يقول الله سبحانه وتعالى في أعظم سورة..هي أم الكتاب"إياك نعبد وإياك نستعين"
وفي الآية التفات على طريقة العرب في تغيير الخطاب من الغيبة للحضور لما في ذلك من أثر كالرنين المنبه في أذن السامع..كقول حسّان رضي الله عنه:
ألا أبلغ أبا سفيان عني..فأنت مجوّف نخب هواء..
إياك نعبد وإياك نستعين..قاعدة ينقسم الناس إزاءها..إلى أربعة أقسام
*قوم لا يعبدون ولا يستعينون الله..وهؤلاء شر الخلق
*لا يعبدون الله..ولكن يستعينونه..وهؤلاء وإن كان تعاملهم مع الله أسوأ من العلاقة المصلحية بين العباد..و فعلهم بجاحة محضة مع خالقهم وسيدهم وهم الفقراء إليه..إلا أنهم أهون من الفرقة السابقة..لأن ثمة خيطا..ولو كان دقيقا رقيقا يربطهم بالله..ومثلهم كمثل محتال يقول وهو غارق في احتياله:الله يسهل!..أو كراقصة تطلب المدد من ربها..قبل العرض
*وأناس لا يستعينون بالله..بل يتوكلون على غيره..وإن كان ظاهرهم أنهم يعبدون الله
كأصحاب المناصب..وهؤلاء أقرب إلى الماديين..الفلاسفة..الذين فهموا قانون السببية بأنه يلغي دور الله تعالى..فتجد عبادتهم خاوية من معاني الحب والذل....ومنهم المتوسلون بغير الله المستغيثون بالبشر والقبور..كالرافضة وبعض المتصوفة
*وجماعة يعبدون الله ويستعينونه..وهم أولياؤه الصالحون..المتقون
ولنتعمق أكثر فنشرّح معا مفهوم العبادة....وهو كما دلت عليه نصوص القرآن والسنة:حب وخوف ورجاء..
وهنا انقسم الناس:-
قوم عبدوا الله بالحب وحده..وقالوا لا نعبده خوفا من نار ولا طمعا في جنة!..وهذه طريقة الصوفية..وهو يخالف صريح المنقول عن الله تعالى"يدعوننا رغبا ورهبا"
وقوم عبدوا الله بالرجاء وحده..وهؤلاء المرجئة..الذين قالوا :الإيمان في القلب..ولا دخل للأعمال ..وهؤلاء خالفوا الفطرة والشرع..فالمعادلة الربانية تقول"نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم"
وقوم عبدوا الله بالخوف وحده..كالخوارج..الذين لم يروا غير الشق الأخير من المعادلة الآنفة
ثم العبادة الحقة..تقتضي أمرين:-
-إخلاص..و
-موافقة للسنة
ويدل عليه قول الله تعالى"فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"..
فالعمل الصالح..الذي يوافق السنة..وعدم الإشراك..هو عين الإخلاص
وهنا انقسم الناس إلى أربعة أقسام:-
-إخلاص بلا متابعة للسنة..كالصوفية وأضرابهم وبعض الشيعة..ممن تلمس حقيقة إخلاصهم..لكن لا يتحرون السنة..وهم من شر الخلق..إذ يصرون على ذلك..وهم بذلك كرهبان النصارى
-متابعة للسنة بلا إخلاص..وهؤلاء جماعة الرياء..على درجاته المختلفة..ويوشك أن يحبط شركهم الأصغر كل حبة خردل أنفقوها أو أدوها في سبيل الله
-لا سنة ولا إخلاص..كأكابر شيوخ الشيعة
-أهل الإخلاص ومتابعة السنة..وهم
المحققون لمراد الله..
فالحاصل مما سبق:المؤمن يعبد الله بحب وخوف ورجاء..مع إخلاص واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم
نأتي للاستعانة..وهي معنى..يجمع أمرين..الثقة بالله..والاعتماد عليه..كما ذكر الإمام الفحل ابن القيم
رحمه الله تعالى..
وهنا انقسم الناس إلى أربعة أقسام:-
يثقون بالله..ولا يعتمدون عليه..فحوائجهم متعلقة بالعباد لا برب العباد
ففعلهم مناقض لقولهم ..كالروافض وأضرابهم..
وقوم يعتمدون عليه..ولا يثقون به..كمن يدعو وهو غير موقن بالإجابة..أو يتخوفون من فشل التجربة الإسلامية..لا خوفا من أصحاب رايتها..بل خوفا من حقيقة نجاح الإسلام..وهؤلاء أقرب إلى الكفر..ومنهم ألئك الذين أصابتهم لوثة العلمانية
وقوم لا يثقون بالله ولا يعتمدون عليه..وهم شر الناس..ومنهم القائلون بالبداء..من الرافضة..ونحوهم..ممن اتهموا الله جل جلاله بأنه لم يقم العدل قط..إلى يومنا هذا
وقوم يثقون بالله ويتوكلون عليه..وهم أهل طاعته..ومحبته
فنخلص مما سبق:
إياك نعبد وإياك نستعين..معنى عظيم جدا..تردد في القرآن كثيرا..
كقول الله تعالى "فاعبده وتوكل عليه"..
فقوله "فاعبده"..نظير إياك نعبد..وقوله "وتوكل عليه"..نظير:وإياك نستعين وهو يلخص حقيقة المؤمن كما يردها الله سبحانه..ولهذا كان ما سبق سرا من أسرار عظمة الفاتحة..أم الكتاب