تحت عنوان 'المهم هو المال' نشرت 'هآرتس' الاسرائيلية مقالا بقلم تسفي برئيل قال فيه: 'اذا كانت ايران تريد اعطاء المساعدة، فهذا جيد. ولكن المهم هو أن يصل المال الى السلطة. المال الذي يصل الينا سيتحول الى مال فلسطيني، ولن ندفع ثمنا مقابله لان لدينا مبادىء وسياسات'، هذه الامور وردت في صحيفة 'الحياة' ولكن ليس على لسان اسماعيل هنية أو خالد مشعل، وانما قالها أبو مازن الذي أوضح 'انه لا توجد للمال الايراني رائحة'.
في الواقع ليست هناك أي رائحة لأي مال، لانه ما إن يصل الى السلطة حتى يتحول الى مال فلسطيني. اقوال أبو مازن هذه صدرت بعد فترة قصيرة من اعلان ايران عن عزمها التبرع ب 50 مليون دولار للحكومة الفلسطينية بعد أن فرضت عليها المقاطعة الدولية.
وربما كانت ايران مستعدة للتبرع بالمال فقط لحكومة حماس؟ 'نحن سنقف الى جانب حماس والى جانب الحكومة الفلسطينية. حكومة ايران ستدعم اقامة حكومة الوحدة الوطنية، وكل حكومة تحظى بموافقة حماس'. هذه الصيغة التي اقترحها علي لاريجاني، أمين سر مجلس الأمن القومي في ايران، في الشهر الماضي، والذي يتولى التفاوض مع الغرب حول المشروع النووي الايراني ويقوم ببلورة السياسة الخارجية الايرانية بدرجة كبيرة.
هذه الصيغة، ومثلها تصريحات أبو مازن، تدلل على الأقل على وجود موافقة مشتركة: كل جسم فلسطيني مستعد لأخذ المال من ايران، وايران جاهزة للمساعدة وتقديمها لأي جسم فلسطيني. ليس هناك أي فرق بين حماس وفتح، وهنية لم يقم باحداث أي شيء جديد في الشأن الايراني. اذا كانت هناك منافسة اقليمية في قضية المساعدة، فهي موجودة في الأساس في الجانب الممول وليس في الجانب المتلقي - بين السعودية وايران، ولكن ليس بين حماس وفتح. الممولون يعتقدون أنهم سيتمكنون من خلال المال التأثير على السياسات الفلسطينية التي يدعمونها. في اغلبية الاحوال اتضح أن الحركات الفلسطينية تستمتع من الحصول على المال ولكنها لا تلتزم بالضرورة بالسياسات التي توضع في الرياض أو طهران.
منذ عهد عرفات
المثال الأبرز على ذلك توافر في البداية في عهد ياسر عرفات من خلال م.ت.ف. عرفات كان بين القادة الأوائل الذين زاروا ايران بعد انقلاب 1979. سفارة م.ت.ف افتتحت في طهران حينئذ في المبنى نفسه الذي كان سفارة لاسرائيل. إلا أن حكاية الغرام بين فتح وايران لم تطل، ليس بسبب ايران - في حرب ايران - العراق قرر عرفات دعم صدام حسين.
في عام 1992 وإبان اجراء فتح محادثات المصالحة مع حماس في الخرطوم عاصمة السودان، قام عرفات بتفجير المحادثات عندما اتهم حماس مباشرة بالحصول على المال من الكويت والسعودية وايران. هذا كان قبل اتفاق اوسلو، وهذه الدول الثلاث كانت معادية ل م.ت.ف في حينه. أبو مازن سئل مرة خلال زيارته للكويت عما اذا كان يعتذر أمام الشعب الكويتي فقال انه يعتذر، ولكن 'دعونا من هذه الحكاية الآن'. هذا الموقف كان أحد المواقف العلنية الكبرى التي يبدي فيها أبو مازن خلافه مع موقف عرفات.
يبدو أن عرفات كان محقا حينئذ عندما اتهم حماس بالحصول على المال من السعودية وايران. في تلك الفترة كانت لدى اسرائيل واميركا وثائق تشير الى أن مؤسسات صدقة سعودية تقوم بارسال اموال كثيرة لمؤسسات الرفاه التابعة لحماس. بعد حين تبدل الشركاء وعادت السعودية لمساعدة عرفات.
الغرام المستمر
ولكن يبدو أن دعم عرفات للعراق لم يحل في وقت لاحق دون تقديم ايران المساعدة له. قضية سفينة السلاح 'كارين إي' في 2001 تدلل على أن مصالح ايران أطول مدى من ذاكرتها. "كارين إي" نقلت عشرات الأطنان من المواد الناسفة والاسلحة التي اشتريت في ايران، وكانت في طريقها الى اراضي السلطة عبر مصر أو عبر البحر.
في المقابل واصلت ايران حكاية الغرام مع حماس التي بدأت في مرحلة متأخرة نسبيا بالمقارنة مع حكايتها مع م.ت.ف. العلاقة الاولى بين حماس وايران عقدت في 1992 عندما طرد 415 من نشطاء الحركة الى لبنان في مرج الزهور. هذه كانت فترة العلاقة الأهم بين الطرفين، سياسيا وعسكريا. اغلبية من أبعدوا حينئذ الى لبنان تحولوا الى شخصيات مركزية في وقت لاحق: عبد العزيز الرنتيسي، محمود الزهار، اسماعيل هنية وغيرهم كثيرون.
15 مليونا سنويا
العلاقة مع ايران نشأت حينئذ بواسطة حزب الله، ولكن الانطلاقة في العلاقات حدثت على يد احمد ياسين بعد ذلك بخمس سنوات عندما أطلق سراحه من السجن الاسرائيلي بناء على طلب من الملك حسين. الملك اشترط اطلاق سراح عناصر الموساد الذين اعتقلوا في عملية اغتيال مشعل باخلاء سبيل احمد ياسين. رحلة ياسين الاولى كانت للسعودية حيث تلقى الرعاية الطبية، وفي الفرصة نفسها نجح في جمع بضع مئات من ملايين الدولارات من دول الخليج وايران التي تعهدت على ما يبدو باعطاء حماس 15 مليون دولار سنويا.
كانت لكل واحد من الطرفين حينئذ مصلحة خاصة به من وراء تبرعه لحماس. دول الخليج رغبت في منع احمد ياسين من زيارة العراق، الأمر الذي يمنحه الشرعية في فترة العقوبات. أما ايران فقد رغبت بدس يدها في كل موقع توجد فيه دول الخليج. هكذا فعلت في افغانستان وكذلك في البوسنة.
احمد ياسين الذي عين ممثلا لحماس في ايران، أوضح لمقربيه حينئذ أنه لن يسمح لأي دولة اجنبية بالتدخل في شؤون حماس رغم المساعدة الايرانية السخية. هذه كانت احدى النقاط الخلافية العميقة بينه وبين خالد مشعل. صحيح أن ياسين خرج من السجن بفضل مشعل، ولكن وفقا لمقربين منه هو لم يحترم أبدا هذا 'الأرعن' الذي حاول حتى خلال فترة اقامته في الاردن السيطرة على الحركة.
من يحرك مشعل؟
علاقات مشعل القوية مع ايران بعد إبعاده من الاردن وارتياب احمد ياسين بأن ايران هي التي تحرك مشعل، كانت دائما عاملا مؤثرا على التباعد السائد بين الاثنين. احمد ياسين خلف هذا الارتياب لاسماعيل هنية على ما يبدو الذي حاول في سنوات حكمه الاولى إبداء استقلاليته وابتعاده عن جناحي مشعل. المثال الأبرز على ذلك هو رفض هنية قبول اقتراح أبو مازن لتشكيل لجنة تحقيق للتحقق من الاشتباه في أن مشعل هو الذي كان وراء عملية تهريب السلاح الى الاردن قبل عدة اشهر. هنية رفض مدعيا أن حماس الداخل لا تملك أي علاقة بذلك. بذلك أوضح أن هناك خطا فاصلا بينه وبين مشعل. في وقت لاحق بعد اختطاف (الجندي الاسرائيلي) جلعاد شاليت في غزة، دعا هنية الخاطفين الى اعادته، أما مشعل فقد جند عملية الاختطاف لسياسته.
ايران في الوقت نفسه واصلت رعاية كل من يوافق على أن يكون تحت رعايتها. في نيسان 2001 عندما كان خاتمي رئيسا لايران عقد مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية والثورة الاسلامية في فلسطين، في المقابل صرحت ايران انها لن تعارض أي حل يتفق عليه الفلسطينيون.
تحطيم الاحتكار
محمود أحمدي نجاد يتبنى هذه التوجهات ايضا. في يناير 2006 التقى مشعل مع نجاد في دمشق بعد لقائهما السابق قبل شهر في طهران. في يناير من هذا العام التقى نجاد مع فاروق القدومي، أمين سر اللجنة المركزية ل م.ت.ف ومسؤول العلاقات الخارجية فيها. التقسيم واضح. اذا كانت السعودية ومصر حليفتين لأبو مازن الآن، فإيران تريد نصيبها من م.ت.ف، ولهذا جاءت صلتها بالقدومي.
ولكن السعودية ايضا لا تدس يدها في الصحن عندما يتعلق الامر بحماس، وهي في الوقت نفسه لا تسمح لايران بأن تكون محتكرة لتمويلات التنظيم. في العام الماضي اعتقل في القدس يعقوب أبو عصب بتهمة نقل الاموال من ممثلية حماس في السعودية الى حماس في المناطق. ممثلية حماس في السعودية لا تستطيع أن تتحرك من دون موافقة المملكة. أبو عصب نقل المال الى مؤسستين في شرقي القدس باسم 'الرفادة' و'إقرأ' التابعتين لحماس. عرفات هو الذي اشتكى في عام 2000 من نقل الاموال السعودية الى حماس رغم أنه هو نفسه كان يتمتع بالدعم السعودي.
تدخل ايران في شؤون حماس اليوم لا يختلف اذا بصورة عملية عن ذلك الذي كان في عهد ياسين، مثلما يعتبر دعم السعودية للسلطة الفلسطينية ولحماس مسألة ذات وزن مشابه. يكفي اقتباس تصريحات وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، الذي أعطى دعما كاملا لحكومة حماس، ولما قاله حاكم قطر الذي قال لكونداليسا رايس انه ليس من المعقول ألا تقدم حكومته المساعدة للسلطة الفلسطينية برئاسة حماس.
مع ذلك يبدو أن المساعدة العربية لحكومة حماس أكبر من المساعدة الايرانية رغم الصرخة. ايران تعهدت بارسال 250 مليون دولار وصل منها 120 مليونا و50 مليونا اخرى أرسلت في مطلع السنة. من الناحية الاخرى وصل الالتزام العربي الى نصف مليار دولار، وفي كل شهر يتم تحويل ملايين الدولارات كمساعدات انسانية. بعض المال يرسل مباشرة الى عناصر فتح الذين يخدمون في السلطة بواسطة حسابات بنكية فتحت خارج المناطق.
عن القبس الكويتية