أو أكثر، ولم يصل فى الكثرة إلى حد التواتر، أو وصل ولكن فقد
شرطاً من شروطه"( )0

وينقسم الحديث الآحاد باعتبار عدد الرواة فى كل طبقة من طبقات إسناده إلى ثلاثة أقسام : (1) مشهور (2) عزيز (3) غريب(
)0

وعلى هذا التقسيم الجمهور من المحدثين والفقهاء والأصوليين، إلا الحنفية فقد جعلوا المشهور قسيماً للآحاد( ) وليس قسماً منه
كما يرى الجمهور0

وعليه فالسنة عند الأحناف من حيث السند تنقسم إلى ثلاثة أقسام : (1) متواتر (2) مشهور( ) (3) آحاد( )0

والمشهور عند الأحناف يفيد علم الطمأنينة لا علم اليقين( )، وهذه المرتبة دون المتواتر( )، وفوق الآحاد0

وهو عندهم فى درجة المتواتر من حيث صلاحيته لبيان القرآن الكريم بكل أنواع البيان السابقة، بما فى ذلك الزيادة على القرآن فهى مقبولة
عندهم بالاتفاق، ولكن الأحناف يعتبرون الزيادة نسخاً للنص القرآنى( ) وهم لا يرفعون الآحاد إلى هذه الدرجة فى علاقته بالقرآن الكريم0

ما يفيده خبر الآحاد من العلم عند الجمهور

عرفنا فيما سبق أن الخبر المتواتر يفيد اليقين والقطع، فهو مقطوع بصحة نسبته إلى رسول الله ، وهو فى نفس الوقت يوجد فى
النفس العلم الضرورى بمضمون الخبر، فلا يحتاج بعد ذلك إلى نظر واستدلال0

وهذا الرأى هو ما اتفق عليه العلماء جميعاً إلا من لا يعتد بخلافه0 ولكن الخلاف جرى بين العلماء فى الحديث المقبول من
الآحاد بأقسامه الثلاثة المشهور، والعزيز، والغريب، ومحل الخلاف بين العلماء هو : هل حديث الآحاد يفيد العلم أو الظن؟ وإذا كان يفيد العلم،
فما هى الدرجة التى يفيدها؟ هل يفيد العلم القطعى أو النظرى؟
للعلماء فى ذلك مذاهب شتى، نوجزها فيما يلى :
1- ذهب أكثر أهل العلم، وجمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والمالكية، والمعتزلة، والخوارج إلى أنه لا يفيد العلم مطلقاً أى
سواء بقرينة، أو بغير قرينة( ) واختاره الإمام النووى حيث قال معقباً على ما قاله ابن الصلاح، ومن شايعه، بأنه يفيد العلم إذا احتفت به قرينة
قال : "وخالفه المحققون والأكثرون" فقالوا : يفيد الظن( ) مالم يتواتر( )0
ويتعقب الحافظ ابن حجر الإمام النووى، فيما ذهب إليه، فيقول : "ما ذكره النووى، مسلم من جهة الأكثرين، أما المحققون فلا، فقد وافق ابن
الصلاح أيضاً محققون( )، وهم من أصحاب القول الثالث0
2- ذهب قوم من أهل الحديث إلى أنه يفيد العلم النظرى بنفسه سواء بقرينة، أو بغير قرينة، متى توافرت فيه شروط الصحة والقبول - من
اتصال السند، وعدالة الراوى، وضبطه، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، وحكى هذا الرأى ابن الصباغ عن قوم من أهل الحديث( )، وبه قال الإمام
ابن حزم فى الإحكام وقال : "وهو قول الحارث بن أسد المحاسبى، والحسين بن على الكرابيسى، وأبو الوليد سليمان بن خلف المالكى المعروف
بالباجى0 وعزاه لأحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه( )، وذكره ابن خويز منداد عن مالك بن أنس( )، وإن نازعه فيه المازرى بعدم وجود
نص له فيه، وحكاه ابن حزم عن داود الظاهرى( )، وحكاه ابن قيم الجوزية فى مختصر الصواعق المرسلة عن الإمام الشافعى -رحمه الله-(
)0
3- وذهب بعض أهل الحديث، ومعهم بعض أهل الأصول والفقه، إلى أن خبر الآحاد إذا احتفت به قرينة خارجية تدل على مزيد من صحة ثبوت
الخبر إلى من أخبر به، يفيد العلم النظرى اليقينى( )0

وبهذا الرأى قال ابن الصلاح ودافع عنه دفاعاً شديداً فى مقدمته، وبه قال جماعات من أئمة الأصول والفقه، منهم الآمدى( )،
والسبكى( )، وابن الحاجب( )، واختاره المحققون من أهل الحديث منهم ابن حجر( )، وابن قيم الجوزية( )، وابن كثير وقال : "وأنا مع ابن
الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه، والله أعلم، ثم وقفت بعد هذا على كلام لشيخنا العلامة ابن تيمية، مضمونة : أنه نقل القطع بالحديث الذى
تلقته الأمة بالقبول عن جماعات من الأئمة: منهم القاضى عبدالوهاب المالكى، والشيخ أبو حامد الإسفرائينى، والقاضى أبو الطيب الطبرى،
والشيخ أبو إسحاق الشيرازى من الشافعية، وابن حامد، وأبو يعلى بن الفراء، وأبو الخطاب،وابن الزاغونى، وأمثالهم من الحنابلة، وشمس
الأئمة السرخسى من الحنفية:قال:"وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشعرية وغيرهم : كأبى إسحاق الإسفرائينى، وابن فورك0

قال وهو مذهب أهل الحديث قاطبة ومذهب السلف عامة"( ) وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح استنباطاً0 فوافق فيه هؤلاء الأئمة"( )0

وانتصر لابن الصلاح أيضاً البلقينى فقال : "ما قاله النووى وابن عبد السلام، ومن تبعهما ممنوع، فقد نقل بعض الحفاظ
المتأخرين مثل قول ابن الصلاح"( ) ثم ذكر ما نقله ابن كثير عن شيخه ابن تيمية0

ويمكن الجمع بين تلك المذاهب الثلاثة بما قاله الحافظ ابن حجر فى نزهة النظر قال: "والخلاف فى التحقيق لفظى، لأن من جوز
إطلاق العلم قيده بكونه نظرياً، وهو الحاصل على الاستدلال بواسطة القرائن، ومن أبى الإطلاق خص لفظ العلم بالمتواتر، وما عداه عنده كله
ظنى بمعنى العلم أيضاً، كما فى قوله تعالىفَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ( )0أى ظننتموهن‎، فالعلم قد يطلق ويراد به الظن( )وهم لا ينفون أن ما
احتفت به القرائن أرجح مما خلا عنها"( )0

وإليك بعض هذه القرائن التى تجعل خبر الآحاد مفيداً للعلم النظرى عند من يقول به:
1- إخراج الشيخين البخارى ومسلم للحديث فى صحيحهما، أو إخراج أحدهما له مما قام الإجماع على تسليم صحته بأن لم يعترض عليه أحد
من الحفاظ0 وذلك لجلالة قدر الشيخين، وثبوت أقدامهما فى هذا الشأن، وتقدمهما على غيرهما فى معرفة الخبر الصحيح وتمييزه عن غيره0

ولتلقى الأمة لكتابيهما بالقبول اعتقاداً وعملاً، وهذا التلقى وحده أقوى فى إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر،
وممن صرح بأن هذه القرينة تجعل خبر الآحاد مفيداً للعلم النظرى، من سبق ذكرهم من الأئمة الأعلام الذين ذكرهم ابن كثير نقلاً عن شيخه
ابن تيمية( )، وبهذه القرينة قال أيضاً الحافظ ابن حجر فى نزهة النظر( )، وزاد من القرائن على ما ذهب إليه ابن الصلاح ومن نقل عنهم0

2- شهرة الحديث عند علماء الحديث لمجيئه من طرق متعددة متباينة مع سلامتها من ضعف الرواة وخلوها من العلل القادحة، وممن صرح
بأن هذه القرينة تجعل خبر الآحاد يفيد العلم النظرى أبو بكر بن فورك، وأبو منصور البغدادى وغيرهما0
3- تسلسل الخبر بالأئمة المتقنين، والحفاظ الضابطين، كالحديث الذى يرويه الإمام أحمد وغيره عن الإمام الشافعى، ويرويه الإمام الشافعى،
وغيره عن الإمام مالك … إلخ0

فإن هذه القرينة تجعل خبر الآحاد مفيداً للعلم النظرى عند سامعه، وذلك لجلالة قدر هؤلاء الرواة للحديث من الأئمة الأعلام،
والفقهاء العظام، إذ فى كل واحد منهم من الصفات اللائقة الموجبة لقبول خبره ما لا يوجد فى غيره، مما تجعل الواحد منهم أمة وحده، يقوم
مقام العدد الكثير والجم الغفير( )0

والذى أرجحه من ذلك كله هو ما ذهب إليه ابن حزم، وابن الصلاح، وابن حجر، وغيرهم - من أن ما رواه الشيخان أو أحدهما
أو ما احتفت به قرائن أخرى - كما ذكر ابن حجر أو ما استوفى شروط الصحة الخمسة، المتفق عليها بين علماء الأمة، مقطوع بصحته،
ويفيد العلم النظرى0

وإلى ذلك ذهب الشيخ أحمد محمد شاكر-رحمه الله تعالى – : حيث يقول بعد أن استعرض آراء العلماء فى ذلك : "والحق الذى ترجحه الأدلة
الصحيحة، ما ذهب إليه ابن حزم، ومن قال بقوله من أن الحديث الصحيح، مقطوع بصحته، ويفيد العلم اليقينى النظرى، سواء كان فى أحد
الصحيحين أم فى غيرهما، وهذا العلم اليقينى نظرى برهانى، لا يحصل إلا للعالم المتبحر فى الحديث، العارف بأحوال الرواة والعلل( )، المميز
بين صحيحه وسقيمه، وغثه وثمينة، وأصيله ودخيله، أما من ليس من أهل هذا الشأن، فإن هذه القرائن ولو كثرت، لا تفيدهم علماً، فمثلهم لا
يعتد به فى هذا المقام، ولا تبنى عليه هنا الأحكام( )0
يقول الشيخ أحمد محمد شاكر : "وأكاد أوقن أنه هو مذهب من نقل عنهم البلقينى ممن سبق ذكرهم من الأئمة الأعلام، وأنهم لم
يريدوا بقولهم ما أراد ابن الصلاح من تخصيص أحاديث الصحيحين بذلك، وإلا فالأمة قد تلقت غيرهما من كتب السنة من السنن، والمسانيد
والمصنفات، بالقبول، مع تصريح كل من الإمامين البخارى ومسلم بأنهما لم يستوعبا كل الصحيح فى صحيحهما0

وهذا العلم اليقينى النظرى يبدو ظاهراً لكل من تبحر فى علم من العلوم وتيقنت نفسه بنظريته، واطمئن قلبه إليها، ودع عنك
تفريق المتكلمين فى اصطلاحاتهم بين العلم والظن، فإنما يريدون بهما معنى غير ما نريد"( )0
وبعـد
إن الكلمة الفصل والأخيرة، فى كل مسألة علمية على أهلها، إذ لا ينبئك مثل خبير0 وفى المثل : الخيل أعلم بفرسانها0
فالقول الفصل لأهل اللغة إذا كان المتعلق لغوياً، وللفقهاء إذا كانت المسألة فقهية، وللمحدثين إذا كان الكلام يتعلق بصحة الحديث، وهذه
مسلمات لا يختلف فيها اثنان0

لهذا فإن معرفة كون الدليل قطعياً أو ظنياً من أحكام أهل الحديث، لمعرفتهم طرقه وتشعبها، ولا تعويل على غيرهم من المتكلمين والأصوليين،
كما قال ابن قيم الجوزية فى مختصر الصواعق المرسلة( ) والله أعلم0

ثانياً : حجية خبر الواحد ووجوب العمل به :
اهتم علماء الإسلام فى القديم والحديث بالبحث فى مسألة وجوب العمل بخبر الواحد وصحة الاحتجاج به، فأطالوا فى شأنها،
واعتنوا بتحقيقها، وما قيل فيها، وكل ما يتعلق بها - وما مر وما سيأتى -إلا نذر يسير من ذلك، فقد ألف فى هذه المسألة كثير من أهل
الحديث، وأئمة الفقه، وأصحاب الأصول، فكتبوا فيها أبواباً مطولة، وفصولاً مطنبة، وكان أقدم من ألف فى ذلك فيما بلغنا أمامنا الشافعى -
رحمه الله تعالى - حيث وضع باباً طويلاً فى كتابيه الأم( ) والرسالة( ) أجاد القول فيه وأحسن الرد على سائل يسأله الدليل على طلب العمل
بخبر الواحد، كما كتب فى هذه المسألة أيضاً الإمام النووى فى شرحه على صحيح مسلم( )، والحافظ ابن حجر العسقلانى فى شرحه فتح
البارى على صحيح البخارى( ) كما كتب غيرهما لا سيما أهل الأصول( ) فى كتبهم0

وسر كل هذا الاهتمام بهذه المسألة وحكمته، أن هذه المسألة من أهم قواعد الدين وأشدها عند علماء المسلمين إذ ينبنى عليها
معظم أحكام الشرع، ويتوقف على إثباتها كثير من معرفة الحلال والحرام، كما يترتب على إثباتها طلب العمل بالأوامر والنواهى النبوية التى لم
يثبت أغلبها إلا عن طريق خبر الواحد"( )0

وإذا كان هناك خلاف بين العلماء فى الدرجة التى يفيدها خبر الواحد من علم أو ظن، فإن هذا الخلاف لم يوجد بين من يعتد
بهم - فى حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به، حتى من قال منهم بأن درجة خبر الآحاد الظن0

فالذى عليه السلف الصالح من الصحابة، والتابعين، وأصحاب الحديث، والفقه والأصول، أن خبر الواحد حجة من حجج الشرع
يحتج به، ويلزم من بلغه العمل به، ولو لم يحتف بقرائن خارجية، تدل على تأكيد طلب العمل به، إذا كان هذا الخبر عند أهل الحديث مقبولاً، بأن
تحققت فيه الشروط الخمسة المتفق عليها لصحة الحديث ،من اتصال السند، وعدالة الراوى، وضبطه، وعدم الشذوذ، وعدم العلة( )0
وهاك بعض أقوال أهل العلم فى حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به، متى صح0
قال شمس الأئمة السرخسى : "خبر الواحد حجة باعتبار أنه كلام رسول الله ، وقوله حجة موجبة للعمل، ولكن امتنع بثبوت العلم به لشبهة
فى النقل"( )0
وقال أيضاً : "قال فقهاء الأمصار - رحمهم الله -، خبر الواحد حجة للعمل به فى أمر الدين، ولا يثبت به علم اليقين، وقال بعض من لا يعتد
بقوله : خبر الواحد لا يكون حجة فى الدين أصلاً( )0

وقل ابن حزم : "القسم الثانى من الأخبار ما نقله الواحد عن الواحد، فهذا إذا اتصل برواية العدول إلى رسول الله  وجب العمل
به، ووجب العلم بصحته أيضاً( )0

وقال أبو الحسين محمد بن على الطيب المعتزلى : "ذهب جل القائلين بأخبار الآحاد إلى قبول الخبر، وإن رواه واحد"( )0

وقال الإمام النووى : "الذى عليه جماهير المسلمين، من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء، وأصحاب
الأصول: أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع، يلزم العمل بها،ويفيد الظن،ولا يفيد العلم،وأن وجوب العمل به،عرفناه بالشرع لا بالعقل"(
)0

وقال الإمام ابن دحية( ) : "وعلى قبول خبر الواحد الصحابة والتابعون وفقهاء المسلمين، وجماعة أهل السنة يؤمنون بخبر
الواحد، ويدينون به فى الاعتقادات"( )أ0هـ0

وقال الحافظ ابن عبد البر : "والضرب الثانى من السنة خبر الآحاد الثقات الأثبات المتصل الإسناد؛ فهذا يوجب العمل عند جماعة
علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة، ومنهم من يقول : إنه يوجب العلم والعمل جميعاً"( )0

ويقول الشيخ محمد الخضرى( ):"إنه تواتر عن الصحابة فى وقائع لا تحصى، العمل بخبر الواحد، ومجموع هذه الوقائع تفيد
إجماعهم على إيجاب العمل بأخبار الآحاد، وكثيراً ما كانوا يتركون آراءهم التى ظنوها باجتهادهم، إذا روى لهم خبر عن رسول الله "( )0

وبعـد
فهذه بعض أقوال علماء المسلمين قديماً وحديثاً، وغيرها كثير، فى حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به، أما الأدلة على ذلك من
الكتاب والسنة فهى متوافرة، وسنذكر بعضها بمشيئة الله تعالى، فى ردنا على شبهات من أنكروا حجية خبر الواحد0

وإذا كان إجماع من يعتد به منعقد على كفر من رد حديثاً متواتراً انعقد الإجماع على تواتره، ولا يقولون بكفر من رد حديث آحاد
لشك فى ثبوته، "فمما لا شك فيه أن من شك وطعن فى جميع أحاديث الآحاد ولم يأخذ بها يكون منكراً للسنة ويكفر"( )أ0هـ0

والله تبــارك وتعالــى
أعلى وأعلم


المبحـث الثالـث
منكـروا حجيـة خبـر الواحـد قديمـاً وحديثـاً
استعـراض شبههـم والرد عليهـا

تمهيـد :
إذا كان علماء الأمة من المحدثين، والفقهاء، والأصوليين، اصطلحوا على تقسيم السنة باعتبار عدد الرواة فى كل طبقة إلى
متواتر وآحاد، أو إلى متواتر ومشهور وآحاد كما قسم الأحناف، فإن هذه التقسيمات لم تكن فى عصر الصحابة أو التابعين، وإنما دعت الحاجة
إلى هذا التقسيم بعد شيوع الفتن وبدء تمحيص السنة وتحديد مراتبها، وكان لهذا التقسيم آثاره بين جمهور الفقهاء فى تخصيصهم لعموم
الكتاب، وتقييدهم لمطلقه، وتوضيحهم لمشكله بخبر الآحاد، خلافاً للأحناف الذين اشترطوا فى أنواع البيان السابقة، أن يكون الخبر فيها
مشهوراً، على ما سبق تفصيله عند التعريف بالآحاد0

وأهم أثر لتقسيم الأحاديث إلى متواتر وآحاد هو فى أمر من رد الحديث، فمن أخذ باصطلاح المتواتر والآحاد - وهم أغلبية
الفقهاء - لا يقولون بكفر من رد الأحاديث؛ لأنها ظنية الثبوت بينما يرون كفر من رد الأحاديث المتواترة0

ومن قال : "إن التواتر والآحاد قطعى الثبوت يقولون بكفر من رد شيئاً من الأحاديث سواء كانت بطريق التواتر أو الآحاد"( )0

وقبل أن يصطلح علماء الأمة على التقسيم السابق، كان جميع أهل الإسلام على قبول خبر الواحد الثقة عن النبى ، يجرى على
ذلك كل فرقة فى علمها، كأهل السنة، والخوارج والشيعة،والقدرية( )، حتى بدأت فتنة التشكيك فى خبر الآحاد على أيدى متكلمى المعتزلة بعد
القرن الثانى الهجرى،فعرفوا خبر الآحاد بأنه:ما لا يعلم كونه صدقاً ولا كذباً( )
واشترطوا العدد فى الرواية كما فى الشهادة، فخالفوا الإجماع فى ذلك0
"وكان قصدهم من ذلك رد الأخبار وتعطيل الأحكام، وتلقف ما قالوه بعضُ الفقهاء الذين لم يكن لهم فى العلم قدمٌ ثابتة، ولم يقفوا على
مقصودهم من هذا القول" وبذلك صرح ابن قيم الجوزية فى مختصر الصواعق المرسلة( )0

ويدل على كل ما سبق ما قاله ابن حزم فى الإحكام، قال : "فإن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبى ،
ويجرى على ذلك كل فرقة فى علمها، كأهل السنة، والخوارج، والشيعة، والقدرية، حتى حدَّث متكلموا المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا
الإجماع فى ذلك، ولقد كان عمرو بن عبيد (ت سنة 144هـ) يتدين بما يروى عن الحسن ويفتى به، هذا أمر لا يجهله من له أقل علم( )0

ويقول الحافظ أبو بكر الحازمى : "ولا أعلم أحداً من فرق الإسلام القائلين بقبول خبر الواحد اعتبر العدد سوى متأخرى المعتزلة،
فإنهم قاسوا الرواية على الشهادة، واعتبروا فى الرواية ما اعتبروا فى الشهادة، وما مغزى هؤلاء إلا تعطيل الإحكام كما قال أبو حاتم ابن
حبان"( )0

وطعن أيضاً فى خبر الواحد طوائف من الشيعة فذهبوا إلى أن خبر الواحد لا يكون حجة أصلاً فى الدين، فلا يوجب العلم ولا
العمل، وينسب هذا الرأى إلى الشريف المرتضى (ت 436هـ) من الشيعة، فهو يقول : "لابد فى الأحكام الشرعية من طريق يوصل إلى العلم
… ولذلك أبطلنا العمل بأخبار الآحاد، لأنها لا توجب علماً ولا عملاً، وأوجبنا أن يكون العمل تابعاً للعلم، لأن راوى خبر الواحد إذا كان عدلاً
فغاية ما يقتضيه الظن بصدقه، ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذباً( )0

وحكى هذا الرأى أيضاً الإمام الغزالى فى المستصفى عن جماهير القدرية، ومن تابعهم من أهل الظاهر كالقاسانى حيث ذهبوا إلى تحريم العمل
بخبر الواحد سمعاً( )، وحكاه أيضاً الآمدى( )، عن القاسانى( ) والرافضة وابن داود( )0

وبالجملة من مآخذ أهل البدع بالاستدلال نفى أخبار الآحاد جملة0 والاقتصار على ما استحسنته عقولهم فى فهم القرآن( )0

وتابع هذه الفرق الضالة فى الطعن فى حجية خبر الآحاد من على شاكلتهم من أهل الزيغ والهوى فى عصرنا0

فوجدنا منهم من يقول : "وجوب عدم الاعتداد بحديث الآحاد بالكلية إذ الأصل فيها الكذب والاستثناء هو الصدق( )0

ووجدنا من يقول : "الضرب الثانى من أفعاله وأقواله  مما لم يصل إلى الناس بطريق التواتر المستفيض، فلا يستطيع عاقل أن
يدخله فى دائرة الوحى الثابت ثبوتاً لا شك فيه، ومن ثم فهو ليس ضرورياً لقيام الدين( )0
ووجدنا من يقول : "فما يؤمنكم أن خبر الواحد ليس من يهودى مثل ابن سبأ؟ ورواية الواحد أوجدت فى الدين أموراً سيئة منها :
أولاً : التعارض فى المعنى والتعارض يحير الناس فى معرفة الحق0
ثانياً: أوجدت أحاديث الآحاد تفرقة واختلافاً فى صفوف المسلمين0 إذ هى التى فرقتهم إلى سنيين،وشيعة،يضرب بعضهم رقاب بعض0وهى
التىفرقتهم إلى السلف والخلف…فياأيها السلفيون:هذه نتائج أحاديث الآحاد فى المجتمعات الإسلامية وقد أمرنا الله تعالى بأن نحتاط للدين،وبأن
نكون أمة واحدة،وبأن نسمع ونعقل0فابتعدوا عن أحاديث الآحاد"( )0

استعراض شبه منكـرى حجيـة خبـر الواحـد
قديماً وحديثاً والرد عليهـا

أقوى ما شغب به من أنكر قبول خبر الواحد أن نزغ بقول الله تعالى : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( ) وقالوا العمل بخبر
الواحد اقتفاء لما ليس لنا به علم، وشهادة وقول بما لا نعلم0 لأن العمل به موقوف على الظن قال تعالى : وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا
الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا( )0
وقالوا قد ذم الله من اتبع الظن، وبين أنه لا غناء له فى الحق0 فكان على عمومه( )

وبهذه الآيات وما فى معناها استدل أهل الزيغ والبدع قديماً( )، وتابعهم حديثاً أهل الزيغ والإلحاد ممن أنكروا حجية السنة كلها، واتخذوا الطعن
فى خبر الواحد، وسيلة من وسائلهم؛ للتشكيك فى حجية السنة النبوية المطهرة( )0
ومما استدل به المعتزلة فى رد خبر الواحد من الأحاديث والآثار :
1- قصة ذى اليدين( )، وتوقف النبى  فى خبره، حتى تابعه عليه غيره0
روى عن أبى هريرة  قال : صلى بنا رسول الله  إحدى صلاتى العشيى0 إما الظهر وإما العصر0 فسلم فى ركعتين0 ثم أتى جْذِعاً فى قِبْلَة
المسجد فاستند إليه مُغْضَباً، وفى القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلما، وخرج سَرَعَانُ النَّاسِ0 قُصِرَتِ الصلاةُ، فَقَامَ ذُو اليَدَيْنِ فقال : يا رسول
الله! أَقْصِرَتِ الصلاةُ أم نَسِيتَ؟ فنظر النبى  يميناً وشمالاً0 فقال : "ما يقول ذُو اليَدَيْنِ؟" قالوا : صدق لم تصل إلا ركعتين0 فصلى ركعتين
وسلم، ثم كبر ثم سجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر ورفع وسلم"( )0

2- وقصة أبى بكر حين توقف فى خبر المغيرة بن شعبة، فى ميراث الجدة حتى تابعه محمد ابن سلمة0
روى عن قُبيصة بن ذؤيب( )  قال : "جاءت الجدة إلى أبى بكر الصديق تسأله ميراثها، فقال : مالك فى كتاب الله  من شئ، وما علمت لك
فى سنة نبى الله  شيئاً فارجعى حتى اسأل الناس، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله  أعطاها السدس، فقال أبو بكر :
هل معك غيرك؟ فقام محمد بن سلمة( ) فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب 
تسأله ميراثها، فقال : مالك فى كتاب الله تعالى شئ، وما كان القضاء الذى قضى به إلا لغيرك، وما أنا بزائد فى الفرائض، ولكن هو ذلك
السدس، فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها"( )0

3- وقصة عمر  وتوقفه فى خبر أبى موسى الأشعرى  فى الاستئذان حتى تابعه أبو سعيد الخدرى  :
روى عن أبى سعيد قال : كنا فى مجلس عند أبى بن كعب( )، فأتى أبو موسى الأشعرى مُغْضَباً حتى وَقَفَ0 فقال : أَنْشُدُكُمُ الله هل سمع أَحدٌ
منكم رسول الله  يقول : "الاستئذانُ ثلاثٌ0 فإن أذن لك0 وإلا فارجع" قال أُبىُّ بن كعب0 وما ذاك؟ قال : أستأذنت على عمر بن الخطاب أمس
ثلاثَ مراتٍ0 فلم يؤذن لى فرجعت0 ثم جئْتُهُ اليوم فدخلت عليه، فأخبرته أنى جئت أمس فسلمت ثلاثاً ثم انصرفت، قال : قد سمعناك ونحن حينئذ
على شُغْلٍ0 فَلَوْمَا استأذنتَ حتى يُؤْذَنَ لك؟ قال : استأذَنْتُ كما سمعتُ رسول الله 0 قال : فوالله لأوجعنَّ ظهرَكَ وبطنَكَ أو لَتَأْتِينَّ بمن يشهد لك
على هذا0 فقال أُبى بن كعب : فوالله! لا يقوم معك إلا أحدثنا سناً0 قم0 يا أبا سعيد فقمتُ حتى أتيتُ عُمرَ فقلتُ : قد سمعت رسول الله  يقولُ
هَذَا( )0
قالوا ففيما سبق بيان أن الصحابة كانوا لا يقبلون خبر الواحد، وكانوا يعتبرون لطمأنينة القلب عدد الشهادة كما كانوا يعتبرون
لذلك صفة العدالة، ومن بالغ فى الاحتياط فقد اعتبر فى قبول الخبر أقصى عدد الشهادة أربع لأن ما دون ذلك محتمل للعلم( )0
كما استشهد بعض خصوم السنة برد عمر خبر فاطمة بنت قيس فى المطلقة ثلاثاً، بأنه لا سكنى لها ولا نفقة لمخالفته لقوله تعالى : لَا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ( )0

ورد عائشة - رضى الله عنها - لخبر عمر وابنه عبد الله - رضى الله عنهما - فى "تعذيب الميت ببعض بكاء أهله عليه"
لمخالفته فى رأيها لقوله تعالى : أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى( )0 وغير ذلك مما استشهد به خصوم السنة، وسيأتى تخريجه والرد عليه فى
الجواب عما اشترطوه لصحة قبول خبر الواحد0

الرد على شبه منكرى حجية خبر الآحاد

إن ما ذكره أهل الزيغ والابتداع قديماً من أدلة على عدم حجية خبر الواحد،وتبعهم فيها أهل الزيغ والهوى فى عصرنا،ما ذكروه من أدلة لا
حجة لهم فيها،بل هو حجة لنا عليهم

فما زعموه من أن العمل بخبر الواحد اقتفاء ما ليس لنا به علم استناداً إلى قول رب العزة وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (
)0

فهذه الآية حجة لنا عليهم فى هذه المسألة، لأنا لم نقف ما ليس لنا به علم، بل قد صح لنا به العلم من انعقاد إجماع من يعتد به على حجية
خبر الواحد ووجوب العمل به، والإجماع قاطع فاتباعه لا يكون اتباعاً لما ليس لنا به علم، ولا اتباعاً للظن( )0

قال الشوكانى : "ولا نزاع فى أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه فإنه يفيد العلم، لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم
صدقه، وهكذا خبر الواحد إذ تلقته الأمة بالقبول … ومن هذا القسم أحاديث صحيحى البخارى ومسلم - رحمهما الله تعالى( ) - فسقط
اعتراضهم بهذه الآية0

أما ما ضلل به أهل الزيغ والهوى من ربط ظنية خبر الآحاد، بالظن الوارد فى قوله تعالى : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى
الْأَنْفُسُ( ) وقوله تعالى :إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا( ) وقوله  : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"( )0
هذا الإطلاق والربط من أفرى، الفرى لأن الظن الوارد فى الآيات السابقة، والحديث الشريف وارد فى معرض ترك الحق الثابت باليقين، واتباع
للهوى الذى لا دليل عليه، وليس كذلك الظن المنسوب إلى أحاديث الآحاد0

فإطلاق كلمة "الظن" على أحاديث الآحاد وهى فى حقيقتها أكثر السنة النبوية، وربطها بالمعنى الوارد فى الآيات السابقة، والحديث النبوى، وقول
بعض الأئمة إن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن، ثم نتيجة هذا الربط بأن خبر الآحاد من أكذب الحديث ولا يغنى من الحق شيئاً هذا الربط ونتيجته
ضلال مبين0

يقول المستشار سالم البهنساوى : "وأعظم من ذلك تلقين أكثر مدرسى الفقه الإسلامى بالجامعات الإسلامية هذه الظنية فى نفوس
الطلاب دون بيان حقيقة المراد بهذه الكلمة، مما يسر اقتناع الطلاب بالتيارات الإلحادية المنحرفة التى تشكك فى حجية السنة، أو ترد بعض
الأحاديث الصحيحة فى العقائد أو المعاملات أو غير ذلك بحجة أن الحديث آحاد، والآحاد يفيد الظن، والظن لا يغنى من الحق شيئاً، ومن ثم
تصبح هذه الأقوال جناية ضد السنة النبوية، لأنها خلت من بيان المقصود من هذه الظنية، وأنه لا أثر لها على حجية السنة، ووجوب العمل بها،
فى العبادات والمعاملات والحدود … إلخ( )0

إن الظن الوارد فى هذه الآيات غير الظن الذى يتحدث عنه أهل الكلام، غير الظن الذى وصف به خبر الآحاد على لسان أئمة
المسلمين من الفقهاء، والمحدثين، والأصوليين0 وبالتالى من الخطأ البين حصر معنى الظن فيما استدلوا به0
وإليك المراد بحقيقة هذه الكلمة عند علماء الأمة0

التعريـف بالظـن لغـة واصطلاحـاً :
قال الفيروزابادى : "الظن التردد الراجح بين طرفى الاعتقاد غير الجازم( )، قال الأستاذ محمد رشيد رضا : وهو تعريف مأخوذ
من اصطلاح علماء المعقول كالمناطقة والفلاسفة( )، ومثله قول الجرجانى : الظن الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، وقيل الظن أحد طرفى
الشك بصفة الرجحان، ويستعمل فى اليقين والشك( )، وعلى هذا صار أهل الأصول فى تعريفهم للظن( )0

فمن استعمالاته فى اليقين قوله تعالى:قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ( ) وقال
تعالى : وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ( )0 ويطلق اليقين على الظن كما فى قوله تعالى:فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ( ) أى ظننتموهن0

"وليس معنى ذلك أن كل يقين ظن، وإنما المراد أن الظن على مراتب، منها ما يرادف اليقين، ومنها ما هو دونه فبينهما العموم والخصوص
بإطلاق"( )0
فخبر الآحاد وإن كان ظنياً "بمعنى احتمال الخطا والوهم والكذب على الراوى" فإن هذا الاحتمال بعد التثبت والتأكد من عدالة
الراوى، ومقابلة روايته بروايات أقرانه من المحدثين، يصبح الاحتمال بخطأه ووهمه - ضعيفاً - فيفيد الخبر العلم اليقينى، ولا سيما إذا
احتفت به قرينة من القرائن السابق تفصيلها0

وحتى مع القول بأن خبر الواحد يفيد الظن الراجح بصدق الخبر، فإن هذا الظن يستند إلى أصل قطعى وهو القرآن الكريم0

يقول الشاطبى : "وهذه هى الظنون المعمول بها فى الشريعة أينما وقعت، لأنها استندت إلى أصل معلوم، فهى من قبيل المعلوم جنسه ... فعلى
كل تقدير : خبر واحد صح سنده فلابد من استناده إلى أصل فى الشريعة قطعى، فيجب قبوله، ومن هنا قبلناه مطلقاً، كما أن ظنون الكفار غير
مستندة إلى شئ فلابد من ردها( )0

يقول الدكتور السباعى : ثم إن الشرع الحنيف قد جاء بتخصيص القطعى بظنى، كما فى الشهادة على القتل والمال باثنين، مع أن
حرمة المال والدم مقطوع بهما، وقد قبلت فيهما شهادة الاثنين وهى ظنية( )0

أما قياسهم الرواية على الشهادة فى اعتبار العدد بحجة أن الرواية شرع عام والشهادة شرع خاص ولم يقبل فيها رواية الواحد، فلأن لا تقبل
فى حق كل الأمة من باب أولى0

هذا الكلام منقوض بسائر الأمور التى هى معتبرة فى الشهادة لا فى الرواية كالحرية، والذكورية والبصر، وعدم القرابة"( )، وقد حرر الحافظ
السيوطى فى التدريب الفرق بين الرواية والشهادة فيما يقرب من إحدى وعشرين فرقاً، فانظرها؛ فإنها مهمة( )0
ثم إن القول بظنية سنة الآحاد لا تنطبق على جميع السنة، بل على ما كان منها ضعيفاً أو الأحاديث التى حدث كلام فى صحتها،
لاسيما وقد ذهب المحققون من أهل الحديث والأصول، والفقه، إلى إفادة الخبر العلم فيما تلقته الأمة بالقبول كأحاديث الصحيحين أو ما
احتفت به قرينة من القرائن الخارجية السابق ذكرها0

وكذلك فإن الحكم على كون الدليل قطعياً أو ظنياً من الأمور النسبية : يقول ابن قيم الجوزية : "كون الدليل من الأمور الظنية أو
القطعية أمر نسبى يختلف باختلاف المدرك المستدل، ليس هو صفة للدليل فى نفسه، فهذا أمر لا ينازعه فيه عاقل، فقد يكون قطعياً عند زيد، ما
هو ظنى عند عمرو، فقولهم إن أخبار رسول الله  الصحيحة المتلقاة بين الأمة بالقبول لا تفيد العلم، بل هى ظنية هو إخبار عما عندهم، إذ لم
يحصل لهم من الطرق التى استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم( )0 ولمعرفتهم بذلك فالكلمة الفصل والأخيرة فى المسألة لهم ولا تعويل
على غيرهم كالمتكلمين0

ويقول الدكتور صالح أحمد رضا :"وأين الدليل على أن الله  منعنا بالعمل بالظن، وأمرنا دائماً وأبداً باليقين؟
إن الله تعالى لم يطالبنا إلا بالظن الذى يغلب صدقه، أما الوصول إلى اليقين القاطع الذى ليس معه أى احتمال، فهذا لا يطلب من الإنسان المسلم،
إذ ليس فى مقدوره أن يصل إلى اليقين، ولهذا عندما تكلم العلماء عن القرآن الكريم قالوا : إن بعضه قطعى الثبوت قطعى الدلالة، وبعضه
قطعى الثبوت ظنى الدلالة، وقد قال تعالى فى محكم كتابه : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ
عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ( ) فالراسخون فى العلم هم الذين يعودون بالمتشابه إلى المحكم، ويفهمون بذلك الجميع، ومن يطلع على
علم أصول الفقه يتبين الفروق بين العموم والخصوص، ودلالات الألفاظ على المعانى ودرجة تلك الدلالة مما جرى فيه اختلاف العلماء فى كل
زمان، وفهمهم من كتاب الله تعالى، مما يدل على أننا لسنا متعبدين باليقين … 0
فقد أوجب الله تعالى علينا قبول قول شاهدين والعمل بمقتضى شهادتها فى إثبات الحقوق، والدماء، ولا شك أن خبر الشاهدين هو خبر آحاد
ومع ذلك فخبرهما معتبر شرعاً( )0
أما ما استدلوا به من الأخبار والآثار المرفوعة والموقوفة على عدم حجية خبر الواحد فهو أيضاً حجة عليهم لا لهم0

لأن الأخبار والآثار السابقة قبلها من توقف فيها، بموافقة راوى آخر، ولم تبلغ بذلك رتبة التواتر، ولا خرجت عن رتبة الآحاد0
فانضمام أبى بكر وعمر وغيرهما، مع خبر ذى اليدين عمل بخبر آحاد0

وكذلك الحال فى قصة أبى بكر وعمر، فانضمام محمد بن مسلمة إلى المغيرة بن شعبة لم يجعل حديث الجدة ينتقل من خبر آحاد إلى خبر
متواتر0

وكذلك انضمام أبى سعيد الخدرى إلى أبى موسى الأشعرى  لم ينقل الحديث إلى رتبة التواتر0

قال الإمام الآمدى : "فعلم من ذلك أن ما ردوه من الأخبار أو توقفوا فيه لم يكن لعدم حجية خبر الآحاد عندهم، وإنما كان لأمور
اقتضت ذلك من وجود معارض، أو فوات شرط؛ لا لعدم الاحتجاج بها فى جنسها، مع كونهم متفقين على العمل بها، ولهذا أجمعنا على أن
ظواهر الكتاب والسنة حجة، وإن جاز تركها والتوقف فيها لأمور خارجة عنها( )0
1- فتوقف النبى  فى خبر ذى اليدين لتوهم غلطه لانفراده بذلك السؤال دون من صلى معه ، مع كثرتهم، فاستبعد الرسول  حفظه دونهم،
فحيث وافقه الباقون على ذلك، ارتفع توهم غلط ذى اليدين، وعمل بموجب خبره، فلم يلزم من ذلك رد خبر الواحد مطلقاً"( )0

وهذه كتب الآثار طافحة بأمثلة عديدة تؤيد اعتبار الرسول  لخبر الواحد حجة فقد "بعث رسله واحداً واحداً إلى الملوك، ووفد عليه
الآحاد من القبائل فأرسلهم إلى قبائلهم، وكانت الحجة قائمة بإخبارهم عنه  مع عدم اشتراط التعدد( )0
وهو القائل  : "نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع"( )0

2- وقل مثل ذلك فى قصة أبى بكر وعمر - رضى الله عنهما - فتوقف أبى بكر فى خبر المغيرة بن شعبة فى ميراث الجدة0 هذا
ليس منه مطرداً، فهو يريد مزيداً من التثبت والتحوط لا اتهاماً للمغيرة باعتباره راوياً فرداً، ولا طعناً فى حجية خبر الواحد0

بدليل أنه قبل خبر عائشة وحدها فى أن النبى  مات يوم الاثنين وقبل أيضاً خبرها وحدها فى قدر كفن النبى  فعن عائشة - رضى الله عنها
- قالت : "دخلت على أبى بكر  فقال : فى كم كفنتم النبى ؟ قالت : فى ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص، ولا عمامة، وقال لها فى
أى يوم توفى رسول الله ؟ قالت يوم الاثنين0 قال : فأى يوم هذا؟ قالت يوم الاثنين0 قال : أرجوا فيما بينى وبين الليل … الحديث"( )0
3- وأما قصة عمر  وتوقفه فى خبر أبى موسى فى الاستئذان، فإن أبا موسى أخبره بذلك الحديث عقب إنكاره عليه رجوعه بعد الثلاث،
وتوعده، فأراد التثبت خشية أن يكون دافع بذلك عن نفسه( )0 يدل على ذلك ما جاء فى إحدى طرق الحديث أن أبى ابن كعب قال لعمر:"
سمعت رسول الله  يقول ذلك يا ابن الخطاب! فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله قال سبحان الله!إنما سمعت شيئاً0 فأحببت أن أتثبت"(
)0

وفى رواية:"والله إن كنت لأمينا على حديث رسول الله ، ولكن أحببت أن أتثبت( )،وفى رواية:"أما إنى لم أتهمك0ولكن خشيت أن
يتقوَّل الناس على رسول الله ( )

وقد قبل عمر  أخبار آحاد كثيرة دون توقف0
1- فقد قبل خبر عبد الرحمن بن عوف وحده فى أخذ الجزية من المجوس0 فيما روى عنه  أنه ذكر المجوس،فقال : ما أدرى كيف
أصنع فى أمرهم0 فقال : عبد الرحمن ابن عوف : أشهد لسمعت رسول الله  يقول : "سنوا بهم سنة أهل الكتـاب"( )0
2- ومر قبوله خبر الضحك بن سفيان فى توريث امرأة أشيـم مـن ديـة زوجهـا( )0
2- ومر حديث تناوبه هو وجار له من الأنصار فى سماع الوحى( )0 أ0هـ والله أعلم0

أدلـة حجيـة خبـر الآحـاد

سبق وأن ذكرنا أن علماء المسلمين من أهل الحديث، وأئمة الفقه، وأصحاب الأصول - فى القديم والحديث - اهتموا بهذه
المسألة وكتبوا فيها أبواباً مطولة وفصولاً مطنبة، وفصلوا فيها الأدلة المستمدة من القرآن، والسنة، وعمل الصحابة، والتابعين، على حجية
خبر الآحاد ووجوب العمل به0

وخلاصة القول فى هذه الأدلة مسلكين على ما اختاره القاضى البيضاوى وعصبته كإمام الحرمين، والغزالى، والسبكى وولده، وفخر الدين
الرازى، وغيرهم0
1- المسلك الأول : يستند إلى أمر متواتر،لا يتمارى فيه إلا جاحد، ولا يدرؤه إلا معاند، وذلك أنا نعلم باضطرار من عقولنا أن الرسول  كان
يرسل الرسل، ويحملهم تبليغ الأحكام، وتفاصيل الحلال والحرام،وربما كان يصحبهم الكتب،وكان نقلهم أوامر رسول الله  على سبيل الآحاد، ولم
تكن العصمة لازمة لهم، فكان خبرهم فى مظنة الظنون، وجرى هذا مقطوعاً به، متواتراً لا اندفاع له، إلا بدفع التواتر، ولا يدفع المتواتر إلا
مباهت( )0
إلا أن المعترضين على قبول خبر الواحد قد أثاروا شبهة حول هذا المسلك وذلك بقولهم : "إن إرسالهم "أى الرسل والمبعوثون"
إنما كان لقبض الزكاة والفتيا ونحو ذلك"( )0

وقد تولى الإجابة عن هذه الشبهة الحافظ ابن حجر فبين أن هذا الاعتراض "مكابرة" لأن العلم حاصل بأن إرسال الأمراء كان لأعم
من قبض الزكاة، وإبلاغ الأحكام، وغير ذلك، ولو لم يشتهر من ذلك إلا تأمير معاذ بن جبل  وقوله له : "إنك تقدم على قوم أهل كتاب0 فليكن
أول ما تدعوهم إليه عبادة الله  فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات فىيومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله قد
فرض عليهم زكاة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإذا أَطَاعُوا بها، فخذ منهم وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ( )0 لو لم يكن إلا هذا الحديث لكان
فيه الغناء0
مع العلم أن "الأخبار طافحة بأن أهل كل بلد منهم، كانوا يتحاكمون إلى الذى أمر عليهم، ويقبلون خبره، ويعتمدون عليه من غير التـفات إلى
قرينة"( )0

وقديماً استدل الإمام الشافعى بهذا المسلك فى الرسالة فقال : "بعث رسول الله  سراياه وعلى كل سرية واحد، وبعث رسله إلى
الملوك إلى كل ملك واحداً، ولم تزل كتبه تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهى فلم يكن أحد من ولاته يترك إنفاذ أمره، وكذا كان الخلفاء من بعده( )0
وبهذا المسلك أيضاً استدل الإمام البخارى فى صحيحه فى كتاب إخبار الآحاد باب ما كان يبعث النبى  من الأمراء والرسل واحداً بعد واحد( )0
وقال ابن عباس : بعث النبى  دحية الكلبى( ) بكتابه إلى عظيم بصرى أن يدفعه إلى قيصر( )0

والأمثلة على أمراء السرايا والبعوث، وأمراء البلاد، ورسله إلى الملوك، كتب السير والتاريخ، ودواوين السنة زاخرة بها( )0

2- المسلك الثانى : إجماع الصحابة  على قبول خبر الواحد، وذلك فى وقائع شتى لا تنحصر، وآحادها إن لم تتواتر فالمجموع منها
متواتر، ولو أردنا استيعابها لطالت الأنفاس وانتهى القرطاس، فلا وجه لتعدادها إذ نحن على قطع بالقدر المشترك منها وهو رجوع الصحابة
إلى خبر الواحد إذا نزلت بهم المعضلات، واستكشافهم عن أخبار النبى  عند وقوع الحادثات، وإذا روى لهم تسرعوا إلى العمل به( )، فهذا ما
لا سبيل إلى جحده ولا إلى حصر الأمر فيه( )0

وعلى ما أجمع عليه الصحابة  "أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت حجية خبر الواحد، والانتهاء إليه فى وجوب العمل
به"( )0

وفى كتاب الله ، أدلة لا حصر لها تدل على : صحة المسلكين السابقين0 ففى القرآن الكريم قال تعالى : إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى
قَوْمِهِ ( )0 وقال : وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ( )0 وقال : وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا( )0 وقال تعالى لنبيه محمد  : إنا إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا
أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ ( )0 وقال  وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ( )0 فلو كان خبر الواحد غير مقبول لتعذر
إبلاغ الشريعة إلى الكل ضرورة، لتعذر خطاب جميع الناس شفاها، وكذا تعذر إرسال عدد التواتر إليهم، وهو مسلك جيد( )، ينضم إلى المسلكين
السابقين وبه قال الإمام الشافعى فى الرسالة( )0

وقال الإمام الشافعى بعد ذكره قوله تعالى : وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ(13)إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا
بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ( )0 قال : فظاهر الحجج عليهم باثنين ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد، وليس الزيادة فى التأكيد
مانعة أن تقوم الحجة بالواحد إذ أعطاه الله ما يُباين به الخلق غير النبيين"( )0
وبالجملة فكل خبر واحد فى القرآن الكريم، وفى السنة المطهرة، يشهد بحجية خبر الواحد ووجوب العمل به( ) أ0هـ0
والله تبــارك وتعالــى
أعلـى وأعلـم


ويقول الإمام ابن قيم الجوزية : "الذين قالوا لا يحتج بخبر الواحد فى العقائد من التوحيد، والصفات الإلهية، والبعث قالوا : الأخبار قسمان
متواتر وآحاد، فالمتواتر وإن كان قطعى السند لكنه غير قطعى الدلالة، فإن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين، وبهذا قدحوا فى دلالة القرآن على
الصفات وقالوا : الآحاد لا تفيد العلم، ولا يحتج بها من جهة طريقها، ولا من جهة متنها0 فسدوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه
وصفاته، وأفعاله من جهة الرسول 0 وأحالوا الناس على قضايا وهمية ومقدمات خيالية سموها قواطع عقلية، وبراهين نقلية، وهى فى
التحقيق كما قال الله تعالى : كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ
( )0

إن هذه التفرقة بين العقائد والأحكام فى العمل بخبر الآحاد، لا تعرف عن أحد من الصحابة، ولا عن أحد من التابعين، ولا من تابعهم، ولا عن
أحد من أئمة الإسلام، وإنما يعرف عن رءوس أهل البدع ومن تبعهم"( )0

ومما هو جدير بالذكر هنا أن بعض الحنفية ممن قال بهذا الشرط نقضه بنفسه بقبوله الآثار المروية فى عذاب القبر ونحوها، لأن
بعضها مشهور، وبعضها آحاد أيضاً كما يصرح السرخسى بقوله : "فأما الآثار المروية فى عذاب القبر ونحوها فبعضها مشهور، وبعضها آحاد
وهى توجب عقد القلب عليه"( )0

ونفس الشئ وقع فيه المعتزلة يقول القاضى عبد الجبار : "فإن قال : أفتجوزون ما ورد فى الأخبار من عذاب القبر، ومنكر ونكير،
والمساءلة، والمحاسبة، والميزان، والصراط، وغير ذلك؟ قيل له نعم، نؤمن بجميع ذلك على الوجه الذى نجوز له لا على ما يظنه الحشو
من أنه يعذبهم وهم موتى فى قبورهم، ولا كما تقوله المجبره من أنه لا أصل لعذاب القبر، وقد تظاهرت الأخبار بذلك، ولا يمتنع أن يتولى ذلك
من يلقب من الملائكة بمنكر ونكير، ليكون أعظم فى التعذيب، وكذلك المسألة، والمحاسبة، وغير ذلك … فنحن نؤمن بما جاء فى ذلك من
الأخبار، ولا خلاف بين الأمة فى ذلك"( )0
فهلا آمن أهل الزيغ والهوى بما آمن به من استدلوا بشرطهم( )؟!
أم كفاهم شرطهم ليكون وسيلة لهم للتشكيك فى حجية خبر الآحاد فى العقائد ؟!!0

سادساً : أما شرطهم لصحة قبول خبر الواحد بألا يثبت به حكم شرعى من فرض أو تحريم0 فيقول رداً على ذلك الإمام ابن قيم الجوزية
بقوله : "إن خبر الواحد لو لم يفد العلم لم يثبت به الصحابة التحليل والتحريم، والإباحة، والفروض، ويجعل ذلك ديناً يدان به فى الأرض إلى
آخر الدهر0 فهذا الصديق  زاد فى الفروض التى فى القرآن فرض الجدة، وجعله شريعة مستمرة إلى يوم القيامة، بخبر محمد ابن مسلمة
والمغيرة بن شعبة فقط، وجعل حكم ذلك الخبر فى إثبات هذا الفرض حكم نص القرآن فى إثبات فرض الأم، ثم اتفق الصحابة والمسلمون بعدهم
على إثباته بخبر الواحد … وأثبت عمر بن الخطاب ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الضحاك بن سفيان الكلابى وحده، وصار ذلك شرعاً
مستمراً إلى يوم القيامة وأثبت شريعة عامة فى حق المجوس بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده( )0
وهذا أكثر من أن يذكر، بل هو إجماع معلوم منهم، ولا يقال على هذا إنما يدل على العمل بخبر الواحد فى الظنيات، ونحن لا ننكر
ذلك لأنا قد قدمنا أنهم أجمعوا على حجيته والعمل بموجبه، ولو جاز أن يكون خبر الواحد كذباً أو غلطاً فى نفس الأمر لكانت الأمة مجمعة على
قبول الخطأ والعمل به وهذا قدح فى الدين والأمة( )0

سابعاً : ما ذهب إليه البعض من إسقاط الشرعية من خبر الآحاد فى المجال الدستورى والسياسى :
فيقول رداً على ذلك المستشار الدكتور على جريشة : (أسقط البعض الشرعية) عن أحاديث الآحاد فى المجال الدستورى،فقال إنها لا تصلح
مصدراً لهذا اللون من الأحكام( )،ومن قبل هذا رفض الخوارج والمعتزلة العمل بها، ولقد كانت حجة ذلك البعض القول بأهمية الأحكام
الدستورية،وعلى الجانب الآخر عدم يقينية أحاديث الآحاد،وعدم شهرتها، الذى استدلوا منه على عدم صحتها، ثم مسلك بعض الصحابة منها إذ
اشترطوا اليمين أو رواياً آخر0

وفى رد هادئ على هؤلاء نقول بعون الله : إن الأحكام الدستورية ليست إلا فرعاً من فروع القانون العام، إلى جواره فروع أخرى فى ذلك
القسم من القانون، ثم قسم آخر بفروعه هو قسم القانون الخاص0 ونحن لا نوهن من أهمية الأحكام الدستورية … ولكننا فى الوقت نفسه لا
نرتفع بها فوق أحكام السنة فى جزءها الأكبر (أحاديث الآحاد)0

وما نرى الأحكام الدستورية إلا جزءاً من الأحكام العملية التى اتفق الفقهاء فى المذاهب الأربعة على العمل بأحاديث الآحاد فيها0

ولئن كانت الأحكام الدستورية تقابل فى اصطلاحاتنا الفقهية مباحث الإمامة، فإن مباحث الإمامة عند الفقهاء من أهل السنة ليست سوى أحكام
فروع لا ترتفع إلى مرتبة الأصول … ولم يفعل ذلك إلا الغلاة من الشيعة؟

أما اشتراط اليقينية … فلم يشترطها أحد من الفقهاء فى أحكام الفروع وإن اشترطتها الأكثرية فى مجال الاعتقاد باعتباره مبنياً على اليقين0
أما القول بأن عدم شهرة أحاديث الآحاد دليل عدم صحتها، فإنه لا ارتباط بين الشهرة والصحة، كما أنه لا ارتباط بين الحق
والواقع، فقد يكون الحق واقعاً وقد يكون غير واقع، كما قد يكون الواقع حقاً، وقد يكون غير حق … كذلك قد يكون المشهور صحيحاً أو
غير صحيح، وقد يكون الصحيح مشهوراً أو غير مشهور0

أما مسلك بعض الصحابة منها فقد قدمنا أن أحداً منهم لم يرفض حديث آحاد ما دام صحيحاً، أما ما اشترطوه من حلف أو راو آخر فقد قدمنا
أنه لا يخرج الحديث عن مرتبة الآحاد( ) أ0هـ0
ولم يقف خصوم السنة المطهرة فى عصرنا على ما اشترطه المعتزلة ومن تأثر بهم من بعض فقهاء الأحناف0

فلم يكتفوا فى شروطهم لقبول خبر الواحد بعرضه على القرآن الكريم، ولا إلى عرضه على العقل، ولا ما سبق من الشروط، وإنما اشترطوا
أيضاً لقبول خبر الواحد عرضه على العلم التجريبى فما وافقه قبل وإلا فلا( )0

واشترطوا عرضه على التوراة والإنجيل، والفلسفات الحديثة فما خالفهم قبل وإلا فلا، وزعموا أنه من الإسرائيليات( )0

أما ما اشترطوه من عرض السنة النبوية على العهد القديم والجديد فما وافقهما كان دليلاً على أنه من الإسرائليات0
فيقول رداً على ذلك الدكتور محمد أبو شهبة -رحمه الله- : "ليس من الإنصاف فى شئ أن نقول : إن ما وجد فى الدين الإسلامى، ووجد فى
اليهودية أو النصرانية أن يكون مأخوذاً منها، فقد توافق القرآن الكريم الذى لا شك فى تواتره، وصونه عن أى تحريف، والتوراة والأنجيل فى
بعض التشريعات، والأخلاقيات والقصص، فهل معنى هذا أنه مأخوذ منها؟ أعتقد أن الجواب بالنفى0

ومما ينبغى أن يعلم أن الشرائع السماوية مردها إلى الله سبحانه، وأن العقائد، والفضائل الثابتة، والضروريات التى لا تختلف
باختلاف الأزمان، ولا باختلاف الرسالات أمور مقررة فى كل دين0 وصدق الله : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ( ) لكن هذه الأصول، والفضائل، والأخلاقيات، والضروريات جاءت فى
الدين الاسلامى أوفى ما تكون وأكمل ما تكون، وأصلح ما تكون، لكل زمان ومكان0 ولما كان الأمر كذلك فليس فى العقل، ولا فى الشرع ما
يمنع أن تتوافق فى بعض التشريعات، وفى بعض الأخلاقيات، وما حرف من : الكتب السماوية السابقة لم يحرف جميعه0 وقد كان القرآن
الكريم- بحكم أنه سلم من التحريف والتبديل، وتوافرت الدواعى والأسباب لوصوله إلى الأمة الإسلامية كما أنزله الله تبارك وتعالى0 مهيمناً
أى شاهداً على الكتب السماوية السابقة، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه فهو باطل قال تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ( ) أ هـ0
ومن الأحاديث التى زعم أعداء السنة المطهرة أنها من الإسرائيليات لموافقتها ما عند أهل الكتاب0 حديث "النيل وسيحان وجيحان
والفرات من أنهار الجنة"0

قال محمود أبو ريه : "روى هذا الحديث أبو هريرة، وقد أخذه من كعب الأحبار، القائل : "أربعة أنهار الجنة، وصفها الله  فى الدنيا، النيل نهر
العسل فى الجنة، والفرات نهر الخمر فى الجنة، وسيحان نهر الماء فى الجنة، وجيحان نهر اللبن فى الجنة"( )0
واستدل نيازى عز الدين بما استدل به محموداً أبو ريه : وقال نيازى : "لنسمع التوراة ماذا تقول فى "سفر التكوين"، الإصحاح
الثانى الفقرات من 10 – 14 وكان نهر يخرج من عدن يسقى الجنة، ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس اسم الواحد (فيشون) وهو المحيط
بأرض الحويلة حيث الذهب، وذهب تلك الأرض جيد"0

يقول نيازى عز الدين عن حديث "النيل، وسيحان، وجيحان، والفرات، من أنهار الجنة"، وأسلوب الحديث كما تلاحظون تواترياً
وهذا ما قصدت إليه، وهكذا فإن معرفة كتب أهل الكتاب ضرورية من أجل نقد الأحاديث كما رأيتم( )0

والجـواب :
إن الحديث الذى رواه أبو هريرة : صحيح غاية الصحة، وهو فى صحيح مسلم بلفظ: "سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل كلها من
أنهار الجنة"( )0 وفى الحديث الصحيح أيضاً؛ أنه  "رأى ليلة المعراج عند سدرة المنتهى أربعة أنهار، يخرج من أصلها نهران ظاهران،
ونهران باطنان، فقلت : يا جبريل إما هذه الأنهار؟ قال أما النهران الباطنان فنهران فى الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات"( )0

وفى رواية : "بينما رسول الله  فى السماء الدنيا إذ بنهرين يطردان، فقال : "ما هذان يا جبريل؟ قال : هذا النيل والفرات
عنصرهما"( )0


والحديث ليس على حقيقته كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء، وإنما الكلام على سبيل التشبيه، وأن هذه الأنهار تشبه أنهار الجنة فى صفتها
وعذوبتها، وكثرة خيراتها ونفعها للناس، وهو تأويل مقبول ومستساغ لغة وشرعاً ومن تتبع كلام العرب فى الجاهلية، وصدر الإسلام يجد من
أمثال ذلك الشئ الكثير( )0

وقيل : إن فى الكلام حذفاً، والتقدير "من أنهار أهل الجنة" ففيه تبشير من النبى  أن الله سينجز له وعده، وسينصره، وسيظهر له دينه على
الأديان كلها حتى يبلغ مواطن هذه الأنهار الأربعة وغيرها – إذ ذكرها على سبيل التمثيل لا الحصر – وهذا ما كان فلم يمضى قرن من الزمان
حتى امتد سلطان الإسلام من المحيط الأطلسى إلى بلاد الهند( )0

وذهب بعض العلماء إلى أن الحديث على ظاهره وفى ذلك يقول الحافظ ابن دحية: "قرأت فى تفسير القرآن العظيم، عند قول الله الكريم وَأَنْزَلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ( ) أنهما النيل والفرات، أنزلا من الجنة من أسفل درجة منها على جناح
جبريل، فأودعهما بطون الجبال، ثم إن الله سيرفعهما ويذهب بهما عند رفع القرآن، وذهاب الإيمان، فلا يبقى على الأرض خير، وذلك قوله جل
من قائل : فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ( )0 ذكره النحاس فى "معانى القرآن العزيز" له بأتم من هذا، وأسنده فاختصرته( )0

وقال الحافظ ابن دحية : "فإن قيل كيف طريق الجمع بين رواية إن النيل والفرات عند سدرة المنتهى أصلهما فى السماء السابعة،
ورواية أنهما فى السماء الدنيا لذكره عنصرهما، وهو أصلهما0
قلنا طريق الجمع بين الحديثين أن رسول الله  رأى فى أصل سدرة المنتهى أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسأل عنهما جبريل
فقال : "أما الباطنان فنهران فى الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات"0

ثم فى حديث شريك عن أنس عن النبى  "فإذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطردان"، فقال : ما هذان النهران يا جبريل؟ قال :
هذا النيل والفرات، عنصرهما0

ولنا فى التأويل وجهان سديدان :
إحداهما : أن يكون محمولاً على ظاهره، ويكون معناه أنه لما رأى عند سدرة المنتهى هذين النهرين مع نهرى الجنة، وذلك فى
السماء السابعة، ورأى فى السماء الدنيا هذين النهرين دون نهرى الجنة، كان لاختصاصهما بسماء الدنيا معنى، سمى ذلك الاختصاص عنصراً،
ولا يمتنع أن يكون لجميع الأربعة الأنهر أصل واحد هو عند سدرة المنتهى، ثم يكون لاختصاص هذين النهرين بسماء الدنيا أصل من حيث
الاختصاص وهو الامتياز لهما دون نهرى الجنة، سمى ذلك الامتياز والاختصاص عُنْصُراً، أى عنصر امتيازهما، واختصاصهما، فهذا وجه
سديد0

والوجه الثانى : أن يكون عنصرهما مبتدأ يتعلق به خبر سابق، لم يتقدم له ذكر من حيث اللفظ، لكن من حيث العهد، ويكون
معناه : هذا النيل والفرات، فيتم الكلام، ثم يكون عنصرهما ما كنت رأيت عند سدرة المنتهى يا محمد، فاكتفى بالعهد السابق عن إعادة الكلام0
وهذا وجه سديداً أيضاً0
وقد صح الجمع بين الحديثين، فلم يتعارضا، ولم يتنافيا، ولم يتناقضا0

وأما قوله  : فى صحيح مسلم "سيحان، وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة"، فأسنده الإمام أحمد فى مسنده عن أبى هريرة قال : قال
رسول الله  : "فجرت أربع أنهار من الجنة : الفرات، والنيل، وسيحان وجيحان"( )0

قال الحافظ ابن دحية : "وسند أحمد كالشمس فى صحته"( )، وزيادة لفظ "فجرت" وهو مفيد0
والكلام على معنى هذا الحديث يأخذ طرفاً مما تقدم، وهو أن هذه الأنهار لها مزية تشريف على سائر الأنهار التى بالأرض، وذلك
التشريف هو كونها فى الجنة، على معنى أنها فجرت منها، كما نص عليه فى حديث أحمد ثم ينتقل الكلام إلى كونها بالأرض جارية، ولا بعد
فى ذلك، فإن الأنهار المذكورة إذا كان تفجيرها من الجنة، والجنة فى السماء كما قال تعالى : عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى( )0 وقوله تعالى : أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ ( )0 على مذهب أهل الحق فى أن الجنة مخلوقة، وأنها لا تبيد من بين سائر المخلوقات0

هذا قول جميع العلماء فى الجنة والنار، وأنهما لا تبيدان، ولم يخالف فى ذلك سوى طائفة من أهل البدع والأشرار0
فتكون الأنهار المذكورة من الجنة تفجرت، أى جرى أصلها؛ لأن التفجير يليق بهذا المعنى، ومنه سمى "الفجر" لأنبثاث النور الساطع0 كذلك هذه
الأنهار لما كان لها أنبثاث وجريان سمى تفجيراً،وإليه الإشارة بقوله:"من الجنة"أى كان هذا التفجير فى الأصل من الجنة، ثم انبثت فى الأرض
فهذا ما يحمل عليه هذا المعنى ولا معارضة فيه، لما تقدم"( ) أ0هـ0

وأما ما ذكره محمود أبو رية عن كعب الأحبار؛ فقد عزاه إلى نهاية الأرب، وهو لا يعتمد عليه فى ثبوت الأحاديث، وكلامه وإن
ثبت؛ فهو محمول أيضاً على التشبيه، وبقليل من التأمل يتبين لنا أن إدعاء تأثر أبى هريرة فيما رواه بكعب بعيد، ولا يعدو أن يكون تظناً
وتخميناً، فالحديثان متغايران والأقرب أن يكون كلام كعب تفسيراً لحديث أبى هريرة على ضوء ما فهمه من قوله تعالى : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ( )0

وأما ما زعمه نيازى عز الدين من ورود ذلك الحديث فى التوراة فى "سفر التكوين"؛ فقد سبق وأن بينا أنه ليس فى العقل، ولا
فى الشرع ما يمنع أن تتوافق فى بعض التشريعات، وما حرف ما الكتب السماوية السابقة لم يحرف جميعه، والقرآن الكريم بحكم أنه سلم من
التحريف، والتبديل، هو المهيمن على الكتب السماوية السابقة، فما وافقه منها؛ فهو حق، وما خالفه فهو باطل، وليس العكس كما يزعم
أعداء السنة الشريفة0

يقول فضيلة الدكتور أبو شهبة : "وأياً كان التأويل فالحديث مستساغ لغة وشرعاً، وقد كان الصحابة بذكائهم، وصفاء نفوسهم،
وإحاطتهم بالظروف والملابسات التى قيل فيها هذا الحديث وأمثاله، يدركون ما يريده النبى  من مثل هذا الحديث الذى قد يشكل ظاهره على
البعض، ولذلك لم يؤثر عن أحد منهم – على ما كانوا عليه من حرية الرأى والصراحة فى القول – استشكال مثل هذا الحديث( ) أ0هـ0
وبعـد
[فإن خبر الآحاد متى ثبت على شرط المحدثين،صار أصلاً من أصول الدين،ولا يحتاج عرضه إلى أصل آخر، لأنه إن وافقه فذاك، وإن
خالفه لم يجز رد أحدهما، وليس سائر الأصول أولى بالقبول منه، ولا يجوز أن تتنافى أصول الدين، حاشا لله من هذا0]( ) أ0هـ0

والله تبــارك وتعالــى
أعلـى وأعلـم


الفصــــل الثالـــث

وسيلتهم فى الطعن فى رواة السنة المطهـــرة

وتحته مبحثان :
1- المبحث الأول : طعنهم فى عدالة الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-0
2- المبحث الثانى : طعنهم فى عدالة أهل السنة من المحدثين والفقهاء الأصوليين وسائر أئمة المسلمين –رضوان الله عليهم أجمعين-0


المبحـث الأول
طعنهـم فـى عدالـة الصحابـة 

وفيه تمهيد وستة مطالب :
التمهيد ويتضمن :
أ- هـدف أعـداء الإسلام مـن طعنهـم فـى الصحابـة 0
ب- وحكم أئمة المسلمين فيمن ينتقص صحابة رسول الله  0
المطلب الأول : التعريف بالصحابة لغة واصطلاحاً0
المطلب الثانى : التعريف بالعدالة لغة واصطلاحـاً0
المطلب الثالث : أدلــة عدالـــة الصحابــة0
المطلب الرابع : شبهات حول عدالة الصحابة والرد عليها0
المطلب الخامس : سنة الصحابـة  حجـة شرعيـة0
المطلب السادس : أبو هريرة  راوية الإسلام رغم أنف الحاقدين0

تمهيــد

وفيه هدف أعداء الإسلام من طعنهم فى الصحابة  ، وحكم أئمة المسلمين فيمن ينتقص صحابة رسول الله 0

أولاً : هدف أعداء الإسلام من طعنهم فى صحابة رسول الله  :
الطعن فى عدالة رواة السنة من صحابة رسول الله ، والتابعين فمن بعدهم إلى الأئمة أصحاب المصنفات الحديثية، من وسائل
أعداء الإسلام- من غلاة المبتدعة الرافضة، والخوارج، والمعتزلة، والزنادقة( )- فى الطعن فى السنة المطهرة0

وغرضهم من ذلك تحطيم الوسيلة التى وصلت السنة النبوية بها، وإذا تحطمت الوسيلة يصبح الأصل معتمداً على لا شئ فيصبح لا
شئ0

وقديماً صرح بذلك أحد الزنادقة فيما رواه الخطيب البغدادى فى تاريخه عن أبى داود السجستانى قال : "لماء جاء الرشيد بشاكر - رأس الزنادقة
ليضرب عنقه- قال : أخبرنى، لم تعلِّمون المتعلم منكم أول ما تعلمونه الرفض - أى الطعن فى الصحابة-؟ قال : إنا نريد الطعن على الناقلة،
فإذا بطلت الناقلة أوشك أن نبطل المنقول"( )0

وبذلك صرح ذيل (شاكر) محمود أبو ريه فى كتابه أضواء على السنة قائلاً : "إن عدالة الصحابة تستلزم ولا ريب الثقة بما
يروون، وما رووه قد حملته كتب الحديث بما فيه من غثاء، وهذا الغثاء هو مبعث الضرر وأصل الداء"( )0

ثانياً : حكم أئمة المسلمين فيمن ينتقص صحابة رسول الله  :
وما أصدق قول الإمام الحافظ أبى زُرْعة الرازى( ) -رحمه الله- : "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله ، فاعلم
أنه زنديق، وذلك أن الرسول  عندنا حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن، والسنن، أصحاب رسول الله ، وإنما
يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة"( )0
وعن عبد الله بن مصعب( ) قال : قال المهدى : ما تقول فيمن ينتقص الصحابة؟ فقلت زنادقة، لأنهم ما استطاعوا أن يصرحوا
بنقص رسول الله  فتنقصوا أصحابه، فكأنهم قالوا : كان يصحب صحابة السوء) ( )0

وصدق شمس الأئمة السرخسى : "الشريعة إنما بلغتنا بنقلهم فمن طعن فيهم فهو ملحد منابذ للإسلام دواؤه السيف إن لم يتب"(
)0
نعم إن الصحابة  "هم حجر الزاوية فى بناء الأمة المسلمة، عنهم قبل غيرهم تلقت الأمة كتاب الله ، وسنة رسوله  فالغض من شأنهم
والتحقير لهم، بل النظر إليهم بالعين المجردة من الاعتبار، لا يتفق والمركز السامى الذى تبوءوه، ولا يوائم المهمة الكبرى التى انتدبوا لها
ونهضوا بها0







 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:56 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "