[ALIGN=CENTER]
الحمد لله حمدا يليق بجلال قدره وعظيم شأنه حمدا كثيرا طيبا مبارك يملآ السماوات والارض وما بينهما حمدا عدد ما نزل المطر وعدد ما خلق من بشر وعدد منابت الشجر وانفاس البشر . واثني واسلم على المصطفي الامين شفيعنا يوم الدين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
أخواني الافاضل & أخواتي الدرر المكنونة والجواهر المصونة حفظكم & حفظكن الرحمن من كل مكروه ..
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً _صلى الله عليه وسلم_ عبده ورسوله ، أما بعد:
فإن الله _تعالى_ قد ذكر في كتابه العزيز أن الهدى محصور في الوحيين : الكتاب والسنة ، وقد تكرر تقرير هذا الأصل في القرآن كثيرا ، كمثل قوله _تعالى_: "قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 38ـ 39).
ومثل قوله _تعالى_: "قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ" (آل عمران 73).
ومثل قوله _تعالى_: "وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (الأعراف 52) ،
و قوله _تعالى_: "فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (القصص 50) ،
وقوله _تعالى_: "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (العكنبوت 51)
وقول _تعالى_: "وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ " (سبأ 50).
وقوله _تعالى_: "إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى" (الليل 12).
ونظائرها في القرآن كثيرة جداً ، ولهذا جعل الله أصل الدين مبنياً على الإيمان بالسمع ، والإيمان بما أنزل الله _تعالى_ ، كما جاء في ذلك آيات كثيرة جداً ، بل لا يكاد يذكر الإيمان إلا ويُقرن بالإيمان بما أنزل الله _تعالى_ من الوحي ، ولهذا أمر الله _تعالى_ المؤمنين أن يفْصِلوا إيمانهم عن إيمان غيرهم بذكر إيمانهم بما أنزله عليهم من الوحي المحفوظ .
قال الله _تعالى_: "قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (البقرة 136(،
وفي آل عمران قال _تعالى_: "قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمـــــَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهــــِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحــــَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحـــْنُ لَــــهُ مُسْلِمُونَ " (آل عمران 84 ).
ولهذا أيضاً مدح الله المؤمنين في القرآن بأنهم أهل السمع والطاعة ، فالسمع به يعلمون الحق والهدى ، والطاعة إنما هي الامتثال الفوري للسمع والانقياد له ، وعدم معارضته بشيء .
وهذا في القرآن كثير جداً ، كما في سورة النساء ، وسورة النور، وغيرهما .
ومن هنا حصر بعض العلماء أسباب الوقوع في مخالفة الحق علماً وعملاً ، في سببين :
اتباع الشبهات ، والميل إلى الشهوات .
فالشبهات تعرض في العلم ، وتمنع القلب من معرفة الحق من الوحي ، وتشوش عليه صورة المعلوم منه،
وهي تعرض في المتشابه أكثر من المحكم ، ولهذا جاء في القرآن "فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ" (آل عمران 7).
وأما الشهوات فهي اتباع ما تشتهيه النفس .
كما أن الشبهات اتباع ما يقع في النفس مما يظن أنه من العلم ، أو من أدلته ، فيقدم على الوحي ، أو يعارض به الوحي ، فيحصل بذلك الميل عن الحــق .
وقد قال _تعالى_: "وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً" (النساء 27).
وأصل الميل العدول والانحراف ، ولا بد منه للذين يتبعون الشهوات.
وبهذا يعلم أنه في كلا الأمرين من اتباع الشبهات وكذلك الشهوات ، ميل عن السمع والطاعة ، وعن تمحّض الاستمساك بالوحي الذي أمر الله به في قولــــه: "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الزخرف43).
والناظر في تاريخ الفرق الإسلامية ، وأسباب انحرافها عن السنة ، وعن أصول الهدى التي أجمع عليها سلف الأمة ، المأخوذة من مقتضى وصية النبي _صلى الله عليه وسلم_ لهم بقوله: " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض" رواه مالك بلاغاً، والحاكم موصولاً بإسناد حسن .
الناظر في أسباب انحرافها في أبواب الأسماء والصفات الإلهية ، والقدر ، والتعليل ، والأسماء والأحكام ، والوعد والوعيد ، والخلافة والصحابة ، والإمامة ، والصلاح والأصلح ، والحسن والقبيح ، ونحوها من مسائل النزاع التي وقعت في الأمة ، أو وقعت فيمن ينتسب إلى القبلة ، يرى أن تلك الأسباب ترجع إلى سببين رئيسين:
أحدهما : معارضة الوحي بغيره .
والثاني : الخطأ في فهم الوحي .
أما الأول : فيتفرع منه ثلاثة أسباب :
أحدها : معارضة الوحي بما يظن أنه الأدلة العقلية القطعية التي لا يأتيها الباطل ، وقد حمل لواء هذه المعارضة الجهمية بطوائفها الثلاث : الجهمية الأولى ، والمعتزلة ، والأشعرية الكلابية ، وقد تولد منهم ما تولد من الآراء المنحرفة ، والأفكار المتردية المخالفة للحق والهدى في كثير من أبواب العلم ، في أسماء الله وصفاته ، وفي القضاء والقدر ، وفي الأسماء والأحكام ، لاسيما اسم الإيمان وما يدخله فيه .
الثاني : معارضة الوحي بما يظن أنه كشوف إلهية ، وإلهامات ربانية ، من الملكوت الأعلى ، ومـن أذواق يجدونها في نفوسهم وقلوبهم ، يعتقد أصحابها أنها من عند الله ، وأن الله خصهم بها من العلم اللدني ، كما خص الخضر بعلم لم يعلمه موسى _عليه السلام_ ، وأن لهم بها أن يخرجوا عن مقتضى الوحي الإلهي المنزل على محمد _صلى الله عليه وسلم_ ، كما وسع الخضر أن يخرج عن شريعة موسى ، وتحت هذا شعب كثيرة من الانحراف عن السنة لاسيما في الطرق الصوفية ، ولهذا صار التصوف من قرون مديدة ، مجمعاً لهذا الانحراف الخطير.
الثالث : معارضة الوحي بآراء الناس ، من أقوال الرؤساء والمتبوعين والمشايخ، ممن يُدّعى له العصمة ، أو ممن يعطى منصب الإمامة ، ويعارض كلام النبوة بقوله ، وعلى هذا يقوم أصل دين الرافضة ، وكثير منه في المتصوفة أيضاً ، ويوجد منه نصيب في أتباع المذاهب الفقهية المعتبرة من أهل التعصب المذهبي .
[/ALIGN]