سؤالان في الحديث

[أبوخطاب العوضي]

نص السؤال:

فضيلة الشيخ الكريم - حفظه الله -، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

لدي سؤالان متعلقان بعلم الحديث:

1. إذا أردت الاقتصار على إحدى الألفيتين التاليتين وشروحهما بغية الحفظ ودراسة علم الحديث، فبأيهما تنصح مع ذكر الأسباب: ألفية العراقي، أو ألفية السيوطي

2. عندي شبهة بخصوص قبول خبر الآحاد في العقيدة أرجو جوابها جوابا شافيا مع العزو إلى المصادر إذا احتاج الأمر، العقيدة تتطلب تصديقا واعتقادا قلبيا جازمين دون أدنى شك، وخبر الآحاد لا ينطبق عليه هذا الشرط لأنه وكما هو متفق عليه عند أهل الحديث أنه يفيد الظن في نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف نبني اعتقادا جازما على رجحان ظن يتطرق إليه ولو واحد بالمائة من الشك، طبعا أنا لا أتكلم عن الأحكام الفقهية الفرعية التي نبحث فيها عن أدلة راجحة، فاستدلالنا بتغيير القبلة وبأذان المؤذن للإفطار في رمضان وفي رؤية الهلال إنما هي في أحكام عملية. ناهيك عن القاعدة الأصولية التي تقرر أن الدليل إذا تطرق إليه الشك بطل به الاستدلال، فكيف نبني عقيدة على خبر غير يقين نسبته إلى المشرع؟ بارك الله فيك ونفع بعلمك.



الجواب:

أجاب عن سؤالك الشيخ عبدالله بن محمد المعيتق:

الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:

بالنسبة للسؤال الأول: وهو ما يتعلق بألفيتي العراقي والسيوطي - رحمهما الله -.

فأقول أولاً أهنئك على هذه الهمة والرغبة في سلوك طريق العلم، وتلمس جوادّه، وخاصة ما يتعلق بعلم الحديث، والسير على جادة أهل العلم بهذا الشأن.

ثانياً: لكل من الألفيتين ما تمتاز به عن الأخرى من حيث المباحث المتعلقة بالصناعة الحديثية، ولكن تبقى ألفية العراقي هي الأصل من حيث متانتها، وبكونها ألصق بمقدمة ابن الصلاح التي تعتبر عمدة في هذا الفن.

فإذا حفظ الطالب ألفية العراقي فقد أحاط بجملة وافرة من هذا العلم، ويمكن أن يحفظ ما زاده السيوطي في ألفيته ليجتمع عنده علما المنظومتين.

مع الإطلاع على شرحهما خاصة شرح العراقي على ألفيته وتعليقات الشيخ أحمد شاكر على ألفية السيوطي.



وأما السؤال الثاني: فهو طويل الذيل، ولكن أَخْتَصِر للأخ السائل بقدر الإمكان بإذن الله - تعالى - فأقول:

الخلاف في خبر الواحد مشهور بين أهل العلم من المحدثين والأصوليين وأهل الكلام، هل يفيد العلم أو العلم الظني؟

ويقصدون بالعلم: الذي لا يحتمل النقيض ولا يتطرق إليه أدنى شك، وأما الظن: فهو الاحتمال الراجح.

فقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن خبر الواحد يفيد الظن من حيث العلم به، أما من حيث العمل فيجب العمل به في جميع أبواب الدين في العقائد وغيرها، وهذا الأخير أعني به -وجوب العمل - متفق عليه عند جميع من يعتد به من أهل العلم، عدا طوائف من أهل الضلال كالمعتزلة، وغيرهم من نفاة الصفات، الذين يردون كثيراً من الأخبار التي تتعلق بالأمور الغيبية، وأحوال الآخرة، كعذاب القبر، والشفاعة، والصراط، والميزان، بدعوى أنها أخبار آحاد لا تفيد العلم، ولذلك هم يفرون من تسمية هذه الأخبار بأنها أدلة، وإنما يسمونها أمارات، ويقولون: إن ما ثبت بطريق الأمارة لا يوجب العلم وإنما يوجب الظن فقط.

ولذلك إذا تعارض دليل عقلي مع النص الذي يسمونه أمارة؛ فإنهم يقدمون العقل عليه فيزعمون أن عذاب القبر مثلاً أمارة لا تفيد العلم، وأن العقل لا يدل على ذلك فيردون الخبر بناء على هذه الدعوى.

ثم إن خبر الواحد -وإن كان كما تقدم - في أصله يفيد الظن من حيث العلم إلا أنه قد يفيد العلم القطعي وذلك بقرائن تدفع هذا الظن الذي هو في الأصل قد لا يكون موجوداً، وإن وجد فهو ضعيف، ويزول أمام مثل هذه القرائن.

وهذا القول اختاره طائفة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام وابن القيم ومن هذه القرائن:

إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملاً به، وأجمعوا على ذلك.

يقول شيخ الإسلام (الفتاوى13/351): (جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له أو عملاً به أنه يوجب العلم) وقال أيضاً(18/41): (خبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري... فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن، لكنْ لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه)أ. هـ

وأيضاً من هذه القرائن: أن يكون خبر الواحد في الصحيحين أو في أحدهما، وهناك من أهل العلم يذهبون إلى أن خبر الواحد يفيد العلم سواء احتفت به القرائن أم لا.

فإذا ظهر ما تقدم فلا يلزم من قبول خبر الواحد وخاصة في العقائد أن تكون قد بنينا عقيدتنا على خبر غير متيقن إذ أن هذا الظن مجرد احتمال بوقوع الخطأ والوهم في هذا الناقل وقد لا يقع وهو الأكثر إذا كان هذا الناقل من الثقات الموثوقين في حفظهم وإتقانهم، هذا من حيث الثبوت.

أما من حيث العمل به فالعمل به واجب كما تقدم وهذه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يبعث الواحد من صحابته - رضي الله عنهم - ليبلغ الدين، ولم يفرق بين العقائد وغيرها.

من ذلك:

1/ بعثه - صلى الله عليه وسلم - معاذ إلى اليمن كما في الصحيحين خ (1395)و م(19) وفيه: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه: عبادة الله...)الحديث.

2/ بعثه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - إلى أهل خيبر والخبر في الصحيحين خ(3701) م(2406).

وفيه: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام...)الحديث.

3/ بعثه دحية الكلبي- رضي الله عنه - إلى عظيم بصرى والخبر في البخاري خ(7264).

4/ بعثه حذيفة رضي الله عنه إلى أهل نجران والخبر في الصحيحين خ(3745) م (2420).

ولمزيد من البحث فإني أحيلك إلى بعض المصادر التي تفيد في هذا الجانب:

1/ مقدمة النووي على صحيح مسلم.

2/ مجموع الفتاوى 13/351 18/41 22/96.

3/ الاستقامة لشيخ الإسلام 1/50 وما بعدها.

4/ المسوَّدة لابن تيمية ص 247.

5/ إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 1/112و2/247.

6/الصواعق المرسلة2/632.

7/النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر1/374.

8/توضيح الأفكار للصنعاني1/26.

24 / 2 / 1425هـ

منقول

[مؤدب]

جزاك الله خير
ووفقك الله علي جهودك المشهودة
وسدد الله خطاك


مؤدب