إعداد
الشيخ عبد الرازق بن عبد المحسن البدر - حفظه الله -
بدأنا بحمد الله تعالى في الحلقة السابقة في ذكر بعض أقوال السلف في تقرير تقسيم التوحيد إلى أقسامه الثلاثة وكان آخر ما ذكرنا قول الإمام الطحاوي: "نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره".
وظهرت أقسام التوحيد الثلاثة صريحة واضحة في نصِّ هذا الإمام رحمه الله، وقد ذكر في مقدمة متنه المذكور أنه مشتمل على: "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصل الدين، ويدينون به رب العالمين".
5- قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة 354ه في مقدمة كتابه "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء": "الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، المانِّ عليهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته".
فذكر الأقسام الثلاثة: الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
6- قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي المتوفى سنة 386ه في مقدمة عقيدته: "من ذلك: الإيمان بالقلب والنطق باللسان بأنَّ الله إله واحد لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير، ولا ولد له ولا والد، ولا صاحبة له ولا شريك له، ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء، لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون... إلى أن قال: تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد أو يكون لأحد عنه غنيً، خالق لكل شيء، ألا هو رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم".
7- قال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري، المتوفى سنة 387ه في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة": "وذلك أن أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يعتقد العبد ربانيته؛ ليكون بذلك مباينًا لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعًا.
والثاني: أن يعتقد وحدانيته؛ ليكون مباينًا بذلك لمذهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.
والثالث: أن يعتقده موصوفًا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفًا بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه.
إذ قد علمنا أنَّ كثيرًا ممن يقرُّ به ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته فيكون إلحاده في صفاته قادحًا في توحيده.
ولأنّا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة من هذه الثلاث والإيمان بها.
فأما دعاؤه إياهم إلى الإقرار بربانيته ووحدانيته فلسنا نذكر هذا هاهنا لطوله وسعة الكلام فيه، ولأن الجهمي يدَّعي لنفسه الإقرار بهما وإن كان جحده للصفات قد أبطل دعواه لهما.
ثم أخذ يورد ما يدل على بطلان قول الجهمية في نفي الصفات.
وهذا نص في غاية الوضوح في ذكر أقسام التوحيد الثلاثة.
وتأمل- يا رعاك الله- قول ابن بطة: "ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة من هذه الثلاث والإيمان بها". ففيه أبلغ ردٍّ على من يزعم أنَّ هذا التقسيم لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله #.
وتأمل قوله في بداية كلامه: "وذلك أنَّ أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء". فقد نصَّ رحمه الله على أنَّ أقسام التوحيد الثلاثة هي أصل الإيمان الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان بالله، ومعنى ذلك أنه لا إيمان لمن لم يأت بهذه الأمور الثلاثة ولا توحيد؛ إذ الإيمان والتوحيد هو إفراد الله وحده بهذه الأمور الثلاثة، فمن لم يأت بتوحيد الربوبية فهو معطل للخالق مشرك في ربوبية الله، ومن لم يأت بتوحيد الألوهية فهو مشرك في ألوهية الله وعبادته كالمشركين عبدة الأصنام، ومن لم يأت بتوحيد الأسماء والصفات فهو كافر ملحد في أسماء الله وصفاته. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
نقلا عن موقع مجلة التوحيد