الجذور اليهودية للشيعة
في كتاب علل الشرايع للصدوق الشيعي
دراسة نقدية
تأليف
أ. د. / محمد عبد المنعم البري
عميد مركز الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر
رئيس جبهة علماء الأزهر الشريف سابقا
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ {85} وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ {86} وَأَلْقَوْا إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {87} )
[ سورة النحل، الآيات : 85-87] .
( وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ) [ الأنفال : 60 ]
صدق الله العظيم
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبك المصطفى وصفيك المجتبى نبينا محمد وآله العترة الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى ، إلى يوم الدين ، عدد من دخلوا في رحمتك بسببه يا أرحم الراحمين وبعد.
فقد تعارف العلماء على أن الإنسان المثقف هو الذي يأخذ من كل فن بطرف ، أو من يعي شيئا من كل شيء، ولا شك أن العلوم والمعارف الإسلامية ، وما يخدمها أو يتصل بها من قريب أو بعيد ، وكذا الفرق المنشقة أو الدخيلة أو المناوئة للدين القيم ، أولى بالاهتمام والاستيعاب وأخذ الصورة الصادقة عنها من وثائقها الثابتة ، ومصادرها الأصيلة ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ، لوضع حد لمزايداتهم المؤسفة ، لتشويه وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، بدعوى فشله في اختيار الصف الأول من الأصحاب والزوجات رضوان الله عليهم أجمعين.
ولفضح خصوم الإسلام ، من أدعيائه الذين يتعبدون بالكذب على الله تعالى ورسوله وآل بيته ، ويمثلون الصورة الكئيبة القبيحة للإسلام ، كصنائع المنافق اللعين واليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ الذين دعمهم وأبرزهم على الساحة، الاحتلال الفرنسي للشام ، كالنصيرية في سورية رهط حافظ الأسد ، وكذلك الدروز في لبنان ، أصحاب الحزب التقدمي ، الذي يتزعمه آل جنبلاط .
وألعن الفرق المقاتلة في الجيش الصهيوني ، وأشدها تنكيلاً بالمستضعفين من المسلمين والعرب ( اللواء الدرزي ). ولم تكن المخيمات الفلسطينية للعزل والأبرياء من الأطفال والنساء بلبنان كصابرا وشاتيلا وغيرهما بأحسن حظًا منها بين مخالب المعتدين عليهم من حركة أمل الشيعية وحزب الله اليد الطولى لإيران والشيعة الإمامية الجعفرية الاثنى عشرية، بما يفسر في الواقع المحسوس قول الحق سبحانه :
( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوَا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82}) [ سورة المائدة الآية : 82].
عوامل التشجيع على وضع الفكر الشيعي تحت المجهر
من أهم العوامل التي شدت العزيمة للخوض في هذه المستنقعات الأسنة ما يأتي :
1- النتائج المشرفة للحوار الهادئ مع أحد أعلام الشيعة بأمريكا 1985م بأحد المراكز الإسلامية الكبرى خلال شهر رمضان المبارك ، أوردها فيما بعد .
2- ورود كثير من النصوص التي توصي الأتباع باعتبار عقائدهم أسرارا تحت الأرض لا يصح كشفها إلا للشيعة وتهديد من يخالف هذه الوصية بأوخم العواقب في الدنيا والآخرة ، وأقرب هذه الوصايا المؤكدة لذلك ما أورده رئيس المحدثين الشيعة في السطرين الأخيرين ص 610 من كتابه الذي بين أيدينا علل الشرايع يقول : [ وانصرف ولا تطلع على سرنا أحدا ، إلا مؤمنا مستبصرا ، فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك ] .
وبهذا الحظر الحاسم ندرك سر جهل الكثيرين من أهل العلم والفضل بخفايا عقائد هؤلاء ، وغرائب فكرهم ، وعجائب تأويلاتهم بما يضحك الثكلى .
3- شهادة الإمام الشعبي (1) شيخ التابعين وإمامهم في شأن الشيعة الروافض أنهم صنائع اليهود ، وأنهما وجهان لعملة واحدة ، بما تفيض به المراجع العريقة للأعلام ، مثل الفقيه : أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ، في كتابه العقد الفريد ، ج 2 ص 122 و123 ، ما أورده مالك بن معاوية قال : قال لي الشعبي : ( وذكرنا الرافضة ) [ يا مالك ، لو أردتَ أن يُعطوني رقابَهم عبيداً وأن يملؤوا بيتي ذهبا على أن أَكْذبِهُم عَلَى عَلي كذبة واحدة لفعلوا ، ولكني والله لا أكذب عليه أبدا ، يا مالك ، إني درست (2) الأهواء كلها ، فلم أر قوما أحمق من الرافضة ، فلو كانوا من الدواب لكانوا حميرا ، أو كانوا من الطير لكانوا رخما ، ثم قال : أحذرك الأهواء المضلة ، شرها الرافضة ، فإنها يهود هذه الأمة ، يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية ، ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة من الله ، ولكن مقتا لأهل الإسلام وبغيا عليهم ، وقد حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ، ونفاهم إلى البلدان ، منهم عبد الله بن سبأ ، نفاه إلى ساباط ، وعبد الله بن سباب ، نفاه إلى الجازر (3) ، وأبو الكروس ، وذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود ، قالت اليهود : لا يكون الملك إلا في آل داود ، وقالت الرافضة : لا يكون الملك إلا في آل علي بن أبي طالب ، وقالت اليهود : لا يكون جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح المنتظر، وينادي مناد من السماء ، وقالت الرافضة : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينزل سبب من السماء ، واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ، وكذلك الرافضة ، واليهود لا ترى الطلاق الثلاث شيئا ، وكذا الرافضة ، واليهود لا ترى على النساء عدة ، وكذلك الرافضة ، واليهود تستحل دم كل مسلم ، وكذلك الرافضة ، واليهود حرفوا التوراة ، وكذلك الرافضة حرفت القرآن، واليهود تبغض جبريل وتقول : هو عدونا من الملائكة ، وكذلك الرافضة تقول : غلط جبريل في الوحي إلى محمد بترك علي بن أبي طالب ، واليهود لا تأكل لحم الجزور ، وكذلك الرافضة ، ولليهود والنصارى فضيلة على الرافضة في خصلتين : سئل اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب موسى ، وسئلت النصارى ، فقالوا : أصحاب عيسى ، وسئلت الرافضة : من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب محمد، أمرهم بالاستغفار لهم فشتموهم ، فالسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة، لا تثبت لهم قدم ، ولا تقوم لهم راية ، ولا تجتمع لهم كلمة ، دعوتهم مدحورة ، وكلمتهم مختلفة ، وجمعهم مفرق ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله].
وذكرت الرافضة يوما عند الشعبي فقال : لقد بغضوا إلينا حديث علي بن أبي طالب.
وقال الشعبي : ما شبهت تأويل الروافض في القرآن إلا بتأويل رجل مضعوف من بني مخزوم من أهل مكة ، وجدته قاعدا بفناء الكعبة . فقال : يا شعبي ما عندك في تأويل هذا البيت ؟ فإن بني تميم يغلطون فيه ، يزعمون أنه مما قيل في رجل منهم ، وهو قول الشاعر :
بيتا زرارة محتب بفنائه ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
فقلت له : وما عندك أنت فيه ؟ قال : البيت هو هذا البيت ـ وأشار بيده إلى الكعبة ـ وزرارة الحجر ، زرر حول البيت ، فقلت : فمجاشع ؟ قال : زمزم ... إلى آخر خرافاتهم المضحكة ، لا سيما في تأويل القرآن الكريم.
4- توفر الوسائل المتاحة للبحث والدراسة المتأنية في أمهات كتبهم ، وأهم مراجعهم الدينية ، من الكتب الأربعة التي يقوم عليها دينهم ، مثل: "من لا يحضره الفقيه"، لأبي جعفر الصدوق ، رئيس المحدثين الشيعة (أربع مجلدات) والذي نحن بصدد دراسة تحليلية نقدية ، لنماذج من عقائد الشيعة ومفاهيمهم ، من خلال كتابه " علل الشرايع " ( جزآن ) ، و"الاستبصار" للطوسي (أربع مجلدات) ، وكذا "التهذيب" له ، و"الكافي" للكليني ، وعشرات المجلدات الأخرى ، بما يشكل مكتبة شيعية خاصة، حصلت عليها مجانا ، إثر قرار الخميني بتصدير الفكر للخارج ، خلال عملي كأستاذ معار لإحدى جامعات الخليج .
5- الأمل والرجاء في عفو الله ورحمته ، أن يرد بعض ذوي العقل والنظر فيهم ، من التردي في مهاوي ألعن كبيرة في الإسلام ، وهي الشرك بالله ، بمثل جعل علي رضي الله عنه شريكا منفذا له حق الإدارة والأمر في الجنة والنار ، ومالك ورضوان يأتمران بأمره ، ووصفه بصفات الألوهية ، كعدم النسيان ، وعلم ما كان ويكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، بعد حكم الله سبحانه في قرآنه الخالد (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بت وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {48} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً {49} انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا ) [ سورة النساء : الآيات من 48 ـ 50 ] .
6- الفرار من سخط الله ولعنته وأليم عذابه ، لا سيما والفقير شيخ على مشارف اللقاء والعرض على مولاه، وقد انبلج الصبح لذي عينين، والله سبحانه وتعالى يتوعد كل شيطان أخرس ، يعرف الحق ويكتمه ، بالطرد والحرمان ، والإبعاد من رحمة الله التي وسعت كل شيء ، في قوله سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [ سورة البقرة : الآيات من 159 ـ 160 ] .
وأقوم بمشيئة الله وعونه ـ بعرض ونقد علمي ، لنماذج مما وردت في هذا الكتاب ، من تعليلات فاسدة تضحك الثكلى ، ثم أقوم بنقدها وتفنيدها والرد عليها ، وقد قسمت هذه النماذج إلى عدة موضوعات عامة تجمع تحتها الكثير من المسائل والقضايا ، ويلاحظ على الكتاب في ترتيبه الموضوعي والعددي أنه لم يبذر سمومه مع بدايته، ليخدع القارئ ويعمّي عليه الأمر ، ثم يجمع خبائثه مع نهاية الكتاب ، وبالتالي سنجد هنا معظم الأفكار الضالة والتعليلات الساقطة في منتصف الكتاب وما بعده إلى نهايته .
وفي الفصل الأول أبين صورة عامة عن المؤلف وكتابه، ثم الفصل الثاني : وقد قسمت هذا الفصل إلى عدة مباحث هي :
المبحث الأول : ما يتعلق بالأنبياء عليهم السلام.
المبحث الثاني : ما يتعلق بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المبحث الثالث : ما يتعلق بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
المبحث الرابع : ما يتعلق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
الفصل الثالث : العبادات .
الفصل الرابع : المعاملات والعلاقات الإنسانية والاجتماعية مع مثل النبط ، الأكراد ، الأعراب ، الطينة .
الفصل الخامس : علل متفرقات .
وتحت كل مبحث من هذه المباحث مسائل تدرس وتعرض للنقد والتفنيد، إبراءً للذمة ونصحاً للأمة : (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) [ سورة هود الآية : 88] .
ثم ألحق بذلك صورة موجزة ، عن الحوار الذي دار مع الأديب الشيعي بأمريكا ونتائجه ، وإشارة لتقرير علمي عن كتاب شيعي معاصر كتبته بناء على طلب من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بمنع تداوله ، لاتساع زوايا الانحرافات والتخريب الفكري فيه ، مدعما بأدلة مما حواه الكتاب.
أسأل الله سبحانه أن يتقبل جهد الضعيف خالصا لوجهه الكريم ، يبيض به وجهه ووالديه وذريته وأحبابه في الله تعالى جميعا ، إن ربي سميع مجيب وما ذلك على الله بعزيز .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حدائق الزيتون بالقاهرة.
كتبه
أ. د. / محمد عبد المنعم البري
رئيس جبهة علماء الأزهر الشريف
الفصل الأول
تعريف بالمؤلف وكتابه
سرد لجانب من مكانته المرموقة عند الشيعة
أولاً : حياة المؤلف (4) 306 : 381 هـ
نسبه :
هو الشيخ رئيس المحدثين ، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، الصدوق القمي ، ولد بقم حدود سنة 306 هجرية ، ولم يُر في القميين من يضاهيه في سمو مكانته ورفيع مقامه العلمي عند الشيعة .
ونشأ في أسرة علمية من البيوتات التي ذاع صيتها بالعلم .
وكان أبو الحسن علي بن الحسين ، والد الصدوق فقيه الشيعة ، مرموق المكان لدى عامة أهل قُم ، وإليه يرجعون في الأحكام ، مع كثرة من فيها من أكابر القوم.
تُوفي والده سنة 329 هـ، وقيل إن الإمام الحادي عشر أبا محمد الحسن بن علي العسكري ، دعا له أن يرزق ذرية صالحة ، فقيل له : ستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين ، وقد رزق منها بالإمام الصدوق ، وأخيه أبي الحسن .
ونشأ الصدوق في هذه البيئة العلمية ، وأصابته دعوة الإمام فكان من الحفاظ.
نشأته :
نشأ الصدوق بين أحضان العلم ، يغذيه أبوه لبان المعارف ، ويغدق عليه من فيض آدابه ، ما زاد في تكامله العلمي في الفكر الشيعي.
نشأ برعاية أبيه ، الذي كان يجمع بين العلم والعمل ، وكان ركناً من أركان الشيعة ، ترجع إليه في كثير من الفتيا ، يعمل تاجراً ، وكانت نشأة الصدوق الأولى في بلدة قم من بلاد إيران ، ساعدته على النبوغ والذكاء إذ كان يسمع الشيوخ ويروي عنهم ، وهو صغير حدث ، ولعل السر في نشاط الحركة العلمية يومئذ ، هو فضل ولاة الأمور الشيعة ، في الحكومات الإيرانية ، فإن الناس على دين ملوكهم ، وكانت السلطة في إيران للديالمة آل زبار وآل بويه ، وفاق عصر آل بويه من سبقهم ، بحسن خدمتهم لأهل العلم ، وتأييدهم لهم ، وكثرة من كان منهم في بلاطهم من وزراء ، وكتاب ، وقضاة ، كالصاحب ابن عباد ، وكانوا يلقون الرعاية من الأمراء ، خاصة ركن الدولة البويهي الذي حظي بصحبة كثير من علمائهم ، واستفاد منهم ، وفي طليعتهم الشيخ الصدوق ، إذ استدعاه وشاركه أهالي بلدة الري في تلك الرغبة ، وطلبوا من الشيخ سكنى الري ، فلبى طلبهم وأقام هناك.
أسفاره :
وللصدوق أسفارٌ متعددة ، لكثير من البلدان ، لطلب العلم والزيارة للمشهد المقدس ، أو البلد الحرام ، ومن البلاد التي سافر إليها:
1- خراسان: إذ سافر إليها في رجب سنة 352هـ لزيارة المشهد المبارك بها وهو مشهد الإمام الرضا ، وهذه الزيارة الأولى ، كما زاره ثانية في سنة 367هـ والسنة التي تليها ، وفي ذلك كله يُعلِّم الناس ، ويملي عليهم من معارفه.
2- جرجان: سمع بها من أبي الحسن محمد بن القاسم ، تفسير الإمام العسكري عليه السلام وأبي محمد عبدوس بن علي بن العباس الجرجاني .
3- نيسابور: وهي بلدة واقعة بين الري وسرخس في طريق خراسان ، أقام بها مدة وعلم أهلها.
4- مرو الرود: وهي مدينة من مدن خراسان ، وكذلك سافر إلى سرخس ، وسمع بها من أبي النصر محمد بن أحمد بن إبراهيم السرخسي.
5- سمرقند : وردها في سنة 368هـ وسمع بها أبا أسد عبد الصمد بن عبد الشهيد ، كما سافر إلى ( بلخ ) ودخلها أيضا سنة 368هـ وأجازه فيها أبو القاسم عبد الله بن أحمد الفقيه الشيعي .
6- إيلاف : من بلاد ما وراء النهر، سمع بها الحديث من أبي نصر محمد وابن الحسن بن إبراهيم الكرخي، واجتمع فيها ببعض أعلامها، وطُلب منه فيها تأليف كتابه الشهير "من لا يحضره الفقيه" ( سنتكلم عنه فيما بعد ) وذهب إلى فراغانة وهمدان ، وبغداد ، وتعلم من شيوخها ، وعلم أهلها.
7- مكة والمدينة: تشرف بحج بيت الله سنة 354 هـ وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور أهل بيته، وفي عودته مر بالكوفة، وسمع فيها من جماعة كمحمد بن بكران النقاش .
وهذه جملة أسفاره يظهر من خلالها تحرك الشيخ في كثير من البلدان ، ولكنها على كل حال زيارات خاطفة ، لم تستغرق الكثير بل كانت إقامته الدائمة بقم والري.
شيوخه :
تتلمذ الصدوق على كثير من علماء عصره، يظهر ذلك عند مطالعة كتابه "من لا يحضره الفقيه" ثاني الأصول عند الشيعة ، وقد أخذ الرواية عن كثير من الخاصة والعامة ، وتحمل عنهم الحديث في مختلف الفنون ، ومعظمهم من العلماء الكبار في الحواضر العلمية في القرن الرابع الهجري ، كبغداد والكوفة والري وبخارى ، تلك البلاد التي سافر إليها الشيخ ، وحَدَّث وحُدِّث بها ، وقد أحصى أحد علماء الشيعة ، وهو محمد الحسين النوري في خاتمة كتابه " مستدرك الوسائل " كثيراً منهم ، وذكر السيد حسن الموسوي في تقديمه لكتاب "من لا يحضره الفقيه" قائمة بأسماء معظمهم ، حتى ذكر أن عددهم 211 ، وهو لا شك عدد مبالغ فيه مبالغة واضحة ، وفيه تناقض بين ما سبق ذكره من حسن فهمه ونبوغه المبكر، ونشأته العلمية العالية إلخ ، وبين هذا العدد الجم ، فربما التقى بأحدهم مرة أو مرات سمع قليلاً أو كثيراً، فاعتبروه من شيوخه لإصباغ هالة من التفخيم لحفظه أو الرفعة لشأنهم ، وعلى كل حال فهي علوم ، ونقول يغشاها الضلال والخداع للبسطاء من باب إلباس الباطل ثوب الحق ، قال الله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا {5} ) [ الكهف آية : 5 ].
تلاميذه :
ذكر السيد بحر العلوم في مقدمته لعلل الشرائع قوله : " لو أردنا أن نستقصي على التحقيق والاستقراء جميع من روى عن الصدوق وأخذ عنه العلم لطال بنا البحث ، ولاحتجنا إلى زمن كثير ، خصوصاً بعد أن نقف على ما ذكره أصحاب المعاجم ، من أن شيوخ الأصحاب سمعوا منه ، وأخذوا عنه في حداثة سنه" ، وقد ذكر كبار الشيعة أسماء التلاميذ الذين أخذوا عنه في معاجمهم ، وقد بلغ عددهم حوالي عشرين يقولون إنهم من كبار العلماء فيما بعد، ويقولون أيضاً إنه لم يتيسر لهم الوقوف إلا على هذا العدد الضئيل، ولم يعثروا على بقية أسماء تلاميذه، وربما لا يكون له تلاميذ سوى هؤلاء، خاصة إذا ما عرفنا عن الشيعة رغبتهم في الكتمان والتقية والانزواء ، وعدم الإفضاء بما لديهم إلى أي أحد ، بل يتخيرون خلفاءهم اختياراً دقيقاً ، لضمان السرية والاستمرارية ، ولا أقول هذا تقليلاً من شأنه ، وإنما من واقع قراءاتي المتعددة ، وغوصي في أعماق الشخصية الشيعية.
آثاره العلمية :
سنفاجأ هنا بمبالغات ضخمة ومزايدات مفتعلة في تقييم تركته العلمية ، فيقول السيد الموسوي في تقدمته لكتاب "من لا يحضره الفقيه":
"غير خفي ما كان عليه شيخنا الصدوق ، من ثراء علمي ضخم ، وأنا في غنى عن سرد كلمات المترجمين فيه فلا حاجة إلى الإطناب في البيان ، بعد أن قرأنا ونقرأ أنه صنف أكثر من ثلاثمائة مصنف ، في شتى فنون العلم وأنواعه ، وبعد أن نعرف أنه كانت بجانبه مكتبة الصاحب بن عباد، الغنية بالنفائس والآثار ، وبعد أن عرفنا في شيخنا قوة الذكاء وشدة الحفظ ، فهو الذي يحفظ ما لا يحفظ غيره ، وهو الذي كانت مدرسته العلمية سيارة قائمة بشخصه الكريم ، وإلى القارئ أسماء مصنفاته منها حسب حروف الهجاء ، مع ذكر موضوعاتها والتنبيه على المطبوع منها كما ننبه على ما عكف عليه العلماء بالشرح والترجمة" ، ثم ذكر قائمة بعدد 219 كتابًا لا أرى ذكرها هنا ، لعدم الإطالة ، وعدم الحاجة ، ثم قال: هذا ما تيسر لنا العثور عليه من أسماء مصنفاته ، وقد بخل الزمان بأسماء الباقي منها كما بخل بحفظ جلها من الضياع" .
ويلاحظ التهويل في ذكر هذه الكتب ، فنرى الموضوع الواحد يقسمه إلى عدة موضوعات ، ويجعل لكل منها كتاباً مستقلاً ، في حين أنه قد تكون جميعها أبواباً ، وفصولا لكتاب واحد ، ومع هذا فأرى الإشارة إلى أبرز كتبه ، التي عليها قوام دين الشيعة وعقيدتهم .
فمرة يذكرون أن دينهم وعقيدتهم قوامها على أربعة كتب أولها الكافي للكليني ، وبعده من لا يحضره الفقيه للصدوق، وبعده التهذيب ، ثم الاستبصار وكلاهما للطوسي ، وهذه الكتب الأربعة هي الصحاح عند الطائفة الحقة التي عليها المعول وإليها المرجع ، ومرة أخُرى يذكرون أن أصولهم الفكرية خمسة كتب ، كما صرح به علماؤهم الكبار ، إذ قالوا: أصولنا الخمسة هي الكافي للكليني ومدينة العلم ، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ، والتهذيب والاستبصار للطوسي، فمن هذين القولين ترى الاختلاف ، وإن كان القول الأول هو السائد عند جمهورهم ، لكنا ذكرنا القول الثاني لنأخذ بالزائد فيه ، وهو كتاب مدينة العلم ، إذ قال عنه أحد مشايخهم: "هو خامس الأصول الأربعة ، وهو من عشرة أجزاء فالأسف على ضياع هذه النعمة العظمى من بين أظهرنا وأيدينا ، من لدن عصر والد البهائي إلى يومنا هذا" .
2- من لا يحضره الفقيه :
وهو ثاني الأصول الأربعة، التي عليها مدار الشيعة، ومرجع علمائهم في أخذ الأحكام، وقد مرت على تلك الأصول الأربعة، أكثر من تسعة قرون والفقهاء وغيرهم يتلقونها بالقبول ، والاعتناء ، بحيث لا يطعن فيها طاعن رغم بعض الطعون التي وجهت إلى غيرها من المؤلفات الأخرى يجمل الإشارة إليها فيما بعد.
أما السبب الذي دعا الصدوق إلى تأليف هذا الكتاب ، فقد قال : " لما ساقني القضاء إلى بلاد الغربة وحصلني القدر منها بأرض " بلخ " وردها أبو عبد الله المعروف : " بنعمة " وهو محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فجالسني وانشرح صدري بمذاكرته ، فذاكرني بكتاب صنفه محمد بن زكريا الرازي الطبيب ، وترجمه لكتاب من لا يحضره الطبيب وذكر أنه شاق في معناه وسألني أن أصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام والشرائع ، والأحكام موفياً على جميع ما صنفت في معناه ، وأترجمه بكتاب من لا يحضره الفقيه ، ومعناه فقيه من لا يحضره الفقيه .
ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده وبه أخذه ويشترك في أجره من ينظر فيه ، وينسخه ، ويعمل بمودعه ، هذا مع نسخه لأكثر ما صحبني من مصنفات فأجبته إلى ذلك ، لأني وجدته أهلاً له ، وصنفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لكي لا تكثر طرقه وإن كثرت فوائده ، ولم أقصد فيه قصد الصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته ، وأعتقد فيه أنه حجه فيما بيني وبين ربي ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، وهذا الكتاب لقي ثناءً كبيراً من علماء الشيعة ، كما لقي طعوناً منهم فالأولون يجعلونه أحد الكتب الأربعة الأصول ، بل منهم من ذهب إلى ترجيح أحاديثه على غيره من الكتب الأربعة، نظراً إلى زيادة حفظ الصدوق ، وحسن ضبطه وتأخر كتابه عن الكافي ، وضمانه فيه لصحة ما يورده ، وأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، وأما الآخرون فيرون فيه كثرة المراسيل ، التي يرون تفرد الصدوق بها ، واعتداده بحفظه ، وفهمه ، ومن ثم فقد اشتمل على فتاوى غريبة لم يتابعه عليها أعلام الطائفة ، وإن ذهب إلى قوله بعضهم ، وكانت مخالفة للإجماع أو متروكة عند المتقدمين والمتأخرين أفرد لها الشيخ مفلح بن الحسن الصيمري مؤلفاً أسماه : " التنبيه على غرائب من لا يحضره الفقيه " .
وقد أحصى أحد علماء الشيعة في أول شرحه لكتاب من لا يحضره الفقيه المسمى " بالتعليقة السجادية " أحاديث الكتاب ، فكانت " 5963" حديثاً منها " 2050 " حديثاً مرسلاً ، ونسب ذلك إلى بعض مشايخه ، وقيل إن عدد الأحاديث أقل من ذلك ، يقول بعض المحققين في النجف ممن ترجم للصدوق في مقدمة كتابه من لا يحضره الفقيه ما لفظه " إن شيخنا الصدوق قد انفرد بآراء وفتاوى لم يسبقه فيها أحد ، كما لم يتابعه في جلها أحد من الفقهاء ، وإنه كان يعتمد على طائفة من الأخبار ، لم يعتمدها غيره ، فأفتى بمضمونها معتقداً صحتها والعمل عليها ، ولذا خالف في بعض تلك الآراء إجماع الطائفة ، وربما حاول قصر الأذهان على قبول رأيه ، وفرض حكمه ، إلا أنه بشر يخطئ ويصيب ، ثم ذكر هذا المحقق بعض ما عثر عليه استطراداً في الجزء الأول فقط من الكتاب من فتاواه الغريبة وآرائه الخاصة كما يلي :
1 ـ جواز الاغتسال والوضوء بماء الورد .
2 ـ المرأة الحائض تقضي الركعة التالية من المغرب بعد أن تطهر وتغتسل إذا حاضت بعد ما صلت ركعتين منها.
3 ـ لا تجوز صلاة من صلى بعمامة لا حنك بها .
4 ـ أول المغرب استتار القرص " أي قرص الشمس " ، لموافقته أهل السنة والجماعة.
5 ـ وجوب القنوت في الصلوات الخمس اليومية وتركه يبطل الصلاة .
6 ـ عدم جزئية الصلاة على النبي في التشهد ، فإنه ذكر التشهد خالياً منها.
7 ـ جواز السهو على النبي ، وسماه إسهاء من الله تعالى اتبع في رأيه ذلك أحد شيوخه ، وهو محمد بن الحسن بن الوليد ، وتبعه عليه الطبرسي ، وغيره ، هذا هو كلام الشيعة ، عن شيخهم ، ورئيس محدثيهم ، وما خفي كان أعظم .
يحقرون أعلامهم ، ويكذبون صدوقهم
وحول هذه المسألة نقل عن البهائي أنه قال : " الحمد لله الذي قطع عمره ، ولم يوفقه لكتابة مثل ذلك ، كما نقل عن الشيخ أحمد الإحسائي زعيم مدرسة الشيخية الشيعية ، أنه قال : [ الصدوق في هذه المسألة كذوب ] .
هذا هو رئيس محدثي الشيعة الذي يكفرون الأئمة الأعلام أصحاب الكتب الستة ضمن النُّصَّاب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي في نظرهم وتقييمهم الأمة الملعونة قاتلة الحسين سيد شباب أهل الجنة .
3 ـ علل الشرايع :
هو هذا الكتاب الذي تدور حوله الدراسة وسيأتي بعد ذلك تعريف بالكتاب ومحتوياته ، ولعل هذا الكتاب خاصة ، ومعه الكتاب الثاني من لا يحضره الفقيه هي أشهر كتب الصدوق ، ومن أشهر كتب الشيعة عامة.
والعدد الضخم الهائل الذي سبق ادعاؤه إن صح ذلك ، كانت نعمة الله فيه على عباده المسلمين عظيمة ، إذ أهلكه بقدرته ، وأمات سمومه بواسع رحمته ، فكيف كان يصير الحال الآن مع بقاء كل هذه الضلالات التي خرجت مع رجل استطاع أن يبهر كثيراً من العامة ، فيلتفون حوله ويصدقون خرافاته ، وحتى لا نستغرق في الذم ، نعطي القارئ مهلة ، ليرى بنفسه كثيراً من هذه الأفكار النكراء في ثنايا هذه الدراسة الموجزة إلى جوار ذلك يرى ما يثير الدهشة والعجب ، ويضحك الثكلى ، وشر البلية ما يضحك .
ثناء العلماء عليه :
أذكر هذه الإشارة ، لأبين للقارئ مدى مكانة الرجل عند علماء طائفته ، ومقدار تصديقهم له ، ثم نترك للقارئ الحكم على الرجل ، وعلى من أثنوا عليه ، من خلال أفكاره في هذا الكتاب ، وكما يقال : الطيور على أشكالها تقع ، ومن أحب قوماً حشر معهم ، وهو منهم وعلى منوالهم ينسج .
جاء في مقدمة كتابه ( من لا يحضره الفقيه ) للسيد الموسوي ، جملة من ثناء العلماء عليه أقتطع منها هذه الفقرة :
الصدوق هو العالم الجليل ، والمحدث النبيل ، نقاد الأخبار ، وناشر آثار الأئمة الأطهار عليهم السلام ، عماد الملة ، والمذهب والدين ، شيخ القميين وملاذ المحدثين ، شيخ من مشايخ الشيعة، وركن من أركان الشريعة ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المتحفظة .
وهذا الكلام يذكرني بموقف دار بين عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين ، وأحد الخوارج ، ظل عبد الملك يدعوه إلى الجماعة والسمع والطاعة ، ثم أخذ يكرر عليه ذلك فقال الخارجي: لتغنك الأولى عن الثانية قلتَ فسمعتُ ، فاسمع مني أقل لك. فقال : تكلم. فأخذ يتكلم عن الجهاد ومحاربة الكافرين ، وأعمال القربات ، وجزاء المستمسكين بها ، والجنَّة وما فيها من نعيم ، والنار وما تحوي من عذاب ، يقول عبد الملك حتى وقع في خاطري أن الجنة خلقت لهؤلاء فقط ، وأنهم أولى بالأمر ، وأنهم على الصواب ، حتى كاد يقنعني بمذهبه ، فأخرج معه لأنال الجنة، فالحمد لله الذي ثبت قلبي على الحق .
الفارغ الذهن غير الخبير بخباياهم
ووجه الشبه ، أن القارئ إذا ما قرأ الثناء الحار ، والذكر الخلاب ، قد يقع الصدوق في نفسه كل موقع ، ويتمنى لو رآه ليحظى بلحظة فيض من إلهامه وعلمه ، أو بنظرة رضا وتقدير من شخصه النبيل ، كما كاد أن يحدث لعبد الملك مع الخارجي ، فنسأل الله التثبيت والحفظ والعون على كشف زيف هؤلاء ، وبطلان أفكارهم وعقائدهم، وفضح أكاذيبهم وأحقادهم على الإسلام والمسلمين ، إن ربي سميع مجيب .
وفاته :
توفي الصدوق في سنة 381 هـ ببلدة الري من بلاد إيران ، ودفن بها عند بستان طغرليه الذي أضحى مزاراً يلجأ إليه العوام والخواص منهم ، ويتبركون كعادتهم ويحيطون قبره حتى الآن باحترام وتقدير واهتمام بشؤونه من قبل ولاة الأمور وعامة ذوي الجهالات الشركية المؤسفة ، والله من ورائهم محيط .
ثانيا : تعريف بالكتاب
كتاب علل الشرايع للصدوق ، يبحث في فروع دين الجعفرية الإمامية الاثني عشرية ، وحكم شرائعه ، ويتضمن أبوباً عدة ، وفصولاً جمة ، من كل لون وعلى كل هيئة ، بدء من الفرائض حتى النوادر وما دونها ، فيبحث لكل شيء عن علة ، مستدلاً بالصحيح عندهم تارة ، وبالسقيم تارات أو مُحكما عقله فيما لا دليل عليه ، بوصفه أهلاً للمراجعة الخلاقة عند الطائفة ، إذ أصول الشرائع عندهم :
(1) القرآن الكريم :
ويعني عند أكثرية مفكريهم وشيوخهم ( مصحف فاطمة ) ، وهو المحفوظ لدى الإمام الغائب في سرداب سامراء من مئات السنين ( الوهم المنتظر ) ( عج ) أي عجل الله فرجه وعقيدتهم في المصحف السائد في العالم الإسلامي المنقول إلينا بالتواتر والمتعبد بتلاوته والذي تكلف الله بحفظه في الصدور والسطور إلى ما شاء الله لا يساوي ثلث مصحفهم المختفي .
(2) السنة المطهرة :
ويعنون بها أحاديث الأئمة المعصومين من أولاد علي ـ رضي الله عنهم ـ بشرط كونهم عن طريق رواتهم ومحدثيهم وعلى رأسهم الكليني والصدوق رئيس المحدثين الشيعية ، ومن سار على دربهم ممن يطلقون على أنفسهم الرواة عن القرة آل البيت.
(3) الإجماع :
ويقصد به إجماع شيوخ الطائفة دون سواهم .
(4) العقل:
ويهتدون به ويحتكمون إليه ، حيث لم يرد نص ثابت في قضية أو أمر ، في المصادر الثلاثة سابقة الذكر.
وبهذا تحرر قلم الصدوق ، وانطلق يسجل ما يمليه عليه عقله الرجيم ، إذا أعياه الدليل والحيلة ، اعتماداً على علو شأنه عندهم ، وحصانته من التهجم أو القدح فيه من صغارهم وكبارهم.
والكتاب يقع في جزأين بمجلد واحد يضم حوالي ستمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط .
يقول السيد صادق بحر العلوم في وصفه للكتاب :
[ ومن مؤلفات شيخنا ـ الصدوق ـ رحمه الله ـ هذا الكتاب " علل الشرايع " والأحكام والأسباب " يتضمن 262 بابا في الجزء الأول ، و 385 بابا في الجزء الثاني ، أول الأبواب [ العلة التي من أجلها سميت السماء سماء والدنيا دنيا، والآخرة آخرة ، والعلة التي من أجلها سمي آدم آدم ، وحواء حواء ، والدرهم درهما، والدينار ديناراً ، والعلة التي من أجلها قيل للفَرسَ أجر وللبغلة عد والعلة التي من أجلها قيل للحمار حر ] ، وإلى آخر الأبواب فهو في نوادر العلل.
ولم نعلم سبب تأليفه للكتاب ، ولا تاريخ تأليفه ، وقد طبع الكتاب مرةً في سنة 1289 هـ ، وثانية 1361 هـ ، وألحق به معاني الأخبار للصدوق أيضاً كما أُلحق به كتاب الروضة في الفضائل لم يعرف مؤلفه .
وثالثةً 1378 هـ وكل هذه الطبعات الثلاث بمطابع إيران ، وهي غير خالية من الأخطاء المطبعية وغيرها، وبعض النقصان في بعض طبعاتها ، وقد لخص هذا الكتاب الشيخ شرف الدين بن عز الدين بن الحسين بن ناصر البحراني نزيل ( يزد ) من بلاد إيران ، ونائب أستاذه المحقق علي الكركي المتوفى 940 هـ ، كما ذكره الميرزا عبد الله أفندي في كتاب ( رياض العلماء ) وله أيضاً ملخص لهذا التلخيص ، ويضيف في هامش المقدمة أن كتاب ( علل الشرايع ) فيه بعض الأحاديث التي تلائم مقام الأئمة المعصومين ، ولعلها مدسوسة في أخبارهم من بعض المناوئين ، فلا بد أن تؤول تأويلاً معقولاً (1) بحيث تلائم مقامهم ، ولعها لا تخفى على الناقد البصير .
وللكتاب مكانة عالية في قلوب وعقول الشيعة خاصتهم وعامتهم، لما تضمن من أبواب ومسائل كثيرة ، فتكلم عن بدء الخلق ، وعلة مسمياته والمكان والزمان ، ثم تحدث عن الأنبياء ، وبعض أحوالهم مع أقوامهم ، وما حدث لبعض معارضيهم ، كما تحدث في أمور علمية ، بكلام عشوائي لا دليل عليه ، من عقل ناضج أو شرع قويم ، ثم تناول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، وتحدث عن بعض أفعاله ، وبحث لها عن علل ، وكما انتقل إلى الحديث عن الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ ، وأخذ يعلل أعماله بعلل واهية ، يرفضها العقل والعرف ، بل هي كذب صريح وتقول واضح مفتعل على أمير المؤمنين شأن الشيعة دائماً . وانتقل للحديث عن السيدة فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ ودلَّس عليها في مواقفها مع أبي بكر وعمر ـ رضوان الله عليهما ـ فيما أطلق عليه الشيعة : ميراثها عن أبيها في فدك ، ثم تعرض للحديث عن بقية أهل البيت ، وعلل أعمالهم ، وما تعرضوا له من مخالفيهم بتعليلات ساقطة.
ثم انتقل في الباب رقم 182 وعنوانه علل الشرايع وأصول الإسلام ، فبدأ بالحديث عن الغائط ونتنه وعلة الوضوء وأركانه ، وعلة كل ركن والسواك وعلته والحيض والنفاس وبول الجارية ، وعلة غسل الثوب من لبن الجارية وبولها دون الولد ، ثم صلاة الجنازة وعدد تكبيراتها وعلة ذلك ، وانتهى الجزء الأول من الكتاب بالباب رقم 262 ، وعنوانه العلة التي من أجلها يكون عذاب القبر ، وبدأ الجزء الثاني بالباب رقم 1 وعنوانه علل الوضوء والآذان والصلاة ، وتكلم عن القصر والجمع ، والرخص في ذلك وعلتها وعلة صلاة الجماعة ، وختم علله بنوادر الصلاة. ثم تحدث عن الزكاة وعلتها ، والعلة التي من أجلها صارت الزكاة في كل ألف درهم خمسةً وعشرين درهماً .
والعلة التي من أجلها لا تجب الزكاة على السبايك والحلي ، حتى ختم بنوادر علل الزكاة ، ثم انتقل إلى الحديث عن علل الصيام وعلة العيد في الفطر والأضحى ، والعلة التي من أجلها يتجدد لآل محمد صلى الله عليه وسلم في كل عيد حزن جديد ، وعلة إخراج زكاة الفطر ، ثم تحدث عن مكة والبيت الحرام ، وعلة تسميتها والحج وأركانه ، وعلة كل ركن .
وجاء بكلام كثير لا أصل له ، وتعليلات لا يقبلها العقل فضلاً عن عدم ورودها في الشرع الشريف ، ثم علة الأضحية ، والعلة التي من أجلها لا يكتب على الحاج ذنبُ أربعة أشهر ، وختم بباب نوادر علل الحج .
كما شرع يتكلم عن الكبائر وعلل تحريمها ، كشرب الخمر ، وقتل النفس وعقوق الوالدين ، وعلة تحريم الزنا والربا ، ثم تكلم عن الزواج والمهر ، وعلته ، وتكلم عن المرأة كلاماً ساقطا مستفظعا ، كحديثه عن العلة التي من أجلها يجوز للرجل أن ينظر إلى امرأة يريد الزواج منها وأن عليها أن ترقق له الثياب ، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى ثمن ، وعلة تفضيل الرجال على النساء ، ثم ختم بالحديث عن نوادر علل النكاح ، وتكلم عن الجنة والنار وأصحابهما وكذلك الوصية والميراث ، ومن غرائب ذلك العلة التي من أجلها لا ترث المرأة في العقار شيئاً .
وعلة نجاسة الناصب ( أي أهل السنة والجماعة ) حتى ختم الكتاب بباب نوادر العلل وهو الباب رقم 385 .
وبعد : فهذا تصور عام لما اشتمل عليه الكتاب ، من سخافات العلل التي يؤمن بها الشيعة ، ويرونها من الأمور الرئيسية في فكرهم وتراثهم ، وكيف لا وقائلها إمامهم الصدوق ، ورئيس محدثيهم الأجل ، الذي لا يضارع ، والذي قال عنه بعض شيوخهم بأنه الكذوب قطع الله عمره .
وبما أن المقام لا يتسع لعرض هذه العلل كلها ونقدها والرد عليها ، فأحاول بمشيئة الله وعونه ، أن أتخير للقارئ الكريم ، والمسلم بوجه خاص ، نماذج مختلفة ، من هذه العلل ، في مختلف النواحي الفكرية ، التي تطرق إليها المؤلف ونقدها ، لأكشف من خلالها زيف معتقداتهم التي لا تنطلي إلاَّ على السذج والبلهاء ، أو أصحاب المغانم والمصالح ، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله .
وأقدم هذا الجهد المتواضع ، حسبة لوجه الله تعالى ، ونصحا للأمة الإسلامية ، وتحصيناً لها من هذه المهالك ، التي لا عاصم ولا حافظ من ويلاتها إلا الله سبحانه وتعالى ، ثم جهود المخلصين من العلماء ، وذوي الغيرة الإسلامية ، الذين يبرزون الصورة الأصيلة لتعاليم الإسلام التي نزل في شأنها قول الحق جل وعلا في يوم عرفة في حجة الوداع عصر الجمعة عند الموقف أمام الصخرات على أمير الأنبياء قول الحق سبحانه ... (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) [ سورة المائدة الآية : 3 ]
كما يبرزون خسة ووضاعة ما عداها من دس الأعداء والخصوم إقامة للحجة عليهم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) [ سورة الأنفال الآية : 42 ] ، والله سبحانه وتعالى من وراء القصد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بوابة التاريخ الإسلامي
لا حراس عليها
هبط الإسلام إلى العالمين كوليد في المهد ، وكسرى يزأر في الدنيا : أملاكي لا تغيب عنها الشمس بعد أن دحر الرومان بجيوشه ، وهرقل يلم شعثه ويجمع شتات جيوشه للثأر ويجيب وأنا كذلك، وتتنزل المعجزة الكبرى على المستضعفين في مكة في كلمات من القرآن الحكيم تصور المستقبل القريب بانتصار الرومان على الفرس في بضع سنين ثم أفُول نجمهما إلى الأبد تحت نعال شباب الإسلام ورجاله ، وفي ومضة من عمر الزمن لم تتجاوز ربع قرن تحولت المعجزة الكبرى من كلمات قرآنية في مطلع سورة الروم إلى واقع أعجب من الخيال صوره أمير الشعراء شوقي رحمه الله بقيثارته الشعرية الرشيقة مناجيا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وعلمت أمة بالقفر نازلة رَعْيَ القياصر بعد الشاء والغنم
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هام في صنم
ولم يكن في كلماته تلك ، مجاملا أو مستغرقاً في خيال الشعراء ، بل يحكي واقعا سجله التاريخ بمداد المجد والفخار ، إذ يذكر أحدهم أمير المؤمنين عمر في مجلسه بالأدب النبوي الشريف " أكرموا عزيز قوم ذل " حينما شاهدوا من بين سبايا فارس بنات كسرى الثلاث إثر وصول الغنائم والسبي من القادسية وأشاروا بتسليم الفتاة الأولى إلى الحسين حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرزقه الله سبحانه منها علي زين العابدين الذي نجا من مذبحة كربلاء وحفظ الله به سلالة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والفتاة الثانية لعبد الله بن عمر فرزقه الله منها بسالم شيخ المحدثين والفقهاء في عصره والثالثة لمحمد بن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنهم أجمعين . فأفقدت صدمة انتصار الإسلام الساحق في هذا الزمن الوجيز العقول والألباب لأعدائه ، فبدؤوا يضربونه في كل الاتجاهات وتكفل الحق جل وعلا بحفظ كتابه من سهام حقدهم : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [ سورة الحجر الآية : 9 ].
وكذلك حفظ الله سنة حبيبه الأول محمد صلى الله عليه وسلم باعتبارها المبينة لمراد الله في قرآنه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [ سورة النحل الآية : 44] . وتفرغت طلائع رجال الإسلام حينذاك ، للفتوحات ونقل اللغة والدين ، وآداب الإسلام إلى البلاد المفتوحة والشعوب الجديدة ، وتفرغ الأعداء المتربصون لإفراغ سموم حقدهم على من قهروهم في عقر دارهم ، من خلال التاريخ الإسلامي والتفسير والأدب وغيره ، معتمدين في عملهم المشين على أمل كبير ، اقتنصوه من القرآن الكريم ، بما يفيد أن أكثر الناس لا يعقلون ولا يفقهون ولا يعلمون ولا يؤمنون ، وهكذا تحولت هذه الساحات العلمية إلى سلاح ذي حدين للبناء والهدم في آن واحد ، بالبناء على أيدي المنصفين من المؤرخين وعلماء الإسلام وحراس ثُغُوره ، والهدم على يد المتسللين من أهل الكتاب والزنادقة والمأجورين وهم بكل أسى وأسف ، الأكثرية الساحقة ، مما حدا المخلصين لاستنفار ذوي الغيرة ، لتطهير الساحات المقدسة ، من الخلايا السرطانية ، التي تخرب عقول البسطاء ، وتشوه صورة أشرف الرجال ، لأعظم أمة أخرجت للناس ، يقول الحق سبحانه : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {186}) [ سورة آل عمران الآية : 186] .
ـــــــــــــــــــــــــ
هوامش المقدمة والفصل الأول:
(1) الإمام الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي بن عبد الله ذي كبار ( قيل من أقيال اليمن بطن ) علاََّمة العصر أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي ، كانت أمه من سبي جلولاء، مولده في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خلت منها. وكانت جلولاء في سنة 17 هـ ، رأى عليا رضي الله عنه وصلى خلفه ، وسمع من عدة من كبراء الصحابة ، حدث عن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأسامة بن زيد وأبي سعود البدري وأبي هريرة وأبي سعيد وعائشة (ر) وجابر بن سمرة وسمرة بن جندب والنعمان بن بشير والبراء بن عازب وزيد بن أرقم والحسن بن علي وأم سلمة وأسماء بنت عميس وأم هانئ وأنس بن مالك، وغير هؤلاء ، سمع من أكثر من خمسين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، كان حافظا وما كتب شيئا قط ، عن مكحول قال: ما رأيت أحدا أعلم من الشعبي ، وعن أبي مجلح قال : ما رأيت أحدا أفقه من الشعبي لا سعيد بن المسيب ولا طاووس ولا عطاء ولا الحسن ولا ابن سيرين فقد رأيت كلهم . وعن أبي بكر الهذلي قال لابن سيرين: الزم الشعبي فلقد رأيته يُستفتى وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون. تُوفي (ر) سنة 105 عن خمس وسبعين سنة.
المراجع : الطبقات الكبرى 6/246 ، تاريخ البخاري الكبير 6/450 ، حلية الأولياء لأبي نعيم 4/310 ، سير أعلام النبلاء للذهبي ج4/294.
(2) في بعض الأصول : " دست ".
(3) الجازر : قرية من نواحي النهروان . وفي بعض الأصول : " الحازر ".
(4) انظر مقدمة كتابيه : " علل الشرايع "، " من لا يحضره الفقيه".
(5) من التأويلات المعقولة لدى شيوخهم قولهم في تفسير الآية الشريفة (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) [ من سورة البقرة آية : 67 ] أي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة ـ رضي الله عنها ـ وفي تفسيرهم لقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) [ من سورة النساء آية : 51 ] هم أهل السنة والجماعة لا اليهود لأن مصحفهم لا يتجاوز ثلث مصحف الوهم المنتظر وأنَّ الآية تفيد التبعيض ، أما كل الكتاب فمحفوظ في السرداب ، ومعنى الجبت والطاغوت هما الشيخان أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ إلخ وهكذا نجح اليهود مبكراً بزعامة الحاخام اليمني عبد الله بن سبأ مؤسس الشيعة في تحويل آيات السخط والغضب واللعنة الخاصة بقومه إلى أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الأئمة الراشدون الخلفاء ، وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان ـ رضي الله عنهم ورضوا عنه ـ حتى تحول المسلم السني في نظر تلاميذه الشيعة إلى رمز للنجاسة واللعنة ، مصافحته أو لمسه من نواقض الوضوء عندهم ، والكارثة المزدوجة أن يبتلى المرءُ بعدو جاهل ، لأنه يجمع الخستين ، وقد قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
الفصل الثاني
نماذج لعرض ونقد الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الأول
ما يتعلق بالأنبياء عليهم السلام
يلاحظ أن هذه الجزئية أخذت بداية الكتاب ولم تكن تعليلاتها ذات أثر بل معظمها من قبيل الإسرائيليات التي أخذت عن أحبار اليهود ولهذا سيكون هذا المبحث قليل المسائل بالنسبة لغيره ، خاصة ما يتعلق بآل البيت و أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
العلة التي من أجلها توقد النصارى النار
ليلة الميلاد وتلعب بالجوز(1)
قال الصدوق أخبرنا أبو عبد الله محمد بن شاذان ، عن وهب بن منبه اليماني ، قال لما ألجأ المخاض مريم عليها السلام إلى جذع النخلة أشتد عليها البرد فعمد يوسف النجار إلى حطب فجمعه حولها كالطيرة ثم أشعل فيه النار فأصابتها سخونة الوقود من كل ناحية حتى دفئت وكسر لها سبع جوزات وجدهن في خرجه فأطعمها فمن أجل ذلك توقد النصارى النار ليلة الميلاد وتلعب بالجوز.
وأقول :
ذاك من الإسرائيليات التي دسوها في بعض الكتب على حين غفلة لتهيئة النفوس لسماع ما قالوه بطعن مريم في شرفها ، وأنها حملت سفاحا ، وأصابع الاتهام اليهودية لا تشير بهذه التهمة النكراء ، إلا إلى يوسف النجار ، فهل هذه المستنقعات الأسنة يقرب رائحتها إنسان عنده مسحة من عقل أو دين ، نزه الله ساحة من اصطفاها ربها وطهرها على نساء العالمين ، في عصور الظلام المدلهم ، وتذكرنا دائما نوادر الصدوق وأمثاله بالحكمة القائلة ( لكل ساقطة في الحي لاقطة ) .
علة المشوهين في خلقهم (2)
قال الصدوق : حدثني أبي عن ابن عذافر قال جعفر الصادق : ترى هؤلاء المشوهين في خلقهم ؟ قال : قلت نعم ، قال : هم الذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطمث .
وأقول :
وبين هذا الحديث المنسوب إلى المعصوم عندهم أن المرأة إذا أتاها زوجها خلال أيام الحيض فعلقت بجنين جاء المولود مشوها بالحول أو العمى أو التخلف العقلي إلخ .
وتلك المفاهيم من ألوان الجهل المركب ، التي اجتثها العلم الحديث الذي أثبت في أولياته ، أن البويضة لا وجود لها في الرحم خلال المحيض ، لأنه أذى يدمرها ، ولا تنزل إلا خلال أيام الطهر ، فمن أين يأتي الولد أصلاً خلال الطمث ، وذلك من دلائل الكذب والجهالات التي تجد رواجا عجيبا بينهم ، أليس فيهم رشيد.
العلة في خروج المؤمن من الكافر
وخروج الكافر من المؤمن (3)
قال الصدوق : حدثني أبي عن بعض أصحابنا عن جعفر الصادق قال إن الله عز وجل خلق ماء عذبا خلق منه أهل طاعته ، وجعل ماء مرا خلق منه أهل معصيته ، ثم أمرهما فاختلطا ، فلولا ذلك ما ولد للمؤمن إلا مؤمنا ، ولا ولد للكافر إلا كافراً .
أقول :
هذا النص المقدس عندهم مما يؤكد عنصرية شعب الله المختار الثاني ، فهم من الطينة الحلوة والماء العذب السلسبيل ، دون سواهم من سائر البشر ، وتاريخ البشرية القديم في كل الملل والنحل ، يسجل فناء البشرية في عهد شمول الطوفان ، ويرجع البشر إلى الأصول الجديدة من أبناء نوح عليه السلام سام وحام ويافث وهم أبناء رجل واحد هو نوح عليه السلام .
ثم ألم يكن في الشعار القرآني الخالد : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) غنية عن التشبث بالماديات الفانية ، دون الباقيات الصالحات ، فهي عند ربك خير ثوابا وخير أملا .
وقد ورد في معنى الأثر الخالد : يسمع جميع الخلائق يوم الحسرة هاتفا من قبل ملك الملوك سبحانه [ أيها الناس وضعت نسبا ووضعتم نسبا ، قلت إن أكرمكم عند الله أتقاكم وأبيتم إلا أن تقولوا فلانا ابن فلان ، فاليوم أرفع نسبي ، وأضع نسبكم ] يؤكد هذا المعنى قول الحق سبحانه : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ {101} فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {102} وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ {103} ) [ سورة المؤمنون الآيات : 101 : 103]
ما زالوا يعلقون آمالهم على السراب أو ما يشبهه :
قال تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [ سورة العنكبوت : الآية 41] ولن يفيقوا من غرورهم الأحمق إلا يوم الحسرة والصدمة الكبرى التي يصورها قول الحق سبحانه : ( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {23} انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {24} ) [ سورة الأنعام : الآيتان 23: 24] والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
العلة التي من أجلها تكون في المؤمنين حدة
ولا تكون في مخالفيهم
قال الصدوق حدثني أبي ، عن جعفر الصادق ، كنا عنده فذكرنا رجلا من أصحابنا فيه حدة فقال: من علامة المؤمن أن يكون فيه حدة قال فقلنا له ( جعفر ) إن عامة أصحابنا فيهم حدة ، فقال إن الله تبارك وتعالى في وقت ما ذرأهم أمر أصحاب اليمين وأنتم هم أن يدخلوا النار فدخلوها فأصابهم وهج فالحدة من ذلك الوهج وأمر أصحاب الشمال وهم مخالفوه أن يدخلوا النار فلم يفعلوا فمن ثم فلهم سمت ووقار .
وأقول :
1 ـ من معاني الحدة : سرعة الانفعال والتهور ، والغضب السريع دون رَوية أو تثبت ، وهو لون من ألوان الحماقة التي قال فيها أحد الحكماء :
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
2 ـ صدقوا مع أنفسهم في هذا الحديث خلال مقارنتهم بين المخالفين لهم أهل السنة والجماعة وبين الشيعة فأما المخالفون لهم وهم :
أهل السنة والجماعة : فلهم سمت ووقار دون حدة ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ) [ من سورة الفتح الآية : 29]
والشيعة : على النقيض من ذلك أهل حدة دون ما امتاز به خصومهم ومخالفوهم فلا سمت ولا وقار فيهم وسر ذلك رحلة سعيدة وهم في عالم الذر إلى جهنم لعلهم يثوبوا إلى رشدهم ويقلعوا عن ضلالاتهم وعمايتهم . وفي معنى الحديث الشريف : " إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلها وهم في أصلاب آباءهم ، وخلق النار وخلق لها أهلها وهم في أصلاب آباءهم ، قالوا أفنركن إلى ذلك يا رسول الله فقال : أعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم تلا قوله تعالى ( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [ سورة الليل الآيات من 5: 10] .
علة حسن الخلق (4)
قال الصدوق عن أبي جعفر قال : إن الله عز وجل أنزل حوراء من الجنة إلى آدم فزوجها أحد ابنيه وتزوج الآخر من الجن فولدتا جميعا فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء خلق فمن بنت الجان وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته.
وأقول :
يكذب هذا قول الحق سبحانه في أول آية من سورة النساء ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [ سورة النساء الآية 1]
ومن الحقائق الثابتة في أذهان الناس جميعا، وأشارت إليها كتب التاريخ القديم ، كالبداية والنهاية وغيرها ، وكتب التفسير أيضاً ، أن أمنا حواء كانت تلد توائم ذكورا وإناثا ويتزوج الابن أخته من بطن ثانية وتلك شريعة لا حرج فيها حينذاك أما القول بالحور والجان فخيالات تضحك الثكلى ، ومن باب الطرف والفكاهة : لو أن ابنا تزوج على حد قولهم جني’ أنجبت أولادا ، لصار خال ابنه : إبليس اللعين . والله المستعان .
العلة التي من أجلها أمر الله بطاعة الرسل
والأئمة صلوات الله عليهم (5)
لاستكمال الموضوع ادخل على هذا الرابط www.albainah.net