التحذير من مشابهة الخوارج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في محكم التنزيل ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) [النحل:43], وصلى الله على النبي القائل فيما صح عنه: (العلماء ورثة الأنبياء, والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً, إنما ورثوا العلمَ, فمن أخده أخذ بحـظ وافـر) .
أما بعد: فقد روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج في آخر الزمان قومٌ حدثاء الأسنان, سفهاء الأحلام, يقولون من خير قول البرية, يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يحسبون أنه لهم وهو عليهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, فإذا لقيتموهم فاقتلوهم, فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة) واللفظ لمسلم .
فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعض صفات الخوارج, وجاء ذكر صفات أُخر لهم في أحاديث أخرى في الصحيحين وغيرها .
وقد ظهرت هذه الفرقة ((فرقة الخوارج)) في أواخر عهد الخلفاء الراشدين, في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه, فخرجوا عليه فحاربهم, فهزمهم الله على يديه في وقعة النهروان, ثم كان من آخر أمرهم معه أن قتله رضي الله عنه واحدٌ منهم – وهو عبد الرحمن بن ملجم – غيلة .
ومن أبرز عقائد فرقة الخوارج وأعمالها:
1- الغلو في التكفير, قال شيخ الإِسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (35 / 100): (إن تسليط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات, وإنما أصل هذا من الخوارج والروافض الذين يكفرون أئمة المسلمين لما يعتقدون أنهم أخطأوا فيه من الدين . . .) .
2- تخطئة من خالفهم مهما كانت منزلته في العلم, مع أنه يغلب عليهم قلة العلم حتى أنهم خطأوا جميع الصحابة وجميع علماء التابعين ومن بعدهم من أهل العلم, لأن جميع الصحابة وجميع العلماء من بعدهم قد خالفوهم وحكموا بضلالهم, قال شيخ الإِسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 28 / 497, عند ذكره لصفات الخوارج: (فهؤلاء أصل ضلالتهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون . . . ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفراً, ثم يرتبون على الكفر أحكاماً ابتدعوها) . وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى 13 / 30 عند كلامه عن الخوارج ومقولاتهم, قال: (قالوا: عثمان وعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين, لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله) .
وذكر الشيخ الدكتور ناصر العقل في رسالة ((الخوارج)) ص32 عند ذكره لصفات الخوارج الأولين أن صفاتهم: الغرور والتعالم والتعالي على العلماء, قال: (حتى زعموا أنهم أعلم من علي وابن عباس وسائر الصحابة, والتفوا على الأحداث الصغار والجهلة قليلي العلم ورؤوسهم) .
3- الخروج على ولاة أمور المسلمين, فقد خرج أوائلهم على الخليفة الراشد علي ابن أبي طالب كما سبق, ثم خرج من جاء بعدهم على خلفاء بني أمية, مما ترتب عليه قتل الكثير من المسلمين, وحصل منهم مفاسد كثيرة من اختلال الأمن وحصول الفوضى في كثير من بلاد المسلمين, ومن أجل هذا الأمر ومن أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بأنهم يخرجون على حين فرقة من المسلمين سموا ((الخوارج)) .
وفي هذا العصر المتأخر ظهر أقوام جُلّهم من الشباب قليلي العلم شابهوا الخوارج المتقدمين في بعض آرائهم .
ومن هذه الآراء التي شابهوا فيها الخوارج:
1- التسرع في التكفير, والحرص عليه, والغلو فيه بالتكفير باللوازم والتضييق في موانع التكفير, مع أن الحكم على المسلم بالكفر خطير جداً ولا يجوز أن يخوض فيه إلا العلماء الراسخون في العلم الذين توفرت لديهم آلة الاجتهاد, وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك) .
2- ازدراء علماء المسلمين والدعوة إلى عدم الأخذ بآرائهم, وربما تجد أحدهم يتهم العلماء بأنواع من التهم, لأنهم لم يوافقوه في آرائه ولم يتبعوا قوله, ولهذا يرى أنهم على باطل وهو على حق, مع أنه ليس من العلماء, وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن من أسباب ضلال الناس موت العلماء, كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله ابن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من الناس, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً, فسُئلوا, فأفتوا بغير علم, فضلّوا وأضلوا) فكيف بمن يعرض عن العلماء ويرى أن الحق مع غير أهل العلم ومع من لم تتوافر لديهم آلة الاجتهاد الشرعي ممن قل علمهم وفقههم .
وقد أشار الدكتور ناصر العقل إلى هذه المظاهر وغيرها عند الكثير من الشباب المعاصرين في كتاب ((الخوارج)) ص 107- 110 عند ذكره لأسباب ظهور سمات الخوارج في العصر الحديث, وقد ذكر ثلاثة عشر سبباً أكتفي بذكر أربعة منها, قال وفقه الله:
1- المتأمل لواقع أكثر أصحاب التوجهات التي يميل أصحابها إلى سمات الخوارج يجد أنهم يتميزون بالجهل وضعف الفقه في الدين, وضحالة الحصيلة في العلوم الشرعية, فحين يتصدرون للأمور الكبار والمصالح العظمى يكثر منهم التخبط والخلط والأحكام المتسرعة والمواقف المتشنجة .
2- تصدر حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام, وأشباههم للدعوة بلا علم ولا فقه, فاتخذ بعض الشباب منهم رؤوساً جهالاً, فأفتوا بغير علم, وحكموا في الأمور بلا فقه, وواجهوا الأحداث الجسام بلا تجربة ولا رأي ولا رجوع إلى أهل العلم والفقه والتجربة والرأي, بل كثير منهم يستنقص العلماء والمشايخ ولا يعرف لهم قدرهم, وإذا أفتى بعض المشايخ على غير هواه ومذهبه, أو بخلاف موقفه, أخذ يلمزهم إما بالقصور أو التقصير, أو الجبن أو المداهنة, أو بالسذاجة وقلة الوعي والإدراك! ونحو ذلك مما يحصل بإشاعة الفرقة والفساد العظيم وغرس الغل على العلماء والحط من قدرهم, ومن اعتبارهم, وغير ذلك مما يعود على المسلمين بالضرر البالغ في دينهم ودنياهم .
3- التعالم والغرور, وأعني بذلك أنه من أسباب ظهور سمات الخوارج في بعض فئات الأمة اليوم ادعاء العلم, في حين أنك تجد أحدهم لا يعرف بدهيات العلم الشرعي والأحكام وقواعد الدين, أو قد يكون عنده علم قليل بلا أصول ولا ضوابط ولا فقه ولا رأي سديد, ويظن أنه بعلمه القليل وفهمه السقيم قد حاز علوم الأولين والآخرين, فيستقل بغروره عن العلماء عن مواصلة طلب العلم فيهلك بغروره ويُهلك. وهكذا كان الخوارج الأولون يدّعون العلم والاجتهاد, ويتطاولون على العلماء, وهم من أجهل الناس .
4- شدة الغيرة وقلة العاطفة, لدى فئات من الشباب والمثقفين وغيرهم, بلا علم ولا فقه ولا حكمة, مع العلم أن الغيرة على محارم الله وعلى دين الله أمر محمود شرعاً, لكن ذلك مشروط بالحكمة والفقه والبصيرة ومراعاة المصالح ودرء المفاسد, فإذا فقد هذه الشروط أدى ذلك إلى الغلو والتنطع والشدة والعنف في معالجة الأمور, كما هو من خصال الخوارج, وهذا مما لا يستقيم به للمسلمين أم لا في دينهم ولا في دنياهم)) انتهى كلام أ.د. ناصر العقل وفقه الله .
وقال أيضاً في هذا الكتاب ص 115 عند ذكره لفئة معاصرة اتصفت ببعض سمات الخوارج تدعى ((التوقف والتبيُّن)) قال: ((ولم يظهر لي أن أهل التوقف والتبين في هذا العصر يمثلون جماعة واحدة في أصولها ومناهجها, ولا يجمعهم تنظيم أو إمرة, إنما هي نزعات وسمات ومواقف تتشابه, وقد تنضم مجموعات صغيرة, أو اتجاهات ومدارس متشابهة في أماكن شتى, وأكثرها في مصر, وبين العرب في أفغانستان وباكستان (بيشاور وغيرها) )). انتهى كلام أ.د. ناصر العقل حفظه الله .
وقد نقل بعض هذه الأفكار والآراء في السنوات القريبة من اتصل بهؤلاء من شباب كثير من البلاد الإِسلامية في شمال أفريقيا والجزيرة العربية والأردن وغيرها إلى بلدانهم.
فيجب على المسلم أن يسير على عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة, وأن يحذر من مشابهة الخوارج أو أي فرقة من الفرق المبتدعة في أي أصل من أصولهم, أو رأي من آرائهم, ليسير على الطريق المستقيم, ويسلم من الزلل والانحراف .
أسأل الله أن يقي المسلمين شرور فتن الشبهات والشهوات. وصلى الله على خير البرية وعلى آله وصحبه وسلم .
من ملاحق رسالة
((ضوابط تكفير المعين))
تأليف الشيخ:
عبد الله بن عبد العزيز الجبرين
الأستاذ بكلية المعلمين بالرياض