بسم الله الرحمن الرحيم,
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين و على آله و صحبه أجمعين,
أما بعد,
فلما جلب عمرو بن لحى الخزاعي الأصنام من الشام و فرقها بين قبائل العرب , ما راج ذلك عند جهلتهم إلا لظنهم بأن هذه الآلهة تجلب لهم نفعا من دون الله , و كان العرب قبل ذلك على فطرة أبيهم إسماعيل و ملة جدهم إبراهيم –عليهما السلام-. قال ابن هشام في معرض ذكره للحوار الذي دار بين العماليق و عمرو: "قالوا له: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا و نستنصرها فتنصرنا". قال ابن إسحاق: و استبدلوا بدين إبراهيم و إسماعيل –عليهما السلام- و غيره فعبدوا الأوثان و صاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات.
و كذلك زوار هذا القبر من النصارى و المسلمين, ما أتوه و دعوا صاحبه و ذبحوا عنده و وفوا بنذورهم لديه إلا لظنهم بأن صاحب هذا القبر يجلب لهم نفعا من دون الله, كما ظن من دعا يغوث و يعوق و نسرا و ودا (وكانوا قوما صالحين) بأنهم يجلبون لهم نفعا من دون الله. قال صاحب المقال: " حيث تعبق في رحابه وتدور في ارجائه الكرامات والفضائل والحوادث التي تقوِّي هذا الاعتقاد الراسخ ليس بين أهل هذه البلدة فحسب وانما مع الجوار وبلاد عاملة، فالناس يفدون اليه وينذرون عنده ويتباركون فيه ويستشفون به"
إذا, فالشيطان هو الشيطان و ابن آدم هو ابن آدم , قد تتغير الأحداث في صورها و شكلياتها إلا أن المضمون واحد و أسلوب الشيطان واحد, و ما أفسد الشيطان على ابن آدم في شيء كإفساده عليه دينه و إتيانه من باب الشرك لعلمه بأنه من أعظم أسباب الخلود في النار. قال –تعالى-: " إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
و من هداه الله و وفقه يعلم أساليب الشيطان و حيله و يعتبر بما جرى للأمم من قبله. قال –تعالى-: " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدا" , فكيف نتخذه عدوا إن لم ندرس خططه و أساليبه في حربه علينا, و نتحصن منه و ننترس بالتوحيد و ذكر الله و دعائه وحده لا شريك له. أفيمضي محارب إلى الحرب صفر اليدين بلا سلاح؟!
يقول صاحب المقال: " الى هذا المزار المبارك والمقام المقدس تشرئب الأعناق وتُسر النفوس وتحظى القلوب لان فيه عطراً من عبق الأئمة يفوح في حناياه وينتشر بين ارجائه فتحمله الرياح كمددٍ الى فرسان المقاومة الذين وجدوا فيه رائحة المنتظر فشحذوا السيوف وكدوا الاقدام وعضوا على النواجذ ورموا انظارهم ناحية المقدس أليس الصبح بقريب"
فأقول: نعم الصبح قريب لمن أخذ بالأسباب و توكل على الله , و من أعظم أسباب النصرة إخلاص العبادة لله و التبرأ من البدع و المحدثات فكيف يرجوا نصر الله من تمسك بدعاء بشر لا يملك لنفسه , فضلا عن غيره, نفعا و لا ضرا.
هذا و الله أعلم و صلى الله و سلم علي نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.