بسم الله الرحمن الرحيم,
و الحمد لله رب العالمين, و الصلاة و السلام على من جاء بالنور المبين و على آله الطاهرين و صحابته الغر الميامين و على من اقتفى نهجه بإحسان إلى يوم الدين,
أما بعد,
فإن الله أنزل القرآن الكريم بالحق و الهدى و حفظه عن تحريف المبطلين و عبث العابثين. قال –تعالى- : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقال في آية أخرى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (فصلت، آية 42.) قال قتادة – رحمه الله-: " والباطل إبليس. قال: فأنزله الله ثم حفظه، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا، حفظه الله من ذلك". و حيث كان الروافض من خاصة الشيطان فقد جهدوا أن يأتوا القرآن من بين يديه و من خلفه إذ لم يجدوا فيه ما يوافق عقائدهم فانقسموا على أساس ذلك فرقتين:
(1) منهم من جعل القرآن محرفا و زعم بأن ما يقرر عقائدهم قد حذف منه, كما قال القمي في مقدمة تفسيره: " القرآن منه ناسخ ، ومنه منسوخ ، ومنه محكم ، ومنه متشابه ، ومنه عام ، ومنه خاص ، ومنه تقديم ، ومنه تأخير ، ومنه منقطع ، ومنه معطوف ، ومنه حرف مكان حرف ، ومنه على خلاف ما انزل الله" ثم فصل ذلك و بين فقال:
"وأما ما هو كان على خلاف ما انزل الله فهو قوله " كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " فقال أبوعبد الله عليه السلام لقاري هذه الآية " خير امة " يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليه السلام ؟ فقيل له وكيف نزلت يابن رسول الله ؟ فقال إنما نزلت " كنتم خير أئمة أخرجت للناس " ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية " تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ومثله آية قرئت على أبى عبد الله عليه السلام " الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " فقال أبوعبد الله عليه السلام لقد سألوا الله عظيما أن يجعلهم للمتقين إماما فقيل له يا ابن رسول الله كيف نزلت ؟ فقال إنما نزلت " الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماما " وقوله " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله " فقال أبوعبد الله كيف يحفظ الشئ من أمر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له وكيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ فقال انما نزلت " له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بامر الله ومثله كثير .
وأما ما هو محرف منه فهو قوله " لكن الله يشهد بما انزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون " وقوله " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك في علي فان لم تفعل فما بلغت رسالته " وقوله " إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم " وقوله " وسيعلم الذين ظلموا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم " وقوله " وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون " وقوله " ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت " ومثله كثير نذكره في مواضعه .
(2) و منهم من انتحل مذهبا باطنيا في تفسير القرآن يخالف ظاهره و يعارضه و ألقوا على تفاسيرهم هالة من القدسية بنسبة التفاسير إلى أئمة معصومين , زعموا, يتلقون هذا التفسير من لدن حكيم خبير. كما نسبوا إلى الباقر أنه قال: " فقال لهم الله : فإن { جاءَكُمْ (محمد) بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ (بموالاة علي) اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً (من آل محمد) كَذَّبْتُمْ وَفَريقاً تَقْتُلونَ } ، فذلك تفسيرها بالباطن " - البحار ج24ص307
و عن الصادق قال : " {اصْبِرُوا} على الأذى فينا ، قلت : ف (صَابِرُوا) ؟ قال : على عدوكم مع وليكم ، قلت : ف (رَابِطُوا) ؟ قال : المقام مع إمامكم ، {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران/200) ، قلت : تنـزيل ؟ قال : نعم " –
و الناظر في مثل هذه التفاسير الباطنية يجد كيف يجري الهوى بصاحبه مجرى الكَلَب, فهم يضعون هذه التفاسير دون النظر أو الإلتفات إلى سياق الآيات فيأتون بالعجب العجاب, وفي كثير من هذه التفاسير لا يحتاج الشخص في الرد عليهم إلا مجرد النظر إلى الآية التي قبلها أو التي بعدها فيتحقق قول الله (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) , فالقرآن كلام الله لا تجد فيه إختلافا أو تضادا , يصدق بعضه بعضا و يشد بعضه بعضا فهو نسيج واحد أنزله الله على رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله, بما في ذلك دين الروافض.
و فيما يلي من أمثلة, أحاول بإذن الله بيان كيف يرد القرآن الكريم تفاسير الروافض الباطنية و يدحرها:
البقرة – آية 59:
قال القمي: وقال الله ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا - آل محمد حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون )
و الآية في سياق الكلام على بني إسرائيل. قال –تعالى- قبلها: ( و إذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا و ادخلوا الباب سجدا و قولوا حطة نغفر لكم خطاياكم و سنزيد المحسنين) , فكيف يظلم بنو إسرائيل في عهد موسى آل محمد حقهم و هم لم يوجدوا بعد؟
و إذا قصدوا بهم الخلفاء الثلاثة فما هو الرجز الذي نزل عليهم من السماء؟ و متى كان و كيف ذلك و لو كان لعرفه العام و الخاص.
و في تفسير العسكري: "أنه قيل لهم بالانقياد لولاية الله ولولاية محمد صلى الله عليه وآله وعلي ( ع ) وآلهما الطيبين وأنهم لما لم ينقادوا وظلموا حق الله وحق محمد صلى الله عليه وآله وآله انزل الرجز عليهم من السماء"
فيرده قوله –تعالى-: " و قولوا حطة" و لم يقل فقولوا بولاية محمد و آله و علي!!
الأعراف – الآية 157
قال القمي: " ( فالذين آمنوا به ) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله ( وعزروه ونصروه واتبعوا النور
الذي انزل معه ) يعني امير المؤمنين عليه السلام"
يرده قوله –تعالى-: أنزل معه و علي –رضي الله عنه- لم ينزل من السماء. و الله قد جعل الإتباع للنور و لم يذكر النبي –صلى الله عليه و سلم- فعلم أن هذا النور أجل و أعظم من النبي –صلى الله عليه و سلم- و لا يكون هذا إلا كلام الله الذي هو صفة من صفاته, أما إن كان المقصود عليا فلزم كون علي –رضي الله عنه- أجل و أعظم من النبي –صلى الله عليه و سلم- إذ أحالهم الله إلى إتباعه في هذه الآية دون إحالتهم إلى إتباع النبي –صلى الله عليه و سلم- و لو كان المقصود بالنور علي لقال "عزروه و نصروه و اتبعوه و النور الذي أنزل معه". هذا إذا نفينا عن القمي القول بمذهب الغرابية.
08-04-05, 08:14 AM
العرض العادي
