تحريض الموروث الروائي الشيعي لهتك مقدسات المسملين (1) سرقة الحجر الأسود ونقله للكوفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فلا شك بأن الكل يعلم بتطاول القرامطة على بيت الله تعالى بالسلب والنهب وقتل الحجيج ثم ختموها بسرقة الحجر الأسود ونقله ؛ فإنه من الجرائم التي لا ينساها التاريخ أبداً لما فيه من هتك لحرمة بيت الله الذي جعله سبحانه مثابةً للناس وأمناً ..
ولكن الذي لا يعلمه الكثير هو أن القرامطة قد نقلوا الحجر الأسود إلى مسجد الكوفة ووضعوه هناك ، فلماذا يا تُرى فعلوا ذلك ؟!
تعالوا معي لنتأمل في هذه الرواية التي ينقلها رئيس محدثيهم ابن بابويه القمي في أحد الكتب الأربعة المعتمدة عندهم وهو كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) ( 1 / 231-232 ) ( رواية رقم 696 ) ، وكذلك أوردها في كتابه ( الأمالي ) ( ص 298 ) في بيان فضائل مسجد الكوفة:[ وروي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال : " بينا نحن ذات يوم حول أمير - المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة إذا قال : يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب به أحداً من فضل مصلاكم بيت آدم ، وبيت نوح ، وبيت إدريس ، ومصلى إبراهيم الخليل ، ومصلى أخي الخضر عليهم السلام ، ومصلاي ، وإن مسجدكم هذا لأحد الأربعة المساجد التي اختارها الله عز وجل لأهلها ، وكأني به قد أتي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين يتشبه بالمحرم ويشفع لأهله ولمن يصلي فيه فلا ترد شفاعته ، ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه ، وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي ، ومصلى كل مؤمن ، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به أو حنَّ قلبه إليه ، فلا تهجروه ، وتقربوا إلى الله عز وجل بالصلاة فيه وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم ، فلو يعلم لناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبوا على الثلج " ].
فتأملوا في هذه الرواية التي تتحدث عن نقل الحجر الأسود فيه ، فستجدون أن سياقها يتكلم عن حادثة النقل بأسلوب الترغيب والتشريف لمسجد الكوفة ..
فلم تتحدث الرواية عن الحادثة بطريقة الاستنكار والتجريم لمن يقوم به ، كما حدثنا القرآن عمن ينحر ناقة صالح بقوله تعالى ( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ) فوصفه بأبشع الأوصاف تجريماً له ، فتأملوه فإنه دقيق ..
وكأن الرواية تقول: مَنْ هو البطل الموفَّق الذي سيشرف مسجد الكوفة بنصب الحجر الأسود فيه ؟!
فأقدم القرمطي الزنديق على جريمته النكراء ليكون هو الشخص الذي سيشرف مسجد الكوفة بنصب الحجر الأسود فيه تحقيقاً لما أخبرت به تلك الرواية التحريضية الموبوءة !!
وأما حقيقة نقل الحجر الأسود إلى الكوفة فقد اتفقت عليها أقوال كبار علماء ومؤرخيّ الشيعة وأهل السنة وكما يلي:
أ- أقوال علماء ومؤرخي الشيعة الإمامية:
1- يذكر هذه الحقيقة علامتهم محمد باقر المجلسي في عدة أقوال من كتابه ( بحار الأنوار ) ومنها:
أ- أورد مقطعاً من خطبة منسوبة لعلي رضي الله عنه - نقلاً عن ابن أبي الحديد - تثبت نفس المضمون ، فقال في ( 40 / 191 ):[ وفي هذه الخطبة قال وهو يشير إلى السارية التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة " كأني بالحجر الأسود منصوبا ههنا ، ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه وأسه ، يمكث ههنا برهة ثم ههنا برهة - وأشار إلى البحرين - ثم يعود إلى مأواه وأم مثواه " ووقع الأمر في الحجر الأسود بموجب ما أخبر به عليه السلام ].
ب- قال في ( 50 / 338 ):[ والقرامطة هدموا الكعبة ، ونقلوا الحجر الأسود ، ونصبوه في مسجد الكوفة ].
ج- قال في ( 97 / 390 ):[ بيان : نصب الحجر الأسود فيه كان في زمن القرامطة حيث خربوا الكعبة ونقلوا الحجر إلى مسجد الكوفة ثم ردوه إلى موضعه ].
2- يذكر علامتهم علي النمازي الشاهرودي عدة أقوال تؤكد هذه الحقيقة وذلك في كتابه ( مستدرك سفينة البحار ) ومنها:
أ- قال في ( 5 / 232 ):[ سنة 310 دخل القرامطة في أيام الموسم بمكة وأخذوا الحجر الأسود وجاؤوا به إلى الكوفة ].
ب- قال في ( 2 / 220 ):[ إخبار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن قصة الحجر الأسود ونقله إلى الكوفة والبحرين ثم رده إلى موضعه من البيت ].
ج- قال في ( 8 / 49 ):[ ثم ذكر أخباره الراجعة إلى القرامطة ، وقضايا الحجر الأسود وانتقاله إلى الكوفة وقضايا البحرين ].
3- يذكر خاتمة محدثيهم حسين النوري الطبرسي في كتابه ( خاتمة المستدرك ) ( 2 / 297 ):[ لما نهبت القرامطة مكة في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ، وأخذوا الحجر ، وأتوا به إلى الكوفة ، وعلقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنه قال ذات يوم بالكوفة : لا بد أن يصلب في هذه السارية وأومأ إلى السارية السابعة . والقصة طويلة ].
4- يقول شيخهم حسين الشاكري في كتابه ( موسوعة المصطفى والعترة (ع) ) ( 8 / 377-378 ):[ إخباره ( عليه السلام ) عن الحجر الأسود بأنه يعلق في الجامع الأعظم في الكوفة . وتحقق ذلك أيام القرامطة فقد أخذوه من الكعبة ، وجعلوه في جامع الكوفة لاعتقادهم أن الحج يدور مداره ، وقد أرادوا أن يكون الحج إلى مسجد الكوفة وبقي فيه مدة تقرب من عشرين عاما ثم أرجع إلى مكانه ].
5- يقول علامتهم ومحققهم المرعشي في كتابه ( شرح إحقاق الحق ) ( 12 / 184-185 ):[ ومنها ما رواه القوم : منهم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي الشافعي المتوفى سنة 845 في كتابه ( اتعاظ الحنفاء ) ( ص 245 ط مصر دار الفكر العربي ) حيث قال في ترجمة الصناديقي : فلما كان في سنة تسع وثلاثين وثلاثمأة أرادوا أن يستميلوا الناس فحملوا الحجر الأسود إلى الكوفة ونصبوه فيها على الاسطوانة بالجامع . وكان قد جاء عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بـ ( الباقر ) إن الحجر الأسود يعلق في مسجد الجامع بالكوفة في آخر الزمان ].
ب- أقوال علماء ومؤرخي أهل السنة:
1- يقول الإمام الحافظ ابن عساكر في كتابه ( تاريخ مدينة دمشق )( 13 / 362-363 ):[ ذكر أبو الغنائم عبد الله بن الحسن بن محمد بن النسابة أنه اجتمع به بدمشق وحكى عنه أنه كان قد عمر قال وحدثني قال كنت بالكوفة وأنا صبي بالمسجد الجامع وقد جاء القرامطة بالحجر الأسود وكان أهل الكوفة قد رووا عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه انه - قال كأني بالأسود الديداني من أولاد حام قد دلى الحجر الأسود من القنطرة السابعة من مسجدي هذا يقال له رخمة وذكروا اسمه بالخاء رخمة ، قال فلما دخلوا المسجد قال السيد القرمطي يا رخمة بالخاء قم فقام أسود ديداني من أولاد حام كما ذكر أمير المؤمنين فأعطاه الحجر وقال اطلع إلى سطح المسجد ودل الحجر فأخذه وطلع فجاء يدليه من القنطرة الأولى وكان إنسانا دفعه إلى الثانية وكان كلما أراد أن يدليه من قنطرة مشى إلى قنطرة أخرى حتى وصل إلى القنطرة السابعة فدلاه منها فكبر الناس بقول أمير المؤمنين وتصحيح قوله ].
وقد نقلها عنه العلامة جلال الدين السيوطي في كتابه (كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحببيب ( الخصائص الكبرى ))( 2 / 161-162 ) ..
وكذلك نقلها علامة الشيعة محسن الأمين في كتابه ( أعيان الشيعة )( 5 / 362-363 )
2- يقول العلامة محمد بن عبد الله القيسي الدمشقي ( ابن ناصر الدين ) في كتابه ( توضيح المشتبه )( 4 / 153 ):[ رخمة الذي علق الحجر الأسود بالسابعة من جامع الكوفة حين جاء به القرامطة من مكة ، أو الذي ناوله لمن علقه .. وذلك في سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة ، فرده القرامطة ، وجاؤوا به إلى الكوفة ، وعلقوه على الأسطوانة السابعة من أساطين جامع الكوفة ، والقصة مشهورة ].
3- يقول الشيخ محمد بن أحمد المكي الحنفي في كتابه ( تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف )( ص 177 ):[ ثم انصرف ومعه الحجر الأسود وعلقه على الأسطوانة السابعة من جامع الكوفة ، يعتقد أن الحج ينتقل إليها ].
4- يقول العلامة أبو فرج ابن الجوزي في كتابه ( المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ) ( 14 / 80 ):[ وفي ذي القعدة : رد الحجر الأسود الَّذي كان أبو طاهر سليمان بن الحسن الهجريّ أخذه من الكعبة ، وعلَّق على الأسطوانة السابعة من مسجد الكوفة ].
5- يقول الإمام الحافظ ابن كثير في كتابه ( البداية والنهاية )( 11 / 252 ):[ فلما كان في هذا العام حملوه إلى الكوفة وعلقوه على الأسطوانة السابعة من جامعها ليراه الناس ].
6- يذكر العلامة شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويريّ في كتابه ( نهاية الأرب في فنون الأدب )( 25 / 303 ):[ وفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة أراد القرامطة أن يستميلوا أهل الإسلام ، فحملوا الحجر الأسود وأتوا به الكوفة ، فنصبوه في المسجد الجامع على الأسطوانة السابعة في القبلة ممّا يلي صحن المسجد حتى يراه الناس ثم حملوه إلى مكة شرفها اللَّه تعالى ].
7- يقول العلامة بدر الدين العيني في كتابه ( عمدة القاري )( 9 / 242 ):[ فعلقه لعنة الله عليه على الأسطوانة السابعة من جامع الكوفة من الجانب الغربي ظنا منه أن الحج ينتقل إلى الكوفة ].
8- يقول العلامة ابن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ )( 8 / 486 ):[ حملوه إلى الكوفة وعلقوه بجامعها حتى رآه الناس ثم حملوه إلى مكة ].
9- يقول ياقوت الحموي في كتابه ( معجم البلدان )( 2 / 224 ):[ وجاؤوا به إلى الكوفة وعلقوه على الأسطوانة السابعة من أساطين الجامع ثم حملوه وردوه إلى موضعه ].
وهكذا تبين لنا أن تلك الرواية الموبوءة كانت وراء التحريض لجريمة سرقة الحجر الأسود وانتهاك حرمة بيت الله الحرام ..
بل ومن الخبث الذي حوته هذه الرواية هو صرفها أنظار الناس - بإخراج سينمائي احترافي - من مشهد بشاعة الجرائم النكراء التي قام بها القرامطة عند الكعبة ، إلى مشهد وضع الحجر الأسود في الاسطوانة السابعة من مسجد الكوفة ليحتفل الناس بتشريفه وبتحقيق نبوءة علي رضي الله عنه على يد ذلك البطل القرمطي !!!