عودة إلى الرد عليهم في نقصان القرآن]
[روايتهم أشياء غير صحيحة عن أهل البيت]
ومن جملة ما نذكره في هذا الموضع تنبيهاً على اختلاف رواياتهم عن أئمة الهدى عليهم السلام أشياء يدل العاقل على أنهم غير محقين في دعواهم على ذرية الرسول، وسلالة البتول صلوات الله عليهم لأن شهرتهم بالعدل، والتوحيد، ونفي الجبر، والقدر، والتشبيه أشهر من أن يفتقر إلى بينة، ولكن الذكرى تنفع المؤمنين، فإنهم رووا عن أهل البيت عليهم السلام الذين ادعوا أنهم أئمة سابقون، وأهل البيت عليهم السلام لذلك نافون، كما قدمنا أشياء تدل على التشبيه الذي نزههم اللَّه عنه، واشياء تدل على أنهم فسروا كتاب اللَّه تعالى بما لايوافقه تحقيقه اللسان العربي، ولا بمجازه، ومثل ذلك لايعجز العادلين عن اللَّه، والمحرفين لكتابه، وإلى [مثل ذلك] ذهبت [الباطنية] الملاحدة، وكفرها بذلك جميع الزيدية،وكافة الأمة، وأهل المعرفة من علماء الإمامية اعتمدوا تفاسير علماء العدلية كأبي علي، وأبي القاسم، وأبي مسلم، والزجاج، وغيرهم.
[نماذج من تفسير الإمامية]
هذا كتاب [الغرر والدرر] للشريف المرتضى، وكتاب [تنزيه الأنبياء] والتفسير الذي صنفه عبدلي، وأبو جعفر الطوسي، وغيرهم من المحصلين منهم لايوجد في هذه التفاسير إلا حكاياتهم عن هؤلاء العلماء الذين سميناهم، وكان ينبغي أن تكون تفاسيرهم مضافة إلى أئمتهم، وحكاياتهم عنهم، ولا سيما أنهم يقولون إن التفسير لايجوز أن يكون من غير الأئمة عليهم السلام، فأما ماهو مذكور في كتبهم التي صنفها المتقدمون منهم، وحكوها عن الأئمة فلا يرجعون إليها، ولا يعتمدون عليها.
ونحن نذكر من ذلك طرفاً يستدل به على ما وراءه:
قد صنف التريقي تفسيراً سماه كتاب [التحريف والتنزيل] فكل ما في القرآن من ذكر الظالمين جملة على ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكل خير جعله الولاية، وكل شر جعله أبا بكر، وعمر إلا القليل.
وكذلك في [نوادر الحكمة] لأبي جعفر القمي، وما ينسب إلى رواية الجعابي ، يرويه بإسناده عن سليمان بن إسحاق بن داوود المهلبي، عن عمه عبد ربه إلى عمرو المهلبي، عن أبي حمزة الثمالي، وسدير بن حكيم الصوفي، وكثير بن سعد، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، وهذا التفسير غير ما يرويه الناس عن أبي جعفر، وفي هذا التفسير الذي زعموا أنه يرويه المهلبي في قول اللَّه تعالى: ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾[البقرة:55]، قال: نزلت في علي يوم بدر.
﴿عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾[البقرة:60]، قال: أعلم الناس على لسان نبيهم من الخليفة بعده، ونص عليه، ﴿ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ﴾[البقرة:58]، قال: يريد ولاية علي، ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾[البقرة:63]، قال أبو جعفر: هي الولاية، ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾[البقرة:63]، قال: قد دعوناكم إلى ما دعاكم إليه الرسول، ورفعنا فوقكم العذاب لننظر طاعتكم فإن لم يفعلوا قذفنا يعني أمير المؤمنين عليكم، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا﴾[آل عمران:85]، يطيع غير علي، وقوله: ﴿الأَرْض المُقَدَّسَة﴾ قال: هي المدينة.
وروي عن أبي جعفر عليه السلام من يقول إنه الشام فقد أخطأ ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ [أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ] فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾[المائدة:32]، قال: من لم يتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أمر به أمير المؤمنين فقد قتلهما جميعاً، وقوله: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾[الإسراء:4]، قال: الأولى اجتماعهم على منع أمير المؤمنين [ما] أعلمهم اللَّه به من خلافته يوم السقيفة، وأحسب أنه ذكر الثانية: ممالأتهم لأبي بكر على عقد الخلافة لعُمَر، ﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ﴾[النمل:39]، قال: عمر، ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾[النمل:48]، قال: فلان، وفلان، وابن زيد، وابن عوف، وعامر، وخالد بن الوليد، ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾[النمل:56]، قالوا: قال علي عليه السلام فينا نزلت القصة، وقوله: ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾[القصص:17]، قالوا: نزل في أهل أمير المؤمنين [المجرمين] فلان، وفلان.
وفي تفسير البرقي الذي سماه [التنزيل والتحريف] قوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾[يس:12]، قال: عليٌّ، ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾[الصافات:88،89]، رووا عن أبي عبدالله عليه السلام أنه حسب فعرف ما يصنع بالحسين عليه السلام فقال: إني سقيم منصور.
عن علي بن أسباط، عن الحكم بن بهلول، عن أبي ثمام، عن أبي أذينة، عن رجلين، عن أحدهما أبي جعفر، أو أبي عبدالله عليهما السلام قال: قام رجل فقال: قد ذكر اللَّه هارون فلم يذكر علياً في كتابه، قالوا: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((غلطت يا أعرابي، [ألم] تسمع قول اللَّه عز وجل قال: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾[الحجر:41]، ﴿وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾[الحجر:79]، [يعني الإمام] .
عن أبي حمزة، عن أبي جعفر: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾[الإسراء:73]، في علي.
محمد بن مسلم قال: قرأ أبو عبدالله: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ﴾[الصافات:75]، قال: قلت نوح، ثم قلت: جعلت فداك انظر في هذا النحو، فقال: دعني عن [سهمكم] هذا.
عبد الأعلى قال: قال أبو عبيد صاحب الغريبة: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾[المائدة:13]، وهو في الأصل كلام اللَّه جائز، قال: سألت أبا جعفر عن قول اللَّه سبحانه وتعالى: ﴿ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا﴾[الكهف:21]، قال: يا معاشر الأوصياء، اجعلوا رسلاً بينكم، وبين المؤمنين يبلغون عنكم الرسالة إلى المؤمنين، وتكونوا أنتم في ستر وحجاب، ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾[الكهف:21]، نقول إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله [وسلم] أمر الأول بالصلاة فاتخذوه إماماً واجتمعوا عليه كما فعلت الأمة.
ابن أرومة القمي، عن يونس قال: قلت لأبي الحسن الرضى: إن قوماً طالبوني باسم أمير المؤمنين في كتاب اللَّه، فقال: هو قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾[مريم:50]، قال: هو كذلك.
ابن جمهور، عن حماد بن عيسى، عن جرير، عن أبي عبدالله، ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾[الشعراء:224]، قال: إنما عنى به هؤلاء الفقهاء الذين يشعرون قلوب الناس بالباطل.
أبو نصر، عن أبي عبدالله في [قوله] عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، قلت: خلقوا للعبادة وهم يعصون، ويعبدون غيره فقرأ: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾[الطلاق:1]، فعرفت أنها منسوخة.
===
حماد، عن جرير، عنه: أنها منسوخة نسخة، ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾[هود:118،119]، للإختلاف.
جابر، عن أبي جعفر: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾[النجم:8،9]، قال: أدناه الله منه حتى كان منه كما بين سنتي القوس، فأوحى اللَّه في علي ما أوحى.
[عن عبد الملك] ، عن أبي عبدالله قال: رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ربه، وبينه وبينه فراش من زبرجد، ولؤلؤاً ثم تلا: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾[النجم:13،14]، وهذا تشبيه محض كما ترى نزه اللَّه منه ذرية نبيه.
ومن كتاب [نوادر الحكمة] لأبي جعفر القمي من باب الإمامة، والولاية، عن المفضل، عن أبي عبدالله: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ﴾[الشرح:7]، يعني ولاية علي، فانصب علياً للولاية.
القاسم بن سماعة قال: سألت أبا جعفر عن قوله تعالى : ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً﴾[الإسراء:110] قال تفسيرها: ولا تجهر بولاية علي، ولا بما أكرمته به حتى أمرك به، ولا تخافت بها يعني [و] لاتكتمها عليه، وأعلمه بما أكرمته.
عن أبي جعفر، عن أبي الحسن قال: قال أبو عبدالله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾[الملك:30]، قال: أرأيتم إن غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد، ومن باب الإظلال.
محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن ابن سنان قال: سألت أبا عبدالله عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحلم؟ قال: كفار والله أعلم بما كانوا عاملين.
فهل هذا تفسير يليق بأهل بيت النبوة، ومعدن العلم [والرسالة] كيف يكون كافراً من لم يجر عليه الحلم، ويلزمه التكليف [كافراً] ، ويقع الشك فيما كانوا يعملون، قال: ويدخلون مدخل آبائهم، ومن فضائل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته.
محمد بن سنان ، عن أبي مالك قال: حدثني إسماعيل الجعفري قال: كنت في المسجد الحرام قاعداً، وأبو جعفر في ناحية ثم قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾[الإسراء:1]، [فذكر] حديث المعراج إلى أن قال: فرأيت ربي حالت بيني وبينه السحابة فرأيته في شبه الشاب الموقف رجليه في خصره في سن ابناء ثلاثين، قال [قلت] : جعلت فداك وما هي الفسحة؟ قال: جلال ربي، جلال ربي فرأيت قفصاً من ياقوت يتلألا فقال: يا محمد، قلت: لبيك يارب، قال: فيم اختصم الملأ الأعلى، قلت: لاعلم لي، فوضع يده [بين ثديي] فوجدت بردها بين كتفي، وإنما كان مقبلاً على ربه، ولم يكن مدبراً.
[الرد عليهم وعلى تفاسيرهم]
وهذا قليل من كثير مما هو موجود في تفاسيرهم المنسوبة إلى الأئمة عليهم السلام، والله تعالى ينزههم من هذه الأقوال الواهية، والترهات المتلاشية، فكيف يطعن في التفاسير المروية عن العلماء المصححة بالأدلة، ويوجب الرجوع إلى التفاسير التي يضيفونها إلى الأئمة عليهم السلام، ومعاذ اللَّه أن تكون هذه أقوال أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وبحار الندى، وشموس العلم، وجبال الحلم، وذرية المصطفى، وعروة اللَّه الوثقى، وهم أقمار الدين الباهرة، ونجوم الإسلام الزاهرة، وبحاره الزاخرة، فهل يجوز أن تصحح هذه التفاسير المنقطعة الأصول، الواهية المعاني، البعيدة الإتصال، القائدة للتشبيه، وإنما روَّج القوم أحوالهم بأن أضافوها إلى عترة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وشرعوا لها أسانيد يلزم ردها، وأهل التحصيل من الإمامية يأبون ذلك كإبائنا، ولعلهم يقولون: إن الأئمة قالوا ذلك تقية.
وكيف يشبه الباري بخلقه في قوله في سن ابن ثلاثين، وترك يده بين ثدييه، ما هذا بملائم لما عليه أهل التحقيق إنما يده قدرته، ونعمته، إن الجوارح تستحيل عليه لأنها مركبة مصنوعة فكان لابد لها من صانع، وإنما أردنا أن نذكر هذه الأمور تنبيهاً للغافل ، وتبصرة للجاهل، وتذكرة للعاقل ، فإن علم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم منيع الجوانب، منزه عن الشوائب، تزول الجبال، ولا يزول، ويشهد به محكم الكتاب، وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأدلة العقول، فهو نورٌ يستضاء به في ظلم الشبهات، وبرهانٌ يتخلص به من حبائل المشكلات، ودواء يستشفى به من معضل الآفات، وما لا يندمل من الجراحات، فكيف يكون بيانهم تعمية، ودينهم تورية، هذا ما تأباه العقول، وكيف وقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) فرموا كتاب اللَّه تعالى بالتحريف، والزيادة والنقصان، وعترة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في التقية بغير الحق، والتلبيس، والمناقضة، والإدهان، فلو أن عدُوَهم جهد في ذمهم، وفي انتقاص كتاب ربهم ما زاد على هذا المقدار، ولا رمى بمثل هذا العار، فنسأل اللَّه تعالى توفيقاً يثبت أقدامنا من الدحض، ويعصم قلوبنا من المرض، والصلاة على محمد وآله.