الثاني عشر : (ضعيف مكذوب) : مناقب ابن شهرآشوب: حدثت أبو عبد الله محمد بن أحمد الديلمي البصري، عن محمد بن أبي كثير الكوفي، قال : كنت لا أختم صلاتي ولا أستفتحها إلا بلعنهما، فرأيت في منامي طائرا معه تور من الجوهر فيه شئ أحمر شبه الخلوق، فنزل إلى البيت المحيط برسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق في عوارضهما، ثم ردهما إلى الضريح وعاد مرتفعا، فسألت من حولي من هذا الطائر ؟ وما هذا الخلوق ؟. فقال : هذا ملك يجئ في كل ليلة جمعة يخلقهما، فأزعجني ما رأيت فأصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما، فدخلت على الصادق عليه السلام، فلما رآني ضحك وقال : رأيت الطائر ؟. فقلت : نعم يا سيدي. فقال : اقرأ : * ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ) * فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها، والله ما هو بملك موكل بهما لاكرامهما، بل هو ملك موكل بمشارق الأرض ومغاربها، إذا قتل قتيل ظلما أخذ من دمه فطوقهما به في رقابهما، لأنهما سبب كل ظلم مذ كان.
والكلام على هذه الرواية من عدة أوجه :
1- من حيث السند :
أولاً : الرواية منقطعه بين أبو عبد الله الديلمي المعاصر لصاحب المناقب شهر آشوب المولود 488 هجرية وبين ابن أبي كثير الكوفي الذي هو من أصحاب الصادق المتوفى 148 هـ فيكون الأنقطاع 340 سنة على الأقل فتسقط الرواية لكونها مرسلة.
وثانياً : أن كلاً من أبو عبد الله الديلمي الشيعي وابن أبي كثير الكوفي لم يترجم لهما المتقدمين في كتبهم فهم مجهولين الحال غير معتبرين الرواية وإن قال بعضهم عن الكوفي أنه حسن الأعتقاد بناء على روايته فهذا ليس سوى أستحسان لا فائدة منه وغير حقيقي بل هو مردود على صاحبه.
ثالثاً: الذي لاحظته وتأكدت جزماً منه أن شهر آشوب صاحب المناقب لا يرويها عن أبو عبد الله الديلمي ولكن حتى الواسطة مجهولة ولو سلمنا جدلا أنه ينقل عن الديلمي فالرواية منقطعه وفيها سقط واضح.
2- من حيث التواتر :
فلم تتواتر هذه الرواية لا معنوياً ولا لفظياً على ما قدمناه من القاعدة عندنا أن على الرواية حتى تتواتر معنوياً يجب أن يتحقق فيها التواتر اللفظي أولاً وإلا فهي أخبار أحاد تحتاج إلى الرجوع إلى السند وبناء على قاعدة الشيعة بتحقق التواتر المعنوي بمجموع أخبار أحاد في قاعدتنا تحقق عندهم القول بالتواتر المعنوي حسب قاعدتهم في تحريف القرآن كما نص على ذلك علماء الشيعة وأما عند السنة فقد تحقق التواتر المعنوي دون اللفظي عن 9 من الصحابة في ذم الرافضة على لسان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأتهامهم بالشرك ومع ذلك فأهل السنة فلا يقولون بصحة أي رواية تذم الرافضة كما لا يمكن القول بصدور كل طرق روايات التواتر المعنوي عن المعصوم عند الشيعة فعلى ذلك يجب أن يرجع إلى السند ولا يصح أن نطلق عليه تواتراً معنوياً إلا في مقابل معارضة مؤيديه كأن نقول أمنا بالتوراة ونحن نقصد التوراة غير المحرفة في زمن موسى عليه السلام.
3- من حيث المتن :
أما قول الرواية : (عن محمد بن أبي كثير الكوفي، قال : كنت لا أختم صلاتي ولا أستفتحها إلا بلعنهما).
قلت : لماذا لم يلعن عقبة بن أبي معيط وهو المشهور عنه أنه كان قد ألقى فضلات مشيمة الناقة حين ولادتها على النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟
هذه الرواية تؤكد أن دين الشيعة دين سياسي فالشيعي يلعن من أغتصب الخلافة من علي رضي الله عنه أكثر مما يلعن من أذى النبي
لماذا لم يلعن الإمام علي (رضي الله عنه) الكفار الذين أذوا النبي في حياته ؟؟
أما قول الرواية : (فرأيت في منامي طائرا معه تور من الجوهر فيه شئ أحمر شبه الخلوق).
قلت : الخلوق في اللغة هو نوع من الطيب بني مائل إلى الأصفرار والدم لونه أحمر غامق.
قال الشيخ الشيعي الطريحي :
(وفي الحديث ذكر " الخلوق " هو كرسول على ما قيل : طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب والغالب عليه الصفرة أو الحمرة).
مجمع البحرين - الشيخ الطريحي - ج 1 - ص
693
قلت : والصواب من ذلك أن لونه بني مائل إلى الصفرة وليس أحمر غامق كالدم.
أما قوله : (فرأيت في منامي طائرا).
قلت : وسوف يتضح لك بعد ذلك أن هذا الطائر كان ملكاً من الملائكة حسب نفس الرواية ، وهذه الرواية تخالف أصلاً من أصول العقيدة عند الشيعة وهي أن الله عز وجل أكرم من أن يجعل المؤمنين في هيئة طيور وهذه صورة مكروهة للمؤمنين عند الرافضة فلا بد أن تكون بالتالي مكروه للملائكة بشكل أولى وإلا لزم الرافضة أنهم يتنقصون من الملائكة عليهم السلام وهذا نوع من أنواع النصب.
فقد روى الكليني عن :عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَرْوُونَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ حَوْلَ الْعَرْشِ فَقَالَ لَا الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ فِي حَوْصَلَةِ طَيْرٍ وَ لَكِنْ فِي أَبْدَانٍ كَأَبْدَانِهِمْ .الكافي للكليني (الفروع) - ج 3 ص 244 - طبعة أكبر غفاري - باب آخر في أرواح المؤمنين - حديث رقم (1).وحسنه المجلسي في مرآة العقول (14/221) - طبعة دار الكتب الإسلامية.
أما قول الرواية : (فدخلت على الصادق عليه السلام، فلما رآني ضحك وقال : رأيت الطائر ؟. فقلت : نعم يا سيدي. فقال : اقرأ : * ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ) * فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها).
فالجواب عليه :
لاحظ أن الراوي نسب إلى جعفر الصادق (رحمه الله) إدعاء معرفة الغيب من قبل نفسه فقد أخبره أنه رأى الطير وهم لم يقل له
وهذا يخالف الكتاب الحكيم فقد قال تعالى :
{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} النمل 65
وقال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الأعراف 188
أما الآية التي أستدل بها المعصوم (زعموا) فلو رجعنا للمصحف وجدنا أن إما أن المعصوم دلس وكذب على كتاب الله عز وجل ويا إما أن الرواية دلست وكذبت على كتاب الله وأنا أرى أن صاحب هذه الرواية هو من كذب وليس الإمام جعفر الصادق (رحمه الله) فالشيعة كذبوا على إمامهم المعصوم ونسبوا له هذه الرواية
الآيات في سورة المجادلة
لو رجعنا إلى سياق الآيات لوجدنا أن معنى النجوى هنا هي التناجي في المجالس بالسر وليس حديث النفس فهذا تدليس يحسب ضد الرافضة
أقرأ معي الآيات بتأمل وسوف تعرف أن مقصدها الحديث بين شخص وأخر في اليقظة وليس حديث النفس كما حاول الراوي أن يكذب على الإمام جعفر الصادق (رحمه الله) وكما حاول الشيعة أن يكذبوا على من أدعوا أنهم لهم أئمة (رحمهم الله) كجعفر الصادق وأدعوا محبتهم وواقعهم بغضهم لهؤلاء الأئمة من أهل البيت (رضي الله عنهم)
قال تعالى :
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{7}.المجادلة
قلت : لاحظ أن النجوى المقصودة بالآية بناء على سياق القرآن الكريم هي ليست حديث النفس كما في الرواية المكذوبة على جعفر الصادق التي كذبها الشيعة ، ولكن المقصود هي الحديث بين أشخاص في اليقظة بحيث لا يسمعهم جميع من في المجلس.
إلى أن قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ{8} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{9} إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{10} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{11} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{12}.سورة المجادلة 7 - 12
قال شيخ أهل السنة ابن جرير الطبري في "تفسيره":
(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عني به مناجاة المنافقين بعضهم بعضا بالاثم والعدوان ، وذلك أن الله جل ثناؤه تقدم بالنهي عنها بقوله إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول).
جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 28 - ص 22 - 23 - طبعة دار الفكر (بيروت - لبنان) - 1415 هـ.
وقال الآلوسي وهو من مشايخ أهل السنة :
(ومن الغريب ما قيل : إن الآية نازلة في المنامات التي يراها المؤمن في النوم تسوؤه ويحزن منها فكأنها نجوى يناجي بها ، وهذا على ما فيه لا يناسب السباق والسياق كما لا يخفى).
تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 28 - ص 27
ومن ثم تجد حتى مفسري الشيعة على تعصبهم لمذهبهم وروايات الطعن في أبي بكر وعمر يقرون أن هذه الآية ليست في حديث النفس وإنما هي في اليقظة بين شخصين فأكثر كما بينا سابقاً.
قال العلامة الشيعي الطباطبائي :
قوله تعالى : " إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله " الخ ، المراد بالنجوى - على ما يفيده السياق - هو النجوى الدائرة في تلك الأيام بين المنافقين ومرضى القلوب وهي من الشيطان.
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 19 - ص 187 - طبعة منشورات جماعة المدرسين (قم).
وقال شيخهم ناصر مكارم الشيرازي :
(في قوله تعالى : إنما النجوى من الشيطان . . . ولذلك فلا حاجة بالتحدث عن مثل هذه الأعمال بالهمس والنجوى ، أو في اجتماعات سرية).
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 3 - ص 452
فهم يعترفون أن هذه الآية بالذات لا علاقة لها بحديث النفس أبدا ولكن بالحديث في اليقظة مع أشخاص أخرين بحيث لا يسمعون جميع من في المجلس فهذا هو التناجي.
ومن ثم هل يليق أن نقول أن الإمام المعصوم عندكم أستدل بآية في غير محلها ؟؟
إن قلتم / نعم ، فقد وقعتم في مشكلة فكيف معصوم عصمة تامة عندكم وتزعمون أنه أخبركم بعصمته ومن ثم ظهر ما ينافيها بهذه الرواية فيلزمكم تكذيبه.
وإن قلتم / لا ، عصمة الإمام تلزم أنه لا يستدل بآية في غير محلها ، فيلزمكم أسقاط هذه الرواية عن الأعتبار لتحفظوا ماء وجه معصومكم وتلزمكم قرائن خارجية من الروايات للطعن في أبي بكر وعمر.
وفي النهاية لاشك أن هذه الرواية عليها أشكالات في متنها ، ولكن لنفرض أن الراوي كان محترفاً بوضع الرواية أو صاحبه الحظ برواية لا إشكال ظاهرياً في متنها بحيث لا يكشف فيكفي أن السند إما مجهول أو ضعيف أو منقطع حتى تترك الرواية ولا داعي للبحث في متنها إلا للكماليات فقط.