[align=center]الانتخابات الإيرانية.. لا جديد[/align]
مفكرة الإسلام: تقارير رئيسية :عام :الثلاثاء 14 جمادى الأول 1426هـ - 21يونيو 2005م
هل خالفت نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التوقعات؟
هل شابت الانتخابات الإيرانية عمليات تزوير وغش واحتيال؟
هل يلعب الرئيس الإيراني القادم دورًا في المستقبل السياسي لإيران؟
أسئلة كثيرة طرحتها الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تشهد جولة إعادة يوم الجمعة القادم بين اثنين من المرشحين؛ أحدهما قريب من الإصلاحيين, والآخر يمثل التوجه المحافظ المتشدد المعتاد في إيران، فما الجديد الذي قدمته الانتخابات الإيرانية؟ ولماذا خرجت بهذا الشكل؟
الثورة الإيرانية وولاية الفقيه:
حتى نفهم الصراعات السياسية التي تشهدها إيران اليوم يجب بنا أن نعود إلى الخلف قليلاً، وبالتحديد إلى عام 1979 ذلك العام الذي شهد الثورة الإيرانية على نظام الشاه بقيادة الخميني، حيث هبط الخميني في مطار طهران, وهو يحمل معه نظرية 'ولاية الفقيه', تلك النظرية التي خرجت للجواب على إشكال وقع فيه الشيعة: ماذا يفعلون في ظل غياب 'مهدي الشيعة' الذي دخل السرداب منذ عام 620 للهجرة ولم يخرج منذ ذلك الوقت؟! تدور هذه النظرية حول قضية من يمتلك المبرر الشرعي لتولي الإمامة الكبرى [الحكم] في المجتمع الشيعي في ظل غيبة 'المهدي', والذي حرم الشيعة بغيابه من إمام يقودهم، وأثير تساؤل: هل يملك الفقيه [الشيعي] الصلاحيات ذاتها الممنوحة للنبي والإمام على النفوس من إقامة للحدود وتصرف في الأموال والأنفس؟ أم أن صلاحيات الفقيه لا تتجاوز قضية 'الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر'؟
وردًا على هذا التساؤل خرجت ثلاثة أجوبة شيعية:
· الجواب الأول: أنكر الولاية المطلقة للفقيه مع الإقرار بنفوذ تصرفاته في أمور الحسبة.
· الجواب الثاني: منح الفقيه صلاحيات محدودة تنحصر في أمور الحسبة والقضاء والإفتاء والتصرف في الأموال والأنفس للغائبين والقصر.
· أما الجواب الثالث الذي تبناه الخميني وطبقته الثورة الإيرانية فقد منحت الفقيه الولاية المطلقة، حيث من صلاحياته إقامة الحدود وتنظيم الحقوق وإدارة القضاء, بل يذهب الخميني لأبعد من ذلك بكثير في رسالة أرسلها إلى 'علي خامنئي' رئيس الجمهورية الإيرانية في عهده قال فيها: '... إن الولي الفقيه له دون سواه أن لا يلتزم بالقوانين البشرية ومن جملتها الدستور... وإن أوامره مقدمة على جميع القوانين'.
ونجح الخميني بما له من شخصية كارزمية في فرض رؤيته لولاية الفقيه، وقمع معارضيه والذين كان من بينهم عدد من كبار علماء الدين الشيعة على رأسهم 'أبو القاسم الخوئي' و'شريعة مداري' حيث كانوا يرفضون الولاية المطلقة للفقيه، غير أنه مع وفاة الخميني بدأت الأصوات المعارضة لولاية الفقيه تنطلق بقوة من جديد, خاصة وأن الخميني لم يضع حدودًا لولاية الفقيه كما أن خلفه 'علي خامنئي' لم يكن بقوة شخصيته أو جاذبيته، فبدأ من هنا التيار الإصلاحي في الظهور, وكان الذي يتزعم المعارضة عدد من كبار رجال الدين, منهم 'حسين منتظري' الذي كان مرشحًا لخلافة الخميني, والذي كان يطالب بتقليل صلاحيات الولي الفقيه, وأن تنبع هذه الولاية من داخل الشعب لا أن تفرض عليه فرضًا.
وهكذا بدأت المعارضة الإيرانية في الظهور, وكان محور الخلاف – ولا يزال – حول قضية ولاية الفقيه، وكان يؤجج هذه المعارضة فشل نظام الخميني في تلبية مطالب الشعب الإيراني الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
التيارات السياسية الإيرانية:
بذلك يتضح لنا أن قضية ولاية الفقيه تمثل قمة جبل الجليد الذي يخفي تحته الخلافات السياسية التي تشهدها إيران، وتتمحور هذه الخلافات حول قضايا سياسية مهمة تتعلق بهوية النظام السياسي الإيراني ومكانة المؤسسة الدينية في أسس شرعيته وحركة مؤسساته ونظام القيم العام الذي يحكم سلوك وأخلاقيات أفراد الشعب, ومدى كفاءة نظام الثورة الإيرانية في إيران في التجاوب مع مطالب البيئتين الداخلية والخارجية وتوقعات أفراد الشعب لمزيد من التنمية والحرية, غير أن كل المخالفين لا ينكرون ولاية الفقيه, إلا أن بعضهم يطالب بالتقليل من صلاحياتها، فيما يطالب آخرون بعدم حصرها في شخص واحد، وهكذا ترسم ولاية الفقيه التوجهات السياسية الإيرانية.
وقد برز إلي الواقع ثلاث تيارات أساسية تتجاذب فيما بينها قضية شرعية النظام التي تمثلها نظرية ولاية الفقيه ومتطلبات التحول نحو نظام أكثر عصرية وفاعلية وكفاءة في تحقيق الغاية من حركته في مواجهة ضغوط البيئتين الداخلية والخارجية صوب الإصلاح والاقتراب أكثر نحو قيم الممارسة الديمقراطية, وهذه التيارات هي:
1- التيار الإصلاحي: يركز على عقلانية الدولة بعيدًا عن منطق الثورة, ولا ينظر لشرعية النظام من منظور أيديولوجي ضيق كما تفرضه نظرية ولاية الفقيه, بل ينادي بقيم أكثر عصرية لتحديد شرعية النظام بربطها بإرادة الشعب.
2- التيار المحافظ: يتمسك بقوة بنظرية ولاية الفقيه كأساس لشرعية النظام, ويعارض كل توجّه من شأنه تقليص سيطرة النخبة الدينية على مؤسسات النظام, ويعتمد على دعم علماء الدين المتشددين المسيطرين على أدوات القوة مثل الحرس الجمهوري وقوات الأمن.
3- تيار معتدل: يتخذ موقفًا وسطًا بين الاتجاهين, وإن كان يميل إلى التيار الراديكالي فيما يخص شرعية النظام المرتبطة بولاية الفقيه, على الجانب الآخر يتجاوب مع مطالب البيئة الداخلية خاصة فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي, وإن كان لا يتحمس لمطالب الحريات السياسية, خاصة تلك التي تقود إلى كسر احتكار النخبة الحاكمة الدينية للسلطة, ويؤيد هذا التيار البازار التقليدي والطبقة الوسطى.
الانتخابات الإيرانية والأطياف السياسية:
برغم أن الساحة السياسية الإيرانية كما أوضحنا يتقاسمها ثلاثة تيارات مختلفة إلا أنه من الصعب القول: إن لهذه التيارات حدودًا صارمة ومرشحين ثابتين، فمن أهم الحقائق التي أظهرتها الانتخابات الرئاسية التداخل بين الجماعات السياسية والأحزاب في إيران، فمن المقبول أن تتعاون مجموعتان سياسيتان رغم ما بينهما من خلافات وفروق, وذلك من أجل تحقيق مصالحهما المشتركة.
غير أن الانتخابات الإيرانية اتسمت هذه المرة بالانقسامات الشديدة، الأمر الذي أثّر بالسلب على جميع التوقعات التي سبقت الانتخابات الإيرانية؛ فقد انقسم معسكر الإصلاحيين طبقًا لاختيار مرشحيهم إلى ثلاثة أقسام هي:
أولاً: من يؤيدون 'مصطفى معين' وزير الثقافة والتعليم العالي السابق، الذي يمثل إطار الإصلاح المقبول لدى أنصار تطوير ولاية الفقيه في المعسكر الإصلاحي، وهم جبهة المشاركة الإسلامية، وهي من أكبر الأحزاب الإصلاحية، ويتزعمها 'محمد رضا خاتمي' شقيق الرئيس محمد خاتمي، ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية التي كان لها تشكيل قوي في مجلس الشورى السابق، وكذلك حركة الحرية الليبرالية المعارضة للنظام بزعامة 'إبراهيم يزدي'.
ثانيًا: يقف مجمع 'روحانيون مبارز' أكبر الأحزاب الإصلاحية وراء أمينه العام ورئيس مجلس الشورى السابق 'مهدي كروبي' الذي يمثل اليسار الإسلامي، والذي كان يطمح في استئناف عملية إصلاح النظام في المجال السياسي، وتطوير أسلوب عمل ولاية الفقيه بناءً على الخط الذي انتهجه الرئيس خاتمي.
ثالثًا: المرشح المستقل تحت مظلة الإصلاحيين 'محسن مهر علي زاده' مساعد الرئيس لشؤون الرياضة، الذي يعتمد على دعم الرياضيين والشباب.
أما على صعيد المحافظين ومن يعرفون بالمعتدلين فكانوا أشد انقسامًا؛ فهناك:
· أولاً: التقليديون, وهم علماء الدين المحافظون المتمسكون بخط الإمام الخميني؛ فكانوا موزعين بين تأييد 'علي لاريجاني' ممثل الزعيم «خامنئي» في المجلس الأعلى للأمن القومي، وبين تأييد 'رفسنجاني'.
· ثانيًا: الراديكاليون، وهم من يعرفون بأنهم رجال الدين العمليون الذين يعطون أولوية للمصلحة السياسية؛ فقد حسموا أمرهم بتأييد 'رفسنجاني' مثل: جبهة أتباع خط الإمام، والزعامة، وجمعية أوفياء الثورة الإسلامية، ومعهم حزب كوادر البناء الإصلاحي، وحزب العمل الإصلاحي، والجمعيات النسائية الإسلامية، وهذا خيار متاح أيضًا لجمعية 'روحانيون مبارز' التي يعتبر رفسنجاني عضوًا مؤسسًا لها؛ بل ربما يكون الأقوى على مستوى جماهير المحافظات بغض النظر عن دوائر العاصمة طهران.
· ثالثًا: المحافظون الجدد وهم ينطلقون من داخل البنية الفكرية والسياسية للجمهورية الإسلامية وثورة الخميني، لكنهم يدعون إلى التطوير والتجديد في الخطاب السياسي وفي الممارسة الداخلية وفي الجانب الاقتصادي، وهم يسعون للحصول على مقعد رئاسة الجمهورية.
وبجانب هؤلاء برز 'محمود أحمدي نجاد' الذي حقق مفاجأة بفوزه في الجولة الأولى من الانتخابات، ويؤيد 'نجاد' رئيس بلدية طهران جمعية الأبطال، وهي جبهة تشكلت ممن شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية واستطاعت السيطرة على المجالس المحلية ورئاسة العاصمة طهران، إضافة إلى اللواء 'محمد باقر قاليباف' القائد العام للشرطة الذي يؤيده تكتل الوفاق والخبرة وجمعية المؤتلفة الإسلامية أيضًا، ويحظى بتأييد من الطلبة أيضًا بعد استجابته لمشكلات طلاب المدن الجامعية خاصة من الجوانب الأمنية.
لماذا جولة إعادة؟
ويرد هنا سؤال مهم: لماذا لم ينجح أحد من المرشحين وعلى رأسهم رفنسجاني أو مصطفي معين في حسم الانتخابات الإيرانية لصالحه من الجولة الأولى؟ فضلاً عن خروج المرشحين الإصلاحيين من السباق بشكل كامل؟ والإجابة على هذا السؤال تتمثل في النقاط الآتية:
1- الانقسامات داخل كل من تيار الإصلاحيين والمحافظين, الأمر الذي شتت القوى الانتخابية.
2- ضعف تأثير التيار الإصلاحي في الشارع الإيراني، ويرجع ذلك لسيطرة تيار المحافظين القوية على الإعلام والتعليم، إضافة إلى الالتقاء بين التيارين في كثير من النقاط الفكرية.
3- النسبة الكبيرة التي تمثلها العاصمة الإيرانية طهران في الانتخابات، ومع سيطرة أنصار نجاد على العاصمة سهّل الأمر لصعود نجم نجاد السياسي.
المستقبل السياسي الإيراني:
بالطبع يبقى السؤال المهم: هل تشهد إيران تحولات سياسية بعد انحصار المنافسة بين رفنسجاني الذي تحتشد خلفه كثير من القوى وعلى رأسها الإصلاحيون وبين نجاد الذي تؤيده بعض القوى داخل التيار الإيراني المتشدد.
وقبل الحديث عن هذين المرشحين يجب أولاً أن نرى منصب الرئيس الإيراني في ضوء نظرية ولاية الفقيه؛
فلقد منح الدستور الإيراني الولي الفقيه 'المرشد الأعلى للثورة الإيرانية' صلاحيات كبيرة تجعله يتقدم على الرئيس الإيراني، فالولي الفقيه هو الذي يضع السياسات العامة للبلاد، وهو الذي يختار أعضاء أهم مؤسستين في إيران 'مجلس صيانة الدستور' و'مجلس تشخيص مصلحة النظام', إضافة إلى اختيار أعلى مسؤول قضائي و رئيس مؤسسة الإذاعة والتليفزيون وقادة الجيش والحرس الجمهوري، ومن صلاحيات الولي الفقيه كذلك عزل رئيس الجمهورية، الأمر الذي يعني أن الولي الفقيه هو أعلى سلطة في إيران, ولا يعدو رئيس الجمهورية كونه الرجل الثاني في النظام.
رفنسجاني: يعتبر كثير من المراقبين أن 'علي أكبر هاشمي رفنسجاني' هو أوفر حظًا من منافسه؛ لسعي الإصلاحيين لتأييده خوفًا من أن يتولى نجاد المحافظ المتشدد رئاسة الجمهورية، ويعتبر رفنسجاني واحدًا من أخطر اللاعبين السياسيين في الساحة الإيرانية، فرفنسجاني هو أول من أطلقت عليه صفة 'البراجماتية' في إيران, حيث لعب دورًا كبيرًا أثناء توليه الرئاسة الإيرانية في ظهور تيار الإصلاحيين والتقارب مع الغرب، رغم أنه في الوقت ذاته مقرب من المحافظين, حيث كان يشغل رئيس 'مجلس تشخيص مصلحة النظام'.
ورفنسجاني هو الذي أنشأ ما عرف بحركة 'كوادر البناء' انسجامًا مع أولوية الإعمار التي وضعها لإيران، وهؤلاء 'الكوادر' هم من المثقفين والطبقة الوسطى وموظفي الدولة ومن 'التكنوقراط' الذين يدعون إلى الاقتصاد الحر.
وأهم ما يميز رفسنجاني عن الآخرين أنه لا يخفي ميوله الإصلاحية خاصة في المجالات الاقتصادية، ولا يرفض الحوار مع الغرب أو الانفتاح عليه، ولكنه في الوقت نفسه يحتفظ بخطاب الثورة ضد الولايات المتحدة إذا كانت لا تريد أن تكف عن تهديد إيران، كما أنه مقرب من الولي الفقيه.
نـجـاد: لم يبرز اسم نجاد على السطح السياسي إلا بعد فوزه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي مثّل مفاجأة لجميع المراقبين, إلا أنه في الوقت ذاته يحمل دلالة مهمة ورسالة قوية من داخل إيران بأن التيار المحافظ المتشدد لم يخرج من الساحة السياسية بعد، إلا أنه برغم ذلك فإنه من المتوقع انتصار التيار المعتدل بقيادة رفسنجاني، فالظروف الداخلية والخارجية لا تسمح بوصول تيار متشدد للسلطة.
تلك كانت محاولة بسيطة للاقتراب من الساحة السياسية الإيرانية التي تموج بالتعقيدات والخلافات، غير أنه يجب أن نشير في نهاية المقال إلى أنه برغم التيارات السياسية المختلفة داخل إيران إلا أن جميع التيارات تتفق على أن تحقيق المصلحة الإيرانية مقدم على جميع الحسابات, حتى وإن كانت هذه المصلحة لا تتحقق إلا بالتعاون مع 'الشيطان الأكبر', وفي هذا الإطار نشير إلى التعاون الإيراني مع القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، ومن المرجح أن يكونا قد تعاونا في كثير من المناطق الأخرى التي لا تظهرها وسائل الإعلام.
[align=left]بقلم: وليد نور
[email protected]
( رابط المقال هنا )
[/align]