اتفق أن كنت في مجلس حوى بين حضوره أحد الروافض، فدار الحديث حول الإمامة، فذكر الرافضي أن أبا الحسن علي بن ميثم سأل أبا هذيل العلاف: أليس تعلم أن إبليس ينهى عن الخير كله ويأمر بالشر كله؟ فقال نعم. قال: أفيجوز أن يأمر بالشر كله وهو لا يعرفه وينهى عن الخير كله وهو لا يعرفه؟ قال لا. فقال له أبو الحسن: قد ثبت أن إبليس يعلم الشر كله والخير كله. قال أبو الهذيل: أجل. قال: فأخبرني عن إمامك الذي تأتم به بعد الرسول صلى الله عليه وآله، هل يعلم الخير كله والشر كله؟ قال لا. قال له: فإبليس أعلم من إمامك، فانقطع أبو الهذيل. قلت: لعلك تريد باستدلالك هذا أن تذهب إلى فساد إمامة الخلفاء الثلاثة وغيرهم من خلفاء المسلمين. قال أجل. قلت: فأنا أكشف عن زيف هذا الاستدلال إن شاء الله، فقد روى صاحب زهر الربيع السيد نعمة الله الجزائري – رحمة الله على غيره – في كتابه زهر الربيع:
"عن أمير المؤمنين (ع) قال: كنت جالسا عند الكعبة فإذا شيخ محدودب أتى النبي (ص) فقال: ادع لي بالمغفرة، فقال له النبي (ص): خاب سعيك يا شيخ. فلما ولى قال يا علي هذا إبليس. قال فعدوت خلفه لأخنقه فقال لي: يا أبا الحسن، لا تفعل فإني من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، والله يا علي إني لأحبك جدا، وما أبغضك أحد إلا شاركت أباه في أمه فصار ولد زنا، فضحكت وخليت سبيله". ص 15
قال الرافضي: نعم، قد مرت علي هذه الرواية في عدد من المصادر، فما أنكرت منها؟
قلت: قد أثبتم فساد إمامته من عدة وجوه، منها:
1- أن إبليس أعلم من إمامكم حتى احتاج إلى تنبيهه لحقيقة أنه منظر إلى يوم الوقت المعلوم، ومن كان في حاجة إبليس لتذكيره لم تصح إمامته. فامتقع وجه الرافضي.
2- أن الإمام قد وقع منه النسيان، فبطلت نظرية العصمة عن الخطأ والسهو والنسيان التي تحتجون بها في شرائط الإمامة.
3-أن إبليس أمر الإمام عيانا جهارا بقوله "لا تفعل" وهو فعل أمر، فاستجاب له طواعية، فمن عاين إبليس على الحقيقة وأئتمر بأمره لم تجز إمامته، فثبت بذلك فضل الثلاثة عليه.
4- أن إبليس أفلح في إدخال السرور على إمامكم، فقد ذهب غاضبا حانقا يريد خنقه، وانتهى به الأمر ضاحكا مستبشرا مخليا سبيله. ثم لا يخفى ما تركته هذه الحادثة من جو الصداقة والمرح بين إبليس وإمامكم.
ثم قلت: دع عنك هذا الآن وخبرني، هل يدخل إبليس الجنة؟
قال الرافضي: حتى يلج الجمل في سم الخياط.
قلت: ألستم تروون أن حب علي طاعة لا تضر معها معصية، ورويتم أنه قسيم الجنة والنار يدخل محبيه الجنة ومبغضيه النار؟
قال الرافضي: بلى
قلت: فعلى قولكم هذا، فإن إبليس يدخل الجنة.
قال الرافضي: أفصح عن استدلالك.
قلت: جعلك الله من أهل الرشاد، أولم يقل إبليس: "والله يا علي إني لأحبك جدا"
قال الرافضي مهمهما: أجل
قلت: فهل أنكر عليه علي مقالته؟
فصمت الرافضي، فقطعت عليه صمته قائلا: فحيث أنه لم يكذبه في دعوى حبه، ثبت أنه صادق، ولزم أن يدخله الجنة. فإن لم يدخله الجنة لزم كونه غادرا أو سفيها، ومن كان من صفاته الغدر والسفه لا تصح إمامته، ووجب قياسا على منطقكم هذا أن يدخل إبليس الجنة.
فانقطع الرافضي ولم يأت بشيء يوجب ذكره واستحسن الحاضرون هذا الرد ولله الحمد من قبل ومن بعد.