فلقد ثبت استواء الله على عرشه وأنه في سبع مواضع من القرآن :
الموضع الأول :
قوله تعالى في سورة الأعراف : (( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ))
(( الله )) خبر (( إن )) .
(( خلق السماوات والأرض )) : أوجدهما من العدم على وجه الإحكام والإتقان .
(( في ستة أيام )) : ومدة هذه الأيام كأيامنا التي نعرف لأن الله سبحانه وتعالى ذكرها منكرة , فتحمل على ما كان معروفاَ .
وقوله : (( ثم استوى على العرش )) : (( ثم )) للترتيب .
(( استوى )) بمعنى علا .
(( العرش )) هو ذلك السف المحيط بالمخلوقات , ولا نعلم مادة هذا العرش . لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يبين من أين خلق هذا العرش , ولكننا نعلم أنه أكبر المخلوقات التي نعرفها .
وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ولا يماثل استواء المخلوقين .
وقد فسره أهل التعطيل بأن المراد به الاستيلاء وقالوا : معنى : (( ثم استوى على العرش )) يعني استولى عليه .
واستدلوا لتحريفهم هذا بدليل موجب وبدليل سالب :
أما الدليل الموجب , فقالوا : إننا نستدل بقول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق- من غير سيف أو دم مهراق
( بشر ) : ابن مروان , ( استوى ) : يعني : استولى على العراق .
قالوا : هذا بيت رجل عربي , ولا يمكن أن يكون المراد به استوى على العراق يعني علا على العراق ! لاسيما أنه في ذلك الوقت لا طائرات يمكن أن يعلو على العراق بها .
- أما الدليل السلبي , فقالوا : لو أثبتنا أن الله عز وجل مستو على عرشه بالمعنى الذي تقولون , وهو العلو والاستقرار , لزم من ذلك أن يكون محتاجا إلى العرش , وهذا مستحيل , واستحالة اللازم تدل على استحالة الملزوم .
ولزم من ذلك أن يكون جسما , لأن استواء شيء على شيء بمعنى علوه عليه يعني أنه جسم .
ولزم أن يكون محدودا , لأن المستوي على الشيء يكون محدوداً , إذا استويت على البعير , فأنت محدود في منطقة معينة ومحصور بها وعلى محدود أيضاً .
* والرد عليهم من وجوه :
أولاً : تفسيركم هذا مخالف لتفسير السلف الذي أجمعوا عليه , والدليل على إجماعهم أنه لم ينقل عنهم أنهم قالوا به وخالفوا الظاهر , ولو كانوا يرون خلاف ظاهره , لنقل إلينا , فما منهم احد قال : إن (استوى) بمعنى ( استولى ) أبداً .
ثانياً : أنه مخالف لظاهر اللفظ , لأن مادة الاتواء إذا تعدت مواردها القرآن وفي كلام العرب .
ثالثاً : أنه يلزم عليه لوازم باطلة .
1- أنه يلزم أن يكون الله عز وجل حين خلق السماوات والأرض ليس مستولياً على عرشه , لأن الله عز وجل يقول : (( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش )) و(( ثم )) تفيد الترتيب , فيلزم أن يكون العرش قبل تمام خلق السماوات والأرض لغير الله .
2- أن الغالب من كلمة ( استولى ) أنها لا تكون إلا بعد مغالبة ! ولا أحد يغالب الله .
أين المفر والإله الطالب -- والأشرم المغلوب ليس الغالب
2- من اللوازم الباطلة أنه يصح أن نقول : إن الله استوى على الأرض والشجر والجبال , لانه مستولٍ عليها .
وهذه لوازم باطلة , وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم .
وأما استدلالهم بالبيت , فنقول :
1- أثبتوا لنا سند البيت وثقة رجاله , ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً .
2- من هذا القائل ؟ أفلا يمكن أن يكون قاله بعد تغير اللسان ؟ لأن كل قول يستدل به على اللغة العربية بعد تغير اللغة العربية فإنه ليس بدليل , لأن العربية بدأت تتغير حين اتسعت الفتوح ودخل العجم مع العرب فاختلف اللسان , وهذا فيه احتمال أنه تغير اللسان .
3- أن تفسيركم (استوى بشر على العراق ) بـ ( استولى ) تفسير تعضده القرينة , لأنه من المتعذر أن بشراً يصعد فوق العراق فيستوي عليه كما يستوي على السرير أو على ظهر الدابة فلهذا نلجأ إلى تفسيره بـ ( استولى ) . هذا نقوله من باب التنزل وإلا فعندنا في هذا جواب آخر : أن نقول : الاستواء في البيت بمعنى العلو؛ لأن العلو نوعان :
1- علو حسي؛ كاستوائنا على السرير .
2- وعلو معنوي؛ بمعنى السيطرة والغلبة .
فيكون معنى (( استوى بشر على العراق )) ؛ يعني : علا علو غلبة وقهر .
وأما قولكم : إنه يلزم من تفسير الاستواء بالعلو أن يكون الله جسما .
فجوابه : كل شيء يلزم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فهو حق , ويجب علينا أن نلتزم به , ولكن الشأن كل الشأن أن يكون هذا من لازم كلام الله ورسوله ؛ لأنه قد يمنع أن يكون لازما؛ فإذا ثبت أنه لازم ؛ فليكن , ولا حرج علينا إذا قلنا به .
ثم نقول : ماذا تعنون بالجسم الممتنع ؟؟؟؟
أن أردتم به أنه ليس لله ذات تتصف بالصفات اللازمة لها اللائقة بها ؛ فقولكم باطل ؛ لأن لله ذاتا حقيقية متصفة بالصفات , وأن له وجهاً ويداً وعيناً وقدماً , وقولوا ما شئتم من اللوازم التي هي لازم حق .
وهداء الله من ظلوا عن الطريق المستقيم طريق الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة وثبت إخواننا أهل السنة والجماعة على طريق الحق وجمع كلمتهم ووحدتهم وجعلهم قوة على أعدائهم .
اللهم أمين
شــداد قدس الله سره