الشيخ الشامي الفاضل يروي قصة لقاءه بشيخ الطرق المصرية وطلب الملك الحسن التعليق عليه
[ALIGN=CENTER] [[قصة طريفة]]: [/ALIGN]
وأذكرُ هنا واقعة لطيفة،جديرة بالذَّكر في الحديث عن هذه المقولة،فيها طرافةٌ وعِبرةٌ:
دُعيتُ قبل سنواتٍ إلى بلاد المَغرب،لشهودِ الدَُروس الحَسَنيَّة الرَّمضانيَّة،التي تُلقي بين يدي
مللك المغرب من كلِّ عام في رمضان،ويحضرها عددٌ من أهل العلم،يُدعون لها من العديد
من بلاد المسلمين.
وكان أحد المدعوِّين في هذه السنـة ، شيخُ الطُّرق الصُّوفيـة في مصر ، يحمل لقب "دكتور" ، حالقٌ لحيته وشاربيه ، يرتدي اللباس الغربيَّ ، وليس عليه من سيماءِ الإسلام والعربية ، إلا ما تسمعه من كلامه حين يتكلَّم ، ينطقُ بالشهادتين بعربيَّة عاجزة.
وكان طُلِبَ منه إلقاءُ درسٍ بين يدي الملك!
فلا والله ما رأيتُ حالاً لبست رجلاً أسوأَ من تلك الحال التي رأيتها لَبِسَتْه ، حتى لكأنَّ الرَّائية ، يحسب مصيبةً حلَّت به ، فهو لا يُحسن معها إلا التَّسليم ، لما قضى الله فيه بها!!
أخذته الرُّحَضاءُ ، وتلَعَثَمَ لسانهُ ، واصطكَّت أسنانهُ ، وانفَرَجَت شفتاه فلا تمسكان على جملةٍ تامَّةٍ ، وعراه اضطرابٌ وفَزَع ، وخِلتُهُ أنَّه لا يدري ما يجري به لسانهُ ، لكثرة ما أخطأ ، فلا أراك الله ما أصابه ، ولا ابتلاك بما نابَه ، ولا آلمَكَ ما هَتَم نابَه ، ومثلُه في ذلك كلِّه –عافانا الله وإيَّاك- كلُّ مَن ناب منابَه!
ولا أحسب أحداً من الجلوس ، إلا وقد أشفق عليه ، ورجا أن يؤذَن له في الخلاص من سوءِ الحال التي لبسته.
وفي اليوم الثاني ، طُلبَ مني أن أُعقِّبَ على درسه في إحدى قاعات وزارة الأوقاف المغربيَّة ، وكان ممَّا أذكر من كلامي الذي عَقَّبتُ به على درسه:
كنت أودُّ أن نَسمع ، أنَّ الأستـاذ شيخ لطريقةٍ ، لا شيخ لطرق كثيرة ، وما أكثرها في مصر –وهي والحمد لله (على كل حال) تزدادُ يوماً بعد يوم- إذ كيف يكون مقبولاً شرعاً تعدد الطُّرق ، والله سبحانه لم يجعل لعباده المؤمنين إلاّ طريقاً واحدة ، وهي طريق الكتاب والسُّنَّة ،التي ترك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه عليها ، وأمرهم بالبقاء عليها ، ونهاهم عن المخالفة عنها ، وهي التي ذكرها الله ووصفها في كتابه ، {وأنَّ هذا صراطي مُستقيماً فَاتَّبِعوهُ ولا تَتَّبعوا السبُّـل فَتَفَرَّقَ بكُم عَن سبيله } ، ولا إخالُ إلا أنَّ الأستـاذ على ذُكرٍ من هذه الآيـة من كتاب الله ، فكيف يرضى أن يكون شيخاً لطرق كثيرة ؟!
وكان حريَّاً بالأستـاذ الشيخ –وهو الآن في بلادٍ عامَّة أهلِها مالكيُّون- أن ينسى مشيخته هذه ، فشيخهم واحد وَهُو الأمام مالكٌ رضي الله عنه ، ومن الإحسان إلى من يدعوكَ ويكرمك ، أن تحسن إليه ، بما هو أهلٌ له ، وبما يُحبُّ.
وهنا أُذكّر المغاربة بأمرٍ لا يحسن غائباً عنهم ، وهو:أنَّهم قد أجمعوا على إمامة الإمام مالك لهم في الفقه ، والفقهُ يؤسِّس الإدركاتِ العلميَّة ، التي يقف بها الإنسـان على رغائب الهُدى ، فتنفي عنه الرَّذائل النَّفسيَّة ، والانحرافات الفكريَّة ، والزُّيوغ العقليَّة ، ولست بظانٍّ أنَّ أهل التَّصـوُّف يودُّون لأنفسهم أكثر من ذلك ، إن هم استطاعوا إدراكَها أو بعضاً منها.
إذاً ؛ فلماذا يَعْدِلُ المغاربة المالكيُّون عَن إمامهم الذي ينتسبون إليه في الفقه ، إلى إمامٍ آخر غيره في الطريقة والسُّلوك ، وهل للفقه ثمرة إلاّ سلوك الطَّريقة التي سلكها مِنْ قبلهِم إمامُهم مهتدياً فيها بالفقه ، الذي أفاده ، وتعلَّمه ، ثمَّ علَّمه تلامذتَهُ فنشروه في أرجـاءِ الأرض ؟!
وكيف لهم أن يعدلوا عنه إماماً في العلم والفقه ، وهم يعلمون –أو لا يعلمون- أنَّه رحمه الله كان من أكثر النّاس إعظاماً ، واتِّباعاً ، وأدباً ، وحبَّاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لحياته ، ونشأته ، وحرصه على أن يموت في المدينة أثر كبير جدَّاً، فيما منَّ الله به عليه ، من أدبٍ جمٍّ مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، واتِّباع له وإعظام في نفسه.
فكان حقَّاً للإمام مالك –رحمه الله- عليهم أن يقرءُوا سيرته جيِّداً ، ليتعلَّموا منها الكثير الكثير ، مِمَّا لم يُؤْثَرْ عَن شيوخ الطَّريق منه شيءٌ ، ثمَّ نسجَ لهم المريدون والأتباعُ سِيَراً ، وكراماتٍ ، لم يكن منها شيءٌ للأنبياء والرُّسل ، والحواريَّين ، والصَّحابة !!!
فلا أدري ، أضَنُّوا على أنفسهم بالإمام مالك ، بأن يجمعوا له الإمامتين ، وهو حقيق وجدير بهما؟! أم علموا من سيرته بأنَّهُ إمامٌ ورأسٌ في الفقه والعلم ، وأنَّه لم يبلغ مبلغ من اتَّخذوهم أئمَّةً في السُّلوك والطَّريقة ، فآثروا غيره عليه ؟!
كلاهما سيِّئٌ ، وما –والله- أحسنوا صنعاً ، فلو عقلوا الأمر عقلاً حسناً ، لعلموا أنَّ الإمام الفقيه ، هو الأجدرُ والأحقُّ أن يكون العارفَ بالله ، كما يُسَمَّوْنَ ، فالفقيهُ العالمُ ، يفوق في الفضل أسبقَ النّاس في العبادة ، لأنَّ الفقه جُنَّةٌ يَدَّرِئُ بها الفقيهُ من سهام الشيطان ، ولأنَّه أيضاً ، يمحو الله بعلمه رانَ الجهل والضَّلال عَن القلوب والعقول.